بخاخ الأنسولين.. اكتشاف جديد لمرضى السكري
منذ اكتشاف هرمون الأنسولين عام 1921م، والعلماء يبحثون عن طريقة أخرى لإيصال الأنسولين للدم أقل ألماً من وخز الإبر تحت الجلد، بل وحاول الألمان عام 1924م، تصميم أنسولين قابل للاستنشاق عن طريق الفم ولكن التجارب باءت بالفشل.
ويعمل هرمون الأنسولين على إدخال السكر داخل الخلايا ويحث على صناعة البروتينات في الجسم، ويعيق تكوين سكر إضافي من الكبد ووظائف أخرى مفيدة، وفي حالة إبطال أو إضعاف عمله تحرم الخلايا من السكر "الطاقة" وبذلك يتراكم السكر في الدم "الأوعية الدموية" ويؤدي إلى مضاعفات في أعضاء الجسم المختلفة مثل العينين، حيث يعتبر السكري العامل الرئيسي المسبب لحالات العمى للمرضى ما بين العشرين والسبعين عاماً، أما الكليتان فنصف حالات الفشل الكلوي المشخصة حديثاً هي نتيجة مرض السكري، وتزداد احتمالية الإصابة بأمراض القلب في مرضى السكري بنسبة قد تصل إلى أربعة أضعاف، وأكثر من 8% من مرضى السكري يعانون من الضعف الجنسي، ومعظم مرضى السكري يعانون من تلف في الأعصاب الدقيقة في الأطراف التي قد تؤدي في حالات عديدة إلى بتر الأطراف.
فالطريقة المتبعة لإيصال الأنسولين للدم منذ عام 1921م، إلى يومنا هذا لم تتغير وهي حقن الأنسولين تحت الجلد، ويعتبر وخز الإبر من أكثر الأمور التي يعاني منها مريض السكر، خاصة الذين يحتاجون تعاطي هرمون الأنسولين عدة مرات في اليوم الواحد.
وأخيراً وبعد عقود من البحث نجحت الجهود ووافقت إدارة الدواء والغذاء الأمريكية في مطلع شهر فبراير لعام 2006م، على أول أنسولين يستنشق "أنسولين بخاخ" ويعد هذا أهم وأكبر إنجاز في تاريخ مرض السكري منذ اكتشاف الأنسولين عام 1921م، وسيساعد مئات الملايين حول العالم، ويسمى "بخاخ الأنسولين" المعتمد من قِبل إدارة الدواء والغذاء الأمريكية ببخاخ Exubera وهو من إنتاج شركة "فايزر"، وقد كَتبت عنه عندما كان في مرحلة البحث في فبراير عام 2001م، وعايشت مرحلة الاختبارات الأولية عليه في التسعينيات الميلادية، عندما كنت أعمل رئيس برنامج في مركز "جوزلين" العالمي للسكر التابع لكلية طب جامعة هارفرد ببوسطن، وقد تأخرت الموافقة عليه من قِبل إدارة الدواء والغذاء الأمريكية لأعوام.
ويستعمل بخاخ الأنسولين الجديد (Exubera) للنوع الأول والثاني من مرض السكر كما هو الحال بالنسبة لأنواع الأنسولين الحالية.
**فعال وسريع:
ويعتبر بخاخ الأنسولين الجديد بديلاً للأنسولين السريع، فهو يُستنشق على صورة مسحوق "بودرة" ويصل إلى الرئتين، وبذلك يصل إلى الدم بطريقة أسرع من طريقة الوخز بالإبر تحت الجلد، ويتحكم في خفض نسبة السكر المرتفعة بالدم أسرع من أي أنسولين آخر نظراً لأن ذروة عمله أسرع من ذروة عمل أي أنسولين آخر وبدون أي ألم أو معاناة.
وبذلك يكون بخاخ الأنسولين الجديد بديلاً لكل أنواع الإنسولين سريع المدى أي الأنسولين الذي يعطى قبل الوجبات.
وكما يعلم معظم مرضى السكر المتعاطين لهرمون الإنسولين فإن هناك أنواعا مختلفة من الأنسولين منها "ذو المفعول السريع جداً" مثل "هيومالوغ" الذي يبدأ عمله في 51 دقيقة، ويصل ذروة عمله بعد 30 إلى 90 دقيقة، وينتهي مفعوله بعد ثلاث إلى خمس ساعات، وهناك الإنسولين "سريع المفعول" أو ما يلقب بالأنسولين "العادي (Regular) وإن كان أقل سرعة من هيومالوغ" حيث يبدأ عمله بعد نصف ساعة ويصل إلى ذروة عمله بعد ساعتين إلى أربع ساعات، وينتهي مفعوله بعد 6 - 8 ساعات، وهناك الأنسولين بطيء المفعول (NPH or Lent) الذي يبدأ عمله بعد سـاعة إلى 3 سـاعات ويصل إلى ذروة عمله بعد 6-12 ساعة، وينتهي مفعوله بعد 18 - 26 ساعة، وهناك البطيء جداً (Ultra Lente) الذي يبدأ عمله في 4 - 8 ساعات ويصل إلى ذروة عمله في 12 - 18ساعة وينتهي مفعوله بعد 24 -28 ساعة.
وهناك أنسولين لا تكون فيه خاصية الذروة (Peak) وهذا ما يقدمه الأنسولين "غلارغين" الذي حصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) منذ عدة أعوام.
وبذلك فبخاخ الأنسولين الجديد (Exubera) لمرضى السكر من النوع الأول وهم الذين لا تنتج أجسامهم هرمون السكر) يستعمل مع أنسولين طويل المدى مثل (LANTUS) "فلارجين- لانتس" في حين إنه بالنسبة لمرضى السكر من النوع الثاني (وهم أولئك المرضى الذين لا تستطيع أجسامهم الاستفادة الكـــاملة من الأنسولين الذي تفرزه أجسامهم نظراً لتكوين مناعة في أجسامهم ضد الأنسولين يستعمل مع حبوب أدوية السكر المختلفة المعطاة بالفم أو مع الأنسولين طويل المــدى في الحالات التي تستدعي ذلك.
**تحذير للمدخنين:
وتحذر الشركة المنتجة والمصنعة "فايزر" من استعمال البخاخ للمدخنين والمرضى المصابين بأمراض في الرئتين مثل الربو أو أمراض الشعب والحويصلات الهوائية، ولكن في حالة إقلاع المدخن عن التدخين لفترة تتجاوز ستة أشهر فإنه يمكنه استعمال الإنسولين البخاخ، وبما أن الأنسولين البخاخ لن يتوافر في الأسواق قبل شهر يونيو أو يوليو من هذا العام، فهناك فرصة للمدخنين للإقلاع عن التدخين من الآن وتوديع آلام وخز إبر الأنسولين بعد ستة أشهر من الإقلاع عن التدخين.
كما أن البخاخ لم يفسح بعد ويعتمد لكل من هم أقل من 18 عاماً، والدراسات مازالت جارية على الأطفال للتأكد من سلامة استعمال الإنسولين البخاخ لهم.
وبالرغم من أن سعر البخاخ لم يحدد بعد إلا أن شركة فايزر تُعد أن يكون سعر البخاخ منافسـاً لتكلفة الأنسولين الحالي.
يقول "بول ماتيلس" وهو أحد الذين أخذوا الدواء في المرحلة التجريبية للبخاخ: "لم أكن أظن أن البخاخ سيكون فعالاً، وقلت في نفسي عندما سمعت عن البخاخ، كيف يستطيع مسحوق يستنشق بخاخ خفض نسب السكر عندما فشل الأنسولين المحقون تحت الجلد -المتعارف عليه- التحكم جيداً بنسب السكر في الدم لدي.."، ولكن "بول ماتيلس" أخذ
البخاخ وكان بذلك أول من انخرط في التجارب الأولية للبخاخ، وفي أول صباح له مع البخاخ تناول وجبة كبير من البيض واللحم والمعجنات وذهب إلى عيادة طبيبه بمستوى سكر مرتفع جداً، وفي عيادة الطبيب استنشق البخاخ ونظر بكل تعجب واستغراب ورأى نســبة السكر في دمه تنخفض بسرعة كبيرة، واستمر يأخذ البخاخ على مدى سبع سنوات متواصلات بدون توقف ودون مشكلات أو صعوبات، واستطاع التحكم بمستوى السكر في دمه تحكماً لم يسبق له من قبل باستعمال أنواع الأنسولين الأخرى المتاحة حالياً في الأسواق، ويؤكد "بول ماتيلس" أن مما يساعد على الالتزام بأخذ بخاخ الأنسولين هو سهولة حمله واستعماله في أي وقت وأي مكان على غرار إبر الأنسولين.
في نهاية المطاف فإننا ننصح مرضى السكر الذين يتناولون الأنسولين، أو مرضى السـكر الذين رفضوا في السابق أخذ الأنسولين خوفاً من الإبر، أو مرضى السكر الذين يتناولون حبوب التحكم في ارتفاع السكر في الدم ولكن دون تحقيق التحكم المثالي، ننصح كل هؤلاء بمراجعة أطبائهم ومناقشة تأهلهم لأخذ بخاخ الأنسولين عند توافره في الأسواق في منتصف هذا العام إن شاء الله.
ربي يكتب الصحة والعافيه للجميع