يعلمُها , رؤية , سمو , سهما , عملية , وماتسقط , ورقت
وماتسقط ُمن ورقة ٍإلا يعلمُها رؤية علمية
(وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا) رؤية علمية
أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى
نعيش في السطور التالية مع الجوانب العلمية في قوله تعالى:
(وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا ) (الأنعام/59).
جاء في التفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي: (ويعلم سقوط أي ورقة من أوراق الشجر في أي مكان وزمان في البر والبحر) انتهى.
وجاء في تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبدالرحمن السعدي في قوله تعالى: (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ) قال: من أشجار البر والبحر والبلدان والقفر والدنيا والآخرة إلا يعلمها) انتهى.
ونحن نقول وبالله التوفيق: الورقة النباتية من كبرى المعجزات الحيوية، والورقة النباتية زوائد (أو تراكيب) جانبية خضراء مفلطحة (عادة) تحملها السيقان النباتية عند العقد الساقية، وهي تتكون من ثلاثة أجزاء (عادة) هي القاعدة (Base) والعنق (Petiol or Stalk) والنصل (Blad or Lamina) والقاعدة هي الجزء الأسفل من الورقة المتصل بالساق وهي عريضة منتفخة قليلا في معظم النباتات ووظيفتها تغطية البراعم الابطية وحمايتها من المؤثرات الخارجية، والعنق يصل ما بين القاعدة (أو الساق) والنصل وتمر بداخله العصارة المجهزة بالورقة بالبناء الضوئي والهابطة إلى الساق وبراعمه ثم الجذر، وتمر خلاله أيضا العصارة النيئة الصاعدة من الجذر إلى الساق ثم الورقة، والعنق يحمل النصل بعيدا عن الساق إلى موضع أمثل يصيب النصل فيه رزقه من الضوء والهواء، مما يجعله أقدر على تأدية وظائفه الحيوية مثل تبادل الغازات، والنتح والتمثيل الضوئي والتظليل بصورة مثلى مصداقا لقول الله تعالى: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى{50}) (طه/50) أي أعطاه صورته اللائقة بوظيفته ثم هداه لما يصلح عليه حياته وتأدية وظيفته الحيوية بطريقة مثلى.
ونصل الورقة هو الجزء الطرفي العريض (عادة) والمنبسط من الورقة، وهو أكبر أجزاء الورقة وأهمها، لأنه مختص بأهم عملية حيوية نباتية وهي عملية البناء الضوئي التي جعلها الله سبحانه وتعالى طريق الكائنات الحية الأرضية في تصنيع الغذاء العضوي والحصول عليه جاهزا، وتنتشر في أرجاء النصل شبكة معجزة من العروق الورقية تتكون من عرق ظاهر رئيس وكبير في وسط الورقة وكأنه امتداد لعنق الورقة المعنقة ويعرف هذا العرق الرئيس بالعرق الوسطي أو العير (Midrib) يمتد بطول النصل على امتداد واستقامة العنق، ويبرز العرق الوسطي قليلا على السطح السفلي للورقة مع تقعر قليل على سطحها العلوي، وتخرج من هذا العرق الوسطي عروقا جانبية (Lateral Veins) أدق منه وأقل بروزا ووضوحا، تتجه نحو حافة الورقة بميل قليلا إلى أعلى، وقد تتفرع العريقات مرة أخرى أو أكثر من مرة ثم تلتقي في النهاية وتتشابك مكونة جهازا توصيليا معجزا وظيفته نقل العصارة من مختلف أجزاء الورقة إليها، ويعرف نظام التعرق الشائع في أوراق ذوات الفلقتين بالتعرق الشبكي (Reticulate Venation).
للورقة النباتية أشكالا مبدعة، وحواف معجزة فصلناها في موضوع الورقة النباتية من كبرى المعجزات الحيوية في كتابنا (معجزات حيوية علمية ميسرة)، كما أننا اعتمدنا على كتب النبات العام، أحمد مجاهد وآخرون في صياغة المعلومات السابقة عن الورقة.
وجاء في معجم النبات من قاموس القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي أن النبات على شاكلتين من حيث بقاء الأوراق على الشجر، فبعضها نباتات متساقطة الأوراق Deci، فالنباتات تنضو (أي تسقط) عنها أوراقها في موسم معين (عادة ما يكون الخريف) ولا تظهر إلا في موسم معين (عادة ما يكون الربيع)، أما البعض الآخر فنباتات مستديمة الخضرة (Evergreen) لا تسقط أوراقها دفعة واحدة، ولذلك تظل خضراء طوال العام) انتهى.
والمعلوم علميا أن جميع الأشجار (ما عدا النخيل) تسقط أوراقها تلقائيا إما مرة واحدة أو بالتناوب وقد بين المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن النخلة لا يسقط ورقها تلقائيا دون تقطيع من الإنسان وهذا ما فصلناه في موضوع مثل المؤمن كشجرة لا يتحات ورقها (أي يسقط ورقها).
وتحمل النباتات الأرضية الحولية والشجيرية والشجرة بلايين البلايين من الأوراق يسقط الكم الهائل منها في الأرض والبحار ومجاري المياه، والله يعلم كل ورقة تسقط من كل نبات متى تسقط وكيف تسقط وأين تسقط.
وسقوط الأوراق من أهم الظواهر النباتية يتحكم فيه العديد من العوامل الداخلية في الورقة والخارجية، والأوراق عادة لا تسقط عشوائيا بل لها نظام هرموني ونسيجي معجز يؤدي إلى سقوطها من مكان محدد يفصل بينها وبين الساق وقد فسرت البحوث النباتية ظاهرة تساقط الأوراق علميا والتي تأتي نتيجة لإفراز بعض المركبات الهرمونية المسئولة عن منع النمو أو تثبيطه وتم عزل وتعريف أهم هذه المركبات وهو حامض التسقيط (Absscisic Acid) وأعلن الباحثون أن استخدام حامض التسقيط قد يتسبب في تساقط الجزء القاعدي لعنق الورقة (القاعدة) ويعزى ذلك إلى حدوث بعض التفاعلات والتحورات الحيوية للهرمونات الأخرى الموجودة داخل النبات.
وسقوط الأوراق من أهم الظواهر النباتية يتحكم فيه العديد من العوامل الداخلية في الورقة والخارجية، والأوراق عادة لا تسقط عشوائيا بل لها نظام هرموني ونسيجي معجز يؤدي إلى سقوطها من مكان محدد يفصل بينها وبين الساق وقد فسرت البحوث النباتية ظاهرة تساقط الأوراق علميا والتي تأتي نتيجة لإفراز بعض المركبات الهرمونية المسئولة عن منع النمو أو تثبيطه وتم عزل وتعريف أهم هذه المركبات وهو حامض التسقيط (Absscisic Acid) وأعلن الباحثون أن استخدام حامض التسقيط قد يتسبب في تساقط الجزء القاعدي لعنق الورقة (القاعدة) ويعزى ذلك إلى حدوث بعض التفاعلات والتحورات الحيوية للهرمونات الأخرى الموجودة داخل النبات.
ومن الأسباب الرئيسية التي تعمل على سهولة التساقط وسرعة تنفيذها بواسطة حامض التسقيط ترجع إلى العوامل التالية:
1- زيادة معدل الإنتاج للعديد من الإنزيمات المحللة لبعض المواد العضوية الهامة والموجودة في مناطق التساقط والانفصال مثل إنزيم البروتيز، والبكتينيز، والسليلوز (التي تقوم بتحليل البروتين والبكتين والسليلوز في منطقة الانفصال).
2- تحلل الأغشية البروتوبلازيمة والجدر الخلوية لخلايا منطقة الانفصال.
3- إذابة الصفائح الوسطية (Middle Lamella) لجدر الخلايا لمنطقة التساقط (كما قال الدكتور الشحات نصر أبوزيد في كتاب الهرمونات النباتية والتطبيقات الزراعية).
كما لوحظ أيضا أن فعالية التساقط لأوراق الأشجار مستديمة الاخضرار والمعاملة بحامض التسقيط تتوقف على درجة الحرارة الجوية، وشدة الفترة الضوئية خلال مواسم السنة، ومستوى النيتروجين في النبات، والتغير الكلي لمكونات النظام الهرموني، ونقص الماء والغذاء.
وثبت علميا أن حامض التسقيط يعمل على سرعة تحلل وتحطيم مركب اليخضور (الكلوروفيل) المسئول عن اللون الأخضر في خلايا الأوراق ويؤدي إلى اصفرارها وتبكير دخولها في مرحلة شيخوختها خلال فترة قصيرة مصحوبة بالفقد السريع في كل من اليخضور والبروتينات والحامض النووي (RNA) ويعزى ذلك إلى النقص في معدل تخليق البروتينات وارتفاع معدل تحللها (المرجع السابق (ص434) بتصرف قليل).
ويصاحب هذا الفعل الهرموني والفعل الإنزيمي وتحلل مكان الانفصال والسقوط نمو بعض الأنسجة المحيطة بمكان القطع والسقوط مما يعجل بسقوط الأوراق وقطعها.
وتطرأ على جدر خلايا طبقة الانفصال تغيرات كيميائية تحول الصفائح الوسطى بين الخلايا المتجاورة إلى طبقات مخاطية لا تلبث أن تذوب وتتفكك خلاياها وإذ ذاك يصبح اتصال الورقة بالساق مقصوراً على البشرة والحزم الوعائية , وتتكون تحت طبقة الانفصال طبقة فلينية , ولا تقوى الحزم الوعائية على مغالبة الرياح بل تسقطها بعد فترة (النبات العام , أحمد مجاهد وآخرون , مكتبة الأنجلو المصرية
(ط 6) (ص623) 1986م). أذا عملية سقوط الأوراق وانفصالها عملية معجزة علمية منظمة ومحكمة وليست عملية عشوائية أو تتم بالمصادفة دون حسيب أو رقيب كما يدعي الدارونيون أصحاب النظرية العشوائية في الخلق وفي سلوك الكائنات الحية.
ولسقوط الأوراق العديد من الفوائد الحيوية للنبات حيث تتراكم في الأوراق بعض مخلفات عملية الهدم والبناء والتلوث وحتى يتخلص النبات من هذه الفضلات هيأ الله سبحانه وتعالى له سقوط الأوراق لتقوم مقام الكلية في الحيوان لتخليص النبات من المواد الزائدة والضارة.
كما تسقط الأشجار متساقطة الأوراق أوراقها دفعة واحدة (نفضية) لكي تغلق فتحات النبات الورقية ليجابه النبات فترة الشتاء البارد وقد أغلق منافذه على البيئة الخارجية مما يحفظ على النبات حياة سيقانه وجذوره وبراعمه الشتوية، ويقوم النبات بتغطية مكان الانفصال بمواد شمعية وراتنجية وصمغية عازلة وتغطي بعض النباتات براعمها الشتوية بأوراق حرشفية وبمواد صمغية لتحفظ على أوراق البراعم حياتها.
أما في البراعم الصيفية فلا حاجة لهذا الإغلاق المحكم فزود الله تعالى البراعم الصيفية بأوراق حرشفية غير محكمة الإغلاق مع عدم الحاجة للمواد الصمغية والشمعية والراتنجية.
- فمن فعل هذا؟
- ومن قدر هذا؟
- ومن هيأ هذا؟
يأتينا الرد على لسان سيدنا موسى عندما سأله فرعون (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى{49}) (طه/49) فكان الرد البليغ المعجز والعلمي المتناسب مع علم فرعون وملأه حيث قال: (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى{50}) (طه/50) أي أعطاه صورته اللائقة بحفظ حياته واستمرارها وفاعليتها ثم هداه إلى سلوك ما يحفظ عليه هذه العمليات الحيوية والضرورية لاستمرار حياته.
وصدق الله العظيم القائل: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ{59}) (الأنعام/59).
ولماذا خص الله تعالى سقوط الأوراق بالذكر مع الحب والرطب واليابس لأن الورقة النباتية لو غابت وغاب يخضورها وبنائها الضوئي لغابت الحياة من على الأرض فالورقة النباتية هي التي تنتج وأنتجت بترول العالم، وكل خشب العالم، وكل فحم العالم، وكل سكر العالم، وكل دهن العالم، وكل مطاط العالم، وكل غذاء العالم المقدم للإنسان والحيوان والكائنات الحية الدقيقة، وأنتجت كل أكسجين الكرة الأرضية، وهي تشطر الماء إلى هيدروجين يستخدم في صنع المواد الغذائية وأكسجين ينطلق في البيئة الخارجية وتتنفسه الكائنات الحية هوائية التنفس، ويساعد على إشعال النار واستمرار الاشتعال ,وهي المصنع الأرضي والمفاعلات الحيوية الأرضية التي تثبت الطاقة الضوئية الشمسية الهائلة وتحولها إلى طاقة كيميائية مخزنة في روابط المركبات والمنتجات النباتية.
وتحتوي الأوراق أعجب مصانع لتثبيت الطاقة الضوئية في العالم، وتحتوي مصانع تحرير تلك الطاقة وتخزينها في النبات بنظام بديع يدل دلالة قاطعة على أهمية الورقة النباتية وإعجازها وتكذب كل من يدعي أن الحياة خلقت بالمصادفة والعشوائية.
وتتحور الأوراق النباتية إلى أوراق زهرية تقوم بعملية التكاثر الجنسي البذري في النبات وإنتاج الحبوب والبذور والثمار ولذلك ذكر الله تعالى بعد الأوراق في نفس الآية الحبوب (وَلاَ حَبَّةٍ) والتراكيب الطرية الغضة (وَلاَ رَطْبٍ)، واليابس منها ومن غيرها (وَلاَ يَابِسٍ) وبين سبحانه وتعالى أن كل هذا مدون في كتاب مبين عند الله ولا مجال للعشوائية والمصادفة في وجودها وسلوكها.
علينا أن نقرأ القرآن قراءة علمية إيمانية تدبرية لنعلم ونعلم العالم أن القرآن الكريم هو المعجزة الإلهية التي ختم الله تعالى بها معجزات الأنبياء والرسل ولذلك لا تنقضي عجائبه ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد وكما قال الأعرابي أن عليه حلاوة وله طلاوة وأسفله مغدق وأعلاه مثمر وهو يعلو ولا يعلى عليه, وصدق الله العظيم القائل : (وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ{59}) (الأنعام/59).