قبل أن تقرأ الحدث أحضر مناديل الورق ،
وتهيأ للبكاء فقد حان وقت نزف العيون ،
هي فرصتك أن ترقق قلبك القاسي بقصة من أجمل القصص الواقعية لرجل صالح حبيب لطيف كأن الصباح يجري في قسمات وجهه وتمتمات لسانه ،
وأحسب أن السماء تستمطر بدعائه
– ولا أزكي على الله أحدا -
تربطني به أخوة وزمالة وصداقة ومحبة في الله ..
كتب بحثه التربوي في مرحلة الماجستير عن الابتلاء في القرآن الكريم ..
مر خلال سني عمره بابتلاءات يصعب على آحاد الناس تحملها ..
وكأن الله سبحانه قد أراد له الجمع بين التنظير والتطبيق في موضوع الابتلاء ..
كان من آخر ابتلاءاته الغريبة العجيبة ما ستقرأونه في هذه الأسطر التي كتبها بدموع أب محب والهٍ متيم كاد الحزن يفري فؤاده ..
لولا إيمانه العميق بأن العين تدمع والقلب يحزن ولا يقال إلا ما يرضى الله وأن الناس لفراق أحبابهم لمحزونون .
استأذنته أن أنقل لكم قصته فوافق ، بعد أن وعدته ألا اذكر اسمه ولا أعرض رسمه ..
ولعلها أن تكون ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
سأترككم مع قلبه يتحدث ،
ولكم في نهاية المطاف أن تحكموا على لغة القلوب إذا تحدثت ،
وتذكروا معنى قول الأول :
فقلت دعوا قلبي لما حل وارتضى ... فـ بالقلب لا بالعين يبصر ذو اللبِ
وما تبصر العينان في موطن الهوى ... ولا تسمع الأذنان إلا من القلبِ
إنها قصة الرحيل المفاجىء لتلك القطعة التي كانت تسكن من أحشائه في مكان القرارة ..
إنها فلذة كبده ومقلة عينه ومهجة فؤاده ولده البر العطوف الكريم ( سعد ) صاحب الاثنين وعشرين ربيعا .
فصول هذا الحدث كتبها ( أبو سعد ) بيده ،
وما أنا – أيها القراء الفضلاء –
إلا ناقل لما كتب ، فاستمعوا إليه يقول :
من أين أبتدىء الكلام مراكبي ... غرقي وقلب دليلها حيرانُ
قف يا زمان على مشارف صمتنا ... فالصمت في بعض الأمور بيانُ
بعد اثنين وعشرين عاما وشهرا واحدا وثلاثة وعشرين يوما ألقيتَ يا سعد عن كاهليك عصا الترحال !!
وإني لأحسب أنك – إن شاء الله –
قد استرحت ..
وأدعو الله لك بذلك وأنا موقن بالإجابة ، متمثلٌ قول الشاعر :
وإني لأدعو الله حتى كأنني ... أرى بجميل الظن ما الله صانع
سعد أيها الحبيب :
حنانيك حنانيك ، فقد كنت أختلس النظرات إليك كثيرا ،
فأرى على وجهك مسحة حزن لا تفارق محياك ،
كان يراودني شعور أب يؤكد لي أنك لن تعمر طويلا ،
مع أنك تتمتع بكامل صحتك وعافيتك ..
ما جعلني أترجم هذا الشعور في كثير من نصائحي وتوجيهاتي لك ، وأنا أُذكِّرك الله والدار الآخرة .
سعد يا شطر نفس أبيك : سبحان الله !!
قبل أن ترحل بشهر واحد كنت أتوجس خيفة ،
وأشعر أن شيئا ما يطويه عالم الغيب وفيه من تقلبات الدهر ما فيه !!
غير أني كنت أسلي النفس بكثير من الرجاء في رحمة أرحم الراحمين .
ورحلت يا سعد ..
رحلت في صمت عجيب ..
ونقل إلى خبر رحيلك بطريقة مفاجئة من غير تمهيد ولا مقدمات ..
والحمد لله الذي ألهمني مباشرة وبدون تردد ولا تلعثم أن أقول :
( إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها )
وربط على قلبي أرحم الراحمين .. ولا إله إلا الله يا سعد لو رأيت أباك ساعة استلامه لك من المستشفى وأنت جثة هامدة !
ثم صحبته لك إلى مغسلة الموتى !
ثم إلى الحرم المكي الشريف وأنت مسجى بالأكفان !!
لو رأيت ذلك يا سعد لرأيت أمرا عجبا .
صلينا عليك في صحن الكعبة بين الحجر الأسود
والركن اليماني ، في مكان قضيتُ فيه أنا وأنت ست سنوات
تقرأ علي ما حفظت من القرآن
وأنت طالب في مدرسة الشيخ ابن باز الابتدائية
لتحفيظ القرآن الكريم ..
وبحمد الله تعالى صلَّتْ عليك تلك الأمم
في الحرم المكي الشريف ،
وما إن انتهى الإمام من الصلاة حتى بادرتك أحملك على كتفي لمقبرة المعلاة وأنا أشعر ببعدك لحظة بعد لحظة !
وضعناك يا سعد على شفير القبر ، ثم صلت عليك
- في المقبرة -
قرابة ستة صفوف كان فيها من العلماء
والمشائخ من نحسبهم على خير عظيم ،
ومنهم إمام الحرم المكي الشريف أخونا الحبيب الشيخ ماهر المعيقلي حفظه الله ،
ثم وسدتك التراب يا سعد .. والعين تسبل ماءها المدرارا .
وليس الذي يجري من العين ماؤها ... ولكنها نفسٌ تسيل فتقطرُ
أهلْتُ عليك التراب يا سعد وأنت روحي ومهجة فؤادي ..
ولك أن تتخيل تلك اللحظة التي أغطيك بقطع الإسمنت واحدة بعد الأخرى ،
وجسدك الطاهر يختفي عني شيئا فشيئا ..
يااااه .. ما أشد تلك القطعة الإسمنتية الأخيرة
التي غيبتك عني غيابا لا لقاء بعده في الدنيا ..
وحين حال التراب بيني وبينك
وقف الجميع يسألون الله لك التثبيت عند السؤال !
ولا تسل عن أبيك في هذا المقام !
فقد رفع أكف الضراعة إلى الله ،
وهو فقير مكلوم محزون وأغمض عينيه
يدعو لك ويتوسل ويرجو ..
ويبدو أني نسيت نفسي
ونسيت من حولي حين طال بي المقام أدعو الله لك يا سعد !!
كان مما أذكره من ذلك الدعاء الطويل أنني كررت كثيرا هذه الدعوة :
( يا رب يا رب يا رب إن سعدا ضيفك هذه الليلة وأنت أكرم الأكرمين .. يا رباه أنت أرحم به منا جميعا .. يا رباه أكرم وفادته وآنس وحشته وارحم غربته .. يا رب وماذا تعادل ذنوب سعد في بحر جودك وكرمك ) .
أنهيت دعائي وفتحت عينيَّ فإذا أنا وحيد واقف على قبرك ،
وتلك الجموع في المقبرة قد اصطفت تنتظرني أنهي الدعاء لتعزيني ..
وكم شعرت بالخجل لأنني شققت على الناس وفيهم العالم والكبير والضعيف وذو الحاجة .
وأصدقك القول يا سعد أن أحاسيساً
ومشاعر ملتهبة لم تزل تخالجني بأنك - فعلا -
قد استرحت ،
وقدمت ضيفا على أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين .
حبيبي سعد .. هل تدري من الذي عزاني فيك يا روح أبيك ؟
لقد عزاني فيك خلق كثير منهم علماء ودعاة وعامة ومؤذنون وأئمة مساجد حتى من استراليا وبريطانيا وكندا ..
بل لقد اتصلت بي بنت من ( بلاد زهران )
في السنة الثانية أو الثالثة الابتدائية تدعو لك دعاءً لا أستطيع وصفه !!!
سبحان من ألهمها وعلمها ذاك الدعاء !!!
سبحانه وبحمده .
بل والله يا سعد لقد اتصل بي علماء ومشائخ ،
بعضهم لا أعلم أني قابلتهم أو اتصلت بهم من قبل ،
فلله الحمد والمنة وحده لا شريك له .
وبعد يا سعد : دعني أبوح للناس عنك بثلاث خصال
وأعلنها على الملأ علها أن تكون نورا لغيرك فيصلك ثوابها
وأنت ترقد في قبرك :
أولها : لقد كنتَ يا سعد كثير الصدقة ، عطوفا على الفقراء والمحتاجين ، بل لم يكن كل ما في يدك لك .
ثانيها : كنتَ خدوما خدوما خاصة لأخواتك الست !!
ولا إله إلا الله كم سيفقدنك يا سعد !!!
ثالثها : كنتُ كثيرا كثيرا كثيرا ما أسمع منك هذه الكلمة التي أظن أني لن أنساها لك أبدا لقد كنت تقول دوما
( أبشر يا بوي أبشر )
الله الله يا سعد كم كنتَ تسعدني بهذه الكلمة
كلما وجهتك أو أوصيتك أو ناديتك !!
وما يدريك يا سعد فلعلها أن تكون سببا في رجحان ميزانك .
سعد يا شطر نفس أبيك :
هل تذكر قبل شهرين ونصف تقريبا حين كنتَ تطوف
بين شركات السيارات والمعارض تبحث لي ولك
عن سيارتين نشتريهما ..
وأخيرا اخترت لي كامري ولك هوندا ..
وأذكر أني قلت لك عندما استلمنا السيارتين من الوكالة :
هيا يا سعد خلينا نشوف
من يحافظ على سيارته أكثر أنا أم أنت ؟ .
وها أنت يا سعد عندما أحسست بتعب مفاجىء لم تسبقه أمراض ولا علل قبل ظهر يوم السبت 14 / 4 / 1432هـ توقف سيارتك الهوندا على قارعة الطريق وتفرد كرسي سيارتك لترتاح !!
وتخرج جوالك وتضعه في يدك اليمنى !
وكأني بك كنتَ ستتصل بي أو بأمك !!!
لكن القدر فاجأك والجوال في يدك اليمنى .. لا إله إلا الله ..
يا ناس من كان يصدق أن شابا في الثانية والعشرين
من عمره صحيح سليم معافى يخرج جواله من جيبه
عندما شعر بتعب مفاجىء ليتصل بأبيه أو أمه
وهو يسير في الطريق فيخطفه الأجل قبل
أن يكمل الضغط على لوحة الأرقام !!!
وجاءتك سيارة الشرطة -
التي لفت نظرها وقوفك الغريب على طرف الطريق -
ووقف الضابط على منظرك وأنت ساكن النَفَس ،
شاخص العينين ، والجوال في يدك ..
في تلك اللحظة يا سعد كانت والدتك تتصل بك .. يا ألله !!!
أكثر من عشرين مرة دون انقطاع كانت والدتك تتصل بك والجوال في يدك اليمين ولم تجبها يا سعد على غير عادتك ..
ولك أن تتخيل قلقها وهي تكرر الاتصال ..
وقلبها يردد : اللهم اجعله خيرا ! سعد ما يرد !
يا رب سترك !!
اجعل الأمر خيرا يا رب ..
والعذر معك يا سعد أيها الولد البار الحبيب اللطيف
فقد كان جوالك في يد أسلمت روحها لبارئها
في ريعان شبابها على قارعة الطريق .
وإذا رحمت فأنت أمٌ أو أبٌ ... هذان في الدنيا هما الرحماء
يا فلذة كبدي وكبد أمك :
لقد كنت أتخيلك وأنت تمسك الجوال لتقول :
أبي .. أمي .. أنا بين العوالي والعزيزية تعالوني أنا تعبان !!!
فإذا بأرحم الراحمين يرسل لك من أراحك
- إن شاء الله - من فتن الدنيا التي عمت وطمت !
موقنا من سويداء قلبي أن ربك الكريم
أرحم بك من نفسك ومن أمك وأبيك .
ولذلك أعدك يا سعد أن أبيع سيارتي الكامري
وأبني لك بثمنها مسجدا ،
وأحتفظ لنفسي بسيارتك الهوندا التي قُبضت في داخلها
لأدعو لك كلما ركبتها ،
خاصة وأنها – بفضل الله ورحمته وكرمه ومنته -
ستنقلني دوما للصلوات في المسجد الحرام
وإلى كثير من الدروس والمحاضرات
وخطب الجمعة وصلة الرحم وغير ذلك من مواطن الخير ومظانه .
ولك أن تتخيل يا سعد مشاعر أب
يجلس على كرسي سيارة قبض عليه فلذة كبده ،
بل ولده الوحيد الذي طالما شنف مسامعه بـقوله :
( أبشر يا بوي ولا يهمك ) ..
ولك أن تتخيل مشاعر أمك
وهي تركب سيارة مات على كرسيها قطعة من أحشائها .
ثم إني لا أخفيك يا سعد يا شطر نفس أبيك بأنه قد
مر بأبيك طائف من الشيطان في أول يوم من أيام
وفاتك يذكرني بمرثية ابن الرومي
في واحد من أبنائه الذكور الخمسة ،
غير أنه كان أفضلهم وأعقلهم ..
وعندما مات قال في مرثيته :
توخى حِمام الموت أفضل صبيتي ... فلله كيف اختار واسطة العقدِ
ونزغ ذلك الطائف الشيطاني يقول لي :
يا أبا سعد :
عندك سبعة من الأولاد ،
ولدٌ ذَكَر هو سعد وستُ بنات !
وسعد هو الوحيد الذكر الذي مات !!!
لكن الله أعانني فقلت له :
( اخسأ عدو الله فلن تعدو قدرك )
فالأمر لله من قبل ومن بعد .. يأخذ سعدا .. يأخذا عائشة ..
يأخذ سارة .. يأخذ سندساً .. يأخذ سيرين .. يأخذ فاطمة ..
يأخذ سمية .. يأخذ أبا سعد .. يأخذ أم سعد ..
بل يأخذ الجميع ..
هو ربي له الأمر من قبل ومن بعد ،
يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، له الحمد وله الشكر وله الثناء الحسن ،
لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه سبحانه وبحمده .
نعم :
سبحان من لو سجدنا بالعيون له ... على شبا الشوك والمحمي من الإبر
لم نبلغ العُشر من معشار نعمته ... ولا العُشير ولا عشرا من العشر
وختاما يا سعد :
هذه نفثات أب كتبتها صبيحة اليوم الرابع من وفاتك
وكنت في طريق عودتي من الباحة لـ مكة
راكبا في سيارة أجره ،
وقد أهللت بـ عمرة ذات طعم خاص
( لبيك عمرة عن ولدي سعد
فارحمه يا رب رحمة واسعة آآآآآمين ) .
وبعد :
يا رب قد غفرت لمن قتل مائة نفس بغير حق !
وأدخلت الجنة بغيَّا سقت كلبا جرعة ماء !
وأوجبت الجنة لرجل أزاح غصن شوك عن طريق الناس .
فيا رب أنا لا أدعي أن سعدا كان كثير صلاة أو صيام ..
لا والله ،
لكن سعدا رحل في ربيع العمر وسن الزهور ،
وهذا السن مظنة الزلل ،
لكن ما عساه أن يكون زلل سعد في بحر جودك ورحمتك وعفوك وعافيتك !!!
بل يا رب يا رب يا رب إني أرجوك أرجوك أرجوك وأتوسل إليك وأنا عُبيدك الفقير المسكين المعوز المحتاج ..
والله ما معي شيء !
وما عندي شيء !
وليس لي شيء أتوسل به إليك إلا أني أشهد أنه لا إله إلا أنت ولا رب سواك ،
وأن محمدا عبدك ورسولك صل الله وسلم عليه دائما وأبدا فأنزل سعدا يا رب منازل الشهداء الأبرار !
فأنت تعلم يا رب ولا يخفى عليك خافية
أن سعدا استأذنني في الجهاد مرتين أو ثلاثا ،
ولم آذن له ،
وعندما ناقشني أجبته قائلا :
والله يا ولدي لو أعلم أرضا فيها راية جهاد لا دخن فيها
ولا غبار عليها لأذنت لك ،
بل ربما سبقتك إلى هناك !!
ولذلك يا رب سألتك أن تنزل سعدا منازل الشهداء
مستأنسا بما صح عند مسلم عن حبيبنا
صلى الله عليه وسلم
( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء
ولو مات على فراشه ) .
يا رب إنك قد تفضلت علي وعلى ولدي سعد
قبل عدة سنوات
وجمعتنا في داخل الكعبة المشرفة
فاجمعني به في فردوسك الأعلى من الجنة
اجتماعا لا فراق بعده .
آآآمين آآآمين لا آآآمين واحدة ...
آآآمين آآآمين فوق الألف مليارا
وإن لي عظيم رجاء فيك يا أكرم الأكرمين
أن تجعل في وفاة سعد
ورحيله الصامت هذا حياة لأبيه وأمه وأخواته
وجميع أقاربه بل ولكثير من الناس .
سبحان الله !
إن كنت يا سعد قد رحلت صامتا
فإن صمت رحيلك أبلغ من آلاف الخطب والدروس والمحاضرات !!!
سعد يا شطر نفس أبيك :
( إني مؤمن إيمانا جازما لا يخالطه شك بأن رحيلك في ربيع العمر 22 سنة )
لهو عمرك الذي كتبه الله لك
وقدره قبل أن يخلق السموات والأرض
بخمسين ألف سنة وما نقص منه ثانية واحدة أبدا )
فالحمد لله يا سعد ثم الحمد لله ثم الحمد لله
أنك بالذات في آخر ثلاثة أشهر من حياتك قد رتبت أوراقك كثيرا ،
وأرضيتني أنا وأمك ،
بل وأرضيت جميع محبيك عنك !
فهيا يا سعد يا شطر نفس أبيك دعك من دراستك لهندسة الإلكترونيات وأعطني رأسك أقبله عن بعد ..
واسمع يا سعد ..
اسمع جيدا :
إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي ... مواطن الخلد نلقاكم ويكفينا
يا رب .. يا ألله .. يا قادر .. يا مقتدر .. يا قدير ..
إنك إذا استودعت شيئا حفظته ،
وأنت خير حافظا وأنت أرحم الراحمين ..
فيا رب إني أستودعتك سعدا فاحفظه بحفظك واكلأه بعنايتك .. آآآمين .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد إلا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .. وهذه صلوات ربي وسلامه على نبينا محمد وآله أجمعين والحمد لله رب العالمين .
محبك يا سعد :
والدك الصابر المحتسب إن شاء الله تعالى .
أيها العزيز القارىء :
كذا فليجلّ الخَطْب وليفدح الأمرُ ... فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذرُ
لقد حط في مستنقع الموت رجله ... وقال لها من تحت أخمصك الحشرُ
فتًى كان عذب الروح لا عن غضاضةٍ ... ولكنَّ كِبراً أن يكون له كبرُ
كذلك ما ننفك نفقد هالكاً ... يشاركنا في فقده البدو والحضرُ
سقى الغيث سعْداً وارت الأرض شخصه ... وإن لم يكن فيها سحابٌ ولا قطرُ
وكيف احتمالي للسحاب صنيعةً ... بإسقائها قبراً وفي لحده البحرُ
ثوى في الثرى من كان يحيا به الثرى ... ويغمر صرف الدهر نائلَهُ الغمرُ
عليك سلام الله وقْفاً فإنني ... رأيت الكريم الحر ليس له عمرُ
ومضه :
في ثنايا هذه القصة
من العبر ما يحيي القلوب بعد موتها ..
ويجلو الغشاوة التي لحقت بأبصار أهلها ..
فيار رب .. يا رب .. يا رب :
اللهم إن سعدا قد وعظنا بعد موته موعظة بليغة ،
وجلت منها القلوب ،
وذرفت منها العيون ..
اللهم فأعطه من النعيم المقيم ما يليق
بكرمك يا أكرم الأكرمين ..
اللهم اجعل عِوَضه على أهله
ومحبيه صلاحاً في نياتهم وذرياتهم ..
اللهم اجبر مصاب أبيه وأمه وأخواته وسائر محبيه ،
واجمعهم به في أعالي جنانك يا رب العالمين .