هذه الحكاية ينسبها الرواة إلى (( أبو زيد الهلالي سلامه )) الفارس والشاعر المعروف . . .
مر على بني هلال حين من الدهر أصابهم فيه الجوع , فقد شحت المراعي وقل الكلأ والمرعى ,
فمات أكثر حلالهم وأصاب القبيلة كلها الجوع والعطش فاقترحوا إرسال شخص
يستكشف لهم الأراضي ويبحث لهم عن الأرض الطيبة فترحل لها كل القبيلة ,
وبالفعل نال هذا الاقتراح إجماع كل القبيلة إلا أنهم حاروا فيمن يرسلون وكان بالقبيلة شخص مسنّ -
وقيل إنها عجوز - هذا الشخص يؤخذ رأيه فاستشاروه فيمن يرسلون
فاشترط عليهم شرطاً قبل أن يقترحون من يرسلون وكان شرطه أن ترحل القبيلة
كلها مسيرة يوم كامل بدون توقف وبعدها يعلمهم من هو الشخص المناسب ,
وبالفعل رحلت القبيلة مسيرة يوم كامل بدون توقف وبعد أن نزلوا بالمكان المحدد
رجعوا له وسألوه عن الشخص فقال لهم هو أبو زيد الهلالي سلامه . . .
فسألوه عن سبب اختياره له فقال أثناء رحيلنا
لاحظت كل أبناء القبيلة يراوحون بالركوب بين ورك وورك أثناء الركوب على المطية
إلا أبا زيد فقد كان ركوبه على ورك واحد حتى نزل وهذا دليل صبره وجلادته .
. . واختاروه فعلا وأرسلوه , وقد طلب أن يرافقه اثنان من أبناء القبيلة ورحل هو ورفاقه يبحثون عن المرعى للقبيلة كلها .
. . وطال بهم المسير دون جدوى , وتقطعت مطاياهم , وأصابهم الجوع فكانوا قرب قرية فنزلوا بسوقها ولم يجدوا من يطعمهم ,
كما لم يوفقوا إلى عمل يرتزقون منه . . . فاحتاروا بأمرهم ,
وكان أبو زيد واسع الحيلة داهية فاقترح على رفاقه أن يبيعوه في سوق المدينة على أنه عبد لهم ,
فقد كان أسمر اللون . . . وأما إلحاحه وافقوه على أن يبيعوه ويشتروا بثمنه مطايا وزاداً لهم ,
ويواصلوا البحث . . . أما هو فقد قال لهم أنه سيستطيع تخليص نفسه ,
على شرط أن يواصلوا هم البحث عن المراعي للقبيلة
فاتفق الثلاثة ونزلوا سوق المدينة . . وباعوه . . وقبضوا الثمن كما تم الاتفاق واشتروا بثمنه المطايا والمتاع . .
. وقد كان ينوي الهرب من سيده الذي استراه , إلا أن هذا السيد كان نبيلاً وطيباً ,
أولاه ثقته وجعله وكيلاً على أمواله فصعب على أبو زيد أن يخون الأمانة ويهرب . .
. ومن هنا كانت معاناته واستمر في خدمته فتره . . .
وذات مرة كانوا جالسين بمجلس هذا السيد وأبو زيد بالقرب من الدلال يصنع القهوة .
. . فتمنى السيد من يجيد العزف على الربابة ليحلوا لهم السمر فعرف أبو زيد أنها فرصته فنهض مسرعاً وأخذ الربابة وأنشد يقول
يقـول الهـلالي والهـلالي سـلامـه
شـوف الفجـوج الخاليـات تــروع
يقـول الهـلالي والهـلالي سـلامـه
يبغـي الطمـع وهـو وراه طمــوع
لابد عقـب الوقـت من لايـح الحيـا
مـن بارقـن يوصـي سنـاه لمـوع
لابـرقـن إلا فـي حجـا مستهلــه
ولا طـرقـي إلا مـن وراه نجــوع
ولا ضحـك إلا البكـا مـردفـن لـه
ولا شبعــة إلا مقتفيهــا جـــوع
ولا يــدن إلا يــد الله فـوقهــا
ولا طـايــرات إلا وهـن وقــوع
ألا يا حمامتيـن فوق نبنـوب دوحـة
وراكـن فرقـن والحمــام ربــوع
حمـامتيـن جعـل تبلــن بنــادر
حـر قطـوع وجـاري لـه جــوع
وراكـن مـا تبكـن عليـا مظنتــي
لو كـان مـا يجـري لكـن دمـوع
أبكي عليهـا ليـن حفيـت نواظـري
ولانـي بمـن تدبيـر الإلـه جـزوع
حشى ما لاق غير الجـازي أم محمـد
عليهـا ثويـب الطيلســان لمــوع
تنفـق كمـا نفـق الوغيـد مـع أمـه
وتحـط الهـوى في قلـب كل ولـوع
قد يستغرب القارئ من تكرار اسم الشاعر بالبيت الأول والثاني ولكن ذلك لتأكيد أنه الهلالي
وليس عبداً وقد بين للسيد أنه جاء يبغي الطمع فصار الطمع برأسه . .
. عرفه السيد وأنَّبه على ما عمل وأطلق سراحه وأغدق عليه الهدايا وعاد أبو زيد لقبيلته