البداية
قبل عدة سنوات ، كنت قد قرأت كتاب ( أحجار على رقعة الشطرنج ) للأدميرال الكندي ( وليام كار ) ، حيث يؤكد المؤلف في هذا الكتاب بالشواهد والأدلة ، سيطرة اليهود على واقعنا المعاصر . بعد قراءتي لهذا الكتاب ، وبالنظر لما يجري على أرض الواقع ، تملكتني حالة من اليأس والقنوط . فأحلامنا وأمانينا ، إذا ما سار الناس من حولنا ، على هدي ما يُخطّطه وينفذه اليهود – وهم سائرون وما زالوا – أصبحت هباءً منثورا ، وستسير الأمور إلى الأسوأ يوما بعد يوم ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
لم أكن أعلم آنذاك ، أن بعد كل هذا الكفر والظلم والفساد ، الذي استفحل في الأرض ، وأخذ ينتشر في أرض الإسلام والعروبة ، انتشار النار في الهشيم ، بعد أن مُحيت آثار العيب والحرام ، من مفردات قاموس أهلها ، ستظهر في آخر الزمان ، خلافة راشدة على منهاج النبوة ، تُعيد هذه الأمة للحياة من جديد ، فأحاديث الفتن وما يكون بين يديّ الساعة ، لم تكن معروفة للعامة قبل سنوات قليلة ، ولم تلق أي اهتمام كون الساعة بعيدة عنا – حسبما نحب أن تكون – كل البعد . ومؤخرا بدأ كثير من الدارسين والباحثين ، يخوضون غمار ما جاء فيها من أحاديث ، منبّهين لظهور الكثير من أشراطها الصغرى ، ومحذّرين من قرب أشراطها الكبرى .
معرفتي بوجود تلك الخلافة ، التي ستقطع الطريق ، على أصحاب المؤامرة اليهودية العالمية ، وتلغي أحلامهم بسيادة العالم ، من القدس ، كانت لي بمثابة الضوء في آخر النفق ، تلك المعرفة الجديدة أعادت لي الأمل ، بعدما تملكني الكثير من اليأس والقنوط ، من أحوال أمتي العجيبة . اعترتني حالة من الفضول ، أردت معرفة المزيد ، حيث ساعدني حبي القديم للمطالعة ، فعدّت لمطالعة كل ما يقع بين يديّ ، من كتب على مختلف مواضيعها ، من عقيدة وفقه وسيرة وتاريخ ، فضلا عن القرآن العظيم وتفسيره ، فتبين لي أن العلم والمعرفة ، يهتكان الكثير من أستار الجهل بأمور الحياة الأخرى ، ويزداد المرء بهما إيمانا ويقينا وصلة بربه ، وثباتا على دينه ، فازددت حبا للمعرفة والمتابعة .
شملت مطالعاتي في تلك الأثناء ، بعض الكتب التي تناولت سيرة المهدي ، وأكثر ما حاز على اهتمامي من هذه الأحاديث ، ما يتعلق بالمهدي وظهوره ، والمعارك التي سيخوضها . وبعد تحليلي لتلك الأحاديث ، ومحاولة الربط فيما بينها ، تبين لي بأن دولة إسرائيل الحالية ، لن تكون موجودة عند ظهور أمره ، وأن المهدي سيدخل القدس ، وبلاد الشام ككل بلا حرب ، فتبادر إلى ذهني بعض التساؤلات ، التي كان لا بد لي من الإجابة عليها ، بدافع الفضول في البداية ، وأهمها كيف اختفت إسرائيل قبل ظهور المهدي ؟ ومن الذي كان سببا في اختفائها ؟
كنت سابقا أعتقد – كما كان وما زال – يعتقد عامة المسلمين اليوم ، أن الطريق إلى تحرير القدس ، ستكون بالوحدة العربية ، وهذا بلا شك ضرب من الخيال . أو بالعودة إلى الإسلام وقيام الخلافة الإسلامية ، وهذا أيضا أمر بعيد المنال ، والواقع لا ينبئ بذلك ، واليهود الآن يسيطرون على مجريات الأمور ، أكثر مما نسيطر على زوجاتنا وأولادنا ، فهم يراقبون ويُحاربون ، أي جسم مسلم أو عربي ، تحول من حالة السكون إلى الحركة ، وكل المحاولات الإسلامية والقومية العربية النهضوية ، وُئدت واشتُريت وبيعت في سوق النخاسة ، فلا أمل في المنظور القريب ، حسب ما نراه على أرض الواقع .
وأما إسرائيل فعلى ما يبدو ، أنها ستبقى جاثمة فوق صدورنا ، تمتص دماءنا ، وتعدّ علينا أنفاسنا ونبضات قلوبنا ، لتثبت للعالم أننا ما زلنا أحياء ؟! والعالم يأتي وينظر ويهزّ رأسه موافقا ، ويمضي مطمئنا ، نعم إنهم ما زالوا أحياء . وكأن العالم ، ينتظر منا أن نموت أو نفنى ، فيستيقظ يوما ما ، فلا فلسطين ولا فلسطينيون ، ليرتاح من تلك المهمة الثقيلة والمضنية ، التي رُميت على كاهله – وكأنه بلا خطيئة اقترفتها يداه – كي يرتاح من مراقبة طويلة ، لعملية احتضار شعب أُدخل إلى قسم العناية الحثيثة ، منذ أكثر من50 عاما ، وما زال حيا .
وبالنظر إلى الواقع – قبل ثلاث سنوات – ولغاية هذه اللحظة ، فإنك تراه يقول بأن إسرائيل ستبقى . ولكن الأحاديث النبوية الشريفة ، ترفض ما يقوله الواقع وتؤكد زوالها ، قبل ظهور المهدي والخلافة الإسلامية ، ولكن كيف ؟ ومن ؟ ومتى ؟ ، وللإجابة على هذه الأسئلة كان لا بد من البحث . ومن هناك ، وقبل ثلاث سنوات تقريبا ، كانت البداية .
ما يملكه عامّة المسلمين في بلادنا من معتقدات ، فيما يتعلّق بتحرير فلسطين ، يتمحور حول ثلاثة عبارات تقريبا ، هي : أولا ؛ عبارة " شرقي النهر وهم غربيه " المشهورة لدينا ، بين فلسطينيي الشتات ، وثانيا ؛ عبارة " عبادا لنا " ، وثالثا ؛ عبارة " وليدخلوا المسجد " . والتفسيرات المعاصرة لهذه العبارات في مجملها ، حصرت التحرير بقيام الخلافة الإسلامية ، حتى أصبحت من الأمور العقائدية ، ويؤمن بصحتها الكثير من الناس ، إن لم يكن الأغلبية العظمى .
أما حديث لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ، ويا مسلم يا عبد الله ، الذي غالبا ما نتدواله ، فهو يتحدث عن مسلمين حقيقيين ، لن يتوفروا في ظل هذه الأجواء على المدى القريب ، أو يتحدّث عن خلافة إسلامية ، ومما أعلمه أن الخلافة الإسلامية ، لن تكون إلا بظهور المهدي ، وخلاف ذلك لم أجد في السنة النبوية ، من الأحاديث ما يشير إلى هذه الفترة ، فهي مغيبة تقريبا ، إلا من حديث هنا ، أو هناك .
في النصف الثاني من عام 1998م ، ومن خلال البحث الأولي في العديد من المصادر ، أمسكت ببعض الخيوط ، التي قادتني بدورها إلى الآيات ، التي تحكي قصة العلو والإفساد اليهودي في سورة الإسراء ، فطفقت أسبر معاني ألفاظها وعباراتها وتركيباتها اللغوية ، فتحصلّت على فهم جديد لآيات هذه السورة ، يختلف تماما عن معظم ما تم طرحه سابقا ، ومن خلال هذا الفهم استطعت الإجابة على معظم تساؤلاتي ، وتساؤلات أخرى كانت ترد في ذهني ، بين حين وآخر ، أثناء كتابتي لهذا البحث .
عادة ما كنت أطرح ما توصلت إليه ، شفاها أمام الآخرين ، وغالبا ما كانت أفكاري ، تُجابه بالمعارضة أحيانا بعلم ، وأحيانا من غير علم ، وغالبا ما كان النقاش يأخذ وقتا طويلا ، وكان هناك الكثير ممن يرغبون بالمعرفة ، كل حسب دوافعه وأسبابه الخاصة ، وكانت الأغلبية تفاجأ بما أطرحه من أفكار ، فالقناعات الراسخة لدى الأغلبية ، مما سمعوه من الناس أو وجدوه في الكتب ، والواقع الذي يرونه بأم أعينهم ، يخالف بصريح العبارة ما أذهب إليه .
والمشكلة أن الأمر جدّ خطير ، فالواقع الجديد والمفاجئ ، الذي سيفرض نفسه بعد عدة شهور ، عندما يأتي أمر الله ، ولا ينطق الحجر والشجر بشيء ! كما كانوا يعتقدون ، سيوقع الناس في الحيرة والارتباك . وتتلاطم الأفكار والتساؤلات في الأذهان تلاطم الموج في يوم عاصف ؛ ما الذي جرى ؟ وما الذي يجري ؟ وما الذي سيجري ؟
لذلك وجدت نفسي ملزما بإطلاع الناس ، على ما تحصّلت عليه ، وعلى نطاق أوسع من دائرة الزملاء والأقارب . وبالرغم من محدودية قدراتي وتواضعها ، إلا أني حاولت جاهدا ، أن أصهر كل ما توصلت إليه ، مما علّمني ربي ، في بوتقة واحدة . تمثّلت في هذا الكتاب ، الذي بين أيديكم ، في أول محاولة لي للكتابة ، كمساهمة متواضعة ، في الدعوة إلى الله ، ونصرة لكتابه الكريم ، قبل أن يوضع على المحك ، عندما يتحقّق أحد أعظم الأنباء المستقبلية ، بشكل مخالف ، لما اعتادوا أن يسمعوه ويقرءوه ، من آراء وتفسيرات ، كثرت في الآونة الأخيرة ، تتناول ما تُخبر عنه سورة الإسراء ، من إفساديّ بني إسرائيل .
كما وحاولت جاهدا أن أقدم هذا الكتاب ، في أسرع وقت ممكن ، بعد أن تأخرت سنتين وأكثر ، شغلتني فيها مشاكل الحياة الدنيا ومصائبها ، عن إخراج هذا الكتاب إلى حيّز الوجود ، ومن ثم لأسعى لإيصاله ، إلى أكبر عدد من أمة الإسلام ، لعله يجد فيهم من يلق السمع وهو شهيد ، فإن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمن نفسي ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .