التفائل في القرآن الكريم..
التفاؤل في القرآن الكريم
د. محمد بن عبد العزيز الخضيري الأستاذ المساعد في جامعة الملك سعود
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد. كتاب الله عز وجل هو كتاب التفاؤل والحيوية والإيجابية وهو الذي يبعث الناس على العمل وأن ينظروا للحياة نظرة رائعة وعلى أن يغزوا كل ميدان يطلبون فيه رضى الرحمن. أنت تجد التفاؤل في كتاب الله من أول لحظة تقرأ فيها كلام الله عز وجل. أول آية في القرآن (بسم الله الرحمن الرحيم) يعني استعانة بالله والاستعانة بالله هي عنوان التفاؤل فأنا بعون الله استطيعأن أرد كل ميدان وأن افعل كل شيء يرضي الله عز وجل ويكون متسقًا مع شرعه.
أول كلمة في سورة الفاتحة (الحمد لله) كلام في غاية الروعة والجمال! الحمد لله على نعمه! أتذكر نعم الله علي في سمعي وفي بصري، أتذكر نعم الله علي في عقلي وفي فكري، أتذكر نعم الله علي في مجتمعي وأسرتي، أتذكر نعم الله علي في ديني، أتذكر نعم الله عليّ في أصل خلقتي، أتذكر نعم الله عليّ في هذا الهواء وهذا الماء وهذه السماء وهذه الأرض فأقول الحمد لله. لما تنظر إلى الحياة بعين (الحمد لله) ستجد أن الحياة حلوة. القرآن كله يدعو الناس إلى العمل، يأتي بهم إلى هذه المائدة العظيمة ليقول لهم انطلقوا في حياتكم باعتبار هذه المائدة وقود لكم. لما تنظر إلى أول آية في سورة البقرة (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى) الهداية تفاؤل عندما تعلم أن هذا القرآن سيهديك للتي هي أقوم ويدلك على كل خير ستعلم أنك أمام كتاب يدفعك إلى العمل والنشاط والنظرة الإيجابية وأن تبتعد عن السوداوية في لحياة وتبتعد عن كل ما يعيقك عن العمل والتقديم والإثمار والنفع العام والإبداع، كل ذلك موجود في كتاب الله عز وجل، إقرأ قصص الأنبياء لما نرى أن نوحًا عيه السلام بقي في قومه 950 عامًا (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (14) العنكبوت) وهو يدعو دعاهم ليلا ونهارا سرا وجهارا هذا ألا يبعث التفاؤل في نفوسنا؟! هذا النبي العظيم يبقى هذه المدة الطويلة وهو في اتجاه معين يبين للناس شيئًا واحدًا وهو توحيد الله سبحانه وتعالى لا يمل ولا يكل ويعمل بكل ما هو متاح له بكل طريق بكل أسلوب من أجل أن يحقق هدفه وهذا مثال لكل داعية. إبراهيم عليه السلام وهو يدعو اباه أو يدعو قومه تجده يستعمل أساليب متنوعة لا يمل لا يكل لا يتوقف لا يتردد لا يقول أنا يئست ولذلك الرب عز وجل قال لنبيه محمد افضل الصلوات عليه عندما بدأ الياس يداعب قلبه (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ (35) الأحقاف) إصبر كصبر أولئك الذين كانوا أهل عزائم قوية وأهل إرادات تهد الجبال. وليس هناك تناقض بين الصبر والتفاؤل بل التفاؤل ركنه الركين هو الصبر أنك تتفاءل بأن الأمور ستكون طيبة وأنك ستجد نتائج إيجابية وأنك ستحقق ما تريد وبكن يجب أن يكون متكأك وعمادك هو الصبر.
قال تعالى (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) البقرة) قبلها قال تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ (155) البقرة) هذا وعد من الله سبحانه وتعالى كتبه على كل عباده وأنه سيكون لكل عبد نصيب منه حتى نبينا محمد افضل الصلوات عليه كتب عليه نصيبه من البلاء في الزوجة والولد وفي النفس والبلد حتى أنه اضطر إلى الهجرة من بلد كان يحبه عليه الصلاة والسلام وهذا من البلاء الذي كتبه الله على العباد كلهم. هذا يُذكَر في القرآن ليقال أن ما يصيبك من نصب وعوائق ومكدرات وتعب شيء طبيعي قد كتبه الله على كل العباد لا تظن أنك أنت الوحيد عندما تتكدر عليك الأمور أو تقف في وجهك العوائق أنك أنت الوحيد في هذا الميدان. بل كل الناس كذلك لكن المؤمن يمضي واعلم أن هذا قد كتب من عند الله عز وجل ولا بد لك من الصبر. وأذكر في هذا الباب قصة جميلة إمرأة حصل بينها وبين زوجها كلام وخلاف فضربها زوجها فخرجت من عنده تريد أن تذهب إلى بيت أهلها مما أصابها من الضيم والظلم فمرت بالمسجد وإذا بالإمام يقرأ (لا اقسم بهذا البلد كبد) لما سمعت هذه الاية قالت سبحان الله! (لقد خلقنا الإنسان في كبد) يعني الإنسان سيعيش كبدًا سيعيش مشقة وتعبًا! إذن لا بد لي من الصبر، كبدي مع زوجي وأولادي خير لي من كبدي مع والدي وزوجة والدي، ليس هناك حياة ليس فيها كدر وعلى الإنسان أن يكافح ويجاهد وأن يتقدم ولا يتأخر وأن يبدع وأن لا يتأثر بما يصيبه من أكدار الحياة وأنصابها فرجعت ودخلت بيتها وجاءت إلى فراش زوجها فاستغرب وقال ما الذي ردّك؟ قالت والله ما ردني والدي ولا زوجة والدي ولكن ردني القرآن سمعت الله يقسم ويقول (لقد خلقنا الإنسان في كبد) فعلمت أنه عليّ كبد ولا بد أن أكافح وأن أصبر وأصابر وارابط وأعلم أن العاقبة للمتقين، (لقد خلقنا الإنسان في كبد) فردّني القرآن.
نعود للآية الأولى (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) قالها بعد الآية (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ) بشّر الآن تساق البشارة لأولئك الذين سيصابون بالبلاء ما قال يا أيها الناس إصبروا حتى تلقوا الله، لا، هي بشارات تساق لهؤلاء الذين يصابون بالأتعاب والأنكاد والأنصاب أنكم على بشارة من الله (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) يسلون أنفسهم بكلمتين عظيمتين وأعلم أن كثيرًا من الناس ينطقون بهاتين الكلمتين عند المصيبة ولا يدركون ما فيهما من معنى عظيم لو أدركوه لذهب عنهم كل كدر المصيبة. علينا أن نتأمل هذه الكلمات ونستشعر ما فيها من معاني (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) (إنا لله) أنا ملك لله يتصرف الله تعالى بي كما يريد أنا لا أدبر أمري بل أمري مدبر من قبل الله سبحانه وتعالى وهذا الذي وقع علي ما وقع باختياري وإنما هو بقدر الله عليّ ولله أن يفعل بي وبسائر الخلق ما شاء. نحن ملك لله نحن لا يحق لنا أن نعترض على الله فيما يريده في ملكه. الثانية (وإنا إليه راجعون) يعني نحن جميعًأ سنرجع إلى الله، يعني هذا الذي مات بالأمس أو هذا القريب الذي ذهب منك أو هذا المال الذي سرق منك رجعل إلى الله وأنت سترجع إلى الله إذن هذه الدنيا ممر والجميع سيرجع إلى الله فأنت لماذا تتألم؟! الآن إذا قيل لك تبكي على والدك؟ على أمك التي ماتت؟ أنت سترجع إليها وتجتمع بها وتلتقي بها بعد أيام، تقول إذن كان الأمر كذلك سأصبر. فلا ينبغي إذن أن تكون هذه المصيبة التي وقعت بي سببًا في أن يكدر عليّ أو يوقف الحياة أو يجعل الحياة سوداء بالنسبة لي! لا، أمضي وأفعل ما أمرني الله عز وجل به واقدم وأجاهد وأكافح والله عز وجل في أواخر سورة آل عمران بعد الآيات التي ذكرت غزوة أحد وما فيها من الآلآم والمشقة على رسول الله حتى قال الله (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ (165) آل عمران) قال الله تعالى في آخر السورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) آل عمران) يأمرنا بأن نصبر لأن الحياة لا بد أن تكون كذلك وأن نعلم أن صبرنا هذا سيؤدي إلى نتيجة (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ (29) الأنفال).
كيف يستشعر الإنسان أن مع العسر يسرًا؟ وإن الله مع المؤمنين؟
ما وقع الإنسان في مصيبة إلا بسبب تركه أمرًا من أوامر الله. مهما حاولت أن تبحث عن سبب لما يقع فيه الإنسان من مصائب ومشاكل إلا وهي ترك أمر الله عز وجل فالناس لما تركوا أمر الله بتدبر كتاب الله لم ينتفعوا كثيرًا بهذا الكتاب العظيم الذي هو كتاب التفاؤل والإيجابية وكتاب العمل والجد والنشاط والحياة الحلوة. أنت عندما تقرأ القرآن بتدبر تجد أن القرآن كله خير وبركة تجد أنه يفتح لك أبواب الأمل. يوسف عليه الصلاة والسلام انظر في قصته، هذه قصة كل من أصيب، حتى السلف كانوا يقولون يجب أن يوصى كل من أصيب بمصيبة أن يقرأ سورة يوسف حتى ينفتح باب الأمل. هذا الولد الذي اعتدي عليه وهو صغير طفل فيغيب في بئر مظلمة ويذهب إخوانه ثم لما يأخذه السيّارة يبيعونه على أنه عبد رقيق ثم يبقى في العبودية ثم يضطهد من زوجة الذي اشتراه وهو عزيز مصر ثم يتهم بأنه يريد فعل الفاحشة بها وأنه يخطط لذلك (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) يوسف). يوسف اتهم بتهمة كان بريئا منها وأودع في السجن ظلما وعدوانا لما دخل السجن ما قال أنا كتب علي أن أكون مظلوما ومحروما ويجب عليّ أن أبقى كئيبًا، لا، صار يعمل في السجن ويسلي السجناء ويحسن إليهم ويتصدق عليهم ويخفف عليهم وطأة السجن ولذلك (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) يوسف) يعني يوسف مظلوم ومسجون ومتهم واسترقّ وبيع ظلما وعدونا وأخذ من ابويه وحرم من الحياة معهم ومع هذا يقال له (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)، يوسف ما قال لهم ابتعدوا عني أنا مشغول بآلآمي وهمومي ومصائبي؟! لا، وإنما بدأ يدعوهما إلى الله عز وجل(قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)) (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (40)) يوسف بدأ يدعو هؤلاء القوم ويذكرهم بالله عز وجل لكنه لم ينس مصيبته وقضيته والتذكير بها (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ (42)) يعني قضيتي باقية، يعني يوسف مع أنه يشعر أن هناك ظلم وأنه يتمنى أن يخرج مما هو فيه إلا أنه لم يترك عمله بل قدم العمل الأساسي والإيجابية في الحياة على أصل القضية التي أودع من أجلها السجن، يعلم أن هذا قدر من الله سبحانه وتعالى وأنه سينجو متى كتب الله تعالى له أن ينجو. خرج يوسف عليه الصلاة والسلام من السجن وهذه أكبر عبرة لأولئك الذين يكتئبون في الحياة نقول لهم انظروا إلى يوسف عليه السلام خرج من السجن إلى عرش الملك، الملك يصطفيه ويقول له ماذا تريد؟ (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ (54)) قال يوسف (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)) ثم يبدأ مسلسل النتائج ما يشعر إلا إخوته يأتون إليه ويدخلون عليه (وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58)) والفترة طويلة جدًا، الفترة ما بين فقده إلى اليوم طويلة لذلك إخوته ما كان عندهم شك أن هذا الرجل لا يمكن أن يكون يوسف ولذلك عرفهم وهم له منكرون. من يقول أنه يتنكر بقناع أو غيره فهذا غير صحيح لأنه لو تنكر بقناع لكانوا معورين لكنهم كانوا له منكرون، من هذا؟! لا يمكن أن يكزون هذا يوسف عليه الصلاة والسلام. ثم يأتي مسلسل الفرج. تأتي قضية أخرى تشعرنا أن يعقوب عليه السلام قد ربّى في يوسف هذا الأمل لما جاؤوا إليه وقالوا إن أخاه أيضاً قد أخذ معه وأن أخاه الأكبر قد بقي في مصر (ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيْرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)) قال يعقوب عليه السلام (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ (83)) يا الله! هذه الكلمة الجميلة التي قالها يعقوب عليه السلام في هذا الموقف! (عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا) غاية الأمل وعدم الياس من روح الله سبحانه وتعالى. (عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) الآن إذا كنت تريد أن يأتي هذا الإبن الأصغر بنامين والأخ الأكبر فهذا معقول لأنهما موجودان في مصر معروفة قضيتهم لأنهم احتبسوا لأمر معين لكن أين يوسف؟! يوسف ذهب في الدهر الأول منذ أربعين سنة فهو في عداد الموتى وليس في عداد المفقودين! ولكن يعقوب عليه السلام يقول (عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ثم يقول بعد ذلك (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)) دعاهم إلى العمل ثم يأتي بقاعدة قرآنية عجيبة وهي أن الإنسان لا يياس من فرج الله ولا من روحه (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) كيف؟! الآن الإخوة يذهبون ليأتوا بالأخ الأصغر بنيامين والأخ الأكبر لكن يوسف أين هو؟! يعقوب يفكر في أمر بعيد لكن لم ييأس من روح الله يعطينا ويعطي كل واحد الأمل الكبير في أنه مهما كثرت المصائب ومهما عظم الخطب فإنه لا يأس من روح الله. والواقع يدل على ذلك ففي العصر الحديث نلسون مانديلا بقي في السجن سبع وعشرين سنة مسجونًا لأنه كان معارضًا للحكومة في جنوب إفريقيا وبعد سبع وعشرين سنة يخرج من أقبية السجون إلى عرش الرئاسة ويكون ريئسًا لدولة جنوب إفريقيا ويكون محبوبًا من الشعب ويكون رمزًا للصبر والمثابرة والأمل وكان في السجن يكتب ويحرر الأوراق ويدعو المناضلين من أمثاله للمصابرة وكان هناك مفازة بعيدة أمام تغير الوضع ولكن أراد الله تبارك وتعالى ذلك، هذا مع كافر! فكيف مع مسلم؟ كيف إذا كان يقرأ القرآن؟ كيف إذا كان يسمع قصص الأنبياء؟ كيف إذا كان يقتدي برسول الله اقضل الصلوات عليه الذي لما كان في الغار والمشركون حول الغار جالسون ينظرون ويتحدثون وأبو بكر يسمعهم ويقول يا رسول الله القوم وصلوا إلينا فيقول له النبي افضل الصلوات عليه مسليًا ومصبّرًا ومؤمِّنًا ومرجيًّا "ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟" (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا (40) التوبة) ما دام الله معنا فلن يضيرنا شيء ولن يكون إلا ما قدّر الله عز وجل وقضاه فأبشِر وانتظر الفرج من عند الله سبحانه وتعالى.
النتائج في قصة يوسف كثيرة لما دخلوا على أخيهم يوسف قالوا (فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)) هنا أراد يوسف عليه السلام أن يكشف الحقيقة ويبين لهم (قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ونحن نقول لكل مبتلى ولكل إنسان ولكل من يدخل في ال) هذه قاعدة قرآنية (إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ حياة إتق الله واصبر.
في سورة آل عمران آية قال الله عز وجل (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186)).
الناس أصبحوا الآن في قضية يأس مما يدور بالمسلمين من قتل وتشريد وتدمير والإنسان أصبح في مرحلة من الياس والإحباط هل نجد في كتاب الله عز وجل ما يبعث الأمل في النفوس لكي يتعزز التفاؤل في أنفسنا ونكون مساهمين في رقي هذه الأمة وإعادة هيبتها؟ لو نقرأ في سورة الشرح (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴿1﴾ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ﴿2﴾ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ﴿3﴾ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴿4﴾ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿5﴾ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿6﴾) جاءت هذه الآية أولًا أكدت بـ (إنّ) للدلالة على أن هذا حق واجب وأن الله عز وجل قد وعد به عباده بأن أي عسر سيكون معه يسر. وثانيًا أن الله عز وجل كرر هذا المعنى مرتين حتى يتأكد كل إنسان أن كل عسر نزل به وضر حل به أن الله سبحانه وتعالى سيجعل معه يسرًا وليس بعده، اليسر ينزل معه. والعلماء قالوا لن يغلب عسر يسرين، العسر المذكور في الآيتين هو في الحقيقة واحد لأنه جاء معرفة واليسر المذكور في الآيتين هو يسران وليس واحدًأ لأنه جاء نكرة. وأوضح هذا الأمر لو قلت لأحد جاء رجل ودخل رجل وجلس رجل وسلمت على رجل، كم هؤلاء؟ أربعة. لكن لما أقول جاء الرجل ودخل الرجل وسلّمت على الرجل فهم واحد لأنه جاء معرفة والأول نكرة. فجاءت العسر في الآيتين معرفة لما تعددت صارت شيئًا واحدًا وجاء اليسر في الآيتين مرتين فلما تعدد صار معددًا. قال العلماء لن يغلب عسٌر يُسرين فالله وعدنا أن يكون مع العسر يسرين وليس يسرًا واحدًا والدليل على ذلك عندما يصاب الإنسان بحادث يجد سبحان الله اليُسر من الله تعالى واضحًا أمامه أول شيء أنك ما تحس بشيء من آلآمك، عندما يصاب الإنسان بحادث يخرج من دون أن يشعر بشي وهذا من يسر الله له، لو كان يشعر بالآلآم من تلك اللحظة كان يزعج نفسه ويزعج الآخرين بحيث لا يستطيع أحد أن ينقذه. ولكنه سبحان الله يقف مصدر الألم عنده حتى يصل إلى المستشفى. ثم انظر إلى نفسك ما تفكر في عسر نزل بك إلا وتجد أن الله تعالى جعل فيه يسرًا ثم يسر فإذا أصابك كسر في رجلك تقول الحمد لله أنه لم يكن في الرجلين ولا في اليدين ولا في العينين ولا في القلب فالحمد لله فيخف عليك الألم الذي أنت فيه لذلك يقول النبي افضل الصلوات عليه "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم". من أراد ألا يزدري نعمة الله عليه وأن ينبعث الأمل في نفسه لا تنظر إلى من هو فوقك في الرزق والمال والصحة والأمن والولد والأهل والوطن لا تنظر إلى من هو فوقك لأن هذا يبعثك على الإحباط والتسخط لقضاء الله وقدره وإنما انظر إلى من هو أقل منك ستجد أنك مسرور وفرحن الحمد لله أنا في خير وعافية! وما عندي إلا أن عساي أن أشكر الله عز وجل. إفترض أن راتبك ألفين ريال تقول انا راتبي قليل كيف سأصنع في هذه الحياة؟! وماذا ستصنع لي هذه الألفين ريال.! أُنظر إلى هذا العامل الذي يشتغل من بعد صلاة الفجر إلى بعد صلاة العصر بثلاثمائة ريال! ماذا يأكل؟! ماذا يبقي لأهله؟! ماذا يدّخر؟! أنت راتبك ضعف راتبه ثمان أو تسع مرات! إحمد الله على ما أنت فيه من النعمة وقل الحمد لله أنا في خير لكن لو قلت أخي راتبه عشرون ألفًا وأنا ألفين معنى هذا ستبقى تعيسًا طول حياتك!. "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم".
أنا متفائل ولله الحمد والمنة وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم علي نعمته ولا أنكر أنه قد يأتيني أحيانًا من نزغ الشيطان ما يضيق صدري ولكن الإنسان يذكر الله فيطمئن قلبه ويتذكر نعمة الله فيتفاءل ويشعر أنه مقبلٌ على خير ويحمد الله ويحسن الظنّ بالله. قال افضل الصلوات عليه في الحديث القدسي: أنا عند حسن ظن عبدي بي، يعني كما تحسن الظن بالله يكون الله معك على ما أحسنت الظن به، إذا ظننت أن الله ينصرك ويوفقك وييسر أمورك ويعطيك فعل الله بك ذلك، وإن ظننت أن الله سيحرمك وأن الله سيقدّر عليك المكاره والمصائب والآلآم والمشاق فإنك ستنتظر منه ذلك
جزاكم الله خيراااا
|