03-12-2012, 08:22 AM
|
#1
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1636
|
تاريخ التسجيل : Oct 2011
|
أخر زيارة : 09-16-2012 (03:25 PM)
|
المشاركات :
12,032 [
+
] |
التقييم : 125
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
كيف نرد على من يقول أنه يحق أن نفهم النصوص دون التقيد بفهم السلف ؟
[table1="width:85%;background-color:black;border:4px groove darkred;"]
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
كيف نردّ على مَن يقول أنه يحقّ لكلِّ أحد أن يفهَم النُّصوص دون التقيّد بفَهم السَّلف ؟د الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض
السؤال :
فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم حفظكم الله وبارك في علمكم
قرأت مقال يتكلم عن فهم السلف ويقول لماذا لا نفهم النصوص بفهمنا نحن وسأنقل لكم المقال كامل وأسأل الله العلي القدير أن يجزيكم خيراً
يقول: نسأل السلفيين : هل نفهم نصوص الكتاب و السنة بفهمنا أم بفهم السلف ؟
يقولون: بفهم السلف.
فنسألهم: ولم لا تفهمون بفهمكم ؟
يقولون: لأن عقولنا قد تخطئ الفهم، وسلفنا هم خير القرون والأقدر منا على الفهم .
فنسألهم: فإن أخطأ سلفكم في مسألة أو مسائل واتبعتموهم فكيف تعتذرون إلى ربكم يوم القيامة؟
يقولون: نعتذر بأننا اتبعنا سبيل المؤمنين .
نقول: بل خالفتم سبيل المؤمنين، فهؤلاء السلف لم يفهموا إلا بفهمهم، ولو اتبعتم سبيلهم للزمكم أن تفهموا بفهمكم كما فهموا بفهمهم، فإن أخطأ أحدهم فقد قال تعالى ( ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) ،فهذا عذرهم عند الله ، أما لو اتبعتم فهمهم الخاطئ وتركتم فهمكم الذي رأيتموه فلا نحسب لكم عذرا.
يقولون: نحن لا نقدر على الفهم مثلهم .
نقول:كيف قصرت عقولكم عن فهم كلام ربكم الذي يسَّره للذكر، وتكفله بالحفظ، بينما اتسعت عقولكم لفهم كلام سلفكم الذي لم يشهد الله له باليسر ولا بالحفظ ؟
ألم تفقهوا قول ربكم إذ يقول ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) ،
فهل على قلوبكم أقفال تمنعكم تدبر القرآن ؟
يقولون: منا أعاجم وأميون لا يفقهون النصوص جملة وتفصيلا .
نقول:
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وعلى هؤلاء أن يسألوا عن الحكم المستند إلى فهم الفاهمين القادرين على البلاغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول (بلغوا عني ولو آية)، وأن يتجنبوا سؤال المبلغين عن سلفهم مخالفين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالبلاغ عنه مباشرة .
يقولون: وهل بلغ السلف عن أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم كي تأمرنا بتجاوزهم ؟
نقول: هؤلاء السلف اختلفوا وتفرقوا بين المذاهب والأقوال وجمعوا بين الصواب و الخطأ، والبلاغ عنهم سيؤدي إلى ترسيخ خلافهم ونقل صوابهم وخطئهم، وتشتيت المسلمين بين راجح ومرجوح وقد نهانا الله تعالى عن اتباع الظن وقال ( ولا تقفُ ما ليس لك به علم )، أي لا تتبع إلا ما لك به علم، والعلم خلاف الظن، ومن الظن الترجيح بين الأقوال، أما نصوص الكتاب والسنة فهي العلم الذي لا مراء فيه.
يقولون: أنت تفتح بذلك باب مفسدة عظيمة، وتترك للزنادقة حرية تحريف الكلم بحجة فهم النص بفهمهم .
نقول: أمرنا الله تعالى أن نرد ما تنازعنا فيه إلى الله ورسوله، ولو كان النص يحتمل أكثر من فهم لما كان فيه فصل النزاع، ولكان أمر الله لنا تكليفا بما لا نطيق، إذ لا يمكن فصل النزاع بنص يحتمل أكثر من وجه للفهم، ولما ضمن الله فصل النزاع برده إلى النص ففي ذلك ضمان من الله بدحض الفهم الفاسد.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين ، ولك بِمثل ما دعوت .
هذا فيه خَلل وخَطَل !
أما الخطأ فهو في فَهْم المقصود بالسلف .
وأما الخَلل فهو فَتْح الباب على مِصراعيه لِفَهْم كلّ أحد !
أقول مُستعينا بالله :
أولاً : المقصود بالسَّلَف : أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبِعَهم بإحسان ، فلم يَخْرُج عن منهجهم .
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - : تُطْلَق السلفية على الجماعة المؤمنة الذين عاشوا في العصر الأول من عصور الإسلام ، والتزموا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مِن المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان . اهـ .
وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر فهما ، وأعْمَق عِلْمًا ، وأبعد عن اللحن في اللغة ، وأسْلَم مِن الْعُجْمَة .
قال ابن عمر رضي الله عنهما : مَن كان مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنّ بِمَن قد مات ؛ أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمة ؛ أبرّها قلوبا ، وأعمقها عِلما ، وأقلّها تَكَلّفا ، قَوم اختارهم الله لِصُحْبَة نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم ، ونَقْل دِينه ؛ فَتَشَبّهوا بأخلاقهم وطَرائقهم ، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم . رواه أبو نُعيم في " الحلية " .
وقال عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه : إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ . رواه الإمام أحمد ، وحسّنه الألباني والأرنؤوط .
قال حذيفة رضي الله عنه : اتقوا الله يا معشر القُرّاء ، خذوا طريق من قبلكم ، فو الله لئن استقمتم لقد سَبقتم بعيدا ، ولئن تَركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا . رواه الإمام اللالكائي .
وقال إبراهيم النخعي : لم يُدَّخَر لكم شيء خُبّئ عن القوم لِفَضْل عندكم .
وامْتَاز أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم و رضي الله عنهم بِما لم يتَميَّز به غيرهم ؛ مِن مُعايَشَة التَّنْزِيل ، والأخذ مُشافهة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع بُعْدِهم عن التكلّف ، وسلامتهم مِن البِدَع والْمُحْدَثَات . ولذلك فإن الصحابة ثِقات عُدول ، لا يُبْحَث عن عدالتهم كما يُبْحَث عن عدالة غيرهم ؛ لأن الله أثنى عليهم ومَدَحَهم وزكّاهم ، ومَدَحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزكّاهم .
قال العالم الجليل ، والإمام الفَذّ محمد بن سيرين رحمه الله :
كانوا لا يسألون عن الإسناد ، فلما وَقَعت الفتنة قالوا : سَمُّوا لنا رجالكم ، فننظر إلى أهل السنة فنأخذ حديثهم ، وإلى أهل البدعة فلا يُؤخَذ حَديثهم .
ويعني بالفتنة مَقْتَل عثمان رضي الله عنه .
ولذلك كان الْمُرَجَّح عند الْمُحقّقِين من العلماء : أن أقوال الصحابة رضي الله عنهم حُجّة ما لم تُخالِف النصّ ؛ لِمَا امْتَازُوا به عن غيرهم ، ولِمَا خُصّوا به مِن الفَضْل والخيرية .
قال عليه الصلاة والسلام : إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - قَالَ عِمْرَانُ : فَلا أَدْرِي أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً - ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ ، وَيَحْلِفُونَ وَلا يُسْتَحْلَفُونَ . رواه البخاري ومسلم ، واللفظ لِمسلم .
ومِن هنا فإن الْمُرجَّح عند الْمُحقّقين من العلماء : أن أقوال الصحابة رضي الله عنهم حُجّة ، ما لم تُخالِف النصّ ، وأما أقوال التابعين فإنها مما يُستأنس بها ، وليست حُجّة ؛ لَمّا تَخَلّفوا في الفضل والمَنْزِلة والمكانة عن مكانة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ، إلاّ أن يَجْتَمِعوا على قول ، أو ما كان في التفسير ؛ لأنهم أهل لُغَة ، واللغة مِن أدوات التفسير ، كما سيأتي لاحِقًا.
وقد حدّ أهل اللغة سنة ( 150 ) من الهجرة حدًّا لِمن يُعتَمَد قوله في اللغة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : قال شعبة بن الحجاج وغيره : أقوال التابعين في الفروع ليست حُجّة ، فكيف تكون حجة في التفسير ؟ يعني أنها لا تكون حُجة على غيرهم ممن خالَفهم ، وهذا صحيح ، أما إذا أجْمَعُوا على الشيء فلا يُرْتَاب في كونه حُجّة ؛ فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ، ولا على مَن بَعدهم . اهـ .
ثانيا : ما بُلِيَت الأُمَّة بالبِدَع والضلالات والأهواء والتفرّق والانحرافات العقدية والفقهية بل والسلوكية ؛ إلاّ يوم اعتمَدَتْ على أفهام الرَِجال في كل عصر ومِصْر ! وحينما تَرَكْت فَهْم خير القرون ، خاصة صحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وتَخَلَّت عنه بِحُجّة أنهم رِجال وهم رِجال، وأن لهم أفْهَامًا لا تَقِلّ عن أفهام الصحابة !
فَظَهَرت البِدَع ، وأوّل ما ظَهَر الخوارِج ، حيث ظَهَروا بأفهام تُخالِف أفهام أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم و رضي الله عنهم ، وظَهَر ذلك والصحابة متوافرون !
وكانوا يقرؤون القرآن ، ولم ينفعهم ذلك ، كما أخبر بِذَلك مَن لا ينطِق عن الهوى صلى الله عليه وسلم بِقوله عن الخوارج : يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ ، يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ . رواه البخاري ومسلم .
وَهُم يَقولون بِقول النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنهم يَنفَرِدون بِفَهمهم !
قال عليه الصلاة والسلام : يأتي في آخر الزمان قوم حُدثاء الأسنان سفهاء الأحلام ، يقولون مِن خير قول البرية ، يَمْرُقون مِن الإسلام كما يمرق السهم مِن الرمية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن قتلهم أجْر لمن قتلهم يوم القيامة . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن حجر : قوله : " حُدَثاء الأسنان " ، أي : صغارها ، و" سُفَهاء الأحلام " ، أي : ضعفاء العقول .
.
ولذلك قاتَلُوا أهل الإيمان ، وترَكوا أهل الأوثان ، فانطبق عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلامِ ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ . رواه البخاري ومسلم .
وما أضلّهم إلاّ أفهامهم التي انفردوا بها عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم و رضي الله عنهم.
ولذلك قال الإمام الآجُرّي رحمه الله : لا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارِجي قد خَرج على إمام عدلاً كان أو جائرا فخرج وجمع جماعة وسَلّ سيفه واستحل قتال المسلمين ، فلا ينبغي له أن يغتر بقراءته للقرآن ، ولا بطول قيامه في الصلاة ، ولا بِمُداومة الصيام ، ولا بِحُسْن ألفاظه في العِلْم إذا كان مذهبه مذهب الخوارج . اهـ .
واعْتَبَر السلف السيادة مِن غير فِقه سَبَبًا للهلاك ؛ لأنه يقتضي تَسويد الجهَلة !
ولذا لَمَّا تطاول الناس في البناء في زمن عمر ، قال عُمر رضي الله عنه : يا معشر العرب الأرض الأرض . إنه لا إسلام إلاَّ بجماعة ، ولا جماعة إلاَّ بإمارة ، ولا إمارة إلاَّ بطاعة ، فمن سَوَّده قومه على الفقه كان حياة له ولهم ، ومَن سَوَّده قومه مِن غير فقه كان هَلاكًا له ولهم . رواه الدارمي .
وظَهَرَت المعتَزِلة بِفَهْم لم تُسبَق إليه ، تقول بِنَفْي أسماء الله تعالى وصِفَاته ، وتقول بِخَلْق القرآن ، وابْتِدَاء ذلك حينما اعتَزل وَاصِل بن عطاء حَلقة الحسن البصري ، وانفَرَد بِفَهْم لم يُسبق إليه !
وظَهَرَت القَدَرِيّة بِفَهْم معبَد الجهني ! وهو أول من اشتهر عنه إنكار القَدَر ، ثم توسّع فيها غيلان الدمشقي .
وغَيلان هذا هو أوَّل من أنْكَر استواء الله عَزّ وَجَلّ على عرشِه .
وضَلّت المرجئة بِفَهمها ! ففهِمَت خِلاف ما كان عليه السلف ، وأتوا بِبِدْع مِن القول !
وانحرفت الأشاعرة بِفهمها ، ففهِمَت خِلاف ما كان عليه السلف ، وأتوا بِبِدْع مِن القول أيضا في فَهْم صِفَات الله عَزّ وَجَلّ ، بل وقالوا قولاً في القرآن لم يُسْبَقُوا إليه ، وأتوا بِأقوال أخرى لم يُسبَقوا إليها . وما أدّاهم إلى ذلك إلاّ أفهامهم التي انفردوا بها عن السلف .
ومَرَقَت الجهمية بِفهمها ، وقالت على الله قولا عظيما .
وانحرفت الصوفية حتى بدَلّت دِين الله وغيّرته بِفهمها !
وَحَدِّث عن أفهام الروافض ولا حَرَج ! أفهام لا تنقضي ، ولا ينقضي منها العَجَب !
بل اخترعوا لهم دِينا جديدا نتيجة أفهامهم !
وظَهَرت الباطنية ؛ التي تقول إن للنصوص ظواهِر وبواطِن ! وظَهَر على إثر ذلك التفسير الإشاري !
ورَحِم الله شيخ الإسلام ابن تيمية إذْ كان يقول : وكُلّ قول يَنْفَرد به المتأخِّر عن المتقدمين ولم يَسْبِقه إليه أحد منهم فإنه يكون خطأ . اهـ .
ومَن أراد الاستزادة حول بدايات ظُهور البدَع ، وكيف ظَهَرت ، فليقرأ ما كتبه شيخنا د. ناصر العقل - وَفَقه الله - في : " مُقدّمات في الأهواء والافتراق والبِدع " و الأهواء والفِرَق والبِدَع عبر تاريخ الإسلام "
ليُعْلَم أن دعوى فَهْم الكتاب والسنة بِغير فَهْم السلف دَحْض مَزَلّة ، وانحراف وضلال ، وأنه يَفتح باب شرّ على الأمة ، تتمدّد مِن خلاله البِدَع مُجددا ، وتنشأ فيه فِرَق وضلالات ، ربما لا تَقِلّ شَرّا عن البدع السابقة !
ورَحِم الله سُفيان الثوري إذ كان يقول : إن استطعت ألاَّ تَحُكّ رَأسَك إلاَّ بِأثر ، فافْعَل .
ومِن هُنا فإن التمسُّك بِما عليه السلف ليس تَرَفًا ، بل هو ضرورة للثبَات على دِين الله عَزّ وَجَلّ ولِعَدم الانحراف ، بل ومِن أجل النجاة من النار .
ولذلك لَمَّا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق هذه الأمة ، قال عليه الصلاة والسلام :
ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين مِلّة ، كُلّهم في النار إلاَّ ملة واحدة . قالوا : ومَن هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنَا عليه وأصحابي . رواه الترمذي . وقال الألباني : حسن .
وقد أمَر النبي صلى الله عليه وسلم بالتمسُّك بِفَهْم أصحابه ، فقال : عليكم بِسُنَّتِي ، وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ . رواه الإمام أحمد وغيره . وهو حديث صحيح.
وقال عليه الصلاة والسلام : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر . رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهو حديث صحيح .
والمقصود : ما يَفْهَمه أصحابه ؛ لأنهم لن يأتوا بِشيء جديد .
قال ابن حزم : فمن أباح أن يكون للخلفاء الراشدين سُنَّة لم يَسنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أباح أن يُحَرِّموا شيئا كان حلالا على عهده صلى الله عليه وسلم إلى أن مات ، أوْ أن يُحِلّوا شيئا حَرَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أن يُوجِبوا فريضة لم يُوجِبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أن يُسْقِطُوا فريضة فَرَضَها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُسقطها إلى أن مات ؛ وكل هذه الوجوه مَنْ جَوَّزَ منها شيئا فهو كافِر مُشْرِك بإجماع الأمة كلها بلا خلاف ، وبالله تعالى التوفيق . اهـ .
قال ابن عباس رضي الله عنهما قوله : (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا) ، وقوله : (الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا) ، وقوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) ، وقوله : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) ، ونحو هذا في القرآن ، قال : أمَرَ الله المؤمنين بالجماعة ، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة .
وقد نَهانا ربنا عَزّ وَجَلّ عن الفُرْقَة والاختلاف .
تفريق الدِّين إنما هو في مفارقة الجماعة ، وفي سُلوك سُبل الضلال .
قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا) : كل ضالّ فَلِدِينِه مُفَارِق ، وقد فرَّق الأحزابُ دينَ الله الذي ارتضاه لعباده ، فَتَهَوّد بعض ، وتَنَصّر آخرون ، وتَمَجّس بعض . وذلك هو " التفريق " بِعَينِه ، ومَصير أهله شيعًا متفرقين غير مجتمعين ، فهم لِدِين الله الحقِّ مفارقون ، وله مفرِّقون . اهـ .
واتِّبَاع هَدْي السلف يقتضي التَّمَسّك بالسنة ، والنجاة مِن التخبّط والزلل والغَرَق في ظُلمات بُحور الهوى ، والتخبّط في دياجير البِدَع والافتراق .
قال الإمام الزهري : كان مَن مَضى مِن عُلمائنا يقولون : الاعتصام بالسُّنَّة نَجَاة .
وقال الإمام مالك رحمه الله : مثل السُّنَّة مثل سفينة نوح ؛ من رَكِبها نَجَا ، ومَن تَخَلّف عنها غَرِق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهذا حق ، فإن سفينة نوح إنما رَكِبها مَن صَدّق المرسلين واتَّبَعَهم ، وإن مَن لم يَركبها فقد كَذّب المرسلين ، واتَّباع السنة هو اتِّباع الرسالة التي جاءت مِن عند الله ، فتابِعها بِمَنْزِلة مَن رَكِب مع نوح السفينة باطنا وظاهرا ، والْمُتَخَلِّف عن اتِّبَاع الرسالة بِمَنْزِلة الْمُتَخَلِّف عن اتَّباع نوح عليه السلام ورُكوب السفينة معه . اهـ .
ثالثا : ذلك القول يقتضي أن يُفسَّر القرآن بِفَهْم كل صاحِب فَهْم ! فالباطني يُفسِّر القرآن تفسيرا باطنا ! أو تفسيرا إشاريا ، لا علاقة له بالقرآن .
قال الإمام مالك : لا أُوتَي بِرَجُلٍ غير عالم بِلُغَاتِ العَرَب يُفَسِّر كِتاب الله إلاَّ جَعَلْتُه نَكَالاً .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : تفسير القرآن بِمُجَرَّد الرأي حرام . اهـ .
ويقتضي ذلك القول أن يُفسَّر القرآن بِما ظَهَر مِن معناه اللغوي دون النظر في مقاصد القرآن .
فالقول بِتَفْسِير القُرآن بِلغُة العَرَب لا بُدَّ له مِن قَيد ، وهو أنْ يَجْرِي على أصُول الْمُفُسِّرِين ، وأن لا يَكون نَتِيجَة مُسَارَعَة في تَفْسِير القُرآن بِظَاهِر العَرَبِيَّة .
قال الإمام القرطبي في تفسيره : فَمَن لَم يُحْكِم ظَاهِر التَّفْسِير وبَادَر إلى اسْتِنْبَاط الْمَعَاني بِمُجَرَّد فَهْم العَرَبية كَثُر غَلَطُه ، ودَخَل في زُمرَة مَن فَسَّر القُرآن بالرَّأي ، والنَّقْل والسَّمَاع لا بُدّ لَه مِنه في ظَاهِر التَّفْسِير أوَّلاً لِيَتّقِي به مَواضِع الغَلَط ، ثم بعد ذلك يَتَّسِع الفَهْم والاسْتِنْبَاط . اهـ .
ومِن هُنا فإن إمام المفَسِّرين - ابن جرير الطبري رحمه الله - كان يَرْحَل في طلب السماع مِن العلماء ، وتتبّع الأسانيد ، حتى بعد ما جاوز الخمسين سنة ! ، دون الاعتماد على فهمه هو ؛ لأن مَن اعتمد على فهمه وَحْده ضَلّ وزَلّ .
ويبقى لِعُلَماء الأمة أن يَفْهَموا ، وأن يُعْمِلوا عقولهم في فَهْم النصوص بِما لا يتعارَض مع فَهْم السلف ، فيستنبطُون ويَعْلَمون ويَعْمَلون ، دون إهدار لفَهْم السلف ، فيضمون بذلك عدم الانحراف عن الجادّة .
والذي عابَه الله على المشركين بِعدَم تدبّر القرآن ، إنما هو في الإعراض عن دِين الله ، وعدم فَهْم أحكامه .
قال الإمام البغوي في تفسيره : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) ، فلا تَفهم مَواعظ القرآن وأحكامه . وأَمْ بمعنى (بل) . اهـ .
وقال الإمام القرطبي في تفسيره : قوله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) ، أي : يَتَفَهّمونه فيعلمون ما أعدّ الله للذين لم يتولّوا عن الإسلام . اهـ .
فالعلماء يَفْهَمون القرآن ، ويعمَلون به ، ولكنهم لا يأتون بِفَهْم جديد يُخالِف فَهْم السلف .
وخِتاما :
لا تَجد فِرقة ضالة ولا انحرافا عن المنهج السليم والاعتقاد الصحيح ؛ إلاّ وهي نتيجة فَهم انْفَرَد به أصحابه عن فَهْم سلف الأمة .
بل إن كل فرقة منحرفة لها تأويل للقرآن ، وفَهْم إما للسنة وإما لبعضها !
والله تعالى أعلم .
| [/table1]
|
|
التعديل الأخير تم بواسطة سعودي ودقولي التحية ; 03-12-2012 الساعة 08:23 AM
|