الحمد لله وحْده، والصَّلاة والسَّلام على مَن لا نبي بعده، نبينا محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلى آله وصحْبه أجمعين.
أمَّا بعدُ:
فهذه وَقفات وإشارات في بيان موقف الشِّيعة الإمامية الاثني عشرية من القرآن الكريم وتفسيره، وكيف يتَعاملون مع القرآن وَفْق معتقَدِهم ومذهبهم، ذلك المذهب الذي حَلَّ به أنواعٌ من الفساد والانْحراف عن جادَّة الإسلام، والتفسير الصحيح الواضح لآيات القرآن، وذلك من خلال المحاور التالية:
أوَّلاً: الشِّيعة "الاثنا عشرية" وموقفهم من القرآن[1]:
لا يزال الحديث عن فِرَق الشِّيعة ومذاهبهم ومعتقداتهم يحتاج إلى المزيد من البيان والإيضاح، وإظهار حقيقتهم؛ ذلك لِمَا حلَّ بالعالَم الإسلامي من مِحَن ونكبات، ولِمَا تتَّجه إليه بعضُ فِرَق الشيعة وفي مقدِّمتهم الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، من قيادة عالَمية جديدة لتشييع العالَم الإسلامي على وجْه أخص، وما ثورة الخميني الخمسينية "ولاية الفقيه"، و"الطعن في الصَّحابة" منَّا ببعيد، ولستُ بصَدَد الكلام عنها.
وبالنَّظر التاريخي إلى فِرَق الشيعة، نجد أنَّ كثيرًا من فِرَق الشيعة تختلف مع بعضها في أصولها وفي فروعها اختلافًا قويًّا أحيانًا، ونسبيًّا أحيانًا أخرى؛ حيثُ إنَّ أصول الشيعة تَعُود إلى أربع فرق رئيسيَّة، وهي: السَّبَئية، والكيسانية، والزَّيدية، والرَّافضة، ثم تفرَّعت من كل فرقة فرقٌ أخرى، وتشعَّبت[2].
وحَسْبنا أنْ نبيِّن موقف الشِّيعة الإمامية الاثْنَي عشرية من القرآن وقولهم فيه، ومعتقَدهم الذي يسيرون عليه؛ حيث إنَّ القول الظاهر من كتب أئمَّتهم وأقوالهم هو القول بتحريف القرآن، ووقوع ذلك فيه، وتحريف تفسيره أيضًا.
والكلام هنا ليس من باب الدَّعاوى الفارغة من أدلَّتها، ولا من باب التقوُّل بغير علْم، كلاَّ، إنَّما هذا بيِّن واضح لكلِّ ذي نظَر وبصيرة، وفَهْم واسْتقراء، وحسْبك أن تقفَ على كتب التَّفسير التي مُلِئت من هذا الهُرَاء، حيث يَجعلون التحريف إمَّا في نصِّ القرآن بالزيادة والنُّقصان، وإمَّا بتحريف تفْسيره وتأويله عن مُرَاده الحقِّ.
ولا ريب أنَّ القول بتحريف القرآن وتبديله إنَّما نشَأ لدَيْهم من سلسلة أخطاء وفوادِح، تناقلوها عبْرَ السنين والأيَّام، حتَّى استقرَّت معهودةً لِمَا هي عليه اليوم؛ لأنَّ القول بالولاية والإمامة لعليٍّ - رضي الله عنه - ثُمَّ للأئمة التابعين، جعَل الشِّيعة يَطْعنون في الصحابة - رضي الله عنهم - ويخلعون عليهم من ثياب الطَّعن والسِّباب ما طفَحَت به كتبهم وأقوالهم؛ لأنَّهم جعَلوا الإمامة والخلافة من أصول الإسلام وقواعده، وذلك بما تعارفوا عليه هم من أصولٍ وقواعد، فلا بُدَّ من النص عليها وبيانِها للنَّاس بزعْمهم، وهذا من الافْتراء على الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم[3].
ثانيًا: أقوالهم في القرآن والقول بالتَّحريف:
ويُمكِنُنا هنا أن نَعْرِض بعضًا من الأقوال والنُّقول التي تَذْكر لنا أنَّ غُلاة الشِّيعة - وخاصَّة الاثني عشرية منهم - يقولون بوقوع التَّحريف في القرآن وتفسيره، فمِن ذلك ما يلي:
(أ) قالوا بأنَّ القرآن له ظاهِرٌ وباطن:
"أي: إنَّ للقرآن مرَاتِبَ من المعاني المُرَادة بحسب مراتب أهله، ومقَاماتِهم، وأنَّ الظَّهر والبطْن أمْران نِسْبيَّان، فكلُّ ظهْر بطْنٌ بالنسبة إلى ظهْره، وبالعكس"[4].
(ب) واتَّهموا القرآن نفْسَه بأنَّه كتاب وقَع فيه التحريف، وليس هو كتابَ الله الصحيح: فقالوا: "إنَّ القرآن الذي جمَعه عليٌّ - عليه السلام - وتوارَثَه الأئمَّة من بَعْده، هو القرآن الصحيح، الذي لَم يتطرَّق إليه تحْريف ولا تبديل، أمَّا ما عدَاه فمُحَرَّف ومبدَّل، حُذِف منه كلُّ ما ورد صريحًا في فضائل آل البيت، يَروي الكافي عن الصَّادق: أنَّ القرآن الذي نَزَل به جبريلُ على محمَّد سبعَةَ عشر ألْف آية، والَّتي بأيْدينا منْها ستَّة آلاف ومائتان وثلاث وسِتُّون آيةً، والبواقي مَخْزونة عند أهْل البيت فيما جمَعه عليٌّ"[5].
(ج) ويقول نعمة الله الجزَائري: "إنَّنا لا نَجتمع معهم - يقصد أهل السنَّة - على إلهٍ ولا على نبيٍّ ولا على إمام؛ وذلك أنَّهم يقولون: إنَّ ربَّهم هو الَّذي كان محمَّدٌ نبيَّه، وخليفتُه من بعده أبو بكر، ونحن نقول: إنَّ الربَّ الَّذي خلق خليفةَ نبيِّه أبا بكرٍ ليس ربَّنا، ولا ذلك النبيُّ نبينا"[6].
(د) وكذلك جاء في "الكافي" عن جعفر بن محمد الصَّادق قولُه: "عندنا مصحف فاطمة - عليها السَّلام - وما يُدْريهم ما مُصْحف فاطمة؟! مصْحفٌ فيه مِثْل قرآنِكم هذا ثلاثَ مرَّات، واللهِ ما فيه من قرآنِكم حرْفٌ واحد"[7].
(هـ) ويقول محمَّد باقر المجلسي: "إنَّ كثيرًا من الأخبار صريحةٌ في نقْص القرآن وتغْييره، ومتواتِرَةُ المعْنَى"[8].
(و) وقال نعمة الله الجزائري: "الأخْبار مسْتفيضة بل مُتواتِرة، وتَدلُّ بصريحِها على وقوع التَّحريف في القرآن كلامًا ومادَّةً وإعرابًا"[9].
(ز) ويقول الخميني: "لقد كان سهلاً عليهم - أيْ: على الصحابة الكِرَام - أن يُخْرِجوا هذه الآيات من القرآن، ويتناولوا الكتابَ السماويَّ بالتحريف، ويُسْدِلوا السِّتار على القرآن، ويُغيِّبوه عن أعْين العالَمين، إنَّ تهمة التَّحريف الَّتي يوجِّهها المسلمون إلى اليهود والنَّصارى، إنَّما ثبتتْ على الصَّحابة"[10] .
(ح) وجاء في "فصْل الكتاب" عن النوري الطبرسي أنَّ الصَّحابة ما صانوا أمانةَ القُرآن، حتَّى أسْقَطوا آيةَ الولاية من سورة الشَّرح، ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1]، وهي: "ورفعنا لكَ ذِكْرك، بعليٍّ صِهْرك".
ثالثًا: تحريفهم لمعاني القرآن:
وهنا أسوق مثالاً واضحًا مِن تَحْريفهم العمَلِي لمعاني القرآن، ومحاولة إنزال عقائدهم في الإمامة والعصْمة، والطَّعْن في الصحابة - رضي الله عنهم - عليها، فمن ذلك ما جاء في "أصول الكافي" في قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً ﴾ [النساء: 137] : "إن هذه الآية نزَلَت في أبي بكْر وعُمَر وعثمان، آمَنُوا بالنبِيِّ أوَّلاً، ثم كفروا حيْثُ عُرِضت عليهم ولاية علي، ثم آمَنوا بالبيعة لعلي، ثم كفَروا بعْدَ موت النبي، ثم ازدادوا كفرًا بأخذ البيعة من كلِّ الأمَّة"[11].
وهذا نص رواية الكليني: "الحسين بن محمَّد، عن معلَّى بن محمَّد، عن محمَّد بن أورمة وعليِّ بن عبدالله، عن عليِّ بن حسَّان، عن عبدالرَّحمن بن كثير، عن أبي عبدالله - عليه السلام - في قول الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا ﴾ [النساء: 137] - لن تُقبَل توبتهم - قال: نَزَلت في فلان وفلان وفلان، آمَنُوا بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وآلِه - في أوَّل الأمْر، وكفَروا حيث عُرِضت عليهم الولاية، حين قال النَّبي - صلى الله عليه وآله -: ((مَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه))، ثمَّ آمَنُوا بالبيعة لأمير المؤمنين - عليه السلام - ثمَّ كفروا حيث مضَى رسول الله - صلى الله عليه وآله - فلم يقرُّوا بالبيعة، ثمَّ ازدادوا كفرًا بِأَخْذهم مَن بايعه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء"[12].
فهل من الممكن أن نتصوَّر مثْل هذا القول الشَّنيع في الطَّعْن على مِثْلِ أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - وهناك آياتٌ وأحاديث ثابتة، تدُلُّ على فضْلهم ومكانتهم؟! وإذا كانت هذه الرِّواية ليست بالصَّحيحة، فلماذا لم يعقِّب عليها الكليني بعد ذِكْرها؟! لكنَّه ذكَرَها بَعْد آية الاستقامة وقبل آية الرِّدة، وكأنَّه تبنَّى القول بهم جميعًا، والغريب الباطل أنْ زادَ في الآية جملة: "لن تُقْبَل توبتهم"، ولستُ أدري أهي عنده من قرآنِ فاطمة أمْ لا؟
وقد قال أبو جعفر الطبري في تفسير هذه الآية قولاً رَام إليه في شأنها: "وأَوْلَى هذه الأقوال بتأويل الآية، قولُ من قال: عنَى بذلك أهْلَ الكتاب الذين أقَرُّوا بحكم التوراة، ثم كذَّبوا بخلافهم إيَّاه، ثم أقرَّ مَن أقرَّ منهم بعيسى والإنجيل، ثم كذَّب به بخلافه إياه، ثم كذَّب بمحمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - والفرقان، فازداد بتكذيبه به كفرًا على كفره.
وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب في تأويل هذه الآية؛ لأنَّ الآية قبلها في قصص أهل الكتابَيْن - أعْني قولَه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [النساء: 136] - ولا دلالة تدلُّ على أنَّ قوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ﴾ [النساء: 137]، منقطِعٌ مَعْناه من معْنَى ما قبْلَه، فإلحاقه بما قَبْلَه أولَى، حتَّى تأْتي دلالة دالَّة على انقطاعه منه".
رابعًا: تفسير "الصافي" لِمُلاَّ محسن الكاشاني[13] والموقف من القرآن وتفسيره:
وهنا أَقِف مع نموذج شيعي فيه نوْعٌ من الغلُوِّ في التَّفسير، وهو "مُلاَّ محسن الكاشاني" وتفسيره "الصافي" وذلك فيما يلي:
1- أقوال بتحريف القرآن مِنْ تفسير "الصافي" لملا محسن الكاشاني:
هذه بعضُ أقوالٍ ذكَرَها "ملا محسن الكاشاني" صاحب تفسير "الصافي"، وهو من جملة التفاسير المُغَالية في القول بالتحريف في القرآن وعصْمة آل البيت والولاية، وقد ساق فيه عدَّةَ روايات وأقاويل مزْعومة بتحريف القرآن وتأْكيده ذلك، وهي أقاويل وروايات ظاهرة الانحراف عن إجْماع الأمَّة في شأن القرآن والمصْحف الذي بين أيدينا اليومَ، فمنها:
(أ) الزَّعْم بأنَّه لا يَعرف القرآنَ الحقَّ إلاَّ آلُ البيت، وأنَّ القرآن له ظاهر وباطن لا يَعْلمه إلاَّ الأوْصياء منهم، فيقول في ذلك في مقدِّمة الصافي: "وفي الكافي بإسناده عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: ما ادَّعَى أحَدٌ من الناس أنَّه جمَع القرآنَ كلَّه كما أُنزِل إلاَّ كذَّاب، وما جمَعه وحَفِظَه كما أَنزَل الله إلاَّ عليُّ بنُ أبي طالب والأئمَّةُ من بَعْدِه - عليهم السلام.
وبإسناده عن أبي جعفر - عليه السلام - أنَّه قال: ما يستطيع أحد أن يدَّعي أنَّ عنده جمَيعَ القرآن كله، ظاهِرَه وباطنه - غير الأوصياء".
وقوله: "وعنه - عليه السلام - إنَّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف؛ لكلِّ آية منها ظَهْر وبطن، ولكل حدٍّ مَطْلع، وفي رواية: ولكلِّ حرف حدٌّ ومطلع، وعنه - عليه السلام - إنَّ للقرآن ظهرًا وبطنًا، ولبطنه بطنًا إلى سبعة أبطن".
(ب) القول بأنَّ عليًا - رضي الله عنه - جمع القرآن بأمْرٍ من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنَّه القرآن الصحيح وما عدَاه فباطل، وذلك من خلال عدَّة روايات ساقها في مقدِّمته حيث قال: "وتأويل ذلك روَى عليُّ بن إبراهيم القمي في تفسيره بإسناده عن أبي عبدالله - عليه السلام - قال: إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله - قال لعلي - عليه السلام -: يا علي، إنَّ القرآن خَلْف فِرَاشي في الصحف والحرير والقراطيس، فخُذُوه واجْمَعوه، ولا تضيِّعوه كما ضيَّعَت اليهود التوراة، فانطلق علي - عليه السلام - فجمعه في ثوب أصفَر، ثم ختَمَ عليه في بيته، وقال: لا أرتدي حتَّى أجْمَعَه، قال: كان الرجل ليأتيه فيخرج إليه بغير رِدَاء حتَّى جمعه، وفي الكافي عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن - عليه السلام - قال: قلت له: جُعِلتُ فِدَاك، إنَّا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نَسمعها، ولا نُحْسِن أن نقرَأها كما بلَغَنا عنكم، فهل نأثَم؟ فقال: لا، اقْرَؤُوا كما تعلَّمتم، فسيجيئُكم مَن يعلِّمكم، أقول: يعني به صاحب الأمر - عليه السلام".
ثم قال: "وبإسناده عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبدالله - عليه السلام - وأنا أستمع، حروفًا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبدالله - عليه السلام -: كُفَّ عن هذه القراءة، واقْرأ كما يقرأ النَّاس، حتَّى يقوم القائم - عليه السلام - فإذا قام قرأ كتاب الله - تعالى - على حدِّه، وأخرج المصْحف الذي كتبه علي - عليه السلام - وقال: أَخرَجَه عليٌّ - عليه السلام - إلى الناس حين فرغ منه وكتَبَه، فقال لهم: هذا كتاب الله كما أنزله الله على محمَّد - صلى الله عليه وآله - وقد جمَعْتُه بين اللَّوحين فقالوا: هو ذا عندنا، مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه، فقال: أمَا والله ما ترَوْنه بَعد يومِكم هذا أبدًا، إنَّما كان عليَّ أنْ أخبركم حين جمعتُه لتقرَؤُوه".
وفي "تفسير العياشي" عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: لولا إنَّه زِيدَ في كتاب الله ونُقِص، ما خَفِي حقُّنا على ذي حِجى، ولو قد قام قائمنا فنطَق صدَّقَه القرآن، وفيه عن أبي عبدالله - عليه السلام - قال: لو قُرِئ القرآنُ كما أُنزل لأَلْفَيتنا فيه مُسَمَّين".
(ج) وهذا قولٌ مِن أشدِّ ما يبيِّن فيه القولَ بتحريف القرآن وإيمانه بذلك، بعد ذِكْرِه عددًا من الرِّوايات، فعَقَّب عليها قائلاً: "أقول: المستفاد من مجموع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت - عليهم السلام - أنَّ القرآن الذي بين أظْهُرِنا ليس بتمامه كما أُنِزل على محمَّد - صلى الله عليه وآله وسلم - منه ما هو خِلافُ ما أَنزل الله، ومنه ما هو مغيَّر ومحرَّف، وإنَّه قد حُذِف منه أشياء كثيرة، منها اسْمُ عليٍّ - عليه السلامُ - في كثير من المواضع، ومنها غير ذلك، وأنَّه ليس - أيضًا - على الترتيب المَرْضِيِّ عند الله وعند رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - وبه قال علي بن إبراهيم في تفسيره".
وقد ذكَر روايةً غريبةً منْكَرة في قوله - تعالى -: ﴿ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة: 79] قال فيها: "وفي الاحتجاج لما استُخلِف عُمَر سأل عليًّا - عليه السلام - أن يَدفع إليهم القرآن فيحرِّفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن، إن جئْتَ بالقرآن الذي جئتَ به إلى أبي بكر حتَّى نَجتمع عليه، فقال: هيهات! ليس إلى ذلك سبيل، إنَّما جئْتُ به إلى أبي بكر؛ لِتَقوم الحُجَّة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة: إنَّا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا: ما جئْتَنا به، فإنَّ القرآن الذي عندي، لا يمَسُّه إلاَّ المطهَّرون والأوصياء من ولَدِي، فقال عمر: فهل وقْتٌ لإظهاره معلوم؟ قال علي - عليه السلام -: نعَم، إذا قام القائم من ولَدِي يُظْهِره، ويَحمل الناس عليه، فتَجْرِي السُّنة به، أقول: وفي التَّحقيق لا منافاة بين المعْنَيَين؛ لجواز الجمع بينهما وإرادة كلٍّ منهما أو يكون أحدُهما تفسيرًا والآخَر تأويلاً".
ثم هو بعْدَ تِلْكم الرِّوايات التي ساقها في مقدِّمته متَذبْذِب أيضًا في القول بالتحريف، ويحاول التخلُّص من ذلك بأنَّ التحريف قد يقع في بعض الأسماء بالحذف، كحَذْفِ اسْم "علي" فلا يضر، أو أنَّ التحريف وقع في تفسيره.
هذا قليل من كثير، من هذا السُّم القاتل، والقول الباطل حول كتاب الله - تعالى - "القرآن" المُنَزَّل من فوق سبع سمَاوات، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خَلْفه، تَنْزيل من حكيم حميد، وقد سُقْتُها؛ حتَّى لا ينخدع فِئَام من الناس بهم، وحتَّى لا يتقوَّلوا بالباطل أنَّ أهْل السُّنة لا يَمْلكون من الحجج والبراهين ما يدلِّل بيقين على قولهم.
ومَن وقَفَ على مصنَّفاتهم طفَحَت له مئاتٌ من الأدلَّة والأقوال الظاهرة، من مِثْل الغُثَاء السَّابق ذِكْره، ولَسْنا بالأدْعياء، ولا يُمْكن لعلمائهم أن يُنْكِروا وجود هذا عندَهم، إلاَّ إنْ أَحْرقوا كتبهم وأَتْلفوها، وقالوا لنا: أين البرهان؟ أو أنْ يقوموا فيَحذفوا منها، أو أن يَنفوا نِسْبتَها لأئمَّتهم وعلمائهم، وكلُّ هذا غير ممكن ولا ريب.
2- عقيدة "الكاشاني" من خلال تفسيره سورة الرعد في "الصافي":
وقد تأمَّلْتُ في تفسير سورة الرعد من كتاب "التفسير الصافي"، "لمحسن الفيض الكاشاني"[14] من كُتِبهم، وهو من غُلاتِهم، فوجَدْتُ أنَّه قد ساق في تفسيرها كثيرًا من الأعاجيب والمسائل وبعض العقائد الباطلة، والتي حملها لآيات القرآن بما لا يمكن احتماله، ولا جاء الدَّليل الصحيح عليه، من كتاب الله - تعالى - نفْسِه، أو من سُنَّة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وهذا إيراد لبعض الأمثلة من تفسير سورة "الرعد"، ولن أقف معها طويلاً:
1 - ففي قوله - تعالى -: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد: 4].
ساق "الكاشاني" روايةً يزْعم فيها أنَّ تفسير القِطَع المتجاورات هو النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلِيٌّ - رضي الله عنه - فيقول: "يَعني هذه الأرض الطيِّبة مجاوِرَة لهذه الأرض المالحة، وليست منها، كما يُجَاور القومُ القومَ ولَيسوا منهم، وفي المَجْمع عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنَّه قال لعلي - عليه السلام -: النَّاس من شجَر شتَّى، وأنا وأنت مِن شجرة واحدة، ثم قرأ هذه الآية".
وهذا الرِّواية الملْحَقة بهذا التفسير ضعيفةٌ من وجْهَين:
الأوَّل: من جهة ثُبوت صحَّة هذه الرواية عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعن علي - رضي الله عنه - وقد نَقَل هذه الرِّوايةَ القرطبِيُّ في تفسيره، وكذلك السيوطي، ولم أطَّلِع على باقي التفاسير، وقال السيوطي فيها: "وأخرج الحاكِمُ وصحَّحه وضعَّفه الذهبي وابن مردويه، عن جابر - رضي الله عنه"، ثم ساق الرِّواية بنصِّها.
وجاء في "مجمع الزوائد": "رواه الطَّبراني في "الأوسط"، وفيه مَن لم أعرفه ومَن اختُلِف فيه".
وقد ذكَر الذهبي وابن حجَر العسقلانِيُّ أنَّ الحديث من رواية ابن عمر فيه رجل متَّهم هو: "صباح بن يحيى".
قال فيه الذَّهبي في "الميزان": "صباح بن يحيى متْروك، بل متَّهم".
وقال ابن حجر في "اللسان": "صباح بن يحيى عن الحارث بن حصيرة، عن جميع - ثلاثتهم من الشِّيعة - وكان جميع من رؤسائهم والآفة في هذا الخبر من غيره، وأمَّا هو فذَكَره ابن عدي فقال: كوفي، ونقل عن البخاري أنَّه قال: فيه نظر، قال ابن عدي: هو من جملة الشيعة".
كما أشار إليه بالوضْع ابنُ الجوْزي في "الموضوعات"، ولا يَفُوتني هنا أنْ أذكر أنَّ هناك رواياتٍ أخْرى شبيهةً بهذه الرواية ولها مقال آخَر.
وإذا ثبَتَت صحَّة الحديث مع هذا، فقد نقول: إنَّ له مَحْملاً شرعيًّا صحيحًا في بيان حُبِّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وبيان مكانة علي وفضْله، وكونه ابن عمِّه ومن قريش، وأنَّ أصْلَهما في الرَّحِم واحد كما جاء في الحديث: ((أنت منِّي بمنْزلة هارون من موسى)).
والحَقُّ أنَّ إثْبات فضْلٍ لِصَحابي بعيْنه لا يَعْني نفْي الفضيلة عن غيره من سائر الصحابة الكِرَام، فقد ثبتت نصوص واضحة في الكتاب والسُّنة في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - وكذلك تفضيلهم.
الثَّاني: أنَّ هذا تَحْميلٌ للآية على خلاف الوجْه الصحيح الواضح لدَى أهْل التفسير المعْتبَرين؛ حيث إنَّ الله - تعالى - يتكلَّم عن آية من آيات قدْرته في الخَلْق وهي الأرض، وقد قال أبو جعفر الطَّبري - رحمه الله -: "يقول - تعالى ذِكْرُه -: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ ﴾ [الرعد: 4]، وفي الأرض قِطَع منها متقاربات متدانيات، يَقْرب بعضها من بعض بالجوَار، وتختلف بالتفاضل مع تجاوُرِها، وقُرْبِ بعْضِها من بعض، فمنها قِطْعة سبخةٌ لا تُنْبِت شيئًا في جوار قطعة طيِّبة تُنْبت وتنفع"[15]، ثم ساق عدَّةَ روايات تدلُّ على المعنى المذكور هنا.
وكذلك قال ابن كثير الدمشقي - رحمه الله -: "أراضٍ تُجاوِرُ بعضُها بعضًا، مع أنَّ هذه طيِّبة تنبت ما يَنتفع به النَّاس، وهذه سَبَخة مالِحَة لا تُنْبِت شيئًا، هكذا رُوِي عن ابن عبَّاس، ومجاهد، وسعيد بن جُبَيْر، والضحَّاك، وغيرهم، وكذا يَدْخل في هذه الآية اختلافُ ألوانِ بقاع الأرض؛ فهذه ترْبة حمْراء، وهذه بيضاء، وهذه صفراء، وهذه سوداء، وهذه محجرة، وهذه سهلة، وهذه مرملة، وهذه سميكة، وهذه رقيقة، والكلُّ متجاورات، فهذه بصِفَتها، وهذه بصفتها الأخْرى، فهذا كلُّه مما يدلُّ على الفاعل المخْتار، لا إله إلاَّ هو، ولا ربَّ سِوَاه"[16].
وعلى هذا فإنَّ إقْحام ذِكْر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعلي - رضي الله عنه - في تفسير الآية لا وجْهَ له، ولا برهان، إلاَّ أنَّ صاحب التفسير أراد بيانَ وإثباتَ فضيلةٍ لعلي دون غيره من سائر الأصحاب الكرام.
2 - وفي قوله - تعالى -: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد: 7].
فقد حاول "الكاشانيُّ" العبثَ بتفسير الآية؛ ليُوجِّهها نَحْو صِدْق معتقَدِه بالأئمَّة المعْصومين، وأنَّهم الأوصياء على خلافة الأمَّة من بعْد علي - رضي الله عنه - وذلك من خلال المعهود من منْهجه من سَوْق الروايات التي لا رابط لها ولا سند ولا خطام، فقال: "ولكلِّ قوم هادٍ يَهْديهم إلى الدِّين، ويدعوهم إلى الله بِوَجْه من الهداية وبآية خصَّ بها، في "المجمع": لمَّا نزَلَت هذه الآية قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: أنَا المُنْذِر، وعليٌّ الهادي من بعْدي، يا علي، بِكَ يَهتدي المهْتَدون.
وفي الكافي عن الباقر - عليه السلام -: رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - المنذر، ولكلِّ زمان منَّا هادٍ يَهْديهم إلى ما جاء به نبِيُّ الله، ثم الهُدَاة من بعده عليٌّ، ثمَّ الأوصياء، واحد بعد واحد.
وعن الصادق - عليه السلام -: كلُّ إمام هادٍ للقرْن الذي هو فيهم، ومثله في "الإكمال" وروَاه القمي والعياشي وغير واحد من الخاصَّة والعامة في غير واحد من الأسانيد، والقمي رد على مَن أنكَر أنَّ في كلِّ عصْر وزمان إمامًا، وأنَّه لا تَخْلو الأرض من حُجَّة".
وهذا مرْدود عليه أيضًا مِن وجوه:
الأوَّل: مِن حيث لا دليل على صِدْق ثبوت هذه الروايات؛ فرواية المجْمَع هذه: "أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي، يا علي بك يهتدي المهتدون"، قال عنها ابن كثير في تفسيره: "وهذا الحديث فيه نكَارة شديدة".
وقد علَّق عليه العلاَّمة أحْمد شاكر في "تفسير الطبري" فقال: "وهذا خبَرٌ هالِكٌ من نواحيه، وقد ذكَرَه الذَّهبي وابنُ حجَر في ترجمة "الحسن بن الحسين الأنصاري" قالاَ بعد أن سَاقا الخبر بإسناده ولفْظِه، ونِسْبته لابن جرير أيضًا: "مُعَاذ نَكِرة، فلعلَّ الآفَة منه"، وأقول: بل الآفة من كِلَيهما: الحسن بن الحسين، ومعاذ بن مسلم".
وقال عنه ابن الجوزي في "زاد المسير": "وهذا من مَوْضوعات الرَّافضة".
وقال ابن عطيَّة المحاربي: "قال القاضي أبو محمَّد: والذي يشْبِهه - إنْ صحَّ هذا - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إنَّما جعَل عليًّا - رضي الله عنه - مثالاً من علماء الأمَّة وهُدَاتها إلى الدِّين، كأنَّه قال: أنْت يا عليُّ وصِنْفك، فيدخل في هذا أبو بكر وعُمَر وعثمان وسائر علماء الصحابة، ثم كذلك مِن كلِّ عصْر، فيكون المعنى - على هذا - إنما أنْت يا محمَّد ولكلِّ قوْم في القديم والحديث دعاة وهُدَاة إلى الخير".
ومن وجْه آخر: أنَّه لا دليل شرْعيًّا من الوحْيَين "الكتاب، والسُّنة" يؤكِّد هذا أو يثْبِته، بل الثابت بالسُّنة العلميَّة الواضحة أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ترك الأمر شُورَى بين الصحابة في أمْرِ الخلافة.
أمَّا الوجه الثالث: فإنَّ أهْل العلْم بيَّنوا أنَّ الحديث هنا في الآية الكريمة لا علاقة له بذِكْر الإمامة ولا الأئمَّة، إنَّما هو إثْباتُ رسالة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهدايته للمشركين، كما سبَقَه هُدَاةٌ من الرسل والأنبياء.
3 - وفي قوله - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد: 20 - 21].
وهنا يعود إلى طريقته في الاستدلال بالمرويَّات والنُّقول الَّتي لا نَدْري من أين مَصْدرها على وجْه الدِّقَّة؟ حيث يقول: "الَّذين يوفون بعهْد الله ما عقَدُوه على أنفسهم لله، ولا يَنْقُضون الميثاق: ما وَثَّقوه من المواثيق بينهم وبين الله وبين العباد، وهو تَعْميم بعد التَّخْصيص.
القمي عن الكاظم - عليه السلام -: نزَلَت هذه الآية في آل محمَّد - عليهم السَّلام - وما عاهَدَهم عليه وما أخذَ عليهم من الميثاق في الذَّرِّ من ولاية أمير المؤمنين والأئمة بعده - عليهم السلام - والَّذين يصلون ما أمر الله به أن يُوصَل من الرَّحِم، ولا سيَّما رحم آل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ويندرج فيه مُوالاةُ أمير المؤمنين ومراعاة حقوقهم.
في "الكافي" عن الصادق - عليه السلام -: نزلَت في رَحِم آل محمَّد، وقد تَكُون في قرابتك، ثم قال: فلا تَكُوننَّ ممَّن يقول للشيء: إنَّه في شيء واحد وفيه".
4 - وفي قوله - تعالى -: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 24].
قال: "القمي: نزَلَت في الأئمة - عليهم السلام - وشيعتهم الذين صبَرُوا، وعن الصَّادق - عليه السلام -: شِيعَتُنا أصْبرُ منَّا؛ لأنَّا صبَرنَا بعِلم، وشيعتنا صبروا على ما لا يَعْلمون... إلخ".
5 - وفي قوله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ [الرعد: 25].
قال: "والذين ينقضون عهْد الله من بعد ميثاقه: من بَعْدِ ما أوثقوه به من الإقْرار والقبول.
القمي: يَعني في أمير المؤمنين، وهو الَّذي أخَذ الله عليهم في الذَّرِّ، وأخذ عليهم رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بِغَدِير خُمٍّ، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل: من الرَّحِم وغيرها، ويفسدون في الأرض: بالظُّلم وتهْيِيج الفِتَن، أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار: عذاب النار".
6 - وفي قوله - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
قال فيها: "عن الصادق - عليه السلام -: بمحمَّد - صلى الله عليه وآله وسلم - تطمئِنُّ وهو ذِكْر الله وحجابه، والقمي: الذين آمَنوا: الشِّيعة، وذِكْر الله: أمير المؤمنين - عليه السلام - والأئمة - عليهم السلام - ألاَ بذكر الله تطمئِنُّ القلوب".
7 - وفي قوله - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ [الرعد: 29].
قال: "وفي الإكْمال عن الصَّادق - عليه السلام -: طوبى لِمَن تمسَّك بأمْرنا في غيبة قائمنا فلم يَزِغْ قلْبُه بعد الهداية، فقيل له: وما طُوبى؟ قال: شجرة في الجنة، أصْلُها في دار عليِّ بن أبي طالب - صلوات الله عليه - وليس مؤمِنٌ إلاَّ وفي داره غصْن من أغصانها، وذلك قول الله: ﴿ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ [الرعد: 29]، والأخبار في تفسير "طُوبى" بالشجرة التي في الجنَّة وذِكْر أوصاف تلك الشجرة كثيرة، رواها القمي والعياشي، وفي العيون والخصال والاحتجاج، وغيرها.
وفي المَجْمع عن الكاظم - عليه السلام -: عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنَّه سُئِل عن طوبى قال: شجرة أصْلُها في داري وفرْعُها على أهل الجنة، ثم سُئِل عنْها مرَّة أخرى، فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: في دار علي - عليه السلام - فقيل له في ذلك، فقال: إنَّ داري ودار علي - عليه السلام - في الجنة بمكان واحد".
8 - وفي قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43].
قال: "في الكافي والخرايج والعياشي عن الباقر - عليه السلام -: إيَّانا عنَى، وعليٌّ أوَّلُنا وأفْضَلُنا وخيرنا بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي المجمع عن الصادق - عليه السلام - مثله، وفي "الاحتجاج" سأل رجلٌ عليَّ بن أبي طالب - صلوات الله عليه - عن أفْضل منْقَبة له، فقرأ الآية، وقال: إيَّاي عَنَى بمن عنده علْم الكتاب، وفي "المجالس" عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إنَّه سُئِل عن هذه الآية قال: ذاك أخي علي بن أبي طالب - عليه السلام.
والعياشي عن الباقر - عليه السلام - إنَّه قيل له: هذا ابْن عبدالله بن سلام يَزْعم أنَّ أباه الذي يقول الله: ﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43] قال: كذَب، هو: علي بن أبي طالب - عليه السلام - وعنه - عليه السلام -: نزلت في علي - عليه السلام - إنَّه عالِمُ هذه الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم".
وهذا التخصيص المذْكُور عنْهم بعلي - رضي الله عنه - لا دليل عليه ولا برهان، وقد تكلَّم أهْلُ التفسير في هذه الآية وذكَروا خلافًا أنَّه عبدالله بن سلام، وحَكَوا قولاً أنَّه علي بن أبي طالب وغيرهما، ولكنَّ جُلَّها تدلُّ على أهل الكتاب على وجْه العموم، أمَّا الروايات ففي حاجة إلى تمحيص كما ساقها الطبري وابن كثير والقرطبي - رحمهم الله جميعًا.
خلاصة القول:
1 - أنَّ تفسير "الصافي" لملاَّ محسن الكاشاني هو: من جمْلة تفاسير الشيعة الإمامية التي غالَتْ في التعصُّب العقَدِي والمذهبي لِمَا يعتقدونه ويؤمنون به في آل البيت ووِلاَيتهم، وأفضليتهم على سائر الصحابة الكرام.
2 - أنَّ الكاشاني متعصِّب جَلد لمذهبه في الولاية والعصمة لعلي، والقول بولايته دون غيره.
3 - ذِكْر الروايات والأحاديث الموضوعة والمخْتلَقَة حول سيِّدنا عليٍّ والصَّحابة - رضي الله عنهم - جميعًا، والزَّج بها في كل مناسبة تَعْرِض أمامه.
4 - عدم تمحيص الروايات التي يسوقها لتفسير الآيات، وبيان ما صحَّ منْها مما لا يَصِحُّ، بل هو يَقْبلها دون معارضة، وكأنَّها نصٌّ صريح لا يَقبل النِّقاش ولا الاعْتِراض.
5 - تأويل الكاشاني للقرآن وتفسيره بغير الأصول الاستدلالية الصحيحة في التفسير، ومحاولة صرْف الآيات عن ظاهرها الواضح، إلى تفْسيرات باطنيَّة بعيدة عن أصْل المعْنى المُرَاد.
6 - التقليد في نقْل التفسير دون الترجيح في الثابت منه أو ما يحْتَمل صحَّته، وما رواياته ونقْله عن تفسير القمي وغيرِه إلاَّ أوْضحَ دليل على ذلك.
هذا ما تيَسَّر الوقوفُ عليه من تدليس القوم في التفسير لآيات القرآن، والعمل الدَّؤُوب على إقْحام معتقَدِهم الفاسد في عليٍّ وآل البيت - رضي الله عنهم، في كلِّ مناسبة وفي غير مناسبة، وقد هالني حقًّا ما وقَفْتُ عليه هنا من هذا العبث الواضح بالتفسير، في تفسير سورة الرعد.
فكيف لو أخذْنَا نستقرِئُ سور القرآن وآياته المحْكَمة واحدةً تِلْوَ الأخرى؟! إذًا لخَرَج لنا من الفوادح والقوادح من التفاسير والشروح وأسباب النُّزول الَّتي لا صحَّة لها ولا برهان، ما الله به عليم.
ولا يفوتني بعد كلِّ هذا أنْ أقول: إنَّ معْتَقَد أهْلِ السُّنة والجماعة في آل البيت - رضي الله عنهم - هو معتقد وسطِيٌّ صحيح؛ فهم يحبُّون أهل البيت ويقدرُونهم حقَّ قدرهم، ويُعْلُون من شأنهم، ويتقرَّبون إلى الله - تعالى - بذلك الحُبِّ لهم، إلاَّ أنَّهم في ذات الوقْت لا يرفعونهم فوق ما أمر الله به ورسولُه، ولا يقدِّسونهم إلى مرتبة الغلوِّ المنهيِّ عنه، والإطراء الكاذب الذي لا دليل عليه ولا برهان، وإنَّ أهْل السُّنة من كمال حبِّهم واتِّباعهم للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُصَلُّون على آل البيت في كلِّ صلاة، يتعبَّدون لله بها فرضًا كانت أو نفلاً، ويقولون: "اللَّهم صلِّ على محمَّد، وعلى آل محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم".