عتب اللغة العربية على أَهلها
خليل مطران
سَمِعْتُ بِأُذْنِ قَلْبِي صَوْتَ عتْبٍ *** لَهُ رقْرَاقُ دَمْعٍ مُسْتَهَلِّ
تَقُولُ لأَهْلِهَا الْفُصْحَى: أَعَدْلٌ *** بِرَبِّكُمُ اغْتِرَابِي بَيْنَ أَهْلي؟
أَلَسْتُ أَنَا الَّتِي بدَمِي وَرُوحي *** غَذَتْ مِنْهُمْ وَأَنْمَتْ كُلَّ طِفْلِ؟
أَنَا الْعَرَبِيَّةُ المشْهُودُ فَضْلِي *** أَأَغْدُو الْيوْمَ وَالمَغْمُورُ فَضْلِي؟
إِذَا مَا الْقَوْمُ بِاللُّغَةِ اسْتَخَفُّوا فَضَاعَتْ *** مَا مَصِيرُ الْقَوْمِ قُل لِي
وَمَا دَعْوى اتِّحادٍ فِي بِلاَدٍ *** وَمَا دَعْوَى ذِمَارٍ مُسْتَقِلِّ؟
فَسَادُ الْقَوْلِ فِيهِ دَلِيلُ عَجْزٍ *** فَهَلْ مَعَهُ يَكُونُ صَلاَحُ فِعْلِ؟
بُنَيَّاتِ الْحِمَى أَنْتُنَّ نَسْلِي *** فَإِنْ تَنْكِرْنَنِي أَتَكُنَّ نَسْلي؟
وَيَا فِتْيَانَهُ إِنْ أَخْطَأَتْنِي *** مَبَرَّتُكُمْ فَإِنَّ الثُّكْلَ ثَكْلِي
يُحَارِبُنِي الأُلَى جَحَدُوا جَمِيلِي *** وَلَمْ تَرْدَعْهُمُ حُرُمَاتُ أَصْلي
وَفِي الْقُرْآنِ إِعْجَازٌ تَجَلَّتْ *** حِلاَيَ بِنُورِه أَسْنَى تَجَلِّ
وَلِلْعُلَمَاءِ وَالأُدَبَاءِ فِيمَا *** نَأَت غَايَاتُهُ مَهَّدْتُ سُبْلِي
إذَا مَا كَانَ فِي كَلِمِي صِعَابٌ *** فَلاَ تَأْخُذْ كَثِيري بِالأَقَلِّ
وَهَلْ لُغَةٌ قَدِيماً أَوْ حَدِيثاً *** تُعَد بِوَفْرَةِ الْحَسنَاتِ مِثلِي؟
فيَا أُمَّ اللُّغاتِ عَدَاكِ مِنا *** عُقُوقُ مَسَاءَةٍ وَعُقوقُ جَهْلِ
لَكِ الْعَوْدُ الْحَمِيدُ فأَنتِ شمْسٌ *** وَلم يَحْجبْ شُعاعَك غيْرُ ظِلِّ
دَعَوْتِ فهَبَّ مِن شَتَّى النوَاحِي *** مَيَامِينٌ أُولُُو حَزْمٍ وَنُبْلِ
بِرَأْيٍ فِيكِ يَكْفُلُ أَنْ تُرَدِّي *** مُكَرَّمَةً إلى أَسْمَى مَحَلِّ
يُنَوِّرُ شِعْرُهُمْ فِي كلِّ وَادٍ *** وَيُزْهِرُ نَشْرُهُمْ فِي كُلِّ حَقلِ
فَكَيْفَ بِهِ إِذَا مَا شَنَّ حَرْبًا *** عَلَى بِدْعِ الضَّلُولِ أَوِ المُضِلِّ؟