كلما جلست وحدي أغمض عيني لأبحر في عالم نسياني ، أسترجع ذكرياتي الماضية ، الجميلة والسعيدة والشقية ، لا استثني منها شيء ، لأن الإنسان إذا أخلد إلى التذكر فيما مضى فإنه يطلق لخياله العنان يسير في حرية مطلقة ، يجوب أفاق النفس من خلال الحياة ، ويجوب أعماق الماضي السحيق ، فيأتي لنا بشيء لم نعد نذكره وقد أصبح طي النسيان ، والشريط الزمني يسير أمام مخيلتي وأسـتعرض كل أحداثه دون استثناء ، في نظام عشوائي فتارة أجدني أتذكر أموراً قبل خمسة عشر عاماً ، وتارة أتذكر حادثة قبل عامين ، وهكذا ، والذكريات تمر في ذاكرتي بحلوها ومرها .
ولكنني عنوة أقطع تلك الأفكار القديمة التي قد أكل عليها الزمن وشرب ، ولم يعد تذكرها إلا آهات وتنهدات تزيد الحسرات والأنات ، وأعود إلى الذكريات الجميلة الحديثة ، فتخطرين على راس تلك الذكريات يا فاتنتي ، فأستغرق في تأمل هادئ ، وسكون رهيب حتى أن من يراني يعتقد للوهلة الأولى أنني قد فارقت الحياة لشدة سكوني واستغراقي في تلك الذكريات الجميلة ، ذكراكِ ، أنتِ يا معذبتي ، وأنتِ تعلمين أنك قد سللتي علي سيفاً قاطعاً واحتزيتِ به قلبي ، وأطلقتي علي سهاماً من حبكِ .
فأتساءل كيف دخلتِ حياتي ؟ وكيف أحببتكِ ، وأنا لم أركِ ، ولم ألقاكِ ولم أسمعكِ أيضاً ، ولكنني أجد بين شراسيف جوفي قلباً يحبكِ وينبض بكِ ، مع أنني حتى اسمك لا أعرفه سوى أطيافكِ تمر علي جعلت لها أسماء جميلة ، أناديكِ بها أثناء مناجاتي لكِ ، فتعرفت عليكِ النفس بها . ثم أتساءل ايضاً من بدأ بهذا الحب ومن منا أخذ يحاول أن يخبر الطرف الآخر بحبه له ، هل أنا الذي أشعرتكِ بأنني أريد أن أحبكِ بطريقة أو بأخرى ، أم أنكِ أنتِ من سعى حتى تعلق قلبي بكِ لسبب أو لآخر أيضاً .
أمر محير أن أجدني هائم بكِ دون مقدمات ، ولا معرفة ، فاقول إن في الأمر سر ، وهذا هو الحب الحقيقي من وجهة نظري الشخصية ، لأنه تضحية حقيقة نقدما أنا وأنتِ ، لا يعرف أي منا شيئاً عن الآخر ومع ذلك يجده يهيم به ويعشقه ، ولو التقينا سيسلم كل منا للآخر قلبه ونفسه يفعل بها ما يريد ، هذا هو الحب الطاهر العذري ، الحب العفيف الذي لم يتأسس على زيف ولا خداع ولا كذب ، لأنها روحينا اللتان اسستاه ، فمن الأولى أن يكون حباً روحياً وتلاق روحي قبل أن يكون بنظرة أو ابتسامة ربما تكون مخادعة .
لا زلت أكرر بأنه تلاق للأرواح في عالم آخر فتتآلف وتتجاذب ، ثم تعشق وتهوى وينعكس ذلك على الأجساد التي تسير في الأرض بدون روح فالأرواح قابعة هناك في عالم آخر .
إنه حب يا غانيتي أعتز به وأجده يسري في جسدي ، ويجري في عروقي ، ولن أتخلى عنه مهما حدث من أمر ، ولن أنصاع لحالة من الجفوة والجفاء حدثت بغير إرادتنا ولا ندري عنها ، فأنا ومهما شعرت أنكِ تجفينني أحبكِ حباً قد
ربما يقودني للجنون يوماً ، لأن هذا الحبفريد من نوعه ، ويستحق التضحية حتى نصل إلى ما نريد في يوم من الأيام ، ولتعلمي ذلك ، ومهما ابتعدتِ وهجرتِ وجفيتِ أنني سأبقى منتظراً عودتكِ إلي من جديد ، فقد أضر بي الهجر والبين ولم أدري له عن سبب وجيه ، ولم أجدني اقترفت ذنباً استحق عليه هذه المعاملة القاسية ، الجائرة منكِ .
فعودي إلي يا أميرتي فأنا أحبكِ ، وقد عدت إليكِ بينما أنا في الأصل لم أكن سبباً في هذه الجفوة التي حصلت بيننا ولا أدري لها عن سبب .
عودي يا فاتنتي فأنا بانتظارك .