لفظ الجلاله (اللــه)
" فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ..." (محمد:19) الله يريد منك أن تعرفه، لأن المعرفة هي السر الدافع للعمل، والجهل باللههو السر الذي من أجله يترك الإنسان العمل، ولذلك قال " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْقَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَافَاعْبُدُونِ" (الأنبياء:25).
فجعل معرفتنا قبل عبادته، لأن العبادة تدينوخضوع وطاعة، وهذه الأشياء وهي الخضوع والطاعة والتدين لا يُستمد من الإنسان إلاإذا كان يعرف لمن يخضع، العلم بالشيء دائما يتقدم على العمل بالشيء، فاعرف اللهأولا ثم اعمل له ثانيا، وجرب تعمل العكس كما هو حال كثيرين تجد الآتي: لا لذةللعمل، ولا استمرار، والسبب أنه لا حافز بداخله يولِّد فيه قوة العمل، هو لا يعرفلمن يعمل، فلماذا يستمر في العمل؟...وهي لا تعرف لماذا تتحجب، فلماذا تستمر فيالحجاب؟ وهي لا تعرف لماذا تسامح فلماذا تفعل كل هذا؟
لأجل كل هذا كانالمنهج الرباني هو التعريف بالله أولا ثم بأحكامه ودينه ثانيا ففرق بين الله وبيندين الله، الله خالق ودين الله مخلوق، الله لا يتغير ودين الله شرائع وكتب تغيرتعلى مر السنين والرسل، فاول شيء تعرّف على الله كما كان يفعل أنبياء الله ورسله معأقوامهم أنه لا إله إلا الله فاعبدوه، فالمعرفة أولا ثم العبادة ثانيا، ولذلك تجدالنبي صلى الله عليه وسلم يعرِّف الناس بالله 10 سنوات ثم تفرض الصلاة بعدها، هذاالركن العظيم في الإسلام الصلاة ..فرضت بعد البعثة بعشر سنوات ..أين العبادة؟ لكنالمنهج النبوي يهيء الناس للعبادة بمعرفة المعبود حتى يقبلوا عليها بقلوبهم لابأجسادهم، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع معاذ لمّا أرسله لليمن فقال له "...فادعهم إلى التوحيد، فإذا أقروا بذلك فقل: إن الله فرض عليكم خمس صلوات..."،فالعبادة تأتي بعد المعرفة، لأن المعرفة هي المحركة لطاقة العمل المتولّدة من الحب،وإذا وضعنا العكس سنرى ونسمع عن شكاوى لا حصر لها في طريق الناس إلى ربهم يشكُون منتعب وإرهاق، وما هذا إلا لأنهم حملوا أثقال العبادة قبل التهيء لها.
"الله" اسم جامع ودال على كل الأسماء والصفات والأفعال يعني كل الأسماء والصفات والأفعالوالمخلوقات والتصرفات، ما هي إلا دلالات على الاسم الدال على الذات "الله" أي ما هيإلا تفسيرات وتوضيحات وتعريف على الله، فبقدر دقة نظرك ومعرفتك بالأشياء وبقدر ربطهذه النظرات والتفكرات بالله بقدر ما تكون معرفتك بالله، يُنسب لابن عباس في تفسيرقوله تعالى " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات:56) " أنه قال أي إلا ليعرفون، لأنه لا عبادة إلا بعد معرفة لأن الله هوالغاية والمقصود والصمد الذي يقصد ويصمد إليه ويُلجأ إليه، لأن الله قال " وَأَنَّإِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنْتَهَىٰ" (النجم: 42) فهو المراد من الصلاة والصيام والحج،فالصلاة قال الله عنها " ... وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي "(طه: 14) أي لأُذكربها لا لتذكروها هي وتنسوني أنا الذي شرَّعت الصلاة، وما مثل من يعبد الله ولايعرفه حق المعرفة إلا مثل من يعمل في وظيفة لا يعرف مديرها، فلو قال له مديره افعلكذا وهو لا يعرف مديره ..لا وصفه ولا شخصه ولا شيء عنه، فإنه سيقول له ..لا أمر لكعليّ، أما لو كان يعرفه بوصفه وشخصه وآثار هيمنته في مصنعه وشركته لكان له في قلبههيبة وقيمة، ولو رأيت من هذا الموظف أمرا آخر غير الأول.
"الله" الاسمالجامع لكل الأسماء والصفات هو نفسه معنى "لا إله إلا الله" أي كل ما تراه من صفاتفي المخلوقات وآثار للتصرفات إنما يرجع إلى صفة من صفات الله فلا يخرج شيء عن أنيكون أثرا لصفة من صفاته سبحانه أي: لا قوة ترى أثرَها إلا منه ودالٌ عليه ، ولاعلم ترى أثرَه إلا منه ودالٌ عليه، ولا جمال ترى أثرَه إلا منه، ولا عدل ولا حكمةولا كمال في شيء تراه إلا هو أثرٌ من صفة من صفات الله، وهذه الصفات لكثرتها ودقةتصنيفها في المخلوقات جعل الله لنا اسمه "الله" دالٌ على كل هذه الآثار والتصرفات.. فلا إله إلا الله ..أي لا أثر ولا شيء ناتج عن صفة وكل صفة راجعة إلى الله فكان اسمالله "الله" دال على كل الأسماء والصفات، حتى إذا عجزت عن فهم شيء في الكون أرجعتهإلى "الله"، وإن لم تفهم مرجعه إلى أي صفة، وهذا لدقيقةٍ عظيمة، وهي أن أسماء اللهوصفاته لا تتناهى، وأنت مهما فكرت فإن أفكارك لا تتناهى، فقال الله لك "إذا لم تفهمبعض مخلوقات أو تصرفاتي فقل "الله" فاعل كل هذا، أي قل "لا إله إلا الله" فالله هوالاسم الجامع والدال على كل الأسماء والصفات والتصرفات.
|