الأمين(8) فتح فلسطين
ماض مشرق .. وحاضر محرق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد وصلنا في محطتنا السابقة إلى لقاء القائدين العظيمين الصادقين: "أبي عبيدة بن الجراح"، و"خالد بن الوليد" ثم استلام "أبي عبيدة" قيادة الجيش من جديد، ويعود "خالد" ليكون تحت إمرة "أبي عبيدة" -رضي الله عنه- في "فتح فلسطين".
وانطلق "أبو عبيدة" متوجهًا إلى "فلسطين"، وحاصر "بيت المقدس"، ثم طلب من الحاكم أن يستسلم دون قتال، وبعد وقت قصير وافق أهل مدينة "القدس" على دخول المسلمين مدينتهم على أن يعقد المسلمون معهم معاهدة أمن وسلام تضمن لهم حقوقهم المدنية والدينية بعد الفتح.
وافق "أبو عبيدة" -رضي الله عنه- على الصلح إلا أن أهل المدينة اشترطوا أن يكون الصلح بينهم وبين أمير المؤمنين "عمر ابن الخطاب" -رضي الله عنه- شخصيًّا؛ لما عرف عن "عمر"-رضي الله عنه- من عدل وزهد، وتمسك بالحق، عند ذلك كتب "أبو عبيدة" -رضي الله عنه- كتابًا إلى أمير المؤمنين يعرض عليه شرط أهالي "القدس" ودعوتهم له بالحضور لفتح "القدس"، وكتابة اتفاقية الصلح والأمان.
عمر يقبل الدعوة:
وقبل "عمر" الدعوة وغادر "المدينة" مع نفر من أصحابه قاصدين "بيت المقدس"، وهناك استقبله "أبو عبيدة" قائد الجيوش، وقد وصل "عمر" راكبًا جملًا مرتديًا جلبابًا مرقعًا، وفي رجليه نعل سميك دون غطاء يمسك رجليه بسيور وخيوط من الجلد الغليظ، واستقبل "عمر" عند قرية "الجابية" القريبة من "دمشق" رجال القيادة في الجيش ووجهاء "الشام"، وقد خرجوا على ظهور الخيل يرتدون الملابس الفاخرة.
فلما رآهم "عمر" -رضي الله عنه- على هذه الحال قال: "أهكذا تقابلون أمير المؤمنين وأنتم في ترف الأعاجم وأبهتهم؟! لقد أفسدتكم الفتوحات، وأفقدكم المال مظاهر المسلمين، وغير نفوسكم ما أنتم فيه من ترف ونعيم، لقد نسيتم عفة الإسلام، وغفلتم عن اتباع سنة نبيكم الكريم -صلى الله عليه وسلم-"، ثم أشاح عنهم غاضبًا.
تحليل وفوائد:
1- تواضع القائد:
فقد وصل "عمر" راكبًا جملًا مرتديًا جلبابًا مرقعًا وفي رجليه نعل سميك.
2- حرص القائد على وضوح الهوية الإسلامية:
فقد عاب "عمر" على رجال جيشه أن يظهروا أمامه متشبهين في زيهم بالأعاجم، فقال "أهكذا تقابلون أمير المؤمنين وأنتم في ترف الأعاجم وأبهتهم؟! لقد أفسدتكم الفتوحات، وأفقدكم المال مظاهر المسلمين".