10-11-2011, 03:40 PM | #1 |
|
من كتاااااب اخبار النســــاء ((( الغيرة )))
باب ما جاء في الغيرة
يروى عن عروة بن الزّبير، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت سمعت رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، يقول وهو على المنبر: " لا شيء أغير من الله. " وعن عبد الله بن مسعودٍ أنّه قال: أنّ الله ليغار للمسلم فليغر وعنه، وعن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: " ليس شيءٌ أغير من الله ، من أجل ذلك حرّم الفواحش. " وعن كعب بن مالك أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، قال: " الغيرة، غيرتان: فغيرةٌ يحبّها الله، وغيرةٌ يكرهها الله " . قلنا يا رسول الله، ما الغيرة التي يحبّها الله، قال: " أن يغار أن يأتي معاصي الله، وينتهك محارمه " . قلنا وما الغيرة التي يكرهه: قال " أن يغار أحدكم في غير كنهه. " وعن عبد الملك بن عمير بن عبد الله بن بكار أنّه قال: " الغيرة غيرتان: غيرةٌ يصلحها بها الرّجل أهله، وغيرةٌ تدخله النّار " . ويروى: أنّ سارة كانت تحبّ إبراهيم خليل الرّحمن. فمكثت معه دهراً لا ترزق ولداً، فلمّا رأت ذلك وهبت له هاجر، وكانت أمةً لها قبطيّةً، فولدت لإبراهيم إسماعيل، صلّى الله عليهما، فغارت من ذلك سارة ووجدت في نفسها، وعتبت على هاجر. فحلفت لتقطعنّ عضواّ من أعضائها فقال لها إبراهيم، صلّى الله على نبينا وعليه: هل لك أن تبري يمينك؟ قالت: كيف أصنع؟ قال: أثقبي أذنيها وخصّفيها. والخصف هو الخياطة. ففعلت ذلك بها، فوضعت في أذني هاجر قرطين فازدادت حسناً. فقال سارة: إنّي إنّما زدتها جمالاً: فلم تتركه على كونها معه. ووجد بها إبراهيم وجداً شديداً، فنقلها إلى مكّة وكان يزورها في كلّ وقتٍ من الشّام لشغفه بها، وقلّة صبره عنها. الكلام عن بعد ممنوع وعن ابن أبي مليكة: أنّ ابن عمرو سمع امرأته تكلّم امرأةً من وراء جدار، بينها وبينها قرابةً لا يعلمها ابن عمرو، قال: فجمع لها جرائد ثمّ أتى فضربها بها. عادةٌ غير مستحسنةٍ وعن علقمة: أنّ معاذ بن جبل كان يأكل تفّاحةً ومعه امرأته فدخل علها غلامٌ، فناولته أمرأته تفّاحةً قد أكلت منها فأوجعها ضرباً. غيرة المرأة على قدر لذّتها وقال بعضهم: لذّة المرأة على قدر شهوتها، وغيرتها على قدر لذّتها. واستدل بإفراط غيرتها على إفراط حرصها. وهذا القول خطأ قد علمنا أنّ الرّجل أشدّ غيرةً على المرأة من المرأة على الرّجل. وربّما كان الذي يبدو من المرأة عند تسرّي زوجها بالسّراري وتزويجه المهيرات، وحين تراه مع بعضهنّ توهيماً للفعل أنّ ذلك من الطّربة والكراهة المشاركة فيه. وبعض ذلك يكون من طريق الألفة والنّفاسة به، وليس شكل ما تلقى المرأة إذا رأت فراشها، من شكل ما يلقى الرّجل إذا رأى على فراش امرأته رجلاً. لأنّ المرأة قد عاينت أنّ الرّجل له أربع نسوةٍ وألف جاريةٍ يطؤهنّ بملك اليمين، لما أحلّه الله في الشّريعة. وكذلك غيرة فحول الحيوان على إناثها، لأنّ فحل الحيوان يقاتل دونها كلّ فحلٍ يعرض لها حتّى تصير إلى الغالب. قال الرّاجز. يغار والغيرة في خلق الذّكر والأمم تختلف في الغيرة. فمن الصّقالبة ناسٌ لا يتزوّجون من قربٍ منهم في النّسب ولا الدّار. وإذا مات البعل خنقت المرأة نفسها أسفاً عليه. عائشة تغار على خديجة عروة بن الزّبير، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما غرت على امرأةٍ لرسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، ما غرت على خديجة. ولقد هلكت قبل أن يتزوّجني بثلاث سنينٍ، لما أسمع من كثرة ذكره إيّاها. وكان يذبح الشّاة فيفرّقها على صدائق خديجة. قال ودخل رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، على خديجة وهي في مرضها الذي توفّيت فيه فقال لها: " بالكره منّي يا خديجة ما أرى منك، وقد يجعل الله في الكره خيراً كثيراً. أما علمت أنّ الله زوّجني معك في الجنّة مريم ابنة عمران، وكلثم أخت موسى، وآسية امرأة فرعون؟ " قالت: وقد فعل الله ذلك برسوله؟ قال: " نعم " . قالت: فبالرّفاء والبنين. والمرأة في الهند إذا مات زوجها وأرادوا حرقه، جاءت ليحرقوها معه. والدّيلميّ يخرج من الدّيلم إلى حدود ما بين دار الإسلام والدّيلم، ومعه امرأته وإخوانه وعمّاته فيبيعهنّ صفقةً واحدةً، ويسلّمهنّ إلى المبتاع، لا تدمع عينه ولا عينٌ واحدةٍ من عياله. تكرّم طبرستان من العجائب وأهل طبرستان لا يتزوّج الرّجل الجارية منهنّ حتّى يستبطن بها حولاً محرّماً ثمّ يقدم بها فيخطبها إلى أهلها ويتزوّجها، ثمّ يزعمون مع ذلك أنّه يجدها بكراً، وقد عانقها في إزارٍ واحدٍ سنةً كاملةً وهو لا يستبطن بها، ويحتمل وحشة الاغتراب، وانقطاع الأسباب. وإنّ من أعجب العجب أن يمكثا متعانقين في لحافٍ واحدٍ يحتجران عن ألّذ الأمور تكرّماً. وهذا التّكرّم عند علوج طبرستان من العجائب. ثلاث خصالٍ من السّؤدد قال معاوية، رضي الله عنه: ثلاث خصالٍ من السّؤدد، الصّلع، واندماج البطن، وترك الإفراط في الغيرة. غيرة قيس بن زهير ولمّا نزل قيس بن زهير ببعض العرب قال لهم: أنّي غيورٌ، وأنا فخورٌ، وأنا أنفٌ، ولكن لا أغار حتّى أرى، ولا أفخر حتّى افعل، ولا آنف حتّى أضام. فعابوه بقوله لا أغار حتّى أرى ويظنّ به إنّما عني رؤية السّبب لا رؤية المرافقة. وعابوا معاوية أيضاً بقوله هذا ونسبوه إلى قلّة الغيرة وما أرى في قوله وترك الإفراط في الغيرة عيباً لأنّ الإفراط المجاوز للحقّ ولمقدار المصلحة وظلم الخليلة العفيفة والحرمة الكريمة غير لائقٍ. وعاب النّاس قول هدبة بن خشرم حيث يقول: فلا تنكحي إن فرّق الدّهر بيننا ... أغمّ القفا والوجه ليس بأنزعا فهذا يأمرها بتزويج الأنزع القليل شعر القفا والوجه. ولا أرى فيه عيباً أيضاً لأنّ إنّما قال ذلك ليذكّرها جمال نفسه ليزهدها في غيره. عبد الملك يعيب قولاً على نصيب وأمّا قول نصيبٍ: أهيم بدعدٍ ما حييت وإن أمت ... فيا ليت شعري من يهيم بها بعدي فإنّي لم أجد له تأويلاً. وعاب ذلك عليه عبد الملك بن مروان، وقال لجلسائه: أو لو كنتم قائلين هذا البيت ما كنتم تقولون؟ قالوا: لا ندري، فكيف كان أمير المؤمنين قائلاً: قال: كان يقول: أهيم بدعدٍ ما حييت فإن أمت ... فلا صلحت دعد لذي خلّةٍ بعدي بعض عادات العرب وكان الرّجل من العرب إذا خرج مسافراً بدأ بالشّجرة يعقد خيطاً على ساقها أو على غصنً من أغصانها، فإذا رجع إلى أهله بدا إلى الشّجرة فنظر إلى الخيط، فإن كان منحلّاً حكم أنّ امرأته خانته، وإن كان على حاله حكم أنّها حفظته. وأنشد أبو زيدٍ النحويّ: هل ينفعك اليوم إن همت بهم ... كثرة ما توصي وتعفي والرّتم والرّتم اسمٌ للخيط الذي يعقد في الخنصر لتذكّر الحاجة. وكان معاوية بن أبي سفيان يتمثّل بقول الشّاعر: ومراكبٍ رجع السّلام بكفّه ... ومودّعٍ لم يستطع تسليما الغيور المتمطّق وقال آخر: وأضحى الغيور، أرغم الله أنفه، ... على ملتقانا قائماً يتمطّق وقد مدّ شدقيه من الغيظ والأذى ... كما مدّ شدقيه الحمار المحنّق الغيور في نظر الرّاعي وقال الرّاعي: وظلّ الغيور آرضاً ببنانه ... كما عضّ برذون على الفاس جامح لقد رابني أنّ الغيور يودّني ... وأنّ نداماي الكهول الجحاجح وصدّ ذوات الظّعن عنّي وقد رأت ... كلامي لمراء السّنا الطّوامح؟ ابن الدّمينة وخميص الحشا وقال عبد الله بن الدّمينة: ولمّا لحقنا بالحمول، ودوننا ... خميص الحشا تؤذي القميص عواتقه، عرضنا، فسلمنا، فسلم كارهاً ... علينا، وتبريحٍ من الغيظ خانقه. فرافقته مقدار ميلٍ وليتني، ... على زعمه، ما دمت حيّاً أرافقه الدّارميّ لا يفارق عرسه وقال مسكين الدّارميّ: وإنّي امرؤٌ لا ألقى إلاّ قاعداً ... إلى جنب عرسي لا أفارقها شبرا ولا مقسمٌ لا تبرح الدّهر بيتها ... ليجعلها قبل الممات لها قبرا. إذا هي لم تحصن أمام قناعها، ... فليس بمنجيها بنأيٍ له قصرا، ولا حاملي ظنّي، ولا قول قائلٍ ... على غيرها، حتّى أحيط بها خبرا. فهبني امرأً راعيت ما دمت شاهداً ... فكيف إذا ما سرت عن بيتها شهرا؟ وقال مسكين أيضاً: ألا أيّها الغائر المستشيط، ... على ما تغار إذا لم تغر؟ تعار على النّاس أن ينظروا! ... وهل يغبن للحاصنات النّظر؟ فما خير عرسٍ إذا خفتها ... وبتّ عليها شديد الحذر؟! تكاد تصفّق أضلاعه ... إذا ما رأى زائراً أو زفر. فمن ذا يراعي له عرسه ... إذا ضمّه، والمطيّ، السّفر؟ شعراء ماتوا قتلاً وثلاثةٌ من شعراء أولاد العجم ممّن كان مشتهراً بالقول مذكوراً، بالشّعر بالبادية، كلّهم قتلوا منهم: وضّاح اليمن، ويسار الكواعب، وسحيم عبد بني الحسحاس. وإنّما قتلوا كفّاً عن أولئك النّساء، وحفظاً لهنّ، حين رأوا التعرّض، وشنعة تلك الأشعار لا يشغلهم عنها إلاّ قتلهم مخافة أن يكون ذلك القتل يحقّق المقالة القبيحة. ألا ترى أنّ الحجّاج بن يوسف في عتوّه لم يتعرّض لابن نميرٍ في تشبّهه بزينب أخته مخافة أن يكون ذلك سبباً للخوض في ذكرها. فيزيد زائدٌ، ويكثر مكثّرٌ. وكذلك معاوية بن أبي سفيان لم يعترض لعبد الرّحمن بن حسّان بن ثابت وكان يتشبّب بابنته، حتّى قال: ثمّ حاضرتها إلى القبّة الخضراء ... نمشي في مرمرٍ مسنون شعر سحيمٍ الإباحيّ ومن أحقّ بالقتل من سحيم عبد بني الحسحاس؟ حيث يقول: وبتنا وسادانا إلى علجانةٍ ... وحقفٍ تهاداه الرّياح تهاديا توسّدني كفّاً وتثني بمعصمٍ ... عليّ، ونحوي رجلها من ورائيا وهبّت شمالٌ آخر الليل قرّةً ... ولا ثوب إلاّ درعها وردائيا فما زال ثوبي طيّباً من نسيمها ... إلى الحول حتّى أنهج الثّوب باليا ومرّوا به ليقتلوه على الذي اتّهم بها، فضحكت، فقال: فإن تضحكي منّي فيا ربّ ليلةٍ، ... تركتك فيها كالقباء المفرج كاد يقتلها عقيل المرّي وحكى العتبيّ، قال: سمع عقيل بن علقمة المرّي بنتاً له ضحكت، فشهقت في آخر ضحكها. فأخذ السّيف وحمل عليها وهو يقول: فرقت، أنّي رجلٌ فروقٌ، ... من ضحكةٍ آخرها شهيق قال: فنادت يا أخوتاه! فبادروا فحالوا بينه وبينها. عقيل وابنته الجرباء وحكى أبو حاتم السّجستاني عن الأصمعي، قال: كان عقيل بن علقمة غيوراً، وكان الخلفاء يصاهرونه، وكانت له ابنةٌ يقال لها الجرباء. فكان إذا خرج إلى الشّام خرج بها لفرط غيرته. فخرج بها مرّةً وبابنٍ يقال له عميس، فلمّا كانوا بدير سعدٍ قال عقيل: قضت وطراً من دير سعدٍ وربّما ... غلا غرضٌ ناطحته بالجماجم ثمّ قال لابنه أجز يا عميس. فقال: فأصبحن بالموماة يحملن فتيةً ... نشاوي من الإدلاج، ميل العمائم ثمّ قال لابنته: أجيزي، يا جرباء. فقالت: كأنّ الكرى أسقاهم صرّ خدية ... عقارٌ تمشّت في المطا والقوائم. فقال لها: وما يدريك أنت ما نعت الخمر؟ هذه صفةٌ من قد شربها. وأخذ السّوط فأهوى نحوها، وجاء عميس فحال بينه وبينها، فضربه فأوجعه فرماه عميس بسهمٍ، فشكّ فخذيه فبرك، فمضوا وتر*** حتّى إذا بلغوا أداني المياه منهم، قالوا: اللهمّ أسقطنا جزوراً لنا. فأدر*** وخذوا معكم الماء. ففعلوا، فإذا عقيلٌ بارك وهو يقول: أنّ ابني زملاني بالدّم ... من يلق أبطال الرّجال يكلم ومن يكن درءٌ به يقوم ... شنشنةً أعرفها من أخزم ثمّ زوّجها يزيد بن عبد الملك. وقد ذكرنا خبره في ما مضى. مقدّمات الغيرة قال: وممّا يحدث الهوى في قلوب النّساء لغير أزواجهنّ، ويدعوهنّ إلى الحرص على الرّجال، والطّلب لهنّ أمورٌ منها: أن يظهر لها زوجها شدّة الحذر عليها، والاحتفاظ بها، والغيرة في غير موضعها. أو يكون الرّجل منهمكاً في الفساد، مظاهراً لها بالزّنا. فإنّ ذلك ممّا يغريها من طلب الرّجال، والحرص عليهم. كما قال الشّاعر: ما أحسن الغيرة في حينها، ... وأقبح الغيرة في كلّ حين. من لم يزل متّهماً عرسه ... متّبعاً فيها لرجم الظّنون، أوشك أن يغريها بالذي ... يخاف، أو ينصبها للعيون. حسبك من تحصينها ضمّها ... منك إلى عرضٍ نقيٍّ ودين لا تطلع منك على ريبةٍ ... فيتّبع المقرون حبل القرين عبد الله بن رواحة وزوجته ذكر الشّعبيّ إنّ عبد الله بن رواحة أصاب جاريةً له، فسمعت به امرأته، فأخذت شفرةً فأتته حين قام وقالت له: أفعلتها يا ابن رواحة؟ فقال: ما فعلت شيئاً. فقالت: لتقرأن قرآناً، وإلاّ بعجتك بها. قال: ففكّرت في قراءة القرآن وأنا جنب فهبت ذلك، وهي امرأةٌ غيراء في يدها شفرةً لا آمن أن تأتي بما قالت. فقلت: وفينا رسول الله يتلو كتابه ... إذا أنشقّ معروفٌ من الصّبح ساطع أرانا الهدى، بعد العمى، فقلوبنا ... به موقناتٌ، أن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه، ... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع قال: فألقت السّكّين من يدها، وقالت: آمنت بالله، وكذّبت البصر. قال: فأتيت النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرته بذلك، فضحك وأعجبه ما صنعت. المصيبة في معاتبة المرأة الرّجل وكان بعض العلماء لشدّة شهوة الباه في قلوب النّساء، وتمكّنه فيهنّ، وشدّة غيرته، يقول: ليس المصيبة في معاتبة الرّجل المرأة، إنّما المصيبة في معاتبتها إيّاه. فإنّها إن نظرت إليه ووقع بقلبها موقع حظوةٍ لم يلبث أن تصير في يده، وتبعث الرّسائل والأشعار والتّحف. يخاف عليها من عينيها قال إسحاق: رأيت رجلاً بطريق مكّة، تعادله في المحمل جاريةٌ قد شدّ عينيها والغطا مكشوف، ووجها بادٍ، فقلت له في ذلك. فقال: إنّما أخاف عليها من عينيها، لا من عيون النّاس. سعيد بن سليمان والإنكشاف قال سعيد بن سليمان لئن يرى حرمتي ألف رجلٍ على حالٍ يكشف منها، ولا تراهم، أحبّ إليّ من أن ترى حرمتي رجلاً واحداً غير منكشف. حتّى على العميان واستأذن ابن أمّ مكتومٍ عل رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وعنده امرأتان من نسائه، فقال لهما: " قوما وأدخلا البيت. " فقالتا: يا رسول الله، هو أعمى، فقال: " أفعمياوان أنتما؟. " باب تابعٌ لما قبله وبالرّجال أعظم حاجةٍ إلى أن يعرفوه ويقفوا عليه، وهو الاحتراس من أن يلقى الخبر السّابق إلى السّمع لأنّه إذا ألقي دخل ذلك الخبر السّابق إلى مقرّه دخولاً سهلاً وصادف موضعاً وطيئاً، وطبيعةً قابلةً. ومتى صادف القلب كذلك رسخ رسوخاً لا حيلة في إزالته. ومتى ألقي إلى الفتيات شيءٌ من أمور الفتيان في وقت الغرارة وعند غلبة الطّبيعة وشباب الشّهوة، وعند قلّة الشّواغل، قوي استحكامه، وصعبت إزالته. وكذلك متى ألقي إلى الفتيان شيءٌ من أمورهنّ وهناك سكر الشّباب. فكذلك يكون حالهم، وإنّ الشّياطين ليخلو أحدهم بالغلام الغرير فيقول له لا يكن الغلام فتىً أبداً حتّى يصادف فتىً. فما الماء البارد العذب بأسرع في طباع العطشان من كلمته إذا كان الغلام أدنى هوىً في الفتوّة. وكذلك إذا خلت العجوز بالجارية الحديثة. وقيل لابنة الحسن: لم زنيت بعبدك ولم تزن بحرٍّ، وما أغراك به؟ قالت: طول السّواد، وقرب الوساد. ولو أنّ قبح النّاس وجهاً، وأخبثه نفراً، وأسقطهم همّةً، قال: لامرأةٍ قد تمكن كلامها وأعطته سمعها: والله يا سيّدتي ويا مولاتي، لقد أتعبت قلبي، وأرقت عيني، وشغلتني عن مهمّ أمري، فما أعقل أهلاً ولا مالاً ولا ولداً. لنقض طباعها، وفتح عقدها ولو كانت أبرع الخلق جمالاً، وأكملهم كمالاً. وإنّما قال عمر رضي الله عنه: أضربوهنّ بالعري لأنّ الثّياب هي الدّاعية إلى الخروج من الأعراس، والقيام في المناجاة، والظّهور في الأعياد. فمتى كثر خروجها لم يعدمها أن ترى من هو من شكل طبعها، ولو كان بعلها أتمّ حسناً والذي رأت أنقض حسناً، لكانت بما لا تملكه أطرف ممّا تملكه. وكانت ممّا لم تملّه وتستكثر منه أشدّ الوجد وهي به أشدّ استقبالاً. كما قال: وللعين ملعى في البلاد ولم يقد ... هوى النّفس شيئاً كاقتياد الطّرائف يجوّعهنّ حتّى لا يأشرن وقيل لعقيل بن علقمة: أما تخاف على بناتك وقد عنسن ولم تزوّجهنّ؟ قال: كلّا، أجوّعهنّ فلا يأشرن، وأعرّيهنّ فلا ينظرن. فوافقت إحدى كلمتيه قول النّبي صلّى الله عليه وسّلم، ووافقت الأخرى قول عمر رضي الله عنه. فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " الصّوم وجاء. " وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: أضربوهنّ بالعري.قال: هارون البردعي والعطّار وكان هارون بن عبد الله البردعيّ يقول لأهله: محرّمٌ عليك إن نظرت إلى سائلٍ يقف ببابك، وسمعت حلاوة نغمه. وكان ينهي الباعة إذا دخلوا سكنه عن النّداء على بضائعهم. ورأيته مرّةً يضرب عطّاراً سمعه يترنّم بوصف العطر وكان ينفق بضاعته حسن صوته، فيقول: العود المطريّ، والمحلب واللبان والمسك والعنبر. ويردّد ذلك بصوته فيرجّعه. فكان النّساء يستمعن إليه ويشرفن من المطالع ويتبعن الأبواب حتّى تصل عيونهنّ إلى النّظر إليه لو أراد الجماع لكفتهن الآذان وربما اشترين منه ما لا يحتجن إليه. قال: فقلت له: يا أبا وائل، فإنّك قد انعم الله بشيءٍ كنت تمنعه! قال: جعلت فداك، إنّما أمنع منعي لنفسي لئلاّ يسمعه من في منزلي. فإنّ النّساء أسرع شيءٍ ذهاب قلوبٍ إلى النّغمة الحسنة، فإن كان معه حسن وجهٍ برئت المرأة من الله أن لم تحتل في صرف قلبه إليها، ويصير الزّوج قوّاداً. قلت: لا، ولا كلّ هذا! قال: فأسألك ألا سألته أن يستعمل هذا الكلام مرّةً أو مرّتين أو ثلاثاً في غير هذه السّكّة. فذبنا به إلى غيرها وجعل العطّار ينادي فما أتمّ الثّالثة حتّى تحرّكت أكتافي له طرباً وجعلت لا أمرّ ولا آجي لمّا سكرت من حسن صوته. فقال: كيف تراه؟ قلت: أراه يستولي على قلوب الرّجال. قال: فكم قلب الرّجل على ترك التّهتك من قلب المرأة؟ هذا إذا كانت بلغت من السّنّ مبلغاً ونقضت شهوتها فأمّا إذا كانت شابّةً ولها فضل جمالٍ، ومعها شدّة شهوةٍ، وكثرة لذّةٍ، وهي ذات حاجة، وخالية الذّرع من الفكرة في المعاش، وخالية القلب، وقد أمنت ضرب الزّوج وتطليقه، وغيرة الأخ، وقلّة صيانة الأب، وأصابت من يشجّعها على فعلها، ويفتح لها أبواب نظرتها، ويسعى لها في طلب الصّدّيق، ويحرّضها على التّهتّك، وقد قرب منها الصّوت، وخلت من الرّقيب، ولم يكن لها في الأرض أشرافٌ، ولا أهل عفافٍ، فما يمرق السّهم من الرّمية كمروق هذه إلى الباطل. شيئان لا تؤمن عليهما المرأة وكانت هند بنت المهلّب من عقلاء النّساء وكانت تقول: شيئان لا تؤمن عليهما المرأة: الرّجال، والطّيب. سوء الظّنّ من شدّة الحبّ وأنشد إسحاق بن إبراهيم: وإنّي بها في كلّ حالٍ لواثقٌ ... ولكنّ سوء الظنّ من شدّة الحبّ لا تأمننّ النّساء وأنشد آخر: لا تأمننّ على النّساء ولو أخاً، ... ما في الرّجال على النّساء أمين كلّ الرّجال وإن تعفّف جهده ... لا بدّ أنّ بنظرةً سيخون ديك الجنّ وجاريته وغلامه وقال عبد السّلام بن رغبان المشهور بديك الجنّ شعراً أديباً، ذا همّةٍ حسنةٍ. وكان له غلامٌ كالقمر، وجاريةٌ كالشّمس. وكان يهواهما جميعاً. فدخل ذات يومٍ بوجد الجارية معانقةً للغلام تقبّله، فشدّ عليهما فقتلهما جميعاً. ثمّ جلس عند رأس الجارية فبكاها طويلاً وقال: يا طلعةً طلع الحمام عليها ... فجنى لها ثمر الرّدى بيديها حكّمت سيفي في مجال خناقها ... ومدامعي تجري على خدّيها رويت من دمها الثّرى ولطالما ... روّى الهوى شفتيّ من شفتيها فوحق نعليها، وما وطىء الحصى، ... شيءٌ أعزّ عليّ من عينيها ما كان قتليها لأنّي لم أكن ... أبكي إذا سقط الغبار عليها لكن بخلت على الأنام بحسنها ... وأنفت من نظر العيون إليها ثم ّجلس عند رأس الغلام يبكي: أشفقت أن يرد الزّمان بغدره ... أو أبتلي بعد الزّمان بهجره قمرٌ أنا استخرجته من دجنةٍ ... لمودّتي وجلوته في خدره فقتلته وبه عليّ كرامةً ... فلي الحشا وله الفؤاد بأسره عهدي به ميّتاً كأحسن نائمٍ ... والطّرف يسفح دمعتي في نحره لو كان يدري الميّت ماذا بعده ... بالحيّ منه بكى له في قبره غصصٌ تكاد تفيض منها نفسه ... ويكاد يخرج قلبه من صدره الرّازي وبدر التّمام وأنشد الرّازي: أما واهتزازك لو أستطيع ... لما لحظ النّاس بدر التّمام ومن أين للبدر وجه ميّتٍ ... ويحيى إذا شاء بالابتسام فهبه حكاك بحسن الضّيا ... فمن أين للبدر حسن القوام؟ أغار على حسنه إذ حكا ... ك وكان بذلك عند الأنام غيرة أبي تمّام وأنشد لأبي تمّام: بنفسي من أغار عليه منّي ... وأحسد مقلةً نظرت إليه ولو أنّي قدرت طمست عنه ... عيون النّاس من حذري عليه وأنشد الآخر: أغار عليك من قلبي ... ولو أعطيتني أملي وأشفق أن أرى خدّي ... ك نصب مواقع القبل غيرة جميل بن معمر ويروى أنّ جميل بن معمر قال لبثينة: ما رأيت مصعب بن الزّبير يخطر بالبلاد إلاّ أخذتني عليك الغيرة. علي الجعفري وحرارة الهوى وعن علي بن عبد الله الجعفري، وكان شاعراً وأديباً، قال: كنت أجلس بالمدينة وأنشد أشعاري، فحجّ أبو نواس فلمّا صار إلى المدينة وأنا ذات يومٍ أنشد، والنّاس مجتمعون علي، إذ دخل أبو نواس. فرأيته من بين النّاس ثمّ قال: يا هذا ألا تنشد بيتيك اللذين تكشّحت فيهما؟ فقلت: وما هما. قال: اللذان تقول فيهما: ولمّا بدا لي أنّها لا تحبّني ... وأنّ هواها ليس عنّي بمنجلي تمنّيت أن تبلي بغيري لعلّها ... تذوق حرارات الهوى فترقّ لي قلت: أفلا أنشدك بيتي اللذين أتغاير فيهما؟ قال: بلى. فأنشدته: ربّما سرّني صدودك عنّي ... وطلابيك وامتناعك منّي حذراً أن يكون مفتاح غيري ... فإذا ما خلوت كنت التّمني قال: فسألت عنه. فقيل لي أبو نواس. لا تسألنّ رجلاً فيم يضرب امرأته؟ قال الأشعث بن قيس نزلت ببعض أصحاب النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، فقام إلى امرأته فضربها، فحجزت بينهما. قال: فرجع إلى فراشه، وقال: يا أشعث، احفظ شيئاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم " لا تسألنّ رجلاً فيم ضرب امرأته؟ " . أبو الأصبع وبناته الأربع قال ابن عائشة: كان أبو الأصبع العدوانيّ غيوراً، وكان له أربع بنات، فأبى أن يزوّجهنّ، فقالت واحدةٌ منهنّ: لتقل كلّ واحدةٍ منّا ما في نفسها. فقالت كبراهن: ألا ليت زوجي من أناسٍ ذوي غنىً ... حديث الشّباب طيّب النّشر والذّكر لصوقٌ بأكباد النّساء كأنّه ... خليفة جارٍ لا يقيم على الهجر قلن لها أنت تريدين شابّاً غنيّاً: وقالت الثّانية: عظيم رماد القدر رحبٌ فناؤه ... له جفنةٌ يشقى بها النّيب والجزر له خلقان: الشّيب من غير كبرةٍ ... تشين، ولا وانٍ ولا صرع غمر فقلن لها أنت تريدين سيّداً. وقالت الثّالثة: ألا هل تراها مرّةً وخليلها ... يضمّ كبعل المشرفيّ المهنّد عليه رواءٌ لليسار ورهطه ... إذا ما انتمى من أهل بيتي ومحتدي فقلن لها أنت تريدين ابن عمٍّ لك قد عرفته. وقلن للصّغرى: ما تقولين أنت؟ فقالت: لا أقول شيئاً. فقلن لها: لن ندعك لأنّك أطّلعت على أسرارنا وكتمت سرّك. فقالت: لا أدري ما أقول، إلاّ أنّه زوجٌ من عود، خيرٌ من قعود. قال: فخطبن، فزوّجهنّ جميعاً. لا تكثروا الغيرة على أهلكم وروي عن سليمان بن داود عليهما السّلام أنّه قال لابنه: يا بني، لا تكثر الغيرة على أهلك من غير ريبةٍ، فترمى بالسّوء من أجلك وإن كانت بريئةً. مدّ يده فلمس أربعاً وقال بعض الظّرفاء: كنت شديدة الغيرة، فأخبرت بمجيء قبيحةٍ سوداء فذهبت مع إخوان لي عندها ليلةً فطفىء السّراج، فضربت بيدي إلى صدرها فإذا دون يدي أربع أيدٍ، فما أعلم أنّي خطرٌ ببالي امرأةً بعد ذلك. غيرة سليمان بن عبد الملك قال: كان سليمان بن عبد الملك من أشدّ النّاس غيرةً. فحكي أبو زيدٍ الأسدي قال: دخلت على سليمان بن عبد الملك وهو على دكانٍ مبلّطٍ بالرّخام الأحمر، مفروشٌ بالدّيباج الأصفر في وسط بستانٍ قد أينعت ثماره، ورنت أطياره، وأزهر نبت الرّبيع؛ وعلى رأسه وصائف كلّ واحدةٍ أحسن من صاحبتها، فقلت: السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. وكان سليمان مطرقاً فرفع رأسه فقال: أبا زيد، في مثل هذا اليوم يصلب أحدٌ حيّاً. فقلت: يا سيّدي، يا أمير المؤمنين، أو قد قامت القيامة؟ قال: نعم على رأس أهل الهوى سرّاً. ثمّ أطرق رأسه، وقال: أبا زيد ما يطيب في يومنا هذا؟ فقلت: قهوةٌ حمراء، في زجاجةٍ بيضاء، تناولنيها مقدودةٌ هيفاء، مضمومةٌ لفاء دعجاء، أشربها في كفّها، وأمس فمي بفمها: فأطرق سليمان مليّاً ودموعه تنحدر. فلمّا رأى الوصائف ذلك تنحّين عنه فرفع رأسه وقال: يا أبا زيد، حللت والله في يومٍ فيه انقضاء أجلك، وتصرم مدّتك، وفناء عمرك. والله لأضربنّ عنقك أو تخبرني ما الذي أثار هذه الصّفة من قلبك؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، كنت جالساً على باب أخيك سعيد بن عبد الملك وإذا جاريةٌ قد خرجت إلى باب القصر عليها قميصٌ اسكندراني، يبين منه بياض ثدييها، وتدوير سرّتها، ونقش تكتها؛ وفي رجليها نعلاها، قد أشرق بياض قدميها على حمرة نعليها؛ ولها ذؤابةٌ تضرب إلى حقويها وتسيّل كالعثاكيل على منكبيها؛ وطرّةٌ قد أسبلت على جبينها؛ ولها صدغان كأنّهما نونان على وجنتيها، وحاجبان قد تقوّسا على محجري عينيها، وعينان مملوءتان سحراً، وأنفٌ كأنّه قصبة درٍّ، وهي تقول: عباد الله ما الدّواء لما لا يشتكي، والعلاج ممّا ينتمي؟ طال الحجاب، وأبطأ الكتاب. العقل ذاهب، واللبّ عازب، والعين عبرى، والأرق دائم، والوجد موجود، والنّفس والهة، والفؤاد مختلس. فرحم الله قوماً عاشوا تجلّداً، وماتوا تبلّداً: لو كان في الصّبر حيلة، وإلى العزاء وسيلة، لكان أمراً جميلاً! . فقلت: أيّتها الجارية أنسيّةٌ أنت أم جنّيّة سماويّةٌ أو أرضيّة، فقد أعجبني ذكاء عقلك، وأذهلني حسن منطقك؟ فسترت وجهها بكمّها كأنها لم ترني، وقالت: أعذر أيّها المتكلّم، فما أوحش الوجد بلا مساعد، والمقاساة لصب معاند. ثمّ انصرفت، فوالله يا أمير المؤمنين ما أكلت طيّباً إلاّ غصصت به لذكرها، ولا رأيت حسناً إلاّ سمج في عيني لحسنها. فقال سليمان: أبا زيد كاد الجهل يستفزّني، والصّبا يعاودني، والحلم يغرب عنّي. تلك الذّلفاء التي يقول فيها الشّاعر: إنّما الذّلفاء ياقوته ... أخرجت من كيس دهقان شراؤها على أخي ألف ألف درهمٍ، وهي عاشقةٌ لمولاها الذي باعها منه. والله لا ملت إلاّ بحسرتها، ولا فارق الدّنيا إلاّ بغصّتها. وفي الصّبر سلوة، وفي توقّع الموت نهية. قم أبز زيد فأكتم المفاوضة، ويا غلام ثقّل يده ببدرةٍ. قال: فلمّا هلك سعيد بن عبد الملك صارت الجارية إلى أخيه سليمان ولم يكن في عصرها أجمل منها، فملكت قلبه، وغلبت عليه دون سائر جواريه. فخرجا يوماً إلى دهناء الغوطة بموقعٍ يقال له دير الرّهبان فضرب فسطاطه في روضةٍ خضراء مونقة، زهراء ذات حدائق وبهجة، حفّها أنواعٌ الزّهر الغضّ. فمن بين أصفر فاقع، وأبيض ساطع، مثل النّبات تحمل منه الرّيح نسيم المسك الأذفر، ويؤدي تضوّع عرفها فتيت العنبر. وكان له مغنٍّ يأنس به، ويكثر الخلو معه، ويستمع حديثه، يقال له يسار. وكان أحسن النّاس وجهاً، وأظرفهم ظرفاً. فأمر بضرب فسطاطةٍ بالقرب منه وكانت الذّلفاء قد خرجت مع سليمان إلى ذلك المنتزه. فلم يزل يسار يومه ذلك عند سليمان في أكمل سرورٍ، وأتمّ حبورٍ، إلى أن أتى الليل وحان انصراف يسارٍ إلى موضعه فوجد جماعةً قد أناخوا به، فسلّموا عليه، فردّ عليهم السّلام جذلان بنزولهم، وفرحٍ بدخولهم. فأحضر الطّعام فأكلوا، وقدم الشّراب فنالوا منه. ثمّ قال: هل من حاجةٍ؟ قالوا: ما جئناك إلاّ للقرى. فقال: بالجانب الخصب نزلتم، وبالمنزل الرّحب حللتم. فقالوا له: أمّا الطّعام فقد أكلنا، وأمّا الشّراب فقد حضر، وبقي السّماع. قال: أمّا السّماع فلا سبيل إليه مع غيرة أمير المؤمنين ونهيه إيّاي عن الغناء إلاّ ما كان في مجلسه. قالوا: فلا حاجة لنا في الطّعام عندك ما لم تسمعنا. فلمّا رآهم غير موقلين عنه رفع عقيرته وغنّى بهذه الأبيات: محجوبةٌ سمعت صوتي فأرقها ... في آخر الليل حتّى ملّها السّهر لم يحجب الصّوت أجراسٌ ولا غلقٌ ... فدمعها لطوق الصّوت ينحدر في ليلة البدر لا يدري مضاجعها، ... أوجهها عنده أضوا، أم القمر لو خلّيت لمشت نحوي على قدم ... يكاد من لينه للمشي ينفطر قال فلمّا سمعت الذّلفاء صوت يسارٍ خرجت إلى صحن الفسطاط تسمع الصّوت، فجعلت لا تسمع شيئاً من خلقٍ، ولطافة قطٍّ، إلاّ الذي وافق المعنى. ومن نعت الليل واستماع الصّوت إلاّ رأت ذلك كلّه في نفسها، فحرّك ذلك ساكناً كان في قلبها فهملت عيناها، وعلا نشيجها. فانتبه سليمان فلم يجدها معه في الفسطاط فخرج إلى صحنه فرآها على تلك الحال، فقال لها: ما هذا يا ذلفاء؟ فقالت: يا أمير المؤمنين: ألا ربّ صوتٍ رائعٍ من مشوّهٍ ... قبيح المحيّا واضع الأب والجد يروّعك منه صوته ولعلّه ... إلى أمةٍ يعزى معاً وإلى عبد فقال سليمان: دعيني من هذا، فوالله لقد خامر قلبك منه ما خامر. يا غلام، عليّ يسار. فدعت الذّلفاء خادماً لها وقالت: إن سبقت إلى يسارٍ فحذّرته فلك عشرة آلاف درهمٍ وأنت حرٌ. فسبق رسول سليمان فأحضره فلمّا وقف بين يديه؟ وسليمان يرعد غيرةً، قال: من أنت؟ فقال: يسار. فقال سليمان: تثكل في الثّكل يساراً أمّه ... كان لها ريحانةً تشمّه وخاله يثكله وعمّه ... ذو شفة حياته تغمّه فقال يسار: واستبقني إلى الصّباح أعتذر ... إنّ لساني بالشّراب منكسر فإن أكن أذنبت ذنباً أو عثر ... فالسيّد المولى أحقّ من غفر ثمّ قال: يا يسار ألم أنهك عن مثل هذا الفعل؟ فقال: يا أمير المؤمنين حملني الثّمل وقومٌ طرقوني، وأنا عبد أمير المؤمنين. فإن رأى أن لا يضيع حظّه منّي فليفعل. قال: أما حظّ منك فلم أضيّعه، ولكن لا تركت للنّساء فيك حظّاً أبداً يا يسار. أما علمت أنّ الرّجل إذا تغنّى أصغت إليه المرأة؟ وأنّ الفرس إذا صهل تودّقت له الحصان؛ وأنّ الفحل إذا هدر صغت له النّاقة. يا غلام إئتني بختّان. فختنه، فعاش بعد ذلك سنةً ومات. فسمّي الدّير دير الخصيان وبه يعرف إلى الآن. وكتب إلى عثمان بن حيّان المرّي عامله على المدينة: أن أحص من قبلك من المغنّين. فخصي الدّلّال فقال: الآن صرنا نساءً حقّاً. وادّعى بعض بني مروان أنّ عمل المدينة صحّف. وإنّما رأى في الكتاب أخص من قبلك، فقال الكاتب الذي قرأ الكتاب: كيف يقولون ذلك ولقد كانت الخاء مبعجةً بنقطةٍ كأنّها سهيل؟. |
التعديل الأخير تم بواسطة سعودي ودقولي التحية ; 10-11-2011 الساعة 03:45 PM
|
10-11-2011, 03:52 PM | #2 |
|
رد: من كتاااااب اخبار النســــاء ((( الغيرة )))
][®][^][®][سعووودي ودقولي التحيه][®][^][®][ جـــــــــــزاكـ الجنهـ.. انار الله درب السعاده أمامك .. كل الشكر والتقدير لشخصك الكريم .. دمت بخير .. تقبل تحيــــــــآتي..الحياااااهـ حلوهـ... |
<IFRAME height=250 src="http://im20.gulfup.com/2012-05-23/1337728630772.swf" width=600 quality="high" loop="false" menu="false" TYPE="application/x-shockwave-flash" AllowScriptAccess="never" nojava="true"></IFRAME>
|
10-12-2011, 09:37 AM | #6 | |
|
رد: من كتاااااب اخبار النســــاء ((( الغيرة )))
[table1="width:95%;"]
| [/table1]شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... |
لآ تـِخـتَـبّــرٍِ }ஜ شـِوٍِقـيِ ஜتِـرآ , مـِآ بـقِـىٍ » Ҳ شـِوقَ في حياة من عرفوني يوماً ♥ وأن يبتسموا عندما يذكروني |
10-15-2011, 11:52 PM | #7 |
|
رد: من كتاااااب اخبار النســــاء ((( الغيرة )))
بارك الله فيك على طرح هذا الموضوع
المفيد والقيم بوركت جهودك وجعل ذلك في موازين حسناتك سلمت الأيادي على هذه الطرح الراقي تقبل أعطر وأرق التحايا |
|
10-16-2011, 12:51 PM | #9 |
|
رد: من كتاااااب اخبار النســــاء ((( الغيرة )))
يعطيك العافية .
|
عندما تعيش مفكرا في نفسك فقط ستعيش صغيرا ،، عندما تعيش تفكر في نفسك و غيرك ستعيش عظيما |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|