جوهرة الحلم الصفح

الثورة من الغيرة جمال عندما يحكم زمامها العلم والأدب وعندما يجمح أخطائها الحلم والصفح . فالحلم شيمة المؤمنين والصفح دليل الصالحين . فيطوي رسولنا الكريم بيده الطاهرة مواجهة السيئة بمثلها . فكان أجمل مخلوق صفحا وأكرم رجل عفوا وأحسن قدوة يتحلى بها كل مسلم . فنشاهد صور من قومه وهم يلقون الأذى المؤلم فيعرض عن تلويمهم أو تعنيفهم أو مقابلتهم بالمثل أو الحقد والكراهية فقلبه نظيف طاهر لا يستطيع حمل الغضب يعود إلى دعوتهم ونصحهم بالتي هي أحسن كأن لم يحدث منهم شي . يصفح أجمل صفح ويعطي درسا ودروس في الحلم وبقاء الصفح واحتماله قال تعالى} فاصفح الصفح الجميل { [1]. ولو سردنا سيرة الرسول r لوجدنا انه يستغضب أحيانا غير أنه ما يجاوز حدود التكرم والإغضاء . ول تأملنا ما ورد عنه لوجدنا أنه ما أنتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها .
ولو ركزنا ونظرنا في من نقابل ونعاشر اليوم دققنا في أوقات الغضب وسرعة العتب شاهدنا من يمتلك الحلم والصفح ومن المحروم منها . ولو أعدنا شريط الحياة اليومي عبر التفكير لوجدنا أن من قابلناهم على شاكلتين أصحاب درجات متفاوته في سرعة الغضب والعجلة لا يثبتون أمام توافه الأمور يستفزون بسرعة البرق وأصحاب درجات متفاوته في الحلم والصفح أصحاب طبائع أصيلة صدور مشعة حلما ممتد أعذارا منسية . التماسات ومبررات للأخطاء . فعند تجولنا في صاحب الحلم والصفح وجدنا دروس في ضبط النفس والتسامح العفو والصافي . فلنأخذ الحلم لوحده ثم نتعرج إلى الصفح . فالحلم طبيعة في الإنسان مردوده خير ثمنه تملك الغير ومن دخل الإيمان قلبه تربت معه السماحة وأزداد الحلم انتشارا وبدأت ضبط النفس وكظم الغيظ وامتلاك القول والتجاوز عن الهفوات إذا كانت في حق النفس قال الشاعر في الحلم والحليم ....
ألا إن حلــم المرء أكرم نسبــه □□□ تسامى بها عند الفخار حليـم
فيارب هب لي منك حلما فإنني □□□ أرى الحلم لم يندم عليه كريم
والصفح ذاك المبدأ الجميل يحمل صاحبه إلى طريق المحبة فالعفو والتسامح عن زلة وعثرة يزيد المحبة ويكبر حجم العلاقة في القلب ويسعد النفس . فتجد دائما العفو والصفح يغلب العقاب والابتعاد . ولا شك أن الإنسان ليحزنه أن يتهجم عليه شخص وأن يصيبه بحديث جارح ويخطئ في مجلس على شخصه ولكن هناك مسلكا أنبل وأجمل أطهر وأبقى من أن يحمل في قلبه يغضب ويسارع بمجازاته يحاول الثأر لنفسه هناك الرضى وبلع الغضب والتسامح والعفو فيحتسب ويجعل عفوه عن هذه الزلة فرعا من شكر الله ورجاء الأجر قال تعالى } فأصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون {[2]. فهذا صفحا أنعم به الله عليه وأنزله منزلة في نفسه فالله قدره وجعله يستطيع أن يأخذ بحقه إذا شاء ولكن تلك مكرمة أعطيها .
قال الشاعر ...
أحب مكارم الأخلاق جهــدي □□□ وأكـره أن أعيــب وأن أعابـــا
واصفح عن سباب الناس حلما □□□ وشر الناس من يهـوى السـبابا
ومن هـاب الرجــال تهيــبوه □□□ ومن حـقــر الرجـال فلن يهابـــا
والرسول الكريم شرح لنا الناس وطبقاتهم في الحلم والصفح فحينما خطب عصر يوم من الأيام كان مما قاله لهم ( إن بني أدم خلقوا على طبقات شتى الأوان منهم البطيء الغضب سريع الفيء والسريع الغضب سريع الفيء والبطيء الغضب بطيء الفيء فتلك بتلك إلا وأن منهم بطيء الفيء سريع الغضب آلا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء آلا وان منهم حسن القضاء حسن الطلب ومنهم سيء القضاء حسن الطلب ومنهم سيء الطلب حسن القضاء فتلك بتلك ألا وان منهم سيء القضاء سيء الطلب ألا وخيرهم الحسن القضاء الحسن الطلب وشرهم سيء القضاء سيء الطلب ألا وان الغضب حجرة في قلب ابن ادم أما رأيتم الى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء من ذلك فليلتصق بالأرض )[3] . " أي فليبقى مكانه وليجلس " .
فالشخص الغضوب كثيرا ما يذهب به غضبه مذاهب حمقاء طريق بعيد فقد يسب الباب إذا استعصى عليه فتحه وقد يكسر آلة تقف بين يديه وقد يلعن ويعود لسانه على ذلك . وعن ابن عباس قال قال رسول الله r لا شج عبد القيس ( إن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة )[4] .
فلما لا نحمل في قلوبنا وأنفسنا داخلنا وفي عقولنا تلك الخصلتين لكي نصبح من أحباب الله فنظفر بهذه الجوهرة وتظفر تلك النفس بالمحبة .



1ـ الحجر آية 85 .

1ـ الزخرف آية 89 .

1ـ رواه الترمذي .

2ـ رواه مسلم .