05-18-2014, 02:17 PM | #1 |
مطلع الشمس .
|
ليلى وصديقها الماء وأحضان البِرْكَة .
هل انتحرت ليلى ..؟
مات أبوها بمرض عضال وهي صغيرة ، كان جباراً ظالماً ، لا يرعوي في الرد على أتفه الأمور بقسوة وشدة ، كان يظلم أمها حتى باتت تفكر في الانتقام منه والتخلص منه بشتى الوسائل . ولكن كان على موعد مع مرض فتاك فكان الأسبق إليه ، مهما تعددت الأسباب . فتزوجت ورحلت مع زوجها الجديد ، وتركت ليلى لمصيرها ، بل تركت كل شيء يذكرها بزوجها القاسي وكأنما هي تتنتظر اللحظة لتتجرد من معاني الأمومة ومشاعرها ، نتيجة ما عانت من ظلم وتجبر . ولم يبق إلا ليلى .. فأين تذهب ؟ كان أخوها الكبير قد مات منذ زمن وهي لم تزل في طفولتها ولم يبق لها سوى إخوة صغاراً يحتاجون إلى رعاية أكثر منها . لم يبق أمامها سوى أن تلتجئ إلى عمها كما هو الشرع والعرف والمسلم به .. وهي تكبر وتكبر ، وتكبر معها همومها ومعاناتها ، فليس العم كالأب ، وليست زوج العمل كالأم وإن بدت قريبة . والهموم تكبر والأحزان تلفها وتحيطها كإحاطة السوار بالمعصم ... ثم بدا لهم من بعد أن رأوا أنه مناسب أن يزوجوها من ابن عمها ، لأنها يتيمة ولا تملك إلا أن تفعل ، فهي مغلوبة على أمرها .. وكيف تستطيع أن ترفض وهي في حجر عمها لأبيها ، وذاك ولده .. وهي كابنته ولكنها لم تشعر بذلك يوماً ولم تلمسه قط .. فشبح الجبروت والظلم الذي كانت تراه في معاملة أبيها لأمها لا زال يطاردها لتجده في عمها ركنها الشديد .. فتزوجت لأنها يتيمة .. لا تملك رأياً ولا تستطيع طولاً .. هناك في البادية .. في مشارق الأرض ، حيث تطلع الشمس وتطل من فوق القمم الشاهقة لتلقي على الأرض بتيحة الدفء والصباح الجميل . تزوجت ليلى من ابن عمها ذو الجثة الضخمة كأنه سارية أو بقية من بقايا قوم عاد . ولم يكن أفضل حالاً من عمها ولم يكن بوسعها أن تجد عنده الصدر الحاني الذي ينتشلها من مغبىة اليتم وغصة الزمن القاسي ، ولم تجد إلا أن الظلم يتسارع في مطاردتها وتضييق الخناق عليها ،، شحب وجهها ، ونحل جسدها .. وتحطمت آمالها . فلا أخ يكون ركنها الشديد الذي تأوي إليه ، ولا أم تفجرت مشاعر الأمومة في قلبها من جديد لتكفكف دموعها وتحيطها بذراعيها ، وتدفئها بحرارة جسدها وتجفف عرق الضنك وتمنع عنها لفحة الظلم والجور ، وتخفف عنها من وطأة اليتم والعيلة . فضاقت الدنيا على ليلى بما رحبت ، يتفطر قلبها كل يوم .. وتموت كل لحظة ألف مرة . إن نظرت إلى وجه عمها لتستخلص منه قبسات من وجه أبيها لعلها تأنس بها فلا ترى إلا سمات القسوة التي كانت عاملاً مشتركاً بينهما .. وتنظر إلى وجه عمتها - زوج عمها - فلا ترى فيه إلا شوكتي أفعى تخرج من فيها بين الفينة والفينة وكأنها تريد أن تلسعها بهما .. وتعود إلى زوجها فلا ترى إلا صفات امتزجت فيه من أبيه وأمه فكانت صفات تنبع من جمرة واحدة . والحلقة تضيق على ليلى كل يوم .. بل كل لحظة .. كل صباح تذهب إلى بركة الماء فتغرف منها وتملأ قربتها بعدما طعمت علقة من زوجها أو عمها أو زوجه . تخاطب الماء .. وتهمس في أعماق البركة فيجيبها صدى صوتها من جنبات الجدار الخالي من الماء .. هل تقبلني أيها الماء ؟ هل ستكون لي أباً رحيماً ؟ هل ستنقذني من ويلات الهموم ؟ هل ستنسيني الأحزان التي لم تدع للفرحة في أعماقي حتى منفذاً لإبرة صغيرة ؟ هل ستواريني أيتها البركة من أعين الظلم ؟ والقسوة ؟ ثم تعود ليلى لأنها لم تلق جواباً .. فتعيش المأساة من جديد . وفي اليوم التالي كعادتها تعود إلى بركتها لتناجيها . تتأمل الماء الهادئ .. الحالك الظلام بفعل قاع البركة العميق كأنما هو بحر إلا أنه ليس له موج . فتخاطبها وتهمس في أذن الماء بقولها : إن لي معك موعد أيها الماء طال الزمن أو قصر .. شئت أم أبيت ، فإنها عوامل امتزجت مع بعضها حتى شكلت كرة كبيرة من الآهات والأحزان والويلات حتى لم يعد معها متسع للحياة . تختفي ليلى .. لم تعد إلى البيت .. فجأة اختفت دون أسباب - في نظرهم - . ويمر اليوم الأول وليلى مختفية .. واليوم الثاني وهي يبدو أنها لم تفكر في العودة .. أين ذهبت تلك العاقة الناشز عن زوجها .. العاقة لعمها ؟! ويحل اليوم الثالث ويمر دون رؤية ليلى .. فلم يكن هناك بد من البحث عنها والانتشار في مشارق الأرض ومغاربها للبحث عن الهاربة حتى لو كلف ذلك قطع المسافات وضرب أكباد الإبل للبحث عنها وإعادتها إلى البيت من جديد . ولكن لم يكن السؤال مجدياً ولم يجد له جواباً فإن أحداً لم ير ليلى . ولم تكن عند أمها التي تعيش في القرية البعيدة عن بادية ليلى . فيكف البحث عن ليلى .. ويعود الباحث عنها دون خبر وينقطع السؤال لأن ليلى قد وُجِدتّْ . فأين وجدت ليلى ؟ لعلها عند البركة ؟! نعم إنها عند نديمتها البركة .. وصديقها الماء . يحملها على ظهره ، ويملأ جوانحها . وتواريها جدران البركة العميقة . نعم لقد وفى لها الماء بوعده وحنا عليها فأنساها كل ما كانت تشتكي من الهموم ، وأنصفها من سفعة الظلم وبدد عنها غياهبه . واحتضنتها البركة وكأنها تعوضها عن أحضان أمها الجافة . ترى .. هل انتحرت ليلى .. أم يد الظلم في الماء ألقتها ؟ قصة من نسج الخيال . مع تحياتي |
التعديل الأخير تم بواسطة رجل وادي القمر ; 05-18-2014 الساعة 02:21 PM
|
05-18-2014, 02:47 PM | #2 |
|
رد: ليلى وصديقها الماء وأحضان البِرْكَة .
رجل وادي القمر
سلم إحساسك وحرفك يانقي رآآقني سكب قلمك لروحك الجوري و نترقب أبداعاتك |
|
05-18-2014, 04:28 PM | #4 |
مطلع الشمس .
|
رد: ليلى وصديقها الماء وأحضان البِرْكَة .
آخر أنفاسي ..
حنان الكون . أشكركما على دعمكا لموضوعي وتعليقكما الأروع منه تواجدكما في صفحتي . |
|
05-21-2014, 03:03 AM | #7 |
|
رد: ليلى وصديقها الماء وأحضان البِرْكَة .
سرد في قمة الروعه عشنا فصول الحكايه حبكة الدراما اخذتنا لعالم الخيال وكانه واقع سلمت اناملك الذهبيه |
يعجبني انسان يسالني اثناء نقاشي معه .....ماذا تقصد ؟ لانه لا يرغب في تفسير كلامي كما يشاء بل يريد ان يفهمني قدر المستطاع |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|