تَجَنِ واغتيال لحقوق الآخرين ..
وجور وعدم انصاف ..
و أصل الُظلم : الجور و مجاوزة الحد .
قال شيخ الإسلام ابن تيميه
" و الظلم محرماً في كل شيء و لكل أحد فلا يحل ظلم أحد أصلاً سواء
كان مسلماً أو كافراً أو كان ظالماً،
قال تعالى :
{ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوَّامين بالقسط ..}
[فتاوى بن تيميه ، (1/351-352) ].
عقآب الظالمين :
(( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا
يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً )) الكهف 29
الغالب في سنة الله في عقاب الظالمين – عقابهم في الدنيا بظلمهم للغير ،يدل على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
( ما ذنب أجد أن يُعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدّخر لهفي الآخرة مثل البغي و قطيعة الرحم ) .
قيل في شرحه :
" ما من ذنب أحق و أولى لصاحبه أي لمرتكب الذنب
أن يعجل الله له العقوبة مع ما يؤجل من العقوبة له في الآخرة
مثل ( البغي ) أي بغي الباغي و هو الظلم و الخروج على السلطان
أو الكبر و قطيعة الرحم أي : و من قطع صلة الأرحام "
[عون المعبود شرح سنن أبي داود ،(13/244) ].
ومن صور عقاب الظالم تسليط ظالم عليه :
قال تعالى :{ وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون } [الأنعام :129 ]
قال الإمام القرطبي :" نسلط بعض الظلمة على بعض فيهلكه و يذله ، و هذا تهديد للظالم ]
الترهيب من الظلم و مآل الظالمين :
و عن ابي موسى رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
" إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته "
ثم قرأ " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ"
و عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
بعث معاذاً إلى اليمن فقال:
"اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب"
و عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
"اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة"
ومن أمثلة الظلم :
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
"مطل الغني ظلم"
ومطله منع أداءه وتأخيره
أراد بالغني: القادر على الأداء ولو كان فقيرا .. و المقصود من الحديث :
أن المماطلة في إعطاء الغني حقه ظلم ..
و إذا كانت مماطلة الغني في حقه ظلم فبالأولى مماطلة الفقير المحتاج في حقه ظلم اكبر ..
لذلك اختص النبي صلى الله عليه و سلم الغني بالذكر حتى ..
يؤكد على تحريم المماطلة سواء كان صاحب الحق غنياً أو فقيرا .
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
" من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار و حرم عليه الجنة"
قيل:"يا رسول الله و إن كان شيئاً يسيراً؟"
قال: ( وإن كان قضيباً من أراك )
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
"لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء"
(الجلحاء): التي لا قرن لها ..
• عدم إعطاء الأجير أجره:
يقول الله تعالى: أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته:
رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعط أجره "
قوله: ( أعطى بي ثم غدر ):
أي عاهد عهدا وحلف عليه بالله ثم نقضه ..
و كذلك إذا ظلم يهودياً او نصرانياً او انقصه او كلفه فوق طاقته .
او اخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فهو خصم لله تعالى ..
• ظلم المرأة في حقها من صداقها و نفقتها و كسوتها:
لأن هذا يدخل في قوله صلى الله عليه و سلم:
" لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته"
(لي الواجد): بفتح اللام وتشديد التحتية ,
والواجد بالجيم أي مطل القادر على قضاء دينه والمعنى :
إذا مطل الغني عن قضاء دينه ..
يحل للدائن أن يغلظ القول عليه ويشدد في هتك عرضه وحرمته ..
• معاونة الظلمة في ظلمهم:
قال تعالى:
"وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ"
والركون هنا بمعنى :
السكون إلى الشئ و والميل اليه بالمحبة و قال السدي في هذه الآية الكريمة:
لا تداهنوا الظلمة ..
و عن ابن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:
" سيكون أمراء يغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون ويكذبون
فمن أعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم فليس مني ولا أنا منه
ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأنا منه وهو مني "
قصص عن الظلم :
ومن الاثر قصة رجل من اعوان الظلمة رأى صياداً و قد اصطاد سمكة كبيرة
فأخذها منه عنوه فبينما هو عائد الى بيته يحملها عضت على ابهامه
فما نام ليلتها من الالم ثم ذهب الى الطبيب فقال له :
انه اصيب بداء الأكلة و لابد من بتر الإبهام فبتره
ثم عاوده الالم و انتشر الى الكف ثم الى الساعد ثم الى المرفق ثم الى العضد ..
فقطع يده من كتفه حتى لا يسري في باقي جسده ..فنصحه الناس ان يسترضي صاحب السمكة ليرحمه الله مما هو فيه ..
فذهب اليه و اعتذر له و استرضاه ثم سأله:
يا سيدي بالله هل كنت قد دعوت علي لما أخذتها ؟قال الصياد: نعم قلت:
"اللهم إن هذا تقوى علي بقوته على ضعفي على ما رزقتني ظلماً فأرني قدرتك فيه "
فقال الرجل: يا سيدي قد أراك الله قدرته في و أنا تائب إلى الله عز و جلعما كنت عليه من خدمة الظلمة و لا عدت أقف لهم على باب و لا أكون من أعوانهم ما دمت حياً ..
و عن أبي قلابة قال:
"كنت في رفقة بالشام و سمعت صوت رجل يقول:
"ويلاه من النار" قال: فقمت اليه و إذا هو رجل مقطوع اليدين و الرجلين من الحقوين
أعمى العينين منكباً لوجهه فسألته عن حاله فقال:
"إني كنت ممن دخل على عثمان الدار فلما دنوت منه صرخت زوجته فلطمتها
فقال عثمان رضي الله تعالى عنه و ارضاه:
مالك, قطع الله يديك و رجليك و أعمى عينيك و ادخلك النار"
فأخذتني رعدة عظيمة و خرجت هارباً فاصابني ما ترى و لم يبق من دعائه إلا النارقلت له: بعداً لك و سحقاً
و قد قال تعالى في سورة الكهف:
" وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا
مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا
وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"