السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
آيات القرآن الكريم الواردة عن الجنة مع تفسيرها لابن كثير - رحمه الله -
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
- ( وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) ). البقرة....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) ). البقرة
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : لما ذكر تعالى ما أعده لأعدائه من الأشقياء الكافرين به وبرسله من العذاب والنكال، عطف بذكر حال أوليائه من السعداء المؤمنين به وبرسله الذين صدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة، وهذا معنى تسمية القرآن مثاني على أصح أقوال العلماء كما سنبسطه في موضعه، وهو أن يذكر الإيمان ويتبعه بذكر الكفر أو عكسه أو حال السعداء ثم الأشقياء أو عكسه، وحاصله ذكر الشيء ومقابله. وأما ذكر الشيء ونظيره فذاك التشابه كما سنوضحه إن شاء الله فلهذا قال تعالى: { وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } فوصفها بأنها تجري من تحتها الأنهار كما وصف النار بأن وقودها الناس والحجارة ومعنى { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } أي من تحت اشجارها وغرغها وقد جاء في الحديث: أن أنهارها تجري في غير أخدود، وجاء في الكوثر أن حافتيه قباب اللؤلؤ المجوف، ولا منافاة بينها فطينها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والجوهر، نسأل الله من فضله وكرمه إنه هو البر الرحيم. وقال ابن أبي حاتم: قرأ على الربيع بن سليمان، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا أبن ثوبان عن عطاء بن قرة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنهار الجنة تفجر تحت تلال أو من تحت جبال المسك» وقال أيضاً حدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق، قال: قال عبد الله: أنهار الجنة تفجر من جبل مسك.
وقوله تعالى: { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ } قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة قالوا هذا الذي رزقنا من قبل، قال إنهم أُتُوا بالثمرة في الجنة فلما نظروا إليها قالوا هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا، وهكذا قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ونصرة بن جرير، وقال عكرمة { قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ } قال معناه مثل الذي كان بالأمس، وكذا قال الربيع بن أنس. وقال مجاهد يقولون ما أشبهه به قال ابن جرير: وقال آخرون: بل تأويل ذلك هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذا لشدة مشابهة بعضه بعضاً لقوله تعالى: { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } قال سنيد بن داود حدثنا شيخ من أهل المصيصة عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال يؤتى أحدهم بالصفحة من الشيء فيأكل منها ثم يؤتى بأخرى فيقول هذا الذي أتينا به من قبل، فتقول الملائكة كُلْ فاللون واحد والطعم مختلف. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا سعيد بن سليمان، حدثنا عامر بن يساف عن يحيى بن أبي كثير، قال عشب الجنة الزعفران وكثبانها المسك، ويطوف عليهم الولدان بالفواكه فيأكلونها، ثم يؤتون بمثلها، فيقول لهم أهل الجنة: هذا الذي أتيتمونا آنفاً به، فتقول لهم الوالدان: كلوا فاللون واحد والطعم مختلف، وهو قول الله تعالى: { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } قال: يشبه بعضه بعضاً، ويختلف في الطعم، قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد والربيع بن أنس والسدي نحو ذلك ابن جرير بإسناده عن السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة في قوله تعالى: { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } يعني في اللون والمرأى وليس يشتبه في الطعم، وهذا اختيار ابن جرير، وقال عكرمة { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } قال يشبه ثمر الدنيا غير أن ثمر الجنة أطيب، وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس لا يشبه شيئاً مما في الجنة ما في الدنيا إلا في الأسماء، وفي رواية: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء، ورواه ابن جرير من رواية الثوري وابن أبي حاتم من حديث أبي معاوية كلاهما عن الأعمش به، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: { وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } قال يعرفون أسماءه كما كانوا في الدنيا التفاح بالتفاح والرمان بالرمان، قالوا في الجنة هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا وأتوا به متشابهاً يعرفونه وليس هو مثله في الطعم.
وقوله تعالى: { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: مطهرة من القذر والأذى، وقال مجاهد، من الحيض والغائط والبول والنخام والبزاق والمني والولد، وقال قتادة مطهرة من الأذى والمأثم، وفي رواية عنه لا حيض ولا كلف، وروي عن عطاء والحسن والضحاك وأبي صالح وعطية والسدي نحو ذلك. وقال ابن جرير حدثني يونس بن عبد الأعلى. أنبأنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: المطهرة التي لا تحيض، قال وكذلك خلقت حواء عليها السلام،حتى عصت فلما عصت قال الله تعالى: إني خلقتك مطهرة وسأدميك كما أدميت هذه الشجرة ـ وهذا غريب، وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا إبراهيم بن محمد حدثني حعفر بن محمد بن حرب وأحمد بن محمد الجوري قالا: حدثنا محمد بن عبيد الكندي، حدثنا عبد الرزاق بن عمر البزيعي، حدثنا عبد الله بن المبارك عن شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } "قال من الحيض والغائط والنخاعة والبزاق". هذا حديث غريب ـ وقد رواه الحاكم في مستدركه عن محمد بن يعقوب بن الحسن بن علي بن عفان عن محمد بن عبيد به، وقال صحيح على شرط الشيخين، وهذا الذي ادعاه فيه نظر، فإن عبد الرزاق بن عمر البزيعي هذا قال فيه أبو حاتم بن حبان البستي: لا يجوز الاحتجاج به (قلت) والأظهر أن هذا من كلام قتادة كما تقدم، والله أعلم.
وقوله تعالى: { وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } هذا هو تمام السعادة فإنهم مع هذا النعيم في مقام أمين من الموت والانقطاع فلا آخر له ولا انقضاء بل في نعيم سرمدي أبدي على الدوام، والله المسؤول أن يحشرنا في زمرتهم، إنه جواد كريم بر رحيم .
( وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) ). التوبة....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) ). التوبة
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : يخبر تعالى بما أعده للمؤمنين به والمؤمنات من الخيرات والنعيم المقيم في { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا } أي ماكثين فيها أبداً { وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً } أي حسنة البناء طيبة القرار، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» وبه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً في السماء للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضاً» أخرجاه وفي الصحيحين، أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان، فإن حقاً على الله أن يدخله الجنة هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها» قالوا: يارسول الله أفلا نخبر الناس ؟ قال: «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن» وعند الطبراني والترمذي وابن ماجه من رواية زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر مثله.
وللترمذي عن عبادة بن الصامت مثله. وعن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تراؤون الكوكب في السماء» أخرجاه في الصحيحين، ثم ليعلم أن أعلى منزلة في الجنة مكان يقال له الوسيلة لقربه من العرش وهو مسكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنة، كما قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن ليث عن كعب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صليتم عليّ فسلوا الله لي الوسيلة» قيل يارسول الله وما الوسيلة ؟ قال «أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو».
وفي صحيح مسلم من حديث كعب بن علقمة: عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله. وأرجو أني أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة يوم القيامة» وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن علي الأبار، حدثنا الوليد بن عبد الملك الحراني، حدثنا موسى بن أعين عن ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا الله لي الوسيلة فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة» . وفي مسند الإمام أحمد من حديث سعد أبي مجاهد الطائي عن أبي المدله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلنا يارسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال: «لبنة ذهب ولبنة فضة، وملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران. من يدخلها ينعم لا يبأس ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه» وروي عن ابن عمر مرفوعاً نحوه، وعند الترمذي من حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة لغرفاً يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها فقام أعرابي فقال: يارسول الله لمن هي ؟ فقال: «لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام» ثم قال: حديث غريب ورواه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو وأبي مالك الأشعري كل منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وكل من الإسنادين جيد وحسن، وعنده أن السائل هو أبو مالك ، فالله أعلم.
وعن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا هل من مشمر إلى الجنة ؟ فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة. وحلل كثيرة، ومقام في أبد في دار سليمة، وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة في محلة عالية بهية» قالوا: نعم يارسول الله نحن المشمرون لها، قال: «قولوا إن شاء الله» فقال القوم: إن شاء الله، رواه ابن ماجه. وقوله تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ } أي رضا الله عنهم أكبر وأجل وأعظم مما هم فيه من النعيم، كما قال الإمام مالك رحمه الله عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: ياأهل الجنة فيقولون: لبيك ياربنا وسعديك والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم ؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يارب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون يارب وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً » أخرجاه من حديث مالك، وقال أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي: حدثنا الفضل الرخامي، حدثنا الفرياني عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله عز وجل هل تشتهون شيئاً فأزيدكم ؟ قالوا ياربنا ما خير مما أعطيتنا ؟ قال: رضواني أكبر» ورواه البزار في مسنده من حديث الثوري، وقال الحافظ الضياء المقدسي في كتابه صفة الجنة: هذا عندي على شرط الصحيح، والله أعلم.
( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) ). يونس....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) ). يونس
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : هذا إخبار عن حال السعداء الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين وامتثلوا ما أمروا به فعملوا الصالحات بأنه سيهديهم بإيمانهم، يحتمل أن تكون الباء ههنا سببية فتقديره بسبب إيمانهم في الدنيا يهديهم الله يوم القيامة على الصراط المستقيم حتى يجوزوه ويخلصوا إلى الجنة، ويحتمل أن تكون للاستعانة كما قال مجاهد في قوله: { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } قال: يكون لهم نوراً يمشون به، وقال ابن جريج في الآية: يمثل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة إذا قام من قبره يعارض صاحبه ويبشره بكل خير فيقول له: من أنت ؟ فيقول: أنا عملك فيجعل له نوراً من بين يديه حتى يدخله الجنة فذلك قوله تعالى: { يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } والكافر يمثل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيلازم صاحبه ويلازُّه حتى يقذفه في النار، وروي نحوه عن قتادة مرسلاً فالله أعلم، وقوله: { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } أي هذا حال أهل الجنة. قال ابن جريج أخبرت بأن قوله: { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ } قال: إذا مرّ بهم الطير يشتهونه قالوا سبحانك اللهم وذلك دعواهم فيأتيهم الملك بما يشتهونه فيسلم عليهم فيردون عليه فذلك قوله: { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ } قال فإذا أكلوا حمدوا الله فلذلك قوله: { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ }.
وقال مقاتل بن حيان: إذا أراد أهل الجنة أن يدعوا بالطعام قال أحدهم { سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ } قال فيقوم على أحدهم عشرة آلاف خادم مع كل خادم صحفة من ذهب فيها طعام ليس في الأخرى قال فيأكل منهن كلهن، وقال سفيان الثوري: إذا أراد أحدهم أن يدعو بشيء قال { سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ } وهذه الآية فيها شبه من قوله: { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَم } الآية. وقوله: { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلاً سَلَامًا سَلَامًا } وقوله: {سَلاَمٌ قَوْلاً من رَّبٍّ رَّحِيمٍ } وقوله: { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ من كُل بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ } الآية، وقوله { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } هذا فيه دلالة على أنه تعالى هو المحمود أبداً، المعبود على طول المدى، ولهذا حمد نفسه عند ابتداء خلقه واستمراره وفي ابتداء كتابه وعند ابتداء تنزيله حيث يقول تعالى: { الحمدُللَّهِ الذي أنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتابَ } { الحمدُللَّهِ الَّذي خلقَ السَّمواتِ والأرضَ } إلى غير ذلك من الأحوال التي يطول بسطها وأنه المحمود في الأولى والآخرة في الحياة الدنيا وفي الآخرة وفي جميع الأحوال ولهذا جاء في الحديث: إن أهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس. وإنما يكون ذلك كذلك لما يرون من تزايد نعم الله عليهم فتكرر وتعاد وتزداد فليس لها انقضاء ولا أمد فلا إله إلا هو ولا رب سواه.
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) ). الحجر....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) ). الحجر
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : لما ذكر تعالى حال أهل النار، عطف على ذكر أهل الجنة وأنهم في جنات وعيون. وقوله: { ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ } أي سالمين من الآفات، مسلم عليكم { آمِنِينَ } أي من كل خوف وفزغ، ولا تخشوا من إخراج ولا انقطاع ولا فناء، وقوله: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } روى القاسم عن أبي أمامة قال: يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن، حتى إِذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غل، ثم قرأ { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ } هكذا في هذه الرواية، والقاسم بن عبد الرحمن في روايته عن أبي أمامة ضعيف، وقد روى سنيد في تفسيره: حدثنا ابن فضالة عن لقمان عن أبي أمامة قال: لا يدخل الجنة مؤمن حتى ينزع الله ما في صدره من غل حتى ينزع منه مثل السبع الضاري. وهذا موافق لما في الصحيح من رواية قتادة: حدثنا أبو المتوكل الناجي أن أبا سعيد الخدري حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخلص المؤمن من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار. فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إِذا هذبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة» .
وقال ابن جرير: حدثنا الحسن، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا هشام عن محمد هو ابن سيرين قال: استأذن الأشتر على علي رضي الله عنه، وعنده ابن لطلحة فحبسه ثم أذن له، فلما دخل قال: إني لأراك إنما حبستني لهذا، قال: أجل، قال: إني لأراه لو كان عندك ابن لعثمان لحبستني، قال: أجل إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ } وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا الحسن، حدثنا أبو معاوية الضرير، حدثنا أبو مالك الأشجعي، عن أبي حبيبة مولى لطلحة قال: دخل عمران بن طلحة على علي رضي الله عنه بعدما فرغ من أصحاب الجمل، فرحب به وقال: إني لأرجو أن يجعلني الله وأياك من الذين قال الله { آمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ }.
وقال: ورجلان جالسان إلى ناحية البساط، فقالا: الله أعدل من ذلك تقتلهم بالأمس وتكونون إخواناً، فقال علي رضي الله عنه: قوماً أبعد أرض وأسحقها، فمن هم إذاً إن لم أكن أنا وطلحة ؟ وذكر أبو معاوية الحديث بطوله، وروى وكيع عن أبان بن عبد الله البجلي عن نعيم بن أبي هند، عن ربعي بن جراش عن علي نحوه، وقال فيه فقام رجل من همدان فقال: الله أعدل من ذلك ياأمير المؤمنين، قال: فصاح به علي صيحة فظننت أن القصر تدهده لها، ثم قال: إذا لم نكن نحن فمن هو ؟
وقال سعيد بن مسروق عن أبي طلحة، وذكره وفيه: فقال الحارث الأعور ذلك، فقام إليه علي رضي الله عنه فضربه بشيء كان في يده في رأسه، وقال:فمن هم يا أعور إذا لم نكن نحن ؟ وقال سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: جاء ابن جرموز قاتل الزبير يستأذن على علي رضي الله عنه فحجبه طويلاً ثم أذن له فقال له: أما أهل البلاء فتجفوهم، فقال علي: بفيك التراب إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } وكذا روى الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بنحوه. وقال سفيان بن عيينة عن إسرائيل عن أبي موسى سمع الحسن البصري يقول: قال علي: فينا والله أهل بدر نزلت هذه الآية { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } وقال كثير النواء: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي فقلت: وليي وليكم، وسلمي سلمكم، وعدوي عدوكم، وحربي حربكم، أنا أسألك بالله) أتبرأ من أبي بكر وعمر فقال: { قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ } تولهما ياكثير فما أدركك فهو في رقبتي هذه، ثم تلا هذه الآية {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } قال: أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وقال الثوري عن رجل عن أبي صالح في قوله: { إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } قال: هم عشرة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة، والزبير وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين. وقوله: { مُتَقَابِلِينَ } قال مجاهد: لا ينظر بعضهم في قفا بعض، وفيه حديث مرفوع.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا يحيى بن عبدك القزويني، حدثنا حسان بن حسان، حدثنا إبراهيم بن بشير، حدثنا يحيى بن معين عن إبراهيم القرشي عن سعيد بن شرحبيل، عن زيد بن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الآية { إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } في الله ينظر بعضهم إلى بعض. وقوله: {لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ } يعني المشقة والأذى، كما جاء في الصحيحين
«أن الله أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب» .
وقوله: {وَمَا هُمْ مّنْهَا بِمُخْرَجِينَ } كما جاء في الحديث : «يقال يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبداً، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تقيموا فلا تظعنوا أبداً» . وقال الله تعالى: { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } .
( إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) ). الحج....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) ). الحج
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : لما أخبر تعالى عن حال أهل النار عياذاً بالله من حالهم وما هم فيه من العذاب والنكال والحريق والأغلال وما أعد لهم من الثياب من النار، ذكر حال أهل الجنة نسأل الله من فضله وكرمه أن يدخله الجنة، فقال: { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } أي تتخرق في أكنافها وأرجائها وجوانبها وتحت أشجارها وقصورها، يصرفونها حيث شاؤوا وأين أرادوا { يُحَلَّوْنَ فِيهَا } من الحلية { مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا } أي في أيديهم، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء». وقال كعب الأحبار: إن في الجنة ملكاً لو شئت أن أسميه لسميته يصوغ لأهل الجنة الحلي منذ خلقه الله إلى يوم القيامة لو أبرز قلب منها ـ أي سوار منها ـ لرد شعاع الشمس كما ترد الشمس نور القمر.
وقوله: { َلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } في مقابلة ثياب أهل النار التي فصلت لهم، لباس هؤلاء من الحرير إستبرقه وسندسه، كما قال: { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنَّ هَـذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } وفي الصحيح «لا تلبسوا الحرير ولا الديباج في الدنيا، فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» قال عبد الله بن الزبير: من لم يلبس الحرير في الآخرة لم يدخل الجنة، قال الله تعالى: { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِير }.
( قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا(15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً (16) ). الفرقان....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً (16) ). الفرقان
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : يقول تعالى : يامحمد هذا الذي وصفناه لك من حال أولئك الأشقياء الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم، فتلقاهم بوجه عبوس وبغيظ وزفير، ويلقون في أماكنها الضيق مقرنين لا يستطيعون حراكاً ولا استنصاراً ولا فكاكاً مما هم فيه، أهذا خير أم جنة الخلد التي وعدها الله المتقين من عباده، التي أعدها لهم وجعلها لهم جزاء ومصيراً على ما أطاعوه في الدنيا، وجعل مآلهم إليها { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءونَ } من الملاذ من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومراكب ومناظر، وغير ذلك مما لاعين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب أحد، وهم في ذلك خالدون أبداً دائماً سرمداً بلاانقطاع ولا زوال ولا انقضاء ولا يبغون عنها حولاً، وهذا من وعد الله الذي تفضل به عليهم وأحسن به إليهم، ولهذا قال {كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً} أي لابد أن يقع وأن يكون كما حكاه أبو جعفر بن جرير عن بعض علماء العربية أن معنى قوله { وَعْدًا مَسْئُولاً } أي وعداً واجباً.
وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس { كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً } يقول: سلوا الذي وعدتكم ـ أو قال وعدناكم ـ ننجز وعدهم وتنجزوه، وقال محمد بن كعب القرظي في قوله { كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً } إن الملائكة تسأل لهم ذلك { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ } وقال أبو حازم: إذا كان يوم القيامة، قال المؤمنون: ربنا عملنا لك بالذي أمرتنا فأنجز لنا ما وعدتنا، فذلك قوله { وَعْدًا مَسْئُولاً } وهذا المقام في هذه السورة من ذكر النار، ثم التنبيه على حال أهل الجنة، كما ذكر تعالى في سورة الصافات حال أهل الجنة وما فيها من النضرة والحبور، ثم قال {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً للظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ لْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ * إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ }.
- ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ(57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) ). يس....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ(57)سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) ). يس
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : يخبر تعالى عن أهل الجنة أنهم يوم القيامة إذا ارتحلوا من العَرَصات، فنزلوا في روضات الجنات، أي في شغل عن غيرهم بما هم فيه من النعيم المقيم والفوز العظيم. قال الحسن البصري وإسماعيل بن أبي خالد: في شغل عما فيه أهل النار من العذاب. وقال مجاهد { فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } أي في نعيم معجبون أي به، وكذا قال قتادة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: فاكهون أي فرحون. قال عبد الله بن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما وسعيد المسيب وعكرمة والحسن وقتادة والأعمش وسليمان التيمي والأوزاعي في قوله تبارك وتعالى: { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } قالوا: شغلهم افتضاض الأبكار، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عنه { فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } أي بسماع الأوتار، وقال أبو حاتم: لعله غلط من المستمع، وإنما هو افتضاض الأبكار.
وقوله عز وجل: { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ } قال مجاهد: وحلائلهم، { فِي ظِلَالٍ } أي في ظلال الأشجار { عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ }. قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة ومحمد بن كعب والحسن وقتادة والسدي وخصيف { الْأَرَائِكِ } هي السرر تحت الحجال. (قلت) نظيره في الدنيا هذه التخوت تحت البشاخين، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقوله عز وجل: { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ } أي من جميع أنواعها { وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ } أي مهما طلبوا وجدوا من جميع أصناف الملاذ. قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصي، حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، حدثنا محمد بن مهاجر عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى. حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا هل مشمر إلى الجنة ؟ فإن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور كلها يتلألأ، وريحانه تهتز، وقصر مشيد ونهر مطرد، وثمرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة، ومقام في أبد في دار سلامة، وفاكهة خضرة وخير ونعمة في محلة عالية بهية» قالوا: نعم يارسول الله نحن المشمرون لها، قال صلى الله عليه وسلم: «قولوا إن شاء الله» فقال القوم: إن شاء الله، وكذا رواه ابن ماجه في كتاب الزهد من سننه من حديث الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر به.
وقوله تعالى: { سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } قال ابن جريج: قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: { سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } فإن الله تعالى نفسه سلام على أهل الجنة، وهذا الذي قاله ابن عباس رضي الله عنهما، كقوله تعالى: { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ }. وقد روى ابن أبي حاتم ههنا حديثاً، وفي إسناده نظر، فإنه قال: حدثنا موسى بن يوسف، حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، حدثنا أبو عاصم العباداني، حدثنا الفضل الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أهل الجنة في نعيمهم، إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، فذلك قوله تعالى: { سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } قال: فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ماداموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم وفي ديارهم». ورواه ابن ماجه في كتاب السنة من سننه عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب به.
وقال ابن جرير: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، حدثنا حرملة عن سليمان بن حميد قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يحدث عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: إذا فرغ الله تعالى من أهل الجنة والنار، أقبل في ظلل من الغمام والملائكة، قال: فيسلم على أهل الجنة، فيردون عليه السلام، قال القرظي، وهذا في كتاب الله تعالى: { سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } فيقول الله عز وجل: سلوني، فيقولون: ماذا نسألك أي رب ؟ قال: بلى سلوني، قالوا: نسألك أي رب رضاك، قال: رضائي أحلكم دار كرامتي، قالوا: يارب فما الذي نسألك، فوعزتك وجلالك وارتفاع مكانك لو قسمت علينا رزق الثقلين لأطعمناهم ولأسقيناهم ولألبسناهم ولأخدمناهم لاينقصنا ذلك شيئاً. قال تعالى إن لدي مزيداً، قال: فيفعل ذلك بهم في درجهم حتى يستوي في مجلسه، قال: ثم تأتيهم التحف من الله عز وجل، تحملهم إليهم الملائكة، ثم ذكر نحوه. وهذا خبر غريب، أورده ابن جرير من طرق، والله أعلم.
- ( وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) ). ص....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54) ). ص
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : يخبر تعالى عن عباده المؤمنين السعداء أن لهم في الدار الآخرة لحسن مآب وهو المرجع والمنقلب ثم فسره بقوله تعالى: { جَنَّاتِ عَدْنٍ } أي جنات إقامة مفتحة لهم الأبواب والألف واللام ههنا بمعنى الإضافة كأنه يقول مفتحة لهم أبوابها أي إذا جاءوها فتحت لهم أبوابها، قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن ثواب الهباري حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا عبد الله بن مسلم يعني ابن هرمز عن ابن سابط عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة قصراً يقال له عدن حوله البروج والمروج له خمسة آلاف باب عند كل باب خمسة آلاف حبرة لا يدخله ـ أو لا يسكنه ـ إلا نبي أو صديق أو شهيد أو إمام عدل»
وقد ورد في ذكر أبواب الجنة الثمانية أحاديث كثيرة من وجوه عديدة.
وقوله عز وجل: { مُتَّكِئِينَ فِيهَا } قيل متربعين على سرر تحت الحجال { يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } أي مهما طلبوا وجدوا وحضر كما أرادوا {وَشَرَابٍ} أي من أي أنواعه شاؤوا أتتهم به الخدام {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ } { وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ } أي عن غير أزواجهن فلا يلتفتن إلى غير بعولتهن { أَتْرَابٌ } أي متساويات في السن والعمر هذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والسدي { هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ } أي هذا الذي ذكرنا من صفة الجنة التي وعدها لعباده المتقين التي يصيرون إليها بعد نشورهم وقيامهم من قبورهم وسلامتهم من النار. ثم أخبر تبارك وتعالى عن الجنة أنه لا فراغ لها ولا زوال ولا انقضاء ولا انتهاء فقال تعالى: { إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ } كقوله عز وجل { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ } وكقوله جل وعلا { عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ } وكقوله تعالى: { لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } أي غير مقطوع وكقوله عز وجل: { أُكُلُهَا دَائِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الكافِرِينَ النَّارُ } والآيات في هذا كثيرة جداً.
- ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) ) .
الزمر....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) ) . الزمر
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حيث يساقون على النجائب وفداً إلى الجنة زمراً أي جماعة بعد جماعة: المقربون ثم الأبرار ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كل طائفة مع من يناسبهم: الأنبياء والصديقون مع أشكالهم والشهداء مع أضرابهم، والعلماء مع أقرانهم وكل صنف مع صنف كل زمرة يناسب بعضها بعضاً {حَتَّى إِذَا جَاءوهَا } أي وصلوا إلى أبواب الجنة بعد مجاوزة الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة وقد ورد في حديث الصور أن المؤمنين إذا انتهوا إلى أبواب الجنة تشاوروا فيمن يستأذن لهم في الدخول فيقصدون آدم ثم نوحاً ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمداً صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين كما فعلوا في العرصات عند استشفاعهم إلى الله عز وجل أن يأتي لفصل القضاء ليظهر شرف محمد صلى الله عليه وسلم على سائر البشر في المواطن كلها وقد ثبت في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول شفيع في الجنة»
وفي لفظ لمسلم «وأنا أول من يقرع باب الجنة».
وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم حدثنا سليمان عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن من أنت ؟ فأقول محمد ـ قال ـ فيقول بك أمرت أن لا افتح لأحد قبلك»
ورواه مسلم عن عمرو بن محمد الناقد وزهير بن حرب كلاهما عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن سليمان وهو ابن المغيرة القيسي عن ثابت عن أنس رضي الله عنه به. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون فيها ولا يتغوطون فيها، آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم على قلب واحد يسبحون الله تعالى بكرة وعشيا»
ورواه البخاري عن محمد بن مقاتل عن ابن المبارك. ورواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق كلاهما عن معمر بإسناده نحوه وكذا رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا أبو خيثمة حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب درّي في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب والفضة ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء»
وأخرجاه أيضاً من حديث جرير وقال الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفاً تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر» فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال: «اللهم اجعله منهم» ثم قام رجل من الأنصار فقال يارسول الله ادع الله تعالى أن يجعلني منهم فقال صلى الله عليه وسلم: «سبقك بها عكاشة»
أخرجاه وقد روى هذا الحديث ـ في السبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ـ البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما وجابر بن عبد الله وعمران بن حصين وابن مسعود ورفاعة بن عرابة الجهني وأم قيس بنت محصن رضي الله عنهم ولهما عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً أو سبعمائة ألفٍ آخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة وجوههم على صورة القمر ليلة البدر» .
وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا أمامة الباهلي رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وعدني ربي عز وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً مع كل ألف سبعون ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل» وكذا رواه الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر عن أبي اليمان عامر بن عبد الله بن لحيّ عن أبي أمامة ورواه الطبراني عن عتبة بن عبد السلمي «ثم يشفع كل ألف في سبعين ألفاً»
ويروى مثله عن ثوبان وأبي سعيد الأنماري وله شواهد من وجوه كثيرة. وقوله تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } لم يذكر الجواب ههنا، وتقديره حتى إذا جاءوها وكانت هذه الأمور من فتح الأبواب لهم إكراماً وتعظيماً وتلقتهم الملائكة الخزنة بالبشارة والسلام والثناء لا كما تلقى الزبانية الكفرة بالتثريب والتأنيب فتقديره إذا كان هذا سعدوا وطابوا وسروا وفرحوا بقدر كل ما يكون لهم فيه نعيم، وإذا حذف الجواب ههنا ذهب الذهن كل مذهب في الرجاء والأمل، ومن زعم أن الواو في قوله تبارك وتعالى: { وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } واو الثمانية واستدل به على أن أبواب الجنة ثمانية فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع، وإنما يستفاد كون أبواب الجنة ثمانية من الأحاديث الصحيحة.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله تعالى دعي من أبواب الجنة وللجنة أبواب، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان»
فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه يارسول الله ما على أحد من ضرورة دعي من أيها دعي فهل يدعى منها كلها أحد يارسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم: «نعم وأرجو أن تكون منهم»
رواه البخاري ومسلم من حديث الزهري بنحوه وفيهما من حديث أبي حازم سلمة بن دينار عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة ثمانية أبواب باب منها يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون»
وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء»
وقال الحسن بن عرفة حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مفتاح الجنة لا إله إلا الله» .
ذكر سعة أبواب الجنة ـ نسأل الله من فضله العظيم أن يجعلنا من أهلها
وفي الصحيحين من حديث أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث الشفاعة الطويل «فيقول الله تعالى: يامحمد أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن وهم شركاء الناس في الأبواب الأخر والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة ما بين عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر ـ أو هجر ومكة ـ وفي رواية ـ مكة وبصرى» وفي صحيح مسلم عن عتبة بن غزوان أنه خطبهم خطبة فقال فيها ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام، وفي المسند عن حكيم بن معاوية عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله، وقال عبد بن حميد حدثنا الحسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ما بين مصراعين في الجنة مسيرة أربعين سنة».
وقوله تبارك وتعالى: { َقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ } أي طابت أعمالكم وأقوالكم وطاب سعيكم وطاب جزاؤكم كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادى بين المسلمين في بعض الغزوات «إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة ـ وفي رواية ـ مؤمنة» وقوله: { فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } أي ماكثين فيها أبداً لا يبغون عنها حولاً { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ } أي يقول المؤمنون إذا عاينوا في الجنة ذلك الثواب الوافر والعطاء والنعيم المقيم والملك الكبير يقولون عند ذلك { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ } أي الذي كان وعدنا على ألسنة رسله الكرام كما دعوا في الدنيا {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} { وَقَالُواْ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبنَا بِالْحَق } { وَقَالُواْ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } وقوله: { وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }. قال أبو العالية وأبو صالح وقتادة والسدي وابن زيد أي أرض الجنة فهذه الآية كقوله تعالى: { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } ولهذا قالوا { نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} أي أين شئنا حللنا فنعم الأجر أجرنا على عملنا وفي الصحيحين من حديث الزهري عن أنس رضي الله عنه في قصة المعراج قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك».
وقال عبد الرحمن بن حميد: حدثنا روح بن عبادة حدثنا حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ابن صائد عن تربة الجنة فقال درمكة بيضاء مسك خالص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صدق» وكذا رواه مسلم من حديث أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه به، ورواه مسلم أيضاً عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن الجُرَيْرِي عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال إن ابن صائد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة فقال: «در مكة بيضاء مسك خالص». وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى: { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا } قال سيقوا حتى انتهوا إلى باب من أبواب الجنة فوجدوا عندها شجرة يخرج من تحت ساقها عينان فعمدوا إلى إحداهما فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم فلم تغير أبشارهم بعدها أبداً ولم تشعث أشعارهم أبداً بعدها كأنما دهنوا بالدهان ثم عمدوا إلى الأخرى كأنما أمروا بها فشربوا منها فأذهبت ما كان في بطونهم من أذى أو قذى وتلقتهم الملائكة على أبواب الجنة { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } وتلقى كل غلمان صاحبهم يُطيفُون به فعل الولدان بالحميم جاء من الغيبة: أبشر قد أعد الله لك من الكرامة كذا وكذا وقد أعد الله لك من الكرامة كذا وكذا، قال وينطلق غلام من غلمانه إلى أزواجه من الحور العين فيقول هذا فلان باسمه في الدنيا فيقلن أنت رأيته فيقول نعم فيستخفهن الفرح حتى تخرج إلى أسكفة الباب قال: فيجيء فإذا هو بنمارق مصفوفة وأكواب موضوعة وزرابي مبثوثة، قال ثم ينظر إلى تأسيس بنيانه فإذا هو قد أسس على جندل اللؤلؤ بين أحمر وأخضر وأصفر وأبيض ومن كل لون ثم يرفع طرفه إلى سقفه فلولا أن الله تعالى قدره له لألم أن يذهب ببصره إنه لمثل البرق ثم ينظر إلى أزواجه من الحور العين ثم يتكىء على أريكة من أرائكه ثم يقول: { الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ }.
ثم قال: حدثنا أبي حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي حدثنا مسلمة بن جعفر البجلي قال: سمعت أبا معاذ البصري يقول إن علياً رضي الله عنه كان ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون ـ أو يؤتون ـ بنوق لها أجنحة وعليها رحال الذهب شراك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مد البصر فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان فيشربون من إحداهما فيغْسَل ما في بطونهم من دنس ويغتسلون من الأخرى فلا تشعث أبشارهم ولا أشعارهم بعدها أبداً وتجري عليهم نضرة النعيم فينتهون ـ أو فيأتون ـ باب الجنة فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب فيضربون بالحلقة على الصفيحة فيسمع لها طنين ياعلي فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل فتبعث قيمها فيفتح له فإذا رآه خرّ له ـ قال مسلمة أراه قال ساجداً ـ فيقول ارفع رأسك فإنما أنا قيمك وكلت بأمرك فيتبعه ويقفو أثره فتستخف الحوراء العجلة فتخرج من خيام الدرو الياقوت حتى تعتنقه ثم تقول أنت حبي وأنا حِبّك وأنا الخالدة التي لا أموت وأنا الناعمة التي لا أبأس وأنا الراضية التي لا أسخط وأنا المقيمة التي لا أظعن فيدخل بيتاً من أسه إلى سقفه مائة ألف ذراع بناؤه على جندل اللؤلؤ طرائق أصفر وأخضر وأحمر ليس فيها طريقة تشاكل صاحبتها في البيت سبعون سريراً على كل سرير سبعون حشية على كل حشية سبعون زوجة على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقها من باطن الحلل يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم، هذه الأنهار من تحتهم تطرد «أنهار من ماء غير آسن» ـ قال صاف لا كدر فيه ـ «وأنهار من لبن لم يتغير طعمه» ـ قال لم يخرج من ضروع الماشية ـ «وأنهار من خمرة لذة للشاربين» ـ قال لم تعصرها الرجال بأقدامهم ـ «وأنهار من عسل مصفى» ـ قال لم يخرج من بطون النحل، يستجني الثمار فإن شاء قائماً وإن شاء قاعداً وإن شاء متكئاً ـ ثم تلا {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـلُهَا وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض قال وربما قال أخضر قال فترفع أجنحتها فيأكل من جنوبها أي الألوان شاء ثم يطير فيذهب فيدخل الملك فيقول: سلام عليكم تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت في الأرض لأضاءت الشمس معها سواداً في نور» هذا حديث غريب وكأنه مرسل، والله أعلم.
- ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) ). الدخان....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) ). الدخان
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : لما ذكر تعالى حال الأشقياء عطف بذكر السعداء ولهذا سمي القرآن مثاني، فقال: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ } أي لله في الدنيا { فِى مَقَامٍ أَمِينٍ } أي في الآخرة وهو الجنة، قد أمنوا فيها من الموت والخروج، ومن كل هم وحزن وجزع وتعب ونصب ومن الشيطان وكيده وسائر الآفات والمصائب { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } وهذا في مقابلة ما أولئك فيه من شجرة الزقوم وشرب الحميم، وقوله تعالى: { يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ } وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها { وَإِسْتَبْرَقٍ } وهو ما فيه بريق ولمعان وذلك كالريش وما يلبس على أعالي القماش { مُتَقَابِلِينَ } أي على السرر لا يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره. وقوله تعالى: { كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ } أي هذا العطاء مع ما قد منحناهم من الزوجات الحسان الحور العين اللاتي { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ } { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } { هَلْ جَزَاء الإحْسَانِ إِلاَّ الإحْسَانُ } قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا نوح بن حبيب، حدثنا نصر بن مزاحم العطار. حدثنا عمر بن سعد عن رجل عن أنس رضي الله عنه رفعه نوح قال: لو أن حوراء بزقت في بحر لجي لعذب ذلك الماء لعذوبة ريقها.
وقوله عز وجل: { يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } أي مهما طلبوا من أنواع الثمار أحضر لهم وهم آمنون من انقطاعه وامتناعه بل يحضر إليهم كلما أرادوا.
- ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ (15) ). محمد....... تفسير الآية .
( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ (15) ). محمد
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : قال عز وجل { مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ } قال عكرمة { مَّثَلُ الْجَنَّةِ } أي نعتها { فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ } قال ابن عباس رضي الله عنهما والحسن وقتادة: يعني غير متغير. وقال قتادة والضحاك وعطاء الخراساني: غير منتن، والعرب تقول: أسن الماء إذ تغير ريحه، وفي حديث مرفوع أورده ابن أبي حاتم: غير آسن يعني الصافي الذي لا كدر فيه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع عن الأعمش عن عبد الله بن مرة، عن مسروق قال: قال عبد الله رضي الله عنه: أنهار الجنة تفجر من جبل من مسك { وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } أي بل في غاية البياض والحلاوة والدسومة، وفي حديث مرفوع «لم يخرج من ضروع الماشية» { وَأَنْهَارٌ مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لّلشَّارِبِينَ } أي ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل { لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ } { مَّعِينٍ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } { بَيْضَاء لَذَّةٍ لّلشَّارِبِينَ } وفي حديث مرفوع «لم يعصرها الرجال بأقدامهم» { وَأَنْهَارٌ مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } أي وهو في غاية الصفاء وحسن اللون والطعم والريح. وفي حديث مرفوع «لم يخرج من بطون النحل».
وقال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن هارون، أخبرنا الجريري عن حكيم بن معاوية عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «في الجنة بحر اللبن وبحر الماء وبحر العسل وبحر الخمر، ثم تشقق الأنهار منها بعد» ورواه الترمذي في صفة الجنة عن محمد بن بشار عن يزيد بن هارون، عن سعيد بن أبي إياس الجريري وقال: حسن صحيح. وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم، حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة الأيادي، حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه الأنهار تشخب من جنة عدن في جوبة ثم تصدع بعد أنهاراً»
وفي الصحيح «إذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن».
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا مصعب بن حمزة الزبيري وعبد الله بن الصفر السكري قالا: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة، حدثني عبد الرحمن بن عياش عن دلهم بن الأسود قال دلهم، وحدثنيه أيضاً أبي الأسود عن عاصم بن لقيط قال: إن لقيط بن عامر خرج وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يارسول الله فعلام نطلع من الجنة ؟ قال صلى الله عليه وسلم: «على أنهار عسل مصفى، وأنهار خمر ما بها من صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وماء غير آسن، وفاكهة لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله، وأزواج مطهرة» قلت: يارسول الله أولنا فيها زوجات مصلحات ؟ قال «الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم، غير أن لا توالد» وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا: حدثنا يعقوب بن عبيدة عن يزيد بن هارون، أخبرني الجريري عن معاوية بن قرة عن أبيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لعلكم تظنون أن أنهار الجنة تجري في أُخدود في الأرض والله إنها لتجري سائحة على وجه الأرض، حافاتها قباب اللؤلؤ وطينها المسك الأذفر، وقد رواه أبو بكر بن مردويه من حديث مهدي بن حكيم عن يزيد بن هارون به مرفوعاً.
وقوله تعالى: { وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ الثَّمَراتِ } كقوله عز وجل: { يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } وقوله تبارك وتعالى: { فِيهِمَا مِن كُلّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } وقوله سبحانه وتعالى: { وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ } أي مع ذلك كله.
- ( وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) ). ق....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) ). ق
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : وقوله تعالى: { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } قال قتادة وأبو مالك والسدي { وَأُزْلِفَتِ } أدنيت وقربت من المتقين { غَيْرَ بَعِيدٍ } وذلك يوم القيامة، وليس ببعيد لأنه واقع لا محالة وكل ما هو آت قريب { هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلّ أَوَّابٍ } أي راجع تائب مقلع { حَفِيظٌ } أي يحفظ العهد فلا ينقضه ولا ينكثه، وقال عبيد بن عمرو: الأواب الحفيظ الذي لا يجلس مجلساً فيقوم حتى يستغفر الله عز وجل { مَّنْ خَشِىَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ } أي من خاف الله في سره حيث لا يراه أحد إلا الله عز وجل كقوله صلى الله عليه وسلم: «ورجل ذكر الله تعالى خالياً، ففاضت عيناه» { وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ } أي ولقي الله عز وجل يوم القيامة بقلب منيب سليم إليه خاضع لديه { ادْخُلُوهَا } أي الجنة { بِسَلامٍ } قال قتادة سلموا من عذاب الله عز وجل، وسلم عليهم ملائكة الله، وقوله سبحانه وتعالى: { ذَلِكَ يَوْمُ الُخُلُودِ } أي يخلدون في الجنة فلا يموتون أبداً، ولا يظعنون أبداً ولا يبغون عنها حولاً، وقوله جلت عظمته: { لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا } أي مهما اختاروا وجدوا من أي أصناف الملاذ طلبوا أحضر لهم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عمر بن عثمان، حدثنا بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة قال: من المزيد أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول: ماذا تريدون فأمطره لكم ؟ فلا يدعون بشيء إلا أمطرتهم، قال كثير: لئن أشهدني الله تعالى ذلك لأقولن أمطرينا جواري مزينات.
وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «إنك لتشتهي الطير في الجنة فيخر بين يديك مشوياً» وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي عن عامر الأحول عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة» ورواه الترمذي وابن ماجه عن بندار عن معاذ بن هشام به. وقال الترمذي حسن غريب وزاد: كما اشتهى، وقوله تعالى: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} كقوله عز وجل: { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } وقد تقدم في صحيح مسلم عن صهيب بن سنان الرومي أنها النظر إلى وجه الله الكريم. وقد روى البزار وابن أبي حاتم من حديث شريك القاضي عن عثمان بن عمير أبي اليقظان عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله عز وجل: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } قال: يظهر لهم الرب عز وجل في كل جمعة، وقد رواه الإمام أبو عبد الله الشافعي مرفوعاً فقال في مسنده: أخبرنا إبراهيم بن محمد، حدثني موسى بن عبيدة، حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عمير أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: أتى جبرائيل عليه الصلاة والسلام بمرآة بيضاء فيها نكتة إلى رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذه ؟» فقال: هذه الجمعة فضلت بها أنت وأمتك، فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ولكم فيها خير، ولكم فيها ساعة لا يوافقها مؤمن، يدعو الله تعالى فيها بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا جبريل وما يوم المزيد ؟» قال عليه السلام: إن ربك تبارك وتعالى اتخذ في الفردوس وادياً أفيح فيه كثب المسك، فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله تعالى ما شاء من ملائكته، وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين، وحفت تلك المنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون، فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب، فيقول الله عز وجل: أنا ربكم قد صدقتكم وعدي فسلوني أعطكم، فيقولون: ربنا نسألك رضوانك، فيقول: قد رضيت عنكم ولكم علي ما تمنيتم ولدي مزيد. فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم تبارك وتعالى من الخير، وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش وفيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة. هكذا أورده الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الجمعة من الأم، وله طرق عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد أورد ابن جرير هذا الحديث من رواية عثمان بن عمير عن أنس رضي الله عنه بأبسط من هذا، وذكر ههنا أثراً مطولاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه موقوفاً وفيه غرائب كثيرة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل في الجنة ليتكىء في الجنة سبعين سنة قبل أن يتحول، ثم تأتيه امرأة تضرب على منكبه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة، وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب فتسلم عليه فيرد السلام فيسألها من أنت ؟ فتقول أنا من المزيد وإنه ليكون عليها سبعون حلة أدناها مثل النعمان من طوبى فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك، وإن عليها من التيجان إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب» وهكذا رواه عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج به.
- ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) ). القمر....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) ). القمر
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : وقوله تعالى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } أي بعكس ما الأشقياء فيه من الضلال والسعر والسحب في النار على وجوههم، مع التوبيخ والتقريع والتهديد. وقوله تعالى: { فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ } أي في دار كرامة الله ورضوانه وفضله وامتنانه وجوده وإحسانه { عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } أي عند الملك العظيم الخالق للأشياء كلها ومقدرها. وهو مقتدر على ما يشاء مما يطلبون ويريدون. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا»
انفرد بإخراجه مسلم والنسائي من حديث سفيان بن عيينة بإسناده مثله.
- ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَى أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78) ). الرحمن....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَى أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78) ). الرحمن
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : قال ابن شوذب وعطاء الخراساني: نزلت هذه الآية { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } في أبي بكر الصديق، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن مصفي، حدثنا بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس في قوله تعالى: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } نزلت في الذي قال: أحرقوني بالنار لعلّي أضل الله قال تاب يوماً وليلة، بعد أن تكلم بهذا فقبل الله منه وأدخله الجنة، والصحيح أن هذه الآية عامة كما قاله ابن عباس وغيره يقول الله تعالى: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ } بين يدي الله عز وجل يوم القيامة { وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } ولم يطغ ولا آثر الحياة الدنيا، وعلم أن الآخرة خير وأبقى فأدى فرائض الله واجتنب محارمه، فله يوم القيامة عند ربه جنتان، كما قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» وأخرجه بقية الجماعة إلا أبا داود من حديث عبد العزيز به، وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال حماد: لا أعلمه إلا قد رفعه في قوله تعالى: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } وفي قوله: { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } جنتان من ذهب للمقربين وجنتان من ورق لأصحاب اليمين.
وقال ابن جرير: حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري، حدثنا ابن أبي مريم، أخبرنا محمد بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار أخبرني أبو الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوماً هذه الآية { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت: وإن زنى وإن سرق ؟ فقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت: وإن زنى وإن سرق فقال: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت: وإن زنى وإن سرق يارسول الله ؟ فقال: «وإن رغم أنف أبي الدرداء» ورواه النسائي من حديث محمد بن أبي حرملة به، ورواه النسائي أيضاً عن مؤمل بن هشام عن إسماعيل عن الجريري، عن موسى عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبي الدرداء به، وقد روي موقوفاًعلى أبي الدرداء، وروي عنه أنه قال: إن من خاف مقام ربه لم يزن ولم يسرق. وهذه الآية عامة في الإنس والجن، فهي من أدل دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا واتقوا، ولهذا امتن الله تعالى على الثقلين بهذا الجزاء فقال: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَىّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } ثم نعت هاتين الجنتين فقال: { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } أي أغصان نضرة حسنة تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة { فَبِأَىّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } هكذا قال عطاء الخراساني وجماعة أن الأفنان أغصان الشجر يمس بعضها بعضاً، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عمرو بن علي، حدثنا مسلم بن قتيبة، حدثنا عبد الله بن النعمان، سمعت عكرمة يقول: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} يقول: ظل الأغصان على الحيطان، ألم تسمع قول الشاعر:
ما هاج شوقك من هديل حمامة ××× تدعو على فنن الغصون حماما
تدعو أبا فرخين صادف طــــــــاوياً ××× ذا مخلبين من الصقور قطـــاما
وحكى البغوي عن مجاهد وعكرمة والضحاك والكلبي، أنه الغصن المستقيم، قال: وحدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا عبد السلام بن حرب، حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: ذواتا أفنان ذواتا ألوان، قال: وروي عن سعيد بن جبير والحسن والسدي وخصيف والنضر بن عربي وابن سنان مثل ذلك، ومعنى هذا القول أن فيهما فنوناً من الملاذ، واختاره ابن جرير، وقال عطاء: كل غصن يجمع فنوناً من الفاكهة، وقال الربيع بن أنس { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } واسعتا الفناء وكل هذه الأقوال صحيحة ولا منافاة بينها، والله أعلم، وقال قتادة: ذواتا أفنان يعني بسعتها وفضلها ومزيتها على ما سواها، وقال محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر سدرة المنتهى، فقال: «يسير في ظل الفنن منها الراكب مائة سنة ـ أو قال يستظل في ظل الفنن منها مائة راكب ـ فيها فراش الذهب كأن ثمرها القلال». ورواه الترمذي من حديث يونس بن بكير به.
وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه، قال حماد: ولا أعلمه إلا قد رفعه في قوله: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } وفي قوله: { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } قال: جنتان من ذهب للمقربين، وجنتان من ورق لأصحاب اليمين. { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } أي تسرحان لسقي تلك الأشجار والأغصان فتثمر من جميع الألوان { آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ خَلَقَ } قال الحسن البصري: إحداهمايقال لها تسنيم، والأخرى السلسبيل. وقال عطية: إحداهما من ماء غير آسن، والأخرى من خمر لذة للشاربين، ولهذا قال بعد هذا: { فِيهِمَا مِن كُلّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } أي من جميع أنواع الثمار مما يعلمون وخير مما يعلمون، ومما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر { فَبِأَىّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }. قال إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس، ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل، وقال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء يعني أن بين ذلك بوناً عظيماً وفرقاً بيناً في التفاضل.
يقول تعالى: { مُتَّكِئِينَ } يعني أهل الجنة، والمراد بالاتكاء ههنا الاضطجاع ويقال: الجلوس على صفة التربيع { عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } وهو ما غلظ من الديباج، قاله عكرمة والضحاك وقتادة وقال أبو عمران الجوني، هو الديباج المزين بالذهب، فنبه على شرف الظهارة بشرف البطانة، فهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى. قال أبو إسحاق عن هبيرة بن مريم عن عبد الله بن مسعود قال: هذه البطائن، فكيف لو رأيتم الظواهر.
وقال مالك بن دينار: بطائنها من إستبرق وظواهرها من نور، وقال سفيان الثوري أو شريك: بطائنها من إستبرق وظواهرها من نور جامد، وقال القاسم بن محمد: بطائنها من إستبرق وظواهرها من الرحمة، وقال ابن شوذب عن أبي عبد الله الشامي: ذكر الله البطائن ولم يذكر الظواهر، وعلى الظواهر المحابس ولا يعلم ما تحت المحابس إلا الله تعالى، ذكر ذلك كله الإمام ابن أبي حاتم رحمه الله، { وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } أي ثمرهما قريب إليهم متى شاءوا تناولوه على أي صفة كانوا، كما قال تعالى: { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } وقال { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَـلُهَا وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } أي لا تمتنع ممن تناولها بل تنحط إليه من أغصانها { فَبِأَىّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } ولما ذكر الفرش وعظمتها قال بعد ذلك { فِيهِنَّ } أي في الفرش { قَـصِرتُ الطَّرْفِ } أي غضيضات عن غير أزواجهن فلا يرين شيئاً في الجنة أحسن من أزواجهن، قاله ابن عباس وقتادة وعطاء الخراساني وابن زيد، وقد ورد أن الواحدة منهن تقول لبعلها: والله ما أرى في الجنة شيئاً أحسن منك. ولا في الجنة شيئاً أحب إلي منك فالحمد لله الذي جعلك لي وجعلني لك.
{ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ } أي بل هن أبكار عرب أتراب لم يطأهن أحد قبل أزواجهن من الإنس والجن، وهذه أيضاً من الأدلة على دخول مؤمني الجن الجنة، وقال أرطاة بن المنذر: سئل ضمرة بن حبيب هل يدخل الجن الجنة ؟ قال: نعم وينكحون، للجن جنيات وللإنس إنسيات، وذلك قوله: { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ * فَبِأَىّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }. ثم قال ينعتهن للخطاب { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } قال مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم: في صفاء الياقوت وبياض المرجان، فجعلوا المرجان ههنا اللؤلؤ. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن حاتم، حدثنا عبيدة بن حميد عن عطاء بن السائب عن عمرو بن ميمون الأودي، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقيها من وراء سبعين حلة من حرير حتى يرى مخها»
وذلك قول الله تعالى: { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ } فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه، وهكذا رواه الترمذي من حديث عبيدة بن حميد وأبي الأحوص عن عطاء بن السائب به، ورواه موقوفاً ثم قال: وهو أصح.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا يونس عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين على كل واحدة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء الثياب»
تفرد به الإمام أحمد من هذا الوجه. وقد روى مسلم حديث إسماعيل بن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين قال: إما تفاخروا وإما تذاكروا، الرجال أكثر في الجنة أم النساء ؟ فقال أبو هريرة: أولم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على ضوء كوكب دري في السماء، لكل امرىء منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما في الجنة أعزب»
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث همام بن منبه وأبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر، حدثنا محمد بن طلحة عن حميد عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم أو موضع قيده ـ يعني سوطه ـ من الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً ولطاب ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها» ورواه البخاري من حديث أبي إسحاق عن حميد عن أنس بنحوه.
وقوله تعالى: { هَلْ جَزَاء الإحْسَانِ إِلاَّ الإحْسَانُ } أي ما لمن أحسن العمل في الدنيا إلا الإحسان إليه في الآخرة، كما قال تعالى: { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } وقال البغوي، حدثنا أبو سعيد الشريحي، حدثنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني ابن فنجويه، حدثنا ابن شيبة، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن بهرام، حدثنا الحجاج بن يوسف المكتب، حدثنا بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { هَلْ جَزَاء الإحْسَانِ إِلاَّ الإحْسَانُ } وقال «هل تدرون ما قال ربكم ؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال «يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة» ولما كان في الذي ذكر نعم عظيمة لا يقاومها عمل بل مجرد تفضل وامتنان قال بعد ذلك كله { فَبِأَىّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } ومما يتعلق بقوله تعالى: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } ما رواه الترمذي والبغوي من حديث أبي النضر هاشم بن القاسم عن أبي عقيل الثقفي، عن أبي فروة يزيد بن سنان الرهاوي عن بكير بن فيروز عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة»
ثم قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي النضر وروى البغوي من حديث علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة مولى حويطب بن عبد العزى، عن عطاء بن يسار، عن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على المنبر وهو يقول: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت: وإن زنى وإن سرق يارسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت الثانية: وإن زنى وإن سرق يارسول الله فقال { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } فقلت الثالثة: وإن زنى وإن سرق يارسول الله ؟ فقال «وإن رغم أنف أبي الدرداء».
هاتان الجنتان دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة والمنزلة بنص القرآن، قال الله تعالى: { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } وقد تقدم في الحديث: جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، فالأوليان للمقربين والأخريان لأصحاب اليمين وقال أبو موسى: جنتان من ذهب للمقربين وجنتان من فضة لأصحاب اليمين وقال ابن عباس { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } من دونهما في الدرج، وقال ابن زيد: من دونهما في الفضل.
والدليل على شرف الأوليين على الأخريين وجوه: (أحدها) أنه نعت الأوليين قبل هاتين والتقدم يدل على الاعتناء ثم قال: { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } وهذا ظاهر في شرف التقدم وعلوه على الثاني وقال هناك { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } وهي الأغصان أو الفنون في الملاذ، وقال ههنا { مُدْهَامَّتَانِ } أي سوداوان من شدة الري من الماء قال ابن عباس في قوله { مُدْهَامَّتَانِ } قد اسودتا من الخضرة من شدة الري من الماء، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا ابن فضيل، حدثنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { مُدْهَامَّتَانِ } قال: خضراوان. وروي عن أبي أيوب الأنصاري وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن أبي أوفى وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد في إحدى الروايات وعطاء وعطية العوفي والحسن البصري، ويحيى بن رافع وسفيان الثوري نحو ذلك، وقال محمد بن كعب { مُدْهَامَّتَانِ } ممتلئتان من الخضرة، وقال قتادة: خضراوان من الري ناعمتان ولا شك في نضارة الأغصان على الأشجار المشتبكة بعضها في بعض.
وقال هناك { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } وقال ههنا { نَضَّاخَتَانِ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، أي فياضتان والجري أقوى من النضخ، وقال الضحاك { نَضَّاخَتَانِ } أي ممتلئتان ولا تنقطعان وقال هناك { فِيهِمَا مِن كُلّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } وقال ههنا { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } ولا شك أن الأولى أعم وأكثر في الأفراد والتنويع على فاكهة، وهي نكرة في سياق الإثبات لا تعم، ولهذا فسر قوله: { وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } من باب عطف الخاص على العام كما قرره البخاري وغيره، وإنما أفرد النخل والرمان بالذكر لشرفهما على غيرهما، قال عبد بن حميد: حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا حصين بن عمر، حدثنا مخارق عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب قال: جاء أناس من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يامحمد أفي الجنة فاكهة ؟ قال: «نعم فيها فاكهة ونخل ورمان» قالوا: أفيأكلون كما يأكلون في الدنيا ؟ قال «نعم وأضعاف» قالوا: فيقضون الحوائج ؟ قال «لا ولكنهم يعرقون ويرشحون فيذهب الله ما في بطونهم من أذى» وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نخل الجنة سعفها كسوة لأهل الجنة، منها مقطعاتهم ومنها حللهم وكريها ذهب أحمر وجذوعها زمرد أخضر، وثمرها أحلى من العسل وألين من الزبد وليس له عجم، وحدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد هو ابن سلمة عن أبي هارون عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نظرت إلى الجنة فإذا الرمانة من رمانها كالبعير المقتب».
ثم قال: { فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسَانٌ } قيل المراد خيرات كثيرة حسنة في الجنة قاله قتادة، وقيل: خيرات جمع خيرة وهي المرأة الصالحة الحسنة الخلق الحسنة الوجه، قاله الجمهور، وروي مرفوعاً عن أم سلمة، وفي الحديث الآخر الذي سنورده في سورة الواقعة إن شاء الله تعالى أن الحور العين يغنين: نحن الخيرات الحسان خلقنا لأزواج كرام، ولهذا قرأ بعضهم { فِيهِنَّ خَيْراتٌ } بالتشديد { حِسَانٌ * فَبِأَىّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } ثم قال: {حُورٌ مَّقْصُوراتٌ فِى الْخِيَامِ } وهناك قال: { فِيهِنَّ قَاصِراتُ الطَّرْفِ } ولا شك أن التي قد قصرت طرفها بنفسها أفضل ممن قصرت وإن كان الجميع مخدرات، قال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي، حدثنا وكيع بن سفيان عن جابر عن القاسم بن أبي بزة عن أبي عبيدة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: إن لكل مسلم خيرة ولكل خيرة خيمة، ولكل خيمة أربعة أبواب يدخل عليه كل يوم تحفة وكرامة وهدية، لم تكن قبل ذلك لا مراحات ولا طماحات ولا بخرات ولا ذفرات، حور عين كأنهن بيض مكنون، وقوله تعالى: { فِى الْخِيَامِ } قال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمنون»
ورواه أيضاً من حديث أبي عمران به وقال ثلاثون ميلاً، وأخرجه مسلم من حديث أبي عمران به ولفظه «إن للمؤمنين في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهل يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً».
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن أبي الربيع، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن قتادة، أخبرني خليد العصري عن أبي الدرداء قال: الخيمة لؤلؤة واحدة فيها سبعون باباً من در، وحدثنا أبي، حدثنا عيسى بن أبي فاطمة، حدثنا جرير عن هشام عن محمد بن المثنى عن ابن عباس في قوله تعالى، { حُورٌ مَّقْصُوراتٌ فِى الْخِيَامِ } قال: خيام اللؤلؤ، وفي الجنة خيمة واحدة من لؤلؤة واحدة أربعة فراسخ في أربعة فراسخ عليها أربعة آلاف مصراع من ذهب، وقال عبد الله بن وهب: أخبرنا عمرو أن دراجاً أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم، واثنتان وسبعون زوجة، وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء»
ورواه الترمذي من حديث عمرو بن الحارث به. وقوله تعالى: { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ } قد تقدم مثله سواء إلا أنه زاد في وصف الأوائل بقوله: { كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَىّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ }.
وقوله تعالى: { مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِىّ حِسَانٍ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الرفرف المحابس، وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم: هي المحابس، وقال العلاء بن بدر: الرفوف على السرير كهيئة المحابس المتدلي. وقال عاصم الجحدري {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ } يعني الوسائد وهو قول الحسن البصري في رواية عنه،وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: { مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ } قال: الرفرف رياض الجنة، وقوله تعالى: { وَعَبْقَرِىّ حِسَانٍ } قال ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي: العبقري الزرابي، وقال سعيد بن جبير هي عتاق الزرابي يعني جيادها، وقال مجاهد: العبقري الديباج، وسئل الحسن البصري عن قوله تعالى: { وَعَبْقَرِىّ حِسَانٍ } فقال: هي بسط أهل الجنة لا أبا لكم فاطلبوها، وعن الحسن رواية أنها المرافق، وقال زيد بن أسلم: العبقري أحمر وأصفر وأخضر، وسئل العلاء بن زيد عن العبقري فقال: البسط أسفل من ذلك. وقال أبو حزرة يعقوب بن مجاهد: العبقري من ثياب أهل الجنة لا يعرفه أحد، وقال أبو العالية: العبقري الطنافس المخملة إلى الرقة ما هي، وقال القيسي: كل ثوب موشى عند العرب عبقري، وقال أبو عبيدة: هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي، وقال الخليل بن أحمد: كل شيء نفيس من الرجال وغير ذلك يسمى عند العرب عبقرياً، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمر «فلم أرَ عبقرياً يفري فريه» وعلى كل تقدير فصفة مرافق أهل الجنتين الأوليين أرفع وأعلى من هذه الصفة فإنه قد قال هناك: { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } فنعت بطائن فرشهم وسكت عن ظهائرها اكتفاء بما مدح به البطائن بطريق الأولى والأحرى وتمام الخاتمة أنه قال بعد الصفات المتقدمة { هَلْ جَزَاء الإحْسَانِ إِلاَّ الإحْسَانُ } فوصف أهلها بالإحسان، وهو أعلى المراتب والنهايات كما في حديث جبريل لما سأل عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان، فهذه وجوه عديدة في تفضيل الجنتين الأوليين على هاتين الأخريين، ونسأل الله الكريم الوهاب أن يجعلنا من أهل الأوليين.
ثم قال: { تَبَارَكَ اسْمُ رَبّكَ ذِى الْجَلَالِ وَالإكْرَامِ } أي هو أهل أن يجل فلا يعصى، وأن يكرم فيعبد، ويشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى، وقال ابن عباس { ذِى الْجَلَالِ وَالإكْرَامِ } ذي العظمة والكبرياء. وقال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن عمير بن هانىء عن أبي العذراء عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجلوا الله يغفر لكم»
وفي الحديث الآخر «إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وذي السلطان، وحامل القرآن غير المغالي فيه ولا الجافي عنه» وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو يوسف الحربي حدثنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا حماد، حدثنا حميد الطويل عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام»
وكذا رواه الترمذي عن محمود بن غيلان عن مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة به، ثم قال غلط المؤمل فيه وهو غريب وليس بمحفوظ، وإنما يروى هذا عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن حسان المقدسي عن ربيعة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألظوا بذي الجلال والإكرام» ورواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك به، وقال الجوهري ألظ فلان بفلان إذا لزمه، وقول ابن مسعود ألظو بياذا الجلال والإكرام أي الزموا، يقال: الإلظاظ هو الإلحاح. (قلت) وكلاهما قريب من الآخر، والله أعلم، وهو المداومة واللزوم والإلحاح. وفي صحيح مسلم والسنن الأربعة من حديث عبد الله بن الحارث عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يقعد يعني بعد الصلاة إلا بقدر ما يقول: «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام».
- ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنْ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلاً سَلَامًا سَلَامًا (26) ). الواقعة....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنْ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلاً سَلَامًا سَلَامًا (26) ). الواقعة
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : قال محمد بن كعب وأبو حرزة ويعقوب بن مجاهد { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } هم الأنبياء عليهم السلام.
وقال السدي: هم أهل عليين، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } قال: يوشع بن نون، سبق إلى موسى ومؤمن آل يس، سبق إلى عيسى وعلي بن أبي طالب سبق إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه ابن أبي حاتم عن محمد بن هارون الفلاس عن عبد الله بن إسماعيل المدائني البزاز، عن شعيب بن الضحاك المدائني عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح به.
وقال ابن أبي حاتم وذكر عن محمد بن أبي حماد: حدثنا مهران عن خارجة عن قرة عن ابن سيرين { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } الذين صلوا إلى القبلتين ورواه ابن جرير من حديث خارجة به. وقال الحسن وقتادة { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } أي من كل أمة، وقال الأوزاعي عن عثمان بن أبي سودة أنه قرأ هذه الآية { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَـئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } ثم قال: أولهم رواحاً إلى المسجد وأولهم خروجاً في سبيل الله، وهذه الأقوال كلها صحيحة فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا، كما قال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاواتُ وَالاْرْضُ } وقال تعالى: {سَابِقُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالاْرْضِ } وقال فمن سابق في هذه الدنيا وسبق إلى الخير كان في الآخرة من السابقين إلى الكرامة، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، ولهذا قال تعالى: {أُوْلَـئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي: حدثنا يحيى بن زكريا القزاز الرازي، حدثنا خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عمرو قال: قالت الملائكة يارب جعلت لبني آدم الدنيا فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون فاجعل لنا الآخرة، فقال: لا أفعل، فراجعوا ثلاثاً فقال: لا أجعل من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان. ثم قرأ عبد الله { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَـئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } وقد روى هذا الأثر الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه الرد على الجهمية ولفظه: فقال الله عز وجل: لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فيكون.
يقول تعالى مخبراً عن هؤلاء السابقين المقربين أنهم ثلة أي جماعة من الأولين وقليل من الآخرين، وقد اختلفوا في المراد بقوله الأولين والآخرين فقيل: المراد بالأولين الأمم الماضية وبالآخرين هذه الأمة، وهذا رواية عن مجاهد والحسن البصري، رواها عنهما ابن أبي حاتم: وهو اختيار ابن جرير واستأنس بقوله صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة» ولم يحك غيره ولا عزاه إلى أحد، ومما يستأنس به لهذا القول ما رواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، حدثنا شريك عن محمد بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: لما نزلت { ثُلَّةٌ مّنَ الاْوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مّنَ الاْخِرِينَ } شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت { ثُلَّةٌ مّنَ الاْوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مّنَ الاْخِرِينَ } فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ثلث أهل الجنة، بل أنتم نصف أهل الجنة أو شطر أهل الجنة وتقاسمونهم النصف الثاني» ورواه الإمام أحمد عن أسود بن عامر عن شريك عن محمد بياع الملاء عن أبيه عن أبي هريرة فذكره.
وقد روي من حديث جابر نحو هذا، ورواه الحافظ ابن عساكر من طريق هشام بن عمارة، حدثنا عبد ربه بن صالح عن عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: لما نزلت «إذا وقعت الواقعة» ذكر فيها «ثلة من الأولين وقليل من الآخرين» قال عمر: يارسول الله ثلة من الأولين وقليل منا ؟ قال: فأمسك آخر السورة سنة ثم نزل { ثُلَّةٌ مّنَ الاْوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مّنَ الاْخِرِينَ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمر تعال فاسمع ما قد أنزل الله { ثُلَّةٌ مّنَ الاْوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مّنَ الاْخِرِينَ } ألا وإن من آدم إلي ثلة وأمتي ثلة، ولن نستكمل ثلتنا حتى نستعين بالسودان من رعاة الإبل ممن شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له» هكذا أورده في ترجمة عروة بن رويم إسناداً ومتناً، ولكن في إسناده نظر، وقد وردت طرق كثيرة متعددة بقوله صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة» الحديث بتمامه وهو مفرد في صفة الجنة، ولله الحمد والمنة. وهذا الذي اختاره ابن جرير ههنا فيه نظر بل هو قول ضعيف، لأن هذه الأمة هي خير الأمم بنص القرآن، فيبعد أن يكون المقربون في غيرها أكثر منها، اللهم إلا أن يقابل مجموع الأمم بهذه الأمة، والظاهر أن المقربين من هؤلاء أكثر من سائر الأمم والله أعلم.
فالقول الثاني في هذا المقام هو الراجح، وهو أن يكون المراد بقوله تعالى:{ ثُلَّةٌ مّنَ الاْوَّلِينَ } أي من صدر هذه الأمة { وَقَلِيلٌ مّنَ الاْخِرِينَ } أي من هذه الأمة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا عفان، حدثنا عبد الله بن بكر المزني، سمعت الحسن أتى على هذه الآية {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَـئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } فقال: أما السابقون فقد مضوا ولكن اللهم اجعلنا من أصحاب اليمين. ثم قال: حدثنا أبي، حدثنا أبو الوليد، حدثنا السري بن يحيى قال: قرأ الحسن { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ } قال ثلة ممن مضى من هذه الأمة، وحدثنا أبي حدثنا عبد العزيز بن المغيرة المنقري حدثنا أبو هلال عن محمد بن سيرين أنه قال في هذه الآية { ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنْ الْآخِرِينَ } قال: كانوا يقولون أو يرجون أن يكونوا كلهم من هذه الأمة، فهذا قول الحسن وابن سيرين أن الجميع من هذه الأمة، ولا شك أن أول كل أمة خير من آخرها، فيحتمل أن تعم الآية جميع الأمم كل أمة بحسبها، ولهذا ثبت في الصحاح وغيرها من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» الحديث بتمامه.
فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن، حدثنا زياد أبو عمر عن الحسن عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره» فهذا الحديث، بعد الحكم بصحة إسناده، محمول على أن الدين كما هو محتاج إلى أول الأمة في إبلاغه إلى من بعدهم، كذلك هو محتاج إلى القائمين به في أواخرها وتثبيت الناس على السنة وروايتها وإظهارها، والفضل للمتقدم وكذلك الزرع هو محتاج إلى المطر الأول وإلى المطر الثاني، ولكن العمدة الكبرى على الأول واحتياج الزرع إليه آكد، فإنه لولاه ما نبت في الأرض ولا تعلق أساسه فيها ولهذا قال عليه السلام «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة» وفي لفظ «حتى يأتي أمر الله تعالى وهم كذلك» والغرض أن هذه الأمة أشرف من سائر الأمم، والمقربون فيها أكثر من غيرها وأعلى منزلة لشرف دينها وعظم نبيها، ولهذا ثبت بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه أخبر أن في هذه الأمة سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب وفي لفظ «مع كل ألف سبعون ألفاً ـ وفي آخر ـ مع كل واحد سبعون ألفا ً» .
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا هشام بن يزيد الطبراني، حدثنا محمد هو ابن إسماعيل بن عياش، حدثني أبي، حدثني ضمضم يعني ابن زرعة عن شريح هو ابن عبيد، عن أبي مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما والذي نفسي بيده ليبعثن منكم يوم القيامة مثل الليل الأسود زمرة جميعها يحيطون الأرض، تقول الملائكة لما جاء مع محمد صلى الله عليه وسلم أكثر مما جاء مع الأنبياء عليهم السلام»
وحسن أن يذكر ههنا عند قوله تعالى: { ثُلَّةٌ مّنَ الاْوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مّنَ الاْخِرِينَ } الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في دلائل النبوة حيث قال: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا جعفر بن محمد بن المستفاض الفريابي، حدثني أبو وهب الوليد بن عبد الملك بن عبيد الله بن مسرح الحراني، حدثنا سليمان بن عطاء القرشي الحراني عن مسلمة بن عبد الله الجهني، عن عمه أبي مشجعة بن ربعي عن ابي زمل الجهني رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح يقول وهو ثان رجليه «سبحان الله وبحمده أستغفر الله إن الله كان تواباً» سبعين مرة ثم يقول: «سبعين بسبعمائة لا خير لمن كانت ذنوبه في يوم واحد أكثر من سبعمائة» ثم يقول ذلك مرتين ثم يستقبل الناس بوجهه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا ثم يقول «هل رأى أحد منكم شيئاً ؟» قال ابو زمل: فقلت أنا يارسول الله، فقال «خير تلقاه، وشر توقاه، وخير لنا، وشر على أعدائنا الحمد لله رب العالمين اقصص رؤياك» فقلت: رأيت جميع الناس على طريق رحب سهل لاحب والناس على الجادة منطلقين، فبينما هم كذلك إذ أشفى ذلك الطريق على مرج لم تر عيني مثله، يرف رفيفاً يقطر ماؤه فيه من أنواع الكلأ، قال وكأني بالرعلة الأولى حين أشفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم في الطريق، فلم يظلموه يميناً ولا شمالاً، قال فكأني أنظر إليهم منطلقين، ثم جاءت الرعلة الثانية، وهم أكثر منهم أضعافاً فلما أشفوا على المرج كبروا ثم أكبوا رواحلهم في الطريق، فمنهم المرتع ومنهم الآخذ الضغث، ومضوا على ذلك، قال ثم قدم عظم الناس، فلما أشفوا على المرج كبروا وقالوا هذا خير المنزل، كأني أنظر إليهم يميلون يميناً وشمالاً، فلما رأيت ذلك لزمت الطريق حتى آتي أقصى المرج، فإذا أنا بك يارسول الله على منبر فيه سبع درجات وأنت في أعلاها درجة، وإذا عن يمينك رجل آدم شثل أقنى إذا هو تكلم يسمو فيقرع الرجال طولاً، وإذا عن يسارك رجل ربع باز كثير خيلان الوجه، كأنما حمم شعره بالماء إذا هو تكلم أصغيتم إكراماً له، وإذا أمام ذلك رجل شيخ أشبه الناس بك خلقاً ووجهاً كلكم تأمونه تريدونه وإذا أمام ذلك ناقة عجفاء شارف، وإذا أنت يارسول الله كأنك تبعثها.
قال: فامتقع لون رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم سري عنه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما ما رأيت من الطريق السهل الرحب اللاحب، فذاك ما حملتكم عليه من الهدى وأنتم عليه، وأما المرج الذي رأيت فالدنيا ونضارة عيشها، مضيت أنا وأصحابي لم نتعلق منها بشيء ولم تتعلق منا ولم نردها ولم تردنا، ثم جاءت الرعلة الثانية من بعدنا وهم أكثر منا أضعافاً، فمنهم المرتع ومنهم الآخذ الضغث ونجوا على ذلك، ثم جاء عظم الناس فمالوا في المرج يميناً وشمالاً فإنا لله وإنا إليه راجعون. وأما أنت فمضيت على طريقة صالحة، فلن تزال عليها حتى تلقاني، وأما المنبر الذي رأيت فيه سبع درجات وأنا في أعلاها درجة فالدنيا سبعة آلاف سنة، أنا في آخرها ألفاً، وأما الرجل الذي رأيت على يميني الآدم الشثل فذلك موسى عليه السلام، إذا تكلم يعلو الرجال بفضل كلام الله إياه، والذي رأيت عن يساري الباز الربعة الكثير خيلان الوجه كأنما حمم شعره بالماء، فذلك عيسى بن مريم نكرمه لإكرام الله إياه، وأما الشيخ الذي رأيت أشبه الناس بي خلقاً ووجهاً فذاك أبونا إبراهيم كلنا نؤمه ونقتدي به، وأما الناقة التي رأيت ورأيتني أبعثها فهي الساعة علينا تقوم لا نبي بعدي ولا أمة بعد أمتي» قال: فما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رؤيا بعد هذا إلا أن يجيء الرجل فيحدثه بها متبرعاً.
وقوله تعالى: { عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } قال ابن عباس: أي مرمولة بالذهب يعني منسوجة به، وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم وقتادة والضحاك وغيره، وقال السدي: مرمولة بالذهب واللؤلؤ، وقال عكرمة: مشبكة بالدر والياقوت، وقال ابن جرير: ومنه يسمى وضين الناقة الذي تحت بطنها، وهو فعيل بمعنى مفعول لأنه مضفور، وكذلك السرر في الجنة مضفورة بالذهب واللآلىء.
وقوله تعالى: { مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ } أي وجوه بعضهم إلى بعض ليس أحد وراء أحد { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُّخَلَّدُونَ } أي مخلدون على صفة واحدة لا يتكبرون عنها ولا يشيبون ولا يتغيرون { بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ } أما الأكواب فهي الكيزان التي لا خراطيم لها ولا آذان، والأباريق التي جمعت الوصفين والكؤوس الهنابات، والجميع من خمر من عين جارية معين، ليس من أوعية تنقطع وتفرغ بل من عيون سارحة. وقوله تعالى: { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } أي لا تصدع رؤوسهم ولا تنزف عقولهم، بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة، وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال: في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول، فذكر الله تعالى خمر الجنة ونزهها عن هذه الخصال.
وقال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطية وقتادة والسدي { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } يقول ليس لهم فيها صداع رأس وقالوا في قوله: {وَلاَ يُنزِفُونَ } أي لا تذهب بعقولهم.
وقوله تعالى: { وَفَاكِهَةٍ مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ } أي ويطوفون عليهم بما يتخيرون من الثمار، وهذه الآية دليل على جواز أكل الفاكهة على صفة التخير لها، ويدل على ذلك حديث عكراش بن ذؤيب الذي رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي رحمه الله في مسنده، حدثنا العباس بن الوليد الترسي، حدثنا العلاء بن الفضل بن عبدالملك بن أبي سوية، حدثنا عبيد الله بن عكراش عن أبيه عكراش بن ذؤيب قال: بعثني مرة في صدقات أموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدمت المدينة فإذا هو جالس بين المهاجرين والأنصار وقدمت عليه بإبل كأنها عروق الأرطى قال «من الرجل ؟» قلت: عكراش بن ذؤيب، قال «ارفع في النسب» فانتسبت له إلى مرة بن عبيد وهذه صدقة مرة بن عبيد، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «هذه إبل قومي هذه صدقات قومي» ثم أمر بها أن توسم بميسم إبل الصدقة وتضم إليها، ثم أخذ بيدي فانطلقنا إلى منزل أم سلمة فقال: «هل من طعام ؟» فأتينا بجفنة كالقصعة كثيرة الثريد والوذر، فجعل يأكل منها فأقبلت أخبط بيدي في جوانبها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليسرى على يدي اليمنى فقال: ياعكراش، كل من موضع واحد فإنه طعام واحد. ثم أتينا بطبق فيه تمر أو رطب شك عبيد الله رطباً كان أو تمراً، فجعلت آكل من بين يدي وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطبق وقال: يا عكراش، كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد. ثم أتينا بماء فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه ثلاثاً ثم قال: «يا عكراش هذا الوضوء مما غيرت النار».
وهكذا رواه الترمذي مطولاً وابن ماجه جميعاً عن محمد بن بشار عن أبي الهذيل العلاء بن الفضل به، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديثه. وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز بن أسد وعفان، وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا شيبان، قالوا حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت قال: قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا، فربما رأى الرجل الرؤيا فسأل عنه إذا لم يكن يعرفه، فإذا أثنى عليه معروف كان أعجب لرؤياه إليه، فأتته أمرأة فقالت: يارسول الله رأيت كأني أتيت فأخرجت من المدينة فأدخلت الجنة، فسمعت وجبة انتحبت لها الجنة، فنظرت فإذا فلان بن فلان وفلان بن فلان فسمت اثني عشر رجلاً، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث سرية قبل ذلك فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم، فقيل اذهبوا بهم إلى نهر البيدخ أو البيذخ، قال فغمسوا فيه فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر، فأتوا بصفحة من ذهب فيها بسر، فأكلوا من بسره ما شاءوا فما يقلبونها من وجه إلا أكلوا من الفاكهة ما أرادوا، وأكلت معهم فأتى البشير من تلك السرية، فقال ما كان من رؤيا كذا وكذا فأصيب فلان وفلان حتى عد اثني عشر رجلاً، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة، فقال "قصي رؤياك"، فقصتها وجعلت تقول فجيء بفلان وفلان كما قال. هذا لفظ أبي يعلى، قال الحافظ الضياء: وهذا على شرط مسلم.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا معاذ بن المثنى، حدثنا علي بن المديني، حدثنا ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل إذا نزع ثمرة في الجنة عادت مكانها أخرى» وقوله تعالى:{وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ } قال الإمام أحمد: حدثنا سيار بن حاتم، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، حدثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن طير الجنة كأمثال البخت يرعى في شجر الجنة» فقال أبو بكر: يارسول الله إن هذه لطير ناعمة، فقال «آكلها أنعم منها ـ قالها ثلاثاً ـ وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها» انفرد به أحمد من هذا الوجه.
وروى الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتابه صفة الجنة من حديث إسماعيل بن علي الخطمي عن أحمد بن علي الخُيوطي عن عبد الجبار بن عاصم عن عبد الله بن زياد، عن زرعة عن نافع عن ابن عمر قال: ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم طوبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر هل بلغك ما طوبى ؟» قال: الله ورسوله أعلم. قال «طوبى شجرة في الجنة ما يعلم طولها إلا الله يسير الراكب تحت غصن من اغصانها سبعين خريفاً، ورقها الحلل يقع عليها الطير كأمثال البخت» فقال أبو بكر: يارسول الله إن هناك لطيراً ناعماً ؟ قال «أنعم منه من يأكله وأنت منهم إن شاء الله تعالى» وقال قتادة في قوله تعالى: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ } وذكر لنا أن أبا بكر قال: يارسول الله إني أرى طيرها ناعمة كأهلها ناعمون، قال «من يأكلها والله ياأبا بكر أنعم منها وإنها لأمثال البخت وإني لأحتسب على الله أن تأكل منها ياأبا بكر».
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني مجاهد بن موسى، حدثنا معن بن عيسى، حدثني ابن أخي ابن شهاب عن أبيه عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكوثر فقال: «نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، فيه طيور أعناقها يعني كأعناق الجزر» فقال عمر: إنها لناعمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آكلها أنعم منها» وكذا رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن القعنبي عن محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب عن أبيه عن أنس، وقال حسن. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا أبو معاوية عن عبيد الله بن الوليد الرصافي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن في الجنة لطيراً فيه سبعون ألف ريشة فيقع على صحفة الرجل من أهل الجنة فينتفض، فيخرج من كل ريشة يعني لوناً أبيض من اللبن وألين من الزبد وأعذب من الشهد، ليس منها لون يشبه صاحبه ثم يطير» هذا حديث غريب جداً والوصَّافي وشيخه ضعيفان، ثم قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث، حدثني الليث، حدثنا خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي حازم عن عطاء عن كعب قال: إن طائر الجنة أمثال البخت يأكل من ثمرات الجنة ويشرب من أنهار الجنة، فيصطففن له فإذا اشتهى منها شيئاً أتى حتى يقع بين يديه، فيأكل من خارجه وداخله ثم يطير لم ينقص منه شيء، صحيح إلى كعب وقال الحسن بن عرفة: حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشوياً» .
وقوله تعالى: { وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ } قرأ بعضهم بالرفع وتقديره ولهم فيها حور عين وقراءة الجر تحتمل معنيين: أحدهما أن يكون الإعراب على الإتباع بما قبله كقوله تعالى: { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ * لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ } كما قال تعالى: { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } وكما قال تعالى: { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ } والاحتمال الثاني أن يكون مما يطوف به الولدان المخلدون عليهم الحور العين، ولكن يكون ذلك في القصور لا بين بعضهم بعضاً، بل في الخيام يطوف عليهم الخدام بالحور العين، والله أعلم. وقوله تعالى: { كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ } أي كأنهن اللؤلؤ الرطب في بياضه وصفائه كما تقدم في سورة الصافات { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } وقد تقدم في سورة الرحمن وصفهن أيضاً، ولهذا قال: { جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي هذا الذي أتحفناهم به مجازاة لهم على ما أحسنوا من العمل.
ثم قال تعالى: { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً } أي لا يسمعون في الجنة كلاماً لاغياً أي عبثاً خالياً من المعنى أو مشتملاً على معنى حقير أو ضعيف كما قال { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً } أي كلمة لا غية { وَلاَ تَأْثِيماً } أي ولا كلاماً فيه قبح { إِلاَّ قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً } أي إلا التسليم منهم بعضهم على بعض كما قال تعالى: { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ } وكلامهم أيضاً سالم من اللغو والإثم.
- ( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنْ الْآخِرِينَ (40) ). الواقعة....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنْ الْآخِرِينَ (40) ). الواقعة
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : لما ذكر تعالى مآل السابقين وهم المقربون، عطف عليهم بذكر أصحاب اليمين وهم الأبرار، كما قال ميمون بن مهران أصحاب اليمين منزلتهم دون المقربين فقال { وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ } أي أي شيء أصحاب اليمين وما حالهم وكيف مآلهم. ثم فسر ذلك فقال تعالى: { فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وأبو الأحوص وقسامة بن زهير والسفر بن قيس، والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وأبو حَرْزَةَ وغيرهم: هو الذي لا شوك فيه، وعن ابن عباس: هو الموقر بالثمر، وهو رواية عن عكرمة ومجاهد، وكذا قال قتادة أيضاً: كنا نحدث أنه الموقر الذي لا شوك به، والظاهر أن المراد هذا وهذا، فإن سدر الدنيا كثير الشوك قليل الثمر، وفي الآخرة على العكس من هذا لا شوك فيه وفيه الثمر الكثير الذي قد أثقل أصله، كما قال الحافظ أبو بكر أحمد بن سلمان النجّاد، حدثنا محمد بن محمد هو البغوي، حدثني حمزة بن العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم، قال: أقبل أعرابي يوماً فقال: يارسول الله ذكر الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها، فقال رسول الله: «وما هي ؟» قال السدر فإن له شوكاً مؤذياً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أليس الله تعالى يقول { فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } خضد الله شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها لتنبت ثمراً تفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لوناً من طعام، ما فيها من لون يشبه الآخر».
(طريق آخر) قال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا محمد بن المصفى، حدثنا محمد بن المبارك، حدثني يحيى بن حمزة، حدثني ثور بن يزيد، حدثني حبيب بن عبيد عن عتبة بن عبد السلمي قال: كنت جالساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: فجاء أعرابي فقال: يارسول الله أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجراً أكثر شوكاً منها، يعني الطلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود، فيها سبعون لوناً من الطعام لا يشبه لون الآخر» وقوله { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } الطلح شجر عظام يكون بأرض الحجاز من شجر العضاه واحدته طلحة، وهو شجر كثير الشوك، وأنشد ابن جرير لبعض الحداة :
بشرها دليلــها وقالا ××× غداً ترين الطلح والجبالا
وقال مجاهد { مَّنْضُودٍ } أي متراكم الثمر يذكر بذلك قريشاً لأنهم كانوا يعجبون من وجّ وظلاله من طلح وسدر وقال السدي: منضود مصفود. قال ابن عباس: يشبه طلح الدنيا، ولكن له ثمر أحلى من العسل، قال الجوهري والطلح لغة في الطلع قلت: وقد روى ابن أبي حاتم من حديث الحسن بن سعد عن شيخ من همدان قال: سمعت علياً يقول هذا الحرف في طلح منضود، قال: طلع منضود، فعلى هذا يكون من صفة السدر، فكأنه وصفه بأنه مخضود، وهو الذي لا شوك له، وأن طلعه منضود وهو كثرة ثمره، والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو معاوية عن إدريس عن جعفر بن إياس عن أبي نضرة عن أبي سعيد { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } قال الموز، قال وروي عن ابن عباس وأبي هريرة والحسن وعكرمة وقسامة بن زهير وقتادة وأبي حزرة مثل ذلك وبه، قال مجاهد وابن زيد: وزاد فقال: أهل اليمن يسمون الموز الطلح، ولم يحك ابن جرير غير هذا القول.
وقوله تعالى: { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، اقرأوا إن شئتم { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } ورواه مسلم من حديث الأعرج به. وقال الإمام أحمد: حدثنا سريج، حدثنا فليح عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، اقرءوا إن شئتم { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } وكذا رواه مسلم من حديث الأعرج به. وكذا رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به، وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة، وكذا رواه حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة والليث بن سعد عن سعيد المقبري، عن أبيه عن أبي هريرة: وعوف عن ابن سيرين، عن أبي هريرة به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا: حدثنا شعبة، سمعت أبا الضحاك يحدث أبا هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين ـ أو مائة ـ سنة هي شجرة الخلد». وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد ابن سنان، حدثنا يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو بن أبي سلمة عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها، واقرءوا إن شئتم { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } إسناد جيد ولم يخرجوه، وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن عبدة وعبد الرحيم والبخاري، كلهم عن محمد بن عمرو به، وقد رواه الترمذي من حديث عبد الرحمن بن سليمان به.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن زياد مولى بني مخزوم عن أبي هريرة قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام اقرءوا إن شئتم { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } فبلغ ذلك كعباً فقال: صدق والذي أنزل التوراة على موسى والفرقان على محمد، لو أن رجلاً ركب حقة أو جذعة ثم دار بأعلى تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرماً، إن الله غرسها بيده ونفخ فيها من روحه، وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة وما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة. وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا محمد بن منهال الضرير: حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى: { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } قال: «في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها» وكذا رواه البخاري عن روح بن عبد المؤمن عن يزيد بن زريع، وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن عمران بن داود القطان عن قتادة به، وكذا رواه معمر وأبو هلال عن قتادة به، وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد وسهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها» فهذا حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل متواتر مقطوع بصحته عند أئمة الحديث النقاد، لتعدد طرقه وقوة أسانيده وثقة رجاله.
وقد قال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو بكر، حدثنا أبو حصين قال: كنا على باب في موضع ومعنا أبو صالح وشقيق يعني الضبي، فحدث أبو صالح قال: حدثني أبو هريرة قال: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاماً، قال أبو صالح: أتكذب أبا هريرة ؟ قال: ما أكذب أبا هريرة ولكني أكذبك أنت، فشق ذلك على القراء يومئذ. قلت: فقد أبطل من يكذب بهذا الحديث مع ثبوته وصحته ورفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الترمذي: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا زياد بن الحسن بن الفرات القزاز عن أبيه عن جده عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب»
ثم قال: حسن غريب. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن أبي الربيع، حدثنا أبو عامر العقدي عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال: الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق ظلها قدر ما يسير الراكب في كل نواحيها، مائة عام، قال: فيخرج إليها أهل الجنة أهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلها، قال: فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحاً من الجنة، فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا. هذا أثر غريب إسناده جيد قوي حسن. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا ابن يمان حدثنا سفيان، حدثنا أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون في قوله تعالى: { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } قال سبعون ألف سنة، وكذا رواه ابن جرير عن بندار عن ابن مهدي عن سفيان مثله، ثم قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران عن سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } قال: خمسمائة ألف سنة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا حصين بن نافع عن الحسن في قول الله تعالى: { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } قال: في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها، وقال عوف عن الحسن: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها»
رواه ابن جرير وقال شبيب عن عكرمة عن ابن عباس: في الجنة شجر لا يحمل يستظل به، رواه ابن أبي حاتم، وقال الضحاك والسدي وأبو حزرة في قوله تعالى: { وَظِلّ مَّمْدُودٍ } لا ينقطع، ليس فيها شمس ولا حر مثل قبل طلوع الفجر، وقال ابن مسعود: الجنة سجسج كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وقد تقدمت الآيات كقوله تعالى: { وَنُدْخِلُهُمْ ظِـلاًّ ظَلِيلاً } وقوله: { أُكُلُهَا دَائِمٌ وِظِلُّهَا } وقوله: { فِى ظِلَالٍ وَعُيُونٍ } إلى غير ذلك من الآيات وقوله تعالى: { وَمَاء مَّسْكُوبٍ } قال الثوري: يجري في غير أخدود، وقد تقدم الكلام عند تفسير قوله تعالى: { فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ } الآية. بما أغنى عن إعادته ههنا.
وقوله تعالى: { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } أي وعندهم من الفواكه الكثيرة المتنوعة في الألوان مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، كما قال تعالى: { كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } أي يشبه الشكل الشكل ولكن الطعم غير الطعم، وفي الصحيحين في ذكر سدرة المنتهى: «فإذا ورقها كآذان الفيلة ونبقها مثل قلال هجر». وفيهما أيضاً من حديث مالك عن زيد عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فذكر الصلاة، وفيه قالوا: يارسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت، قال: «إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقوداً، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا»، وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا عبيد الله، حدثنا ابن عقيل عن جابر قال: بينا نحن في صلاة الظهر إذ تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدمنا معه، ثم تناول شيئاً ليأخذه ثم تأخر، فلما قضى الصلاة قال أبي بن كعب: يارسول الله صنعت اليوم في الصلاة شيئاً ما كنت تصنعه، قال: «إنه عرضت علي الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة، فتناولت منها قطفاً من عنب لآتيكم به فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقص منه» وروى مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر نحوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن بحر، حدثنا هشام بن يوسف، أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن الحوض وذكر الجنة ثم قال الأعرابي: فيها فاكهة ؟ قال: «نعم وفيها شجرة تدعى طوبى» . قال: فذكر شيئاً لا أدري ما هو، قال: أي شجر أرضنا تشبه ؟ قال: «ليست تشبه شيئاً من شجر أرضك ؟» فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتيت الشام ؟ قال: لا . قال: «تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحدة وينفرش أعلاها». قال: ما عظم العنقود ؟ قال: «مسيرة شهر للغراب الأبقع لا يفتر». قال: ما عظم أصلها ؟ قال: «لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرماً» قال: فيها عنب ؟ قال: «نعم» قال: فما عظم الحبة ؟ قال: «هل ذبح أبوك تيساً من غنمه قط عظيماً ؟» قال: نعم، قال: «فسلخ إهابه فأعطاه أمك فقال اتخذي لنا منه دلواً ؟» قال: نعم. قال الأعرابي: فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي ؟ قال: «نعم وعامة عشيرتك».
وقوله تعالى: { لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } أي لا تنقطع شتاء ولا صيفاً بل أكلها دائم مستمر أبداً، مهما طلبوا وجدوا لا يمتنع عليهم بقدرة الله شيء، وقال قتادة: لا يمنعهم من تناولها عود ولا شوك ولا بعد، وقد تقدم في الحديث إذا تناول الرجل الثمرة عادت مكانها أخرى وقوله تعالى: {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } أي عالية وطيئة ناعمة قال النسائي وأبو عيسى الترمذي: حدثنا أبو كريب، حدثنا رشدين بن سعد عن عمر بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } قال: «ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام» ثم قال الترمذي: هذا الحديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد، قال: وقال بعض أهل العلم: معنى هذا الحديث ارتفاع الفرش في الدرجات وبعدما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، هكذا قال إنه لا يعرف هذا إلا من رواية رشدين بن سعد، وهو المصري وهو ضعيف، هكذا رواه أبو جعفر بن جرير عن أبي كريب عن رشدين به.
ثم رواه هو وابن أبي حاتم كلاهما عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث فذكره، وكذا رواه ابن أبي حاتم أيضاً عن نعيم بن حماد عن ابن وهب، وأخرجه الضياء في صفة الجنة من حديث حرملة عن ابن وهب به مثله، ورواه الإمام أحمد عن حسن بن موسى عن ابن لهيعة، حدثنا دراج فذكره. وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو معاوية جويبر عن أبي سهل يعني كثير بن زياد عن الحسن {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } قال: ارتفاع فراش الرجل من أهل الجنة مسيرة ثمانين سنة. وقوله تعالى: { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لاِصْحَابِ الْيَمِينِ } جرى الضمير على غير مذكور. ولكن لما دل السياق وهو ذكر الفرش على النساء اللاتي يضاجعن فيها اكتفى بذلك عن ذكرهن وعاد الضمير عليهن كما في قوله تعالى: { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِىّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِى حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } يعني الشمس على المشهور من قول المفسرين، وقال الأخفش في قوله تعالى: { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ } أضمرهن ولم يذكرن قبل ذلك، وقال أبو عبيدة: ذكرن في قوله تعالى: { وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ } فقوله تعالى: { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ } أي أعدناهن في النشأة الأخرى بعدما كن عجائز رمصاً، صرنَ أبكاراً عرباً أي بعد الثيوبة عدن أبكاراً عرباً متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة والظرافة والملاحة.
وقال بعضهم عرباً أي غنجات، قال موسى بن عبيدة الربذي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا أنشأناهن قال نساء عجائز كن في الدنيا عمشاً رمصاً» رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم ثم قال الترمذي: غريب، وموسى ويزيد ضعيفان، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصي، حدثنا آدم يعني ابن أبي إياس، حدثنا شيبان بن جابر عن يزيد بن مرة عن سلمة بن يزيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء } يعني الثيب والأبكار اللاتي كن في الدنيا». وقال عبد بن حميد: حدثنا مصعب بن مقدام، حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال: أتت عجوز فقالت يا رسول الله ادع الله تعالى أن يدخلني الجنة فقال: «يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز» قال: فولت تبكي. قال: «أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً }».
وهكذا رواه الترمذي في الشمائل عن عبد بن حميد. وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا بكر بن سهل الدمياطي، حدثنا عمرو بن هاشم البيروتي، أخبرنا سليمان بن أبي كريمة عن هشام بن حسان عن الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: قلت يارسول الله أخبرني عن قول الله تعالى: {حُورٌ عِينٌ } قال: «حور بيض عين ضخام العيون شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر» قلت: أخبرني عن قوله تعالى: { كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ } قال: «صفاؤهن صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي» قلت: أخبرني عن قوله: { فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسَانٌ } قال «خيرات الأخلاق حسان الوجوه» قلت: أخبرني عن قوله { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } قال: «رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشر وهو الغرقىء» قلت: يارسول الله أخبرني عن قوله { عُرُباً أَتْرَاباً } قال «هن اللواتي قبضن في الدار الدنيا عجائز رمصاً شمصاً، خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى عرباً متعشقات محببات أتراباً على ميلاد واحد» قلت: يارسول الله نساء الدنيا أفضل أم الحور العين ؟ قال: «بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة» قلت: يارسول الله وبم ذاك ؟ قال: «بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله عز وجل. ألبس الله وجوههن النور وأجسادهن الحرير. بيض الألوان خضر الثياب صفر الحلي مجامرهن الدر وأمشاطهن الذهب، يقلن نحن الخالدات فلا نموت أبداً ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، طوبى لمن كنا له وكان لنا» قلت: يارسول الله المرأة منا تتزوج زوجين والثلاثة والأربعة ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها، من يكون زوجها ؟ قال: «يا أم سلمة إنها تخير فتختار أحسنهم خلقاً، فتقول يارب إن هذا كان أحسن خلقاً معي فزوجنيه، يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة».
وفي حديث الصور الطويل المشهور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشفع للمؤمنين كلهم في دخول الجنة، فيقول الله تعالى قد شفعتك وأذنت لهم بدخولها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم، فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشىء الله، وثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتهما في الدنيا، يدخل الأولى منهما في غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ عليه سبعون زوجاً من سندس وإستبرق، وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها وجلدها ولحمها، وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت كبده لها مرآة، يعني وكبدها له مرآة، فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله ولا يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء، ما يفتر ذكره ولا يشتكي قبلها إلا أنه لا مني ولا منية، فبينما هو كذلك إذ نودي إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل، إلا أن لك أزواجاً غيرها فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة، كلما جاء واحدة قالت: والله ما في الجنة شيء أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلي منك» وقال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال له: أنطأ في الجنة ؟ قال «نعم، والذي نفسي بيده دحماً دحماً، فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكراً».
وقال الطبراني: حدثنا إبراهيم بن جابر الفقيه البغدادي، حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي حدثنا معلى بن عبد الرحمن الواسطي، حدثنا شريك عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عدن أبكاراً»
وقال أبو داود الطيالسي: أخبرنا عمران عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا في النساء، قلت: يارسول الله ويطيق ذلك ؟ قال: يعطى قوة مائة» ورواه الترمذي من حديث أبي داود وقال: صحيح غريب. وروى أبو القاسم الطبراني من حديث حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قيل يارسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة ؟ قال: «إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء» قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي: هذا الحديث عندي على شرط الصحيح والله أعلم.
وقوله: { عُرُباً } قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: يعني متجببات إلى أزواجهن، ألم تر إلى الناقة الضبعة هي كذلك، وقال الضحاك عن ابن عباس: العرب العواشق لأزواجهن وأزواجهن لهن عاشقون، وكذا قال عبد الله بن سرجس ومجاهد وعكرمة وأبو العالية ويحيى بن أبي كثير وعطية والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم، وقال ثور بن يزيد عن عكرمة قال: سئل ابن عباس عن قوله: {عُرُباً } قال: هي الملقة لزوجها. وقال شعبة عن سماك عن عكرمة: هي الغنجة. وقال الأجلح بن عبد الله عن عكرمة: هي الشكلة، وقال صالح بن حيّان عن عبد الله بن بريدة في قوله: { عُرُباً } قال: الشكلة بلغة أهل مكة والغنجة بلغة أهل المدينة، وقال تميم بن حذلم: هي حسن التبعل. وقال زيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن: العرب حسنات الكلام وقال ابن أبي حاتم ذكر عن سهل بن عثمان العسكري، حدثنا أبو علي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرباً ـ قال ـ كلامهن عربي».
وقوله: { أَتْرَاباً } قال الضحاك عن ابن عباس: يعني في سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة، وقال مجاهد: الأتراب المستويات، وفي رواية عنه الأمثال، وقال عطية الأقران وقال السدي { أَتْرَاباً } أي في الأخلاق المتواخيات بينهن، ليس بينهن تباغض ولا تحاسد، يعني لا كما كن ضرائر متعاديات. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة عن عبد الله بن الكهف عن الحسن ومحمد { عُرُباً أَتْرَاباً } قالا: المستويات الأسنان يأتلفن جميعاً ويلعبن جميعاً، وقد روى أبو عيسى الترمذي عن أحمد بن منيع عن أبي معاوية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة لمجتمعاً للحور العين يرفعن أصواتاً لم تسمع الخلائق بمثلها ـ قال ـ يقلن نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كان لنا وكنا له» ثم قال: هذا حديث غريب.
وقال الحافظ أبو يعلى: أخبرنا أبو خيثمة، حدثنا إسماعيل بن عمر، حدثنا ابن أبي ذئب عن فلان عبد الله بن رافع عن بعض ولد أنس بن مالك عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الحور العين ليغنين في الجنة يقلن نحن خيرات حسان خبئنا لأزواج كرام»
قلت: إسماعيل بن عمر هذا هو أبو المنذر الواسطي أحد الثقات الأثبات. وقد روى هذا الحديث الإمام عبد الرحيم بن إبراهيم الملقب بدحيم عن ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب عن عون بن الخطاب بن عبد الله بن رافع عن ابن لأنس عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الحور العين يغنين في الجنة نحن الحور الحسان خلقنا لأزواج كرام» وقوله تعالى: { لاِصْحَابِ الْيَمِينِ } أي خلقن لأصحاب اليمين أو ادخرن لأصحاب اليمين أو زوجن لأصحاب اليمين، والأظهر أنه متعلق بقوله { إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لاِصْحَابِ الْيَمِينِ } فتقديره أنشأناهن لأصحاب اليمين، وهذا توجيه ابن جرير.
وروي عن أبي سليمان الداراني رحمه الله تعالى قال: صليت ليلة ثم جلست أدعو وكان البرد شديداً فجعلت أدعو بيد واحدة، فأخذتني عيني فنمت فرأيت حوراء لم ير مثلها وهي تقول: يا أبا سليمان أتدعو بيد واحدة وأنا أغذى لك في النعيم منذ خمسمائة سنة. قلت: ويحتمل أن يكون قوله: { لاِصْحَابِ الْيَمِينِ } متعلقاً بما قبله وهو قوله: { أَتْرَاباً * لاِصْحَابِ الْيَمِينِ } أي في أسنانهم، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث جرير عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يتمخطون، أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء» وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون وعفان قالا: حدثنا حماد بن سلمة.
وروى الطبراني واللفظ له من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً بيضاً جعاداً مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين، وهم على خلق آدم ستون ذراعاً في عرض سبعة أذرع»
. وروى الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي عن عمران القطان عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً مكحلين بني ثلاث وثلاثين سنة» ثم قال: حسن غريب. وقال ابن وهب: أخبرنا عمرو بن الحارث أن دراجاً أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاث وثلاثين في الجنة لا يزيدون عليها أبداً وكذلك أهل النار» ورواه الترمذي عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث به.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا القاسم بن هاشم، حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا رواد بن الجراح العسقلاني، حدثنا الأوزاعي عن هارون بن ذئاب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستين ذراعاً بذراع الملك على حسن يوسف، وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين سنة، وعلى لسان محمد جرد مرد مكحلون» وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا محمود بن خالد وعباس بن الوليد قالا: حدثنا عمر عن الأوزاعي عن هارون بن ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يبعث أهل الجنة على صورة آدم في ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين جرداً مرداً مكحلين. ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة فيكسون منها لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم».
وقوله تعالى: {ثُلَّةٌ مّنَ الاْوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مّنَ الاْخِرِينَ } أي جماعة من الأولين وجماعة من الآخرين.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا المنذر بن شاذان، حدثنا محمد بن بكار، حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين عن عبد الله بن مسعود، قال وكان بعضهم يأخذ عن بعض قال: أكرينا ذات ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم غدونا عليه فقال: «عرضت علي الأنبياء وأتباعها بأممها فيمر علي النبي والنبي في العصابة والنبي في الثلاثة والنبي وليس معه أحد ـ وتلا قتادة هذه الآية { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } قال: حتى مر علي موسى بن عمران في كبكبة من بني إسرائيل قال: قلت ربي من هذا ؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران ومن تبعه من بني إسرائيل قال: قلت رب فأين أمتي ؟ قال: انظر عن يمينك في الضراب قال فإذا وجوه الرجال قال: قال أرضيت ؟ قال: قلت: قد رضيت رب. قال: انظر إلى الأفق عن يسارك فإذا وجوه الرجال قال: أرضيت ؟ قلت: قد رضيت رب. قال: فإن مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب». قال وأنشأ عكاشة بن محصن من بني أسد قال سعيد وكان بدرياً قال: يا نبي الله ادع الله أن يجعلني منهم قال: فقال «اللهم اجعله منهم» قال أنشأ رجل آخر قال: يا نبي الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال: «سبقك بها عكاشة» قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن استطعتم فداكم أبي وأمي أن تكونوا من أصحاب السبعين فافعلوا، وإلا فكونوا من أصحاب الضراب، وإلا فكونوا من أصحاب الأفق، فإني قد رأيت أناساً كثيراً قد تأشّبوا حوله ـ ثم قال ـ إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة» فكبرنا ثم قال: «إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة» قال: فكبرنا قال: «إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة» قال فكبرنا، قال ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { ثُلَّةٌ مّنَ الاْوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مّنَ الاْخِرِينَ } قال: فقلنا بيننا: من هؤلاء السبعون ألفاً ؟ فقلنا: هم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا. قال: فبلغه ذلك فقال: «بل هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون» وكذا رواه ابن جرير من طريقين آخرين عن قتادة به نحوه، وهذا الحديث له طرق كثيرة من غير هذا الوجه في الصحاح وغيرها، وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران، حدثنا سفيان عن أبان بن أبي عياش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس { ثُلَّةٌ مّنَ الاْوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مّنَ الاْخِرِينَ } قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هما جميعاً من أمتي».
- ( وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) ). الإنسان....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا(15) قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا(16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا(19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا(20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا(21) ). الإنسان
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : قوله تعالى: { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ } أي بسبب صبرهم أعطاهم ونولهم وبوأهم جنة وحريراً أي منزلاً رحباً وعيشاً رغيداً ولباساً حسناً. وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة هشام بن سليمان الداراني قال: قرىء على أبي سليمان الداراني سورة { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ } فلما بلغ القارىء إلى قوله تعالى: { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } قال: بما صبروا على ترك الشهوات في الدنيا ثم أنشد يقول:
كــــــــم قتيل بشهوة وأسير ××× أف من مشتهى خلاف الجميل
شهوات الإنسان تورثه الذل ×××وتلقيه في البـــــلاء الطــــــــويل
و يخبر تعالى عن أهل الجنة وما هم فيه من النعيم المقيم وما أسبغ عليهم من الفضل العميم فقال تعالى: { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الاْرَائِكِ } وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الصافات، وذكر الخلاف في الاتكاء هل هو الاضطجاع أو التمرفق أو التربع أو التمكن في الجلوس، وأن الأرائك هي السرر تحت الحجال. وقوله تعالى: { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } أي ليس عندهم حر مزعج ولا برد مؤلم بل هي مزاج واحد دائم سرمدي لا يبغون عنها حولا { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا } أي قريبة إليهم أغصانها { وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } أي متى تعاطاه دنا القطف إليه وتدلى من أعلى غصنه كأنه سامع طائع كما قال تعالى في الآية الأخرى: { وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } وقال جل وعلا: { قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ } قال محاهد: { وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } إن قام ارتفعت معه بقدر، وإن قعد تذللت له حتى ينالها، وإن اضطجع تذللت له حتى ينالها فذلك قوله تعالى : { تَذْلِيلاً } وقال قتادة: لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد، وقال مجاهد أرض الجنة من ورق وترابها من المسك، وأصول شجرها من ذهب وفضة، وأفنانها من اللؤلؤ الرطب والزبرجد والياقوت والورق والثمر بين ذلك، فمن أكل منها قائماً لم تؤذه، ومن أكل منها قاعداً لم تؤذه، ومن أكل منها مضطجعاً لم تؤذه.
وقوله جلت عظمته: { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِـآنِيَةٍ مّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ } أي يطوف عليهم الخدم بأواني الطعام وهي من فضة وأكواب الشراب وهي الكيزان التي لا عرى لها ولا خراطيم، وقوله { قَوارِيرَ قَوارِيرَ مِن فِضَّةٍ } فالأول منصوب بخبر كان أي كانت قوارير، والثاني منصوب إما على البدلية أو تمييز لأنه بينه بقوله جل وعلا: { قَوارِيرَ مِن فِضَّةٍ }
قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري وغير واحد: بياض الفضة في صفاء الزجاج والقوارير لا تكون إلا من زجاج، فهذه الأكواب هي من فضة وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها، وهذا مما لا نظير له في الدنيا، قال ابن المبارك عن إسماعيل عن رجل عن ابن عباس: ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة. رواه ابن أبي حاتم: وقوله تعالى: { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } أي على قدر ريهم لا تزيد عنه ولا تنقص بل هي معدة لذلك مقدرة حسب ري صاحبها، وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح وقتادة وابن أبزى، وعبد الله بن عبيد الله بن عمير والشعبي وابن زيد، وقاله ابن جرير وغير واحد، وهذا أبلغ في الاعتناء والشرف والكرامة، وقال العوفي عن ابن عباس {قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } قدرت للكف وهكذا قال الربيع بن أنس، وقال الضحاك، على قدر كف الخادم، وهذا لا ينافي القول الأول فإنها مقدرة في القدر والري.
وقوله تعالى: { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } أي ويسقون يعني الأبرار أيضاً في هذه الأكواب { كَأْساً } أي خمراً { كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور وهو بارد، وتارة بالزنجبيل وهو حار ليعتدل الأمر، وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا تارة، وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صرفاً كما قال قتادة وغير واحد: وقد تقدم قوله جل وعلا { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ } وقال ههنا: { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً } أي الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلاً، وقال عكرمة: اسم عين في الجنة، وقال مجاهد: سميت بذلك لسلاسة سيلها وحدة جريها، وقال قتادة: { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً } عين سلسة مستقيد ماؤها، وحكى ابن جرير عن بعضهم أنها سميت بذلك لسلاستها في الحلق واختار هو أنها تعم ذلك كله وهو كما قال.
وقوله تعالى: { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } أي يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة {مُّخَلَّدُونَ} أي على حالة واحدة مخلدون عليها لا يتغيرون عنها لا تزيد أعمارهم عن تلك السن، ومن فسرهم بأنهم مخرصون في آذانهم الأقرطة فإنما عبر عن المعنى بذلك، لأن الصغير هو الذي يليق له ذلك دون الكبير. وقوله تعالى: { إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } أي إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً، ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن. وقال قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو: ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف خادم كل خادم على عمل ما عليه صاحبه.
وقوله جل وعلا: { وَإِذَا رَأَيْتَ } أي وإذا رأيت يامحمد { ثُمَّ } أي هناك يعني في الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها وما فيها من الحبرة والسرور {رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } أي مملكة لله هناك عظيمة وسلطاناً باهراً. وثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجاً منها وآخر أهل الجنة دخولاً إليها: إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها. وقد قدمنا في الحديث المروي من طريق ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألف سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه»
فإذا كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنة فما ظنك بما هو أعلى منزلة وأحظى عنده تعالى ؟ وقد روى الطبراني ههنا حديثاً غريباً جداً فقال: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا محمد بن عمار الموصلي، حدثنا عقبة بن سالم عن أيوب بن عتبة عن عطاء عن ابن عمر قال: جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سل واستفهم» فقال: يارسول الله فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بما عملت به إني لكائن معك في الجنة ؟ قال: «نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله كان له بها عهد عند الله، ومن قال سبحان الله وبحمده كتب له مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة» فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقوم النعمة أو نعم الله فتكاد تستنفد ذلك كله إلا أن يتغمده الله برحمته» ونزلت هذه السورة { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مّنَ الدَّهْرِ } إِلَى قَوْلُهُ { مَلَكًا كَبِيراً } فقال الحبشي: وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة قال «نعم» فاستبكى حتى فاضت نفسه. قال ابن عمر: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته بيده.
وقوله جل جلاله: { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ * وَإِسْتَبْرَقٍ } أي لباس أهل الجنة فيها الحرير ومنه سندس وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم، والإستبرق منه ما فيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر كما هو المعهود في اللباس { وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ } وهذه صفة الأبرار، وأما المقربون فكما قال تعالى: { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال بعده: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } أي طهر بواطنهم من الحسد والحقد والغل والأذى وسائر الأخلاق الرديئة، كما روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إذا انتهى أهل الجنة إلى باب الجنة وجدوا هناك عينين، فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما فأذهب الله ما في بطونهم من أذى، ثم اغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم، فأخبر سبحانه وتعالى بحالهم الظاهر وجمالهم الباطن.
- ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) ). النبأ....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا(31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) ). النبأ
---------------------------------------------------
قال ابن كثير : يقول تعالى مخبراً عن السعداء وما أعد لهم تعالى من الكرامة والنعيم المقيم فقال تعالى: { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } قال ابن عباس والضحاك: متنزهاً. وقال مجاهد وقتادة: فازوا فنجوا من النار. والأظهر ههنا قول ابن عباس لأنه قال بعده { حَدَائِقَ } والحدائق البساتين من النخيل وغيرها { وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } أي وحوراً كواعب، قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد { كواعب} أي نواهد، يعنون أن ثديهن نواهد لم يتدلين لأنهن أبكار عرب أتراب أي في سن واحد كما تقدم بيانه في سورة الواقعة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن الدستكي، حدثني أبي عن أبي سفيان عبد الرحمن بن عبد الله بن تيم، حدثنا عطية بن سليمان أبو الغيث عن أبي عبد الرحمن القاسم بن أبي القاسم الدمشقي عن أبي أمامة أنه سمعه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن قمص أهل الجنة لتبدو من رضوان الله وإن السحابة لتمر بهم فتناديهم ياأهل الجنة ماذا تريدون أن أمطركم ؟ حتى إنها لتمطرهم الكواعب الأتراب»
وقوله تعالى: { أَتْرَاباً وَكَأْساً دِهَاقاً } قال ابن عباس: مملوءة ومتتابعة. وقال عكرمة: صافية، وقال مجاهد والحسن وقتادة وابن زيد { دِهَاقاً } الملأى المترعة، وقال مجاهد وسعيد بن جبير هي المتتابعة. وقوله تعالى: { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذباً } كقوله: { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } أي ليس فيها كلام لاغ عار عن الفائدة ولا إثم كذب، بل هي دار السلام وكل ما فيها سالم من النقص وقوله: { جَزَاء مّن رَّبّكَ عَطَاء حِسَاباً } أي هذا الذي ذكرناه جازاهم الله به وأعطاهموه بفضله ومنه وإحسانه ورحمته عطاء حساباً أي كافياً وافياً شاملاً كثيراً، تقول العرب: أعطاني فأحسبني أي كفاني ومنه حسبي الله أي الله كافيّ.
- ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) ). المطففين....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) ). المطففين
---------------------------------------------------
قال ابن كثير :
ثم قال تعالى: (إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ) أي: يوم القيامة هم في نعيم مقيم، وجنات فيها فضل عميم، (عَلَى الأرَائِكِ ) وهي: السرر تحت الحِجَال، (يَنْظُرُونَ ) قيل: معناه: ينظرون في مُلكهم وما أعطاهم الله من الخير والفضل الذي لا ينقضي ولا يبيد. وقيل: معناه (عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ ) إلى الله عز وجل. وهذا مقابله لما وُصف به أولئك الفجار : ( كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) فذكر عن هؤلاء أنهم يباحون النظر إلى الله عز وجل وهم على سررهم وفرشهم، كما تقدم في حديث ابن عمر: "إن أدنى أهل الجنة منـزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفى سنة، يرى أقصاه كما يرى أدناه، وإن أعلاه لمن ينظر إلى الله في اليوم مرتين" .
وقوله: (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ) أي: تعرف إذا نظرت إليهم في وجوههم نضرة النعيم، أي: صفة الترافة والحشمة والسرور والدِّعة والرياسة؛ مما هم فيه من النعيم العظيم .
وقوله: (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ) أي: يسقون من خمر من الجنة. والرحيق: من أسماء الخمر. قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، والحسن، وقتادة، وابن زيد.
قال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا زهير، عن سعد أبي المجاهد الطائي، عن عطية بن سعد العوفي، عن أبي سعيد الخدري-أراه قد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم-قال: "أيما مؤمن سقى مؤمنا شربة على ظمأ، سقاه الله تعالى يوم القيامة من الرحيق المختوم. وأيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة. وأيما مؤمن كسا مؤمنا ثوبا على عُري، كساه الله من خُضر الجنة" .
وقال ابن مسعود في قوله: (خِتَامُهُ مِسْكٌ ) أي: خلطه مسك.
وقال العوفي، عن ابن عباس: طيب الله لهم الخمر، فكان آخر شيء جعل فيها مسك، خُتِم بمسك. وكذا قال قتادة والضحاك.
وقال إبراهيم والحسن: (خِتَامُهُ مِسْكٌ ) أي: عاقبته مسك.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا يحيى بن واضح، حدثنا أبو حمزة، عن جابر، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي الدرداء: (خِتَامُهُ مِسْكٌ ) قال: شراب أبيض مثل الفضة، يختمون به شرابهم. ولو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل أصبعه فيه ثم أخرجها، لم يبق ذو روح إلا وجد طيبها .
وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: (خِتَامُهُ مِسْكٌ ) قال: طيبه مسك.
وقوله: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) أي: وفي مثل هذا الحال فليتفاخر المتفاخرون، وليتباهى ويكاثر ويستبق إلى مثله المستبقون. كقوله: ( لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ) [الصافات: 61].
وقوله: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ ) أي: ومزاج هذا الرحيق الموصوف من تسنيم، أي: من شراب يقال له تسنيم، وهو أشرف شراب أهل الجنة وأعلاه. قاله أبو صالح والضحاك؛ ولهذا قال: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ) أي: يشربها المقربون صِرْفًا، وتُمزَجُ لأصحاب اليمين مَزجًا. قاله ابن مسعود، وابن عباس، ومسروق، وقتادة، وغيرهم .
- ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَة (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) ). الغاشية....... تفسير الآية .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
- ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَة (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) ). الغاشية
---------------------------------------------------
قال ابن كثير :
لما ذكر حال الأشقياء، ثنى بذكر السعداء فقال: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ) أي: يوم القيامة ( نَّاعِمَةٌ ) أي: يعرف النعيم فيها. وإنما حَصَل لها ذلك بسعيها.
وقال سفيان: (لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ) قد رضيت عملها.
وقوله: (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ) أي: رفيعة بهية في الغرفات آمنون، ( لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً ) أي: لا يسمع في الجنة التي هم فيها كلمة لغو. كما قال: ( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا ) [مريم:62] وقال: ( لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ ) [الطور:23] وقال: ( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا ) [الواقعة: 25 ، 26]
( فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ) أي: سارحة. وهذه نكرة في سياق الإثبات، وليس المراد بها عينا واحدة، وإنما هذا جنس، يعني: فيها عيون جاريات.
وقال ابن أبي حاتم: قُرئ على الربيع بن سليمان: حدثنا أسد بن موسى، حدثنا ابن ثوبان، عن عطاء بن قُرَّة، عن عبد الله بن ضَمْرة، عن أبي هُرَيرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنهار الجنة تفجر من تحت تلال-أو: من تحت جبال-المسك" .
( فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ ) أي: عالية ناعمة كثيرة الفرش، مرتفعة السَّمْك، عليها الحور العين. قالوا: فإذا أراد وَليُّ الله أن يجلس على تلك السرر العالية تواضعت له، (وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ ) يعني: أواني الشرب معدة مُرصدة لمن أرادها من أربابها، ( وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ ) قال ابن عباس: النمارق: الوسائد. وكذا قال عكرمة، وقتادة، والضحاك، والسدي، والثوري، وغيرهم.
وقوله: ( وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ) قال ابن عباس: الزرابي: البسط. وكذا قال الضحاك، وغير واحد.
ومعنى مبثوثة، أي: هاهنا وهاهنا لمن أراد الجلوس عليها.
ونذكر هاهنا هذا الحديث الذي رواه أبو بكر بن أبي داود: حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أبي، عن محمد بن مهاجر، عن الضحاك المعافري عن سليمان بن موسى: حدثني كُرَيْب أنه سمع أسامة بن زيد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا هل من مُشَمَّر للجنة، فإن الجنة لا خَطَر لها، هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة، وحُلَل كثيرة، ومقام في أبد في دارٍ سليمة، وفاكهة وخضرة، وحبرة ونعمة، في محلة عالية بهية؟". قالوا: نعم يا رسول الله، نحن المشمرون لها. قال: " قولوا: إن شاء الله". قال القوم: إن شاء الله.
ورواه ابن ماجه عن العباس بن عثمان الدمشقي، عن الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر به