أسير بسيارتي ....
مثلي .... مثل آلاف البشر من حولي .... ازمة مرور خانقه ...
صوت فيروز ينطلق من راديو سيارتي .... يختلط بعدة اصوات .... حتى بالكاد تميز اغنيتها
ابواق السيارات ....
صوت ماتور شاحنة مرت بجانبي ... واضطرتني ان اغلق شباكي من رائحة وقودها الخانق
صوت السائقين الغضبى .... بائع الصحف ....
وصوت فيروز .... بين كل هذه الاصوات ... يبدو مخنوقا
وقفت على الاشارة الضوئية .... مثلي كمثل مئات السيارات حولي ...
الاشارة حمراء ... يعني قف
فرصة للتفكير ... واخذ استراحه من القياده ... وانت على الاشاره
انا اختلف عن بقية السائقين ... فانا احب الاشارة الضوئية ...
اصطف على اول الاشاره ... وخلفي العديد من السيارات ...
وامامي ... يقف شرطي المرور ... عابس الوجه ... قاطب الجبين .... وهذه متطلبات اساسيه لشرطة المرور
عند التحاق اي فرد جديد بسلك الشرطه المروريه يعطوه بعض الاشياء الضرورية للمهمه القادمه :
الزي الرسمي ، الخوذه ، صفاره ، دفتر مخالفات ، وكثير من العبوس وبعض التجهم ...
جالت بخاطري افكار عديده .... لم اقف هنا على الاشاره ..... ؟؟؟
انه القانون ... نعم ... القانون .
الآن ادركت ... انه ومنذ صغري وانا محاط بالقوانين ...
قانون في البيت منذ صغري .... قانون للنوم وقانون لطعام وقانون للعب وقانون للدراسه ....
في المدرسه ... قوانين المدرسه ... ومن ثم ... قوانين الجامعه . ..
في العمل قوانين ... في الشارع قوانين .... قوانين تجاريه ... قوانين صناعيه ... قوانين قانونيه !!!!
طوال عمري وانا محاصر بالقوانين
صوت فيروز بات اكثر وضوحا على الاشاره .... هل تغني حسب القانون ؟؟؟
وشرطي المرور لا زال عابسا مكفهرا ....
لمعت في راسي فكره ...
لماذا لا اخرج عن القانون لمره واحده في حياتي ....
نعم ... سانطلق ... ساخالف حُُُُُُمرة الاشاره الشديده وانطلق ... وليحدث ما يحدث ...
يخالفوني ... يسجنوني ... يعدموني ... لا يهم ....
ساحقق ذاتي .. وانطلق ... ساتحرر من القانون اخيرا ....
صوت فيروز يشجعني ... وشرطي المرور ينظر الي ... انا بالتحديد وكانه يقرأ افكاري ...
زاد وجهه تجهما ... وزاد عبوسه ... يبدو انه سيستلم اليوم عهدة جديده من العبوس ويريد ان يستنفذ كل العبوس القديم .....
تشجعت ...
حبست انفاسي ....
جهزت سيارتي للانطلاق ... لاختراق القانون الذي يحاصرني طيلة حياتي
انهت فيروز اغنيتها ....
قلبي يخفق شدة ... ليس خوفا ... ولكن لهفة للخروج من حصار القانون
وانطلقت .... بكل ما اوتيت من سرعة ... وكلي فرح لخروجي من أحد قيودي ...
من قيد قانون من القوانين التي تحيط برقبتي ...
يبدو انني لن استطيع ابدا تجاوز القوانين ...
وسابقى محاصرا بها طيلة حياتي تلتف حولي وتعصرني بلا هواده ..
لانني لحظة انطلاقي ....
وللاسف ....
اصبحت الاشارة .....
خضراء .....
بقلم كاتب آخر
بقايا إنسان