كما كتبت فيك آلاف القصائد , سأكتب
إليك وعنك آلاف الرسائل .. لأني أحب
أن أتحد معك في جسد خطاباتي مثلما
أنا متحد معك في روح قصائدي ..
ولأني أحب أن أراك في شعري ونثري
معا , فلا تغيبين عن ناظري أينما قلبت
صفحات قلبي وأوراق جوانحي ..
ولأني مشتاق إلى سماع صدى قلبك
وقراءة ما تخطه أناملك الرقيقة ردًا
على أحرفي الملتهبة .
وكما خلدتك في قصائدي وشعري
, سأخلدك في رسائلي ونثري , ليطلع
الكون على أروع ملهمة في الحب
لشاعر وناثر , ويلقاك العالم في أول
سطر من كتاب الحب وديوان الهوى
, فلولاك ما كانت الفنون , ولولا فنونك
ما كان الجنون , ولولا خداك ما توردت الغصون , ولولا عيناك ما سالت
العيون , ولولا حبك العظيم ما كانت
حياتي .
ولا تؤاخذيني حين سميت بعض
رسائلي إليك نثرا , جريا مع المألوف
الذي يعرفونه . ولا تؤاخذيهم فهم
يجهلون واديك العبقري الساحر
يجهلون أن كل سطر أكتبه فيك نثرا
, إنما هو عندي أبيات لا تحصى من
الشعر الجميل الخالص الباهر , أستلهمها
من واديك العبقري الشاعر كلما ضاعت
مني الكلمات .. أستخلصها من محيطك
الزاخر باللآلئ والجواهر بعدما أغوص
فيه حتى الأعماق .
حسنا , لقد كتبت لك رسائل كثيرة
يا حياتي , وسأظل أكتب إليك
وعنك طوال حياتي , ولي أمنيات
تعصف بي فوق ساحات هواك .
أتمنى لو كنت موسيقيا موهوبا لأخلدك
في أروع سيمفونياتي , وأتمنى لو كنت
رساما ماهرا لأرسمك في أجمل لوحاتي
, ويا ليتني كنت نحاتا خلاقا لأنحت لك
تمثالا من صخر الحب الراسخ العتيد .
أحببتك من قبل أن تولدي
ومن قبل أن أولد أنا ..
إنه حب تخلق في رحم الزمان
قبل آلاف السنين ,
كنت أبحث فيه عنك ,
وأسأل النسمات عنك ,
وأسأل السماء حين تمطر
والعصافير حين تغرد ,
كنت أسأل عنك الليل والفجر
واللؤلؤ في أعماق البحار .
ولو أردت الحقيقة
أيتها الموجة الرقيقة
فاسألي عنها جفون القمر
وأهداب النجوم ,
حيث تجدينني مختبئا فيها
فاتحًا ذراعيَّ
لكي أحتضن أطيافك
حين تأتيني مع حلول المساء .
لو تعلمين مقدار شوقي إليك
لما تأخرتِ عني طوال تلك السنين
وتركت قلبي حائرًا
ينتظرك في لهفة العاشق الحالم
وبراءة الطفل الوديع
الذي ينتظر حنانا من صدر أمه .
إنني في انتظارك
أرتد معكِ في اليوم آلاف المرات
إلى زمن الطفولة البريئة ,
ألعب معك وألهو بين يديك
وأنطلق معك في رحلة عشبية اللون ,
وردية الأحلام ,
نحلم سويا بمستقبل حنون وديع ,
ونعيش واقعا آخر
ليس فيه وحوش وذئاب وخفافيش ,
بل نعيش ـ أنت وأنا ـ واقع البراءة والطفولة
والحب الصافي حتى الثمالة .
إننا ـ يا صغيرتي ـ لا نعرف التملق والرياء ,
ولا نستطيع أن نلبس أقنعة مزيفة
كما تفعل بعض الذئاب البشرية ,
لأننا ولدنا ـ أنت وأنا ـ من رحم الحب الطاهر ,
وما زلنا نتوالد كما تتوالد النجوم في السماء
كل مساء .
إن أي مكان تحلين فيه
تعطرينه بعبيرك الطبيعي الفواح ,
ويغدو جنة خضراء شديدة الخضرة والنماء ,
لأنه يستقي من رضاب ثغرك الفياض بالحب
ومن ينبوعك المتدفق بالحنان والأمل
والحياة الساحرة .
بكِ يختلف الواقع مهما كان مؤلمًا
ويصير بالنسـبة لي مصدر سعادة
وراحة ورضا واطمئنان .
بكِ أرى الحاضر مستقبلا
وينسلخ الزمان من جلده
ويفقد هويته
ويصير رهن إشارة من طرف قلبي
المعلق بأشجار قلبك .
يا أيتها الغالية الحبيبة ..
كل المساحات في القرى والمدن
تنسى أشكالها الهندسية
حين تراك بالقرب منها ,
فكيف إذا حللت فيها
وبسطت عليها فستانك الحريري
ومسحت على خدودها
بمنديلك الرقيق العاطر ؟!
إنها إذن تحس بوقع الحنان وخطواته
وتعرف نشوة الحلول ,
بل تذوق الشهد وتسكر من مذاقه ,
وتشتاق لتكرار الزيارة والاقتراب ..
زيارة الملكة الفاتنة لأي جزء من أجزائها .
فحيثما تحلين ـ أيتها الملكة ـ
يحل الربيع وتجري الأنهار ,
ويهرب الأعداء ويخذل الحساد ,
ويصمت الواشون ,
وتنقطع ألسنة الكذب والسوء والنميمة ,
وتتكشف الأقنعة المزيفة ,
فلا يبقى ذو وجهين
في بلاطك العامر بالحب والإخلاص
والكلمة الطيبة التي تصعد إلى السماء
وتتصل بالملأ الأعلى
ويرضى عنها فاطر الكون العجيب