الحلقة الخامسة:
مؤامرة شيعية أموية وراء مقتل الحسين سبط رسول الله
بعض أنصار حسين نصحوه أن يحارب جيش الحر بن يزيد، وقالوا له إن لم نقاتل هؤلاء، فسوف تأتينا أعداد لا قبل لنا بها، ولكن حسيناً كان يقول لا أريد أن أبدأهم بقتال، لا شك أنه كان يرقب فرجاً، أو أن يثوبوا إلى رشدهم, فما بين غمضة عين وانتباهتها، يغير الله من حال إلى حال، ولكن بعد وصول جيش عمر بن سعد وورود كتب عبيد الله، وصرخات الرغام الجفاة من كندة ومراد وصُداء وأسد، بالحرب وعدم تلبية مطالب الحسين، مثال شمر بن ذي الجوشن بن شرحبيل "من الضباب بن كلاب" من هوازن، ومسروق بن وائل الحضرمي، وعمرو بن صبيح الصُّدائي، وهانئ بن ثبيت السكوني "من كنده"، وغيرهم وغيرهم، ممن خرج يرجو بسفك دم ابن بنت رسول الله، نوال عبيد الله بن زياد بن أبيه، يقول مسروق بن وائل الحضرمي: كنت في أوائل الخيل ممن سار إلى الحسين، فقلت أكون في أوائلها لعلي أصيب رأس الحسين، فأصيب به منزلة عند عبيد الله، أوباش عبدة الدرهم والدينار، خمسة آلاف ضد سبعين شخصاً أكثرهم صبية صغار!!!, قتل الحسين جريمة بني أمية التي لا يمحوها الدهر.
لم يبتكر الإنسان مبتكراً أعظم من الدرهم والدينار، نظم حياة وشؤون المجتمعات البشرية، ولكن عشقه الإنسان وأحبه، حتى صار له عبداً، معدن من حجر، أفرز معدن البشر، بئس المعدن معدن عبيد الله وجيشه، عبدة الدرهم والدينار، وقبح الله فعل بني أمية بقتل الحسين، والله لا يقر قتل الحسين مسلم حسن الإسلام، وأهل السنّة هم من أنكر على بني أمية قتل الحسين ورآه مخالفاً للإسلام, أما الآخرون فإنكارهم يدخل ضمن التبييت السبائي.
لقد ظل الحسين بن علي يحاول إقناع عمر بن سعد أن يدعه يعود من حيث أتى، وإذا كان بنو أمية يخافون عودته إلى الحجاز، فليوجهوه إلى أي ثغر من ثغور المسلمين يكون فيه هو وصبيته وإخوانه ونسائه كأهل ذلك الثغر، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وكان كلما جاء الحسين برأي جديد فيه العافية وعدم سفك الدماء، كتب به عمر إلى عبيد الله، فيأتيه الرد جافياً رافضاً، يلمس منه المسلم أن قتل الحسين كان غاية!!، ولا شيء غير ذلك. فقام فيهم الحسين فخطبهم خطاباً مطولاً، نجتزئ منه: أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يحل لكم قتلي، وانتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وسلم وابن وصيه أول المؤمنين بالله والمصدق لنبيه، أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ولأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة؟، أليس في هذا حاجز لكم عن سفك دمي، أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص من جراحة، ثم نادى يا شبث بن ربعي ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار واخضر الجناب، وإنما تقدم على جندلك مجندة فأقبل، فردوا قائلين لم نفعل، فقال: بل فعلتم، ثم أمر بخرج فكب على وجه، ونثر ما فيه من الرسائل، وقال: إمَّا إذ كرهتموني فدعوني انصرف إلى مأمني من الأرض، فقال له قيس بن الأشعث، أولا تنزل على حكم بني عمك فإنهم لن يروك إلا ما تحب، فقال له الحسين: أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ ، لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد، عباد الله إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، وبعد أن أنهى خطبته، أناخ راحلته، وأمر عقبة بن سمعان فعقلها، وعاد إلى خيمته, وعادوا إلى حصاره.
حتى كان اليوم التاسع من محرم سنة 61هـ، إذ جاء لعمر بن سعد خطاب من عبيد الله بن زياد، يقول فيه، أما بعد فإني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شافعاً، أنظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا، فابعث بهم إلي سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، فإن قُتل الحسين فأوط الخيل صدره وظهره فإنه عاق مشاق قاطع ظلوم.
كل ما جاء في الخطاب الآنف ذكره مخالف للإسلام، فسفك دم المسلم دون نفس أو فساد في الأرض حرام، ونقض حجار الكعبة حجراً أهون عند الله من سفك دم امرئ مسلم!!, ومن قتل نفساً واحدة دون وجه حق فكأنما قتل الناس جميعاً، حتى وإن كان المقتول من الرعاع والطغام، فالنفس البشرية واحدة!, كما أن المثلة أمر منهي عنه في الإسلام، لقد قيَّح مغمز النسب صدر عبيد الله بن زياد، وأثبت بقوله هذا بغضه للإسلام أو جهله به، يدعو للتمثيل بجثث الحسين ومن معه، وقد أنكر أبو بكر قطع رأس محارب عدو، ورأى أنه مثلة، والمبدأ الإسلامي، إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، فلما قرأ عمر بن سعد كتاب عبيد الله، أمر جنوده بالزحف، فجاءه شمر بن ذي الجوشن وعبد الله بن أبي محل، وكانت عمته أم البنين ابنة حزام عند علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه-، فولدت له العباس وعبد الله وجعفراً وعثمان، فقال عبد الله بن أبي المحل "من عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر" لعبيد الله: أصلح الله الأمير إن بني اختنا مع الحسين فإن رأيت أن تكتب لهم أماناً فعلت، قال: نعم ونعمة، فأمر كاتبه فكتب لهم أماناً فبعث به عبد الله بن أبي المحل مع مولى له اسمه كزمان، فلما قدم عليهم دعاهم، فقال: هذا أمان بعث به خالكم، فقال له الفتية: أقرئ خالنا السلام وقل له أن لا حاجة لنا في أمانكم، أمان الله خير من أمان ابن سمية، وقبل أن يزحف عمر بن سعد على الحسين ومن معه، تقدم شمر بن ذي الجوشن إلى أصحاب الحسين فقال: أين بنو اختنا؟ فخرج له العباس وجعفر وعثمان بنو علي بن أبي طالب، فقالوا له مالك وما تريد؟ قال: أنتم يا بني أختي آمنون، فرد عليه الفتية لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له!!!، ثم إن عمر بن سعد نادى يا خيل الله اركبي وابشري، وركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر، يزحف بخمسة آلاف محارب, ويبشرهم بالنصر على سبعين, ما بين طفل وغلام!, وكان حسين محتبياً بحبائل سيفه، فخفق رأسه فرأى رسول الله يقول له إنك تروح إلينا، وانتبه الحسين فإذا بأخيه العباس بن علي يقول له يا أخي أتاك القوم، فنهض حسين ثم قال: يا عباس اركب بنفسي أنت حتى تلقاهم فتقول لهم ما لكم وما بدالكم، وتسألهم عما جاء بهم، فأتاهم العباس وسألهم فقالوا له: جاء أمر الأمير، إما أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم، فقال لهم: انتظروا حتى آتي أبا عبد الله ، وارجع لكم بالجواب، فركض إلى الحسين فقال له الحسين: قل لهم أن ينصرفوا العشية حتى ينظر في هذا الأمر، فإنه أمر لم يحر بينكم وبينه فيه منطق، فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله, فإما رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه، أو كرهنا فرددناه، وكان مراد الحسين أن يتهجدوا لله تلك الليلة، فأمهلوهم إلى الغد، فلما جن الليل، جمع حسين أصحابه فحمد الله وأثنى عليه أحسن الثناء، وقال: أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً، ألا وإني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، ألا وإني قد رأيت لكم فانطلقوا جميعاً في حل، ليس عليكم مني ذمام، هذا ليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم ، حتى يفرج الله, القوم إنما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري، فقال له أخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر، لن نفعل لنبقى بعدك، لا أرانا الله ذلك أبداً، وقال الحسين: يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أذنت لكم، قالوا: لا والله لا نفعل ولكن نفديك بأنفسنا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك، ثم قام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال: أنحن نخلي عنك ولما نعذر إلى الله في أداء حقك أما والله حتى أكسر في صدورهم رمحي، واضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولا أفارقك حتى أموت معك، وكان رد من معه كرد مسلم بن عوسجة فدعا لهم الحسين فانصرفوا، وأخذ يردد:
يا دهر أفٍ لك من خليـلٍ******كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحبٍ أو طالبٍ قتيل******والدهر لا يقنع بالبديــل
وإنما الأمر إلى الجليـل******وكل حي سالك السبيــل
وسمعته أخته زينب فصاحت، واثكلاه. ليت الموت أعد مني الحياة.
يا خليفة الماضي. وثمال الباقي. بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله. استقتلت نفسي فداك، فأخذ يهدئ روعها ويقول لا يذهبن حلمك الشيطان يا أخيه, لو ترك القطا ليلاً لنام، ثم بات ومن معه يصلون، ولا أدري كيف بات عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن، فلما كان الصباح وتصاف القوم، نظر الحر بن يزيد الرياحي إلى عمر بن سعد وقال له: أصلحك الله مقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: إي والله قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي، قال: أما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضى، قال عمر أما والله لو كان الأمر إلي لفعلت، ولكن أميرك قد أبى، فأقبل الحر حتى كان من الناس موقفاً، ومعه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس، فقال: يا قرة هل سقيت فرسك اليوم، ففطن قرة إلى أنه أراده أن يتنحى عنه، فقال لا وإني ذاهب لأسقيه الآن، فلما تنحى قرة عن المكان أخذ الحر يدنو من الحسين قليلاً قليلاً، فقال رجل من قومه: يقال له المهاجر بن أوس، ما تريد يا ابن يزيد هل تريد أن تحمل، فسكت ولم يرد عليه، وأخذه مثل العرواء " رعدة" ، فقال له المهاجر: يا ابن يزيد والله إن أمرك لمريب، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلاً ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك؟!!!
هادي بن علي بن أحمد أبوعامرية..