وتأتي أهمية الجانب الثقافيّ لأيّ لُغة، لكون اللُّغة لا تنفصل عن الثقافة، وهذه حقيقة مهمّة، وعلى سبيل المثال:
بالرغم من اعتبار الإحصاءات أن اللُّغة الإنجليزية هي اللُّغة الأولى في العالم، إذْ يتحدَّث تلك اللُّغة واحد من بين كل خمسة أشخاص، أي خُمس سُكّان العالم تقريباً، إلاّ أنّ ذلك لا يكفي، إذْ ينحدر هؤلاء من ثقافات وقِيم ومُعتقَدات وبلدان مختلفة، فالإنجليزية في بريطانيا ليست هي الإنجليزية المتداوَلة في أستراليا أو في أمريكا أو في الهند.
كما أن اللُّغة لا تنفصل عن التخصُّص وطبيعة العمل، فلكلّ مهنة وتخصُّص المصطلحات الفنية والمعاجم اللُّغوية الخاصّة بها، والتي يُدركها أهلها.
إذا نظرنا إلى سوق العمل وانفتاحها، نتيجة للعولمة واختلاف أسعار الأيدي العاملة من مكان إلى آخَر، نجد أن ذلك أدّى إلى سَعْي أصحاب العمل والمؤسَّسات الكبرى ورؤوس الأموال إلى الاستفادة من تلك الميْزة، والبحث عن العمالة التي تُقلِّل التكاليف وتُعظِّم الأرباح، ومِن ثَمّ ظهرت تحديات عديدة، فالعالم ليس نسخة واحدة مُكرَّرة من البَشَر، العالم مُتنوِّع والناس مختلفون في طبائعهم، وألوانهم، وثقافاتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، ولُغاتهم.
لذا فإن اللُّغة المتداوَلة في العديد من المؤسَّسات والشركات وخاصّة الدولية والمختلَطة أو المتعدِّدة الجنسيات، تزداد حيويتها وأهميتها لأنّها تعني:
- سهولة تداول المعلومات والبيانات المتعلِّقة بالعمل بين العاملين والموظَّفين.
- سهولة فَهْم التعليمات والتوجيهات والأوامر الصادرة من وإلى الإدارة.
- توثيق العلاقات ما بين الزُمَلاء.
- سهولة فَهْم المصطلَحات الفنية المتعلِّقة بطبيعة العمل.
- فتح آفاق أمام شركات الأعمال في إيجاد موارد لصناعاتها.
- فتح أسواق جديدة لمنتَجاتها.
- تذليل العقبات أمام المموِّلين والمساهمين من جميع أنحاء العالم.
من هنا تأتي أهمية تبنِّي واعتماد برامج تدريبية مُكثَّفة من قِبَل المعنيين، لكسر الحاجز اللُّغويّ والثقافيّ، ولإكساب العاملين المهارات المتعلِّقة بالتخاطُب والاستماع والكتابة، بما يعود عليها في النهاية بتقوية وتعزيز الروابط، وزيادة التواصل فيما بينها وبين العاملين من جهة، وما بين العاملين بعضهم بعض من جهة أخرى.
إن هناك العديد من الفوائد التي يمكن أن تعود على المؤسَّسة، في حال تمت العملية التدريبية بنجاح، ومن هذه الفوائد:
1. الأداء الجيِّد والمتناغِم وتعاظُم رُوح الفريق
إن أهمية وحيوية رُوح الفريق وتأثيره في النجاح الكلّي داخل مكان العمل، وبناء جسور التواصل والتفاهم بين العاملين من مختلِف الأقسام والمستويات الوظيفية، هي من أولويات أيّ مؤسَّسة أو مصنع أو شركة، لأن العديد من المؤسَّسات تعتمد إلى حَدّ كبير على فِرَق العمل، ويرى أكثر من 70 % من الذين خضعوا لتلك البرامج التدريبية أنّ رُوح الفريق تعزَّزتْ بشكل كبير، في حين يرى أقلّ من 70 % أن فاعلية الإشراف والمتابعة قد تحسَّنتْ نتيجة لتحسُّن الأداء اللُّغويّ.
يتمّ تصميم برامج تدريب مُتخصِّصة بهدف إكساب المتدرِّبين المهارات اللُّغوية المطلوبة، بتوجيه وإشراف ومتابعة من قِسم التنمية والموارد البشرية داخل المؤسَّسة، والذي يعكس احتياجاتها، إلى جانب تهيئة وإعداد فصول عملية للمتدربين داخل مكان العمل، لتطبيق ما تعلـّموه أَوّلاً بأَوّل، لأهمية الجانب العمليّ والمواقف الواقعية داخل بيئة ومكان العمل.
على أن ينقسم البرنامج إلى مستوييْن:
المستوى الأَوّل ويتناول مهارات الاتصال الأساسية مثل:
- التواصل والتخاطب مع المتعاملين.
- كيفية إعطاء وتلقِّي التعليمات البسيطة.
- تعلُّم المصطلحات الفنية والمهنية المتعلِّقة بالعمل.
- طُرُق وأساليب التعامل مع الإدارة والمشرفين والمستويات الأعلى داخل المؤسَّسة.
- أساليب التخاطب والتعامل مع الزُمَلاء.
- مصطلحات النُّظُم والبروتوكولات المتعلِّقة بالعمل.
- استخدام الألفاظ والعبارات المتقدِّمة وتقديم العروض الحوارية.
- المحادثات الهاتفية.
- التدريب على كتابة وقراءة التقارير الخاصّة بالعمل.
- الحوارات الأخرى جميعها والتي قد يحتاجها العامل، والمتعلِّقة بالثقافة اللُّغوية داخل بيئة العمل.
ومن المهمّ عمل تقييمات للعاملين والمتدرِّبين تسبق عملية التدريب، ثمّ عمل تقييمات أخرى بعد انتهاء عملية التدريب، للتحقق من مدى التقدم الذي أحرزوه، ولتقييم العملية التدريبية ككلّ.
إن السلبية في التخاطب مع الزُمَلاء والتي تظهر في صور مُتعدِّدة، مثل الصمت أو استخدام التعبيرات البسيطة والضعيفة، أو العبارات الهجينة التي لا تُعطِي المدلول والمعنى المناسب، أو التي تُسبِّب التباساً وعدم وضوح في المعنى، إلى جانب الاعتماد على المعاني والكلمات المطلَقة الفضفاضة، أو العجز عن تقديم الشرح المناسب للتعبير، أو توصيل المعنى المطلوب، كلّ هذه عقبات وحواجز تعيق التواصل، والاندماج بين زُمَلاء العمل من ثقافات مختلفة.
لذلك فإن الموظَّف المتميِّز الإيجابيّ والمدرَّب، والمدرِك للُغة وثقافة المؤسَّسة والعاملين فيها، يُعَدّ ثروة تسعى أيّ مؤسَّسة إلى امتلاكها. ومن خلال البرامج التدريبية يتمكَّن العاملون من الوصول إلى هذا المستوى من التعاون والتواصل مع زُمَلاء لهم، كانت اللُّغة في السابق تُشكِّل حاجِزاً وعائقاً فيما بينهم.