02-01-2013, 07:47 PM | #1 |
|
الشهور عند الله تعالى
الشهور عند الله تعالى الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد، قال الله تعالى في سورة التوبة (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)(التوبة: 36)، والشهور المرادة هنا هي الشهور الهجرية المرتبطة بالتقويم القمري. قال القرطبي: "(عِنْدَ اللَّهِ) أي في حكم الله وفيما كتب في اللوح المحفوظ". فهي شهور اختصها الله واختص تقويمها القمري بذلك وأكده بقوله (فِي كِتَابِ اللَّهِ) يريد اللوح المحفوظ وأعاده بعد أن قال (عِنْدَ اللَّهِ) لأن كثيراً من الأشياء يوصف بأنه عند الله، ولا يقال إنه مكتوب في كتاب الله، كقوله (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)(لقمان: 34). قال القرطبي: "(يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) إنما قال (يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ) ليبين أن قضاءه وقدره كان قبل ذلك، وأنه سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على ما رتبها عليه يوم خلق السماوات والأرض، وأنزل ذلك على أنبيائه في كتبه المنزلة، وهو معنى قوله وتعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا) وحكمها باق على ما كانت عليه، لم يزلها عن ترتيبها تغيير المشركين لأسمائها، وتقديم المقدّم في الاسم منها، والمقصود من ذلك اتباع أمر الله فيها ورفض ما كان عليه أهل الجاهلية من تأخير أسماء الشهور وتقديمها، وتعليق الأحكام على الأسماء التي رتبوها عليه". وقال أيضاً "هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب، دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط، وإن لم تزد على اثني عشر شهراً لأنها مختلقة الأعداد، فيها ما يزيد على ثلاثين وفيها ما ينقص، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص، والذي ينقص ليس يتعين له شهر، وإنما تفاوتها في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج". أ هـ. كلام القرطبي. فالله سبحانه وتعالى لما ابتدأ خلق السماوات والأرض جعل السنة اثنا عشر شهراً ثم جعل الله تعالى فرائض الدين مرتبطة بها، ففريضة الصيام في شهر رمضان، وفريضة الحج في أشهر شوال وذي القعدة وذي الحجة، واختص أربعة منها بكونها حُرُم فقال عز وجل: (مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)(التوبة: 36)، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب. وفي هذه الأشهر الهجرية من الأيام والليالي ما اختصت بعبادات، وفضلت بأحوال كيوم عاشوراء، ويوم عرفة، والست أيام من شوال، وليلة القدر والعشر الأواخر من رمضان، لذا كان الاعتناء بهذه الشهور من الدين. قال تعالى: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي الحساب الصحيح والعدد المستوفي -ذكره القرطبي في تفسيره-، وقال ابن كثير –رحمه الله- "(ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي هو الشرع المستقيم من امتثال أمر الله فيما جعل من الأشهر الحرم والحذو بها على ما سبق من كتاب الله الأول". وفي الحديث المرفوع عن أبي بكرة –رضي الله عنه- قال خطبنا النبي –صلى الله عليه وسلم- يوم النحر فقال (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) متفق عليه، قال ابن كثير "وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض) تقرير منه صلوات الله وسلامه عليه وتثبيت الأمر على ما جعله الله في أول الأمر من غير تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا نقص ولا نسيء ولا تبديل، كما قال في تحريم مكة (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة) متفق عليه، وهكذا قال ههنا (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض)" أ.هـ. ويقول الشيخ أبو بكر الجزائري -في رسالة حسن المقال في ثبوت رؤية الهلال-: "إن كون الشهر لا تزيد أيامه على الثلاثين يوماً ولا ينقص على التسعة والعشرين أمراً مسلماً به لا نزاع فيه، ومرد ذلك إلى تنقل القمر في منازله، فإذا كان في آخر منازله أصابه المحاق الذي هو أشبه بالكامل فلا يرى ليلة الثلاثين فيكون الشهر ثلاثين يوماً، ويرى أحياناً ليلة الثلاثين فيكون الشهر تسعة وعشرين يوماً، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(يونس: 5)، وقد قرر هذه الحقيقة العلمية النبي –صلى الله عليه وسلم- بقوله (الشهر تسع وعشرون فإذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا فإن غم عليكم فاقدروا له) رواه مسلم، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين) رواه البخاري". والسنة في التقويم الشمسي ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم، فجعلها الأوروبيون ومن وافقهم 365 يوماً، وزادوا في كل أربع سنين يوماً في الرابعة منها، وسموها سنة كبيسة كما سموا الأشهر بأسماء من يعظمونهم، وزادوا في بعضها يوماً فصارت 31 يوماً، وانتقصوا من ثاني شهور السنة فصار شهر فبراير 28 يوماً، يزيدونه يوماً كل أربع سنين، وهو يوم السنة الكبيسة أما التقويم القمري فقد سلم من هذا التمييز وهذا الاختلاف في الشهور بالأهواء والعواطف. "والثابت أن الشرائع قبلنا إنما عَلقت الأحكام بالأهلة، وإنما بدل من بدل من أتباعهم كما يفعله اليهود في جعل بعض الأعياد بالسنة الشمسية، وكما تفعله النصارى في صومها وأعيادها، وما جاءت به الشريعة هو أكمل الأمور وأحسنها وأبينها وأصحها وأبعدها من الاضطراب فلا يجوز بعد ذلك أن نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وإذا كان تبديل شهر عربي مكان آخر يذم فاعله، كمن بدل صفر مكان رجب ورجب مكان صفر، فكيف بمن ترك العمل بالأشهر العربية جملة وتفصيلاً واستبدلها بالأشهر الميلادية أو الإفرنجية" (1) ا. هـ. وقد ابتدأ عمر –رضي الله عنه- التأريخ الهجري وذلك باتفاق الصحابة –رضي الله عنهم جميعاً- بالعام الذي هاجر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشهر الله المحرم وقد فعلوا ذلك مع معرفتهم بتواريخ الفرس والروم، فخالفوهم عن عمد، ومما ينبغي الإشارة إليه أن الذي فعله عمر -رضي الله عنه- هو تسمية سنة الهجرة بسنة واحد ثم التي بعدها بالسنة الثانية وهكذا.... ولم يكونوا يعدون السنين قبل هذا بل كانوا يسمون كل سنة بأهم أحداثها كعام الفيل مثلاً، وكان هذا في الجاهلية وبقي في الإسلام إلى عهد عمر -رضي الله عنه- فتشاوروا في عد السنين واستقر رأيهم على بدء العد من سنة الهجرة لشهرتها فهذا الذي استحدث في زمن عمر -رضي الله عنه- وأما العمل بالأشهر القمرية فالآية المذكورة وغيرها تدل على أن هذا هو شرع نبينا صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء قبله، ومع ذلك فالتأريخ بالهجرة لازم لنا لأنه سنة الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بها فحصل من هذا أن الواجب هو العمل بالأشهر القمرية وبالتأريخ الهجري تحديداً. ثم "تفنن الأعداء وأذنابهم في تنفير المسلمين من كل شيء له علاقة بالدين كاللغة العربية والأشهر العربية، واستخدموا في ذلك كل أساليب الغزو الفكري حتى وصل بنا الحال إلى أن أصبحنا نضاهي الغرب في كل شيء حتى في شهوره وما ارتبط بها من بدع وخرافات"(2). "ولا شك أن الجهل بالأشهر العربية وشيوع استخدام الأشهر التي تعتبرها العجم والروم والقبط قد أوقع المسلمين في كثير من المخالفات الشرعية، حيث أطلت البدع برأسها، وهجر الناس الكثير من الطاعات والقربات بسبب ذلك"(3)، "وقد أمر الله نبيه موسى -عليه السلام- أن يُذكر بني إسرائيل بأيام الله وما ارتبط بها من أحكام وعظات وعبر فقال سبحانه وتعالى: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ)(إبراهيم: 5)، ولنا فيه أسوة حسنة وقدوة طيبة، (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)(الأنعام: 90)"(4). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ 1، 2، 3، 4، من رسالة الوصية بالأشهر العربية لفضيلة الشيخ سعيد عبد العظيم. |
|
02-02-2013, 02:43 PM | #4 |
|
رد: الشهور عند الله تعالى
جزاك الله خير
طرح في غايه آلروعه وآلجمال سلمت على الانتقاء الاكثر من رائع ولاحرمنا جديدك القادم والشيق ونحن له بالإنتظار,,~ |
|
02-04-2013, 05:01 AM | #6 |
|
رد: الشهور عند الله تعالى
جزاك الله خير وبارك الله فيك
ووفقك الله إلا كل ما هو خير إحترامي وتقدير على عطائك وروعة وجمال طرحك |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|