الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد :فقد سئل الشيخ ابن باز – رحمه الله - السؤال التالي :أنا حريص على أن لا أترك الصلاة غير أني أنام متأخرا ، فأوقت منبه الساعة على الساعة السابعة صباحا - أي : بعد شروق الشمس- ثم أصلي وأذهب للمحاضرات ، أما في يومي الخميس والجمعة فإني استيقظ متأخرا أي : قبل صلاة الظهر بساعة أو ساعتين- وأصلي الفجر بعدما أستيقظ ، كما أنني أصلي أغلب الأوقات في غرفتي في السكن الجامعي ، ولا أذهب إلى المسجد الذي لا يبعد عني كثيرا ، وقد نبهني أحد الإخوة إلى أن ذلك لا يجوز ، فأرجو من سماحة الوالد إيضاح الحكم فيما سبق ، جزاكم الله خيرا ، .فأجاب رحمه الله بقوله :من يتعمد ضبط الساعة إلى ما بعد طلوع الشمس حتى لا يصلي فريضة الفجر في وقتها ، فهذا قد تعمد تركها في وقتها ، وهو كافر بهذا عند جمع كثير من أهل العلم كفرا أكبر - نسأل الله العافية - لتعمده ترك الصلاة في الوقت ، وهكذا إذا تعمد تأخير الصلاة إلى قرب الظهر ثم صلاها عند الظهر ، أي : صلاة الفجر . أما من غلبه النوم حتى فاته الوقت ، فهذا لا يضره ذلك ، وعليه أن يصلي إذا استيقظ ، ولا حرج عليه إذا كان قد غلبه النوم ، أو تركها نسيانا ، مع فعل الأسباب التي تعينه على الصلاة في الوقت ، وعلى أدائها في الجماعة ، مثل تركيب الساعة على الوقت ، والنوم مبكرا .أما الإنسان الذي يتعمد تأخيرها إلى ما بعد الوقت ، أو يضبط الساعة إلى ما بعد الوقت حتى لا يقوم في الوقت ، فهذا عمل متعمد للترك ، وقد أتى منكرا عظيما عند جميع العلماء ، ولكن هل يكفر أو لا يكفر؟ فهذا فيه خلاف بين العلماء : إذا كان لم يجحد وجوبها فالجمهور يرون : أنه لا يكفر بذلك كفرا أكبر .وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يكفر بذلك كفرا أكبر يخرجه من الملة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) رواه الإمام مسلم في صحيحه ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) رواه الإمام أحمد ، وأهل السنن الأربع بإسناد صحيح ، ولأدلة أخرى ، وهو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، لقول التابعي الجليل : عبد الله بن شقيق العقيلي : ( لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئا تركه كفر غير الصلاة ) ، وأما ترك الصلاة في الجماعة فمنكر لا يجوز ، ومن صفات المنافقين .والواجب على المسلم أن يصلي في المسجد في الجماعة ، كما ثبت في حديث ابن أم مكتوم - وهو رجل أعمى - أنه قال : (يا رسول الله ، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته ، فرخص له ، فلما ولى دعاه ، فقال : هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال نعم قال فأجب) أخرجه مسلم في صحيحه ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر) أخرجه ابن ماجه ، والدارقطني ، وابن حبان ، والحاكم بإسناد صحيح ، قيل لابن عباس : ما هو العذر؟ قال : ( خوف أو مرض ) ،وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ( لقد رأيتنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتخلف عن الصلاة في الجماعة إلا منافق أو مريض) والمقصود : أنه يجب على المؤمن أن يصلي في المسجد ، ولا يجوز له التساهل والصلاة في البيت مع قرب المسجد . والله ولي التوفيق .مجموع فتاوى ابن باز (الجزء رقم : 10، الصفحة رقم: 375)*هذا نص فتواه رحمه الله، وليس في الفتوى الحكم على أحد بعينه بالكفر، وإنما الذي فيها بيان حكم فعلٍ بعينه، والكتاب والسنة يفرقان بين الحكم على الشخص والحكم على الفعل، ومنهج أهل السنة أنهم يفرق بين الحكم على المعين والحكم على الفعل. وإذا اتضح هذا فالذي فعله الشيخ رحمه الله أنه حكم على من فعل ولم يحكم على الذي فعل، بمعنى أنك لا تجد في الفتوى أن الشيخ رحمه الله يقول إن فلان بن فلان كافر .وبيان المسألة: أن الحكم على الفعل بيان للحكم الشرعي بدليله وهذا كثير في الكتاب والسنة كما في قوله تعالى ( لقد كفر الذين قالوا اتخذ الله ولدا) وقوله سبحانه وتعالى*لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) وقوله تعالى*لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ), وقول الرسول صلى الله عليه وسلم**من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) وكما روى مسلم عن الشعبي عن جرير أنه سمعه يقول أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم قال منصور قد والله روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكني أكره أن يروى عني ها هنا بالبصرة.وقوله صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وقوله صلى الله عليه وسلممن أتى عرافا أو كاهنا فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) رواهما الحاكم في المستدرك. فأنت ترى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يحكم على الفعل .أما الحكم على الشخص فهو تطبيق للحكم الشرعي على الفاعل، وهذا يتطلب تحقق الشروط وانتفاء الموانع وقيام الحجة.وهذا الباب وهو باب التكفير من أعظم أبواب العقيدة فعلى المسلم ألا يخوض فيه بغير علم، وهو أول باب سفكت بسببه دماء المسلمين، والناس فيه بين إفراط وتفريط فمن الناس من يكفر بغير تحقق للشروط ولا تأكد من انتفاء الموانع ولا إقامة للحجة، وفريق فرط وظن أنه لا يكفر أحد بذنب مالم يستحله، ومنهج السلف وسط بين ذلك، وهذه المسألة قد بسط العلماء الكلام حولها قديما وحديثا وصنفوا في ذلك المصنفات، وفي الآونة الأخيرة لما كثر اللغط حولها ألقيت كثير من المحاضرات عنها وكتب الشيخ صالح الفوزان فيها كتابا وكذا كتب الشيخ سعيد بن على القحطاني كتابا آخر بين فيه ضوابط التكفير وشروطه وموانعه، وغيرهما كثير . فعلى المسلم الحذر كل الحذر من الخوض في هذا الباب لأن مغبته وعاقبته عظيمة ويكفي فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم**إذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .منقول للفائدة
اللهم ارحم أبي وحفظ أمي وزوجي وأصلح لي ذريتي وأحسن لي خاتمتي وجمعني بهم في جنانك
|