الحلقة الرابعة:
مؤامرة شيعية أموية وراء مقتل الحسين سبط رسول الله.
أمور كثيرة في قصة مقتل الحسين تثير التساؤلات، من ذلك خروجه العلني من مكة إلى العراق، رجل عدوه يملك الشام ومصر والعراق وجزيرة العرب، لا يتورع عن سفك الدم الحرام، يسافر إلى أحد الأقطار التابعة لسلطانه جهاراً نهاراً، غير متخف ولا مستتر، ليثير عليه ذلك القطر، ويستولي عليه، ويستقل بملكه؟!.
هذا الأمر مخالف لكل منطق، ولا يقول به عاقل، ما الذي حمل الحسين على هذا السفر العلني للغاية المعلنة، هل هذا هو ما كان حقاً؟، أم أن قصة خروجه إلى العراق لحقها الكثير من الوضع والإضافة وتأولات الرواة، مهما تكن الراوية لحقت بقصة خروج الحسين بن علي إلى العراق، فإن خروجه بأهله وأطفال بني هاشم ينافي السرية، وهذه العلنية التي توجه بها إلى العراق، لا تناسب غايته، فما الذي حمله على ذلك.
الذي أرجحه أنه اتفق مع مسلم المتخفي في الكوفة، أن ينتظر مسلم حتى يكون الحسين قاب قوسين من الكوفة، فيثب بمن بايعه من الشيعة، على والي الكوفة ليزيد النعمان بن بشير، ثم ينتزع الكوفة منه، فيدخلها الحسين آمناً، ولعل الحسين ظن أن العيون ستبقى مسلطة عليه، فيساعد ذلك مسلماً على إنجاز مهمته دون انكشاف أمره، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، لقد كان أمر مسلم مكشوفاً منذ وطئت قدمه أرض الكوفة، فكانت تحركاته مرصودة، من عبيد الله بن زياد، الذي ولي أمر الكوفة بعد أن جمع له يزيد ولايتي البصرة والكوفة، وقد علمنا كيف قبض عبيدالله على مسلم وقتله قبل أن يتمكن من عمل شيء، أما الحسين بن علي رضي الله عنه، فظل سائراً في طريقه, وهو يظن الأمور تسير كما دبر هو ومسلم، ثم أن عبيدالله أخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة, يمنع منها الداخل والخارج, فلم يعلم الحسين ما انتهى إليه أمر مسلم، هذا ما يمليه المنطق ويصدقه العقل، أما الرواية التي تقول إن مسلماً حمَّل عمر بن سعد بن أبي وقاص أمانة يبلغها حسيناً، يخبره فيها بمقتله، ويوصيه بالعودة إلى الحجاز، وأن عمر بن سعد قد بلغ الحسين وصية مسلم, فما كان عمر يجرؤ على أمر لم يرده عبيد الله، وعمر بن سعد ممن كتب إلى يزيد بأمر مسلم، حين كان متخفياً، وطلب من يزيد عزل واليه على الكوفة النعمان بن بشير، لضعفه أو تضاعفه عن مسلم، وسنأتي على هذه الرواية المختلقة، أقصد الرسول الذي أرسله عمر بن سعد لحسين يطلب منه العودة للحجاز، ويخبره بمقتل مسلم، والذي أود التنويه عنه، أن الروايات تذكر أن عبيد الله بن زياد، أمر بقتل هانئ بن عروة المرادي في سوق الغنم، وليس في قصره كما أسلفت, وأنه "عبيدالله بن زياد" شتم الحسين والإمام علي، وقال عنه الكذاب ابن الكذاب، سبحان الله، ما أقبح الدنيا وأهونها، عبيد الله بن زياد بن سمية، يشتم الحسين بن علي ويسب علي بن أبي طالب، يسب من أبرزهم الرسول ليباهل بهم نصارى نجران، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، يقال إن رجلاً أعمى من الأزد- غامدي-، فقد عينيه حين كان يحارب مع الإمام علي رضوان الله عليه، واحدة في معركة الجمل والأخرى في صفين، كان حاضراً مجلس عبيدالله, فلما سمعه يشتم علياً وحسينا، لم يحتمل ورد عليه، وقال الكذاب أنت وأبوك، فأمر به فقتل، لقد كان الحجاج أفضل من عبيد الله، وللمختار مواقف تدل على مروءة وشهامة وشجاعة، أما عبيد الله فلم أجد له موقفاً شريفاً قط، وأنا هنا لا أنظر لقرابة علي والحسين من رسول الله، فقد كان أبو لهب عم رسول الله، ولكني أنظر لسيرة الإمام علي وجهاده في الإسلام، ثم يشتمه ابن مرجانة، ويشتم سيد شباب أهل الجنة، لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة، ما سقي منها كافراً شربة ماء.
لما اقترب الحسين رضي الله عنه من كربلاء، جرد عبيد الله جيشاً من ألف رجل وأمر عليهم الحر بن يزيد الرياحي النهشلي، من حنظلة من تميم، وأمره أن يحول بين الحسين والتوجه إلى أي طريق، وأن يحصره في موطن لا ماء فيه ولا شجر، وعدد من كان مع الحسين، من رجال وصبية وغلمان، ثمانية وسبعون، ثمانية عشر من أبنائه وأبناء إخوته، وستون ممن نصره حين رأى أنه وقع عليه ظلم، وأن الواجب أن يواسى بالنفس، ويلاحظ هنا الفارق العددي بين الفئتين ولم يزل الحر بن يزيد يحول بين الحسين وبين الخروج من ذلك الموقع الذي حوصر فيه، فإذا سار سايره وحال بينه وبين العودة إلى المدينة، أو التوجه إلى الشام، هكذا يقال, وأرجح أنه كان يحول بينه وبين التوجه إلى أي مكان, غير ذلك المكان الذي قرروا قتله فيه, كل ذلك وهما يترادان الكلام, والحر يقول لم أؤمر فيك بشيء، إلا أن توجه إلى الكوفة، فيرى فيك عبيد الله رأيه، والحسين يقول له، هيهات الموت دون ذلك، ومعنى أن ينزل الحسين على حكم عبيد الله، أنه متى سلم نفسه إلى عبيد الله، أن يؤمر به فيكتف أو يقيد، ثم يقتل صبراً، وقرر الحسين أن لا يرضى بالدنية، بل يقاتل حتى يقتل كريماً، وقد تيقن أنه مقتول، فما حول ثمانية وسبعين رجلاً وصبياً وغلاماً، بألف محارب أشداء، لذلك سأل رجلين من أسد صحباه، يواسيانه بنفسيهما، رغبة فيما عند الله، أما من ملجأ نجعله في ظهورنا، ونستقبل القوم من وجه واحد؟ فقالا له هذا ذو حُسُم على يسارك، فعطف عن الطريق، وتسابق مع الحر، وسبق الحسين، فنزل به وأمر بأبنيته فضربت، جاعلاً قصباء ذي حُسُم في ظهره، وخيم جيش الحر قبالته، ينتظر أمر عبيد الله، ثم إن عبيد الله أردف الحر بجيش من أربعة آلاف محارب، بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، وجعل قيادة الجيش إلى عمر, كلهم خرجوا طلباً للدنيا، فعمر ابن سعد يقال إن عبيد الله عهد إليه بولاية الري قبل وصول الحسين، ثم إنه قال له تحول إلى الحسين نفرغ منه ثم تذهب إلى عملك، فطلب منه أن يعفيه من مهمة قتال الحسين، فقال له عبيد الله نعم على أن ترد لنا عهدنا، أي تتنازل عن ولاية الري، فاستمهله إلى الغد، ثم جاءه موافقاً على حرب حسين، وجاء عمر بن سعد ابنُ أخته حمزة بن المغيرة بن شعبة فقال له : أنشدك الله يا خال أن لا تسير إلى الحسين فتأثم وتقطع رحمك، فو الله لإن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلها، لو كان لك، خير لك من أن تلقى الله بدم حسين، ولكن حمزة كان كمن ينفخ في رماد، وكان نزول الحسين بذي حُسُم، في اليوم الثاني من المحرم، سنة 61هـ، ونزول عمر بن سعد في اليوم الثالث، ولابد لي هنا من أن أشير إلى روايتين لا يقتنع بهما العقل تمام الاقتناع، الأولى أن الحسين علم بمقتل مسلم قبل بلوغه كربلاء بمراحل، وأنه هم بالعودة، ولكن أخوة مسلم ضجوا وقالوا: لا نرجع حتى نأخذ بثأرنا، أو نلقى ما لقي أخونا، فنزل الحسين عند رغبتهم، هذا القول لا يطمئن إليه القلب، رجل يسير بأهله وبناته وأطفاله، ولا عدد ولا عدة له، إلى عدو يملك الجيوش الجرارة، ليأخذ بثأرٍ أمر غير مقبول عقلاً، إذا كان الحسين قد علم بمقتل مسلم، فبعد أن أحاطت به جيوش عبيد الله، وحالت بينه وبين العودة إلى المدينة، والقصة الأخرى قولهم إن يزيد بن معاوية حزن على مقتل الحسين وقال: لو كان بينه وبين ابن مرجانة قرابة ما قتله، وهذا القول لو صح فهو من ألاعيب السياسة، فكم قتل الحكام من مخالف، ثم أشاعوا بعد قتله بساعات فقالوا: الآن جاء الأمر بالعفو عنه، وقد قال الخليفة أو الإمام: مثل هذا لا يقتل لأنه ولأنه، وأقول ما كان عبيد الله يجرأ على قتل حسين إلا بأمر مشدد من يزيد، ولو أن يزيداً قال له لا تقتله ما قتله، عبيد الله عبد دنياه، يقدم رضى أميره على رضى الله، ولو كان كالنعمان بن بشير ما قتل حسيناً، حتى وإن أمره يزيد.
لما نزل عمر بن سعد ذي حُسُم، قال لعزرة بن قيس الأحمسي: اذهب إلى الحسين فاسأله ما الذي جاء به، فاعتذر عَزْرة لأنه ممن كتب للحسين بالقدوم، استحيا من أن يراه في صف محاربيه، ثم لم يزل عمر يعرض على من حوله الذهاب إلى حسين وسؤاله, فيعتذرون لأنهم كاتبوا حسيناً، وهذا يدل على غدر الشيعة بالحسين بن علي، لأمر الله يعلمه، وإن كنت أرجح أن السبائية تقف وراء هذه المؤامرة، إكمالاً لدورهم في تمزيق أمة محمد، إلى سنة وشيعة, خدمة للكنيسة الكاثوليكية واليهود، ووجود من كاتبوا حسيناً في جيش عمر بن سعد دليل على زيف التشيع, فلما اعتذر من كاتب حسيناً عن إبلاغ رسالة عمر بن سعد، دعا عمر قرة بن قيس الحنظلي وقال له: إلق حسيناً فسله ما جاء به وماذا يريد، فأتاه قرة، فلما رآه الحسين قال لمن معه أتعرفون هذا الرجل؟، فقال له حبيب بن مظاهر : نعم هذا رجل تميمي من حنظلة، وكنت أعرفه بحسن الرأي، فجاء حتى سلم على الحسين وأبلغه الرسالة، فقال له الحسين، كتب إليَّ أهل مصركم هذا أن أقدم، فأما إذا كرهوني فإني أنصرف عنهم، فرجع قرة إلى عمر بن سعد بالجواب، فكتب بذلك إلى عبيدالله، فلما قرئ الكتاب على عبيدالله تمثل قائلاً:
ألآن إذ علقت مخالبنا به**********يرجو النجاة ولات حين مناص
عجباً للدنيا ولابن ابن سمية يتمثل بهذا البيت وغيره يحارب عنه، ثم كتب إلى عمر: أما بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة كما صُنع بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان، حتى عبيد الله بن زياد ابن أبيه، يتخذ قميص عثمان ذريعة لقتل الحسين وأطفاله، وليس من عثمان ولا عثمان بن عفان منه في شيء، وما ذنب الحسين في دم عثمان، بل ما ذنب أطفاله ومنهم من قُتل عثمان وهو لا يحسن المشي، ومنهم من لم يكن وُلِد بعد!!.
كيف دارت المعركة غير المتكافئة؟:
حين بلغ عمر بن سعد كتاب عبيد الله، أرسل خمسمائة مقاتل يحولون بين الحسين والماء، ثم إن حسيناً خطب فيمن معه قائلاً: إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، واستمرت فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلا شهادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا بَرَما، فقام زهير بن القين البجلي وكان ممن صحب الحسين نصرة فقال: قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك، والله لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنا فيها مخلدين، إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك لأثرنا الخروج معك على الإقامة فيها. فدعا له الحسين.
وكان الحسين حين استبطأ خبر مسلم قد أرسل قيس بن مسهر الصيداوي، فأمسك به شرط عبيد الله الذين كانوا يملؤون الطرقات والفجاج، وساقوه إليه، فأمر عبيدالله قيس بن مسهر أن يلعن الحسين ويلعن أباه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فصلى عليهما ولعن عبيد الله وأباه، فأمر به أن يقذف من طمار القصر، حكم ولا حكم الجاهلية، صحيح أن الجاه والسلطان لا الفقر والعدم، يكشفان زيف العرق والنجار، كما تكشف النار زيف المعادن, ولقد كشف السلطان من عبيد الله، عن معدن من خبث الحديد، وعلة نفسية مرضية، ناشئة عن مركب نقص، تأصل عن شعور بمغمز النسب.
هادي بن علي بن أحمد أبو عامرية.