05-29-2009, 10:57 AM | #1 |
|
أصول الحوار
أصول الحوار الأصل الأول : سلوك الطرق العلمية والتزامها ، ومن هذه الطرق : 1- تقديم الأدلة المُثبِتة أو المرجِّحة للدعوى . 2- صحة تقديم النقل في الأمور المنقولة . وفي هذين الطريقين جاءت القاعدة الحوارية المشهورة : ( إن كنت ناقلاً فالصحة ، وإن كنت مدَّعيّاً فالدليل ) . وفي التنزيل جاء قوله سبحانه : { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وفي أكثر من سورة :البقرة :111 ، والنمل 64 . { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي } (الانبياء:24) . { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } (آل عمران:93) . الأصل الثاني : سلامة كلامِ المناظر ودليله من التناقض ؛ فالمتناقض ساقط بداهة . ومن أمثلة ذلك ما ذكره بعض أهل التفسير من : 1- وصف فرعون لموسى عليه السلام بقوله : { سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } (الذريات:39) . وهو وصف قاله الكفار – لكثير من الأنبياء بما فيهم كفار الجاهلية – لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم . وهذان الوصفان السحر والجنون لا يجتمعان ، لأن الشأن في الساحر العقل والفطنة والذكاء ، أما المجنون فلا عقل معه البته ، وهذا منهم تهافت وتناقض بيّن . 2- نعت كفار قريش لآيات محمد صلى الله عليه وسلم بأنها سحر مستمر ، كما في قوله تعالى : { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } (القمر:2) . وهو تناقض ؛ فالسحر لا يكون مستمراً ، والمستمر لا يكون سحراً . الأصل الثالث : ألا يكون الدليل هو عين الدعوى ، لأنه إذا كان كذلك لم يكن دليلاً ، ولكنه اعادة للدعوى بألفاظ وصيغ أخرى . وعند بعض المُحاورين من البراعة في تزويق الألفاظ وزخرفتها ما يوهم بأنه يُورد دليلاً . وواقع الحال أنه إعادة للدعوى بلفظ مُغاير ، وهذا تحايل في أصول لإطالة النقاش من غير فائدة . الأصل الرابع : الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مُسَلَّمة . وهذه المُسَلَّمات والثوابت قد يكون مرجعها ؛ أنها عقلية بحتة لا تقبل النقاش عند العقلاء المتجردين ؛ كحُسْنِ الصدق ، وقُبحِ الكذب ، وشُكر المُحسن ، ومعاقبة المُذنب . أو تكون مُسَلَّمات دينية لا يختلف عليها المعتنقون لهذه الديانة أو تلك . وبالوقوف عند الثوابت والمُسَلَّمات ، والانطلاق منها يتحدد مُريد الحق ممن لا يريد إلا المراء والجدل والسفسطة . ففي الإسلام الإيمان بربوبية الله وعبوديَّته ، واتَّصافه بصفات الكمال ، وتنزيهه عن صفات النقص ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن الكريم كلام الله ، والحكم بما أنزل الله ، وحجاب المرأة ، وتعدد الزوجات ، وحرمة الربا ، والخمر ، والزنا ؛ كل هذه قضايا مقطوع بها لدى المسلمين ، وإثباتها شرعاً أمر مفروغ منه . إذا كان الأمر كذلك ؛ فلا يجوز أن تكون هذه محل حوار أو نقاش مع مؤمن بالإسلام لأنها محسومة . فقضية الحكم بما أنزل الله منصوص عليها بمثل : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... } (النساء:65) . { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (المائدة:45) . وحجاب المرأة محسوم بجملة نصوص : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ } (الأحزاب:59) . وقد يسوغ النقاش في فرعيات من الحجاب ؛ كمسألة كشف الوجه ، فهي محل اجتهاد ؛ أما أصل الحجاب فليس كذلك . الربا محسوم ؛ وقد يجري النقاش والحوار في بعض صوره وتفريعاته . ومن هنا فلا يمكن لمسلم أن يقف على مائدة حوار مع شيوعي أو ملحد في مثل هذه القضايا ؛ لأن النقاش معه لا يبتدئ من هنا ، لأن هذه القضايا ليست عنده مُسَلَّمة ، ولكن يكون النقاش معه في أصل الديانة ؛ في ربوبيَّة الله ، وعبوديَّة ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، وصِدْق القرآن الكريم وإعجازه . ولهذا فإننا نقول إن من الخطأ – غير المقصود – عند بعض المثقفين والكاتبين إثارة هذه القضايا ، أعني : تطبيق الشريعة – الحجاب – تعدد الزوجات – وأمثالها في وسائل الإعلام ، من صحافة وإذاعة على شكل مقالات أو ندوات بقصد إثباتها أو صلاحيتها . أما إذا كان المقصود : النظر في حِكَمِها وأسرارها وليس في صلاحيتها وملاءمتها فهذا لا حرج فيه ، إذْ :{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }(الأحزاب:36) وأخيراً فينبني على هذا الأصل ؛ أن الإصرار على إنكار المُسلَّمات والثوابت مكابرة قبيحة ، ومجاراة منحرفة عن أصول الحوار والمناظرة ، وليس ذلك شأن طالبي الحق . الأصل الخامس : التجرُّد ، وقصد الحق ، والبعد عن التعصب ، والالتزام بآداب الحوار : إن إتباع الحق ، والسعي للوصول إليه ، والحرص على الالتزام ؛ وهو الذي يقود الحوار إلى طريق مستقيم لا عوج فيه ولا التواء ، أو هوى الجمهور ، أو الأتْباع .. والعاقل – فضلاً عن المسلم – الصادق طالبٌ حقٍّ ، باحثٌ عن الحقيقة ، ينشد الصواب ويتجنب الخطأ . يقول الغزاليّ أبو حامد : ( التعاون على طلب الحق من الدّين ، ولكن له شروط وعلامات ؛ منها أن يكون في طلب الحق كناشد ضالّة ، لا يفرق بين أن تظهر الضالّة على يده أو على يد معاونه . ويرى رفيقه معيناً لا خصماً . ويشكره إذا عرَّفه الخطأ وأظهره له ) .. الإحياء ج1 . ومن مقولات الإمام الشافعي المحفوظة : ( ما كلمت أحداً قطّ إلا أحببت أن يُوفّق ويُسدّد ويُعان ، وتكون عليه رعاية الله وحفظه . وما ناظرني فبالَيْتُ ! أَظَهَرَتِ الحجّةُ على لسانه أو لساني ) . وفي ذمّ التعصب ولو كان للحق ، يقول الغزالي : ( إن التعصّب من آفات علماء السوء ، فإنهم يُبالغون في التعصّب للحقّ ، وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء والاستحقار ، فتنبعث منهم الدعوى بالمكافأة والمقابلة والمعاملة ، وتتوفر بواعثهم على طلب نُصرة الباطل ، ويقوى غرضهم في التمسك بما نُسبوا إليه . ولو جاؤوا من جانب اللطف والرحمة والنصح في الخلوة ، لا في معرض التعصب والتحقير لأنجحوا فيه ، ولكن لمّا كان الجاه لا يقوم إلا بالاستتباع ، ولا يستميل الأتْباع مثلُ التعصّب واللعن والتّهم للخصوم ، اتخذوا التعصب عادتهم وآلتهم ) . والمقصود من كل ذلك أن يكون الحوار بريئاً من التعصّب خالصاً لطلب الحق ، خالياً من العنف والانفعال ، بعيداً عن المشاحنات الأنانية والمغالطات البيانيّة ، مما يفسد القلوب ، ويهيج النفوس ، ويُولد النَّفرة ، ويُوغر الصدور ، وينتهي إلى القطيعة . الأصل السادس : أهلية المحاور : إذا كان من الحق ألا يمنع صاحب الحق عن حقه ، فمن الحق ألا يعطى هذا الحق لمن لا يستحقه ، كما أن من الحكمة والعقل والأدب في الرجل ألا يعترض على ما ليس له أهلاً ، ولا يدخل فيما ليس هو فيه كفؤاً . من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من كان على الباطل . من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يعرف الحق . من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يجيد الدفاع عن الحق . من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يدرك مسالك الباطل . إذن ، فليس كل أحد مؤهلاً للدخول في حوار صحي صحيح يؤتي ثماراً يانعة ونتائج طيبة . والذي يجمع لك كل ذلك : ( العلم ) ؛ فلا بد من التأهيل العلمي للمُحاور ، ويقصد بذلك التأهيل العلمي المختص . إن الجاهل بالشيء ليس كفؤاً للعالم به ، ومن لا يعلم لا يجوز أن يجادل من يعلم ، وقد قرر هذه الحقيقة إبراهيم عليه السلام في محاجَّته لأبيه حين قال :{ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً}(مريم:43). وإن من البلاء ؛ أن يقوم غير مختص ليعترض على مختص ؛ فيُخَطِّئه ويُغَلِّطه . وإن حق من لا يعلم أن يسأل ويتفهم ، لا أن يعترض ويجادل بغير علم ، وقد قال موسى عليه السلام للعبد الصالح : { قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } (الكهف:66) . فالمستحسن من غير المختص ؛ أن يسأل ويستفسر ، ويفكر ويتعلم ويتتلمذ ويقف موقف موسى مع العبد الصالح . وكثير من الحوارات غير المنتجة مردُّها إلى عدم التكافؤ بين المتحاورين ، ولقد قال الشافعي رحمه الله : ( ما جادلت عالماً إلا وغلبته ، وما جادلني جاهل إلا غلبني ! ) . وهذا التهكم من الشافعي رحمه الله يشير إلى الجدال العقيم ؛ الذي يجري بين غير المتكافئين . الأصل السابع : قطعية النتائج ونسبيَّتها : من المهم في هذا الأصل إدراك أن الرأي الفكري نسبيُّ الدلالة على الصواب أو الخطأ ، والذي لا يجوز عليهم الخطأ هم الأنبياء عليهم السلام فيما يبلغون عن ربهم سبحانه وتعالى . وما عدا ذلك فيندرج تحت المقولة المشهورة ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب ) . وبناء عليه ؛ فليس من شروط الحوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الطرف الآخر . فإن تحقق هذا واتفقنا على رأي واحد فنعم المقصود ، وهو منتهى الغاية . وإن لم يكن فالحوار ناجح . إذا توصل المتحاوران بقناعة إلى قبول كلٍ من منهجيهما ؛ يسوغ لكل واحد منهما التمسك به ما دام أنه في دائرة الخلاف السائغ . وما تقدم من حديث عن غاية الحوار يزيد هذا الأصل إيضاحاً . وفي تقرير ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله : ( وكان بعضهم يعذر كل من خالفه في مسائل الاجتهادية ، ولا يكلفه أن يوافقه فهمه ) ا هـ . من المغني . ولكن يكون الحوار فاشلاً إذا انتهى إلى نزاع وقطيعة ، وتدابر ومكايدة وتجهيل وتخطئة . الأصل الثامن : الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصل إليها المتحاورون ، والالتزام الجادّ بها ، وبما يترتب عليها . وإذا لم يتحقق هذا الأصل كانت المناظرة ضرباً من العبث الذي يتنزه عنه العقلاء . يقول ابن عقيل : ( وليقبل كل واحد منهما من صاحبه الحجة ؛ فإنه أنبل لقدره ، وأعون على إدراك الحق وسلوك سبيل الصدق . قال الشافعي رضي الله عنه : ما ناظرت أحداً فقبل مني الحجَّة إلا عظم في عيني ، ولا ردَّها إلا سقط في عيني ) . |
إن الذكرياتِ -هنا- ستبقى *** مع الأيام دوماً فى بقاءِ نعم فالذكـــرياتِ هنا ستبقى *** ولوصرنا غداً رهن الفناءِ لأن الـذكـــريات تُعـــدُّ عمـرا *** لنا هو قد يعيش بلا انتهاءِ
|
05-29-2009, 01:55 PM | #2 | |||||||||
|
رد: أصول الحوار
|
|||||||||
•
رسالة لمن غابوا عنا اين انتم
• ██▓▒░( ♥-.♪¸ بوح ـآلنبضآتـ¸لـع ـابرسبيل♪.-♥ )░▒▓██ • طلباتكم وآرائكم أوامر قيد التنفيذ. |
05-29-2009, 02:20 PM | #3 |
|
رد: أصول الحوار
جزاك الله خيرا |
وديَ ابوْح ب كل ما بخاطريَ مكَنونْ لـ كن .........ظروف الوقت تَلزم سكوتي ! مآ قوى لسآني ينطق سوى ْ : . . ! [ آللهم من آراد بي السوءَ ف شغله في نفسه ] |
05-29-2009, 03:11 PM | #4 |
|
رد: أصول الحوار
شكراً على المرور والتثبيت |
إن الذكرياتِ -هنا- ستبقى *** مع الأيام دوماً فى بقاءِ نعم فالذكـــرياتِ هنا ستبقى *** ولوصرنا غداً رهن الفناءِ لأن الـذكـــريات تُعـــدُّ عمـرا *** لنا هو قد يعيش بلا انتهاءِ
|
05-29-2009, 04:16 PM | #5 |
|
رد: أصول الحوار
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|