التِّجارةُ مع الله.. طريق الفلاح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
إنّ طريق سعادة الإنسان في الدنيا والنّجاة في الآخرة يكمن في التِّجارة مع الله عزّ وجلّ؛ لأنّه هو خالق الإنسان، وهو الّذي يرزقه، وعندما يموت يعود إليه؛ ليحاسبه على ما قدَّم، فالعاقل هو الّذي يعمَل على إرضاء سيِّده، حتّى يحقِّق له ما يريد.
لمّا سأل الصحابة رضي الله عنهم عن أحبِّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ ليفعلوه، أنزل الله هذه السورة، ومن جملتها هذه الآية: {يَا أيُّها الّذين آمنوا هل أدُلُّكم على تجارة تُنجيكم مِن عذاب أليم}، ثمّ فسَّر هذه التِّجارة العظيمة الّتي لا تبور، والّتي تكمن أساسًا في صدق الإيمان بالله سبحانه وتعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم والتّضحية بالمال والنّفيس في سبيل الله تعالى، فقال سبحانه: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكُم إنْ كُنتم تعلمون} أي: من تجارة الدنيا، والكد لها، والتّصدي لها وحدها. ثمّ قال سبحانه: {يغْفِر لكُم ذنُوبَكُم} أي: إن فعلتم ما أمرتكم به ودللتكم عليه، غفرتُ لكم الزلات، وأدخلتكم الجنّات، والمساكن الطيّبات، والدرجات العاليات، ولهذا قال عزّ وجلّ: {ويُدخِلْكُم جنّات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيِّبَة في جنّات عدن ذلك الفوز العظيم}.
ثمّ قال: {وأُخْرَى تُحبُّونَها} أي: وأزيدكم على ذلك زيادة تحبونها، وهي: {نصرٌ مِنَ الله وفتحٌ قريبٌ} أي: إذا قاتلتم في سبيله ونصرتم دينه، تكفّل الله بنصركم. قال الله تعالى: {يا أيُّها الّذين آمنوا إنْ تنصروا الله ينصرُكم ويُثَبِّت أقدامَكُم} محمّد: .7 وقال تعالى: {وليَنْصُرَنّ الله مَن ينْصُرَه إنّ اللهَ لقويٌّ عزيزٌ} الحج: .40 وقوله: {وفتحٌ قريبٌ} أي: عاجل فهذه الزيادة هي خير الدنيا موصول بنعيم الآخرة، لمَن أطاع الله ورسوله، ونصر الله ودينه، ولهذا قال الله تعالى: {وبَشِّرِ المُؤمنين}.
ومن صور التِّجارة مع الله عزَّ وجلّ قراءة القرآن الكريم وإقامة الصّلاة والإنفاق من رِزْق الله تعالى على الإنسان في السّرِّ والعلانية، وهذه هي التّجارة الّتي لن تخسر أبدًا، قال عزّ وجلّ: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} فاطر: .29 والتّجارة مع الله تعالى لها طرفان، وعقد وسلعة، أمّا طرفها الأوّل: فهو الله سبحانه وتعالى، خالق النّفس وواهب المال. وأمّا الطرف الآخر: فهو أنتَ أيُّها العبد الضعيف، أصبح لك قيمة حينما تكون طرفًا مع سيِّدِك في صفقة تجارية رابحة، أنت لا تملك فيها شيئًا سِوَى الوفاء بالوعد فقط. وهذه الصفقة سجَّلها الله في أوثق العقود والمواثيق، ألاَ وهي كتبه الّتي أنزلها على رسله عليهم السّلام: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ} التوبة: .111
وهذه السِّلعة الّتي تشتريها إنّما هي الجنّة، قال تعالى: {فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُن سمِعَت، ولا خَطَرٌ على قلْبِ بَشَرَ}، وقال سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''ألاَ مِن مُشمّر للجنّة؟'' قالوا: نحن المُشمِّرون لها يا رسول الله، قال: ''قولوا إنْ شاء الله''.