سبق- جدة
تكشفت لـ"
سبق" تفاصيل ومعلومات مثيرة عن شبان يتحدون الخوف ويركبون كل أنواع المخاطر، لا بل كل أنواع المحرمات داخل مجتمعنا، دون خوف أو رهبة أو شعور بالجرم الذي يفعلونه، هم شباب "الدرباوية" الذين طالما سمعنا عنهم وارتبطوا في أذهاننا بالمفحطين، إلا أننا وللأسف اكتشفنا أن الموضوع أعمق وأخطر بكثير، حيث تجاوزوا كل أنواع المسموح وتعدوا الخطوط الحمراء ودخلوا إلى عالم الظلمات.
في هذا التحقيق تكشف "
سبق" أسراراً جديدة ومثيرة عن عالم الدرباوية على لسان شباب دفعتهم البطالة والفراغ إلى الوقوع في هذا المستنقع، إلا أن الله من عليهم بالتوبة وعادوا إلى الطريق المستقيم.
وقد اختصوا "
سبق" بالحديث للكشف عن تجاربهم المريرة، ولتحذير الشباب من ولوج هذا الطريق الوعر والمحرم.
عالم مثير
اعترف لـ"
سبق" أحد التائبين ومن ابتعد تماماً عن مجتمع الدرباوية بكل ما له وما عليه، حيث تحتفظ سبق باسمه، قائلاً: منذ أكثر من ثلاث سنوات بهرتني فكرة تحدي الخوف، والبعد عن التقاليد والعادات البالية، ودخلت بالفعل إلى عالم الدرباوية، مشيراً إلى أنه انبهر في البداية بذلك العالم المثير، إلى أن فوجئ بأن الموضوع تعدى تحدي الخوف بكثير، ووصل إلى ما هو أبعد من التفحيط، وباتت المخدرات بأنواعها سمة أساسية لأهل الدرباوية.
وسكت برهة ثم قال: لم يقتصر الأمر على شرب الخمر والمخدرات فحسب، بل تجاوز الموضوع لما هو أبعد بكثير، حيث الزنا وكل ما هو مقزز ويثير الاشمئزاز، حيث يتم استدراج الفتيات بالسيارات الفارهة والتفحيط واصطيادهن وفعل ما هو محرم.
ورفض أن يستمر في حديثه إلينا قائلاً إنه ترك هذا المجتمع منذ أكثر من سنة وتاب وندم على ما فعله، إلا أننا أصررنا أن نسمع منه لغرض تحذير الآخرين، وحتى يكون له دور إيجابي في التوعية، فقال: هناك أكثر من فئة داخل الدرباوية، فهناك من هو درباوي وهناك الريس ولكل منهما شبابه الملثمون، ويتم التفرقة بينهم حيث يكتب كل واحد على ثيابه إذا كان "درباوي أو ريس"، حيث تختار كل فئة من تريده أن ينتمي إليها من الشباب الصغير في السن ما بين 14 إلى 19 سنة، ويتم إغراؤهم في البداية بالتفحيط ثم المخدرات وفي النهائية استدراجهم.
ثوب النجاسة
وبنبرة رجل يأبى الانكسار قال في ندم: احتقرت نفسي وأنا انزلق إلى مستنقع الرذيلة بكافة أنواعها، وطاردتني الكوابيس، وأصبحت أعيش صراعاً نفسياً رهيباً، مبدياً خوفه من انتقام المنتمين لهذا العالم وقال: يرتعش جسدي ويسكنني الخوف عندما أتصور أني قد أموت في أي لحظة، بيد أن خوفي من ربي دفعني للإقلاع عن ذنوبي التي بلغت عنان السماء، وختم حديثه داعياً ربه أن يغفر له خطيئته، بعدما تاب توبة نصوحة، وأكد علينا عدم ذكر اسمه حيث أشار إلى أن هناك خطراً عليه، بعد أن فضح الدرباوية بأعمالها.
عالم قذر
وبصوت خافت يملؤه الشعور بالندم والرغبة في التوبة قال أ-ع لـ"سبق" : البطالة كانت هي السبب الرئيس لتورطي في الدرباوية، لتضييع الوقت في البداية وركوب المخاطر، كما كانوا يقولون، وبالفعل دخلت إلى هذا العالم القذر الذي يصعب على أي منتم إليه أن يستمر على نظافته وأخلاقه.
وأضاف: كانت أول مرة أتناول فيها المخدر بعد دخولي مع شباب الدرباوية بأسبوع، حيث لا يليق بدرباوي أن يمتنع عن الشرب، وعند سؤاله عن الأماكن التي يشترون منها المخدرات، قال: من أبسط الأمور هو أن تحصل على الحشيش وتشتريه من مشجعي التفحيط الذين يأتون ليشاهدوا المفحطين ويحملون إلينا كل ما نريد.
ورداً على سؤال حول الأماكن التي كانوا يجتمعون فيها، ومدى خوفهم من الأمن قال: دائماً ما نجتمع في الأماكن البعيدة جداً عن البلد وعن أعين المجتمع، أما عن الشرطة والخوف منها قال: فقدنا الإحساس بالخوف والحياة بأكملها، لم تكن "تفرق معانا" وقتها فهناك من كان يستهزئ بالشرطة وهناك من كان يراوغهم !!
توبة وندم
وبصوت ممزوج بالبكاء تحدث لـ"
سبق" عن توبته قائلاً: أثناء انغماسي في شهواتي، تعرض صديقي لحادث سيارة، توفي على إثرها، وكان من أعز أصدقائي، وقد انصرف عني عندما اندمجت في هذا العالم المشبوه، مبدياً ندمه وتوبته عما اقترفه من ذنوب وقال: وفاة صديقي زلزلت كياني، وجعلتني أفكر في حياتي القذرة التي أعيشها، وظللت أياماً تنتابني نوبات نفسية عندما أتذكر حقارتي وذنوبي التي أخجلتني من نفسي أمام الله.
وتابع: ولأول مرة منذ سنوات صليت الفجر وارتعش جسدي أثناء مناجاة ربي، ودعوت الله أن ينقذني من نفسي ومن ذنوبي التي أهدرت آدميتي، معرباً عن سعادته لانتشال نفسه من مستنقع الموبقات بعد عام من ممارسته لكافة أنواع المحرمات، داعياً الله أن يتقبل توبته، ويثبته على درب الصلاح والهداية.
لحظة حاسمة
أما ط – أ فقال لـ"
سبق": دخلت هذا المجتمع الذي وجدته كالإدمان عن طريق الأصحاب، مضيفاً أنه كان سعيداً جداً بالتفحيط وبممارسته، إلا أنه رفض تماماً أن يدخل في غير التفحيط من ممارسات غير أخلاقية وخلافه، مؤكداً أنها كانت فترة عصيبة جداً في حياته، وأحمد ربي أني خرجت من هذه النار الملتهبة.
وأراد في بداية كلامه أن يذكر السبب الرئيس الذي جعله يترك هذا العالم القذر، قائلاً: شاهدت أمام عيني مضاربة بين صديقي وآخر، ونتج عنها موت صديقي، شعرت وقتها أنه لا معنى للحياة والوقت قصير جداً أمامي، ووجدتها لحظة حاسمة، ومن وقتها قررت أن ابتعد.
وقال: هناك العديد من الأمور تتعلق بهذا المجتمع من مشاكل صدم السيارات وصدم الجمهور ومضاربات بالأسلحة، وكشف لـ"
سبق" عن أنه قد تم القبض عليه ثلاث مرات من قبل الأمن بسبب التفحيط، كما قد قبض عليه خمس مرات أخرى في مضاربات بالسلاح ولكنها سرعان ما تنتهي بالتصالح.
ورداً على سؤال عما إذا كانت البطالة هي السبب في وجود الدرباوية، قال: لاشك أن هناك الكثير من العاطلين، إلا أنه هناك أيضاً المعلم والموظف وغيرهم الكثير، إلا أنك تشعر أنك في عالم مليء بالمحرمات، فأكثر من 85% من الدرباويين يمارسون اللواط، حيث يتم استدراج الشاب "المزيون" وإغرائه بالتفحيط ثم يقع المحظور على حد قوله.
وأنهى حديثه محذراً الشباب من الوقوع في المحظور والذي عادة ما يبدأ بدعوة إلى مشاهدة التفحيط، وبعدها يتم سحب الرجل إلى الرزيلة بأنواعها.
سلوكيات غريبة
أكد أستاذ علم اجتماع الجريمة في جامعة الإمام الدكتور إبراهيم الزبن أن فئة الشباب من أكثر الفئات العمرية حيوية والأكثر تأثراً بالمتغيرات الاجتماعية المحيطة بالمجتمع، ولذا هم الأكثر قابلية لابتكار واستقطاب الظواهر الاجتماعية الغريبة عن المجتمع، كما أنهم يعتقدون أن المجتمع لا يتيح الفرص لهم للتعبير عن أنفسهم بالشكل الذي يرغبونه، لذا يلجؤون إلى سلوكيات غريبة للفت النظر إليهم والحصول على الاهتمام المفقود من المجتمع بحسب تصورهم.
وضرب مثلاً للسلوكيات الغريبة والصرعات التي تظهر من فترة لأخرى بين الشباب ومن آخرها ظاهرة الشباب الذين أطلقوا على أنفسهم "الـــــدربــــاويـــة" والتي يقصد بهذا المفهوم ركوب المخاطر بدون خوف باسم الرجولة، حيث يعتبر هذا النموذج الجديد من السلوك المنحرف الذي يفتخر المنتسبون له بأنهم استطاعوا أن يلفتوا الانتباه، من خلال ما يقومون به من سلوكيات منحرفة وغريبة عن المجتمع، كما أنهم استغلوا كل الوسائل المتاحة لنشر أفكارهم الغريبة ومحاولة جذب المزيد من الأعضاء الجدد سواء داخل المملكة أو في خارجها.
جرائم حدية وتعزيرية
وعن ملامح تلك الفئة قال: هناك خصائص سلوكية من أبرزها إطالة الشعر وارتداء الملابس القذرة والتدخين بشراهة وشرب المسكرات وخاصة العرق وتعاطي المخدرات وخاصة الحشيش وحمل الأسلحة وخاصة السكاكين والمطواة وغيرها من الأسلحة البيضاء واتباع سلوكيات تحمل طابع التحدي والمغامرة مثل التفحيط، كما أنهم يميزون أنفسهم بشكل يتناسب مع هذا التغير في سلوكهم، ويعمدون إلى إطلاق ألقاب ومسميات غريبة معينة على أنفسهم لكي يتميزون عن الآخرين.
وحول الآثار الخطيرة للدرباوية، أشار الزبن إلى أن أفرادها قد يمارسون بعض الجرائم الحدية أو التعزيرية مثل تعاطي المخدرات وممارسة اللواط وارتكاب جرائم سرقة السيارات والمحلات التجارية والسلب باستخدام السلاح وإيذاء الآخرين باستخدام الأسلحة عند الشجار مع الآخرين مما قد يترتب على ذلك ارتكابهم لجرائم القتل.
إجراءات رادعة
وطالب بضرورة مواجهة تلك الظواهر الانحرافية وتوجه الجهود التي يقوم بها المجتمع لمكافحة مثل هذه الظواهر الاجتماعية والصرعات الغريبة والسلوكيات المنحرفة باتجاهين، الأول وقائي يتم من خلاله إيجاد بيئة اجتماعية رافضة لهذا النوع من السلوكيات بالشكل الذي يحمي المجتمع منها ويهيئ أفراده، وخاصة الشباب منهم لمقاومة أي تيارات سلوكية منحرفة مهما كان مصدرها.
أما الاتجاه الآخر فهو علاجي يتصدى لمثل هذه الانحرافات بأساليب وطرق تمكن المجتمع وأفراده من احتواء مثل هذه الظواهر، قائلاً: لابد من وجود معالجات ملائمة توفر لمن تورط بهذه الانحرافات تعديل سلوكهم والتوقف عن ممارسة السلوكيات المنحرفة واستبدالها بسلوكيات سوية مستقيمة لا تتعارض مع ثقافة المجتمع، كما يتضمن ذلك مجموعة من الإجراءات الرادعة تتمثل بتعريض هؤلاء الشباب للتوقيف والمحاسبة والعقوبات المناسبة بحسب الجرم المرتكب، وبالشكل الذي يكفل صلاحهم وعدم عودتهم مرة أخرى للانحراف.
أفكار منحرفة
من جهته أفاد المشرف الفني على مركز الدين والسياسة للدراسات الدكتور خالد المشوح، أن هناك أسباباً عديدة تدفع الشباب والمراهقين إلى الجنوح والانحراف الفكري أو السلوكي، يأتي على رأسها الفراغ واليأس لعدم تحقق أهدافهم وطموحاتهم، إما بسبب عوامل نفسية تتمثل في التكوين النفسي والقدوة الحاضرة أو الفشل في الحصول على فرصة تعليمية أو وظيفية أو تكوين أسرة، فيلجؤون للتعبير عن فشلهم وعدم قدرتهم على تحقيق آمالهم من خلال الانتماء إلى اتجاهات متطرفة أو سلوكيات منحرفة أو تصرفات عنيفة.
وحذر من هؤلاء الشباب اللذين سيكونون عرضة أكثر من غيرهم لأن يصبحوا أرضاً خصبة لتلقي آراء شاذة أو أفكار منحرفة أو توجيههم من قبل الفئات الضالة، من خلال استثمار المخزون السلبي داخلهم من الفشل واليأس وانعدام الهدف والسخط على المجتمع، ومن ثم تحويله إلى قنابل موقوتة تلحق الضرر بهم وبذويهم ومجتمعاتهم ودينهم وأوطانهم.
وطالب المشوح بإعادة بناء إستراتيجية المواجهة من خلال الوقاية والأمن الفكري أو تقويم الانحراف، وقال: آن الأوان للبحث عن طرق لتجديد أدوات الخطاب والتوجيه والتقويم وتوظيف وسائل التكنولوجيا الحديثة وتطويعها بالشكل الذي يصل إلى قلوب وعقول الشباب، كما يتناسب مع طبيعة المرحلة ووسائلها، مفضلاً أن يكون الخطاب بلغة شبابية قريبة ومحببة، بحيث يتم توظيف الشباب أنفسهم في صياغة خطابهم ولو بشكل غير مباشر لتقديم المواد الإيجابية لزملائهم وأقرانهم ممن يقعون ضحية لهذه الانحراف.
تعويض نفسي
أرجع الأمين العام للمركز الوطني لأبحاث الشباب الدكتور نزار بن حسين الصالح هذه السلوكيات لغياب الوعي والرقابة الذاتية، وضعف التربية والتوجيه والإرشاد الأسري، وضعف الوازع الديني، لافتاً إلى أن هذا يجعل هؤلاء الشباب وغيرهم يلجؤون للتعويض نفسياً عن فشلهم، بابتكار أعمال وسلوكيات غير مألوفة، يمكن أن تتعارض مع الدين وعادات المجتمع، وأوضح أن هدفهم التميز عن الآخرين، والتقليد لممارسات سلوكية في مجتمعات أخرى، رغبة في الشهرة، وجذب انتباه المجتمع.
وشدد على أهمية تكثيف تعاون الجهات الأمنية والقضائية مع مراكز الأبحاث ومراكز تطوير المهارات للعناية بالشباب وإعادة تأهيلهم، وأكد على تأهيل الشباب مهنياً ليصبحوا قادرين على المساهمة في الأعمال المختلفة، فيتعلموا الاهتمام بالوقت، ويصبحوا قادرين على تحمل المسؤولية.
قنابل موقوتة
وحول مسؤولية الأسرة في ممارسة الشباب لهذه السلوكيات الشاذة أبان عضو برنامج الأمان الأسري الوطني عبدالرحمن القراش أن الأسرة هي نواة المجتمع، ويقع على عاتقها المسؤولية في إصلاح أو فساد الأبناء، محذراً من سلبية الآباء وتجاوزهم عن أخطاء أبنائهم دون تأديب تربوي، والذي ينتج قنابل موقوتة بالفساد، وأول ضحاياها الأولاد قبل أن يمتد أثرها للمجتمع، وأكد أن الأبناء يتأثرون بما حولهم من عوامل ومصادر للتعلم سواء كانت مقروءة أو مرئية أو مكتسبة من المدرسة أو المجتمع، مشدداً على أن الأسرة بضرورة الاطلاع على واقع أبنائها، وخاصة فيما يتعلق بالسلوكيات الدخيلة على المجتمع.
وبسؤاله عن كيفية احتواء الأسرة لابنها عند انزلاقه في عالم الجريمة أجاب القراش: يجب تضافر جهود الآباء والأمهات، وأهل العلم والدعاة والتربويين والإعلاميين للمحافظة على بناء الأسرة الصالحة في المجتمع، داعياً الأسرة للتعامل باعتدال يمزج بين العقل والمشاعر، وتوجيه النصح والإرشاد، ومشاركة الأبناء لتكوين شخصية سوية لهم، وأضاف أما إذا لم يستجب الأولاد للتوجيه والإرشاد، فيلجأ الأبوان إلى التوبيخ والهجران، والحرمان من بعض الأمور المحببة إليهم، وكذلك الضرب غير المبرح إذا لزم الأمر، لإعادتهم إلى مسارهم الصحيح.