من قصص عدل خادم الحرمين.
حُلت مشكلتنا في أحياء جنوب شرق جدة مع الكهرباء، بعد غضبة خادم الحرمين على البلدية، جزاه الله عن شعبه خير الجزاء، وهربنا من ضغط الإيجارات داخل المدينة، إلى بيوتنا خارجها، وكنّا سعداء بذلك لكن البلدية لا تتغير، والبلدية مجتمع منتفع جرئ، وحوله مجتمع منتفع أكبر يزينون له تقديم مصلحته الخاصة، أمسك اقطع أهبش، هل الملك داري عنك؟ أعمل وأسرق، وليس فقط تسرق، وهذه المقاولات سادت إبان الطفرة، واعتقد البعض صوابها، وهي مخالفة لدين الله، وفجأة أتْبع خادم الحرمين أبو متعب أمره بإيصال الكهرباء إلى كل بيت، بمكرمة أخرى أمر فيها ببيع أراضي العين العزيزية الوقف إلى ساكنيها بثمن زهيد جداً، أربعة ريالات للمتر المربع، وشاء الله أن أكون في جزء من الحي ليس فيه من صفر سبعة، كان الجار على يساري سعودي من أصل هندي، وعلى اليمين سعودي من أصل حضرمي- رحمه الله-، ومن أمام جار من المجانين, والمجانين يقولون إنهم من زبيد رابغ، وسائر الحي من الحروب، وجهز كل بيت أوراقه في المحكمة الشرعية، على أن ترسل فيما بعد إلى العين العزيزية، لإحضار الشهود ودفع النقود، وكان الأخوة الحروب يلعبون في بيتي البلوت، يحضرون قبل العشاء، وينصرفون قبيل صلاة الفجر، والمروءة تقتضي أن أعشيهم، مع أن بعضهم كان يرمي أوراق السندوتش عند باب بيتي، ويمسح فمه ويدخل، ونحن صفر سبعة لنا أخلاق تأبى علينا أن نترك الأصحاب يلعبون، ويندس أحدنا مع أهله يملأ بطنه، فأصبح بيتي مضافة وقلت لا يهم جيراني، وكان أكثر حديث ضيوفي الحربيين، اعتزازهم ببداوتهم، القبايل الحمايل، القبايل الحمايل، ومن ثقافاتهم أن السعودية فئات بعضها يفضل بعض، فيقولون نحن سعوديون أصل، القبايل الحمايل، القبايل الحمايل، والسبب في ذلك المستوى التعليمي، ولا ينظرون للأمر على أن عبد العزيز- رحمه الله- وحد هذا الكيان لنكون أخوة متحابين، وكنا قبل التوحيد كل له عزوته وله قبيلته وله أرومته، وذات يوم جاءني أحد الجيران ينادي: يا جار السلامة يا جار السعادة. فخرجت إليه محيياً، فقال: أبشرك جاءت أوراقي من المحكمة، وأريد أن تشهد لي عند العمدة أن البيت بيتي، إحنا أولاد القبايل ما ننسى الجميل، فقلت له أبشر، وانطلقت معه إلى العمدة، القبايل الحمايل، القبايل الحمايل، القبايل الحمايل, وشهدت له وعدت وأنا أقول : معروف أدخره عند القبايل الحمايل، ولم أزل كذلك حتى شهدت لسبعة أشخاص، واستمر لعب البلوت في بيتي ، ثم جاءت أوراقي وجاء دوري، فذهبت لأول من شهدت له وقلت له أريدك أن تشهد معي غداً لدى العين العزيزية، فقال بوجه لا حياء فيه ولا تذكر لصنيعي معه: هه والله أنا مشغول، فقلت له: إذن بعد غدٍ، فقال: هه.. يشهد لك ولدي فلان مقاطي، يا فلان غداً اذهب مع أبو عامرية واشهد معه، واتفقنا على ساعة محددة، ولم يحضر ولده "زوج ابنته"، وعدت إليه وتعدد المواعيد دون أن يحضر لا هو، ولا صهره العتيبي، وتركته وذهبت للشخص الثاني فنظر لي باحتقار، وكأن من حقه علي أن أشهد له وليس لي عليه حق مماثل، فهو سعودي أصلي وأنا تجميع تايوان, فأتيت على القبايل الحمايل الذين ادخرت عندهم صنيعاً جميعاً، فلم أجد لأحدهم وفاء، فقلت في نفسي: ارجع لصفر سبعة، فطلبت من إخوتي العسارية والجوازنة فحضر للشهادة في العين العزيزية ستة أشخص دفعة واحدة، جميعهم يتسابقون للشهادة، فشعرت بسعادة ما بعدها سعادة، وفي المساء جاء الإخوة القبايل والحمايل للعب البلوت، وبعد أن غسلوا أيديهم من الأكل وعادوا للعب البلوت، قلت لهم: أيها الإخوة ألعبوا ما شئتم، الحمدلله قد أخذتم واجبكم ولكن من الغد لا أرى يد أحد منكم تدق باب داري، فقال أحدهم: استح على وجهك, القبيلي لا يطرد أحد من بيته، فقلت له: احذر أرى يدك تدق بابي، فزاد: أنت ما أنت قبيلي، فقلت له: إذا القبيلي بدون مروءة فاعتبرني ما شئت!, فقال بحدة: سندخل غصباً عنك، يريد يدخل بيتي كرهاً ولا أنبس ببنت شفة، فكأنما صب علي بنزيناً وأشعل في عود ثقاب، فركضت إلى داخل الدار وعدت وفي يدي مربوعة خشب، وأنا أرعد وأزبد وأقول: والله لتخرجن الآن وإلا، وأخذت أهدد دون وعي، فنهض وقام معه الجميع لأنهم جميعاً أبناء عمومة.
قد يلومني البعض على هذا التصرف ويقول: لو أنك صبرت حتى ينصرفوا وبعد ذلك كل من دق الباب تأمر أحد أطفالك يقول له: أبي غير موجود، ولكني لا أحب هذا الأسلوب، وأردت أن يعرفوا خطأهم، لقد كان اعتقادهم الغالب أنهم سعوديون أصليون، وأنا سعودي تجميع صيني أو ماركة أبو ديك.
أراد الله أن تصل أوراقي من المحكمة إلى بلدية الحي، وأن يحدد لي موعد أنا وجاري السعودي من أصول هندية، وأنا والله لا فرق عندي بين سعودي وآخر إلا بما يقتضيه التعريف، فنحن أخوة مسلمون توحدنا في هذا الكيان وحملنا اسمه، يجب أن نحبه كما يحب غيرنا أوطانهم دون فئوية أو عرقية أو تفريق، وجاء معنا المهندس ودخل أول ما دخل بيتي، ثم ذهب مع جاري، وقال: جاري إنه صديقه، فطلبت منه أن يوصيه علي، فقال لي : أبشر، وما هي إلا ثلاثة أسابيع حتى جاءني جاري وطلب مني أن أشهد له في المحكمة لاستخراج الصك، فقلت له: وأوراقي لماذا لم يأت عنها أي خبر، إنك لم توص صاحبك المهندس كما وعدتني، فأقسم إنه وصاه ولكن ربما سقطت سهواً مع زحمة المعاملات وصدقته ولم يك صادقاً!!، وذهبت شهدت له، ثم ظللت ألح عليه أن يوصي صاحبه، سيما وبيني وبين جاري هذا زمالة سبع سنوات في أحد البنوك، وبعد إلحاح شديد قال: لقد أوصيت عليكم المهندس، اذهب إليه بعد المغرب في عمله وسوف ينجز معاملتك، فقلت له بعد المغرب لا أحد يداوم، هل تسخر مني؟!!، فقال هذا رجل مجتهد اذهب إلى البلدية بعد المغرب تجده في المكتب الفلاني.
صليت المغرب في البلدية مع المهندس، ثم ظللت معه في المكتب، وبعد وقت طويل وتفكر منه شديد، رفع رأسه إليَّ وقال: هل تلعب بلوت يا عم هادي؟ قلت له: أنا من أساتذة البلوت، فقال: أيهما أكبر مائة من عشرات أم مائة متسلسل؟، فقلت دون إبطاء إذا جاءت مائة من عشرات لا تأتي مائة متسلسل، فقال: أنت لاعب بلوت كبير، فسررت كثيراً بإطرائه، ثم نهض وأمسك بيدي وأخذ يقودني إلى الخارج ووقفنا في الشرفة وقال: أترى ذلك البيت فوق الجبل، الذي تعلوه لمبات خضر ذاك بيتي، وكل ليلة يجتمع عندي الشباب نبشك بلوت، وأنا أدعوك لتأتي تلعب معنا الليلة، فقلت له وأنا أيضاً يبشتك عندي الإخوان ويسعدني أن تأتي معنا، بيتي على الشارع الفلاني جوار كيت وكيت، فأخذ يصر على أن آتية، وأنا أصر على أن يأتي إلى بيتي يلعب مع مجموعتي، لم أفهم لا أدري أحسن نية مني أم ثوارة، كنت أظن الأمر حفاوة منه يدعوني للعب معهم، بسبب وصاة جاري له، لم أفهم مراده, فأردت أن أبادله حفاوة بحفاوة!!, حسن نية!!, سذاجة!!, لا بل ثوارة!!!!, سمها ما شئت!!.
للموضوع بقية.
هادي بن علي بن أحمد أبوعامرية..