إن مما زاد القرآن جمالاً وإشراقاً، وفهماً واستيعاباً لكلماته ومراده: استخدام المثال وذلك لتقريب المعنى من الأذهان
ومن ثمار هذه الأمثال هداية كثير من الناس ولكن في المقابل ضلال الكثير
ولعل مغزى "تقريب المعنى من الأذهان" يعود إلى عادة العرب بضرب الأمثلة
يقولون:" أجرى من ذئب"، و "أشجع من أسد" و"أجبن من غراب" و "أحقد من جمل" و "أحمق من حمامة "
و مع كتاب الله النور المبين ومع صراطه المستقيم ومع الآيات المحكمات
نشد الرحال إلى معاني آية عظيمة من آيات كتاب الله
- مع أنه مهما رحلنا في المعاني فلن نوفي حق تفسير ولو النزر القليل منها -
إنها...
آية ضرب المثل بالبعوضة
قال جل وعلا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚفَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ﴾ البقرة/26
و السؤال الأول: ماهو سبب هذه الآية؟
لأكثر أهل العلم القول التالي:
لقد ضرب الله سبحانه وتعالى ما يقارب من البعوضة وما فوقها وما دونها أمثلة في القرآن
فذكر النحل وهي حشرة خلقها وفطرها وهداها سبحانه وتعالى وذكرها في كتابه
فقال: ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾ النحل/68
وهي آية من أكبر الآيات
وفي ذلك ينقل "سيد قطب" في "الظلال"
يقول: أعظم آية على أن هناك قدرة، هذه النحلة
قال من يدلها أن تقطع آلاف الأميال وتأتي إلى الجبال إلى خليتها، فلا تدخل خلية غير خليتها
أعندها دليل ؟
قال سيد قطب:" ما عندها دليل
ولكن عندها ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴾النحل/68
هنا...
قال الكفار: يأتي رب قدير، كبير، عظيم إلى رسوله فيتحدث عن النحل
النحل حشرة صغيرة
والعظماء، على زعمهم، لا يتحدثون في الحشرات
وذكر الله الذباب فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ الحج/73
هنا أيضا...
قال كفار مكة : "رب محمد يضرب مثلا بالذباب "
وذكر الله النمل، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ النمل/18
والنمل هنا، يقول بعض أهل اللغة نادت وأمرت وبينت واستثنت واعتذرت وختمت
فنادت فقالت: يا أيها النمل، وأمرت فقالت: أدخلوا، وبينت فقالت: ليحطمنكم سليمان وجنوده، واعتذرت فقالت: وهم لا يشعرون وبهذا ختمت
فسبحان الذي علمها وعلم سليمان منطقها
فلما كثر القيل والقال من كفار قريش...
رد الله سبحانه وتعالى على الكفار فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾
فهو يضرب الأمثال بالبعوض وما فوق البعوض وهو الذي خلقها وهو الذي سواها
وليس للمخلوق أن يقسم إلا بالخالق
وسنمر مرورا خفيفا على السؤال الثاني، فقط لتوضيح المعنى أكثر
السؤال الثاني: هل يطلق الحياء على الله عز وجل ؟
قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا)- حديث صحيح
سبحان الله
يستحي الله من العبد أن لا يلبي له طلبا
فالله إذن له حياء يليق بجلاله
وهي صفة لا نشبهها ولا نمثلها بصفات البشر.
والعبرة هنا ليس بإطلاق الصفة على الله فهي ثابتة
ولكن العبرة يوم يستحي الله من العبد ولا يستحي العبد من الله عز وجل.
وتعالوا نتعرف قليلا على هذه الحشرات التي تعجب الكفار أن يضرب الله بها مثلا في كتابه الكريم
بالنسبة للبعوضة
يؤكد العلماء أن هذه الحشرة لديها قدرات تتفوق على أعقد الأجهزة التي صنعها البشر!
فهي تطير وترفرف بجناحيها 500 رفة في الثانية الواحدة!
وفي عالم البعوض الأنثى هي الأقوى
وهي التي تقوم بمعظم المهام مثل تربية الصغار وتغذيتهم من خلال مص الدم من جسد الإنسان والحيوان! وللبعوضة قلب ودماغ وعيون معقدة ولديها خلايا عصبية لمعالجة المعلومات
وقد زودها الله بأجهزة معقدة تستطيع من خلالها معرفة نوع الدم الذي يناسبها
وبتقنيات معينة تستطيع التقاط غاز الكربون الذي يزفره الإنسان وتحلل كميته ومصدره
وتمييز رائحة الإنسان من مسافات طويلة!
ويعتقد بعض العلماء أن البعوض يعالج المعلومات بسرعة فائقة لا يمكن للطبيعة أن تكون هي التي طورت هذا الأسلوب الفائق لديها
ولا يزال العلماء يكشفون أسرارها
إنها معجزة تستحق أن نقف أمامها
وهل ندرك أهمية هذا المخلوق ومدى تعقيده؟
ألا يستحق أن يذكره الله في كتابه؟
لقد ذكرها الله في كتابه في زمن لم يكن أحد على وجه الأرض يعرف شيئاً عن عجائب البعوض
؛؛؛
أما النمل فقد كشفت الأبحاث الجديدة أنه يشبه البشر في كل شيء تقريباً
فالنمل لديه نظام خاص بالمرور
ولديه هندسة بناء رائعة
ولديه قدرة على الاعتناء بصغار النمل وتربيتهم وتعليمهم والحفاظ عليهم من المخاطر
وغير ذلك
والدراسات الجديدة تؤكد أن النمل لديها القدرة على الغش والخداع والمراوغة!!
وهناك بعض النملات يميلون للشر أكثر من الخير فتجد هذه النملة تعتدي على رفيقاتها وتنتزع منهم الطعام
ويقول الباحثون: إذا أردت أن تعرف النمل جيداً فإن مجتمع الإنسان هو خير نموذج لذلك
وهنا نتذكر قول الله تعالى عن هذه المخلوقات وغيرها وتأكيده لنا بأنها أمم أمثالنا
يقول تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُون﴾ النمل/ 38
ويقول العلماء إن النملة تستطيع أن تحمل ورقة تفوق وزنها بعشر أضعاف أو عشرين ضعفاً وربما أكثر حسب حجم النملة وقوتها،
وأثناء حمل الورقة تستخدم تقنيات هندسية لو أراد الإنسان حسابها أو تقليدها لاحتاج إلى مجلد ضخم من المعادلات الرياضية (معادلات التوازن)،
فسبحان الله، كيف تقوم نملة صغيرة بكل هذه الحسابات؟
وما القوة التي تستخدمها في ذلك
ومن الذي علمها هذه الحسابات
بل من الذي أعانها على حمل رزقها؟
أليس هو الله القائل: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم﴾العنكبوت/60
هذا الإله الكريم لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء
فهل يعجز عن رزق مخلوق ضعيف يقول: سبحان الله!!
؛؛؛
وهذه النحلة الصغيرة
تأملوا معي نتيجة الأبحاث
النحلة يحتوي رأسها على دماغ فيه عدة ملايين من الخلايا العصبية تعمل بكفاءة مذهلة،
يقول العلماء: من المستحيل أن يقوم دماغ هذه النحلة الصغير بكل الحسابات المعقدة التي تستخدمها أثناء صناعتها للعسل
ولذلك هناك سر غامض في عالم النحل
فالنحلة لا يمكنها أن تتعلم كل هذه التقنيات الهندسية المعقدة
وعلى ما يبدو أن في دماغها برنامجاً متطوراً يساعدها على أداء عملها
وهذا ما أكده القرآن عندما سمى هذا السر الذي يبحث عنه العلماء (الوحي)
يقول تعالى: ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ النحل/ 68-69
فسبحان الله!
؛؛؛
نأتي الآن إلى الذباب
لقد وجد العلماء أن تركيب الذباب معقد جداً
وهو يستخدم تقنيات معقدة في طيرانه وحياته
ولذلك فهم يعترفون اليوم أنه ليس باستطاعتهم تقليد الذباب في طيرانه المتطور على الرغم من التطور التكنولوجي المذهل
ويمكن أن نقول إن عدد الأبحاث التي ألفت حول الذباب يبلغ أكثر من عشرة آلاف بحث
ورغم ذلك يقول العلماء: إننا لا نزال نجهل الكثير عن هذا المخلوق العجيب
وهنا تتجلى أهمية قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز﴾ الحج/ 73-74
فهل نقدر الله حق قدره ونحن المؤمنون به؟
منقول للأماانه