رد: أكتب نصيحه لمن بعدك وللجميع
وتدورعجلة
الزمان دورتها، تلك العجلة التي لا حيلة لنا في إيقافها فماذا كان؟
يغفرالمجتمع للجاني الذئب، ويقبل توبته، وينسى زلته، ويُعَيَّن قاضياً،
وتضع المسكينة طفلتها في تلكم الغرفة المتهالكة، باعت جميع ما تملك يدها
وما يحمل بدنها وما تشتملعليه غرفتها من حلي وثياب وأثاث، حتى إذا طار
غراب الليل عن مجثمه أسدلت برقعها على وجهها وائتزرت بمئزرها، وأنشأت تطوف
شوارع المدينة وتقطع طرقها، لا تبغي مقصداً ولاترى غاية سوى الفرار بنفسها
من همها، وهمها لا يزال يسايرها ويترسم مواقع أقدامها،وفي إحدى الليالي
سيق إليها رجل، كان ينقم عليها شأناً من شؤون لشهواته ولذاته،فزعم أنها
سرقت كيس دراهمه... ورفع أمرها إلى القضاء... وجاء يوم الفصل.. فسيقت إلى
المحكمة، وفي يدها فتاتها، وقد بلغت السابعة من عمرها فأخذ القاضي ينظر في
القضايا ويحكم فيها... حتى أتى دور الفتاة، فما وقع بصره عليها حتى شدهت
عن نفسها وألم بهامن الاضطراب والحيرة ما كاد يذهب برشدها، ذلك أنها عرفته
وعرفت أنه ذلك الفتى الذي كان سبب شقائها، وعلة بلائها، فنظرت إليه نظرة
شزراء، ثم صرخت صرخة دوى بها المكان دويا وقالت: "رويدك أيها القاضي، ليس
لك أن تكون حكماً في قضيتي، فكلانا سارق،وكلانا خائن، والخائن لا يقضي على
الخائن، واللص لا يصلح أن يكون قاضياً بين اللصوص " فعجب القاضي والحاضرون
لهذا المنظر الغريب... وهم أن يدعو الشرطي لإخراجها، فحسرت قناعها عن
وجهها، فنظر إليها نظرة ألمّ فيها بكل شيء، وعادت الفتاة إلى إتمام حديثها
فقالت: "أنا سارقة المال، وأنت سارق العرض، والعرض أثمن من المال، فأنت
أكبرمني جناية، وأعظم جرماً، وإن الرجل الذي سُرق ماله ليستطيع أن يعزي
نفسه باستردادهأو الاعتياض عنه، أما الفتاة التي سَرق عرضها فلا عزاء لها؟
لأن العرض الذاهب لايعود، لولاك لما سُرقت، ولما وصلت إلى ما وصلت إليه ،
فاترك كرسيك لغيرك، وقف بجانبي ليحاكمنا القضاء العادل على جريمة واحدة،
أنت مدبرها وأنا المسخرة فيها... رأيتك حين دخلت هذا المكان، وسمعت الحاجب
يصرخ لمقدمك، ويستنهض الصفوف للقيام لك ! ورأيت نفسي حين دخلت والعيون
تتخطاني والقلوب تقتحمني، فقلت يا للعجب، كم تكذب العناوين، وكم تخدع
الألقاب، أتيت بي إلى هنا، لتحكم علي بالسجن كأن لم يكفك ماأوزعت إلي من
شقاء حتى أردت أن تجيء بلاحق لذلك السابق، ألم تك إنسانا، فترثى لشقائي
وبلائي؟ إن لم تكن عندي وسيلة أمت بها إليك، فوسيلتي إليك ابنتك هذه فهي
الصلة الباقية بيني وبينك.
|