في كل صباح يخرج الناس إلى أعمالهم ومدارسهم ، ويبقون فيها إلى ما بعد الظهر ثم يعودون إلى بيوتهم ، وهم أكثرهم الأكل والنوم ، ثم يستيقظون من غفلتهم بعد العصر أو بعد المغرب وينتشرون في الأسواق والمطاعم والمنتزهات ونحوها .. ثم يعودون بعد يوم حافل بالشهوات وتضييع الأوقات إلى النوم والاسترخاء .. لقد بذلوا أموالهم وأوقاتهم وجهودهم من أجل الدنيا وشهواتها .
ولو سألت أحدهم ماذا قدمت للإسلام في هذا اليوم الحافل ..لكان الجواب .. لاشيء..نعم لاشيء.. لقد قدم لملء بطنه وقضاء شهوته الشيء الكثير ..بل ربما هدم الإسلام وحارب تعاليمه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وقدم خدمات جليلة للشيطان وأعوانه..
أيها الاخوة في الله :
إن نعم الله علينا كثيرة لا تعد ولا تحصى .. فهو سبحانه قد خلقنا من عدم ... وكبرنا من صغر ... وعلمنا من جهالة ... وهدانا من ضلالة .. وكسنا من بعد عري .. وأغنانا من بعد فقر .. وجعلنا نسير على هذه الأرض مطمئنين .. نأكل من خيراته .. ونتمتع بنعمه و كراماته .. لم يجعلنا طيرا في الهواء .. ولا سمكا في الماء .. ولم يجعلنا حيوانا لا يعرف الألف من الباء ..
رزقنا السمع والبصر والفؤاد ..وفضلنا على كثير من خلق تفضيل .. يقو لتعالى { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ .. وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ .. وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} الإسراء
ويقول سبحانه { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ، وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ }
ويقول سبحانه ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وآتاكم مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ..وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا .. إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }
أيها الأحباب :
وبعد هذه النعم العظيمة ماذا قدم كل منا للإسلام ؟؟ .. خصوصا في هذا الأيام التي أعلن فيها الحرب صراحة على الإسلام باسم الإرهاب ؟؟
ماذا قدمنا لديننا ؟ كل منا يسال نفسه ثم يجيب عليها ..فهو الخصم والحكم . كل منا ينظر إلى الموقع الذي يمارس حياته من خلاله ، ثم يرى ماذا قدم لدينه وأمته؟؟
فالرجل في بيته على سبيل المثال :
ما هي الوسائل التي اتبعها في نشر دين الله بين افراد أسرته وعائلته ؟
هل عرض عليهم دين الله تعالى كما ينبغي؟؟
هل قام بنفسه أو مع غيره بتعليمهم ما يحتاجونه من أمور الدين ؟؟
هل الزمهم بتعاليم الدين في جميع شؤون حياتهم ؟؟ أم أنه تشبه بالكفار وقام بدورهم ، فاحضر لأسرته ما يصدهم ويبعدهم عن دينهم ؟ من تلفاز وقنوات فضائية ، وآلا تصدع بالموسيقى ، ونحو ذلك من وسائل الفساد ..واصبح من الذي قال الله تعالى فيهم ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )
والرجل في وظيفته ماذا قدم لدينه ؟؟ فان كان رئيسا ما هو الخير الذي نشره بين موظفيه ومرءوسيه ومراجعي دائرته ؟؟ ما هي السنن التي أحياها من خلال تسلمه لكرسي الرئاسة الذي سيزول قريبا ؟ هل نشر الدين الحب والتعاون بين أفراد مؤسسته ودائرته ؟؟ هل انضبط في أدائه ، وظهر بمظهر إسلامي متميز ؟؟ هل قرب المبدعين والمخلصين وشجعهم ودربهم وأشاد بهم ، وحاول إبرازهم ؟؟ أم انه أصابه الغرور وظن انه سيملك الكرسي ، فاصبح يتصرف فيه كما يتصرف الطفل بلعبته ؟ لا يهمه إلا مصلحته الشخصية فقط ، ولا يفكر في المصلحة العامة.. فأصبح يمارس الظلم الإداري والنفسي على مرؤوسيه .. فحرمهم من ابسط حقوقهم ، بل تسلق على أكتافهم ، وسرق إنجازاتهم ونسبها لنفسه .. مما قتل الإبداع في نفوسهم ، فانظموا إلى آلاف المحبطين في العالم الإسلامي ..
س: والرجل في حيه ماذا قدم لجيرانه ؟ هل زراهم في الله ، هل تفقد أحوالهم واحتياجاتهم ؟؟ هل نصحهم عن الأخطاء التي يمارسونها ؟؟ هل دلهم على الخير حثهم عليه ؟؟ فجعل من نفسه أبا لصغيرهم وولدا لكبيرهم ، وأخا لمن هو في سنه. أم انه تقوقع وعاش حالت كمون دائم في قعر بيته ، لا يهمه أحد من الجيران مات أو مرض أو أصيب ؟؟ بل ربما قام بأذيتهم بإزعاجهم بالأصوات المختلفة ، أو بترك أولاده أمام الأبواب وفي الشوارع يؤذون خلق الله ، يدخنون ويجاهرون بترك الصلاة الفساد شباب الحي ، إضافة إلى تخلفه عن صلاة الجماعة أو بعض فروضها.
والتاجر في تجارته ماذا قدم للإسلام ؟؟ هل حرص على ان تكون أمواله خاليه من الشبهة والمحرم ؟؟ أم ان الدنيا وحب المال أعماه عن التدقيق في معاملاته؟؟ هل حرص على التعامل مع التجار المسلمين ؟؟ أم انه حرص على التعامل مع التجار اليهود والنصارى وغيرهم وفضلهم على غيرهم من المسلمين ؟؟ هل حرص على عرض البضائع النافعة الخالية من الغش والمحرمات ؟؟ أم أنه حرص على تقديم البضائع المغشوشة والمقلدة والمحرمة؟ هل ساهم في المشاريع الخيرية هنا وهناك ؟؟ أم انه قبض يده عن فعل الخير ، و بسطها فيما حرم الله ..؟؟ وننتقل إلى المتقاعد الذي أكرمه الله وأوصله إلى مرحلة يحسده عليها ملايين البشر ؟؟
ما ذا قدمت للدين أيها المتقاعد ؟؟ هل شكرت الله و أخلصت له العبادة ، وداومت على صلاة الجماعة في المسجد ، وحرصت على قراءة القرآن وحفظه ، وحرصت على قيام الليل والدعاء للمسلمين بالنصر والتأييد والدعاء على الكفار بالهزيمة والخذلان ؟؟
أم أنك وجدتها فرصة للتفلت من الالتزامات ، فأخذت تنتقل يمينا وشمالا ، معرضا عن ذكر الله وإقام الصلاة ؟؟ هل أمضيت بقية عمرك في خدمت الإسلام ، فألقيت الكلمات والمحاضرات والنصائح حسب علمك ، ؟؟ أم انك بحثت عن أمثالك من المتقاعدين فاجتمعتم في المجالس والديوانيات وقطعتم لحوم البشر بالقيل والقال ؟؟ هل شاركت في الجمعيات الخيرية والمؤسسات الإسلامية ؟؟ أم أنك أمضيت ساعات وقتك في المكاتب العقارية ، أو متابعة شاشات الأسهم والبورصات العالمية؟؟ أيها المتقاعد إنها فرصة من عمرك ستسأل عنها يوم القيامة ؟ فالله الله أن تندم في الجواب عليها ؟؟
وبعد المتقاعد ننتقل بسرعة إلى المرأة ماذا قدمت لأبنائها ولزوجها ولجيرانها ولصديقاتها من خير وعلم ودعوة وتوجيه ؟؟
كيف استغلت مكانتها التي وهبها الله إياها في خدمت دينها.. لقد سخر الله لها الأب والابن و الزوج ..و أمرهم جميعا بالإحسان إليها ..ورعايتها والسعي على خدمتها ..
فهل استغلت هذه الفرصة .. وربت أبناءها على الإيمان وحثت زوجها على الالتزام بالدين ، وهل حرصت على نشر الخير ببين جيرانها وصديقاتها؟؟ أم أنها استغلت تلك المكانة في معصية الله تعالى ، فأمرت الرجال بإحضار المنكرات في البيت بحجج واهية ، وضيعت أبناءها وسهلت لهم فعل المنكرات ، و أكثرت من الخروج إلى الأسواق والمجمعات ومدن الملاهي وضياع الوقت والدين؟؟
أخواني في الله : أسئلة كثيرة جدا يصدمنا الجواب عليها ، إلا من رحم الله ..فاكثر الناس قد خسر في هذا الجانب ..فكان أبعد الناس عن الله وعن خدمة دينه نسأل الله السلامة والعافية من ذلك ..
اخوة الإيمان : فلنجلس مع أنفسنا ونحاسبها ، ولنحدد مدى خدمتنا لدين ربنا ، فان وجدنا خيرا فلنحمد الله ولنحرص على الزيادة ، وان وجدنا تقصيرا فلنحرص على تلافيه فيما بقي من أعمارنا..
الخطبة الثانية
الحمد الله فالقَ الإصباح ، وجاعلَ الليل سكنا .. خلق الخلق لعبادته ، وجعلها سبب لنجاتهم يوم القيامة..فقال في الحديث القدسي ( يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ )
واشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ..
أما بعد أيها المسلمون ..
ان الناظر إلى واقع البشرية ليجد العجب العجاب .. يجد أن أهل الإسلام والمنتسبين إليه ، مقصرين في خدمته والدعوة إليه ..بل وجد في زمنا الحاضر من يحارب الإسلام من أبناء المسلمين والمنتسبين إليه..
وفي المقابل نجد أن أهل الباطل يعملون ليل نهار على نشر باطلهم والدعوة إليه ، حتى لو أدى ذلك إلى بذل أموالهم وأوقاتهم بل وصل بهم الأمر إلى بذل أرواحهم كما تسمعون وتشاهدون ..وما لحروب التي تقوم أمريكا ومن حالفها إلا دليلا على ذلك ..
قد يظن البعض أن أمريكا صادقة في حربها على الإرهاب ، ولكن القرآن الكريم يبين حقيقة هذا الحرب ، وحقيقة تلك الهجمة على مدار التاريخ ..كما يبين حجم الدعم ألاَّ محدود للصد عن سبيل الله .. يقول تعالى { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }
ويقول تعالى { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ، وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ }
ويقول جل من قائل { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
وختاما إخوة الإيمان .. وتأكيدا للبذل اللآ محدود لنشر الباطل .. أذكر لكم هذه إحصائيات حول النصير ذكرتها مجلة البيان في عدد شهر جماد الأول 1421.. نقلا عن المجلة الدولية للبـحوث والآثار الأمريكية.. فكان مما ذكرت .
( أنه قد بلغ عدد المنظمات التنصيرية عام 1990 م 21,000 إحدى وعشرين ألف منظمة ..
وفي عام 996 م ارتفع عددها إلى 45000 خمس وأربعين منظمة عاملة بالتنصير..
أما عدد المنصرين داخل بلادهم فقد بلغ 000, 923, 3 ثلاثة ملاين وتسعمائة وعشرين ألف منصرا عام 1990 م وقد ارتفع عام 1996 إلى 4,635,500 أربعة ملايين وستمائة ألف وخمسة آلاف منصر ..
أما المنصرين خارج بلادهم فقد بلغ عدد عام 1990 م 250, 285 أكثر من مائتين وخمسة وثمانين ألف منصر.. أما عام 1996 فقد ارتفع العدد إلى 398000 ثلاث مائة وثمانية وتسعين ألف منصر ..
أما المجلات فقد بلغت عام 90م // 23.800 مجلة ودورية تنصيرية .. وارتفع العدد إلى 30100 ثلاثين ألف مجلة دورية ..
أما المحطات فقد بلغت عام 90 م 2160 ألفين ومائة وستين محطة للإذاعة والتلفزيون أما عام 96 فقد ارتفع العدد إلى 3200 ثلاثة آلاف ومأتي محطة ..
وأخيرا فقد رصد لخدمة التنصير 193 بليون دولار التبرع للكنيسة و 206 مليون جهاز كمبيوتر تعمل في خدمة التنصير.. وهناك إحصائيات أخرى رجع لها من أراد الاستزادة..
أخوة الإيمان نعود ونسأل أنفسنا : ماذا قدمنا للإسلام ؟؟ ماذا قدم لديننا ؟؟ ماذا قدمنا لأمتنا؟؟
أسال الله تعالى ان يوقظنا من غفلتنا.. وان يغفر زلتنا .. وان يعيننا على أنفسنا والشيطان ..
"