رسم الخيال ( بقلم ملك الكلمة )
قد نأوي إلى الفراش ، أو نتوسد عضد ، في لحظة راحة للنفس من عناء يوم شاق ، أو عمل مضنٍ ، أو تتوارى عقولنا في أستار نوم عميق ، فنخلد إلى الراحة والطمأنينة ، وفي تلك الأثناء نطلق العنان لمخيلتنا وذاكرتنا فتبحر في عالمها الخاص ، وتأخذ معها أرواحنا وتخيلاتنا ، فتارة تتوارى في حجب الماضي السحيق ، وتارة تعبر جسور الخيال العتيق ، وعالم الرسم الخيالي البديع الذي لا يستطيع أحد أن يتكهن به سوى تلك الذاكرة التي تدور بين عظام جمجمة الرأس كما نتصور ذلك ، وإن كنت أؤمن بأنها روح تنطلق في عالم الخيال كأنها هواء أو سحابة ثقيلة محملة بالغيث والبرد تسير ببطء شديد في عنان السماء ، فتجوب تلك الذاكرة عالمنا الخيالي ، فننقاد خلفها أو نسير معها وهي تلقي إلينا بحدود الصور ومعالم الكيفية التي يجب أن نرسم فيها لوحاتنا الخيالية الفنية ، التي نضعها لأشخاص قد نعرفهم أو لا نعرفهم ، فنبدأ نرسم لهم لوحات فنية خيالية كما نشاء ، ونبهرجها ونرصعها بشتى أنواع الفسيفساء الجمالية ، الخيالية ، وخطوط الجمال والإبداع اللامتناهي ، حتى تبدو تلك الصور للأشخاص الذين نعنيهم وأدخلناهم إلى عالمنا الروحي والجمالي في أبهى وأجمل صورة ، لأننا نحن من رسمناها كما نريد وتأملنا أن تكون كذلك ونتمنى ذلك ، فنعيش معها في عالم بديع وجميل ، لا يراه أحد سوانا .
ورغم أننا لا نعرف هؤلاء الشخاص تماماً بل أبداً إلا أننا تعرفنا عليهم عبر وسيلة ما وارتبطنا بهم بطريقة ما فأخذنا نرسم لهم تلك اللوحات الجميلة ، ونحتفظ بها في ذاكرتنا ونجعلها في واجهة أيامنا وحياتنا ونحن نريد أن تكون صورة ناصعة جميلة ، فما نلبث أن ننطلق ونخرج من عالم الخيال إلى عالم الحقيقة وقد علقت تلك اللوحة في عقولنا وبقيت خطوطها ماثلة أمامنا فننطلق في الحقيقة للبحث عنها ، وفي نفوسنا شيء من الوجل والخوف بألا تبدو لنا تلك الشخصيات التي رسمنا صورها وهمياً في خيالنا كما نريد ونشتهي ، ونبقى حينها نردد أسئلة محيرة ولا نعلم كيف نجيب عليها عندما نجد شخصيتنا على أرض الواقع والحقيقة ، ونخشى أن تظهر بخلاف ما رسمناه لها ، ونتساءل ماذا سيكون موقفنا لو رايناها ووجدناها أقل من رسمتنا الخيالية ، هل سنعترف ونعرف بأنفسنا أمامها أم نواصل السير بجوارها دون أن تعلم أننا من رسم شخصيتها وحبر ومثل جمالها وظلل خطوطها وكحل عينيها ، وحمر خديها ، وأضمر خصريها ، ومشق قامتها ، وجعلها تتثنى غنجاً ، وتميل طرباً ، وتتيه حسنا .
وماذا لو وجدناها أجمل مما كنا نتوقع ، ونجد أن رسمنا قد اختزل الكثير من تلك الجماليات والمحاسن ولم تظهر لنا ذاكرتنا ومخيلتنا تلك المفاتن التي رايناها للتو .
إننا نتخيل ونرسم ، ونرسم ونتخيل ، ويختلف الحالان بين هذا وذاك ، فعندما نتخيل لنرسم نجهد أنفسنا وخيالنا بالخوض في أمواج الجماليات والإبداع لتظهر رسمتنا كما نريد ، أما عندما نرسم لنتخيل فربما ننفذ ذلك على عجل فتظهر الصور أقل مما نريد أو يريد الآخرون .
ولكن الصور الخيالية هي الجمال وهي الباقية مهما ظهرت الشخصية في الحقيقة وستبقى من أجمل الأشياء والصور الماثلة أمامنا لأنها قد ارتسمت في عقلنا الباطن ورسخت في حنايا النفس .