ابونواف الفيفي
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 197
|
تاريخ التسجيل : Jul 2009
|
أخر زيارة : 10-28-2024 (07:43 AM)
|
المشاركات :
8,931 [
+
] |
التقييم : 2147483647
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Firebrick
|
|
وجوب العناية بحفظ القرآن
وجوب العناية بحفظ القرآن والوسائل العملية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
ينبغي على القارئ المسلم لكتاب الله تعالى العناية بحفظ القرآن وتعلمه مع العمل به, والتخلق بآدابه وأخلاقه.
لأن حفظ القرآن الكريم من أجل القربات, وأفضل الطاعات, وبه تنال رحمة رب الأرض والسموات, وكذلك حفظ علوم الشريعة كلها, والبحث عنها في مظانها من الأمور التي يرضى الله تعالى عنها
ويزكيها, ويرفع صاحبها, ويقربه منه.
*ونستطيع بعون الله أن نقرب مسألة حفظ القرآن الكريم في الأمور التالية:
1- حفظ القرآن فرض كفاية:
نقول أولا: اعلم أن تعليم القرآن الكريم فرض كفاية, وأن حفظه واجب وجوبًا كفائيًا على الأمة الإسلامية,حتى لا ينقطع تواتره, ولا يتطرق إليه تبديل أو تحريف على مر الأزمان.
قال الإمام السيوطي رحمه الله:
اعلم أن حفظ القرآن فرض كفاية على الأمة.
وقال الجويني رحمه الله:
فان قام بذلك قوم يبلغون هذا العدد (أي عدد التواتر)،سقط عن الباقين وإلا أثم الكل .
2- درجات تعلم القرآن وتعليمه:
ثم اعلم أن تعلم القرآن له درجات رتبها أهل العلم يجدر بنا الإشارة إليها فإن العلم كثير والعمر
قصير.
1- تعلم القرآن قراءة وأداءً وضبط ألفاظه وأحكامه.
2- حفظ القرآن (أي حفظ ألفاظه).
3- العمل به.
4- تعليمه لمن لا يعلمه.
ويشير إليها الإمام سفيان الثوري رحمه الله بقوله: تعلموا هذا العلم, فإذا علمتموه فاحفظوه, فإذا حفظتموه فاعملوا به, فإذا عملتم به فانشروه.
وقال أيضًا: كان يقال: أول العلم الصمت, والثاني الاستماع له وحفظه, والثالث العمل له, والرابع نشره وتعليمه.
3- عناية النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بحفظ القرآن:
أ- سهولة حفظ القرآن:
لقد يسر الله سبحانه حفظ القرآن وتلاوته وفهمه, وتدبره واستيعاب معانيه, ولولا أن الله تعالى يسره لما استطاع إنسان قراءته فضلاً عن حفظه ودراسته.
قال الحافظ ابن كثير: في تأويل قوله تعالى: ”بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ\"أي: هذا القرآن آيات بينة واضحة في الدلالة على الحق أمرًا ونهيًا وخبرًا, يحفظه العلماء
يسره الله عليهم حفظًا وتلاوة وتفسيرًا كما قال تعالى: ”وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ\" [القمر:17] ([1]).
وقال رحمه الله: «ولأنه محفوظ في الصدور, ميسر على الألسنة, مهيمن على القلوب, معجز لفظًا
ومعنى, ولهذا جاء في الكتب المقدسة في صفة هذه الأمة, أن أناجيلهم في صدورهم»([2]).
ولهذا كان علم القرآن حفظًا وتفسيرًا أسهل العلوم, وأجلها على الإطلاق, وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد أعين عليه.
وقد قال بعض السلف عند هذه الآية: هل من طالب علم فيعان عليه؟.
ولهذا يدعو الله عباده إلى الإقبال عليه والتذكر بقوله: ”فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ\".
وفي تفسير الجلالين: ”وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ\" أي: سهلناه للحفظ, وهيأناه للتذكر ”فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ\" أي: هل من متعظ به, حافظ له؟ والاستفهام هنا بمعنى الأمر أي: احفظوه واتعظوا
به, وليس يحفظ من كتب الله عن ظهر قلب غيره ([3]).
ب- عناية النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ القرءان :
لقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم من حرصه على القرآن وحفظه, أنه كان يحرك لسانه به في أشد حالات حرجة شديدة, وهو يعاني من الوحي وسطوته, وجبريل في هبوطه عليه بقوته, يفعل الرسول كل ذلك استعجالاً لحفظه وجمعه في قلبه مخافة أن تفوته كلمة أو يفلت منه حرف, وما زال رسول الله كذلك حتى طمأنه ربه بأن وعده أن يجمعه في صدره([4]): ”لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ
لِتَعْجَلَ بِهِ ` إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ` فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه\" [القيامة: 16-18].
وهكذا نحن لنا الأسوة والقدوة في النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته بحفظ القرآن, ودعوته إلى ذلك بقوله في البخاري ومسلم عن عثمان رضي الله عنه: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»
والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة, فهل جعل قارئ القرآن النبي صلى الله عليه وسام قدوته في
ذلك.
ج- عناية الصحابة والسلف بحفظ القرآن:
أما الصحابة رضوان الله عليهم, فقد كان كتاب الله في المحل الأول من عنايتهم يتنافسون في
استظهاره وحفظه, ويتسابقون إلى مدارسته وتفهمه, ويتفاضلون فيما بينهم على مقدار ما
يحفظون منه, وربما كانت قرة عين السيدة منهم أن يكون مهرها في زواجها سورة من القرآن
يعلمها إياه زوجها.
وكانوا يهجرون لذة النوم, وراحة الهجود, إيثارًا للذة القيام به في الليل والتلاوة له في الأسحار, والصلاة به والناس نيام, حتى لقد كان الذي يمر ببيوت الصحابة في غسق الدجى يسمع فيها دويًا كدوي النحل بالقرآن.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزكي فيهم روح هذه العناية بالتنزيل, قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل منا يعلمه القرآن, وكان يسمع لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضجة بتلاوة القرآن حتى أمرهم رسول الله أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا([5]).
ولهذا كثر حفاظ القرآن من الصحابة الأكارم من أمثال سيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي, وطلحة وسعد, وابن مسعود وحذيفة, وابن عمر, وابن عباس, ومن النساء عائشة وحفصة وأم سلمة رضي الله عنهم أجمعين.
وهكذا صار السلف الصالح وتابعوهم من بعدهم مقتدين بهديهم, متبعين آثارهم على صراط مستقيم, حتى كانوا يرفضون تدريس الحديث وغيره من العلوم للحدث حتى يحفظ القرآن أولاً.
فعن الوليد بن مسلم قال: كنا إذا جالسنا الأوزاعي فرأى فينا حدثًا قال: يا غلام, قرأت القرآن؟ فإن قال: نعم.
قال: اقرأ: ”يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ\" الآية, وإن قال: لا.
قال: اذهب تعلم القرآن قبل أن تطلب العلم([6]).
وكان يحيى بن يمان إذا جاءه غلام أمرد استقرأه رأس سبعين من الأعراف ورأس سبعين من يوسف, وأول الحديد, فإن قرأها حدثه وإلا لم يحدثه, وهكذا كان شأن السلف جميعهم رحمهم الله
تعالى([7]).
هذا وقد وضع العلماء قواعدًا وأصولاً لحفظ القرآن تيسره وتسهله ودونها في كتبهم وهي كثيرة ولله الحمد ومن أجمل ما قرأت في هذا الباب كتاب «الكلمات الحسان فيما يعين على الحفظ والانتفاع بالقرآن» لأبي الحارث محمد مصطفى شعيب بارك الله فيه.
د- الحفظ في سن الصغر:
وقد اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم القرآن عناية عظيمة خصوصًا بالنسبة للصبيان والصغار, وقد جاء في الأثر عن الحسن رضي الله عنه: «العلم في الصغر كالنقش على الحجر».
ولا شك أن في ذلك فائدة كبرى, وهي لأجل أن يوجه الصغار إلى اعتقاد أن الله هو ربهم وأن هذا كلامه تعالى, وحتى يختلط القرآن في دمه ولحمه ويجري في عروقه, وهذه نصيحة كي لا يهمل المرء ولده في صغر سنه ويقول اتركوا الصغير ليلهو ويلعب, ولا يهمل صغاره الذين ولاه الله عليهم, كما قال الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبًا خاليًا فتمكنا
وليس هذا لييأس كبير السن من الحفظ –كلا- فقد طلب العلم قوم وهم في سن الشيخوخة فصاروا فقهاء علماء([8]) كما طلبه غيرهم وهم في سن الشباب من أمثال عبد الله بن مسلمة القعنبي, وابن حزم الظاهري, والقفال المروزي وغيرهم كثير.
4- وسائل عملية لحفظ القرآن:
وهذه جملة من الوسائل العملية والقواعد الأساسية لكل طالب عزم القصد وتوجه بالإرادة على حفظ القرآن الكريم:
1- أول ما ينبغي على من يريد حفظ القرآن أن يكون قصده بالحفظ والتعلم ابتغاء وجه الله تعالى والقيام بالنصيحة للمسلمين وتعليمهم قال تعالى: ”وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَه ُ الدِّينَ حُنَفَاءَ\" [البينة: 4].
2- وعليه بكثرة الدعاء إلى الله تعالى بحفظ القرآن وخاصة في أوقات إجابة الدعاء ويستحب هذا الدعاء:
«اللهم حفظني كتابك واجعلني من العالمين, اللهم يا معلم داود علمني ويا مفهم سليمان فهمني, اللهم إني أسـألك فهم النبيين وحفظ المرسلين»,وهو مأثور عن بعض السلف عليهم رضوان الله.
3- وعليه أيضًا تعلم الكتابة والقراءة مع تحسين الخط ومعرفة قواعد الإملاء والإعراب, حتى يحذر من الخطأ واللحن في قراءة القرآن ونطقه.
4- وعليه بالتفرغ الكامل لحفظ القرآن, تفرغ القلب, وتفرغ الوقت حتى لا ينصرف عن الحفظ أو يضيع ما حفظه وقد كذب من ملأ يديه شغلاً, ثم يقول سأطلب العلم واحفظ القرآن, وصدق إذ يقول ”مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ\" [الأحزاب:4].
5- وعليه بالتلقي من أفواه الشيوخ والحفظة الماهرين للقرآن وهذا هو الأصل في التعلم قال تعالى: ”وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ\" [النمل:6].
فالعلم لا يؤخذ من الصحف ومن بطون الكتب بلا شيخ قال الصفدي قال العلماء: «لا تأخذ العلم من صُحفي ولا القرآن من مصحفي».
6- وعليه كذلك باتباع الحفظ في رسمة موحدة أي: طبعة للمصحف حتى لا يختلف عليه مواضع
الآيات وأماكنها من مصحف إلى آخر فيتعرض للنسيان.
7- وعليه أيضًا بالقراءة على الشيخ قبل الحفظ, حتى لا يحرف في اللفظ القرآني ويغيره فيأثم بذلك وعرض القراءة على الشيخ لتصحيح الألفاظ نطقًا وأداءً يحفظ اللسان عن اللحن في كتاب الله تعالى.
8- كما أن عليه بالمتابعة لأخطائه أثناء القراءة على شيخه ويجعل معه دفتر أي: كراسة ويكتب فيها الكلمات التي تعثر في قراءتها على شيخه حتى يتنبه إليها.
9- وعليه ألا يتعدى المقدار أو المقرر اليومي الذي يحفظه من القرآن ولا تدفعه الحماسة الزائدة على ذلك فربما أضر به في المرات اللاحقة.
10- وعليه أن يأخذ نفسه بأخلاق أهل الصلاح والصالحين, وترك المحرمات, واجتناب الكبائر والموبقات, وأن يجتهد في البعد عن الذنوب والمعاصي والصغائر فإن آثارها على طالب العلم وخيمه ومهلكة.
11- وعليه بكتابة الآيات التي يريد حفظها, وهذا أمر حسن مفيد للمتعلم, فإنه أثبت للحفظ ولا شك أن هذه الطريقة جيدة ومفيدة وقد أخذ بها المتقدمون من المحفظين فليت المتأخرين يأخذون بها.
12- ويلزمه أيضًا قراءة تفسير للآيات التي يحفظها لكونه يكشف عن معاني الألفاظ ويوضح مدلولها مما يعين على ترسيخ الحفظ.
قال ابن جرير الطبري: «عجبت لمن يقرأ القرآن ولا يفهم معناه, كيف يلتذ بتلاوته».
13- وينبغي عليه أن يتثبت في الأخذ للآيات, ولا يكثر بل يأخذ قليلاً قليلاً فقد روي أن حماد بن أبي سليمان قال لتلميذ له: «تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها شيئًا», وهذا حتى يحكم القليل منها ولا يتعرض للنسيان.
14- وعليه أن يغتنم أوقات الحفظ الجيدة وساعاته المفيدة مثل وقت السحر ونصف النهار وأوله
كذلك, وحفظ الليل مفيد وأنفع.
15- وعليه باختيار الحال المناسب للحفظ من الراحة النفسية وترك الانشغال بأمور الحياة أثناء الحفظ واختيار المكان المناسب أيضًا مثل الغرف والأماكن الهادئة وليحذر من الحفظ في حضرة
النبات والخضرة وعند الأنهار.
16- وينبغي عليه الجهر بالقراءة عند الحفظ ورفع الصوت وترديد الآيات فقد روي عن أبي حامد أنه كان يقول لأصحابه: إذا درستم فارفعوا أصواتكم فإنه أثبت للحفظ وأذهب للنوم.
17- ويلزمه أيضًا تعلم أحكام تلاوة القرآن (أي أحكام التجويد), وقد عد العلماء القراءة بغير تجويد لحنًا (أي خطأ) وقد أجمعت الأمة منذ نزول القرآن وحتى وقتنا هذا على وجوب قراءة القرآن قراءة مجودة سليمة وإخراج كل حرف من مخرجه الصحيح.
قال العلامة ابن الجزري رحمه الله:
والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثــم
لأنه به الإ له أنزلا وهكذا منه الينا وصلا
وهو أيضا حلية التلاوة وزينة الأداء والقراءة
وهو إعطاء الحروف حقها من صفة لها ومستحقها
ورد كل واحد لأصله واللفظ في نظيره كمثله
18- وعليه بعد حفظ القرآن الكريم بالتعاهد له والمراجعة لما حفظ منه وهذه وصية من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عقلها», وهناك وسائل متعددة للمراجعة مثل قيام الليل بالمحفوظ, وقراءته في الصلوات واستماع شريط الكاسيت للقرآن الكريم وقد قيل: من راجع الخمس لم ينس.
19- ومن أهم ما ينبغي عليه تقوى الله تعالى في جميع أحواله وأوقاته قال تعالى:’’وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ\", هذا بعض ما تيسر من مبادئ حفظ كتاب الله العزيز .
والله تعالى أعلى وأعلم ،، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
----------------------
([1]) تفسير ابن كثير (ج3/ص403).
|