02-22-2014, 07:56 PM | #1 |
مجلس الادارة
|
( عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ما كاد عمر بن عبد العزيز يسلم جنبَه إلى مضجعه بعدما سهر فى دفن الخليفة سليمان بن عبد الملك حتى أقبل عليه ابنُه عبد الملك، وكان يومئذ يتَّجه نحو السابعة عشرة من عمره، وقال : (ما تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ -والآن هناك نقطة دقيقة، يقولون: أزهد الناس بالعالم أهلُه وجيرانه، يكون للإنسان شأن كبير، ولكن في بيته يُنادى باسمه، ولكن هذا الخليفة العظيم ربَّى أولادَه تربية عالية، حيث إنّ ابنه إذا أراد أن يخاطبه في البيت, يقول له: يا أمير المؤمنين، وهذا من الأدب، والنبيُّ عليه الصلاة و السلام رأى شابا يمشي أمام شيخ فنهاه، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه, أنَّ النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم رأى رجلاً معه غلام، قال للغلام : ((مَنْ هَذَا؟ قال: أبي، قال: فَلا تَمْشِ أمامَهُ، ولا تَسْتَسِبَّ لَهُ، وَلا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلا تَدْعُهُ باسْمِهِ)) قال النوويّ: قلت: معنى لا تَسْتَسِبَّ له: أيْ لا تفعل فعلاً يتعرّض فيه لأن يسبّك أبوك زجراً لك, وتأديباً على فعلك القبيح- . قال: ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ فقال: أيْ بنيَّ أريد أن أغفُوَ قليلا، فلم تبقَ في جسدي طاقة، -يقال لك: عُصرت عصرا، هل هناك شيء خلاف الأصول؟ إنسان يومان أو أكثر في عمل مستمر وشاق، أراد أن يغفو قليلا- فقال ابنُه: أتغفو قبل أن تردَّ المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين؟ فقال: إني قد سهرتُ البارحة في عمِّك سليمان، وإني إذا حان الظهرُ صليتُ بالناس، ورددتُ المظالم إلى أهلها إن شاء الله، قال ابنُه: ومَن لك يا أمير المؤمنين أن تعيش إلى الظهر؟ قال له: وهل تضمن أن تعيش إلى الظهر؟ -فألهبت هذه الكلمات عزيمةَ عمر، وأطارت النومَ من عينيه، وبعثت القوةَ والعزم في جسده المتعب- وقال : ادنُ مني يا بني، فدنا منه, فضمَّه إليه، وقبَّل ما بين عينيه، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي, من يُعِينُنِي على ديني . الآن بدأنا في القصة ؛ فمَن عبد الملك هذا؟ وما خبرُ هذا الفتى الذي قال عنه الناسُ: (إنه هو الذي أدخل أباه في العبادة، وسلكه مسلك الزهادة) تعالوا نلمَّ بقصة هذا الفتى الصالح من أولها . كان لعمر بن عبد العزيز خمسة عشر ولدا، فيهم ثلاث بنات، وكانوا جميعا على حظٍّ موفور من التقى، ومقام كبير من الصلاح، لكنَّ عبد الملك كان واسطة العقد، وكوكبة أخوته، فقد كان أديبا، وكان أريبا ذكيا، له سنُّ الفتيان، وعقلُ الكهول، وأروع ما في الشاب عقلُه الكبير، وأروع ما في الشاب ورعُه، وأروع ما في الشاب معرفتُه، وأروع ما في الشاب أدبُه، وأروع ما في الشاب عفَّته، وأروع ما في الشاب توبتُه، وأروع ما في الشاب حبُّه لله عزوجل، وربُّنا عز وجل يعجب لهذا, فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَعْجَبُ مِنْ الشَّابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ)) [أخرجه أحمد في مسنده] م إنه نشأ في طاعة الله عزَّ وجل منذ نعومة أظفاره، فكان أقربَ الناس سمتًا إلى آل الخَطَّاب عامة، وأشبههم بعبد الله بن عمر، خاصة في تقواه، وتخوُّفه من معاصيه، وتقرُّبه إليه بالطاعة . حدَّث ابنُ عمَّه عاصمٌ, فقال: ((وفدتُ على دمشق، فنزلتُ على ابن عمي عبد الملك، وهو عازِب، فصلينا العشاء، وأوى كلٌّ منا إلى فراشه، فقام عبد الملك إلى المصباح فأطفأه، وأسلم كلٌّ منا جفنيه إلى الكرى، ثم إني استيقظتُ في الليل، فإذا عبد الملك قائم يصلِّي في العتمة، وهو يقرأ قوله جل وعلا: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾[سورة الشعراء 205-207] قال ابنُ عمه عاصم: فراعني منه أنه كان يردِّد الآيةَ، وينشج نشيجا مكبوتا, يقطِّع نِياطَ القلوب .قال: وكان كلما فرغ من الآية عاد إليها, حتى قلتُ: سيقتله البكاءُ، فلما رأيتُ ذلك, قلتُ: لا إله إلا الله، والحمد لله، كما يفعله المستيقظ من النوم، لأقطع عليه البكاءَ، فلما سمعني سكتَ، فلم أسمع له حسًّا) . تتلمذ هذا الفتى العمري على أكابر علماء عصره، حتى تملَّى من كتاب الله، وتضلَّع بحديث رسول الله، وتفقَّه في الدين، فغدا على حداثة سنِّه, يزاحم الطبقةَ الأولى من فقهاء أهل الشام في زمانه . إليكم هذا الموقف الذي يشهد لعبد الملك بن عبد العزيز بالعلم : (إني قد دعوتكم لأمر هذه المظالم التي في أيدي أهل بيتي، فما ترون فيها؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين, إن ذلك أمر كان في غير ولايتك، ليس لك علاقة، قضية سابقة، وأن وزرَ هذه المظالم على من غصبها، -فطرة سليمة، فلم يرتح إلى ما قالوا، أحيانا الإنسان يسمع أول فتوى لصالحه، وثاني فتوى، وثالث فتوى، ورابع فتوى، وخامس فتوى، ويقول: لستُ مرتاحا، ما هو الدليل؟ - فالتفتَ إليه أحدُهم ممّن كان يرى غيرَ رأيهم، وقال: يا أميرَ المؤمنين, ابعث إلى عبد الملك, فإنه ليس دونَ من دعوتَ علمًا أو فقها أو عقلا، أي هؤلاء الذين دعوتهم علماء وفقهاء، ولكن ابنَك ليس أقلَّ منهم فقها ولا علما ولا عقلا، فلما دخل عليه عبدُ الملك, قال له عمر: ما ترى في هذه الأموال التي أخذها بنو عمِّنا من الناس ظلما، وقد حضر أصحابُها, وجعلوا يطلبونها ، وقد عرفنا حقَّهم فيها؟ فقال عبد الملك لأبيه: أرى أن تردَّها إلى أصحابها ما دمتَ قد عرفت أمرها, وإنك إن لم تفعل, كنتَ شريكا للذين أخذوها ظلما, فانبسطتْ أساريرُ عمر، و ارتاحت نفسُه، وزال عنه همُّه، ولقد آثر الفتى العمري المرابطة على الثغور، والإقامة في إحدى المدن القريبة منها على البقاء في بلاد الشام) . قصه عجيبه حدَّث ميمونُ بن مهران وزيرُ عمر بن عبد العزيز وقاضيه ومستشاره, فقال: (دخلتُ على عمر بن عبد العزيز، فوجدتُه يكتب رسالة إلى ابنه عبد الملك، يعظُه فيها، وينصحه، ويبصِّره، ويحذِّره، وينذره، ويبشِّره، وكان مما جاء فيها قولُه: أما بعد؛ فإنّ أحقَّ مَن وَعَى عنِّي وفَهِم قولي لأنت, وإنّ اللهَ وله الحمدُ قد أحسن إلينا في صغير الأمر وكبيره، فاذكُر يا بنيَّ, فضلَ الله عليك وعلى والديك، وإياك والكِبر والعظمة، فإنها من عمل الشيطان، وهو للمؤمنين عدوٌّ مبين، واعلم أني لم أبعث إليك بكتابي هذا لأمرٍ بلغني عنك، فما عرفتُ من أمرك إلا خيرا، غير أنه بلغني عنك شيءٌ من إعجابك بنفسك، ولو أن هذا الإعجاب خرج بك إلى ما أكره, لرأيتَ مني ما تكره . قال ميمونُ: ثم التفت إليَّ عمرُ, وقال: يا ميمون, إن ابني عبد الملك قد زُيِّن في عيني، وإني أتَّهم نفسي في ذلك، وأخاف أن يكون حبِّي له قد غلب على علمي به، وأدركني ما يدرك الآباء من العمى عن عيوب أبناءهم، قال له: فَسِرْ إليه, واسبِرْ غورَه وانظُر, هل ترى فيه ما يشبه الكبرَ والفخر, فإنه غلام حدَثٌ, ولا آمنُ عليه الشيطان؟ قال ميمون: فشددتُ الرحالَ إلى عبد الملك, حتى قدمتُ عليه, فاستأذنتُ ودخلتُ، فإنه غلام في مقتبل العمر، رَيَّانُ الشباب، بهيُّ الطَّلعة، جمُّ التواضع، قد جلس على حاشية بيضاء فوق بساط من شَعر، فرحَّب بي ثم قال: قد سمعتُ أبي يذكرك بما أنت أهلٌ له من الخير، وإني لأرجو أن ينفع اللهُ بك، فقلتٌ له: كيف أجدك؟ فقال: بخير من الله عز وجل و نعمة، غير أني أخشى أن يكون غرَّني حسنُ ظن والدي بي، وأنا لم أبلغ من الفضل كل ما يظنُّ، وإني لأخـاف أن يكون حبُّه لي قد غلبه على معرفته بي, فأكون آفةً عليه، فعجبتُ من اتِّفاقهما! ثم قلتُ له: أعلمني من أين معيشتُك ؟ قال: من غلَّة أرض اشتريتها ممن ورثها عن أبيه، ودفعتُ ثمنها من مالٍ لا شبهة فيه، فاستغنيتُ بذلك عن فيء المسلمين, قال: فما طعامُك؟ قال: ليلةً لحمٌ، وليلةً عدسٌ وزيت، وليلة خلٌّ وزيت، قلت له: أما تعجبك نفسُك؟ قال: قد كان فيَّ شيء من ذلك، فلما وعظني أبي, بصَّرني بحقيقة نفسي، وصغَّرها عندي، وحطَّ من قدرها في عيني، فنفعني اللهُ عز وجل بذلك، فجزاه اللهُ من والدٍ خيرا، فقعدتُ ساعة أحدِّثه، وأستمتع بمنطقه، فلم أرَ فتًى كان أجمل وجهًا، ولا أكمل عقلا، ولا أحسن أدبا منه على حداثة سنِّه، وقلَّة تجربته، فلما كان آخرُ النهار أتاه غلامٌ, فقال: أصلحك اللهُ قد فرغنا، فسكت، فقلت: ما هذا الذي فرغوا منه؟ قال: الحمام، قلتُ: و كيف؟ قال: اخلوه لي، قلتُ: لقد كنت وقعت من نفسي موقعا عظيما، حتى سمعت هذا الآن ، فذُعِر واسترجع, وقال: وما في ذلك يا عمُّ - يرحمك الله-؟ قلت: الحمام لك, قال: لا، قلت: فما دعاك أن تخرج الناسَ منه, كأنك تريد بذلك أن ترفع نفسك فوقهم، وأن تجعل لها قدرًا يعلو على أقدارهم, ثم إنك تؤذي صاحبَ الحمام في غلَّة يومه، وتُرجع من أتى حمَّامه خائبا، قال: أما صاحب الحمام فأنا أرضيه، وأعطيه غلَّة يومه كلَّها، قلتُ: هذه نفقة سرف خالطها كِبرٌ، وما يمنعك أن تدخل الحمام مع الناس, وأنت كأحدهم؟ قال: يمنعني من ذلك: أن طائفة من رعاع الناس بغير أُزُر, فأكره رؤيةَ عوراتهم، وأكره أن أجبرهم على وضع الأُزر, فيأخذون ذلك عليَّ, على أنه اقتدارٌ مني عليهم بسلطان, الذي أسأل الله أن يخلِّصنا منه كفافا, لا لنا ولا علينا، فعِظني رحمك الله عظةً أنتفع بها, واجعلْ لي مخرجا من هذا الأمر، قلت: انتظِر حتى يخرج الناسُ من الحمام ليلا, ويعودوا إلى بيوتهم, ثم أدخله وحدك، قال: لا جرم ، لا أدخله نهارا بعد اليوم، ولولا شدَّة برد هذه البلاد, ما دخلته أبدا, وقال: أقسمتُ عليك لتطوِينَّ هذا الخبرَ عن أبي، إني أكره أن يظلَّ ساخطا عليَّ، وإني لأخشى أن يحول الأجل دون الرضا منه. قال ميمون: فأردتُ بعد ذلك أن أسْبِر عقلَه, فقلت له: إن سألني أميرُ المؤمنين: هل رأيتَ منه شيئا؟ فهل ترضى ليَ أن أكذب عليه؟ قال: لا، معاذ الله، ولكن قل له: رأيتُ منه شيئا فوعظتُه, وكبَّرتُه في عينه, فسارع في الرجوع عنه، فإن أبي لا يسألك عن كشف ما لم تظهره له، قال: لأن الله عز وجل قد أعاذه من البحث عما استتر، قال ميمون: فلم أرَ والدا قط, ولا ولدا مثلهما, يرحمهما اللهُ عز وجل) . هذا هو عبد الملك بن عبد العزيز، وإن كانت قصَّةً قصيرة إلا أن فيها دلالات كثيرة، والعبرة أن تربَّي ابنَك على طاعة الله، وعلى التواضع، وعلى خفض الجناح للمؤمنين، ألم يقل الله عز وجل: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾[سورة الشعراء الآية: 215] والحمد لله رب العالمين |
|
02-23-2014, 09:53 AM | #2 |
|
رد: ( عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز
جزآك آللـه خـــــــــــــــير
وجعله في ميزآن حسنآتكـ .. ربي لايحرمنآ منك ومن تميززك فآئق آلحدود بـآرك آلله فيـك ووفقك آلله |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|