عن العجوز وراء الباب
عندما تتغير طباع وعادات الشعوب إلى الأحسن فهذا هو المبتغى
وهذه هي الطريقة المثلى للرقي وللنهضة الفكرية والأخلاقية، بل
إنه مطلب ديني ,.فديننا الحنيف يحثنا على كل القيم والأخلاق العالية
ويحثنا على التواصل وحذّر من قطع الرحم حتى أن الرسول صلى الله
عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة قاطع رحم كما حثنا ديننا الحنيف على
الصلة فصلة الأرحام من أعظم الأعمال وأفضلها ، قال
تعالى: "وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ " (النساء:1).
كنا في الماضي وحتى نهاية الثمانينات الميلادية نأخذ بيوت الجماعة
عرضاً وطولاً نسلم على الشايب والشاب والعجوز والبنت كما كنا في
الأعياد نسلم على جميع أهل البيت , ولا يأتي مغترباً (طارش) إلا وأخذ
بيوت جماعته واحداً تلو الآخر يكسو الشايب ويعطي العجوز , بل كان
من سبقونا من كبار السن لا يتعدون بلدة لهم فيها امرأة ولو كانت من
أقصى القبيلة إلا سلموا عليها وأخذوا أخبارها واطمأنوا عليها , ولهذا
فعادة (الخبيّة )لم تأت من فراغ أو من بطر (وللخبيّة موضوع آخر).
كانت شيم ومراجل آباؤنا أفضل واستمرت حتى عهد قريب وهي الأفضل ،
فماذا حصل ؟
ولماذا التغيير إلى الأسوأ ؟
كان الجهل في الماضي وبدون شك منتشر , ولكن في المقابل كان
الناس يتمسكون بمثل ومثاليات لم تعرف في الأجيال الحالية .
كان التعليم في الماضي معدوم , ولكن كان أسلافنا يتمتعون
بتعاليم فطرية فاقت ما قرأنا وما تعلمنا.
لم أكن أتوقع مثلاً ان يذهب احدنا في اجازة لمدة شهر او شهرين
فلا يقابل فيها الا القله من جماعته او حتى أقربائه أو من "عوانيه" أو "عواني والدية".
لم أكن أتوقعً أن أسمع من أحدهم قولة: ذهبت هذه السنة أربع مرات لقريتنا
ولم أشاهد فيها عجوزاً على الإطلاق مع أن بعضهن يراهن مندوب الجمعية
الخيرية أكثر من خمس مرات في السنة.
أما محدثي الآخر فقال :ذهبت في شأن خاص عند احد جماعتي وبعد تناول
القهوة قلت لصاحب المنزل: عن أذنك أريد أن اسلم على والدتك ، يقول:
لاحظت عليه الارتباك وتغير في اللون وهمهمة لم أعهدها عنه ، و قام متثاقلا
إلى داخل البيت، وبعد عدة دقائق رجع إليَّ وقال: "ارفع صوتك ترى العجوز
ما تسمع جدّا عنها بتسلم عليك من ورى الباب".
لقد كانت هذه العجوز بمثابة الأم لجميع أبناء القرية ، نغرفها جيداً ، نعرف
ملامحها ، نعرف نبرات صوتها، نعرف طيبتها ، نعرف حسن أخلاقها، نعرف
أنها كما يقول المثل:"خير الفهود أناثيها" فهي تعدل مجموعه من الرجال بمن فيهم أبنائها .
فماذا حصل يا ترى؟
هل هو التزام ديني؟
أم تغير في المفاهيم؟
أم انحطاط في الذوق والعلاقات؟
اذا كان التزام ديني فما نراء ان شيباننا كانوا أكثر تدينناً من غير تعلم , وكانوا
أكثر تواصلا من غير معلم
وكانوا احرص على نسائهم من غير تشدد , لقد كانت البنت او البنات يذهبن لرعي
الاغنام مع أقرانهم من الشباب والأولاد بدون هتك عرض أو كشف عورة أو تحرش يذكر .
بل لقد باع جدي – رحمه الله- جربتين (مزرعتين) من الذرة فأحضر مشتروها بناتهم لحماية
الذرة من الطيور لمدة شهر كامل من الصباح الباكر إلى غروب الشمس.
نحن بحاجة إلى أعادة نظر في علاقتنا مع كل أقاربنا رجالً ونساء كباراً وصغاراً جميعنا
بحاجه إلى التفكير في أحوالنا وأحوال من حولنا وبحاجه ماسة للتفريق بين ما فرضه الشرع
الحنيف المطهر ومع ما بنيناه لأنفسنا من حواجز ومطبات لم ينزل الله بها من سلطان.
لم أكن أتخيل مطلقا بأن احدهم سيلعن قريبه قريبه لمجرد أنه نطق اسم والدته في مجلس , ولم
أكن أتصور بأن احدهم سيقاطع آخر لأنه يناديه بلقب نسائي كان والده وأجداده يفخرون به يوما من الأيام.
شكرا لكم
__________________