(شاعر وقصائد نادرة خلدها التاريخ ) وشاعرنا الذي نحن بصدد الحديث عنه هو (عبيد بن عبد العزي بن سلامان بن مفرج بن مالك بن زهران )
وصاحبنا شاعر عاش في العصر الجاهلي ويعتبر فارس قومه اشتهر بالشجاعة..كما اشتهر شعره بالقوة والمتانة.وهو صاحب لغة عالية وتعبير رصين وقد ذكر الجبوري إن قصائد شاعرنا تعتبر من عيون الشعر العربي ...وهي ذات نمط جاهلي من حيث النسج والنمط ..فنراه يبدأ قصائده بالشوق إلى أرض الحمى الذي يلاقي فيه حبيبته..وقد أورد اسمها صراحة في أغلب قصائدها..
ألآهل فوادي إذ صبا اليوم نازع وهل عيشنا الماضي الذي زال رايع
وهل مثل أيام تسلفن بالحمى عوائد أوعيش الستارين راجع
كأن لم تجاورنا رميم ولم نقم بفيض الحمى إذا أنت بالعيش قانع
وبدلت بعد القرب بعدا وأصبحت مضابعة واستشر فتك الأضابع
وكل قرين ذي قرين يوده سيفجعه يوما من البين فاجع
فظلت ولم تعلم رميم كأنني مهم ألثته الديون الخوالع
وكيف التعزي عن رميم وحبها على النأي والهجران في القلب نافع
ولما جرى ذكر اسم حبيبته على لسانه في شعر تناقلته الناس فأن الأعراف القبلية السائدة آنذاك لاتبيح له مقابلتها ولاحتى الزواج منها ..وقد لامه قومه على ذكر اسم حبيبته في قصائده ...كما هجر قوم الفتاة مكان إقامتهم إلي مكان آخر بعيد حتى لايعرف الناس من آمر الفتاة شي ...وقد اثر ذلك في شاعرنا وآخذ يهم في الفيافي على ناقة له اسماها (الخوصاء ) ويذكر في شعره إن طول السفر للبحث عن مكان وجود (رميم ) قد أنهك الخوصاء واهزلها ..وشاعرنا يعفو عن قومه وبني عمه الذين لاموه على بعض أشعاره قائلا ..
وأعفي عن قومي ولو شئت نولوا إذا ما تشكى الملحف المتضارع
وأعرض عن أشياء لو شئت نلتها حياء إذا ماكان فيها مقاذع
ولا ادفع ابن العم يمشي على شفا ولو بلغتني من أذاه الجنادع
ولكن أواسيه وأنسى ذنوبه لترجعه يوما إلي الرواجع
ثم يذهب الشاعر إلى مدح قبائل الأزد وما وصلوا إليه من المجد .فنراه يقول :
لعمري لنعم الحي إن كنت مادحا هم ألأزد إن القول با لصدق شائع
كرام مساعيهم جسام سماعهم إذا ألغت الناس الأمور الشرائع
لنا الغرف العليا من المجد والعلا ظفرنا بها والناس بعد توابع
يشرف أقواما سوانا ثيابنا وتبقى لهم أن يلبسوها سمايع
ومنا بنو ماء السماء ومنذر وجفنة منا والقروم النزايع
قبائل من غسان تسمو بعامر إذا انتسبت والأزد بعد جوامع
أدان لنا ا لنعمان قيسا وخندفا أدان ولم يمنع ربيعة مانع
ويبدوا إن شاعرنا كان ذا مال _ فهو ينفقه على الجار والضيف وذي الحاجة وهو يلوم عاذلته(زوجته) التي لامته على اسراف ماله فنراه يقول:.
وعاذلة فاديتها أن تلومني وقد علمت اني لها غير مؤثر
على الجار والاضياف والسايل الذي شكا مغرما او مسه ضر معسرا
أعاذل إن الجود لا ينقص الغنى ولا يدفع الإمساك عن مال مكثر
ثم يمضي الشاعر بعد ذلك في تعداد مكارم قومه وذكر ايامهم التي خاضوها مع بعض القبائل _ فهم من وطن بني هلال بن عامرهم الذين ابادوا سراة قيس وسقوا بني عبس كؤوس الردى كما فعلوا بثقيف وبنو غر بن هوازن _ وقصيدة الشاعر في مدح قومه وتعداد مكارمهم تعتبر وثيقة تاريخية تصور حياة عصر الشاعر ادق تصوير ورسم من خلالها خريطة جغرافية للقبائل العربية المجاورة...وهو يقول:
الم تسالي والعلم يشفي من العملى ذوي العلم عن أنباء قومي فتخبري
أولئك قوم يامن الجار بينهم ويشفق من صولاتهم كل مخفر
مراقيد للمولى محاشيد للقرى على الجار والمستأنس المثور
وطئنا هلالا يوم داج بقوة وصفناهم كرها بايد مؤزر
وإفناء قيس قد أبدنا سراتهم وعبسا سقينا بالاجاج المعور
واصرام فهم قد قتلنا فلم ندع سوى نسوة مثل البليات حسر
ونحن قتلنا في ثقيف وجوست فوارسنا نصرا على كل محضر
وخثعم في أيام باس كثيرة همطناهم همط العزيز المؤسر
ونحن قتلنا بالنواصف شنفري حديد السلاح مقبلا غير مدبر
ومن سائل الحيين سعد وعامر أبحنا حمى جبارها المتكبر
إذا ما نزلنا بلدة دوخت لنا فكنا على أربابها بالمخير
فأكرم بمولود وأكرم بوالد وبالعم والأخوال والمتصهر
ملوك وأرباب وفرسان غارة يحوزونها بالطعن في كل محجر
إذا نالهم حمش فان دواءه دم زل عن فودي كمي معفر
مدانيهٍم يعطى الدنية راغما وان داينوا باؤوا بريم موفر