لا تخش غما ،
ولا تشك هما ،
ولا يصبك قلق
الحمد لله على إحسانه ،
والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه ،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
الداعي إلى رضوانه ،
صلوات ربي وسلامه عليه
وعلى آله وصحبه وإخوانه .
أما بعد :
عباد الله :
لو كلف كل واحد منا نفسه ،
في أن يحرك جفنيه ،
ليرى يمنة ويسرة ،
مشاهد متكررة ،
من صرعى الغفلة وقلة الذكر ،
أفلا ينظر إلى ظلمة البيوتات
الخاوية من ذكر الله تعالى ،
أولا ينظر إلى المرضى المنكسرين ، أوكلهم الله إلى أنفسهم لما نسوه ،
فلم يجبروا عظما كسره الله،
وازدادوا مرضا إلى مرضهم ،
أولا ينظر إلى المسحورين والمسحورات ،
وقد تسللت إليهم أيدي السحرة والمشعوذين ،
والدجاجلة الأفاكين ،
فانتشلوا منهم الهناء والصفاء ،
واقتلعوا أطناب الحياة الهادئة ،
فخر عليهم سقف السعادة من فوقهم .
أو لا يتفكر الواحد منكم في أولئك المبتلين بمس الجان ومردة
الشياطين يتوجعون ،
ويتقلبون تقلب الأسير
على الرمضاء ،
تتخبطهم الشياطين من
المس فلا يقر لهم قرار ،
ولا يهدأ لهم بال
أرأيتم عباد الله
لو كلف كل واحد منكم
نفسه بهذا ، أفلا يُسائل
نفسه
أين هؤلاء البؤساء من
ذكر الله عز وجل ؟!
أين هم جميعا من تلك
الحصون المكينة ،
والحروز الأمينة ،
التي تعتقهم من عبودية الغفلة والأمراض الفتاكة ؟!!
أما علم هؤلاء جميعا ،
أن لدخول المنزل ذكرا
وللخروج منه ؟!
أما علموا أن للنوم ذكرا
وللاستيقاظ منه ؟!
أو ما علموا أن للصباح
من كل يوم ذكرا ،
وللمساء منه ؟ !
بل حتى في مواقعة الزوج أهله ،
بل وفي دخول الخلاء
– أعزكم الله – والخروج منه ؟
بل وفي كل شيء ذكر لنا
منه الرسول صلوات الله
وسلامه عليه أمرا ،
علمه من علمه وجهله من جهله .
والواقع أيها الناس ،
أنه إنما خذل من خذل
من أمثال هؤلاء الغافلين ،
لأنهم على عجزهم وضعفهم ،
ظنوا أنفسهم شيئا مستقلا ،
لا سباق لهم في ميدان ذكر الله ،
بينما نجد آخرين عمالقة في قوتهم ،
وهم من ذلك ،
يرون أنفسهم صفرا من
دون ذكر الله تعالى ،
فكانت النتيجة أن طرح الله
البركة واليمن على من ذكروه ،
فنجوا وأفلحوا ، ورفع رضوانه
وتأييده عمن اعتز بنفسه ،
فتركه مكشوف السوءة
عريان العورة .
فاتقوا الله معشر المسلمين ،
واعلموا وفقكم الله ،
أن لسائل أن يسأل :
ما بال ذكر الله سبحانه،
مع خفته على اللسان
وقلة التعب منه ،
صار أنفع وأفضل ،
من جملة العبادات مع
المشقات المتكررة فيها ؟
فالجواب : هو أن الله سبحانه
جعل لسائر العبادات مقدارا ،
وجعل لها أوقاتا محدودة ،
ولم يجعل لذكر الله
مقدارا ولا وقتا ، وأمر
بالإكثار منه بغير مقدار ،
لأن رؤوس الذكر هي
الباقيات الصالحات ؛ لما ثبت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: (خذوا جُنتكم . قلنا : يا رسول الله ، من عدو قد حضر ؟ قال :
لا ، جنتكم من النار ،
قولوا : سبحان الله ،
والحمد لله ، ولا إله إلا الله،
والله أكبر .
فإنهن يأتين يوم القيامة منجبات ومقدمات وهن الباقيات الصالحات )) رواه الحاكم وصححه .
ثم ليعلم كل مسلم صادق ،
أن المؤثر النافع ، هو الذكر باللسان
على الدوام ، مع حضور القلب ؛
لأن اللسان ترجمان القلب ،
والقلب خزانة مستحفظة
الخواطر والأسرار ، ومن
شأن الصدر ، أن ينشرح
بما فيه من ذكره ، ويلذ إلقاءه
على اللسان ، ولا يكتفي بمخاطبة
نفسه به في خلواته حتى
يفضي به بلسانه ، متأولا
قول الله عز وجل :
واذكر ربك في نفسك
تضرعا وخيفة ودون
الجهر من القول بالغدو
والآصال ولا تكن من
الغافلين [سورة الأعراف:205].
فأما الذكر باللسان ،
والقلب لاه ،
فهو قليل الجدوى ،
قال رسول اللهصلوات
الله وسلامه عليه :
((اعلموا أن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاه ))
رواه الحاكم والترمذي وحسنه .
وكذا حضور القلب في لحظة بالذكر ،
والذهول عنه لحظات كثيرة ،
هو كذلك قليل الجدوى؛
لأن القلب لا يخلو
من الالتفاف إلى شهوات
الدنيا ، ومن المعلوم بداهة
أن المتلفت لا يصل سريعا ؛
ولذا فإن حضور القلب على
الدوام أو في أكثر الأوقات
هو المقدم على غيره من
العبادات ؛ بل به تشرف
سائر العبادات وهو ثمرة
العبادات العملية .
ولذا فإن رسول الله حذر
من أن تنفض المجالس دون أن
يذكر الله عز وجل فيها بقوله
صلوات الله وسلامه عليه :
(( ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن
مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة ))
رواه أبو داود والحاكم .
فهذا رسول الله صلوات الله
وسلامه عليه يمقت مجالس
الغافلين ، وينهى عن كل تجمع
خلا من ذكر الله ، وأن المجالس
التي ينسى فيها ذكر الله ،
وتنفض عن لغط طويل ،
حول مطالب العيش ،
وشهوات الخلق ،
في تهويش وتشويش ،
وهمز ولمز ؛ هي مجالس نتنة ،
لا شيء فيها يستحق الخلود ،
إنما يخلد ما اتصل بالآخر
سبحانه وتعالى ،
ولذا فقد قال صلوات
الله وسلامه عليه :
((من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه
فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك :
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، أشهد
أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب
إليك . إلا كفر الله له ما كان في
مجلسه ذلك )) رواه الترمذي وابن ماجة
فاتقوا الله أيها المسلمون ،
واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ،
واتق الله أيها المسلم الغافل ،
فإن كنت بعد هذا ،
قد أحسست أنك ممن
قد فقد قلبه بسبب غفلته ،
فلا تيأس من وجوده بذكر
الله
فقد يجمع الله الشتيتين
بعدما يظنان كل الظن
ألا تلاقيا .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يا
أيها الذين ءامنوا لا تلهكم أموالكم ولا
أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك
فأولئك هم الخاسرون
[سورة المنافقون:9].