بسم الله الرحمن الرحيم
من منا لا يعرف قصة تلك الطفلة المسكينة (سالي)... تلك البريئة التي أجبرتها الظروف أن تكون خادمة في مدرسة الآنسة (منشن)...
طفلة لم تكن تملك من مضيها السعيد سوى لعبتها الجميلة (أيملي) وصورة تجمعها ووالديها...
ومن منا لا يعرف الآنسة (منشن ) تلك المرأة التي ابغضها الصغار والكبار على حد سواء...
كانت أختي تراقب مسلسل (سالي) بكل حماس... مع أنها قد رأته ما يقارب الألف مرة... فقلت معاندة لها .. تلك الفتاة التي تدعى (سالي) ليست سوى فتاة مدللة... والحق كل الحق للآنسة (منشن)...
فصرخت بي ... أصمتي ... إن سالي مسكينة... تعمل إلى آخر الليل وحدها والجميع نيام ... وتستيقظ في الصباح لتمسح وتكنس وتكوي... وتعد الإفطار للآنسة (لافينيا)..
كلمات خرجت منها كالسيل الجارف الذي حرك مشاعري في الحال...
موضوع لا يصح أن يفوت... ركضت لمكتبي .. وبما أن العلم تطور فإني لم أمسك القلم ... بل فتحت جهازي على برنامج ((Microsoft Word مباشرة .. لأشرع بالكتابة...
سالي والآنسة منشن...
يظن البعض أن قصتهما انتهت منذ قديم الزمان ... ولكني أرى بأن القصة لا تزال أحداثها تجري إلى الآن...
فكم من سالي تعيش بيننا الآن؟؟!!
اعني سالي حقيقية ... ذات دم ولحم ... ذات مشاعر وأحاسيس...
كم من سالي بيننا.. توقظها آنسة منشن في الصباح الباكر لتبدأ عملها الشاق... ولا تعود للنوم إلا في آخر الليالي... ثم وبعد هذا لا يرضى عن عملها...
كم من سالي بيننا تعيش غربة ووحشة... لا تملك من أحبابها سوى الصور... ومع ذلك فإنه لا يسمح لها حتى بالاتصال بهم..
كم من سالي بيننا لا تآكل سوى بقايا ما يتركه لها أهل البيت...
كم من سالي بيننا... تضرب وتهان وتذل ... وكأن سالي تلك ليس لها أي مشاعر..
ربما كانت سالي الخيالية أكثر حظا منها... فسالي الخيالية لديها (بيتر)... لديها جارهم الطيب... لديها أصدقاء تتحدث معهم ويساعدونها في أعمالها...
دعونا من سالي الآن... ولننتقل إلى الآنسة منشن...
كم من آنسة منشن بيننا... لا تعرف سوى أن تأمر وتنهى... تخطا وتصحح...
كم من آنسة منشن بيننا تمد كفها القاسي على وجه تلك السالي المسكينة...
كم من آنسة منشن بيننا تتقرف من أن تلمس سالي شيئا من أشيائها...
بل حتى ترى أن تبادل الحديث والضحكات مع سالي هو نقص وعيب...
كم ابنة لآنسة منشن تدعى (لافينيا) .. تأمر وتنهى تلك الخادمة... بل قد تسب وتشتم... والمصيبة بان تكون في نفس سنها... والأدهى بان تكون اصغر منها... وتحدثها وكأنها حشرة أمامها...
كم من آنسة منشن بيننا قد طغى عليها (الكبْر)... ولأن فقط تلك ((خادمة)) ... أجبرتها الظروف أن تكون كذلك..فأنها نجسة .. تحتاج إلى مصنع مواد مطهرة قبل أن تلمس طعامهم...
تحتاج على تصريح لتقبل أطفالهم... أو حتى تلمس ثيابهم...
لازلت إلى الآن أرى (سالي) المتمسكة بصورة والديها بيننا...
ولازلت أرى الآنسة (منشن) بنظراتها القاسية بيننا...
قد يقول قائل... ها أنت برأت سالي الحالية من كل التهم الموجهة إليها...
فأقول ... لا أنكر أن هناك مصائب قد تأتي من سالي... (ولكل قاعدة شواذ)
ولكن عزيزي القارئ تأمل قليلا معي.. لو أن سالي كانت في آخر الليل متجهة نحو غرفتها في ذلك الطابق الموحش .. مارة بغرفة الآنسة منشن على يسارها... ثم رأت شيئا لامعا في غرفة الآنسة منشن.. وعندما اقتربت منه... وجدته قطعة مجوهرات...
أبهرها لمعانه... وتذكرت بأن ((بيتر)) يقبع خارج هذا البناء يقتله الجوع... وان أسرته التي تعدها أسرتها كذلك ...يقتلهم الجوع أيضا... تذكرت ذلك البرد القارص الذي يلفهم... تذكرت مرضاهم الذين لم يقبل بهم المشفى لفقرهم... ثم أخذت تلك القطعة من المجوهرات...
هل ستلومها حينها... ؟؟!! .... ستقول لا إنها فتاة مسكينة ... فقط كانت تفكر في أهلها الجياع ... أرادت فقط أن تسعدهم... أرادت فقط أن تنقذهم من الموت...
صحيح أن هذا الأمر مرفوض تماما ... ولكن هناك مبرر لفعلة ... ولو كنتم مكانها لفعلتم نفس الفعل... وبحكم أننا قد نكون جميعا آنسة منشن فإننا لا نرضى أبدا بذلك... ولا حتى نتواضع وننظر من وجهة نظرها..
أنا هنا لا لأؤيد ما قامت به بتاتا... أنا هنا فقط لأضعكم في الجهة الأخرى من الحدث...
وقد يقول قائل.. ها أنت تشبهين سالي تلك الطفلة المجبرة عمدا على العمل... بتلك الخادمة التي ندفع راتبها لتعمل...
فأقول.. إن سالي كانت تعمل لتأكل... كانت تعمل لتعيش... هذا هو القاسم المشترك بينهن ... في نظري طبعا...
ثم إنه لأمر أعظم أن تكون لدينا سالي ... تعمل بأجر.. فبأي حق تعامل هذه المعاملة... لو أنها كانت امة عندك فلا باس... فلتفعل بها ما شئت.. ولكنها ليست أمه.. وأنت لم تشتري كرامتها ومشاعرها وأحاسيسها لتكون بهذه القسوة معها...
وأنا لا أنكر أن هناك سالي الشيطانية... وأن هناك الآنسة (إميليا) ذات القلب الطيب الحنون بيننا...
ولكني كلما رأيت سالي وآنسة منشن في هذا الزمان... تذكرت حديث انس بن مالك وهو يخبر عن رسول الله بأنه لم يقل له يوما ... لم فعلت هذا ولم لم تفعل هذا... فأتساءل لم نحن لسنا كذلك...
أعلم أنكم ستقولون ولكن هذا أنس بن مالك .. وليس تلك الخادمة...
وسارد عليكم وأقول... ولكنكم لستم رسول الله ... لتكون لكم تلك الخادمة كأنس بن مالك...
اعتذر عن الغلظة في العبارة ولكني كتبت هذا الموضوع لأقول خافوا الله في من كان في بيوتكم...
اتقوا الله فيهم... أحسنوا لهم يحسن الله لكم... قال تعالى (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)
ما يدريك ما الله فاعل غدا... قد يأتي زمان تكونون فيه أنتم آنسة سالي... ويكون هنالك الآنسة منشن
.................................................. .................................................. .................... .............................................
بقلم/ الأخت شوشرة الفيفي..
إن أحسنت فمن الله..وإن أسأت فمن نفسي والشيطان