02-24-2018, 10:04 AM | #1 |
|
ضرب الزوجات ضوابط ومحاذير
ضرب الزوجات ضوابط ومحاذير
ديننا الإسلامي الحنيف دين يحث على الألفة والمحبة والعشرة بالمعروف والآيات والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19]. وقوله عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ} [البقرة:228]. وقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق بالنساء والإحسان إليهن، والصبر على عوجهن فقال في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ من ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ في الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لم يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا" [1]. وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مؤمنة إن كَرِهَ منها خُلُقًا رضي منها آخَرَ" [2]. وفي حجة الوداع قال صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" [3]. وقال صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". وقال ابن عباس رضي الله عنهما "إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تزين لي لأن الله عز وجل يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ} وما أحب أن أستوفي جميع حقي عليها لأن الله عز وجل يقول: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} "[4]. ولكن في ظل غياب التوجيهات الإسلامية عن واقع المسلمين، وانتشار مفاهيم خاطئة عن معنى الرجولة والقوامة نسمع ونقرأ بين الفينة والأخرى عن ضرب الأزواج لزوجاتهم بل وضرب الزوجات لأزواجهن، ولا حول ولا قوة إلا بالله. لقد شرع الله سبحانه وتعالى للزوج أن يقوم بتأديب زوجته الناشز بوسائل تأديب محدودة ومحددة من أجل تهذيبها وإصلاحها، وقد سلك القرآن الكريم في علاج نشوز المرأة طريقًا حكيمًا مستورًا، فلم يكن ضرب الأزواج لزوجاتهم كل العلاج ولا أوله، وإنما كان واحدًا من طرق العلاج بل كان آخرها، قال تعالى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]. ففي الآية الكريمة نص ٌصريح على أنه في حالة نُشُوز الزوجة وعدم طاعتها لزوجها وأداء حقوقه يحق للزوج تأديبها حتى تطيعه، والتأديب كما حددته الآية الكريمة يتم على ثلاث مراحل: الوعظ، ثم هجر المضجع، ثم الضرب؛ فعلى الزوج أن يبدأ في وعظ زوجته بالرفق واللين وذلك بأن يذكرها بما أوجبه الله عليها من حقوق، ويخوفها من عقاب الله تعالى في حالة أنها عصته ولم تؤد حقوقه؛ فإن لم تستجب الزوجة فللزوج الحق في أن يعظها بشيء التعنيف والتهديد. فإذا لم تستجب الزوجة ينتقل الزوج إلى المرحلة الثانية من مراحل التأديب ألا وهي: الهجر في المَضْجع، وجدير بالذكر هنا أنه لا يجوز للزوج أن يهجر بيت الزوجية لحديث حَكِيمِ بن مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عن أبيه رضي الله عنه قال: قلت: يا رَسُولَ اللَّهِ ما حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عليه ؟ قال: "أَنْ تُطْعِمَهَا إذ طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إذا اكْتَسَيْتَ أو اكْتَسَبْتَ ولا تَضْرِبْ الْوَجْهَ ولا تُقَبِّحْ ولا تَهْجُرْ إلا في الْبَيْتِ". فإذا لم تستجب الزوجة ينتقل الزوج إلى المرحلة الثالثة ألا وهي: الضرب شريطة أن يكون قصد الزوج من ذلك هو تأديب زوجته وتقويمها لا التشفي والانتقام منها، فليس المقصود بالضرب إلحاق الأذى بالزوجة كأن يكسر أسنانها أو يشوه وجهها أو أن يكسر ضلعها، أو أن يسبب لها عاهة، وإنما المقصود بالضرب هو إصلاح حال المرأة، فالضرب علاج لمرض، فإذا ذهب المرض فلا حاجة للعلاج أصلًا، وقد جعل القرآن الكريم الضربَ آخر الوسائل الإصلاحية التي يملكها الرجل وبذلك كان كالدواء الأخير الذي لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة، ويجب ألا يكون الضرب مبرحًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فاضربوهن إذا عصينكم في المعروف ضربًا غير مبرح"، وذلك بأن يضربها بسواك أو منديل أو نحوه، وقد سُئل ابن عباس: ما الضرب غير المبرح ؟ قال: السواك وشبهه يضربها به [5]. ويحرم عليه ضرب الوجه ولا يحل له أن يضربها أكثر من عشر ضربات بحال من الأحوال لحديث أَبَي بُرْدَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ إلا في حَدٍّ من حُدُودِ اللَّهِ" [6]. ولا شك أن الترفع عن الضرب أفضل وأكمل إبقاء للمودة والألفة بين الزوجين، فخيار الرجال لا يضربون نساءهم، ويحضرني هنا قول شريح القاضي رحمه الله تعالى وقد تزوج من امرأة من بني تميم يقال لها زينب: رأيت رجالا يضربـون نساءهـم فشلَّــت يميني حين أضـرب زينبــا أأضربها من غير ذنب أتت به فما العدل مني ضرب من ليس مذنبا [7] ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فإنه بأبي هو وأمي ما ضرب بيده شيئًا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما ضرب امرأة ولا خادمًا قط [8]. بل إنه لما طلب نساؤه منه زيادة النفقة جلس صلى الله عليه وسلم مهمومًا غاضبًا، فلما دخل عليه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ورأوه على هذا الحال وعرفا سبب غضبه صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة ليضربها، وقام عمر رضي الله عنه إلى حفصة، كلاهما يقولان: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده. فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضربهما. وقد روي أن رجلا جاء إلى عمر رضي الله عنه يشكو خلق زوجته فوقف على باب عمر ينتظر خروجه فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها فانصرف الرجل راجعًا وقال: إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته -وهو أمير المؤمنين- فكيف حالي؟ فخرج عمر فرآه موليًا عن بابه فناداه وقال: ما حاجتك يا رجل ؟ فقال يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك فرجعت وقلت: إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟! فقال عمر: يا أخي إني احتملتها لحقوق لها علي: إنها طباخة لطعامي خبازة لخبزي غسالة لثيابي مرضعة لولدي وليس ذلك كله بواجب عليها ويسكن قلبي بها عن الحرام فأنا احتملتها لذلك، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي. قال عمر: فاحتملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة. فنصيحتي للأزواج: أن يتقوا الله في زوجاتهم، ويرفقن بهن، فإنهن شقائق الرجال، وأمهات الأجيال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم، فلنتغاضى ونتغافل أحيانًا حتى تستمر الحياة في سعادة هانئة لا تكدرها صغائر الأمور، ولله در القائل: ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|