أستاذ ،،هذا أبوي..!!!قصه أبكت الكثير ومازالت تبكيهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة مدرس مع طالب
:
كان ياسر طفل التاسعة في الصف الرابع .وكنت أعطيهم حصتين في
الأسبوع .. كان نحيل الجسم .أراه دوماً شارد الذهن .. يغالبه النعاس
كثيراً .. كان شديد الإهمال في دراسته .بل في لباسه وشعره.. دفاتره
كانت هي الأخرى تشتكي الإهمال والتمزق !! حاولت مراراً أن يعتني
بنفسه ودراسته فلم أفلح كثيراً لم يجد معه ترغيب أو ترهيب !! ولا
لوم أو تأنيب !! ذات يوم حضرت إلى المدرسة في الساعة
السادسةقبلطابور الصباح بساعة كاملة تقريباً كان يوماً شديد
البرودة .. فوجئت بمنظرلن أنســـــاه دخلت المدرسة فرأيت في زاوية
من ساحتها طفلين صغيرين قدانزويا على بعضهما .. نظرت من بعيد
فإذ بهما يلبسان ملابس بيضاء لا تقيجسديهما النحيلة شدة
البردأسرعت إليهما دون تردد وإذ بي ألمح ياسر يحتضنأخاه
الأصغر ( أيمن )الطالب في الصف الأول الابتدائي .ويجمع كفيه الصغيرين
المتجمدين وينفخ فيهما بفمه ويفركهما بيديه
منظر لا يمكن أن أصفهوشعور لا يمكن أن أترجمه دمعت عيناي من
هذا المنظر المؤثر
ناديته : ياسر ما الذي جاء بكما في هذا الوقت
؟ ولماذا لم تلبسا لباساً يقيكما منالبرد !! فازداد ياسر التصاقاً بأخيه
ووارى عني عينيه البريئتين وهماتخفيان عنيالكثيرمن المعاناة والألم
التي فضحتها دمعة لم أكنأتصورها ! ضممت الصغير إليّ فأبكاني
برودة وجنتيه وتيبس يديه أمسكتبالصغيرين فأخذتهما معي إلى
غرفة المكتبةأدخلتهما وخلعت الجاكيت الذي ألبسهوألبسته
الصغير أعدت على ياسر السؤال : ياسر ما الذي جاء بك إلى
المدرسة في هذا الوقت المبكر ومن الذي أحضركما !؟
قال ببراءته : لا
أدري السائق هو الذي أحضرنا !! قلت : ووالدك قال : والدي مسافر
إلىالمنطقة الشرقيةوالسائق هو الذي اعتاد على إحضارنا حتى بوجود
أبي
قلت : وأمــــك !! أمك يا ياسر .. كيف أخرجتكما بهذه الملابس
الصيفية في هذا الوقت !؟ لم يجب ياسر وكأنني طعنته بسكين بدأ
ينظرإلى الأرض
ويقول:
أ... أم... أمي... أميـ... ثم استرسل بالبكى !! قال أيمن ( الصغير ) :
ماما عند أخوالي !!!!!!
قلت : ولماذا تركتكم .. ومنذ متى !؟
قال أيمن :
من زمان .. من زمان !!
قلت : ياسر . هل صحيح ما يقول أيمن !؟
قال : نعم من زمان أمي عند أخوالي .. أبويطلقها . وضربها .. وراحت
وتركتنا .. وبدأ يبكي ويبكي !!
هدأتهما .. وأنا أشعر بمرارة المعاناة
وبدأت أنا الآخر بالبكى ولكن حاولت أن أتمالكنفسي وأن أكظم ما
استطعت ولكي لايفقدان الثقة بأمهما قلت ولكن أمكما تحبكما .. أليس كذلك !؟
قال ياسر : إيه .. إيه .. إيه .. وأنا أحبها وأحبها وأحبها .. بس
أبوي !! وزوجته !!
ثم استرسل في البكاء !!
قلت له : ما بكما ألا ترى أمك يا ياسر !؟
قال : لا .. لا .. أنا من زمان ما شفتها .. أنا ياأستاذودي أشوفها لو
مرة تكفى ياأستاذ !!
قلت : ألا يسمح لك والدك بذهابك لها !؟
قال : كان يسمح بس من يوم تزوج ما عادسمح لي !!!
قلت له : يا ياسر .
زوجت أبوك مثل أمك .. وهي تحبكم !!
قاطعني ياسر : لا .. لا . ياأستاذأمي أحلى .. هذي تضربنا .. ودايم
تسب أمي عندنا !!
قلت له : ومن يتابعكما في الدراسة !؟
قال : ما فيه أحد يتابعنا ..
وزوجة أبوي تقول له إنها تدرسنا !!
قلت : ومن يجهز ملابسكما وطعامكما ؟
قال : الخادمة ..
وبعض الأيام أنا !! لأن زوجة أبوي تمنعها وتخليهاتغسل البيت !!
وأنا اللي أجهز ملابسي وملابس أيمن مثل اليوم !
اغرورقت عيناي بالدموع فلم أعد استطيع كظمه.. !
حاولت رفع معنوياته .
فقلت : لكنك رجل ويعتمد عليك !
قال : أنا ما أبي منها شيء !
قلت : ولماذا لم تلبسا لبس شتوي في هذا اليوم ؟ قال : هي منعتني !! قالت : خذهذي الملابس وروحوا الآن للمدرسة ..
وأخرجتني من الغرفة وأقفلتها !
قدم المعلمون والطلاب للمدرسة .
قلت لياسر بعد أن أدركت عمقالمعاناة والمأساة
التي يعيشها مع أخيه : لا تخرجا للطابور
وسأعودإليكما بعد قليل
خرجت من عندهما ..
وأنا أشعر بألم يعتصر قلبي ..
ويقطع فؤادي !
ما ذنب الصغيرين !؟
ما الذي اقترفاه ؟
حتى يكونا ضحية خلاف أسري .. وطلاق .. وفراق !!
أين الرحمة !؟
أين الضمير !؟
أين الدين !؟
بل أين الإنسانية !؟
قررت أن تكون قضية ياسر وأيمن .. هي قضيتي !!
جمعت المعلومات عنهما .
وعن أسرة أمهما ..
وعرفت أنها تسكن في الرياض !!
سألتالمرشد الطلابي بالمدرسة عن والد ياسر وهل يراجعه !؟
أفادني أنه طالما كتبله واستدعاه .. فلم يجب !!
وأضاف : الغريب أن والدهما يحمل درجة الماجستير ..
قال عن ياسر : كان ياسر قمة في النظافة والاهتمام .
وفجأة تغيرتحالته من منتصف الصف الثالث !!
عرفت فيما بعد أنه منذ وقع الطلاق !!
حاولت الاتصال بوالده .. فلم أفلح ..
فهو كثير الأسفار والترحال ..
بعد جهد .. حصلت على هاتف أمه !!
استدعيت ياسر يوما إلى غرفتي
وقلت له : ياسر لتعتبرني عمك أو والدك ..
ولنحاول أن نصلح الأمورمع والدك ..
ولتبدأفي الاهتمام بنفسك !!
نظر إليَّ ولم يجب وكأنهيستفسر عن المطلوب !
قلت له : حتماً والدك يحبك ..
ويريد لك الخير .. ولا بد أن يشعر بأنك تحبه ..
ويلمس اهتمامك بنفسك وبأخيك وتحسنك فيالدراسة أحد
الأسباب !!
هزَّ رأسه موافقاً !!
قلت له : لنبدأ باهتمامك بواجباتك ..
اجتهد في ذلك !!
قال : أنا ودي أحل واجباتي .
بس زوجة أبوي تخليني ما أحل !!
قلت : أبداً هذا غير معقول .. أنتتبالغ
قال : لايأستاذ أنا ما أكذب هي دايم تخليني
اشتغل في البيتوأنظف الحوش , , , !!
صدقوني ..
كأني أقرأ قصة في كتاب !!
أو أتابع مسلسلة كتبت أحداثها من نسج الخيال !!
قلت : حاول أن لاتذهب للبيت إلا وقد قمت بحل
ما تستطيع من واجباتك !!
رأيته .. خائفاً متردداً .. وإن كان لديه استعداد !!
قلت له ( محفزاً ) : ياسر لوتحسنت قليلاً سأعطيك مكافأة !!
هي أغلى مكافأة تتمناها !!
نظرإليَّ .. وكأنه يسأل عن ماهيتها !!
قلت : سأجعلك تكلم أمك بالهاتف منالمدرسة !!
ما كنت أتصور أن يُحْدِثَ هذا الوعد ردة فعل كبيرة !!
لكنني فوجئت به يقوم ويقبل عليَّ مسرعاً .
ويقبض على يدي اليمنىويقبلها
وهو يقول :
تكف .. تكف .. ياأستاذأنا ولهان على أمي !! بس لا يدري أبوي !!
قلتله : ستكلمها بإذن الله شريطة أن تعدني أن تجتهد ..
قال : أعدك !!
بدأ ياسر .. يهتم بنفسه وواجباته .
وساعدني في ذلك بقية المعلمين
فكانوا يجعلونه يحل واجباته في حصص الفراغ .
أو في حصة التربيةالفنية ويساعدونه على ذلك !!
كان ذكياً سريع الحفظ .. فتحسن مستواه فيأسبوع واحد !!!
( صدقوني نعم تغير في أسبوع واحد ) !!
استأذنتالمدير يوماً أن نهاتف أم ياسر ..
فوافق ..
اتصلت في الساعةالعاشرة صباحاً .
فردت امرأة كبيرة السن ..
قلت لها : أم ياسرموجودة !!
قالت : ومن يريدها ؟
قلت : معلم ياسر !!
قالت : أنا جدته . يا ولدي وش أخباره ..
حسبي الله على اللي كان السبب ..
حسبي اللهعلى اللي حرمها منه !!
هدأتها قليلاً .. فعرفت منها بعض قصة معاناة ابنتها ( أمياسر ) !!
قالت : لحظة أناديها ( تبي تطير من الفرح ) !!
جاءت أم ياسرالمكلومة ..
مسرعة ..
حدثتني وهي تبكي !!
قالت : أستاذ..
وش أخبار ياسر طمني الله يطمنك بالجنة !!
قلت : ياسر بخير .. وعافية ..
وهو مشتاق لك !!
قالت : وأنا .. فلمأعد أسمع إلا بكاءها .. ونشيجها !!
قالت وهي تحاول كتم العبرات : أستاذ( طلبتك )
ودي أسمع صوته وصوت أيمن ..
أنامن خمسة أشهر ما سمعت أصواتهم !!
لم أتمالك نفسي فدمعت عيناي !!
يا لله .. أين الرحمة ؟ أين حق الأم !؟
قلت : أبشري ستكلمينه وباستمرار ..
لكن بودي أن تساعدينني في محاولة الرفع من مستواه ..
شجعيه علىالاجتهاد .. لنحاول تغييره ..
لنبعث بذلك رسالة إلى والده !!!
قالت : والده !! ( الله يسامحه ) ..
كنت له نعم الزوجة .
ولكن ما أقولإلا : الله يسامحه !!
ثم قالت : المهم .
ودي أكلمهم واسمع أصواتهم !!
قلت : حالاً .. لكن كما وعدتني ..
لا تتحدثين في مشاكله مع زوجةأبيه أو أبيه !!
قالت : أبشر !
دعوت ياسر وأيمن إلى غرفة المديروأغلقت الباب ..
قلت : ياسر .. هذي أمك تريد أن تكلمك !!
لم ينبتببنت شفه .
أسرع إليَّ وأخذ السماعة من يدي
وقال : أمي .. أمي .. أمي ..
تحول الحديث إلى بكاء !!
تركته .. يفرغ ألماً ملأ فؤاده ..
وشوقاً سكن قلبه !!
حدثها .. خمسة عشر دقيقة !!
أما أيمن ...
فكان حديثها معه قصة أخرى ..
كان بكاء وصراخ من الطرفين !!
ثم أخذتُ السماعة منهما .
وكأنني أقطع طرفاً من جسمي ..
فقالت لي : سأدعو لك ليلاً ونهاراً ..
لكن لا تحرمني من ياسر وأخيه !! ولا يعلم بذلك والدهما !!
قلت : لن تحرمي من محادثتهم بعد اليوم !! وودعتها !
قلت لياسر بعد أن وضعت سماعة الهاتف : انصرف وهذه المكالمة
مكافأة لك على اهتمامك الفترة الماضية ..
وسأكررها لك إن اجتهدتأكثر !!
عاد الصغير .. فقبَّل يدي ..
وخرج وقد افترَّ عن ثغرهالصغير ابتسامة فرح ورضى !!
قال : أوعدك ياأستاذأن اجتهد وأجتهد !!
مضت الأيام وياسر من حسنإلى أحسن ..
يتغلب على مشاكله شيئاً فشيئا .. رأيت فيه رجلاً يعتمد عليه !!
في نهاية الفصل لأول ظهرت النتائج
فإذا بياسر الذي اعتاد أن يكونترتيبه
بعد العشرين في فصل عدد طلابه ( 26 ) طالباً يحصل على الترتيب
( السابع ) !!
دعوته . إليَّ وقد أحضرت له ولأخيه هدية قيمة ..
وقلت له : نتيجتك هذه هي رسالة إلى والدك ..
ثم سلمته الهديةوشهادة تقدير على تحسنه ..
وأرفقت بها رسالة مغلقة بعثتها لأبيه
كتبتها كما لم أكتب رسالة من قبل ..
كانت من عدة صفحات !!
بعثتها .
ولم أعلم ما سيكون أثرها .. وقبولها !!
خالفنيالبعض ممن استشرتهم وأيد البعض !!
خشينا أن يشعر بالتدخل في خصوصياته !!
ولكن الأمانة والمعاناة التي شعرت بها دعت إلى كل ما سبق !!
ذهبياسر .. يوم الأثنين بالشهادة والرسالة والهدية
بعد أن أكدت عليه أن يضعهابيد والدة !!
في صبيحة يوم الثلاثاء ..
قدمت للمدرسة الساعةالسابعة صباحاً ..
وإذ بياسر قد لبس أجمل الملابس يمسك بيده رجلاً حسنالهيئة
والهندام !!
أسرع إليَّ ياسر .
وسلمت عليه ..
وجذبني حتى يقبل رأسي !!
وقال : أستاذ.. هذا أبوي .. هذا أبوي !!
ليتكم رأيتم الفرحةفي عيون الصغير ..
ليتكم رأيتم الاعتزاز بوالده ..
ليتكم معيلشعرتم بسعادة لا تدانيها سعادة !!
أقبل الرجل فسلم عليّ ..
وفاجأني برغبته تقبيل رأسي فأبيت فأقسم أن يفعل !!
أردت الحديث معه
فقال : أخي .. لا تزد جراحي جراح ..
يكفيني ما سمعته من ياسر وأيمنعن معاناتهما مع ابنة عمي
( زوجتي ) !!
نعم أنا الجاني والمجنيعليه !!
أنا الظالم والمظلوم !!
فقط أعدك أن تتغير أحوال ياسروأيمن وأن أعوضهما عما مضى !!
بالفعل تغيرت أحوال ياسر وأيمن ..
فأصبحا من المتفوقين .. وأصبحت زيارتهما لأمهما بشكل مستمر !!
قالالأب : ليتك تعتبر ياسر ابناً لك
قلت له : كم يشرفني أن يكون ياسر ولدي !!
اي والله صدق تبكي
اســـف على الاطالـــــــــــه