*أهمية الأسرة ومكانتها في الإسلام*
أ- أهمية الأسرة ومكانتها من خلال الزواج الشرعي دون غيره:
اقتضت سنة الله تعالى في الخلق أن يكون قائماً على الزوجي، فخلق الله تعالى من كل شيء زوجين، قال تعالى: ( ومن كل شيء خلقنا زوجي لعلكم تذكرون) [الذاريات: 49]
كما أودع سبحانه وتعالى ميلاً فطرياً بين زوجي كل جنس، فكل ذكر يميل إلى أنثاه، والعكس، وذلك لتكاثر المخلوقات واستمرار الحياة على وجه الأرض، وجعل سبحانه ميل الذكر إلى الأنثى والأنثى إلى الرجل مختلفاً عن باقي الكائنات، فالميل عند الإنسان غير مقيد بوقت ولا متناه عند حد الوظيفة الجنسية، وذلك لاختلاف طبيعة الإنسان عن طبيعة الحيوان، فالصلة القلبية والتعلق الروحي عند الإنسان، لا يقفان عند قضاء المأرب فحسب، بل يستمران مدى الحياة.
ولما كان الإنسان مكرماً مفضلاً عند خالقه_ عز و جل _ على كثير ممن خلق، فقد جعل تحقيق هذا الميل واتصال الرجل بالمرأة عن طريق الزواج الشرعي فقط، و لهذا خلق الله آدم عليه السلام وخلق منه حواء، ثم أسكنها الجنة فقال تعالى : (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها) [الأعراف: 189] وقال تعالى: ( وقلنا يــا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) [البقرة: 35]
وهكذا كانت أول أسرة في تاريخ البشرية هي أسرة آدم عليه السلام، ثم تكاثرت الأسر وانتشرت إلى ما نراه اليوم، مصداقاً لقوله تعالى: (وجعلنكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) [الحجرات: 13]
لقد عني الإسلام بالأسرة فأحاطها بسياج من العناية والرعاية, وحرص على استمرارها قوية متمسكة, وما ذلك إلا لمكانة الأسرة وأهميتها، فما مكانة الأسرة في الإسلام؟
تبرر أهمية الأسرة ومكانتها من خلال ما يأتي:
1-تحقق النمو الجسدي والعاطفي, وذلك بإشباع النزعات الفطرية والميول والغريزية، وتلبية المطالب النفسية والروحية والجسدية باعتدال ووسطي.
2-تحقيق السكن النفسي والطمأنينة قال تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) [الروم: 21]
3-الأسرة هي الطريق الوحيد لإنجاب الأولاد الشرعيين، وتربيتهم، وتحقيق عاطفة الأبوة والبنوّة، وحفظ الأنساب.
4-تعد الأسرة مؤسسة للتدريب على تحمل المسؤوليات، وإبراز الطاقات، إذ يحاول كل من الزوجين بذل الوسع للقيام بواجباته، واثبات جدارتها لتحقيق سعادة الأسرة
5-تعد الأسرة هي اللبنة لبناء المجتمع، فالمجتمع يتكون من مجموع الأسر.
أما اتصال الرجل بالمرأة عن طريق غير مشروع (السّفاح) فهو اتصال لا يليق بكرامة الإنسان، كما أنه وغن حقق هذا الاتصال الشهوة العابرة المشبوهة بالحسرة والندامة، إلا أنه لا يحقق بحال من الأحوال السكن والهدوء والاستقرار، كما أنه لم يكن من مقاصده تحمل المسؤوليات، وإنجاب المواليد، وإن جاء مولود فهو سقط، أو لقيط طريد، وهكذا يكون مثل هذا الاتصال بين الذكر والأنثى، مصدر شقاء وتعاسة، وأشباح شريرة تطارد الفاعلين له، فهم لا يشعرون بسعادة ولا استقرار ما داموا على هذه الحال، ويبقى الزواج الشرعي أسُّ تكون الأسرة وسر سعادتها وبقائها، وبالتالي سعادة المجتمع واستقراره.
ب- المكانة التي حظيت بها المرأة في الإسلام، مقارنة بالمجتمعات والأنظمة القديمة والحديثة..
أولاً: المرأة عند غير المسلمين:
قبل الحديث عن مكانة المرأة في الإسلام ، لابد من إلقاء الضوء على أوضاع المرأة في بعض المجتمعات قديمة كانت أم حديثة، وذلك ليبرز بجلاء ووضوح فضل على المرأة بإنقاذها وإنصافها في جميع المجالات، ومن تلك المجتمعات على سبيل المثال:
1-اليونان:
كانت المرأة عند اليونان مسلوبة الحرية, والحقوق الإنسانية، الاجتماعية والاقتصادية. كما كانت تباع وتشترى، ولا تحظى باحترام، وبقيت المرأة على هذه الحال، إلى لأن تبذلت واختلطت مع الرجال مؤخراً، فشاع الزنا عندهم وأصبح فعل الفاحشة غير مستبشع ولا مستنكر، فكان ذلك إيذاناً بانهيار حضارتهم وسقوطها.
2-الرومانيون:
كانت المرأة الرومانية معدومة الأهلي تماماً كالصغير والمجنون، وعندما تتزوج تدخل في سيادة زوجها، وتصير في حكم ابنته، وله أن يحاكمها، ويعاقبها بالإعدام في بعض الأحيان، ثم تغير وضعها، فخرجت إلى مجالس اللهو والطرب، وشرب الخمور مما أدى إلى خراب حضارة الرومان وزوالها.
3-المرأة في الحضارة الهندية:
كانت المرأة عندهم قاصرة، وليس حق الاستقلال عن أبيها أو زوجها أو ابنها، وهي في نظره مصدر شؤم، ومدنّسه لكل شيء تمسه، ولابد لها من حرق نفسها عند موت زوجها، وإلا عرضت نفسها لهوان أشد عذاب من النار، وكانت المرأة تُقدم قرباناً للآلهة لترضى، أو لتأمر بالمطر أو الرزق.
4-اليهود:
يعد اليهود - بناء على أصلهم المحرف – المرأة لعنة، إذ هي أصل الشرور ومنبع الخطايا، لأنها – بحسب زعمهم – أغرت آدم عليه السلام – بالأكل من الشجرة الملعونة، كما يعدونها نجسة في أيام حيضها، وهي عندهم بمرتبة الخادم ،ولأبيها الحق في بيعها قاصرة، وهي محرومة من الميراث، ثم تغير حال المرأة عند كثير من اليهود، من النقيض إلى النقيض، ويكفي أن نعلم أن المرأة عندهم من الأسلحة التي يستخدمونها لغزو قلوب الشباب وإفسادهم، والسيطرة على العالم.
وقد جاء في بروتوكولات حكماء صهيون:"يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا، إن فريدو منا وسيظل يعرض الأخلاق الجنسية في ضوء الشمس، لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية، وحينئذ تنهار أخلاقه".
5-النصارى:
كانت النظرة إلى المرأة عند رجل الكنيسة قديماً نظرة سوداوية، لأنها في نظرهم هي التي أغرت آدم عليه السلام بالأكل من الشجرة الملعونة، وكانوا يشككون في إنسانية المرأة، وليس عندها الحق في التملك، بل إنه يباح بيعها في بعض الأحيان كما أنهم كانوا يحتقرون العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، ويزهدون بها، وإن كانت عن طريق مشروع.
وقد حاول بعض مجددي القرن الثامن عشر تعديل هذه النظرة نحو المرأة ، لكن شيئاً فشيئاً تجاوز الأمر الحد إلى أن تمخّض النظام الاجتماعي في القرن العشرين عن نظريات ثلاث هي: المساواة بين الرجال والنساء، واستقلال النساء بشؤون معاشهن، والاختلاط المطلق بين الرجال والنساء. وهذه النتيجة وإن أهمت المرأة بأنها نالت شيئاً من حقوقها، إلا أنها في الحقيقية انتقال بها من حضيض إلى حضيض، ومن إفراط إلى تفريط، بالإضافة إلى كثرة الفواحش والمصائب والأمراض الفاتكة.
وقد أحسن مصطفى صبري إذ قال:" إن من نظر إلى مظاهر الغرب، يحسب أهله يعبدون المرأة ويجلونها بهذا الحد، ومن هذه المظاهر، اعتبار المرأة الشرقية مقهورة منكودة الحظ،لكن الحقيقة أن الغربيين ومقلدتهم منا، يعبدون هوى أنفسهم في عبادة المرأة، وما إجلال الرجل العصري للمرأة وتقديمه إياها على نفسه، إلا نوعاً من الضحك على ذقنها؛ لمخادعتها؛ وجعلها أداة للهو واللعب، كما أن إخراجها من خدرها وستورها، معناه إنزالها من عرشها المنيع إل أسواق الابتذال.."
6-العرب في الجاهلية:
كان العرب يتشاءمون من ولادة الأنثى، قال تعالى: ( و إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون) [النحل: 58، 59] وليس للمرأة حق في المشورة أو إبداء الرأي، ولو كان ذلك في أخص خصوصياتها، كاختيار الزوج مثلاً، وليس لها الحق في الإرث، ولا في المهر، وليس لتعدد الزوجات عنهم حد معين، ولا للطلاق عدد محدود، وتعد زوجة الأب إرثاً لأكبر أبنائه من غيرها، كما كانت هناك بعض الأنكحة الفاسدة، كالشغار والاستبضاع والبغايا وغيرها.
ثانياً: مكانة المرأة في الإسلام:
أنصف الإسلام المرأة، وأعطاها حقوقها المختلفة، ورد لها اعتبارها كإنسان، وحظيت بمكانة عظيمة لم تحظ بها في أي مجتمع غير مسلم، سواء كان قديماً أو حديثاً، و مظاهر هذا التكريم:
1-أقر الإسلام إنسانية المرأة وكرامتها، وأنها مخلوقة من نفس الرجل، وهي إنسانة مثله تماماً، في الخلقة وأصل الكرامة، قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) [النساء: 1]
2-برأها مما ألصقه بها بعض أصحاب الديانات السابقة من أنها أم المصائب، وأنها سبب إخراج آدم من الجنة، وبين أن الشيطان هو السبب في إغراء آدم وحواء، قال تعالى: (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه) [البقرة: 36]
3-حرم التشاؤم بولادتها، أو التعرض لحياتها بغير حق، بأي شكل من الأشكال.
4-أمر الإسلام بإكرام المرأة في جميع مراحل حياتها، سواء أكانت أماً أو بنتاً أو زوجة.
5-جعل الإسلام المرأة أهلاً للتكليف، فهي مكلفة كما أن الرجل مكلف، ومجزية بأعمالها دنيا وآخرة، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، قال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) [النحل: 97]
6-أعطاها الإسلام حقوقاً ماليه بعد أن كانت محرومة منها، فلها حق المهر، ولها أن ترث وتتصرف فيما تمتلك، وفق حدود الشرع.
7-جعل لها الحق في المشاورة وإبداء الرأي، بعد أن كانت مسلوبة تماماً من هذا، قال تعالى: (فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) [ البقرة: 233]
كما يؤخذ رأيها في الزواج, ولها حق في الخلع، إذا ما كرهت الاستمرار في الزواج، هذا بالإضافة إلى حقوقها الأخرى الكثيرة..