الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه
ومن تبع هداه وبعد:
إن مما أثر عن الفضيل بن عياض رحمةالله عليه قوله :
{ من طلب أخاً بلا عيب صار بلا أخ }
فالأخوة هي الرابطة الربانية العظيمة التي رعاها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وتعهدها من بعده صحبه الكرام ،والحقيقة أن الحاجة ماسة للتذكير بهذا الموضوع ، حتى تعود لهذه الرابطة مكانتهاالعظيمة، التي تتربع بها تاجاً على القلوب، تضبط تصرفاتنا، وتهذب نفوسنا، وتحكم ألسنتنا، وترتقي بأذواقنا، وتؤدب فعالنا
فمن طلب أخاً بلا عيب صار بلا أخ
فهل يدرك هؤلاء الذين يطلبون الكمال في إخوانهم، ويفترضون الملائكية في تصرفاتهم، ويتوقعون الحكمة في كل أفعالهم، والرشد في كل شأن من شؤونهم. يرسمون لهم صورة النقاء المطلق، والصفاءالخالص .
هل يدرك هؤلاء أن الأخ بشر، من طبيعته الخطأ، بل من الطبيعي أن يخطئ، ومن المستحيل أن لا يكون الخطأ ، لصعوبة أن تجتمع في المرء كل خصال الخير، ومجامع النبل، فإن رضيت منه أخلاقاً، فقد يسوؤك غيرها، وهكذا هي الحال، لاسيما في هذا الزمان.
وجميل ما قاله الشاعر:
ومن ذاالذي ترضى سجاياه كلها
كفى المرء نبلاً أن تعدمعايبه
فإن تَتَبَّعْتَ الأخطاء ، ووقَفْت كثيراً عند السقطات، وضخمت السيئات، وساءتك بعض التصرفات، وآلمتك بعض الإشارات،وقلت: هذا ليس من أخلاق الإخوان، وهذا لا يليق بالإخوان ، فكيف يمكن أن يقبل من الإخوان، وهذه والله أخلاق من لا أخلاق لهم، وهذه تؤكد عدم الصفاء، أو الصدق في المودة واللقاء. وهكذا حديث نفس متألمة ، يغذيه شيطان رجيم ، تفرحه القطيعة، وتسرهالخصومة، ويعيش في أجواء اللمز والغمز، والشحناء والكراهية .
فمن كان هذا هو نهجه، فلن يُبقيَ على أخ أبداً.
وجميل ما أوصى به الأولون رحمهم الله حين قالوا: لايزهدنك في رجل حمدت سيرته، وارتضيت وتيرته، وعرفت فضله، وبطنت عقله،عيب خفي، تحيط به كثرةفضائله، أو ذنب صغير تستغفر له قوة وسائله.
إن الصبر على الإخوان من شيم الكرام، فحقاً لا يصبر على الإخوان من لا يتحمل خطأهم، ويغض الطرف عن جفوتهم،ويغفر زلتهم، وينسى إساءتهم، ويلتمس لهم الأعذار، ويسعى في حاجاتهم، وإن قصرواونسوا. فهل يكون لنا في سجل الكرام صفحة، نسجل فيها مآثر الأولين. ونمتثل لأمر ربالعالمين:
{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدعيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا}
قال عبد العزيز بن عمر: «قال لي أبي يا بني إذاسمعت كلمة من امرئ مسلم فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملا من الخير» «الحلية» لأبي نعيم: (5/278).
وقال أبو قلابة: «إذا بلغك عن أخيك شيءٌ تكرهه فالتمس له عذرًا فإن لم تجد له عذرًا فقل: لعل له عذر لا أعلمه
روضة العقلاء» لابن حبان البستي:
(184).
وصلى الله على نبيه محمد وعلى اله وصحبه وسلم
تقبلوا تحياتي