نطقتِ الحضارةُ فاسمعُوا
وأمرَ التمدُّنُ فأطيعُوا
كلُّ شيءٍ لحقهُ التطوّر
كلُّ شيءٍ يسيرُ نحو التغيُّر
حتّى صرنا مجردَ نسخةٍ باهتةٍ لمجتمعٍ غربّي لا يمتُ لنا بصلةٍ
انظري في خزانةِ ملابسكِ وأجيبيني
باللهِ عليكِ ما وجهُ التشابه بينها وبين خزانةِ أمكِ أو جدتكِ
أعلمُ الإجابةَ مسبقاً فلا داعي لتكرارهَا
،
ربما تتساءلونَ عن المرادِ من هذا الحديثِ
ولماذا هذه الهجمة على التحضرِ والحداثةِ
و قـبل أَنْ تـأخذكُمُ الأفـكارُ إلَى مَاوراءِ زُحَل
أريد أن أقولَ لكم أني لستُ ضد الحضارةِ والتغييرِ ما لم يمسَا بأصولنا ومبادئنا
ولكني أيضاً لستُ مع التقليد إن لم يكن عن عقيدة وعلمٍ
وحتى تفهموا قصدي أدعوكم أن تقـرأُوا معي هذهِ القصة :
"فِي طفـولتِي دائمًا ما كنتُ أنـظرُ إلَى مَا تـرتدِيهِ أمِّي وكنـتُ أشعرُ بِتلك النـَّشوةِ الرَّائعةِ إذَا مَا تـسنَّى لِي ارتداؤهُ
وهذا ما حدث مع الحجـاب كلبسٍ تـقليديٍّ أرى نساءَ بلدي يرتـدينـَهُ عمومًا و والدتِي بِالأخصِّ
فـما إنْ حان وقـتُ ارتدائِي للحجــاب حتـَّى كدتُ أَطيرُ فـرحًا فَهو يـشعرنِي بِأنـَّنِي كبِرتُ وأصبحتُ كأُمِّي
[ لقَـد كبـُرتِ وعليكِ ارتداءُ الحجـاب ]
مع الوقتِ اعتـدتـُهَ وأصبحتُ لا أستـطيعُ الخـروجَ دونـه رغم صغـرِ سِنـِّي "
قصةٌ جميلةٌ أليسَ كذلكَ
كلنا نحبُ أن نقلّد آباءنا وأمهاتنا في سنينِ عمرنا الأولى
وكلنا يحبُ أن يرى ابناءهُ الصغارَ يقلّودنهُ لأنه دليل على الحبِ والترابطِ
ولكن مهلاً فالقصةُ لم تنتهي بعد فتابعوا معنا:
" هكذا كان يجرِي الأَمرُ دائمًا ،
ولم يطْرق أذنـيَّ يومًا قـولُ اللهِ تـَبَارَكَ وتـَعَالَى (( وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ ))
وَلاَ قوْلهُ تـَعَالَى (( يأَيهَا النبِيُّ قُل لأزوَاجِكَ وَبَناَتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدنَى أَنْ يُعرَفنَ فَلاَ يُؤذَينَ ))
بل لم يكن يقـالُ لِي أبدًا أنـَّنِي أرتـدِيهِ إرضاءًا للهِ جلَّ وعلا وَامتثـالاً لأمْرِه
وجاءتِ المرحلةُ الثـانَوِيَّةُ بِكلِّ مغرِياتِهَا
ومعها بدأت فـصولُ الصراعِ بـينَ الواقعِ الذي أراهُ والعادةِ التي اعتـدتُ عليهَا وكبر معهما التمرد في نَـفسي
خاصةً عندما أرى قَرِيناتي في دولٍ أخرى، تـتـوالى السُّنـُونُ على الصَّغيرةِ منهنّ حتـى تـبدَأ مراحلُ أخرَى منْ حياتهَا دونَ هذا "الحجاب"
وكمْ كنتُ أرى أنـَّهنّ "مَحْظـُوظَاتٍ" بـذلك !!
ولعبتْ رفيقَاتِي دورهنَّ الرائدَ عندما بدأنَ يُخبرنـنِي بِأحدثِ خطوطِ الموضةِ في العباءات
أشكالهَا وأسمائهَا .. وكلُّ مايتـعلقُ بِهَا
ومع كلّ ما يحدثُ حولي بدأتْ تـتـزعزعُ صورةَ الحجاب القديمةُ أمام عيني، وبدأ صوتُ عقلي الباطنِ يرتـفع :
مَا البأسُ في تـغيِيِرِ شكلِ عباءتِي وحجابِي ؟؟
فـهي لباسٌ ككُلِّ الألبِسةِ التِي أغيِّرهَا دومًا بِأخرى أحدثَ صرعَة ً وأجملَ شكلاً
لقـدْ تـطَوَّرَ العالمُ ، فـلِمَ لا أتـطَوَّرُ معه ، واللهُ جميلٌ يُحبُّ الجمالَ في كلِّ شيء
وبادرتـنِي أصواتُ صديقـاتِي .. ماذَا ستـشتـرِينَ منهُ؟؟؟
ماذَا ستـرتـدِينَ في المنـاسبةِ الفـلانيَّة ؟؟
والعيدُ ماذا ستختـارِينَ له .. أيَّ نـَوْع ؟؟؟
أمامَ ضغطِ الصديقـاتِ وإغراءِ المُوضـةِ الجديدَة
سقطَتْ من عينـيّ هيبةُ العادةِ التي اعتـدت ، وعباءَة الرَّأسِ المُحتـشمَةُ التِي أحبـبتُ
وتـسامقـتْ بِالمقـابل في نـظري حلاوة وجمالُ عباءة الكتفِ والمُخصَّرةِ والفراشةِ و غيرِهَا الكثير
كنتُ ككلِّ الفتـياتِ أبحثُ عن المظهرِ العصرِيّ والظهورِ بِأجملِ شَكْلٍ
هُرُوبًا من وطْأةِ سخريةِ الصديقاتِ أنـَّنِي رجعيَّةٌ ودقـَةٌ قـدِيمَةٌ كما يقـالُ تـارةً ، واستجابةً لنداءِ
رغبتِي في تـغيِـيِرِ تلكَ العادةِ التِي مافـعلـتـُهَا كـ "عبادةٍ" يومًا مَا
هكذا إنتهتِ القصةُ التي تتكررُ في مناطقَ عدةٍ مع إختلافِ المسمياتِ بين بلدٍ وآخرَ
وهكذا تحولَ الحجابُ من صورتهِ الجميلةِ الساترةِ إلى مجردُ زيُّ تقليديّ تحكمهُ العادةَ لا أقلَ ولا أكثر
تجدُ الفتاةَ نفسها محرومةً من تذوقِ حلاوةِ الحجابَ الذي ورثتهُ دون أن ترثَ معهُ معناهُ وغايتهُ
ومع الختامِ سُؤالٌ كم نـتـمنَّى لو سأَلتهُ كلُّ فتاةٍ لنـفسِهَا بعد أن صار قرارُ حجابهَا بيدهَا
- هلْ أنَا أرتـدِي حجـابِي هَذا إرضاءًا لربِّي أمِ استجابةً لعادةِ قـومِي ؟؟
على منطِق ِ : ولدتُ وكبرتُ وأنا أرى َأمِّي وقَريبَاتِي يرتدينَ الحجـاب فـَأنَا أقـَلِّدُهُنّ وَحَسْب!!
أمْ أنَّ الأمرَ شَرعٌ من ربِّي يجبُ عليّ التزامُه ..؟؟
صرخةُ غَيرةٍ عليكِ يا فـتاة الطهرِ لأنكِ غاليَة
صرخةٌ تـقـولُ لكِ يـا شامخَة :
لا .. وألفُ لا .. يـامؤمنة
مَاهَذا الحجـاب الذي تـرتـدِينَ إلاَّ عبادةً غايتهَا السِّترُ والإحتشامُ ، وليستْ موضة تـتغيَّرُ بِمرورِ الأعوام
حتَّى تغدُو فستـانًا تـُضيفينَ عليهِ ما تشائين !!
دُونكِ كتابُ ربِّكِ فـاستـنطقِيهِ ، و سُنـَّةُ حبِيبكِ ورسُولكِ عليهِ السلامُ فـتـفـيـَّئِي ظِلالهَا
انـتـَصِري على نـفسِكِ
على شيـطَانِكِ
وَعَلَى حجاب العادةِ الذِي قَـتـلَ في نـفسكِ عبادةَ مولاكِ
،
،
،
هديتُنَا إليكُم