05-30-2017, 01:03 AM | #1 |
مجلس الادارة
|
حياة بلا كدر
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يظن بعض الناس أن السعادة أن يعيش الإنسان حياة صافية من كلّ كدر،أوْ لا يصادفه منغِّصات،أو لا تُصيبه مُصيبة،أو لا يتعرّض لفتنة،وهذه لا بدّ منها،ثم إن طبيعة هذه الحياة الدنيا أنها طُبعت على كدر،فهي لا تصفو لأحد،ولا تدوم لِمخلوق، وقد وصف الله حياة ابن آدم فقال(لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ)فهو في مشقة ومكابدة في دنياه ، لقد جعل الله سبحانه من سننه في خلقه أن الحياة لا تصفو من كدر، كما شاء سبحانه أن يبتلي المؤمنين بأنواع الابتلاءات، والاختبارات، وكلما كان العبد في إيمانه أقوى وأعلى،كلما كان ابتلاؤه أشد واختباره أصعب، وليس هناك أرقى ولا أعظم مقاماً،من مقام النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس،وليس هناك أكرم على الله منه، ومع ذلك فقد ابتُلي صلى الله عليه وسلم وأوذي أشد أنواع الابتلاء والإيذاء، فما هي الحياة الطيبة،وكيف تُوجد السَّعـادة، اختلفت عبارات السَّلَف حول معنى الحياة الطيبة، قال ابن عباس،هي الرزق الحلال، وقال الحسن،هي القناعة، وقال أبو بكر الوراق،هي حلاوة الطاعة، وقال القاضي البيضاوي(فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)في الدنيا يعيش عيشاً طيباً،فإنه إن كان مُوسراً فظاهر،وإن كان مُعسراً يطيب عيشه بالقناعة والرضا بالقسمة وتوقّع الأجر العظيم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله،منِ أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية،حياةُ قلبٍ مؤمن بالله،راضٍ بقضائه،مستسلم لحكمه،واثق بِوعده، الأمن النفسي من أعظم ما يمنّ الله به على عبده المؤمن،ولذا قال سبحانه وتعالى(الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) بل حتى الأمن النفسي في نفوس المؤمنين،وهذا يُفسِّر لنا سـرّ سعادة الكافر إذا أسلم،إذ وجد ما كان يفتقده،وعاش لذّة الطاعة، وخالطت قلبه بشاشة الإيمان، ويظهر لنا كيف عاش بعض السّلف هذه السعادة في لحظة مقتله، قال حرام بن ملحان رضي الله عنه لما طعنه الكافر الغادر،فزت ورب الكعبة،فكان الكافر الغادر يتساءل،أي فوز فازه وأنا قتلته، فالسعادة،ليست في مالٍ وجارية،ولا في المراكب الفارهة، ولا في القصور العامرة،وإنما هي بطاعة الله جل جلاله، ومن العلماء من وُضع في السّجن والقيد،فما يزيد على أن يبتسم، لقد كان يتذوّق طعم السعادة،ويعتبر السجن خلوة،والقيد وسام فخـر، يرى الدنيا بعين مؤمن راضٍ بقضاء الله،يجد حلاوة الإيمان في قلبه يُدفع بإمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل إلى السّجن، فما يردّه ذلك عن مبادئه،ولا يُزحزحه عن مواقفه، يُضرب بالسِّياط فما يشكو ولا يئِنّ، لقد مزج مرارة الألم بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان، إن بعض الناس يشكو أنه لا يعيش الحياة الطيبة في حين أنه يعمل الأعمال الصالحة،وهو أهنأ ما يكون في عيش وصحّة،وأمن ورخاء، وهذا ربما تُوجَد عنده صُورة العمل،ولا تُوجد حقيقة العمل، والفرق بينهما كما بين الثرى والثريّا، إن الرجلين ربما صليا إلى جوار بعض،وبينهما في صلاتهما كما بين المشرق والمغرب، فرجل قلبه يحوم حول العرش يسبح بحمد ربه،وآخر يحوم حول الحش، فيا بُعد ما بينهما،لا يستويان لا في الصلاة والأجر،ولا في أثرها، فمن صلّى بقلبه نهته صلاته،ورفعت درجاته ، وكفّرت سيئاته . ومن صلى ببدنه أجزأته، وعن أنس رضي الله عنه قال،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا،وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة)أخرجه الترمذي،وصححه الألباني، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة)أخرجه الترمذي ،وصححه الألباني، فالله سبحانه يبتلي أهل الإيمان،ليختبرهم ويعلم الصادق من الكاذب،وكذلك ليطهرهم وينقيهم من ذنوبهم حتى يلقوه وما عليهم ذنب،فلنرِ الله منا خيراً، ولنصبر في ابتلاءاته واختباراته سبحانه، ونعلم أن فيها خيرًا كبيرًا لنا وحكمة عظيمة لا ندركها، فنرضى بكل ما أصابنا ولنسلم به ولنصبر عليه وليلهج لساننا بحمده عز وجل،في كل حال، إذا كنا قربين من الله عز وجل،فنحن سعداء بكل ما تحمله الأيام بين طياتها، فمن تعلّق قلبه بالله،ملأه الله غنىً ورضاً وطُمأنينة، ومن تعلّق بغيره وكل إليه،تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، فإن أردت المكارم فتحمّل المكارِه،وإن أردت السعادة الأبدية فالزم عتبة العبودية،والله يتولاك، قال بعض المحبِّين،مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطْيَب ما فيها، قالوا، وما أطيب ما فيها،قال،محبَّة الله والأُنْس به، والشوق إلى لقائه، والإقبال عليه، والإعراض عمَّا سواه،مدارج السالكين لابن القيم، خذ من الدنيا بلغة تبلغك الى الله عز وجل والى الدار الآخرة،وكن مطمئن النفس قرير العين،ارضى بما قسم الله لك،لا تحمل الغل والحقد في قلبك على احد، اللهم إني أسألك عيشة هنية وميتة سوية ومرداً غير مخز ولا فاضح،وأن يبدل سيئاتنا حسنات، ونسأل الله تعالى الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة،والسلامة والعافية،وان يوفقنا حسن عبادته. |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|