02-13-2012, 08:10 AM
|
#1
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1636
|
تاريخ التسجيل : Oct 2011
|
أخر زيارة : 09-16-2012 (03:25 PM)
|
المشاركات :
12,032 [
+
] |
التقييم : 125
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
كلنا ما بين طول الأمل وبغتة الأجل
[table1="width:85%;background-color:black;"]
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
" الأمل يلهي ، والمطامع تغر ، والعمر يمضي ، والفرصة تضيع والأمل البراق ما يزال يخايل لهذا الإنسان وهو يجري وراءه ، وحتى يغفل عن الله ، وعن القدر ، وعن الأجل وحتى ينسى أن هنالك واجبا ، وأن هنالك محظورا ، بل حتى لينسى أن هنالك إلها ، وأن هنالك موتا ، وأن هنالك نشورا ،
وهذا هو الأمل القاتل "
في صحيح البخاري
من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال :" خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا ، وخط خطا في الوسط خارجا منه ، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال: هذا الإنسان وهذا أجله محيط به -أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله ، وهذه الخطط الصغار الأعراض ، فإن أخطأه هذا نهشه هذا ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا "
" والمراد بالأعراض : الآفات العارضة له ، فإن سلم من هذا لم يسلم من هذا ، وإن سلم من الجميع ولم يصبه آفة من مرض ، أو فقد مال ، أو غير ذلك بغته الأجل . والحاصل أن من لم يمت بالسبب مات بالأجل
وفي الحديث إشارة إلى الحض على قصر الأمل ، والاستعداد لبغتة الأجل ، وعبر بالنهش وهو لدغ ذات السم مبالغة في الإصابة والإهلاك
والشاهد أن الإنسان تتجاوز آماله حدود أجله ، و يخترمه أجله دون أمله ، وقد أوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا المعنى
، فعن جابر بن زيد -رضي الله عنه- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أعواد ، فغرس إلى جنبه واحدا ثم مشى قليلا ، فغرس آخر ثم مشى قليلا ، فغرس آخر ثم قال : هل تدرون ما هذا ؟ هذا مثل ابن آدم ، وأجله ، وأمله ، فنفسه تتوق إلى أمله ، ويخترمه أجله دون أمله
"
والحق سبحانه وتعالى نعى على بني إسرائيل حرصهم على الحياة -أي حياة- وطول الأمل فيها ، فقال :" ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون " البقرة 96
ود هؤلاء أن لو يعمر أحدهم ألف سنة - والمعنى طول المكث في الحياة - وذلك غير نافعه ، كما أن إبليس لم ينفعه طول عمره إذ كان كافرا.
وقال تعالى :" الر تلك ءايات الكتاب وقرءان المبين * ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين * ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون * " الحجر
أي ذرهم يأكلوا و يتمتعوا و يلههم الأمل عن التوبة و الإنابة ، فسوف يعلمون عاقبة أمرهم .
وطول الأمل له سببان :
أحدهما حب الدنيا ،
والآخر : الجهل
أما حب الدنيا : فهو أن الإنسان إذا أنس بها وبشهواتها ولذاتها و علائقها ، ثقل على قلبه مفارقتها ، فامتنع قلبه من الفكر
في الموت الذي هو سبب مفارقتها ، وكل من كره شيئا دفعه
عن نفسه ، والإنسان مشغول بالأماني الباطلة ، فيمني نفسه أبدا بما يوافق مراده
فيصير قلبه عاكفا على هذا الفكر موقوفا عليه ، فيلهو عن ذكر الموت ، فلا يقدر قربه ، فإن خطر له في بعض الأحوال أمر الموت ، والحاجة إلى الاستعداد له سوف ، ووعد نفسه ، وقال : الأيام بين يديك
أغلب الناس لو سألتهم عن سبب انهماكهم في الحياة الدنيا لقالوا : نؤمن مستقبل أولادنا . ومن يؤمن مستقبلهم هم ؟! الإنسان تنتظره مخاوف عدة : من سكرات الموت ، وضمة قبر ، وسؤال ملكين ، و عرض مقعد ، وطول انتظار في أرض محشر ، ودنو شمس ، وإلجام عرق ، وزفرة نار ، وغضب جبار ، وتطاير صحف ، وميزان ، وصراط.....
وآخر ذلك إما إلى الجنة ، وإما إلى النار .
فلا يزال يسوف و يؤخر، إلى أن تخطفه المنية في وقت لم يحسبه فتطول عند ذلك حسرته، وأكثر أهل النار وصياحهم من (سوف) ، والمسكين لا يدري أن الذي يدعوه إلى التسويف اليوم هو معه غدا .
وأما الجهل : فهو أن الإنسان قد يعول على شبابه فيستبعد قرب الموت مع الشباب ، وقد يستبعد الموت لصحته ، و يستبعد الموت فجأة ، و لا يدري أن ذلك غير بعيد ، فالموت ليس له وقت ونهار ، ولكن الجهل بهذه الأمور ، وحب الدنيا ، و غواه إلى طول الأمل ، و إلى الغفلة عن تقدير الموت القريب وهو مشاهدة موت غيره ، فأما موت نفسه فلم يألفه ، ولم يتصور أن يألفه فإنه لم يقع .
وإن عرفت أن سببه حب الدنيا ، و الجهل ،
فعلاجه دفع سببه .
أما حب الدنيا فعلاجه إخراجه من القلب ،
وهو الداء العضال الذي أعيا الأولين والآخرين ، ولا علاج له إلا بالإيمان باليوم الآخر ،
و بما فيه من عظيم العقاب ، و جزيل الثواب ، فإذا حصل اليقين بذلك ارتحل عن قلبه حب الدنيا ، فإن حب الخطير هو الذي يمحو عن القلب حب الحقير .
وأما الجهل فيدفع بالفكر الصافي ، والحكمة البالغة
وأعظم من هذا وذاك أن يعلم الإنسان أن لو متع من السنين ، ثم انقضى ذلك المتاع ، وجاءه العذاب ، أن ذلك المتاع الفائت لا ينفعه ، و لا يغني عنه شيئا بعد انقضائه وحلول العذاب محله ، وقد أوضح الله جل جلاله هذا المعنى في كتابه العزيز فقال :" أفبعذابنا يستعجلون* أفرايت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون"
الشعراء 204-207
فقصر العمر لا يمنع من دخول الجنة ، كما أن طول العمر لا يمنع من دخول النار ، وإنما المحك في الأعمال من خير و شر ، و لذا كان الصالحون يقللون من الدنيا ، و يبادرون الموت لمعرفتهم ذلك .
و يتولد من طول الأمل خمسة أشياء :
الكسل عن الطاعة والتسويف بالتوبة ،
والرغبة في الدنيا ،
والنسيان للآخرة ،
والقسوة في القلب .
لأن رقة القلب وصفاءه إنما تقع بتذكير الموت
والقبر والثواب والعقاب و أهوال القيامة .
قال علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- : إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى ، وطول الأمل . فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسى الآخرة ، ألا وإن الدنيا ارتحلت مدبرة ، وارتحلت الآخرة مقبلة ، ولكل واحد منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، و غدا حساب ولا عمل .
ولكن الناس يلهثون وراء الدنيا ، ويمنون أنفسهم بالأماني الكاذبة ، ويكبرون وتكبر معهم أمانيهم ،
مع أن الإنسان لو عمر عمر نوح ، وأعطي قوة عاد وثمود فلن يأخذ بهما فوق ما قدره الله له ، ولن يمنعاه من الموت ، فكان من تمام العقل البدار إلى الله ولقاءه ، والاستعداد لذلك باغتنام الحياة ، إذ هي وقت البدار ،
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :" اغتنم خمسا قبل خمس ، شبابك قبل هرمك ، و صحتك قبل سقمك ، و غناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك "
و لانعني بهذا أن يتبرهن الناس أو أن يجلسوا في البيوت ، و يدعوا الحياة ، فذلك غير مراد ، وإنما السير في الحياة ، والقيام بواجب
والصحابة -جيل القدوة -جمعوا بين الاثنين ، العمل للدنيا والآخرة - في منظومة غير متنافرة
فصحت لهم الدنيا وكانوا فيها سادة ، وصحت لهم الآخرة ، وأثنى عليهم رب العباد سبحانه ،
ورسوله صلى الله عليه وسلم -
وقال سلمان الفارسي -رضي الله عنه - :
" ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني : مؤمل الدنيا والموت يطلبه ، وغافل وليس يغفل عنه ، وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط رب العالمين عليه أم راضي"
و كان الحسن يقول في موعظته : المبادرة المبادرة ، فإنما هي الأنفاس لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تترقبون بها إلى الله ، رحم الله امرأ نظر إلى نفسه ، وبكى على عدد ذنوبه
الحياة لا تتوقف لموت أحد مهما بلغ في عز السلطان والجاه ، وما هي إلا أيام ويطيه النسيان كما طواه التراب قبل ، وذلك في الأقربين فكيف في الأبعدين ، فاغتنم حياتك أيها المسكين .
قال ابن القيم رحمه الله : "ما مضى من الدنيا أحلام ، وما بقي منها أماني ، والوقت ضائع بينهما "
طوبى لعبد بادر ساعته ، واستعد للقاء ربه ، وكان لسان حاله
" وعجلت إليك رب لترضى " طه84
اللهم إنا نعوذ بك من الضلالة بعد الهدى ،
ومن المعصية بعد الطاعة
اللهم اهدنا ، واغفر لنا وتب علينا
انك انت السميع العليم
| [/table1]
|
|
|