بسم الله الرحمن الرحيم اخواني اعضاء المنتدي . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سنبدا بفضل الله ذكر سير بعض الصحابه و اولهم صديق هذه الامه " ابو بكر رضي الله عنه " اسمه – على الصحيح - : عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي . كنينة : ابو بكر لقبه :عتيق ، والصدِّيق . قيل لُقّب بـ " عتيق " لأنه : كان جميلاً لعتاقة وجهه قديم في الخير فقالت : اللهم إن هذا عتيقك من الموت ، فهبه لي . ولُقّب بـ " الصدّيق " لأنه صدّق النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالغ في تصديقه كما في صبيحة الإسراء وقد قيل له : إن صاحبك يزعم أنه أُسري به ، فقال : إن كان قال فقد صدق ! وقد سماه الله صديقا فقال سبحانه : ( وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) جاء في تفسيرها : الذي جاء بالصدق هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي صدّق به هو أبو بكر رضي الله عنه . ولُقّب بـ " الصدِّيق " لأنه أول من صدّق وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال . مولده :ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر صفته :كان أبو بكر رضي الله عنه أبيض نحيفاً ، خفيف العارضين ، معروق الوجه ، ناتئ الجبهة ، وكان يخضب بالحناء والكَتَم . وكان رجلاً اسيفاً أي رقيق القلب رحيماً . فضائله فهو أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فنخيّر أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم . رواه البخاري . وهو ثاني اثنين في الغار مع نبي الله صلى الله عليه وسلم قال سبحانه وتعالى ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدّثه قال : نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما . ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل الغار دخل قبله لينظر في الغار لئلا يُصيب النبي صلى الله عليه وسلم شيء . ولما سارا في طريق الهجرة كان يمشي حينا أمام النبي صلى الله عليه وسلم وحينا خلفه وحينا عن يمينه وحينا عن شماله . ولذا لما ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه فكأنهم فضّـلوا عمر على أبي بكر رضي الله عنهما ، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال : والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر ، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر ، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر ، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه ، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي ؟ فقال : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك . فقال :يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني ؟ قال : نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من مُلمّة إلا أن تكون بي دونك ، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الجحرة ، فدخل واستبرأ ، ثم قال : انزل يا رسول الله ، فنزل . فقال عمر : والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر . رواه الحاكم والبيهقي في دلائل النبوة . ولما هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ ماله كله في سبيل الله . وهو أول الخلفاء الراشدين واستقر خليفة للمسلمين دون مُنازع ، ولقبه المسلمون بـ " خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم " وخلافته رضي الله عنه منصوص عليها فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مرضه أن يُصلي بالناس في الصحيحين عن عائشةَ رضي اللّهُ عنها قالت : لما مَرِضَ النبيّ صلى الله عليه وسلم مرَضَهُ الذي ماتَ فيه أَتاهُ بلالٌ يُؤْذِنهُ بالصلاةِ فقال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصَلّ . قلتُ : إنّ أبا بكرٍ رجلٌ أَسِيفٌ [ وفي رواية : رجل رقيق ] إن يَقُمْ مَقامَكَ يبكي فلا يقدِرُ عَلَى القِراءَةِ . قال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ . فقلتُ مثلَهُ : فقال في الثالثةِ - أَوِ الرابعةِ - : إِنّكنّ صَواحبُ يوسفَ ! مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ ، فصلّى . وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء فأمرها بأمر ، فقالت : أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك ؟ قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر . رواه البخاري ومسلم . وقد أُمرنا أن نقتدي به رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وهو حديث صحيح . وأبو بكر رضي الله عنه حامل راية النبي صلى الله عليه وسلم يوم تبوك . وأنفق ماله كله لما حث النبي صلى الله عليه وسلم على النفقة قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ، فوافق ذلك مالاً فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما . قال : فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ! قال عمر قلت : والله لا أسبقه إلى شيء أبدا . رواه الترمذي . قال عمرو بن العاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال : قلت : من الرجال ؟ قال : أبوها . رواه مسلم . قال سبحانه وبحمده : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) وهذه الآيات نزلت في ابي بكر رضي الله عنه . وهو من السابقين الأولين بل هو أول السابقين قال سبحانه : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) قال عليه الصلاة والسلام : من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ؛ فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام وباب الريان . فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر . رواه البخاري ومسلم . روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة . قال محمد بن الحنفية : قلت لأبي – علي بن أبي طالب رضي الله عنه - : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول عثمان قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين . رواه البخاري . وقال عليّ رضي الله عنه : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله به بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله تعالى إلا غفر الله له ثم تلا : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ) الآية . رواه أحمد وأبو داود . ولم يكن هذا الأمر خاص بعلي رضي الله عنه بل كان هذا هو شأن بنِيـه قال الإمام جعفرالصادق : أولدني أبو بكر مرتين . وسبب قوله : أولدني أبو بكر مرتين ، أن أمَّه هي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وجدته هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر . فهو يفتخر في جّـدِّه ثم يأتي من يدّعي اتِّباعه ويلعن جدَّ إمامه ؟ قال جعفر الصادق لسالم بن أبي حفصة وقد سأله عن أبي بكر وعمر ، فقال : يا سالم تولَّهُما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر : يا سالم أيسُبُّ الرجل جده ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما . وروى جعفر بن محمد – وهو جعفر الصادق - عن أبيه – وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي – رضي الله عنهم أجمعين ، قال : جاء رجل إلى أبي – يعني علي بن الحسين ، المعروف والمشهور بزين العابدين - فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال : عن الصديق تسأل ؟ قال : وتسميه الصديق ؟! قال : ثكلتك أمك ، قد سماه صديقا من هو خير مني ؛ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ، فمن لم يُسمه صدِّيقا ، فلا صدّق الله قوله ، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما ، فما كان من أمـر ففي عنقي . أعماله : من أعظم أعماله سبقه إلى الإسلام وهجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وثباته يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم . ومن أعماله قبل الهجرة أنه أعتق سبعة كلهم يُعذّب في الله ، وهم : بلال بن أبي رباح ، وعامر بن فهيرة ، وزنيرة ، والنهدية وابنتها ، وجارية بني المؤمل ، وأم عُبيس . ومن أعظم أعماله التي قام بها بعد تولّيه الخلافة حرب المرتدين فقد كان رجلا رحيما رقيقاً ولكنه في ذلك الموقف ، في موقف حرب المرتدين كان أصلب وأشدّ من عمر رضي الله عنه الذي عُرِف بالصلابة في الرأي والشدّة في ذات الله روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر : يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ؟ قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فو الله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق . فحارب رضي الله عنه المرتدين ومانعي الزكاة ، وقتل الله مسيلمة الكذاب في زمانه . ومع ذلك الموقف إلا أنه أنفذ جيش أسامة الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد إنفاذه نحو الشام . وفي عهده فُتِحت فتوحات الشام ، وفتوحات العراق، وفي عهده جُمع القرآن ، حيث أمر رضي الله عنه زيد بن ثابت أن يجمع القرآن وكان عارفاً بالرجال ، ولذا لم يرضَ بعزل خالد بن الوليد ، وقال : والله لا أشيم سيفا سله الله على عدوه حتى يكون الله هو يشيمه . رواه الإمام أحمد وغيره وكان أبو بكر رضي الله عنه أنسب العرب ، أي أعرف العرب بالأنساب . ورعـه : كان أبو بكر رضي الله عنه ورعاً زاهداً في الدنيا حتى لما تولى الخلافة خرج في طلب الرزق فردّه عمر واتفقوا على أن يُجروا له رزقا من بيت المال نظير ما يقوم به من أعباء الخلافة وفاته :توفي في يوم الاثنين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة . ونكمل مسيرة الصحابة مع الفاروق رضي الله عنه . اسمه في الجاهلية و الإسلام عمر و كناه رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا حفص و كان ذلك يوم بدر، و ذكره ابن إسحاق وسماه رسول الله صلى الله عليه و سلم الفاروق. عن ابن عباس قال: "سألت عمر لأي شيء سميت الفاروق؟ فقال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثم شرح الله صدري للإسلام فقلت: و الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة هي أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقلت: أين رسول الله صلى الله عليه و سلم؟ قالت أختي: هو في دار الأرقم بن أبي الأرقم عند الصفا، فأتيت الدار و حمزة و أصحابه جلوس في الدار و رسول الله صلى الله عليه و سلم في البيت فضربت الباب فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا عمر بن الخطاب. قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نتره نتره فما تمالك إلا أن وقع على ركبتيه: فقال: "ما أنت بمنته يا عمر؟" قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أنك محمدا عبده ورسوله، قال: فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد، قال: فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا و إن حيينا؟ قال: "بلى و الذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم و إن حييتم"، قلت: ففيما الاختفاء؟ و الذي بعثت بالحق لنخرجن، فأخرجنا صلى الله عليه و سلم في صفين حمزة في احدهما و أنا في الآخر و لي كديد ككديد الطين حتى دخلنا المسجد، قال فنظرت إلي قريش و إلى حمزة فأصابتهم كآبه لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ الفاروق، فرق الله بي بين الحق و الباطل" أخرجه صاحب الصفوة و الرازي. و عن النزال بن سبرة قال: "وافقنا من علي يوما أطيب نفسا و مزاجا فقلنا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن عمر بن الخطاب قال: ذاك امرؤ سماه الله الفاروق فرق به بين الحق و الباطل"، أخرجه بن السمان في الموافقة. اسلامــه رضي الله عنه ذكر بدء إسلامه: قال ابن إسحاق: كان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الحبشة، و عن عمر بن الخطاب قال: " خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقني إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن قال فقلت: هذا و الله شاعر كما قالت قريش، قال فقرأ "إنه لقول رسول كريم و ما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون"، قال: قلت: كاهن قال: "و لا بقول كاهن قليلا ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين* و لو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين"، قال فوقع الإسلام في قلبي كل موقع. أخرجه أحمد. فضل عمر بعد أبي بكر رضي الله عنهما عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِى زَمَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ ، ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضى الله عنهم) رواه البخاري بشارات لعمر رضي الله عنه عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ » . فَفَتَحْتُ لَهُ ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ ، فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّهَ ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ » . فَفَتَحْتُ لَهُ ، فَإِذَا هُوَ عُمَرُ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّهَ ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ ، فَقَالَ لِى « افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ » . فَإِذَا عُثْمَانُ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. رواه البخاري عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَ « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى فِى الْجَنَّةِ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ ، فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ قَالُوا لِعُمَرَ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِراً » . فَبَكَى وَقَالَ أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.رواه البخاري عن قتادة أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم ، فقال ( أثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) رواه البخاري منزلة إيمان عمر رضي الله عنه - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى حَيْوَةُ قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِى . فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ » . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى . فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « الآنَ يَا عُمَرُ ». رواه البخاري دين عمر رضي الله عنه عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَىَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْىَ ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ ، وَعُرِضَ عَلَىَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ اجْتَرَّهُ » . قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الدِّينَ ». رواه البخاري علم عمر رضي الله عنه - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِىُّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى حَمْزَةُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ شَرِبْتُ - يَعْنِى اللَّبَنَ - حَتَّى أَنْظُرُ إِلَى الرِّىِّ يَجْرِى فِى ظُفُرِى أَوْ فِى أَظْفَارِى ، ثُمَّ نَاوَلْتُ عُمَرَ » . فَقَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ قَالَ « الْعِلْمَ». رواه البخاري عبقرية عمر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب فجاء أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين نزعا ضعيفا والله يغفر له ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربا فلم أر عبقريا يفري فريه حتى روي الناس وضربوا بعطن. رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر. رواه البخاري ثناء عليّ على عمر رضي الله عنهما عن ابن أبي مليكة أنه سمع ابن عباس يقول وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي فإذا علي بن أبي طالب فترحم على عمر وقال ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت إني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر. رواه البخاري فضل اسلام عمر على المسلمين وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب ، قال وكان أحبهما إليه عمر . رواه الترمذي عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته فلما استأذن عمر بن الخطاب قمن فبادرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب فقال عمر فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم قال عمر يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك. رواه البخاري عن أنس قال قال عمر وافقت ربي عز وجل في ثلاث أو وافقني ربي في ثلاث قال قلت يا رسول الله لو اتخذت المقام مصلى قال فأنزل الله عز وجل ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) وقلت لو حجبت عن أمهات المؤمنين فإنه يدخل عليك البر والفاجر فأنزلت آية الحجاب قال وبلغني عن أمهات المؤمنين شيء فاستقريتهن أقول لهن لتكفن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليبدلنه الله بكن أزواجا خيرا منكن مسلمات حتى أتيت على إحدى أمهات المؤمنين فقالت يا عمر أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهن فكففت فأنزل الله عز وجل (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات)ا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه قميصه وأمره أن يكفنه فيه ثم قام يصلي عليه فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال تصلي عليه وهو منافق وقد نهاك الله أن تستغفر لهم قال إنما خيرني الله أو أخبرني الله فقال ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) فقال سأزيده على سبعين قال فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلينا معه ثم أنزل الله عليه ( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ) رواه البخاري عن ابن عمر قال قال عمر وافقت ربي في ثلاث في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر. رواه مسلم عمر حائل دون الفتن بإذن الله حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق سمعت حذيفة يقول بينا نحن جلوس عند عمر إذ قال أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة قال فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال ليس عن هذا أسألك ولكن التي تموج كموج البحر قال ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها بابا مغلقا قال عمر أيكسر الباب أم يفتح قال بل يكسر قال عمر إذا لا يغلق أبدا قلت أجل قلنا لحذيفة أكان عمر يعلم الباب قال نعم كما يعلم أن دون غد ليلة وذلك أني حدثته حديثا ليس بالأغاليط فهبنا أن نسأله من الباب فأمرنا مسروقا فسأله فقال من الباب قال عمر. رواه البخاري ونكمل مسيرة الصحابة مع ذي النورين رضى الله عنه حديثنا عن صاحبي جليل القدر والمكانة، ويكفي أن أول ما شرف به هذا الصحابي أنه ولد على يد أبي بكر الصديق ، وكان رابع أربعة دخلوا في الإسلام، إنه أمير البررة وقتيل الفجرة، مخذول من خذله، ومنصور من نصره إنه صاحب الهجرتين، وزوج الابنتين ذو النورين أمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن عبد شمس، وأمها أم حكيم وهي البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله ، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وأحد الثلاثة الذين خلصت لهم الخلافة من الستة. ثم تعينت فيه بإجماع المهاجرين والأنصار، فكان ثالث الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين. إنه عثمان الخير، إنه عثمان الحياء، إنه عثمان الصدق والإيمان، إنه عثمان البذل والتضحية بالنفس والنفيس، إنه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، أبو عمرو وأبو عبد الله القرشي أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين. وأبرز من لا قدر له في الإسلام، وطمست سيرة هؤلاء الأفذاذ وتناساها الناس. وقداسلم في السنه السادسة عام الفيل وكان أول السابقين إلى الإسلام، فما إن سمع من أبي بكر عرض الدعوة إلا وانطلق لسانه يردد الكلمة التي دان لها العرب والعجم في ذلك الزمن. لا إله إلا الله، محمد رسول الله. ومن تلك الساعة انطلق عثمان لينصر دين الله في أرضه. وتحت سمائه فأخذ يشارك في غزوات النبي لا ببدنه فحسب بل حتى بماله . كان عثمان من أجمل الرجال وجهاً، وأحسنهم شكلاً حتى من جماله كان الناس قبل نزول الحجاب على النساء يحتارون في أيهم أجمل هو أم زوجته رقية بنت رسول الله . ولذلك يقول راجزهم: أحس زوج رآه إنسان رقية وزوجها عثمان قال أسامة: بعثني رسول الله إلى منزل عثمان بصحفة فيها لحم. فدخلت، فإذا رقية رضي الله عنها جالسة، فجعلت مرة انظر إلى وجه رقية، ومرة أنظر إلى وجه عثمان، فلما رجعت سألني رسول الله ، قال لي: دخلت عليهما؟ قلت: نعم، قال: فهل رأيت زوجاً أحسن منهما ؟ قلت لا يا رسول الله. كان معتدل القامة، كبير اللحية، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، كثير شعر الرأس حسن الثغر قال عبد الله بن حزم المازني قال: رأيت عثمان بن عفان، فما رأيت قط ذكراً ولا أنثى أحسن وجهاً منه. ولقد جمع الله لعثمان من الفضائل والمكارم ما جعله بحق أن يكون في الدرجة الثالثة في الإسلام بعد الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلقد تزوج بنت رسول الله رقية رضي الله عنها فلما توفيت زوجه رسول الله أم كلثوم، فتوفيت أيضاً في صحبته فقال رسول الله : ((لو كان عندنا أخرى لزوجناها عثمان))، قال الحسن البصري إنما سمي عثمان ذا النورين لأنه لا نعلم أحداً أغلق بابه على ابنتي نبيّ غيره. وعن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع النبي في حائط من حيطان المدينة (أي بساتينها) فجاء رجل فاستفتح (أي استأذن بالدخول) فقال النبي : ((افتح له وبشر بالجنة)) ففتحت له فإذا أبو بكر، فبشرته بما قال النبي فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي : ((افتح له وبشره بالجنة)) ففتحت له، فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي فحمد الله، ثم استفتح رجل فقال لي: ((افتح له، وبشر بالجنة على بلوى تصيبه))، فإذا عثمان. فأخبرته بما قال رسول الله فحمد الله ثم قال: الله المستعان. [متفق عليه]. ولما صعد رسول الله الجبل جبل أحد ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف (أي الجبل) فقال: ((اسكن أحد فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان)) [رواه مسلم]. ولقد كان عثمان صاحب ثروة عظيمة وجاه في قريش، لكنه لم يسلط هذه الثروة الطائلة في احتقار الآخرين والاستعلاء على عباد الله المؤمنين. لكنه استعمله في مرضاة الله، في الإنفاق في سبيل الله، فقد كان يبذل البذل العظيم لنصرة هذا الدين فقد أخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن خباب قال شهدت النبي وهو يحث على جيش العسرة. فقال عثمان بن عفان: يا رسول الله عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض رسول الله على جيش العسرة مرة أخرى، فقال يا رسول الله علي مائتي بعير بإحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض رسول الله على الجيش، فقال عثمان يا رسول الله عليّ ثلثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فنزل رسول الله وهو يقول: ((ما على عثمان ما عمل بعد اليوم)). وهو الذي اشترى بئر رومة حيث قال رسول الله: ((من يشتريها من خالص ماله فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين وله خير منها في الجنة))، قال عثمان فاشتريها من خالص مالي. ولم يكن عثمان سباقاً في مجالات الجهاد بالمال والنفس فحسب، بل لقد كان عابداً خاشعاً خائفاً من الله لا يمل من قراءة القرآن، فقد روي عنه أنه صلى بالقرآن العظيم في ركعة واحدة عند الحجر الأسود، أيام الحج. وقد كان هذا دأبه . ولذلك قال ابن عمر في قوله تعالى: أمّن هو قانت أناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة. هو عثمان بن عفان، وقال ابن عباس في قوله تعالى: هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم. وكان يقول هو (عثمان) لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا، وإني لأكره أن يأتي علي يوم لا أنظر في المصحف. وكان رحيماً بأهله ويخدمه فقد كان إذا استيقظ من الليل لا يوقظ أحداً من أهله ليعينه على الوضوء، إلا أن يجده يقظاناً، وكان يعاتب في ذلك، فيقال: لو أيقظت بعض الخدم؟ فيقول: لا الليل لهم يستريحون فيه. وإن أعظم منقبة سجلت لعثمان ولا ينساها التاريخ له أبداً، بل لا ينساها أهل الإسلام أبداً. لأنه بها اجتمع شمل الأمة وذهب كيد الشيطان عنها. ألا وهو جمعه الناس على حرف واحد، وكتابة المصحف على العرضة الأخيرة التي درسها جبريل مع رسول الله في آخر سنين حياته. وكان سبب ذلك أن حذيفة بن اليمان أخبره أنه لما كان في بعض الغزوات، رأى الناس يختلفون في قراءاتهم ويجهل بعضهم بعضاً في ذلك بل ويكفر بعضهم بعضاً، فركب حذيفة إلى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها اختلاف اليهود والنصارى في كيدهم، وذكر له ما شاهد هناك. فعند ذلك جمع عثمان الصحابة وشاورهم في ذلك، ورأى أن يكتب المصحف على حرف واحد. وأن يجمع الناس في سائر الأقاليم على القراءة به. فوافقه الصحابة، فأمر زيد بن ثابت الأنصاري أن يكتب القرآن، فكتب لأهل الشام مصحفاً، ولأهل مصراً آخر، وإلى البصرة وإلى الكوفة وإلى مكة واليمن، وأقر بالمدينة مصحفاً. وأن أميز صفة تميز بها عثمان ، والتي أصبحت ملازمة لاسم عثمان، فما تذكر عثمان إلا وتذكرها ولا تذكرها إلا ذكرت عثمان، إلا وهي صفة [الحيـــاء]. فقد كان عثمان حيّيا، كأنه العذراء في خدرها من شدة حيائه. فقد كان إذا اغتسل يغتسل جالساً لئلا يكشف شيء منه مع أنه في بيت مغلق عليه. وتروي لنا عائشة قصة عجيبة يشهد فيها رسول الله أنه الملائكة تستحي من عثمان. فقد قالت رضي الله عنها كان رسول الله مضطجعاً في بيتي، كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال. فتحدّث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فيتحدث ثم استأذن عثمان ، فجلس رسول الله وسوى ثيابه فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتشّ له ولم تباله، (أي لم تغير من حالك شيء) ثم دخل عمر فلم تهتشّ له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال: ((ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة)) [رواه مسلم]. الله أكبر، لا إله إلا الله عبجباً لك يا ابن عفان تستحي منك الملائكة لشدة حيائك وتشد عليك ثيابك حتى لا يظهر شيء منك وتغتسل وحدك فلا تقيم صلبك حياءً من الله أن ترى شيئاً من عورتك وتحدثنا عن نفسك، وتقول: إنك ما مسست فرجك بيمينك منذ بايعت رسول الله . فلما كان يوم مقتله رأى في المنام رسول الله وأبا بكر وعمر وأنهم قالوا له: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة، فلما أصبح شد عليه سراويله خشية أن تبدو عورته إذا هو مات أو قتل وقال لأهله: إني صائم. ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه وأخذ يقرأ فيه حتى قتل من يومه، وذلك قبيل المغرب بقليل، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، فكان خبر مقتلة فاجعة على الأمة الإسلامية فبكته النساء وبكاه الصحابة وأكثرهم حزناً عليه علي بن أبي طالب، واغتمت المدينة تلك الليلة وأصبح الناس بين مصدق ومكذب حتى استبانوا الأمر وتيقنوا الخبر، ووجدوا في دمه قد سقط على قوله تعالى في سورة البقرة فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم، ووجدوا صندوقاً وإذا فيه ورقة مكتوب فيها. هذه وصية عثمان: بسم الله الرحمن الرحيم، عثمان بن عفان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الله يبعث من في القبور، ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد، عليها نحيا وعليها نموت وعليها يبعث إن شاء الله تعالى. فرضي الله عنه وأرضاه وجمعنا به في الجنة مع حبيبنا محمد . ابا الحسن و الحسين علي بن ابي طالب رضي الله عنه هو أبو الحسن علي بن أبى طالب بن عبد المطلب الهاشمى القرشى . أمير المؤمنين ، رابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة وابن عم النبى صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة الزهراء ووالد الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، كناه النبى صلى الله عليه وسلم بأبى تراب وهو من الخطباء والعلماء بالقضاء المعدودين وأول الناس إسلاماً من الغلمان ، عاش فى حجر النبى صلى الله عليه وسلم منذ طفولته، وعندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نام فى فراشه ، وبقي بعده أياماً فى مكة ليقضي ديونه ويرد ودائعه ثم هاجر إلى المدينة . شهد جميع الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يحمل اللواء فى أكثرها ويتقدم للمبارزة ، وفى غزوة بدر بارز شيبة بن عتبة وقتله ، وفى غزوة الخندق قتل فارس العرب وأحد شجعانهم عمرو بن عبد ود العامرى ، وفى غزوة خيبر قال صلى الله عليه وسلم ( لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، وفي الصباح دعا عليا ، وكانت عينه مصابة بالرمد فدعا له وبصق فى عينه فبرأ ولم يرمد بعدها ، وأعطاه الراية ففتح الله على يديه وقتل مرحبا اليهودى ، ويروى فى ذلك من شجاعته وقوته أن يهودياً ضرب عليا فطرح ترسه فتناول بابا عند الحصن وتترس به فلم يزل فى يده حتى فتح الله على يديه ثم ألقاه من يده . وفى عمرة القضاء قال له صلى الله عليه وسلم ( أنت منى وأنا منك ) وفى غزوة تبوك استخلفه النبى صلى الله عليه وسلم على المدينة فقال : يا رسول الله أتخلفنى مع النساء والصبيان ؟ فقال ( ألا ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبى بعدى ) . وروي أنه لما نزل قوله تعالى ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ...) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي . ومنه ما روي أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ رداءه ووضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) و من فضائله ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بيت فاطمة وقال لها أين ابن عمك ؟ قالت كان بينى وبينه شىء فغاضبنى فخرج ولم يقل عندي ، وعلم النبى صلى الله عليه وسلم أنه فى المسجد فذهب إليه وهو مضطجع فيه وقد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول قم أبا تراب قم أبا تراب . وبعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بايع الصديق وكان أحد وزرائه ، ثم بايع عمر وجعله على القضاء ومن مستشاريه ، وكان أحد الستة أصحاب الشورى الذين أوصى عمر بالخلافة فيهم ، ولما قتل عثمان بويع على بالخلافة سنة 35 هـ فخرجت السيدة عائشة والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله يطلبون بثأر عثمان ويرفضون بيعته ، فكانت وقعة الجمل سنة 36 هـ ورفض معاوية بن أبى سفيان مبايعته ، وكان أميراً على الشام ، فاستعصى بها وجمع جيشاً من أهلها فتوجه إليهم علي بجيشه والتقى الفريقان فى معركة صفين وانتهت المعركة بالدعوة إلى التحكيم ، ثم انتهى التحكيم بانقسام الناس إلى ثلاثة أقسام ، قسم بايع معاوية ( أهل الشام ) وقسم بايع علياً ( أهل الكوفة ) وقسم خرج على علي وكفروه لقبوله التحكيم فسموا الخوارج . وقد ناقشهم على طويلاً فلم يستجيبوا . فقاتلهم فى النهروان ( 38 هـ ) وعاد إلى الكوفة . وفى 17 رمضان سنة 40 هـ اغتال أحد الخوارج ـ واسمه عبد الرحمن بن ملجم ـ علي بن أبى طالب رضي الله عنه وهو فى صلاة الصبح . المدينة في خلافة علي بن أبي طالب 36 ـ 40 هـ تولى على بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة سنة 36 للهجرة بعد استشهاد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وكان همه الأول إعادة الأمن والطمأنينة إلى المدينة والقضاء على جذور الفتنة فيها ، ثم فى الأمصار التى انطلقت منها ، واستطاع إخراج المتآمرين منها ، وأبعد الأعراب الذين حاولوا أن يستغلوا ظروف الفتنة فزحفوا إلى ضواحي المدينة وانتظم الأمن ، وبدأ بمعالجة شؤون الأمصار فعزل الولاة الذين ثارت حولهم الشائعات واستغلها أصحاب الفتنة وأرسل ولاة آخرين .. ولكن الفتنة انتقلت من المدينة إلى خارجها ، فقد طالب بعض الصحابة ـ وعلى رأسهم السيدة عائشة رضي الله عنها ـ بالقصاص من القتلة وكانت قد خرجت من المدينة للحج قبل استشهاد عثمان ، فلما بلغها استشهاده توجهت إلى العراق مع جمع من الصحابة ، ورفض معاوية بيعة على ورد واليه على الشام ورفع شعار الثأر لعثمان ، فاضطر على للخروج بمن تطوع معه لوقف انتشار الفتنة وتوجه للجمع الذى رافق السيدة عائشة رضي الله عنها لإقناعهم بالعودة إلى المدينة ، ولكن بعضهم استطاع أن يثير القتال بين رجال على والجماعة المحيطة بالسيدة عائشة ، وقتل عدد من الصحابة حول الجمل الذى كانت تركبه السيدة عائشة ، واستطاع على ورجاله أن يضبطوا الأمور وينهوا القتال ، وعادت السيدة عائشة ومرافقوها إلى المدينة معززة مكرمة ، ولكن علياً وجيشه لم يعودوا بل توجهوا إلى الكوفة ونزلوا فيها يعدون لمواجهة الخلاف مع معاوية . واستخلف على المدينة سهل بن حنيف الأنصاري فبدأ الهدوء يخيم على الحياة فى المدينة وبدأت تبتعد عن الأحداث الكبيرة التى تجرى فى العراق والشام ، ولكن عدداً من أبنائها كانوا مع علي رضي الله عنه فى الكوفة وفى صفين وفى التحكيم بينه وبين معاوية . وتوقف النزوح إليها وباستثناء من بقي من أهلها والوافدين لزيارة المسجد النبوى والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعد يقصد المدينة أحد ، وتقلص عدد سكانها وتقلصت الحركة الاقتصادية فيها تبعاً لذلك ، وفى عام 38 هـ توفي سهل بن حنيف أمير المدينة فولى علي أبا أيوب الأنصاري ، وكان متقدماً فى السن وديعاً فحافظ على سيرة خلفه ، وقل عدد القوافل القادمة فازداد الاهتمام بالزراعة لتأمين الحاجة الأولية للغذاء ، وعندما شغل علي بقتال الخوارج فى العراق أرسل معاوية جيشاً إلى المدينة بقيادة بسر بن أرطأة فتركها أبو أيوب ودخل الجيش سلماً وأخذ البيعة لمعاوية ولكن بسر بن أرطأة نقض الأمان لمن اتهموا بمظاهرة الخارجين على عثمان وقتل من وصل إليهم وهدم دورهم . ثم خرج من المدينة بجيشه واستخلف عليها أبا هريرة فعاد أبو هريرة بالناس إلى حياة الطمأنينة ودروس المسجد النبوى ، وابتعد بالناس عن الفتنة . ثم جاء جيش لعلي بن أبى طالب بقيادة جارية بن قدامة . فترك أبو هريرة المدينة . ووصل جارية مع وصول خبر استشهاد علي بن أبى طالب فى الكوفة فأخذ البيعة لابنه الحسن بن علي ثم خرج ليلحق بالحسن وعاد أبو هريرة فأحسن الناس استقباله ، وواصل سيرته القويمة فيهم ، وعاش أهل المدينة تلك الفترة حياتهم بين مشاغلهم اليومية ، وحلقات العلم فى المسجد النبوى . وما لبثت الفتنة أن خمدت عندما تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية ، وعاد بمن معه من أهل المدينة إليها ، وتحولت المدينة إلى مدينة هادئة ، وصارت إمارة من إمارات الدولة الأموية الجديدة . طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة (( من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة )) حديث شريف طلحة بن عبيـد اللـه بن عثمان التيمـي القرشي المكي المدني ، أبو محمـد... لقد كان في تجارة له بأرض بصرى ، حين لقي راهبا من خيار رهبانها ، وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من أرض الحرم ، قد أهل عصره ، ونصحه باتباعه...وعاد الى مكـة ليسمع نبأ الوحي الذي يأتي الصادق الأميـن ، والرسالة التي يحملها ، فسارع الى أبي بكر فوجـده الى جانب محمد مؤمنا ، فتيقن أن الاثنان لن يجتمعا الا علـى الحق ، فصحبه أبـو بكر الى الرسـول -صلى الله عليه وسلم- حيث أسلم وكان من المسلمين الأوائل.. لقد كان طلحة -رضي الله عنه- من أثرياء قومه ومع هذا نال حظه من اضطهاد المشركين ، وهاجر الى المدينة وشهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الا غزوة بدر ، فقد ندبه النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه سعيد بن زيد الى خارج المدينة ، وعند عودتهما عاد المسلمون من بدر ، فحزنا الا يكونا مع المسلمين ، فطمأنهما النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لهما أجر المقاتلين تماما ، وقسم لهما من غنائم بدر كمن شهدها... وقد سماه الرسول الكريم يوم أحُد ( طلحة الخير )...وفي غزوة العشيرة ( طلحة الفياض )...ويوم حنين ( طلحة الجود ) وفي أحد...أبصر طلحة -رضي الله عنه- جانب المعركة الذي يقف فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلقيه هدفا للمشركين ، فسارع وسط زحام السيوف والرماح الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرآه والدم يسيل من وجنتيه ، فجن جنونه وقفز أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- يضرب المشركين بيمينه ويساره ، وسند الرسول -صلى الله عليه وسلم وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ، ويقول أبو بكر -رضي الله عنه- عندما يذكر أحدا ذلك كله كان يوم طلحة ، كنت أول من جاء الى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح :"دونكم أخاكم..." ونظرنا ، واذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية ، واذا أصبعه مقطوعة ، فأصلحنا من شأنه )... وقد نزل قوله تعالى :" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلا "... تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية أمام الصحابة الكرام ، ثم أشار الى طلحة قائلا ( من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض ، وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة )... ما أجملها من بشرى لطلحة -رضي الله عنه- ، فقد علم أن الله سيحميه من الفتنة طوال حياته وسيدخله الجنة فما أجمله من ثواب... وهكذا عاش طلحة -رضي الله عنه- وسط المسلمين مرسيا لقواعد الدين ، مؤديا لحقوقه ، واذا أدى حق ربه اتجه لتجارته ينميها ، فقد كان من أثرى المسلمين ، وثروته كانت دوما في خدمة الدين ، فكلما أخرج منها الشيء الكثير ، أعاده الله اليه مضاعفا ، تقول زوجته سعدى بنت عوف ( دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما ، فسألته : ما شأنك ؟...فقال : المال الذي عندي ، قد كثر حتى أهمني وأكربني...وقلت له : ما عليك ، اقسمه...فقام ودعا الناس ، وأخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهما )... وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال ، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع وقال (ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري مايطرق من أمر ، لمغرور بالله )...فدعا بعض أصحابه وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها حتى أسحر وما عنده منها درهما... وكان -رضي الله عنه- من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه ، وكان يعولهم جميعا ، لقد قيل ( كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مئونته ، ومئونة عياله )...( وكان يزوج أياماهم ، ويخدم عائلهم ، ويقضي دين غارمهم )...ويقول السائب بن زيد ( صحبت طلحة بن عبيد الله في السفر و الحضر فما وجدت أحدا ، أعم سخاء على الدرهم ، والثوب ، والطعام من طلحة )... وعندما نشبت الفتنة في زمن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أيد طلحة حجة المعارضين لعثمان ، وزكى معظمهم فيما ينشدون من اصلاح ، ولكن أن يصل الأمر الى قتل عثمان -رضي الله عنه- ، لا...لكان قاوم الفتنة ، وما أيدها بأي صورة ، ولكن ماكان كان ، أتم المبايعة هو والزبير لعلي -رضي الله عنهم جميعا- وخرجوا الى مكة معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان... وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري ...طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة ( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)...ثم قال للزبير ( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟...فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟...فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )... فقال الزبير ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك )... وأقلع طلحـة و الزبيـر -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعـا حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا ، فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته ... وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا ( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمـان من الذين قال الله فيهم ( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين )...ثم نظر الى قبريهما وقال ( سمعت أذناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة )...0 ولمّا قُتِلَ طلحة دُفِنَ الى جانب الفرات ، فرآه حلماً بعض أهله فقال ( ألاّ تُريحوني من هذا الماء فإني قد غرقت )...قالها ثلاثاً ، فأخبر من رآه ابن عباس ، فاستخرجوه بعد بضعة وثلاثين سنة ، فإذا هو أخضر كأنه السِّلْق ، ولم يتغير منه إلا عُقْصته ، فاشتروا له داراً بعشرة آلاف ودفنوه فيها ، وقبره معروف بالبصرة ، وكان عمره يوم قُتِلَ ستين سنة وقيل أكثر من ذلك . الزبيـر بن العوام حواريّ رسول الله (( إن لكل نبي حواريّاً ، وحواريّ الزبير بن العوام )) حديث شريف الزبير بن العوام يلتقي نسبه مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-في ( قصي بن كلاب )... كما أن أمه ( صفية ) عمة رسول الله ، وزوجته أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين ، كان رفيع الخصال عظيم الشمائل ، يدير تجارة ناجحة وثراؤه عريضا لكنه أنفقه في الإسلام حتى مات مدينا... ويرتبط ذكرالزبيـر دوما مع طلحة بن عبيد الله ، فهما الاثنان متشابهان في النشأة والثراء والسخاء والشجاعة وقوة الدين ، وحتى مصيرهما كان متشابها فهما من العشرة المبشرين بالجنة وآخى بينهما الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، ويجتمعان بالنسب والقرابة معه ، وتحدث عنهما الرسول قائلا ( طلحة والزبيـر جاراي في الجنة ) ، و كانا من أصحاب الشورى الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب لإختيار خليفته ... أسلم الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة ، وكان من السبعة الأوائل الذين سارعوا بالإسلام ، وقد كان فارسا مقداما ، وإن سيفه هو أول سيف شهر بالإسلام ، ففي أيام الإسلام الأولى سرت شائعة بأن الرسول الكريم قد قتل ، فما كان من الزبير إلا أن استل سيفه وامتشقه ، وسار في شوارع مكة كالإعصار ،وفي أعلى مكة لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فسأله ماذا به ؟...فأخبره النبأ... فصلى عليه الرسول ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب وكان للزبير -رضي الله عنه- نصيبا من العذاب على يد عمه ، فقد كان يلفه في حصير ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه ، ويناديه ( اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا العذاب )...فيجيب الفتى الغض ( لا والله ، لا أعود للكفر أبدا )...ويهاجر الزبير الى الحبشة الهجرتين ، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-... وفي غزوة أحد وبعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكة ، ندب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الزبير وأبوبكر لتعقب جيش المشركين ومطاردته ، فقاد أبوبكر والزبير -رضي الله عنهما- سبعين من المسلمين قيادة ذكية ، أبرزا فيها قوة جيش المسلمين ، حتى أن قريش ظنت أنهم مقدمة لجيش الرسول القادم لمطاردتهم فأسرعوا خطاهم لمكة هاربين... وفي يوم الخندق قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( مَنْ رجلُ يأتينا بخبر بني قريظة ؟)...فقال الزبير ( أنا )...فذهب ، ثم قالها الثانية فقال الزبير ( أنا )...فذهب ، ثم قالها الثالثة فقال الزبيـر ( أنا )...فذهب ، فقال النبـي -صلى الله عليه وسلم- ( لكل نبيّ حَوَارِيٌّ، والزبيـر حَوَاريَّ وابن عمتي )... وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أرسل الرسول الزبيـر وعلي بن أبي طالب فوقفا أمام الحصن يرددان( والله لنذوقن ماذاق حمزة ، أو لنفتحن عليهم حصنهم )...ثم ألقيا بنفسيهما داخل الحصن وبقوة أعصابهما أحكما وأنزلا الرعب في أفئدة المتحصـنين داخله وفتحا للمسلمين أبوابه... وفي يوم حنين أبصر الزبيـر ( مالك بن عوف ) زعيم هوازن وقائد جيوش الشرك في تلك الغزوة ، أبصره واقفا وسط فيلق من أصحابه وجيشه المنهزم ، فاقتحم حشدهم وحده ، وشتت شملهم وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض المسلمين العائدين من المعركة... كان الزبير بن العوام شديد الولع بالشهادة ، فهاهو يقول ( إن طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء ، وقد علم ألا نبي بعد محمد ، وإني لأسمي بنيّ بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون )... وهكذا سمى ولده عبد الله تيمنا بالشهيد عبد الله بن جحش وسمى ولـده المنـذر تيمنا بالشهيد المنـذر بن عمـرو وسمى ولـده عـروة تيمنا بالشهيد عـروة بن عمـرو وسمى ولـده حمـزة تيمنا بالشهيد حمزة بن عبد المطلب وسمى ولـده جعفـراً تيمنا بالشهيد جعفر بن أبي طالب وسمى ولـده مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عميـر وسمى ولـده خالـدا تيمنا بالشهيد خالـد بن سعيـد وهكذا أسماهم راجيا أن ينالوا الشهادة في يوم ما... كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته ، وحين كان يجود بروحه أوصى ولده عبد الله بقضاء ديونه قائلا ( إذا أعجزك دين ، فاستعن بمولاي )...وسأله عبد الله ( أي مولى تعني ؟)... فأجابه ( الله ، نعم المولى ونعم النصير )...يقول عبدالله فيما بعد ( فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير اقضي دينه ، فيقضيه )... وبعد استشهاد عثمان بن عفان أتم المبايعة الزبير و طلحة لعلي -رضي الله عنهم جميعا- وخرجوا الى مكة معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان ، وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري ... طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة ( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)0ثم قال للزبير ( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟0فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟...فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )... فقال الزبير ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك )... وأقلع طلحة و الزبير -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعا حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته ... ولمّا كان الزبير بوادي السباع نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله و سارع قاتل الزبير الى علي يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي استلبه بين يديه ، لكن عليا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن وأمر بطرده قائلا ( بشر قاتل ابن صفية بالنار )...وحين أدخلوا عليه سيف الزبير قبله الإمام وأمعن في البكاء وهو يقول ( سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله )... وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات انهاها قائلا ( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمان من الذين قال الله فيهم ( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين )...ثم نظر الى قبريهما وقال ( سمعت أذناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة )...0 سعد بن أبي وقـاص أحد العشرة المبشرين بالجنة (( يا سعد : ارم فداك أبي و أمي )) حديث شريف سعد بن مالك بن أهيب الزهري القرشي أبو اسحاق...فهو من بني زهرة أهل آمنة بنت وهب أم الرسول - صلى الله عليه وسلم- ...فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعتز بهذه الخؤولة فقد ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان جالسا مع نفر من أصحابه فرأى سعد بن أبي وقاص مقبلا فقال لمن معه :"هذا خالي فليرني أمرؤ خاله"... كان سعد -رضي الله عنه- من النفر الذين دخلوا في الاسلام أول ما علموا به...فلم يسبقه الا أبوبكر و علي وزيد و خديجة...قال سعد ( بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوا الى الاسلام مستخفيا فعلمت أن الله أراد بي خيرا وشاء أن يخرجني بسببه من الظلمات الى النور ...فمضيت اليه مسرعا حتى لقيته في شعب جياد وقد صلى العصر فأسلمت...فما سبقني أحد الا أبي بكر وعلي وزيد -رضي الله عنهم- ، وكان ابن سبع عشرة سنة...كما يقول سعد -رضي الله عنه- ( لقد أسلمت يوم أسلمت وما فرض الله الصلوات )... يقول سعد -رضي الله عنه- ( وما سمعت أمي بخبر اسلامي حتى ثارت ثائرتها وكنت فتى بارا بها محبا لها فأقبلت علي تقول ( يا سعد...ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك و أبيك؟ والله لتدعن دينك الجديد أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزنا علي ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتعيرك الناس أبد الدهر ) فقلت : لاتفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأي شيء )...الا أن أمه اجتنبت الطعام ومكثت أياما على ذلك فهزل جسمها وخارت قواها...فلما رأها سعد قال لها ( يا أماه اني على شديد حبي لك لأشد حبا لله ولرسوله ووالله لو كان لك ألف نفس فخرجت منك نفسا بعد نفس ما تركت ديني هذا بشيء )...فلما رأت الجد أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كره منها... ونزل قوله تعالى :"ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك الي المصير...وأن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب الي ثم الي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون "... كان الرسول -صلى الله عليه وسلم يجلس بين نفر من أصحابه ، فرنا ببصره الى الأفق في إصغاء من يتلقى همسا وسرا ، ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة )...وأخذ الصحاب يتلفتون ليروا هذا السعيد ، فإذا سعد بن أبي وقاص آت...وقد سأله عبدالله بن عمرو بن العاص أن يدله على ما يتقرب به الى الله من عبادة وعمل فقال له ( لا شيء أكثر مما نعمل جميعا ونعبد ، غير أني لا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوءا )... وكان سعد بن أبي وقاص إذا رمى عدوا أصابه وإذا دعا الله دعاء أجابه ، وكان الصحابة يردون ذلك لدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- له ( اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته )...ويروى أنه رأى رجلا يسب طلحة وعليا والزبير فنهاه فلم ينته فقال له ( إذن أدعو عليك )...فقال الرجل ( أراك تتهددني كأنك نبي !)...فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه قائلا ( اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواما سبقت لهم منك الحسنى ، وأنه قد أسخطك سبه إياهم ، فاجعله آية وعبرة )...فلم يمض غير وقت قصير حتى خرجت من إحدى الدور ناقة نادّة لا يردها شيء ، حتى دخلت في زحام الناس ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها ، ومازالت تتخبطه حتى مات... وفي بداية الدعوة ، كان أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا صلوا ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم ، فبينما سعد بن أبي وقاص في نفر من الصحابة في شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون ، فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم ، فضرب سعد -رضي الله عنه- يومئذ رجلاً من المشركين بلحي بعير فشجه ( العظم الذي فيه الأسنان ) ، فكان أول دم هريق في الإسلام... وبعثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سرية عبيدة بن الحارث -رضي الله عنه- الى ماء بالحجاز أسفل ثنية المرة فلقوا جمعا من قريش ولم يكن بينهم قتال ألا أن سعد قد رمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في الاسلام... وشارك في أحد وتفرق الناس أول الأمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووقف سعد يجاهد ويقاتل فلما رآه الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرمي جعل يحرضه ويقول له ( يا سعد ......0ارم فداك أبي وأمي )...وظل سعد يفتخر بهذه الكلمة طوال حياته ويقول ( ما جمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأحد أبويه الا لي ) وذلك حين فداه بهما... وعندما احتدم القتال مع الفرس ، أراد أمير المؤمنين عمر أن يقود الجيش بنفسه ، ولكن رأى الصحابة أن تولى هذه الإمارة لرجل آخر واقترح عبدالرحمن بن عوف ( الأسد في براثنه ، سعد بن مالك الزهري )... وقد ولاه عمر -رضي الله عنه- امرة جيش المسلمين الذي حارب الفرس في القادسية وكتب الله النصر للمسلمين وقتلوا الكافرين وزعيمهم رستم...وعبر مع المسلمين نهر دجلة حتى وصلوا المدائن وفتحوها ، وكان إعجازا عبور النهر بموسم فيضانه حتى أن سلمان الفارسي قد قال ( إن الإسلام جديد ، ذللت والله لهم البحار ، كما ذللت لهم البر ، والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا ، كما دخلوه أفواجا )... وبالفعل أمن القائد الفذ سعد مكان وصول الجيش بالضفة الأخرى بكتيبة الأهوال وكتيبة الخرساء ، ثم اقتحم النهر بجيشه ولم يخسر جنديا واحدا في مشهد رائع ، ونجاح باهر... ودخل سعد بن أبي وقاص ايوان كسرى وصلى فيه ثماني ركعات صلاة الفتح شكرا لله على نصرهم ... وولاه عمر -رضي الله عنهما- إمارة العراق ، فراح سعد يبني ويعمر في الكوفة ، وذات يوم اشتكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين فقالوا ( إن سعدا لا يحسن يصلي )...ويضحك سعدا قائلا ( والله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله ، أطيل في الركعتين الأوليين وأقصر في الآخرين )...واستدعاه عمر الى المدينة فلبى مسرعا ، وحين أراد أن يعيده الى الكوفة ضحك سعدا قائلا ( أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة ؟!)...ويؤثر البقاء في المدينة... و عندما حضرت عمر -رضي الله عنه- الوفاة بعد أن طعنه المجوسي...جعل الأمر من بعده الى الستة الذين مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض و أحدهم سعد بن أبي وقاص ، وقال عمر ( إن وليها سعد فذاك ، وإن وليها غيره فليستعن بسعد )... وقد اعتزل سعد الفتنة وأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا له أخبارها ، وذات يوم ذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ويقول له ( يا عم ، ها هنا مائة ألف سيف يرونك أحق الناس بهذا الأمر )...فيجيبه سعد ( أريد من مائة ألف سيف ، سيفا واحدا ، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا ، وإذا ضربت به الكافر قطع )...فتركه ابن أخيه بسلام...وحين انتهى الأمر لمعاوية سأل سعدا ( مالك لم تقاتل معنا ؟)...فأجابه ( إني مررت بريح مظلمة فقلت : أخ...أخ...وأنخت راحلتي حتى انجلت عني )...فقال معاوية ( ليس في كتاب الله أخ...أخ...ولكن قال الله تعالى ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )... وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة مع الباغية )...فأجاب سعد قائلا ( ما كنت لأقاتل رجلا -يعني علي بن أبي طالب- قال له الرسول : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )... وعمر سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- كثيرا...وأفاء الله عليه من المال الخير الكثير... لكنه حين أدركته الوفاة دعا بجبة من صوف بالية وقال ( كفنوني بها فاني لقيت بها المشركين يوم بدر...واني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضا ) ... وكان رأسه بحجر ابنه الباكي فقال له ( ما يبكيك يا بني ؟...إن الله لا يعذبني أبدا ، وإني من أهل الجنة )...فقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبيرا...وكانت وفاته سنة خمس وخمسين من الهجرة النبوية...وكان آخر المهاجرين وفاة ، ودفن في البقيع... عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة (( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )) حديث شريف عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين الى الإسلام ، عرض عليه أبو بكر الإسلام فما غُـمَّ عليه الأمر ولا أبطأ ، بل سارع الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبايعه وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد المشركين ، هاجر الى الحبشة الهجـرة الأولى والثانيـة ، كما هاجر الى المدينـة مع المسلميـن وشهـد المشاهد كلها ، فأصيب يوم أُحُد بعشريـن جراحا إحداها تركت عرجا دائما في ساقه ، كما سقطت بعـض ثناياه فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه... وكان -رضي الله عنه- محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عَجَبه فقال ( لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا )...وكانت التجارة عند عبد الرحمن بن عوف عملاً وسعياً لا لجمع المال ولكن للعيش الشريف ، وهذا ما نراه حين آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار ، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع ،فقال سعد لعبد الرحمن ( أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا ، فانظر شطر مالي فخذه ، وتحتي امرأتان ، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها )...فقال عبد الرحمن ( بارك الله لك في أهلك ومالك ، دُلوني على السوق )...وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح... وكانت تجارة عبد الرحمن بن عوف ليست له وحده ، وإنما لله والمسلمون حقا فيها ، فقد سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول يوما ( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )...ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله قرضـا حسنا ، فيضاعفـه الله له أضعافـا ، فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعا على أهله من بني زُهرة وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين ،وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام ، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة... وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله ، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان نصيبا من الوصية فأخذها وقال ( إن مال عبد الرحمن حلال صَفْو ، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة )...وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل ( أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله ، ثُلث يقرضهم ، وثُلث يقضي عنهم ديونهم ، وثلث يصِلَهم ويُعطيهم )...وخلّف بعده ذهبُ كثير ، ضُرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال... وفي أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال ، لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجَّها رجّا ، وسألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ( ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟)...وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له فَعَجِبَت أم المؤمنين ( قافلة تحدث كل هذه الرجّة ؟)...فقالوا لها ( أجل يا أم المؤمنين ، إنها سبعمائة راحلة )... وهزّت أم المؤمنين رأسها وتذكرت ( أما أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا )...ووصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن بن عوف ، فتذكر أنه سمع هذا الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة ، فحثَّ خُطاه الى السيدة عائشة وقال لها ( لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه )...ثم قال ( أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله )...ووزِّعَت حُمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها... و وثراء عبد الرحمن -رضي الله عنه- كان مصدر إزعاج له وخوف ، فقد جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما ، فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم قال ( استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكُـفّـن في بردة إن غطّت رأسه بدت رجلاه ، وإن غطّت رجلاه بدا رأسه ، واستشهد حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد له ما يُكَـفّـن فيه إلا بردة ، ثم بُسِـطَ لنا في الدنيا ما بُسـط ، وأعطينا منها ما أعطينا وإني لأخشى أن نكون قد عُجّلـت لنا حسناتنا )... كما وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى ، وسألوه ( ما يبكيك يا أبا محمد ؟)... قال ( لقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ، ما أرانا أخّرنا لما هو خير لنا )... ووفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا ، فقد قيل ( أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه ، ما استطاع أن يميزه من بينهم )... وكان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة لهم من بعده قائلا ( لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض )...وأشار الجميع الى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال ( والله لأن تُؤخذ مُدْية فتوضع في حَلْقي ، ثم يُنْفَذ بها إلى الجانب الآخر ، أحب إليّ من ذلك )...وفور اجتماع الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي أعطاه إياه عمر ، وجعل الأمر بين الخمسة الباقين ، فاختاروه ليكون الحكم بينهم وقال له علي -كرم الله وجهه- ( لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصفَك بأنك أمين في أهل السماء ، وأمين في أهل الأرض )...فاختار عبد الرحمن بن عوف ( عثمان بن عفان ) للخلافة ، ووافق الجميع على إختياره... وفي العام الثاني والثلاثين للهجرة جاد بأنفاسه -رضي الله عنه- وأرادت أم المؤمنين أن تخُصَّه بشرف لم تخصّ به سواه ، فعرضت عليه أن يُدفن في حجرتها الى جوار الرسول وأبي بكر وعمر ، لكنه استحى أن يرفع نفسه الى هذا الجوار ، وطلب دفنه بجوار عثمان بن مظعون إذ تواثقا يوما أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه...وكانت يتمتم وعيناه تفيضان بالدمع ( إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال )...ولكن سرعان ما غشته السكينة واشرق وجهه وأرْهِفَت أذناه للسمع كما لو كان هناك من يحادثه ، ولعله سمع ما وعده الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( عبد الرحمن بن عوف في الجنة )... سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيْل العدوي القرشي ، أبو الأعور ، من خيار الصحابة ابن عم عمر بن الخطاب وزوج أخته ، ولد بمكة عام ( 22 قبل الهجرة ) وهاجر الى المدينـة ، شهد المشاهد كلها إلا بدرا لقيامه مع طلحة بتجسس خبر العير ، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، كان من السابقين الى الإسلام هو وزوجته أم جميل ( فاطمة بنت الخطـاب )... وأبوه -رضي الله عنه- ( زيـد بن عمرو ) اعتزل الجاهليـة وحالاتها ووحّـد اللـه تعالى بغيـر واسطـة حنيفيـاً ، وقد سأل سعيـد بن زيـد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال ( يا رسـول الله ، إن أبـي زيـد بن عمرو بن نفيل كان كما رأيت وكما بَلَغَك ، ولو أدركك آمن بـك ، فاستغفر له ؟)... قال ( نعم )...واستغفر له...وقال ( إنه يجيءَ يوم القيامة أمّةً وحدَهُ ). روي عن سعيد بن زيد أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل ، و أبو عبيدة بن الجراح )...رضي الله عنهم أجمعين... وكان -رضي الله عنه- مُجاب الدعوة ، وقصته مشهورة مع أروى بنت أوس ، فقد شكته الى مروان بن الحكم ، وادَّعت عليه أنّه غصب شيئاً من دارها ، فقال ( اللهم إن كانت كاذبة فاعْمِ بصرها ، واقتلها في دارها )...فعميت ثم تردّت في بئر دارها ، فكانت منيّتُها... وكان سعيد بن زيد موصوفاً بالزهد محترماً عند الوُلاة ، ولمّا فتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق ولاّه إيّاها ، ثم نهض مع مَنْ معه للجهاد ، فكتب إليه سعيد ( أما بعد ، فإني ما كنت لأُوثرَك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يُدْنيني من مرضاة ربّي ، وإذا جاءك كتابي فابعث إلى عملِكَ مَنْ هو أرغب إليه مني ، فإني قادم عليك وشيكاً إن شاء الله والسلام )... وكتب معاوية إلى مروان بالمدينة يبايع لإبنه يزيد ، فقال رجل من أهل الشام لمروان ( ما يحبسُك ؟)...قال مروان ( حتى يجيء سعيد بن زيد يبايع ، فإنه سيـد أهل البلد ، إذا بايع بايع الناس )...قال ( أفلا أذهب فآتيك به ؟)...وجاء الشامـي وسعيد مع أُبيّ في الدار ، قال ( انطلق فبايع )...قال ( انطلق فسأجيء فأبايع )...فقال ( لتنطلقنَّ أو لأضربنّ عنقك )...قال ( تضرب عنقي ؟ فوالله إنك لتدعوني إلى قوم وأنا قاتلتهم على الإسلام )... فرجع إلى مروان فأخبره ، فقال له مروان ( اسكت )...وماتت أم المؤمنين ( أظنّها زينب ) فأوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد ، فقال الشامي لمروان ( ما يحبسُك أن تصلي على أم المؤمنيـن ؟)...قال مروان ( أنتظر الذي أردت أن تضرب عنقـه ، فإنها أوصت أن يُصلي عليها )...فقال الشامي ( أستغفر الله )... و توفي بالمدينة سنة ( 51 هـ ) ودخل قبره سعد بن أبي الوقاص وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم أجمعين-. أبوعبيدة بن الجراح أحد العشرة المبشرين بالجنة (( لكل أمة أمينا وأميننا أيتها الأمة أبوعبيدة عامر الجراح )) حديث شريف أبوعبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح الفهري...يلتقي مع النبي-صلى الله عليه وسلم- في أحد أجداده (فهر بن مالك)...وأمه من بنات عم أبيه...أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر 0 كان -رضي الله عنه- طويل القامة ، نحيف الجسم ، خفيف اللحية...أسلم على يد أبي بكر الصديق في الأيام الأولى للاسلام ، وهاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية ثم عاد ليشهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- المشاهد كلها... وفي غزوة بدر جعل أبو ( أبو عبيدة ) يتصدّى لأبي عبيدة ، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلمّا أكثر قصدَه فقتله ، فأنزل الله هذه الآية... قال تعالى ( لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليومِ الآخر يُوادُّون مَنْ حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءَ هُم أو أبناءَ هم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتبَ في قلوبهم الأيمان ")... ويقول أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-( لما كان يوم أحد ، ورمي الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر ، أقبلت أسعى الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وانسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا ، فقلت : اللهم اجعله طاعة ، حتى اذا توافينا الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اذا هو أبوعبيدة بن الجراح قد سبقني ، فقال ( أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )...فتركته ، فأخذ أبوعبيدة بثنيته احدى حلقتي المغفر ، فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت ، فكان أبوعبيدة في الناس أثرم )... وأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- أباعبيدة بن الجراح أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشرة مقاتلا ، وليس معهم من الزاد سوى جراب تمر ، والسفر بعيد ، فاستقبل أبوعبيدة واجبه بغبطة وتفاني ، وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل واحد منهم حفنة تمر ، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم ، وعندما فرغ التمر راحوا يتصيدون ( الخبط ) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء ، غير مبالين الا بانجاز المهمة ، لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط... ولما قدم أهل نجران على النبي-صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه ان يرسل اليهم واحدا...فقال عليه الصلاة والسلام ( لأبعثن -يعني عليكم- أمينا حق امين )...فتشوف أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها... ولكن لينطبق عليهم وصف النبي -صلى الله عليه و سلم- "أمينا حق امين" وكان عمر نفسه-رضي الله عليه-من الذين حرصوا على الامارة لهذا آنذاك...بل صار -كما قال يتراءى- أي يري نفسه - للنبي صلى الله عليه وسلم- حرصا منه -رضي الله عنه- أن يكون أمينا حق أمين...ولكن النبي صلى الله عليه وسلم- تجاوز جميع الصحابة وقال ( قم يا أباعبيدة )... كما كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يجود بأنفاسه ( لو كان أبوعبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فان سألني ربي عنه ، قلت : استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله )... وفي أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- ، وتولى الخلافة بعده عمر -رضي الله عنه- ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد...وصل الخطاب الى أبىعبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد ( يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟)...فأجاب أبوعبيدة ( اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة )...وأصبح أبوعبيدة أمير الأمراء بالشام0 و ترامى الى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا ( يا أيها الناس ، اني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني بتقوى الا وددت أني في إهابه !!)... وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له ( من ؟)...قال ( أبوعبيدة بن الجراح )...وأتى أبوعبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه الى داره ، فلم يجد فيها من الأثاث شيئا ، الا سيفه وترسه ورحله ، فسأله عمر وهو يبتسم ( ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟)...فأجاب أبوعبيدة ( يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل )... وقد حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد "طاعون عمواس" وكان أبوعبيدة أمير الجند هناك... فخشي عليه عمر من الطاعون...فكتب اليه يريد أن يخلصه منه قائلا ( اذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح الامتوجها الي...واذا وصلك في الصباح ألا تمسي الا متوجها الي...فان لي حاجة اليك) وفهم أبوعبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وانه يريد أن ينقذه من الطاعون...فكتب الى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور اليه وقال ( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وانما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم...فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين) ولما وصل الخطاب الى عمر بكى...فسأله من حوله ( هل مات أبوعبيدة ؟)...فقال ( كأن قد)...والمعنى أنه اذا لم يكن قد مات بعد والا فهو صائر الى الموت لا محالة...اذ لا خلاص منه مع الطاعون ... كان أبو عبيـدة -رضي الله عنه- في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا...مات أبوعبيـدة -رضي الله عنه- سنة (18) ثماني عشرة للهجرة في طاعون عمواس...وقبره في غور الأردن...رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى.. عبدالله بن عمر سيرة الإمام الزاهد مُعتزِل الفتن هو إمام من أئمة المسلمين . آتاه الله العلم ، فأخذ منه بِـحـظٍّ وافـر . ولذا لما أطلّت الفتنة بقرونها ولاّها ظهره واعتزلها ، رغبة فيما عند الله ، وطمعاً في سلعة الله الغالية . هو مِن صغار الصحابة رضي الله عنهم ، ومع ذلك صار عالماً من علماء الصحابة يُشار إليه بالبنان . إن تكلّم سُمِع كلامه ، وإن أفتى أُخِذ بقوله ، وإن قال صدق . فلله درّه . هو صحابي وابن صحابي رضي الله عنه وعن أبيه . وكفى بصحبة خير البشر وسيد ولد آدم فخراً ورفعة . مالت الدنيا بأقرانه ولم يمل مع مَن مال . اسمـه : عبدالله بن عمر بن الخطاب وكنيته : أبو عبد الرحمن قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله : الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي ثم المدني . أسلم وهو صغير ثم هاجر مع أبيه لم يحتلم واستُصغِر يوم أحد ، فأولّ غزواته الخندق ، وهو ممن بايع تحت الشجرة ، وأمه وأمّ أم المؤمنين حفصة زينب بنت مظعون ، أخت عثمان بن مظعون الجمحي . وقال : روى علما كثيراً نافعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن أبيه وأبي بكر وعثمان وعلي وبلال وصهيب وعامر بن ربيعة وزيد بن ثابت وزيد عمه وسعد وابن مسعود وعثمان بن طلحة وأسلم وحفصة أخته وعائشة وغيرهم . انتهى . وهو أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية ، وأحد العبادلة الأربعة ، وثانيهم ابن عباس ، وثالثهم عبد الله بن عمرو بن العاص ، ورابعهم عبد الله بن الزبير . وكان مُجاهداً منذ نعومة أظفاره . قال ابن عمر رضي الله عنهما : عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال ، وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فلم يُجزني ، وعرضني يوم الخندق وأنا بن خمس عشرة سنة ، فأجازني . رواه البخاري ومسلم . وشهِد فتح مكة وله عشرون سنة . وقدِم الشام والعراق والبصرة وفارِس غازياً . وشهِد فتح مصر . روى حجاج بن أرطاة عن نافع أن ابن عمر بارز رجلاً في قتال أهل العراق ، فقتله ، وأخذ سَلَبه . و كان رضي الله عنه عابداً كثير العبادة قال ابن عمر رضي الله عنهما : كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت غلاماً شاباً ، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطيّ البئر ، وإذا لها قرنان ، وإذا فيها أناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار . قال : فلقينا مَلَك آخر فقال لي : لم ترع ، فقصصتها على حفصة ، فقصّتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل . فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا . رواه البخاري ومسلم . قال حبيب بن الشهيد : قيل لنافع : ما كان يصنع ابن عمر في منزله ؟ قال : لا تطيقونه ؛ الوضوء لكل صلاة ، والمصحف فيما بينهما . وقال نافع : كان ابن عمر لا يصوم في السفر ، ولا يكاد يفطر في الحضر . و كان رضي الله عنه زاهداً مُعرضاً عن الدنيا والافتتان بها . قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما . وقال : لقد رأيتنا ونحن متوافرون ، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من ابن عمر وقال حذيفة رضي الله عنه : ما مِنّـا أحد يُفتش إلا يُفتش عن جائفة أو منقلة إلا عمر وابنه . ( والجائفة هي الطعنة الواصلة للجوف ، والـمُنَقِّلـة وهي ما توضّح العظم وتهشمه ) قال ذلك كناية عن المعائب . وقال جابر رضي الله عنه : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به إلا ابن عمر . وقالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر . وقال ميمون بن مهران : دخلت على ابن عمر فقوّمت كل شيء في بيته من أثاث ما يسوى مئة درهم ! وقال مولاه نافع : إنْ كان ابن عمر ليفرّق في المجلس ثلاثين ألفا ، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة لحم . وكان ابن عمر رضي الله عنهما مِن أكثر الناس اتّباعاً للسنة رضي الله عنه . وكان شديد الاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم ولذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تركنا هذا الباب للنساء . قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات . رواه أبو داود . وما رواه مسلم عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها . قال فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن . قال : فأقبل عليه عبد الله فسبّـه سـبّـاً سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : والله لنمنعهن ؟ رقّـة ابن عمر رضي الله عنهما : قال نافع : كان ابن عمر إذا قرأ : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) بكى حتى يغلبه البكاء . وروى عاصم بن محمد العمري عن أبيه قال : ما سمعت ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى . وقال يوسف بن ماهك : رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير ، وعبيد يقصّ ، فرأيت ابن عمر ودموعه تهراق . و عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه تلا : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه ، فأراد رجل أن يقول لأبي : أقصر فقد آذيت الشيخ . وكتب الحجاج إلى ابن عمر : بلغني أنك طلبت الخلافة ، وإنها لا تصلح لعيي ولا بخيل ولا غيور . فكتب إليه : أما ما ذكرت من الخلافة فما طلبتها وما هي من بالي ، وأما ما ذكرت من العي فمن جمع كتاب الله فليس بعيي ، ومن أدى زكاته فليس ببخيل ، وإن أحق ما غرت فيه ولدي أن يشركني فيه غيري ! لما أُريد ابن عمر على الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه أبـى ، وهرب على مكة فرضي الله عنه . قال حبيب بن أبي ثابت أن ابن عمر قال يوم دومة جندل : جاء معاوية على بختي عظيم طويل فقال : ومن الذي يطمع في هذا الأمر ويمدّ إليه عنقه ، قال ابن عمر : فما حدّثت نفسي بالدنيا إلا يومئذ ، هممت أن أقول : يطمع فيه من ضربك وأباك عليه ، ثم ذكرت الجنة ونعيمها فأعرضت عنه . قال ابن عمر رضي الله عنهما : دخلت على حفصة ونوساتها تنطف فقلت : قد كان من الناس ما ترين ، ولم يُجعل لي من الأمر شيء . قالت : فالحق بهم ، فإنهم ينتظرونك وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فُرقة ، فلم يرعه حتى ذهب قال : فلما تفرق الحكمان خطب معاوية فقال : من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إليّ قرنه ! فنحن أحق بذلك منه ومن أبيه . يُعرّض بابن عمر ! فقال له حبيب بن مسلمة : فهلا أجبته فداك أبي وأمي ؟ فقال ابن عمر : حللت حبوتي فهممت أن أقول : أحق بذلك منك من قاتلك وأباك على الإسلام ، فخشيت أن أقول كلمة تفرّق الجمع ، ويسفك فيها الدم ، فذكرت ما أعد الله في الجنان . رواه البخاري . وقال سلام بن مسكين : سمعت الحسن يقول : لما كان من أمر الناس ما كان زمن الفتنة أتوا ابن عمر فقالوا : أنت سيد الناس وابن سيدهم ، والناس بك راضون ، اخرج نبايعك . فقال : لا والله لا يُهراق فيّ محجمة من دم ، ولا في سببي ما كان فيّ روح . ويدلّ على إمامته هذه القصة : لما ابتنى معاوية بالأبطَح مجلسا جلس عليه ومعه ابنه قُرَظَة ، فإذا هو بجماعة على رحال لهم ، وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنى : من يساجلني يساجل ما جداً *** يملأ الدلـو إلى عقد الكُرب قال : من هذا ؟ قالوا : عبدالله بن جعفر . قال : خلُّوا لـه الطريق . ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يتغنى : بينما يذكرنني أبصرنني *** عند قِيد الميل يسعى بي الأغر قلن تعرفن الفتى ؟ قلن : نعم *** قد عرفناه وهل يخفى القمر ؟ قال : من هذا ؟ قالوا : عمر بن أبي ربيعة . قال : خلُّوا لـه الطريق فليذهب . قال : ثم إذا هو بجماعة وإذا فيهم رجل يُسأل ، فيقال لـه : رميت قبل أن أحلق ؟ وحلقت قبل أن أرمي ؟ في أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج ، فقال : من هذا ؟ قالوا : عبد الله بنُ عمر ، فالتَفَتَ إلى ابنه قُرَظَة وقال : هذا الشرف . هذا والله شرف الدنيا والآخرة . قال الإمام مالك : كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر ، مكث ستين سنة يُفتي الناس . شِدّته في الحق : حدّث إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي عن أبيه عن ابن عمر أنه قام إلى الحجاج وهو يخطب فقال : يا عدو الله استُحلّ حرم الله ، وخرب بيت الله . فقال : يا شيخا قد خرّف ، فلما صدر الناس أمر الحجاج بعض مسوّدته فأخذ حربة مسمومة وضرب بها رجل ابن عمر ، فمرض ومات منها ، ودخل عليه الحجاج عائداً ، فسلم فلم يرد عليه ، وكلّمه ، فلم يُجبه . وروى ابن سيرين أن الحجاج خطب فقال : إن ابن الزبير بدّل كلام الله ، فعلم ابن عمر فقال : كذب ! لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت . قال الحجاج : إنك شيخ قد خرّفت الغد ! قال ابن عمر : أما إنك لو عدتَ عدتُ . وفاته رضي الله عنه : توفي رضي الله عنه سنة ثلاث وسبعين من الهجرة . وهو ابن خمس وثمانين سنة . فرضي الله عنه وأرضاه . اللهم إنا نُشهدك على حب عبد الله بن عمر ، وعلى حب أبيه من قبله ، فاحشرنا في زمرتهم عبد الله بن سلاَم سيرة الإمام العالم حبر اليهود وسيّدهم عندما يُريد الله هداية شخص فإن الله يشرح صدره ، ويُهيئ له أسباب ذلك . وقد اشتهرت يهود بشدّة العداوة لأمة الإسلام ولنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) ولذا فإنه لم يُسلم منهم إلا أُناس يُعدّون على الأصابع ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام : لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود . رواه البخاري ومسلم . فاليهود أهل عناد ومُكابرة ، وهم المغضوب عليهم وأريد أن أتناول سيرة رجل من يهود بني قينقاع بل هو عالم من علمائهم وسيّـد من ساداتهم ذلكم هو عبد الله بن سلاَم اسمه : عبد الله بن سلام بن الحارث كنيته : أبو يوسف من ذرية يوسف عليه السلام صحابي جليل ، وهو من بني إسرائيل ، بل هو من ذُريّـة يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام . كان عبد الله يهودياً من يهود بني قينقاع ، فأراد الله به خيراً فأسلم . قال عنه الذهبي في السير : الإمام الحبر ، المشهود له بالجنة حليف الأنصار ، من خواص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . أسلم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . إســلامــه: لِنَدَعـه يُحدّثنا بقصته قال رضي الله عنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه ، وقيل : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت في الناس لأنظر إليه ، فلما استثبتُّ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، وكان أولُ شيء تكلم به أن قال : أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصَلُّـوا والناسُ نيام تدخلوا الجنة بسلام . رواه احمد والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح . ولا يعرف الفضل لأهله إلا أهل الفضل أسئلته للنبي صلى الله عليه وسلم لما عرف تيقّن أنه ليس بكذّاب أراد أن يسأله عن أشياء لا يعرفها إلا نبي روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : سَمِعَ عبدُ الله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف ، فأتى النبيَ صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : فما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينـزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال : أخبرني بهن جبريل آنفا . قال : جبريل ؟! قال : نعم . قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة ! فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ ) ثم قال : أما أولُ أشراط الساعة فنار تحشرُ الناس من المشرق إلى المغرب وأما أولُ طعامِ أهل الجنة فزيادة كبدِ حوت وإذا سبق ماءُ الرجل ماء المرأة نـزع الولد ، وإذا سبق ماءُ المرأة نزعت . قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ، يا رسول الله إن اليهود قومٌ بُهْت ، وإنـهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني . فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيُّ رجلٍ عبدُ الله فيكم ؟ قالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا . قال : أرأيتم إن أسلم عبدُ الله بن سلام ؟ فقالوا : أعاذه الله من ذلك ! فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . فقالوا : شرُّنا وابن شرِّنا وانتقصوه ! قال : فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله . وفي رواية للبخاري : جاء عبد الله بن سلام فقال : أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ ، فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبلوا فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق فأسلموا . قالوا : ما نعلمه . قال : فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : يا ابن سلام اخرج عليهم ، فخرج ، فقال : يا معشر اليهود اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، وأنه جاء بحق . فقالوا : كذبت فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفيه نزل قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) ولهذه الآية قصة فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يوما وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يومَ عيدٍ لهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا يشهدون أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يُحبط الله عن كلِّ يهوديٍ تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه . قال : فأسكتوا ما جاء به منهم أحد . ثم رد عليهم فلم يجبه أحد . ثم ثلّث فلم يجبه أحد . فقال : أبيتم ! فوالله إني لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا النبي المصطفى آمنتم أو كذبتم . ثم انصرف وأنا معه حتى إذا كدنا أن نخرج فنادى رجل من خلفنا : كما أنت يا محمد . قال : فأقبل ، فقال ذلك الرجل : أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود ؟ قالوا : والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك ولا أفقه منك ولا من أبيك قبلك ولا من جدك قبل أبيك . قال : فإني أشهد له بالله إنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة . قالوا : كذبت . ثم ردوا عليه قوله وقالوا فيه شرا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كَذَبْتم لن يقبل الله قولكم . أمّا آنفا فتُثنون عليه من الخير ما أثنيتم ، ولما آمن كذّبتموه وقلتم فيه ما قلتم ، فلن يقبل الله قولكم . قال : فخرجنا ونحن ثلاثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وعبد الله بن سلام وأنزل الله عز وجل فيه الآية . أخرجه الإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في التلخيص وأخرجه ابن حبان والطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين . وهو حديث صحيح . فيُحتمل أن تكون القصة وقعت لفريقين من اليهود دون علم كلِّ فريق بما حصل للآخر ، وذلك أن رواية البخاري جاء فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم فجاءوا ، والرواية الأخرى أنه دخل عليهم كنيسة لهم في يوم عيد لهم . ومن فضائله : من فضائله رضي الله عنه أنه من المبشرين بالجنة فعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بقصعةٍ فأكل منها ففضلت فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجئ رجل من هذا الفج من أهل الجنة يأكل هذه الفضلة . قال سعْدٌ : وكنت تركت أخي عميراً يتوضأ . قال فقلت : هو عمير . قال : فجاء عبد الله بن سلام . رواه أحمد وغيره . وفي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض : إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام . قال : وفيه نزلت هذه الآية ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) الآية . وأنه ممن يؤتون أجورهم مرتين فعبدالله بن سلام من الذين يؤتون أجرهم مرتين . لقوله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت عنده أمةٌ يطؤها فأدبـها فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران . أخرجه البخاري ومسلم . وفيه _ أي في عبدالله بن سلام _ نـزل قوله تعالى : )وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) فعلى رأي بعض المفسرين أن الذي عنده علم من الكتاب هو عبد الله بن سلام . وأخرج البخاري ومسلم عن قيس بن عُبَاد قال : كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع فقالوا : هذا رجل من أهل الجنة ، فصلى ركعتين تجوّز فيهما ثم خرج وتبعته فقلت : إنك حين دخلت المسجد قالوا : هذا رجل من أهل الجنة . قال : والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم ، وسأحدثك لم ذاك رأيت رؤيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه ورأيت كأني في روضة _ ذَكَرَ من سَعتها وخضرتـها _ وسَطَها عمودٌ من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عُروة ، فقيل لي : ارقـه . قلت : لا أستطيع . فأتاني منصف _ والمنصف الخادم _ فرفع ثيابي من خلفي فرَقَيْتُ حتى كنت في أعلاها ، فأخذت بالعروة فقيل لي استمسك فاستيقظت وإنـها لفي يدي فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : تلك الروضة الإسلام ، وذلك العمود عمود الإسلام ، وتلك العروة العروة الوثقى ، فأنت على الإسلام حتى تموت . قال الراوي : وذاك الرجل عبد الله بن سلام . ومن مناقبه رضي الله عنه أنه نصر عثمان يوم الدار . وفاته : توفي رضي الله عنه بالمدينة سنة ثلاث وأربعين . فرضي الله عنه وأرضاه هذا شيء من خبره رضي الله عنه ، وهو من علماء أهل الكتاب ولكنه عرف الحق واتّـبـعه ثم قارن هذا الموقف منه رضي الله عنه بموقف آخر لعالم من علماء اليهود وقد عرف الحق أيضا ذلكم هو شيطان بني النضير حُيي بن أخطب ، فقد حدّثت عنه ابنته صفية – رضي الله عنها – فقالت : كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولدٍ لهما إلا أخذاني دونه . قالت : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حُيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس ، فأتيا كالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا قالت : فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الغمّ . قالت : وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حُيي بن أخطب : أهو هو ؟ قال : نعم والله قال :أتعرفه وتثبته ؟ قال : نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ! رواه ابن إسحاق في السيرة فيما ذكره ابن هشام . فكلهم صدّقوا وعرفوا أنه النبي الذي يجدونه عندهم في التوراة ولكن من عرف وأقر وتابع نجا ومن عرف ولم يُتابع ولم يُقرّ فما له من نجاة . سلمان الفارسي رضي الله عنه، يكنى أبا عبد الله، من أصبهان من قرية يقال لها جي وقيل من رامهرمز، سافر يطلب الدين مع قوم فغدروا به فباعوه لرجل من اليهود ثم إنه كوتب فأعانه النبي في كتابته، أسلم مقدم النبي المدينة، ومنعه الرق من شهود بدر وأحد، وأول غزاة غزاها مع النبي الخندق، وشهد ما بعدها وولاه عمر المدائن. عن عبد الله بن العباس قال: حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلا فارسيًّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جي، وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال: فشغل في بنيان له يومًا فقال لي يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الذي نحن عليه فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت يا أبه مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قلت كلا والله إنه لخير من ديننا، قال فخافني فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته، قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام تجارًا من النصارى فأخبروني بهم، قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال فأخبروني بقدوم تجار فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، قال فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم ألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا الأسقف في الكنيسة، قال فجئته فقلت إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك قال فادخل، فدخلت معه، قال فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئًا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب، قال وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع، قال ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا قالوا وما علمك بذلك؟ قلت أنا أدلكم على كنزه، قالوا فدلنا عليه، قال فأريتهم موضعه، قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقا، قال فلما رأوها قالوا والله لا ندفنه أبدًا، قال فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارًا منه، قال فأحببته حبًّا لم أحبه من قبله فأقمت معه زمانًا ثم حضرته الوفاة قلت له يا فلان، إني كنت معك فأحببتك حبًّا لم أحبه أحداً من قبلك وقد حضرتك الوفاة فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره، قال فقال لي أقم عندي، قال فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له يا فلان إن فلانًا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئت فأخبرته بما جرى وما أمرني به صاحبي، قال فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان، إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني قال أي بني، والله ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته فإنه على مثل أمرنا، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال أقم عندي فأقمت عند رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال وكنت اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة، قال ثم نزل به أمر الله عز وجل فلما حضر قلت له يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني لرجل من يهود فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي، فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال، فلانُ قاتلَ اللهُ بني قيلة! والله، إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم زعم أنه نبي، قال فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي، قال ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة وقال ما لك ولهذا أقبل على عملك، قال قلت لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال، وقد كان شيء عندي قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، قال فقربته إليه فقال رسول الله لأصحابه كلوا وأمسك يده هو فلم يأكل، قال فقلت في نفسي هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا وتحول رسول الله إلى المدينة ثم جئته به فقلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال فقلت في نفسي هاتان اثنتان، قال ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رآني رسول الله استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، قال فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال رسول الله تحول فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس فأعجب رسول الله أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله بدر وأحد، قال ثم قال لي رسول الله كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية فقال رسول الله لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمسة عشر والرجل بعشرة والرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي، قال ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله بيده فوا الذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة فأديت النخل فبقي علي المال، فأتى رسول الله بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما فعل الفارسي المكاتب قال فدُعِيْتُ له، قال فخذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان، قال قلت وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك، قال فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله الخندق ثم لم يفتني معه مشهد. رواه الإمام أحمد. وعن أنس قال: قال رسول الله: السُبَّاق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة. وعن ثابت البناني أن أبا الدرداء ذهب مع سلمان يخطب عليه امرأة من بني ليث فدخل فذكر فضل سلمان وسابقته وإسلامه وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة فقالوا أما سلمان فلا نزوجه ولكنا نزوجك، فتزوجها ثم خرج فقال له إنه قد كان شيء وأنا أستحيي أن أذكره لك قال وما ذاك فأخبره الخبر فقال سلمان أنا أحق أن أستحيي منك أن أخطبها وقد قضاها الله لك رضي الله عنهما. وعن الحسن قال كان عطاء سلمان الفارسي خمسة آلاف وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها فإذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يديه. وعن أبي قلابة أن رجلا دخل على سلمان وهو يعجن فقال: ما هذا؟ قال: بعثنا الخادم في عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين، ثم قال: فلان يقرئك السلام قال: متى قدمت، قال: منذ كذا وكذا فقال أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدها. رواه أحمد. وعن أبي ليلى الكندي قال: قال غلام سلمان لسلمان: كاتبني، قال: ألك شيء قال: لا، قال: فمن أين؟ قال: أسأل الناس، قال: تريد أن تطعمني غسالة الناس. عن ثابت قال: كان سلمان أميرًا على المدائن فجاء رجل من أهل الشام ومعه حمل تبن وعلى سلمان عباءة رثة فقال لسلمان: تعال احمل وهو لا يعرف سلمان فحمل سلمان فرآه الناس فعرفوه فقالوا هذا الأمير فقال: لم أعرفك!! فقال سلمان إني قد نويت فيه نية فلا أضعه حتى أبلغ بيتك. وعن ميمون بن مهران عن رجل من عبد القيس قال: رأيت سلمان في سرية وهو أميرها على حمار عليه سراويل وخدمتاه تذبذبان والجند يقولون قد جاء الأمير قال سلمان: إنما الخير والشر بعد اليوم. وعن أبي الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان فقال سلمان: لكني خلقت من نطفة قذرة ثم أعود جيفة منتنة ثم يؤدى بي إلى الميزان فإن ثقلت فأنا كريم وإن خفت فأنا لئيم. وعن أبي الأسود الدؤلي قال: كنا عند علي ذات يوم فقالوا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن سلمان، قال: من لكم بمثل لقمان الحكيم! ذلك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والآخر، بحر لا ينزف. وأوصى معاذ بن جبل رجلا أن يطلب العلم من أربعة سلمان أحدهم. وعن أبي سفيان عن أشياخه قال: ودخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله توفي رسول الله وهو عنك راض وترد عليه الحوض؟ قال فقال سلمان: أما إني ما أبكي جزعًا من الموت ولا حرصًا على الدنيا ولكن رسول الله عهد الينا فقال لتكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب وحولي هذه الأساود، وإنما حوله إجانة أو جفة أو مطهرة، قال فقال له سعد: يا أبا عبد الله، اعهد الينا بعهد فنأخذ به بعدك، فقال: يا سعد، اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند بذلك إذا قسمت. وقال أهل العلم بالسير: كان سلمان من المعمرين وتوفي بالمدائن في خلافة عثمان وقيل مات سنة ثنتين وثلاثين. صهيب بن سنان بن مالك ويقال خالد بن عبد عمرو بن عقيل ويقال طفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن زيد مناة بن النمر بن قاسط النمري أبو يحيى وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم وهو الرومي قيل له ذلك لأن الروم سبوه صغيرا قال بن سعد وكان أبوه وعمه على الأبلة من جهة كسرى وكانت منازلهم ... " الإصابة " ( 3 / 449 ) . قال ابن تغري بردي : وفيها توفي صهيب بن سنان بن مالك الرومي سبَته الروم فجلب إلى مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي وقيل بل هرب من الروم فقدم مكة وحالف ابن جدعان وكان صهيب من السابقين الأولين شهد بدرا والمشاهد كلها روى عنه أولاده حبيب وزياد وحمزة وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وكعب الأحبار وكنيته أبو يحيى توفي بالمدينة في شوال ونشأ صهيب بالروم فبقيت فيه عجمة . " النجوم الزاهرة " ( 1 / 117 ) . قال ابن عدي : ومنهم صهيب بن سنان الرومي ، ولم يكن روميا وإنما نسب إليهم لأنهم سبوه وباعوه وقيل لأنه كان أحمر اللون وهو من نمر بن قاسط كناه رسول الله أبا يحيى قبل أن يولد له . " الكامل " ( 1 / 590 ) . توفي في شوال سنة 38 هـ والله الهادي وهذه فائدة جديدة وهي : تصريح صهيب الرومي بنسبه ، والرد على عمر بن الخطاب الذي ظن أنه ليس من العرب ! عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لصهيب رضي الله عنهما لولا ثلاث خصال فيك لم يكن بك بأس ، قال : وما هن فوالله ما نراك تعيب شيئا ؟ قال : اكتناؤك بأبي يحيى وليس لك ولد . وادعاؤك إلى النمر بن قاسط وأنت رجل ألكن وأنك لا تمسك المال قال : أما اكتنائي بأبي يحيى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بها فلا أدعها حتى ألقاه . وأما ادعائي إلى النمر بن قاسط فإني امرؤ منهم ولكن استرضع لي بالأيلة فهذه اللكنة من ذاك وأما المال فهل تراني أنفق إلا في حق رواه أحمد ( 18463 ) وصححه شيخنا الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 44 ) . وفيه نزل قال الله تعالى:" ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد". نزلت هذه الآية الكريمة في صهيب الرومي رضي الله عنه، حينما تخلى للمشركين في مكة عن كل مايملك مقابل أن يخلون سبيله ليلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، احتجزوه ومنعوه من الهجرة وقال قائلهم ياصهيب جئتنا صعلوكاً لاتملك شيئاً، وأنت اليوم ذو مال كثير! - يساومونه- فقال لهم رضي الله عنه: أرأيتم إن دللتكم على مالي هل تخلون سبيلي؟ قالوا : نعم . فدلهم على ماله بمكة ثم انطلق مهاجراً في سبيل الله لايلوي علىشيء تاركاً كل مايملك خلف ظهره وهاجرا إلى الله ورسوله ، فلما وصل المدينة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له عليه الصلاة والسلام مهنيئاً له على حسن صنيعه: "ربح البيع أبا يحيى ربح البيع " فلله در صهيب شرى نفسه طلباً لرضوان الله تعالى. هكذا تكون التضحية وإلا فلا ! هذا صهيب وهذا فعله الذي غدا قرآناً يتلى إلى يوم القيامة -------------------------------------------------------------------------------- بلال بن رباح هو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخازنه على بيت ماله، أبو عبد الله. كان أبوه من سبي الحبشة، وأمه (حمامة) سبية أيضا. اشتراه أمية بن خلف الجمحي، وكان يعذبه بحر الرمضاء بعد إسلامه، فاشتراه منه أبو بكر وأعتقه. كان من السبعة الأوائل الذين أظهروا الإسلام، لما شرع الأذان بالمدينة كان هو الذي يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يتناوب الأذان مع ابن أم مكتوم كان ندي الصوت فصيحا. أذن يوم فتح مكه على ظهر الكعبة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. ولما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الأذان، شهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج إلى الشام مجاهدا، ولما قدم عمر بن الخطاب إلى الشام أذن بين يديه لصلاة الظهر فانتحب الناس بالبكاء ،توفي في دمشق وقيل في حلب . - مولى أبي بكر الصديق . - وهو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم . - من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله . - شهد بدراً ، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم على التعيين بالجنة . - عاش بضعاً وستين سنة . - يقال : إنه حبشي ، وقيل : من مولدي الحجاز. - وفي وفاته أقوال : أحدها بداريّا ، في سنة عشرين . - عن زر عن عبد الله : أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر ، وعمّار ، وأمه سمية ، وبلال ، وصهيب ، والمقداد ، فأما النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فمنعهما الله بقومهما ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون ، فألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فما منهم من أحد إلا واتاهم على ما أرادوا إلا بلال ، فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الولدان ، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول أحدٌ أحد. - عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لبلال عند صلاة الصبح: ( حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ، فإني قد سمعت الليلة خشفة نعليك بين يديّ في الجنة ) ، قال: ما عملت عملاً أرجى من أني لم أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت لربي ما كُتب لي أن أصلي . - عن جابر قال عمر : أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً سيدنا. - عن قيس قال: اشترى أبو بكر بلالاً ، وهو مدفون في الحجارة ، بخمس أواق ذهباً ، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناكه ، قال: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته. - عن سعد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون : اطرد هؤلاء عنك فلا يجترؤون علينا ، وكنت أنا وابن مسعود وبلال ورجل من هذيل وآخران ، فأنزل الله ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم) الآيتين ( الأنعام 53،52) . - قالت عائشة : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال ، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول: كل امريءٍ مُصبح في أهله .............. والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعـري هل أبيتن ليلة .................. بواد وحولي إذخر وجليل وهـل أرِدن يومـاً مياه مجنـة ................. وهل يبدون لي شامة وطفيل اللهم العن عتبة ، وشيبة ، وأمية بن خلف ، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء . - عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اشتاقت الجنة إلى ثلاثة: علي وعمّار وبلال) . - عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : قدمنا الشام مع عمر ، فأذن بلال ، فذكر الناس النبي صلى الله عليه وسلم فلم أر يوماً أكثر باكياً منه. - عن أبي الدرداء قال: لما دخل عمر الشام سأل بلال أن يُقره به ، ففعل ، قال: وأخي أبو رُويحة الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينه ، فنزل بداريا في خولان فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان ، فقالوا : إنا قد أتيناكم خاطبين ، وقد كنا كافرين فهدانا الله ، ومملوكين فأعتقنا الله ، وفقيرين فأغنانا الله ، فإن تُزوجونا فالحمد لله ، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله ، فزوجهما. - عن يحيى بن سعيد قال: ذكر عمر فضل أبى بكر ، فجعل يصف مناقبه ، ثم قال: وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته. - قال سعيد بن عبد العزيز : لما احتضر بلال قال : غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه، قال: تقول امرأته: واويلاه ! فقال: وافرحاه! عمار بن ياسر ( 57 ق هـ - 37 هـ / 567 - 657 م ) عمّار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي العنسي , أبو اليقظان صحابي , من الولاة الشجعان ذوي الرأي . وهو أحد السابقين الى الاسلام والجهر به . خرج ياسر بن عامر، والد (عمار) من بلده في اليمن يطلب أخا له، ويبحث عنه.. وفي مكة طاب له المقام، فاستوطنها محالفا أبا حذيفة بن المغيرة.. وزوجه ابو حذيفة احدى امائه (سمية بنت خياط).. ومن هذا الزواج المبارك رزق الله الابوين (عمارا).. وكان اسلامهم مبكرا.. شأن الابرار الذين هداهم الله.. وشأن الابرار المبكرين ايضا، اخذوا نصيبهم الاوفى من عذاب قريش واهوالها.. ووكل امر تعذيبهم الى بني مخزوم، يخرجون بهم جميعا.. ياسر وسمية وعمار كل يوم الى رمضاء مكة الملتهبة، ويصبون عليهم من حميم العذاب ألوانا وفنونا. بشارة الرسول عليه السلام لآل ياسر بالجنة أخبرنا مسلم عن إبراهيم قال أخبرنا هشام الدستوائي قال حدثنا أبو الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مر بآل عمار وهم يعذبون فقال لهم : أبشروا آل عمار فإن موعدكم الجنة. رواه ابن سعد . هاجر الى المدينة , وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان . كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقبه ( الطيب المطيّب ) . وفي الحديث ماخير عمار بين أمرين الا اختار أرشدهما . عن الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه.رواه النسائي وعن عطاء بن يسار عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما.رواه الترمذي حدثنا خالد عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولعلي بن عبد الله ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يسقيانه فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس فقال كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار وقال ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار.رواه ولاّه عمر بن الخطاب الكوفة فأقام بها زمنا وعزل عنها شهد الجمل وصفين مع علي وقتل في معركة صفين وعمره ثلاثة وتسعون عاما . له اثنان وستون حديثاً . حذيفة بن اليمان ( رضوان الله عليه ) حذيفة بن اليَمان بن جابر العبسي وكنيته أبا عبد الله وكان صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، جاء حذيفة هو وأخـوه ووالدهمـا الى رسـول الله واعتنقوا الإسلام ولقد نما -رضي الله عنه- في ظل هذا الديـن ، وكانت له موهبـة في قراءة الوجوه و السرائر ، فعاش مفتوح البصر والبصيرة على مآتي الفتن ومسالك الشرور ليتقيها ، فقد جاء الى الرسول يسأله ( يا رسول الله ان لي لسانا ذربا على أهلي وأخشى أن يدخلني النار )000فقال له النبي ( فأين أنت من الاستغفار ؟؟000اني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة )000هذا هو حذيفة -رضي الله عنه-000 لم يشهد بدراً ، وشهد اُحداً وما بعدها من المشاهد ، وكان أحد الذين ثبتوا على العقيدة . ويوم غزوة أحد كان في ايمانه -رضي الله عنه- وولائه قويا ، فها هو يرى والده يقتل خطأ يوم أحد بأيدي مسلمة ، فقد رأى السيوف تنوشه فصاح بضاربيه ( أبي ، أبي ، انه أبي !!)000ولكن أمر الله قد نفذ ، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن والوجوم ، لكنه نظر اليهم اشفاقا وقال ( يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين )000ثم انطلق بسيفه يؤدي واجبه في المعركة الدائرة000وبعد انتهاء المعركة علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك ، فأمر بالدية عن والد حذيفة ( حسيل بن جابر ) ولكن تصدق بها حذيفة على المسلمين ، فزداد الرسول له حبا وتقديرا عندما دب الفشل في صفوف المشركين وحلفائهم واختلف أمرهم وفرق الله جماعتهم ، دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان ، وكان الطقس باردا والقوم يعانون من الخوف والجوع ، وقال له ( يا حذيفة ، اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا !)000فذهب ودخل في القوم ، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لاتقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء ، فقام أبوسفيان فقال ( يا معشر قريش ، لينظر امرؤ من جليسه ؟)000قال حذيفة ( فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت : من أنت ؟00قال : فلان بن فلان )000فأمن نفسه في المعسكر ، ثم قال أبو سفيان ( يا معشر قريش ، انكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنوقريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل)000ثم نهض فوق جمله، وبدأ المسير، يقول حذيفة ( لولا عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الي الا تحدث شيئا حتى تأتيني ، لقتلته بسهم )000وعاد حذيفة الى الرسول الكريم حاملا له البشرى000 خوفه من الشر كان حذيفة -رضي الله عنه- يرى أن الخير واضح في الحياة ، ولكن الشر هو المخفي ، لذا فهو يقول (000 كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني000 قلت ( يا رسول الله ، انا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟)000قال ( نعم )000 قلت ( فهل من بعد هذا الشر من خير ؟)000قال ( نعم ، وفيه دخن )000 قلت ( وما دخنه ؟)000قال ( قوم يستنون بغير سنتي ، ويهتدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر )000 قلت ( وهل بعد ذلك الخير من شر ؟)000قال ( نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم اليها قذفوه فيها )000 قلت ( يا رسول الله ، فما تأمرني ان أدركني ذلك ؟)000قال ( تلزم جماعة المسلمين وامامهم )000 قلت ( فان لم يكن لهم جماعة ولا امام ؟)000قال ( تعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )000 المنافقون كان حذيفة -رضي الله عنه- يعلم أسماء المنافقين ، أعلمه بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وسأله عمر ( أفي عمّالي أحدٌ من المنافقين ؟)000قال ( نعم ، واحد )000قال ( مَن هو ؟)000قال ( لا أذكره )000قال حذيفة ( فعزله كأنّما دُلَّ عليه )000 وكان عمر إذا مات ميّت يسأل عن حذيفة ، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر ، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر000 آخر ما سمع من الرسول عن حذيفة قال ( أتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي توفاه الله فيه ، فقلت ( يا رسول الله ، كيف أصبحت بأبي أنت وأمي ؟!)000فردَّ عليّ بما شاء الله ثم قال ( يا حذيفة أدْنُ منّي )000فدنوتُ من تلقاء وجههِ ، قال ( يا حُذيفة إنّه من ختم الله به بصومِ يومٍ ، أرادَ به الله تعالى أدْخَلَهُ الله الجنة ، ومن أطعم جائعاً أراد به الله ، أدخله الله الجنة ، ومن كسا عارياً أراد به الله ، أدخله الله الجنة )000قلتُ ( يا رسول الله ، أسرّ هذا الحديث أم أعلنه )000قال ( بلْ أعلنْهُ )000فهذا آخر شيءٍ سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)000 أهل المدائن خرج أهل المدائن لاستقبال الوالي الذي اختاره عمر -رضي الله عنه- لهم ، فأبصروا أمامهم رجلا يركب حماره على ظهره اكاف قديم ، وأمسك بيديه رغيفا وملحا ، وهويأكل ويمضغ ، وكاد يطير صوابهم عندما علموا أنه الوالي -حذيفة بن اليمان- المنتظر ، ففي بلاد فارس لم يعهدوا الولاة كذلك ، وحين رآهم حذيفة يحدقون به قال لهم ( اياكم ومواقف الفتن )000قالوا ( وما مواقف الفتن يا أبا عبدالله ؟)000 قال ( أبواب الأمراء ، يدخل أحدكم على الأمير أو الوالي ، فيصدقه بالكذب ، ويمتدحه بما ليس فيه )000فكانت هذه البداية أصدق تعبير عن شخصية الحاكم الجديد ، ومنهجه في الولاية معركة نهاوند في معركة نهاوند حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفا ، اختار أمير المؤمنين عمر لقيادة الجيوش المسلمة ( النعمان بن مقرن ) ثم كتب الى حذيفة أن يسير اليه على رأس جيش من الكوفة ، وأرسل عمر للمقاتلين كتابه يقول ( اذا اجتمع المسلمون ، فليكن كل أمير على جيشه ، وليكن أمير الجيوش جميعا ( النعمان بن مقرن ) ، فاذا استشهد النعمان فليأخذ الراية حذيفة ، فاذا استشهد فجرير بن عبدالله )000وهكذا استمر يختار قواد المعركة حتى سمى منهم سبعة000 والتقى الجيشان ونشب قتال قوي ، وسقط القائد النعمان شهيدا ، وقبل أن تسقط الراية كان القائد الجديد حذيفة يرفعها عاليا وأوصى بألا يذاع نبأ استشهاد النعمان حتى تنجلي المعركة ، ودعا ( نعيم بن مقرن ) فجعله مكان أخيه ( النعمان ) تكريما له ، ثم هجم على الفرس صائحا ( الله أكبر : صدق وعده ، الله أكبر : نصر جنده )000ثم نادى المسلمين قائلا ( يا أتباع محمد ، هاهي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم ، فلا تطيلوا عليها الانتظار )000وانتهى القتال بهزيمة ساحقة للفرس000 وكان فتح همدان والريّ والدينور على يده ، وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين ، وتزوّج فيها000 اختياره للكوفة أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغا ، فكتب عمر لسعد بن أبي وقاص كي يغادرها فورا بعد أن يجد مكانا ملائما للمسلمين ، فوكل أمر اختيار المكان لحذيفة بن اليمان ومعه سلمان بن زياد ، فلما بلغا أرض الكوفة وكانت حصباء جرداء مرملة ، قال حذيفة لصاحبه ( هنا المنزل ان شاء الله )0 وهكذا خططت الكوفة وتحولت الى مدينة عامرة ، وشفي سقيم المسلمين وقوي ضعيفهم 000 فضله قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( ما من نبي قبلي إلا قد أعطيَ سبعة نُجباء رفقاء ، وأعطيتُ أنا أربعة عشر : سبعة من قريش : عليّ والحسن والحسين وحمزة وجعفر ، وأبو بكر وعمر ، وسبعة من المهاجرين : عبد الله ابن مسعود ، وسلمان وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال )000 رضوان الله عليهم000 قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( استخلفتَ )000فقال ( إنّي إنْ استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم ، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة فصدِّقوه ، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه )000 قال عمر بن الخطاب لأصحابه ( تمنّوا )000فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا فيه مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل الله ، فقال عمر ( لكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان ، فأستعملهم في طاعة الله عزّ وجلّ )000ثم بعث بمال إلى أبي عبيدة وقال ( انظر ما يصنع )000فقسَمَهُ ، ثم بعث بمالٍ إلى حذيفة وقال ( انظر ما يصنع )000فقَسَمه ، فقال عمر ( قد قُلتُ لكم )000 من أقواله لحذيفة بن اليمان أقوالاً بليغة كثيرة ، فقد كان واسع الذكاء والخبرة ، وكان يقول للمسلمين ( ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة ، ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا ، ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه )000 يقول حذيفة ( أنا أعلم النّاس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة ، وما بي أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسرَّ إليَّ شيئاً لم يحدِّث به غيري ، وكان ذكر الفتنَ في مجلس أنا فيه ، فذكر ثلاثاً لا يذَرْنّ شيئاً ، فما بقي من أهل ذلك المجلس غيري )000 كان -رضي الله عنه- يقول ( ان الله تعالى بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم-فدعا الناس من الضلالة الى الهدى ، ومن الكفر الى الايمان ، فاستجاب له من استجاب ، فحيى بالحق من كان ميتا ، ومات بالباطل من كان حيا ، ثم ذهبت النبوة وجاءت الخلافة على منهاجها ، ثم يكون ملكا عضوضا ، فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه ، أولئك استجابوا للحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه ، كافا يده ، فهذا ترك شعبة من الحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ، كافا يده ولسانه ، فهذا ترك شعبتين من الحق ، ومنهم من لاينكر بقلبه ولا بيده ولا بلسانه ، فذلك ميت الأحياء )000 ويتحدث عن القلوب والهدى والضلالة فيقول ( القلوب أربعة : قلب أغلف ، فذلك قلب كافر000وقلب مصفح ، فذلك قلب المنافق 000وقلب أجرد ، فيه سراج يزهر ، فذلك قلب المؤمن000وقلب فيه نفاق و ايمان ، فمثل الايمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب000ومثل المنافق كمثل القرحة يمدها قيح ودم ، فأيهما غلب غلب )000 مقتل عثمان كان حذيفة -رضي الله عنه- يقول ( اللهم إنّي أبرأ إليك من دم عثمان ، والله ما شهدتُ ولا قتلتُ ولا مالأتُ على قتله )000 وفاته لمّا نزل بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً وبكى بكاءً كثيراً ، فقيل ( ما يبكيك ؟)00فقال ( ما أبكي أسفاً على الدنيا ، بل الموت أحب إليّ ، ولكنّي لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ )000 ودخل عليه بعض أصحابه ، فسألهم ( أجئتم معكم بأكفان ؟)000قالوا ( نعم )000قال ( أرونيها )000فوجدها جديدة فارهة ، فابتسم وقال لهم ( ما هذا لي بكفن ، انما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص ، فاني لن أترك في القبر الا قليلا ، حتى أبدل خيرا منهما ، أو شرا منهما )000ثم تمتم بكلمات ( مرحبا بالموت ، حبيب جاء على شوق ، لا أفلح من ندم )000وأسلم الروح الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائن ، وبعد مَقْتلِ عثمان بأربعين ليلة000 ابو هريرة اكثر من روى الحديث عن رسول الله انه احد اعلام الصحابة الرواة الذين اسهموا في حفظ الشريعة ونشرها بين المسلمين كان اكثر من روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه ثمانمائة مسلم بين صحابي وتابع. اسمه عبدالرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم ينتهي نسبه الى الازو اعظم واشهر قبائل العرب كان اسمه في الجاهلية عبد شمس فلما اعتنق الاسلام سماه الرسول عليه الصلاة والسلام عبدالرحمن اشتهر بكنيته (ابو هريرة) حتى غلبت على اسمه فكاد ينسى. سئل ابوهريرة لماذا؟ كنيت بذلك قال ابو هريرة لاني وجدت هرة فحملتها في كمي فقيل لي ابوهريرة ولد ابو هريرة في اليمن ونشأ فيها يرعى الغنم لاهله ويخدمهم وقد توفي والده وهو صغير فنشأ يتيماً وقاسى شظف العيش حتى مَنّ الله عليه بالاسلام على يد الطفيل بن عمرو . فهاجر الى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه اربع سنوات في حله وترحاله. عريف اهل الصفة: كان يدخل بيت النبي ويحضر مجالسه وقد اتخذ الصفة مقاما وجعله النبي عريف اهل الصفة. اذا اراد ان يجمعهم لطعام يطلب من ابي هريرة ان يجمعهم لانه اعرف بهم وبمنازلهم. وكان ابوهريرة يحب النبي حبا شديدا حدث ان رفع الرسول الدرة ليضرب بها اباهريرة فقال ابو هريرة لان يضربني بها احب اليّ من حمر النعم. وكان ابو هريرة يقتدي بالنبي في كل اعماله ويحذر الناس من الانغماس في ملاذ الدنيا وشهواتها. لا يفرق في ذلك بين غني وفقير أو بين حاكم ومحكوم. يرشد الناس الى الحق والصواب. مر ذات يوم بقوم يتوضأون فقال لهم اسبغوا الوضوء فاني سمعت ابا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل للاعقاب من النار». ومما يقوله ابو هريرة : «ان اهل الصفة هم ضيوف الرحمن لا اهل لهم ولا مال. اذا اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسلها اليهم ولم يصب منها شيئا واذا جاءته هدية اصاب منها واشركهم فيها. يقول امام التابعين سعيد بن المسيب: رأيت ابا هريرة يطوف بالسوق. ثم يأتي اهله فيقول: هل عندكم من شئ؟ فان قالوا: لا قال: اني صائم. كان زاهدا في الدنيا ويكتفي من الطعام بسد رمقه - فقد صبر على الفقر طويلا. حتى رزقه الله مالا وفيرا- وكان دائما يذكر ايام فقره ويدعو الناس الى الصبر والشكر ومر ابو هريرة ذات يوم بقوم يذبحون شاة. فدعوه الى تناول الطعام معهم فأبى وقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير قط. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث ابا هريرة مع العلاء الحضرمي الى البحرين لينشرا الاسلام فيها ويفقها الناس في امور دينهم فأنجزا هذه المهمة خير انجاز. ولما تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة جعل ابا هريرة عاملاً على البحرين وقد عينه معاوية بن ابي سفيان واليا على المدينة فترة من الزمن وكان يقول له: نعم الامير انت يا ابا هريرة. فقد كان وهو امير المدينة يمر في السوق حاملا الحطب عل ظهره حتى ان احد المسلمين عرض عليه ان يحمل عنه الحطب فرفض وقال لست افضل من احد فيكم. الصحيفة الصحيحة: كان ابو هريرة يحفظ ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ظهر قلب. كما كان يدعو الناس الى حفظ القرآن الكريم واحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد حفظ التاريخ وثيقة علمية قيمة تضمنت ما املاه ابو هريرة على تلميذه همام بن منبه احد اعلام التابعين التقاة الذين التفوا حول الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه وهذه الوثيقة اطلق عليها (الصحيفة الصحيحة) وقد نقلها الامام احمد بتمامها في مسنده كما نقل الامام البخاري عددا كبيرا من احاديثها في صحيحه. وقد قال ابو هريرة رضي الله عنه عن نفسه «ما من احد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم احفظ لحديثه مني- اللهم إلا عبدالله بن عمر فإنه كان يكتب اما انا فأسمع واحفظ ولا اكتب». معاذ بن جبل رضي الله عنه ( أعلمهم بالحلال و الحرام ) معاذ بن جبل رضي الله عنه " وأَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل000 " حديث شريف معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري000وكنيته أبو عبدالرحمن000أسلم وعمره ثماني عشرة سنـة عندما أسلم سعد بن معاذ -رضي الله عنه - سيد الخزرج الذي طلب من قومه أن يسلمـوا فأسلم الخزرج ومعهم معاذ -رضي اللـه عنه-000وقدم من المدينةالى مكة لمبايعة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ليلـة العقبـة الثانية فبايعه معهم وحضر المشاهـد كلها وروى عن النبـي -صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير من الأحاديث النبوية000 قربه من الرسول لزم معاذ بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة000فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه000وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( استقرئـوا القرآن من أربعـة ( من ابن مسعـود000وسالم مولى أبي حذيفـة000وأبي000ومعاذ بن جبل )000 وقوله - صلى الله عليه وسلم- ( وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل)000 قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( يا مُعاذ ، والله إني لأُحِبّك فلا تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة : اللهم أعِنّي على ذِكْرك وشكرك وحُسْن عبادتك )000ولقد حَـذِق معاذ الدرس وأجاد التطبيـق000فقد لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله ( كيف أصبحت يا معاذ ؟)000قال ( أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله )000قال النبي ( إن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟)000قال معاذ ( ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي ، ولا أمْسَيت مساء إلا ظننت أني لا أُصْبح ، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتْبِعُها غيرها ، وكأني أنظر الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابها ، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون ، وأهل النار في النار يُعَذّبون )000فقال له الرسول ( عرفتَ فالزم)000 ارساله الى اليمن وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ مع رسل ملوك اليمن يعلم الناس دينهم وأوصاه بأمور عدة000 فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- ( بما تحكم يا معاذ ؟)000قال معاذ ( بكتاب الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- (فان لم تجد ؟)000قال معاذ( بسنة رسول الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( فان لم تجد ؟)000قال معاذ ( أجتهد رأي ولا آلو )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله )000 فضله لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه ( لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر )000 ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال ( إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً للـهِ حَنيفـاً ، ولقد كنّـا نُشَبِّـه معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام )000 دخل ( عائذ الله بن عبد الله ) المسجد يوما مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول خلافة عمر فيحدثنا ويقول ( فجلست مجلسا فيه بضعٌ وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وفي الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء ، وهو أشَبُّ القوم سِنّا ، فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم ، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه ، ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه ( من أنت يا عبد الله ؟)000قال ( أنا معاذ بن جبل )000 ويقول ( أبو مسلم الخولاني ) (دخلت مسجد حمص فإذا جماعة من الكهول يتوسّطهم شاب برّاق الثنايا صامت لا يتكلم ، فإذا امْتَرَى القوم في شيء تَوَجَّهوا إليه يسألونه ، فقلت لجليس لي ( من هذا ؟)000 قال ( مُعاذ بن جبل )000فوقع في نفسي حُبُّه )000 كما قال ( شهر بن حَوْشَب ) ( كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل ، نظروا إليه هيبة له )000 حُبّ العلم كان معاذا -رضي الله عنه- دائب الدعوة الى العلم والى ذكر الله ، فقد كان يقول ( احذروا زيْغ الحكيم ، واعرفوا الحق بالحق ، فإن للحق نوراً )000وكان يرى العبادة قصداُ وعدلا ، قال له يوما أحد المسلمين ( علّمني )000فسأله معاذ ( وهل أنت مطيعي إذا علمتك ؟)000قال الرجل ( إني على طاعتك لحريص )000فقال له معاذ ( صُمْ وأفْطِر ، وصَلِّ ونَمْ ، واكْتَسِب ولا تأثَمْ ، ولا تموتنَّ إلا مُسْلِما ، وإياك ودَعْوَة المظلوم )000وكان يرى العلم معرفة وعملا فيقول ( تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا ، فلن ينفعـكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا )000وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس ، يقول الأسود بن هلال ( كُنّا نمشي مع مُعاذ ، فقال لنا اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة )000 طهارته مات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل في اليمن ، وفي خلافة أبي بكر رجِع معاذ الى اليمن ، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ أن معاذاً أثرى فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله ، ولم ينتظر عمر بل نهض مسرعا الى معاذ وأخبره ، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة ، ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه ، وتركه عمر وانصرف ، وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول ( لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء ، أخشى على نفسي الغرق ، حتى جئت فخلصتني يا عمر )000وذهبا معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر ( لا آخذ منك شيئاً )000فنظر عمر الى معاذ وقال له ( الآن حَلَّ وطاب )000فما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا ، لو علم أنه أخذه بغير حق000 أمانته وورعه كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام000وعاد الى زوجـه بحلسه (ما يوضع على ظهر الدابة) الذي خرج به فقاـلت له امرأته ( أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم ؟)000فقال معاذ ( لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي )000فقالت امرأته ( لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك )000وشاعت ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر000فأرسل الى معاذ وسأله أنا أرسلت معك رقيبا)000فقال ( يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذا000وقصدت بالرقيب الله عزوجل )000فأعطاه عمر شيئا وقال ( أرضها به)000 معلما ثم واليا للشام وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- أرسل اليه واليه على الشام يقول ( يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم)000فأرسل اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه-000فلما مات أمير الشام ( أبو عبيدة ) استخلفه أمير المؤمنين على الشام ، ولم يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا ، وكان عمر بن الخطاب يقول ( لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي لماذا استخلفته ؟000لقلت : سمعت نبيك يقول : إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين أيديهم )000وهذا رأيه على خلافة المسلمين جميعا 000 طاعون عمواس أصيب معاذ -رضي الله عنه- بالطاعون ، فلما حضرته الوفاة قال ( مرحبا بالموت مرحبا ، زائر بعد غياب وحبيب وفد على شوق )000ثم جعل ينظر الى السماء ويقول ( اللهم إني كنتُ أخافك ، لكنني اليوم أرجوك ، اللهم انك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار ، وجري الأنهار ، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر ، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة )000ثم فاضت روحه بعيدا عن الأهل داعيا الى الله مهاجرا في سبيله000وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثلاث وثلاثون سنة000 المقداد بن عمرو وأقبل الشيخ أبو معبد .. وهو يحمل لأصحابه حديث (بدر) ، وبدأ حديثه بصوته الهادئ الرزين، وأسلوبه الجميل الجذاب ، يشد المستمعين إليه، قال : أيها المسلمون: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها وبهذه الفقرة القصيرة ، استنفر رسول الله الناس على أبي سفيبان - زعيم المشركين - وهو عائد بتجارته من الشام فقد كفى ما عاناه المسلمون من قريش، وعنتها وبغيها وظلمها ولماذا يبقى المسلمون في تلكؤ، وقد أصبحت من القوة بما يمكنها من مقابلة المشركين، بعد أن ذاقوا منهم الويلات واضطروا إلى هجر مكة، والإقامة بالمدينة والرسول عليه الصلاة و السلام لم يقم يعمل سلبي تجاه قريش وأحقادها - طيلة هذه المدة - إلا لأنه لم يلمس في أصحابه العدة والعدد لمقابلة القوم فكان موقف الدفاع. أما وقد رأى فيهم بعض الإمكانية، فلماذا لا يحرك النفوس، ويمرنهم للهجوم وكانت خير مناسبة هي اعتراض قافلة أبي سفيان، وهي بتجارة قريش بؤوب من الشام، اشترك فيها أهل مكة جميعهم بحيث لم يبق رجل ولا امرأة استطاعوا أن يسهموا في هذه القافلة إلا فعلوا، حتى قدرت بخسين ألف دينار ولهذا فقد خف الكثير من المسلمين عند أمر النبي لهم بنهب القافلة كما تثاقل جماعة عن الخروج تحسباً للمشاكل التي تستتبعها يا أبا الحارث : اسمعت نداء الرسول، وهو أنت ملبيه ؟ نعم يا أبا معبد جزاك الله خيراً يا أبا الحاريث وكان المقداد بن عمرو البهراني، أو المقداد بن الأسود، أبو عبد الله، يهمه كثيراً أمر صاحبه أبي الحارث بن عتبة غزوان، فقد كانا مسلمين يتكتمان بإسلامهما في مكة، ولم يتمكنا من التظاهر في الهجرة مع المهاجرين، وبقيا ينتظران الفرصة المناسبة وأعلن المشركون أن جيشاً بقيادة( عكرمة بن أبي جهل ) يتوجه لغزو محمد، وفي عشية اليوم يزحف القوم.. وقصد عتبة صاحبه المقداد يا أبا معبد، مناسبة رائعة لو نخرج معهم، وعندما نصل إلى جيش المسلمين ننحاز لهم نعم الرأي ما تقول.. وانظما إلى الجيش الزاحف وبلغ رسول الله نبأ هذا الزحف، فأرسل سرية من السملمين يتراوح عددها بين الستين، والثمانين نفر وكلهم من المهاجرين وليس فيهم من الأنصار أحد، وأمر عليهم عبيد بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وسار المسلمون حتى بلغوا ماء في (اسفل ثنية المرة)، ولم تقع بينهما حرب إذ انتهت باتفاق، وانصرف المشركون عائدين إلى مكة وكانت اللحظة الحاسمة بالنسبة للمقداد وعتبة، فلم يكد ينشغل جيش العدو بامر عودته، حتى فر المقداد وصاحبه إلى المسلمين واستقبلهما المسلمون بكل ترحاب، وعند عودتهم إلى المدينة رحب الرسول بالمقداد فقد كان من أصحابه الأوائل واستمر المقداد بصلته، فلم يكن جديد عهد بالإسلام فهو سابع رجل آمن بالدعوة، وكان يروي الرسول أن الله أمر بحب أربعة: علي وسلمان وأبي ذر والمقداد ، ولهذا عندما وصل إلى المدينة ، كان أحد المقربين إلى رسول الله، والملازمين له وكان المقداد من المتحمسين - بعد أن وصل الى المدينة - لنهب قافلة قريش، وخاصة أن الرسول (عليه الصلاة و السلام) يريد ذلك.. ولم يخف على أبي سفيان، وهو في طريقه إلى مكة، أن رسول الله استنصر أصحابه على قافلته، فأرسل رسولاً عاجلاً إلى قريش يوقفهم على النبأ، وعلمه كيف يثيرهم ودخل رسول الله مكة، وقد قطع أذني بعيره، وجدع أنفه وحول رحله، ووقف هو عليه، وقد شق قميصه من قُبل ودُبر وهو يصيح يا معشر قريش! اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان وقد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى تدركوها. الغوث الغوث وهز هذا الصياح أرجاء مكة، ووقف الناس كلهم على أهبة الاستعداد، لا بغضاً بمحمد، ولا حباً لأبي سفيان، إنما لكل منهم نصيب في هذه العير وهذا لم يمنع أبا جهل، وعقبة بن أبي معيط أن يأتيا إلى المسجد وبيد عقبة مجمرة فيها بخور، وبيد ابي جهل مكحلة ومرودن وهما يتنقلان بين المتقاعسين من الخروج لنصرة عير ابي سفيان، يقولان للجالسين استجمر فإنما أنت من النساء، أو اكتحل فإنما أنت امرأة وتحشدت قريش استعداداً للزحف، ودار في كل بيت حديث لهم. إنها المرة الأولى، فلوتم لمحمد ما أراد لم تبق لقريش مهابة بعدها إن قريش وغير قريش من الذين ضاقوا ذرعاً بهذه الدعوة الفتية، كانوا يخشون هذا اليوم، الذي كانوا يحسبون له كل الحساب فهذا محمد الذي تحدثوا عن دعوته كلما جان على لسانهم من بذيء القول وخشن الكلام، وصبوا على اتباعه وأصحابه كل ما في طاقتهم من التعذيب، والتعسف، وإذا بالأيام تدور، وتصبح له القابلية على مقابلتها، ويعتزم مهاجمة عيرها وتصل أخبار قريش إلى الرسول تباعاً، وهو بالمدينة يتأهب للخروج، ويجمع أصحابه في رحبة المسجد، ليخبرهم بتصميمه على الغزو، ويطلب رأي المهاجرين، وإذا ضعفُت نفوس وتخوفت أخرى بعد ان بلغهم أن قريشاً زحفت بصناديدها وقف المقداد وسط الجمع وبكل جرأة يقول: يا رسول الله، إمض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون }، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجادنا معك، وقاتلنا من بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك فقال له رسول الله(صلى الله عليه وسلم): خيراً ودعا له، وأشرق وجهه وسرة، وأعجبه قال ابن مسعود : تمنيت هذا الموقف من المقداد أن يكون لي هو أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم التفت النبي للأنصار، وقال: أشيروا علي أيها الناس قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال النبي : أجل قال : فقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضٍ يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لُصبر في الحرب، صُدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله ، وما أن أتم سعد كلامه حتى هللت امرأة من الطرف الآخر وهي تقول: مرحباً بك يا سيدنا لا فض الله فاك والتفت القوم كلهم إليها، وبدت عليهم الفرحة، هذه هي النساء والرجال تشد أزر رسولها في عزيمته، والبشر تطفح على وجوههم، والإيمان يقوى نفوسهم، ويدور همس بين القوم من المستبشرة؟ إنها (أم عمارة) يا رسول الله، ومعها لمة من نساء الأنصار يعرضن أنفسهن للنصرة جزاهن الله خيراً فليرجعن إلى أخبيتهن، ففي الرجال الكفاية. لقد اندفع أصحاب النبي إلى الاستعداد، فقد بلغ الأمر أن يتنازع الأب والابن على الخروج، يقول القائلون: تنازع سعد بن خيثمة مع أبيه ايهما يبقى مع النساء، فقال سعد لأبيه : إنه لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لارجو الشهادة في وجهي هذا، فقال خيثمة: آثرني وقر مع نسائك، فأبى سعد، فقال خيثمة: إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم، فأسهما، فخرج سهم سعد، فقتل ببدر ويتحدث المتحدثون - أيضاً - : أن عمير بن أبي وقاص كان صغيراً، فأخذ يتوارى عندما استعرض رسول الله أصحابه فقيل له: لماذا تعمل هكذا يا عمير؟ فقال: أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني، فيردني، وأنا احب الخروج، لعل الله يرزقني الشهادة، فعرض على رسول الله فاستصغره فقال له: ارجع، فبكى عمير، فأجازه. وكان يقصر له حمائل سيفه لصغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشر سنة. وأعلن رسول الله ساعة الرحيل في صباح لم تشرق فيه الشمس بعد من أيام رمضان في السنة الثانية للهجرة، وعددهم لم يتجاوز الثلاثمائة وخمسة أشخاص. قد ملكوا من الإبل سبعين بعيراً، وكانوا يتعاقبونها، حتى رسول الله، فقد أردف خلفه علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وذكر أن المقداد كان فارساً وكانت راية المهاجرين بيد علي بن أبي طالب، وراية الأنصار - من الأوس والخزرج - مع سعد بن معاذ وبعد قليل صاح رسول الله بأعلى صوته: سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم وعلى جانبي الطريق وقفت نساء المهاجرين والأنصار يودعن الركب الراحل بقلوب مفعمة بالإيمان والإجلال، وزغردات تبشر بالنصر والمجد ولم تمضِ أيام حتى تقابل الطرفان يستقبلان الحرب ورفع رسول الله يديه إلى السماء قائلاً (اللهم إنك أنزلت علي الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين وأنت لا تخلف الميعاد، اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تخاذل وتكذب رسولك. الله نصرك الذي وعدتني به). ودارت رحى الحرب سجالاً يجول إمام المسلمين علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب وغيرهما من أبطال المسلمين الأشاوس يكشفون الغبرة عن جه المسلمين، ويجندلون الأبطال من المشركين، وكانوا يكرون على الأعداء وعلي يصيح، وهو يضرب بطلاً من أبطالهم، خذها وأنا ابن أبي طالب، فيجيبه حمزة، وهو يشد على الفارس منهم ويجندله، ويصيح: خذها وأنا ابن عبد المطلب، وهكذا بقية المغاوير وما هي إلا فترة من الزمن حتى وضعت الحرب أوزارها وانتصر المسلمون ولاقى من المشركين حتفه كل من أبي جهل وأمية بن خلف، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وغيرهم من قادة المشركين. وانهزمت قريش هزيمة، حتى نقل عن عبد الله بن عمرو بن أمية قال: أخبرني من انكشف من قريش يومئذ منهزماً وأنه ليقول في نفسه: ما رأيت مثل هذا فر منه إلا النساء. وقال آخر: شهدت مع المشركين بدراً، وإني لأنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني، وكثرة من معنا من الخيل والرجل فانهزمت فيمن انهزمت فلقد رايتني، وإني لأنظر إلى المشركين في كل وجه، وإني لأقول في نفسي ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء... وطوت المعركة أنفاس عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة وأبي جهل، وأمية بن خلف وأمثال هؤلاء الطواغيت ولكن أبا سفيان لم يخمد، وهو رأس الفتنة، وزعيمهم وجن الليل، وقد هدأـ الأنفاس المتعبة من ثقل الحرب وهومت العيون، التي أرهقت من يوم عسير الحركة، دامي الوجه… فخرج رسول الله، ومن خلفه من أصحابه يحرسونه منهم {{علي، والمقداد}}، ووقف على البئر - الذي أمر فطرح به جثث المشركين - وقال {يا أهل القليب، يا عُتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل،ثم أتيى بأسماء بعض من كان منهم في القليب ـ : هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً.. يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني، وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً؟ فقال المسلمون: يا رسول الله، أتنادي قوماً قد أجيفوا قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني وعاد المسلمون إلى المدينة والنصر يرفرف عليهم، ولكن الأيام لم تدع المسلمين في راحة. فقريش لم تنم على ضيم، وبقيت تلاحق النبي كلما ساعدتها ظروفها من غزوة إلى أخرى، والمقداد الذي أخلص لنبيه، وآمن بدعوته، كان لساناً صادقاً له، وسيفاً مخلصاً في وجه أعدائه، لم تمنعه ما منعة عن مصاحبة نبيه في غزواته ولا تقاعس عن نصرته لحظة ما وآخي رسول الله بين المقداد، وبين عبدالله بن رواحة وقيل بينهوبين أبي ذر الغفاري وكان موقفه المشرف يتجلى مع سيدي ومولاي علي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول، فقد وفى له، يخوض غمار الموت دونه، ويدفع عنه الأخطار ما استطاع، وشهد فتح مصر ولم يتخلف عن واجبه الديني، فهو جندي في ساحة الميدان، وموجه في مضمار الدعوة وأمين على الرسالة يوم تزعزع الناس رحم الله المقداد، فقد كان من الضلاء النجباء، الكبار الأخيار من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ممن رعاهم بعنايته، حتى روي عنه أنه قال أكثر من مرة { أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم وهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان} وفي عام 33 لبي نداء ربه في أرضه بالجرف، وحمل إلى لمدينة فدفن بها وكان ابن سبعين
بسم الله الرحمن الرحيم اخواني اعضاء المنتدي . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سنبدا بفضل الله ذكر سير بعض الصحابه و اولهم صديق هذه الامه " ابو بكر رضي الله عنه " اسمه – على الصحيح - : عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي . كنينة : ابو بكر لقبه :عتيق ، والصدِّيق . قيل لُقّب بـ " عتيق " لأنه : كان جميلاً لعتاقة وجهه قديم في الخير فقالت : اللهم إن هذا عتيقك من الموت ، فهبه لي . ولُقّب بـ " الصدّيق " لأنه صدّق النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالغ في تصديقه كما في صبيحة الإسراء وقد قيل له : إن صاحبك يزعم أنه أُسري به ، فقال : إن كان قال فقد صدق ! وقد سماه الله صديقا فقال سبحانه : ( وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) جاء في تفسيرها : الذي جاء بالصدق هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي صدّق به هو أبو بكر رضي الله عنه . ولُقّب بـ " الصدِّيق " لأنه أول من صدّق وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال . مولده :ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر صفته :كان أبو بكر رضي الله عنه أبيض نحيفاً ، خفيف العارضين ، معروق الوجه ، ناتئ الجبهة ، وكان يخضب بالحناء والكَتَم . وكان رجلاً اسيفاً أي رقيق القلب رحيماً . فضائله فهو أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فنخيّر أبا بكر ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم . رواه البخاري . وهو ثاني اثنين في الغار مع نبي الله صلى الله عليه وسلم قال سبحانه وتعالى ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حدّثه قال : نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه . فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما . ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل الغار دخل قبله لينظر في الغار لئلا يُصيب النبي صلى الله عليه وسلم شيء . ولما سارا في طريق الهجرة كان يمشي حينا أمام النبي صلى الله عليه وسلم وحينا خلفه وحينا عن يمينه وحينا عن شماله . ولذا لما ذكر رجال على عهد عمر رضي الله عنه فكأنهم فضّـلوا عمر على أبي بكر رضي الله عنهما ، فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فقال : والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر ، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر ، لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لينطلق إلى الغار ومعه أبو بكر ، فجعل يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه ، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي ؟ فقال : يا رسول الله أذكر الطلب فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك . فقال :يا أبا بكر لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني ؟ قال : نعم والذي بعثك بالحق ما كانت لتكون من مُلمّة إلا أن تكون بي دونك ، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر : مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الجحرة ، فدخل واستبرأ ، ثم قال : انزل يا رسول الله ، فنزل . فقال عمر : والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر . رواه الحاكم والبيهقي في دلائل النبوة . ولما هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ ماله كله في سبيل الله . وهو أول الخلفاء الراشدين واستقر خليفة للمسلمين دون مُنازع ، ولقبه المسلمون بـ " خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم " وخلافته رضي الله عنه منصوص عليها فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مرضه أن يُصلي بالناس في الصحيحين عن عائشةَ رضي اللّهُ عنها قالت : لما مَرِضَ النبيّ صلى الله عليه وسلم مرَضَهُ الذي ماتَ فيه أَتاهُ بلالٌ يُؤْذِنهُ بالصلاةِ فقال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصَلّ . قلتُ : إنّ أبا بكرٍ رجلٌ أَسِيفٌ [ وفي رواية : رجل رقيق ] إن يَقُمْ مَقامَكَ يبكي فلا يقدِرُ عَلَى القِراءَةِ . قال : مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ . فقلتُ مثلَهُ : فقال في الثالثةِ - أَوِ الرابعةِ - : إِنّكنّ صَواحبُ يوسفَ ! مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلّ ، فصلّى . وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء فأمرها بأمر ، فقالت : أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك ؟ قال : إن لم تجديني فأتي أبا بكر . رواه البخاري ومسلم . وقد أُمرنا أن نقتدي به رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وهو حديث صحيح . وأبو بكر رضي الله عنه حامل راية النبي صلى الله عليه وسلم يوم تبوك . وأنفق ماله كله لما حث النبي صلى الله عليه وسلم على النفقة قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ، فوافق ذلك مالاً فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما . قال : فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ! قال عمر قلت : والله لا أسبقه إلى شيء أبدا . رواه الترمذي . قال عمرو بن العاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال : قلت : من الرجال ؟ قال : أبوها . رواه مسلم . قال سبحانه وبحمده : ( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ) وهذه الآيات نزلت في ابي بكر رضي الله عنه . وهو من السابقين الأولين بل هو أول السابقين قال سبحانه : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) قال عليه الصلاة والسلام : من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير ؛ فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام وباب الريان . فقال أبو بكر : ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة ، فهل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر . رواه البخاري ومسلم . روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة . قال محمد بن الحنفية : قلت لأبي – علي بن أبي طالب رضي الله عنه - : أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أبو بكر . قلت : ثم من ؟ قال : ثم عمر ، وخشيت أن يقول عثمان قلت : ثم أنت ؟ قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين . رواه البخاري . وقال عليّ رضي الله عنه : كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله به بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني غيره استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله تعالى إلا غفر الله له ثم تلا : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ) الآية . رواه أحمد وأبو داود . ولم يكن هذا الأمر خاص بعلي رضي الله عنه بل كان هذا هو شأن بنِيـه قال الإمام جعفرالصادق : أولدني أبو بكر مرتين . وسبب قوله : أولدني أبو بكر مرتين ، أن أمَّه هي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وجدته هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر . فهو يفتخر في جّـدِّه ثم يأتي من يدّعي اتِّباعه ويلعن جدَّ إمامه ؟ قال جعفر الصادق لسالم بن أبي حفصة وقد سأله عن أبي بكر وعمر ، فقال : يا سالم تولَّهُما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى ، ثم قال جعفر : يا سالم أيسُبُّ الرجل جده ؟ أبو بكر جدي ، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما . وروى جعفر بن محمد – وهو جعفر الصادق - عن أبيه – وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي – رضي الله عنهم أجمعين ، قال : جاء رجل إلى أبي – يعني علي بن الحسين ، المعروف والمشهور بزين العابدين - فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال : عن الصديق تسأل ؟ قال : وتسميه الصديق ؟! قال : ثكلتك أمك ، قد سماه صديقا من هو خير مني ؛ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ، فمن لم يُسمه صدِّيقا ، فلا صدّق الله قوله ، اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما ، فما كان من أمـر ففي عنقي . أعماله : من أعظم أعماله سبقه إلى الإسلام وهجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وثباته يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم . ومن أعماله قبل الهجرة أنه أعتق سبعة كلهم يُعذّب في الله ، وهم : بلال بن أبي رباح ، وعامر بن فهيرة ، وزنيرة ، والنهدية وابنتها ، وجارية بني المؤمل ، وأم عُبيس . ومن أعظم أعماله التي قام بها بعد تولّيه الخلافة حرب المرتدين فقد كان رجلا رحيما رقيقاً ولكنه في ذلك الموقف ، في موقف حرب المرتدين كان أصلب وأشدّ من عمر رضي الله عنه الذي عُرِف بالصلابة في الرأي والشدّة في ذات الله روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب قال عمر : يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ؟ قال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها . قال عمر : فو الله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق . فحارب رضي الله عنه المرتدين ومانعي الزكاة ، وقتل الله مسيلمة الكذاب في زمانه . ومع ذلك الموقف إلا أنه أنفذ جيش أسامة الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد إنفاذه نحو الشام . وفي عهده فُتِحت فتوحات الشام ، وفتوحات العراق، وفي عهده جُمع القرآن ، حيث أمر رضي الله عنه زيد بن ثابت أن يجمع القرآن وكان عارفاً بالرجال ، ولذا لم يرضَ بعزل خالد بن الوليد ، وقال : والله لا أشيم سيفا سله الله على عدوه حتى يكون الله هو يشيمه . رواه الإمام أحمد وغيره وكان أبو بكر رضي الله عنه أنسب العرب ، أي أعرف العرب بالأنساب . ورعـه : كان أبو بكر رضي الله عنه ورعاً زاهداً في الدنيا حتى لما تولى الخلافة خرج في طلب الرزق فردّه عمر واتفقوا على أن يُجروا له رزقا من بيت المال نظير ما يقوم به من أعباء الخلافة وفاته :توفي في يوم الاثنين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة ، وهو ابن ثلاث وستين سنة .
ابا الحسن و الحسين علي بن ابي طالب رضي الله عنه هو أبو الحسن علي بن أبى طالب بن عبد المطلب الهاشمى القرشى . أمير المؤمنين ، رابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة وابن عم النبى صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة الزهراء ووالد الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، كناه النبى صلى الله عليه وسلم بأبى تراب وهو من الخطباء والعلماء بالقضاء المعدودين وأول الناس إسلاماً من الغلمان ، عاش فى حجر النبى صلى الله عليه وسلم منذ طفولته، وعندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نام فى فراشه ، وبقي بعده أياماً فى مكة ليقضي ديونه ويرد ودائعه ثم هاجر إلى المدينة . شهد جميع الغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يحمل اللواء فى أكثرها ويتقدم للمبارزة ، وفى غزوة بدر بارز شيبة بن عتبة وقتله ، وفى غزوة الخندق قتل فارس العرب وأحد شجعانهم عمرو بن عبد ود العامرى ، وفى غزوة خيبر قال صلى الله عليه وسلم ( لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، وفي الصباح دعا عليا ، وكانت عينه مصابة بالرمد فدعا له وبصق فى عينه فبرأ ولم يرمد بعدها ، وأعطاه الراية ففتح الله على يديه وقتل مرحبا اليهودى ، ويروى فى ذلك من شجاعته وقوته أن يهودياً ضرب عليا فطرح ترسه فتناول بابا عند الحصن وتترس به فلم يزل فى يده حتى فتح الله على يديه ثم ألقاه من يده . وفى عمرة القضاء قال له صلى الله عليه وسلم ( أنت منى وأنا منك ) وفى غزوة تبوك استخلفه النبى صلى الله عليه وسلم على المدينة فقال : يا رسول الله أتخلفنى مع النساء والصبيان ؟ فقال ( ألا ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبى بعدى ) . وروي أنه لما نزل قوله تعالى ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ...) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي . ومنه ما روي أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ رداءه ووضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) و من فضائله ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بيت فاطمة وقال لها أين ابن عمك ؟ قالت كان بينى وبينه شىء فغاضبنى فخرج ولم يقل عندي ، وعلم النبى صلى الله عليه وسلم أنه فى المسجد فذهب إليه وهو مضطجع فيه وقد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول قم أبا تراب قم أبا تراب . وبعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بايع الصديق وكان أحد وزرائه ، ثم بايع عمر وجعله على القضاء ومن مستشاريه ، وكان أحد الستة أصحاب الشورى الذين أوصى عمر بالخلافة فيهم ، ولما قتل عثمان بويع على بالخلافة سنة 35 هـ فخرجت السيدة عائشة والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله يطلبون بثأر عثمان ويرفضون بيعته ، فكانت وقعة الجمل سنة 36 هـ ورفض معاوية بن أبى سفيان مبايعته ، وكان أميراً على الشام ، فاستعصى بها وجمع جيشاً من أهلها فتوجه إليهم علي بجيشه والتقى الفريقان فى معركة صفين وانتهت المعركة بالدعوة إلى التحكيم ، ثم انتهى التحكيم بانقسام الناس إلى ثلاثة أقسام ، قسم بايع معاوية ( أهل الشام ) وقسم بايع علياً ( أهل الكوفة ) وقسم خرج على علي وكفروه لقبوله التحكيم فسموا الخوارج . وقد ناقشهم على طويلاً فلم يستجيبوا . فقاتلهم فى النهروان ( 38 هـ ) وعاد إلى الكوفة . وفى 17 رمضان سنة 40 هـ اغتال أحد الخوارج ـ واسمه عبد الرحمن بن ملجم ـ علي بن أبى طالب رضي الله عنه وهو فى صلاة الصبح . المدينة في خلافة علي بن أبي طالب 36 ـ 40 هـ تولى على بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة سنة 36 للهجرة بعد استشهاد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وكان همه الأول إعادة الأمن والطمأنينة إلى المدينة والقضاء على جذور الفتنة فيها ، ثم فى الأمصار التى انطلقت منها ، واستطاع إخراج المتآمرين منها ، وأبعد الأعراب الذين حاولوا أن يستغلوا ظروف الفتنة فزحفوا إلى ضواحي المدينة وانتظم الأمن ، وبدأ بمعالجة شؤون الأمصار فعزل الولاة الذين ثارت حولهم الشائعات واستغلها أصحاب الفتنة وأرسل ولاة آخرين .. ولكن الفتنة انتقلت من المدينة إلى خارجها ، فقد طالب بعض الصحابة ـ وعلى رأسهم السيدة عائشة رضي الله عنها ـ بالقصاص من القتلة وكانت قد خرجت من المدينة للحج قبل استشهاد عثمان ، فلما بلغها استشهاده توجهت إلى العراق مع جمع من الصحابة ، ورفض معاوية بيعة على ورد واليه على الشام ورفع شعار الثأر لعثمان ، فاضطر على للخروج بمن تطوع معه لوقف انتشار الفتنة وتوجه للجمع الذى رافق السيدة عائشة رضي الله عنها لإقناعهم بالعودة إلى المدينة ، ولكن بعضهم استطاع أن يثير القتال بين رجال على والجماعة المحيطة بالسيدة عائشة ، وقتل عدد من الصحابة حول الجمل الذى كانت تركبه السيدة عائشة ، واستطاع على ورجاله أن يضبطوا الأمور وينهوا القتال ، وعادت السيدة عائشة ومرافقوها إلى المدينة معززة مكرمة ، ولكن علياً وجيشه لم يعودوا بل توجهوا إلى الكوفة ونزلوا فيها يعدون لمواجهة الخلاف مع معاوية . واستخلف على المدينة سهل بن حنيف الأنصاري فبدأ الهدوء يخيم على الحياة فى المدينة وبدأت تبتعد عن الأحداث الكبيرة التى تجرى فى العراق والشام ، ولكن عدداً من أبنائها كانوا مع علي رضي الله عنه فى الكوفة وفى صفين وفى التحكيم بينه وبين معاوية . وتوقف النزوح إليها وباستثناء من بقي من أهلها والوافدين لزيارة المسجد النبوى والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعد يقصد المدينة أحد ، وتقلص عدد سكانها وتقلصت الحركة الاقتصادية فيها تبعاً لذلك ، وفى عام 38 هـ توفي سهل بن حنيف أمير المدينة فولى علي أبا أيوب الأنصاري ، وكان متقدماً فى السن وديعاً فحافظ على سيرة خلفه ، وقل عدد القوافل القادمة فازداد الاهتمام بالزراعة لتأمين الحاجة الأولية للغذاء ، وعندما شغل علي بقتال الخوارج فى العراق أرسل معاوية جيشاً إلى المدينة بقيادة بسر بن أرطأة فتركها أبو أيوب ودخل الجيش سلماً وأخذ البيعة لمعاوية ولكن بسر بن أرطأة نقض الأمان لمن اتهموا بمظاهرة الخارجين على عثمان وقتل من وصل إليهم وهدم دورهم . ثم خرج من المدينة بجيشه واستخلف عليها أبا هريرة فعاد أبو هريرة بالناس إلى حياة الطمأنينة ودروس المسجد النبوى ، وابتعد بالناس عن الفتنة . ثم جاء جيش لعلي بن أبى طالب بقيادة جارية بن قدامة . فترك أبو هريرة المدينة . ووصل جارية مع وصول خبر استشهاد علي بن أبى طالب فى الكوفة فأخذ البيعة لابنه الحسن بن علي ثم خرج ليلحق بالحسن وعاد أبو هريرة فأحسن الناس استقباله ، وواصل سيرته القويمة فيهم ، وعاش أهل المدينة تلك الفترة حياتهم بين مشاغلهم اليومية ، وحلقات العلم فى المسجد النبوى . وما لبثت الفتنة أن خمدت عندما تنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية ، وعاد بمن معه من أهل المدينة إليها ، وتحولت المدينة إلى مدينة هادئة ، وصارت إمارة من إمارات الدولة الأموية الجديدة . طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة (( من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة )) حديث شريف طلحة بن عبيـد اللـه بن عثمان التيمـي القرشي المكي المدني ، أبو محمـد... لقد كان في تجارة له بأرض بصرى ، حين لقي راهبا من خيار رهبانها ، وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من أرض الحرم ، قد أهل عصره ، ونصحه باتباعه...وعاد الى مكـة ليسمع نبأ الوحي الذي يأتي الصادق الأميـن ، والرسالة التي يحملها ، فسارع الى أبي بكر فوجـده الى جانب محمد مؤمنا ، فتيقن أن الاثنان لن يجتمعا الا علـى الحق ، فصحبه أبـو بكر الى الرسـول -صلى الله عليه وسلم- حيث أسلم وكان من المسلمين الأوائل.. لقد كان طلحة -رضي الله عنه- من أثرياء قومه ومع هذا نال حظه من اضطهاد المشركين ، وهاجر الى المدينة وشهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الا غزوة بدر ، فقد ندبه النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه سعيد بن زيد الى خارج المدينة ، وعند عودتهما عاد المسلمون من بدر ، فحزنا الا يكونا مع المسلمين ، فطمأنهما النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لهما أجر المقاتلين تماما ، وقسم لهما من غنائم بدر كمن شهدها... وقد سماه الرسول الكريم يوم أحُد ( طلحة الخير )...وفي غزوة العشيرة ( طلحة الفياض )...ويوم حنين ( طلحة الجود ) وفي أحد...أبصر طلحة -رضي الله عنه- جانب المعركة الذي يقف فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلقيه هدفا للمشركين ، فسارع وسط زحام السيوف والرماح الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرآه والدم يسيل من وجنتيه ، فجن جنونه وقفز أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- يضرب المشركين بيمينه ويساره ، وسند الرسول -صلى الله عليه وسلم وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ، ويقول أبو بكر -رضي الله عنه- عندما يذكر أحدا ذلك كله كان يوم طلحة ، كنت أول من جاء الى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح :"دونكم أخاكم..." ونظرنا ، واذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية ، واذا أصبعه مقطوعة ، فأصلحنا من شأنه )... وقد نزل قوله تعالى :" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلا "... تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية أمام الصحابة الكرام ، ثم أشار الى طلحة قائلا ( من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض ، وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة )... ما أجملها من بشرى لطلحة -رضي الله عنه- ، فقد علم أن الله سيحميه من الفتنة طوال حياته وسيدخله الجنة فما أجمله من ثواب... وهكذا عاش طلحة -رضي الله عنه- وسط المسلمين مرسيا لقواعد الدين ، مؤديا لحقوقه ، واذا أدى حق ربه اتجه لتجارته ينميها ، فقد كان من أثرى المسلمين ، وثروته كانت دوما في خدمة الدين ، فكلما أخرج منها الشيء الكثير ، أعاده الله اليه مضاعفا ، تقول زوجته سعدى بنت عوف ( دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما ، فسألته : ما شأنك ؟...فقال : المال الذي عندي ، قد كثر حتى أهمني وأكربني...وقلت له : ما عليك ، اقسمه...فقام ودعا الناس ، وأخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهما )... وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال ، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع وقال (ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري مايطرق من أمر ، لمغرور بالله )...فدعا بعض أصحابه وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها حتى أسحر وما عنده منها درهما... وكان -رضي الله عنه- من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه ، وكان يعولهم جميعا ، لقد قيل ( كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مئونته ، ومئونة عياله )...( وكان يزوج أياماهم ، ويخدم عائلهم ، ويقضي دين غارمهم )...ويقول السائب بن زيد ( صحبت طلحة بن عبيد الله في السفر و الحضر فما وجدت أحدا ، أعم سخاء على الدرهم ، والثوب ، والطعام من طلحة )... وعندما نشبت الفتنة في زمن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أيد طلحة حجة المعارضين لعثمان ، وزكى معظمهم فيما ينشدون من اصلاح ، ولكن أن يصل الأمر الى قتل عثمان -رضي الله عنه- ، لا...لكان قاوم الفتنة ، وما أيدها بأي صورة ، ولكن ماكان كان ، أتم المبايعة هو والزبير لعلي -رضي الله عنهم جميعا- وخرجوا الى مكة معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان... وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري ...طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة ( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)...ثم قال للزبير ( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟...فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟...فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )... فقال الزبير ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك )... وأقلع طلحـة و الزبيـر -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعـا حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا ، فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته ... وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا ( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمـان من الذين قال الله فيهم ( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين )...ثم نظر الى قبريهما وقال ( سمعت أذناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة )...0 ولمّا قُتِلَ طلحة دُفِنَ الى جانب الفرات ، فرآه حلماً بعض أهله فقال ( ألاّ تُريحوني من هذا الماء فإني قد غرقت )...قالها ثلاثاً ، فأخبر من رآه ابن عباس ، فاستخرجوه بعد بضعة وثلاثين سنة ، فإذا هو أخضر كأنه السِّلْق ، ولم يتغير منه إلا عُقْصته ، فاشتروا له داراً بعشرة آلاف ودفنوه فيها ، وقبره معروف بالبصرة ، وكان عمره يوم قُتِلَ ستين سنة وقيل أكثر من ذلك . الزبيـر بن العوام حواريّ رسول الله (( إن لكل نبي حواريّاً ، وحواريّ الزبير بن العوام )) حديث شريف الزبير بن العوام يلتقي نسبه مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-في ( قصي بن كلاب )... كما أن أمه ( صفية ) عمة رسول الله ، وزوجته أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين ، كان رفيع الخصال عظيم الشمائل ، يدير تجارة ناجحة وثراؤه عريضا لكنه أنفقه في الإسلام حتى مات مدينا... ويرتبط ذكرالزبيـر دوما مع طلحة بن عبيد الله ، فهما الاثنان متشابهان في النشأة والثراء والسخاء والشجاعة وقوة الدين ، وحتى مصيرهما كان متشابها فهما من العشرة المبشرين بالجنة وآخى بينهما الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، ويجتمعان بالنسب والقرابة معه ، وتحدث عنهما الرسول قائلا ( طلحة والزبيـر جاراي في الجنة ) ، و كانا من أصحاب الشورى الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب لإختيار خليفته ... أسلم الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة ، وكان من السبعة الأوائل الذين سارعوا بالإسلام ، وقد كان فارسا مقداما ، وإن سيفه هو أول سيف شهر بالإسلام ، ففي أيام الإسلام الأولى سرت شائعة بأن الرسول الكريم قد قتل ، فما كان من الزبير إلا أن استل سيفه وامتشقه ، وسار في شوارع مكة كالإعصار ،وفي أعلى مكة لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فسأله ماذا به ؟...فأخبره النبأ... فصلى عليه الرسول ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب وكان للزبير -رضي الله عنه- نصيبا من العذاب على يد عمه ، فقد كان يلفه في حصير ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه ، ويناديه ( اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا العذاب )...فيجيب الفتى الغض ( لا والله ، لا أعود للكفر أبدا )...ويهاجر الزبير الى الحبشة الهجرتين ، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-... وفي غزوة أحد وبعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكة ، ندب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الزبير وأبوبكر لتعقب جيش المشركين ومطاردته ، فقاد أبوبكر والزبير -رضي الله عنهما- سبعين من المسلمين قيادة ذكية ، أبرزا فيها قوة جيش المسلمين ، حتى أن قريش ظنت أنهم مقدمة لجيش الرسول القادم لمطاردتهم فأسرعوا خطاهم لمكة هاربين... وفي يوم الخندق قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( مَنْ رجلُ يأتينا بخبر بني قريظة ؟)...فقال الزبير ( أنا )...فذهب ، ثم قالها الثانية فقال الزبير ( أنا )...فذهب ، ثم قالها الثالثة فقال الزبيـر ( أنا )...فذهب ، فقال النبـي -صلى الله عليه وسلم- ( لكل نبيّ حَوَارِيٌّ، والزبيـر حَوَاريَّ وابن عمتي )... وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أرسل الرسول الزبيـر وعلي بن أبي طالب فوقفا أمام الحصن يرددان( والله لنذوقن ماذاق حمزة ، أو لنفتحن عليهم حصنهم )...ثم ألقيا بنفسيهما داخل الحصن وبقوة أعصابهما أحكما وأنزلا الرعب في أفئدة المتحصـنين داخله وفتحا للمسلمين أبوابه... وفي يوم حنين أبصر الزبيـر ( مالك بن عوف ) زعيم هوازن وقائد جيوش الشرك في تلك الغزوة ، أبصره واقفا وسط فيلق من أصحابه وجيشه المنهزم ، فاقتحم حشدهم وحده ، وشتت شملهم وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض المسلمين العائدين من المعركة... كان الزبير بن العوام شديد الولع بالشهادة ، فهاهو يقول ( إن طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء ، وقد علم ألا نبي بعد محمد ، وإني لأسمي بنيّ بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون )... وهكذا سمى ولده عبد الله تيمنا بالشهيد عبد الله بن جحش وسمى ولـده المنـذر تيمنا بالشهيد المنـذر بن عمـرو وسمى ولـده عـروة تيمنا بالشهيد عـروة بن عمـرو وسمى ولـده حمـزة تيمنا بالشهيد حمزة بن عبد المطلب وسمى ولـده جعفـراً تيمنا بالشهيد جعفر بن أبي طالب وسمى ولـده مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عميـر وسمى ولـده خالـدا تيمنا بالشهيد خالـد بن سعيـد وهكذا أسماهم راجيا أن ينالوا الشهادة في يوم ما... كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته ، وحين كان يجود بروحه أوصى ولده عبد الله بقضاء ديونه قائلا ( إذا أعجزك دين ، فاستعن بمولاي )...وسأله عبد الله ( أي مولى تعني ؟)... فأجابه ( الله ، نعم المولى ونعم النصير )...يقول عبدالله فيما بعد ( فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير اقضي دينه ، فيقضيه )... وبعد استشهاد عثمان بن عفان أتم المبايعة الزبير و طلحة لعلي -رضي الله عنهم جميعا- وخرجوا الى مكة معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان ، وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري ... طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة ( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)0ثم قال للزبير ( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟0فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟...فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )... فقال الزبير ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك )... وأقلع طلحة و الزبير -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعا حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته ... ولمّا كان الزبير بوادي السباع نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله و سارع قاتل الزبير الى علي يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي استلبه بين يديه ، لكن عليا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن وأمر بطرده قائلا ( بشر قاتل ابن صفية بالنار )...وحين أدخلوا عليه سيف الزبير قبله الإمام وأمعن في البكاء وهو يقول ( سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله )... وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات انهاها قائلا ( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمان من الذين قال الله فيهم ( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين )...ثم نظر الى قبريهما وقال ( سمعت أذناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة )...0 سعد بن أبي وقـاص أحد العشرة المبشرين بالجنة (( يا سعد : ارم فداك أبي و أمي )) حديث شريف سعد بن مالك بن أهيب الزهري القرشي أبو اسحاق...فهو من بني زهرة أهل آمنة بنت وهب أم الرسول - صلى الله عليه وسلم- ...فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعتز بهذه الخؤولة فقد ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان جالسا مع نفر من أصحابه فرأى سعد بن أبي وقاص مقبلا فقال لمن معه :"هذا خالي فليرني أمرؤ خاله"... كان سعد -رضي الله عنه- من النفر الذين دخلوا في الاسلام أول ما علموا به...فلم يسبقه الا أبوبكر و علي وزيد و خديجة...قال سعد ( بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوا الى الاسلام مستخفيا فعلمت أن الله أراد بي خيرا وشاء أن يخرجني بسببه من الظلمات الى النور ...فمضيت اليه مسرعا حتى لقيته في شعب جياد وقد صلى العصر فأسلمت...فما سبقني أحد الا أبي بكر وعلي وزيد -رضي الله عنهم- ، وكان ابن سبع عشرة سنة...كما يقول سعد -رضي الله عنه- ( لقد أسلمت يوم أسلمت وما فرض الله الصلوات )... يقول سعد -رضي الله عنه- ( وما سمعت أمي بخبر اسلامي حتى ثارت ثائرتها وكنت فتى بارا بها محبا لها فأقبلت علي تقول ( يا سعد...ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك و أبيك؟ والله لتدعن دينك الجديد أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزنا علي ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتعيرك الناس أبد الدهر ) فقلت : لاتفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأي شيء )...الا أن أمه اجتنبت الطعام ومكثت أياما على ذلك فهزل جسمها وخارت قواها...فلما رأها سعد قال لها ( يا أماه اني على شديد حبي لك لأشد حبا لله ولرسوله ووالله لو كان لك ألف نفس فخرجت منك نفسا بعد نفس ما تركت ديني هذا بشيء )...فلما رأت الجد أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كره منها... ونزل قوله تعالى :"ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك الي المصير...وأن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب الي ثم الي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون "... كان الرسول -صلى الله عليه وسلم يجلس بين نفر من أصحابه ، فرنا ببصره الى الأفق في إصغاء من يتلقى همسا وسرا ، ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة )...وأخذ الصحاب يتلفتون ليروا هذا السعيد ، فإذا سعد بن أبي وقاص آت...وقد سأله عبدالله بن عمرو بن العاص أن يدله على ما يتقرب به الى الله من عبادة وعمل فقال له ( لا شيء أكثر مما نعمل جميعا ونعبد ، غير أني لا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوءا )... وكان سعد بن أبي وقاص إذا رمى عدوا أصابه وإذا دعا الله دعاء أجابه ، وكان الصحابة يردون ذلك لدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- له ( اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته )...ويروى أنه رأى رجلا يسب طلحة وعليا والزبير فنهاه فلم ينته فقال له ( إذن أدعو عليك )...فقال الرجل ( أراك تتهددني كأنك نبي !)...فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه قائلا ( اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواما سبقت لهم منك الحسنى ، وأنه قد أسخطك سبه إياهم ، فاجعله آية وعبرة )...فلم يمض غير وقت قصير حتى خرجت من إحدى الدور ناقة نادّة لا يردها شيء ، حتى دخلت في زحام الناس ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها ، ومازالت تتخبطه حتى مات... وفي بداية الدعوة ، كان أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا صلوا ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم ، فبينما سعد بن أبي وقاص في نفر من الصحابة في شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون ، فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم ، فضرب سعد -رضي الله عنه- يومئذ رجلاً من المشركين بلحي بعير فشجه ( العظم الذي فيه الأسنان ) ، فكان أول دم هريق في الإسلام... وبعثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سرية عبيدة بن الحارث -رضي الله عنه- الى ماء بالحجاز أسفل ثنية المرة فلقوا جمعا من قريش ولم يكن بينهم قتال ألا أن سعد قد رمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في الاسلام... وشارك في أحد وتفرق الناس أول الأمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووقف سعد يجاهد ويقاتل فلما رآه الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرمي جعل يحرضه ويقول له ( يا سعد ......0ارم فداك أبي وأمي )...وظل سعد يفتخر بهذه الكلمة طوال حياته ويقول ( ما جمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأحد أبويه الا لي ) وذلك حين فداه بهما... وعندما احتدم القتال مع الفرس ، أراد أمير المؤمنين عمر أن يقود الجيش بنفسه ، ولكن رأى الصحابة أن تولى هذه الإمارة لرجل آخر واقترح عبدالرحمن بن عوف ( الأسد في براثنه ، سعد بن مالك الزهري )... وقد ولاه عمر -رضي الله عنه- امرة جيش المسلمين الذي حارب الفرس في القادسية وكتب الله النصر للمسلمين وقتلوا الكافرين وزعيمهم رستم...وعبر مع المسلمين نهر دجلة حتى وصلوا المدائن وفتحوها ، وكان إعجازا عبور النهر بموسم فيضانه حتى أن سلمان الفارسي قد قال ( إن الإسلام جديد ، ذللت والله لهم البحار ، كما ذللت لهم البر ، والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا ، كما دخلوه أفواجا )... وبالفعل أمن القائد الفذ سعد مكان وصول الجيش بالضفة الأخرى بكتيبة الأهوال وكتيبة الخرساء ، ثم اقتحم النهر بجيشه ولم يخسر جنديا واحدا في مشهد رائع ، ونجاح باهر... ودخل سعد بن أبي وقاص ايوان كسرى وصلى فيه ثماني ركعات صلاة الفتح شكرا لله على نصرهم ... وولاه عمر -رضي الله عنهما- إمارة العراق ، فراح سعد يبني ويعمر في الكوفة ، وذات يوم اشتكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين فقالوا ( إن سعدا لا يحسن يصلي )...ويضحك سعدا قائلا ( والله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله ، أطيل في الركعتين الأوليين وأقصر في الآخرين )...واستدعاه عمر الى المدينة فلبى مسرعا ، وحين أراد أن يعيده الى الكوفة ضحك سعدا قائلا ( أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة ؟!)...ويؤثر البقاء في المدينة... و عندما حضرت عمر -رضي الله عنه- الوفاة بعد أن طعنه المجوسي...جعل الأمر من بعده الى الستة الذين مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض و أحدهم سعد بن أبي وقاص ، وقال عمر ( إن وليها سعد فذاك ، وإن وليها غيره فليستعن بسعد )... وقد اعتزل سعد الفتنة وأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا له أخبارها ، وذات يوم ذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ويقول له ( يا عم ، ها هنا مائة ألف سيف يرونك أحق الناس بهذا الأمر )...فيجيبه سعد ( أريد من مائة ألف سيف ، سيفا واحدا ، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا ، وإذا ضربت به الكافر قطع )...فتركه ابن أخيه بسلام...وحين انتهى الأمر لمعاوية سأل سعدا ( مالك لم تقاتل معنا ؟)...فأجابه ( إني مررت بريح مظلمة فقلت : أخ...أخ...وأنخت راحلتي حتى انجلت عني )...فقال معاوية ( ليس في كتاب الله أخ...أخ...ولكن قال الله تعالى ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )... وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة مع الباغية )...فأجاب سعد قائلا ( ما كنت لأقاتل رجلا -يعني علي بن أبي طالب- قال له الرسول : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )... وعمر سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- كثيرا...وأفاء الله عليه من المال الخير الكثير... لكنه حين أدركته الوفاة دعا بجبة من صوف بالية وقال ( كفنوني بها فاني لقيت بها المشركين يوم بدر...واني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضا ) ... وكان رأسه بحجر ابنه الباكي فقال له ( ما يبكيك يا بني ؟...إن الله لا يعذبني أبدا ، وإني من أهل الجنة )...فقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبيرا...وكانت وفاته سنة خمس وخمسين من الهجرة النبوية...وكان آخر المهاجرين وفاة ، ودفن في البقيع... عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة (( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )) حديث شريف عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين الى الإسلام ، عرض عليه أبو بكر الإسلام فما غُـمَّ عليه الأمر ولا أبطأ ، بل سارع الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبايعه وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد المشركين ، هاجر الى الحبشة الهجـرة الأولى والثانيـة ، كما هاجر الى المدينـة مع المسلميـن وشهـد المشاهد كلها ، فأصيب يوم أُحُد بعشريـن جراحا إحداها تركت عرجا دائما في ساقه ، كما سقطت بعـض ثناياه فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه... وكان -رضي الله عنه- محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عَجَبه فقال ( لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا )...وكانت التجارة عند عبد الرحمن بن عوف عملاً وسعياً لا لجمع المال ولكن للعيش الشريف ، وهذا ما نراه حين آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار ، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع ،فقال سعد لعبد الرحمن ( أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا ، فانظر شطر مالي فخذه ، وتحتي امرأتان ، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها )...فقال عبد الرحمن ( بارك الله لك في أهلك ومالك ، دُلوني على السوق )...وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح... وكانت تجارة عبد الرحمن بن عوف ليست له وحده ، وإنما لله والمسلمون حقا فيها ، فقد سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول يوما ( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )...ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله قرضـا حسنا ، فيضاعفـه الله له أضعافـا ، فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعا على أهله من بني زُهرة وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين ،وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام ، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة... وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله ، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان نصيبا من الوصية فأخذها وقال ( إن مال عبد الرحمن حلال صَفْو ، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة )...وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل ( أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله ، ثُلث يقرضهم ، وثُلث يقضي عنهم ديونهم ، وثلث يصِلَهم ويُعطيهم )...وخلّف بعده ذهبُ كثير ، ضُرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال... وفي أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال ، لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجَّها رجّا ، وسألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ( ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟)...وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له فَعَجِبَت أم المؤمنين ( قافلة تحدث كل هذه الرجّة ؟)...فقالوا لها ( أجل يا أم المؤمنين ، إنها سبعمائة راحلة )... وهزّت أم المؤمنين رأسها وتذكرت ( أما أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا )...ووصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن بن عوف ، فتذكر أنه سمع هذا الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة ، فحثَّ خُطاه الى السيدة عائشة وقال لها ( لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه )...ثم قال ( أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله )...ووزِّعَت حُمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها... و وثراء عبد الرحمن -رضي الله عنه- كان مصدر إزعاج له وخوف ، فقد جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما ، فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم قال ( استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكُـفّـن في بردة إن غطّت رأسه بدت رجلاه ، وإن غطّت رجلاه بدا رأسه ، واستشهد حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد له ما يُكَـفّـن فيه إلا بردة ، ثم بُسِـطَ لنا في الدنيا ما بُسـط ، وأعطينا منها ما أعطينا وإني لأخشى أن نكون قد عُجّلـت لنا حسناتنا )... كما وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى ، وسألوه ( ما يبكيك يا أبا محمد ؟)... قال ( لقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ، ما أرانا أخّرنا لما هو خير لنا )... ووفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا ، فقد قيل ( أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه ، ما استطاع أن يميزه من بينهم )... وكان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة لهم من بعده قائلا ( لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض )...وأشار الجميع الى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال ( والله لأن تُؤخذ مُدْية فتوضع في حَلْقي ، ثم يُنْفَذ بها إلى الجانب الآخر ، أحب إليّ من ذلك )...وفور اجتماع الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي أعطاه إياه عمر ، وجعل الأمر بين الخمسة الباقين ، فاختاروه ليكون الحكم بينهم وقال له علي -كرم الله وجهه- ( لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصفَك بأنك أمين في أهل السماء ، وأمين في أهل الأرض )...فاختار عبد الرحمن بن عوف ( عثمان بن عفان ) للخلافة ، ووافق الجميع على إختياره... وفي العام الثاني والثلاثين للهجرة جاد بأنفاسه -رضي الله عنه- وأرادت أم المؤمنين أن تخُصَّه بشرف لم تخصّ به سواه ، فعرضت عليه أن يُدفن في حجرتها الى جوار الرسول وأبي بكر وعمر ، لكنه استحى أن يرفع نفسه الى هذا الجوار ، وطلب دفنه بجوار عثمان بن مظعون إذ تواثقا يوما أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه...وكانت يتمتم وعيناه تفيضان بالدمع ( إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال )...ولكن سرعان ما غشته السكينة واشرق وجهه وأرْهِفَت أذناه للسمع كما لو كان هناك من يحادثه ، ولعله سمع ما وعده الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( عبد الرحمن بن عوف في الجنة )... سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيْل العدوي القرشي ، أبو الأعور ، من خيار الصحابة ابن عم عمر بن الخطاب وزوج أخته ، ولد بمكة عام ( 22 قبل الهجرة ) وهاجر الى المدينـة ، شهد المشاهد كلها إلا بدرا لقيامه مع طلحة بتجسس خبر العير ، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، كان من السابقين الى الإسلام هو وزوجته أم جميل ( فاطمة بنت الخطـاب )... وأبوه -رضي الله عنه- ( زيـد بن عمرو ) اعتزل الجاهليـة وحالاتها ووحّـد اللـه تعالى بغيـر واسطـة حنيفيـاً ، وقد سأل سعيـد بن زيـد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال ( يا رسـول الله ، إن أبـي زيـد بن عمرو بن نفيل كان كما رأيت وكما بَلَغَك ، ولو أدركك آمن بـك ، فاستغفر له ؟)... قال ( نعم )...واستغفر له...وقال ( إنه يجيءَ يوم القيامة أمّةً وحدَهُ ). روي عن سعيد بن زيد أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل ، و أبو عبيدة بن الجراح )...رضي الله عنهم أجمعين... وكان -رضي الله عنه- مُجاب الدعوة ، وقصته مشهورة مع أروى بنت أوس ، فقد شكته الى مروان بن الحكم ، وادَّعت عليه أنّه غصب شيئاً من دارها ، فقال ( اللهم إن كانت كاذبة فاعْمِ بصرها ، واقتلها في دارها )...فعميت ثم تردّت في بئر دارها ، فكانت منيّتُها... وكان سعيد بن زيد موصوفاً بالزهد محترماً عند الوُلاة ، ولمّا فتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق ولاّه إيّاها ، ثم نهض مع مَنْ معه للجهاد ، فكتب إليه سعيد ( أما بعد ، فإني ما كنت لأُوثرَك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يُدْنيني من مرضاة ربّي ، وإذا جاءك كتابي فابعث إلى عملِكَ مَنْ هو أرغب إليه مني ، فإني قادم عليك وشيكاً إن شاء الله والسلام )... وكتب معاوية إلى مروان بالمدينة يبايع لإبنه يزيد ، فقال رجل من أهل الشام لمروان ( ما يحبسُك ؟)...قال مروان ( حتى يجيء سعيد بن زيد يبايع ، فإنه سيـد أهل البلد ، إذا بايع بايع الناس )...قال ( أفلا أذهب فآتيك به ؟)...وجاء الشامـي وسعيد مع أُبيّ في الدار ، قال ( انطلق فبايع )...قال ( انطلق فسأجيء فأبايع )...فقال ( لتنطلقنَّ أو لأضربنّ عنقك )...قال ( تضرب عنقي ؟ فوالله إنك لتدعوني إلى قوم وأنا قاتلتهم على الإسلام )... فرجع إلى مروان فأخبره ، فقال له مروان ( اسكت )...وماتت أم المؤمنين ( أظنّها زينب ) فأوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد ، فقال الشامي لمروان ( ما يحبسُك أن تصلي على أم المؤمنيـن ؟)...قال مروان ( أنتظر الذي أردت أن تضرب عنقـه ، فإنها أوصت أن يُصلي عليها )...فقال الشامي ( أستغفر الله )... و توفي بالمدينة سنة ( 51 هـ ) ودخل قبره سعد بن أبي الوقاص وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم أجمعين-. أبوعبيدة بن الجراح أحد العشرة المبشرين بالجنة (( لكل أمة أمينا وأميننا أيتها الأمة أبوعبيدة عامر الجراح )) حديث شريف أبوعبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح الفهري...يلتقي مع النبي-صلى الله عليه وسلم- في أحد أجداده (فهر بن مالك)...وأمه من بنات عم أبيه...أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر 0 كان -رضي الله عنه- طويل القامة ، نحيف الجسم ، خفيف اللحية...أسلم على يد أبي بكر الصديق في الأيام الأولى للاسلام ، وهاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية ثم عاد ليشهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- المشاهد كلها... وفي غزوة بدر جعل أبو ( أبو عبيدة ) يتصدّى لأبي عبيدة ، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلمّا أكثر قصدَه فقتله ، فأنزل الله هذه الآية... قال تعالى ( لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليومِ الآخر يُوادُّون مَنْ حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءَ هُم أو أبناءَ هم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتبَ في قلوبهم الأيمان ")... ويقول أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-( لما كان يوم أحد ، ورمي الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر ، أقبلت أسعى الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وانسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا ، فقلت : اللهم اجعله طاعة ، حتى اذا توافينا الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اذا هو أبوعبيدة بن الجراح قد سبقني ، فقال ( أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )...فتركته ، فأخذ أبوعبيدة بثنيته احدى حلقتي المغفر ، فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت ، فكان أبوعبيدة في الناس أثرم )... وأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- أباعبيدة بن الجراح أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشرة مقاتلا ، وليس معهم من الزاد سوى جراب تمر ، والسفر بعيد ، فاستقبل أبوعبيدة واجبه بغبطة وتفاني ، وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل واحد منهم حفنة تمر ، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم ، وعندما فرغ التمر راحوا يتصيدون ( الخبط ) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء ، غير مبالين الا بانجاز المهمة ، لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط... ولما قدم أهل نجران على النبي-صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه ان يرسل اليهم واحدا...فقال عليه الصلاة والسلام ( لأبعثن -يعني عليكم- أمينا حق امين )...فتشوف أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها... ولكن لينطبق عليهم وصف النبي -صلى الله عليه و سلم- "أمينا حق امين" وكان عمر نفسه-رضي الله عليه-من الذين حرصوا على الامارة لهذا آنذاك...بل صار -كما قال يتراءى- أي يري نفسه - للنبي صلى الله عليه وسلم- حرصا منه -رضي الله عنه- أن يكون أمينا حق أمين...ولكن النبي صلى الله عليه وسلم- تجاوز جميع الصحابة وقال ( قم يا أباعبيدة )... كما كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يجود بأنفاسه ( لو كان أبوعبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فان سألني ربي عنه ، قلت : استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله )... وفي أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- ، وتولى الخلافة بعده عمر -رضي الله عنه- ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد...وصل الخطاب الى أبىعبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد ( يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟)...فأجاب أبوعبيدة ( اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة )...وأصبح أبوعبيدة أمير الأمراء بالشام0 و ترامى الى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا ( يا أيها الناس ، اني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني بتقوى الا وددت أني في إهابه !!)... وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له ( من ؟)...قال ( أبوعبيدة بن الجراح )...وأتى أبوعبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه الى داره ، فلم يجد فيها من الأثاث شيئا ، الا سيفه وترسه ورحله ، فسأله عمر وهو يبتسم ( ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟)...فأجاب أبوعبيدة ( يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل )... وقد حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد "طاعون عمواس" وكان أبوعبيدة أمير الجند هناك... فخشي عليه عمر من الطاعون...فكتب اليه يريد أن يخلصه منه قائلا ( اذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح الامتوجها الي...واذا وصلك في الصباح ألا تمسي الا متوجها الي...فان لي حاجة اليك) وفهم أبوعبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وانه يريد أن ينقذه من الطاعون...فكتب الى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور اليه وقال ( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وانما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم...فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين) ولما وصل الخطاب الى عمر بكى...فسأله من حوله ( هل مات أبوعبيدة ؟)...فقال ( كأن قد)...والمعنى أنه اذا لم يكن قد مات بعد والا فهو صائر الى الموت لا محالة...اذ لا خلاص منه مع الطاعون ... كان أبو عبيـدة -رضي الله عنه- في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا...مات أبوعبيـدة -رضي الله عنه- سنة (18) ثماني عشرة للهجرة في طاعون عمواس...وقبره في غور الأردن...رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى.. عبدالله بن عمر سيرة الإمام الزاهد مُعتزِل الفتن هو إمام من أئمة المسلمين . آتاه الله العلم ، فأخذ منه بِـحـظٍّ وافـر . ولذا لما أطلّت الفتنة بقرونها ولاّها ظهره واعتزلها ، رغبة فيما عند الله ، وطمعاً في سلعة الله الغالية . هو مِن صغار الصحابة رضي الله عنهم ، ومع ذلك صار عالماً من علماء الصحابة يُشار إليه بالبنان . إن تكلّم سُمِع كلامه ، وإن أفتى أُخِذ بقوله ، وإن قال صدق . فلله درّه . هو صحابي وابن صحابي رضي الله عنه وعن أبيه . وكفى بصحبة خير البشر وسيد ولد آدم فخراً ورفعة . مالت الدنيا بأقرانه ولم يمل مع مَن مال . اسمـه : عبدالله بن عمر بن الخطاب وكنيته : أبو عبد الرحمن قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله : الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي ثم المدني . أسلم وهو صغير ثم هاجر مع أبيه لم يحتلم واستُصغِر يوم أحد ، فأولّ غزواته الخندق ، وهو ممن بايع تحت الشجرة ، وأمه وأمّ أم المؤمنين حفصة زينب بنت مظعون ، أخت عثمان بن مظعون الجمحي . وقال : روى علما كثيراً نافعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن أبيه وأبي بكر وعثمان وعلي وبلال وصهيب وعامر بن ربيعة وزيد بن ثابت وزيد عمه وسعد وابن مسعود وعثمان بن طلحة وأسلم وحفصة أخته وعائشة وغيرهم . انتهى . وهو أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية ، وأحد العبادلة الأربعة ، وثانيهم ابن عباس ، وثالثهم عبد الله بن عمرو بن العاص ، ورابعهم عبد الله بن الزبير . وكان مُجاهداً منذ نعومة أظفاره . قال ابن عمر رضي الله عنهما : عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال ، وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فلم يُجزني ، وعرضني يوم الخندق وأنا بن خمس عشرة سنة ، فأجازني . رواه البخاري ومسلم . وشهِد فتح مكة وله عشرون سنة . وقدِم الشام والعراق والبصرة وفارِس غازياً . وشهِد فتح مصر . روى حجاج بن أرطاة عن نافع أن ابن عمر بارز رجلاً في قتال أهل العراق ، فقتله ، وأخذ سَلَبه . و كان رضي الله عنه عابداً كثير العبادة قال ابن عمر رضي الله عنهما : كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت غلاماً شاباً ، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطيّ البئر ، وإذا لها قرنان ، وإذا فيها أناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار . قال : فلقينا مَلَك آخر فقال لي : لم ترع ، فقصصتها على حفصة ، فقصّتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل . فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا . رواه البخاري ومسلم . قال حبيب بن الشهيد : قيل لنافع : ما كان يصنع ابن عمر في منزله ؟ قال : لا تطيقونه ؛ الوضوء لكل صلاة ، والمصحف فيما بينهما . وقال نافع : كان ابن عمر لا يصوم في السفر ، ولا يكاد يفطر في الحضر . و كان رضي الله عنه زاهداً مُعرضاً عن الدنيا والافتتان بها . قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما . وقال : لقد رأيتنا ونحن متوافرون ، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من ابن عمر وقال حذيفة رضي الله عنه : ما مِنّـا أحد يُفتش إلا يُفتش عن جائفة أو منقلة إلا عمر وابنه . ( والجائفة هي الطعنة الواصلة للجوف ، والـمُنَقِّلـة وهي ما توضّح العظم وتهشمه ) قال ذلك كناية عن المعائب . وقال جابر رضي الله عنه : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به إلا ابن عمر . وقالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر . وقال ميمون بن مهران : دخلت على ابن عمر فقوّمت كل شيء في بيته من أثاث ما يسوى مئة درهم ! وقال مولاه نافع : إنْ كان ابن عمر ليفرّق في المجلس ثلاثين ألفا ، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة لحم . وكان ابن عمر رضي الله عنهما مِن أكثر الناس اتّباعاً للسنة رضي الله عنه . وكان شديد الاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم ولذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تركنا هذا الباب للنساء . قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات . رواه أبو داود . وما رواه مسلم عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها . قال فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن . قال : فأقبل عليه عبد الله فسبّـه سـبّـاً سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : والله لنمنعهن ؟ رقّـة ابن عمر رضي الله عنهما : قال نافع : كان ابن عمر إذا قرأ : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) بكى حتى يغلبه البكاء . وروى عاصم بن محمد العمري عن أبيه قال : ما سمعت ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى . وقال يوسف بن ماهك : رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير ، وعبيد يقصّ ، فرأيت ابن عمر ودموعه تهراق . و عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه تلا : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه ، فأراد رجل أن يقول لأبي : أقصر فقد آذيت الشيخ . وكتب الحجاج إلى ابن عمر : بلغني أنك طلبت الخلافة ، وإنها لا تصلح لعيي ولا بخيل ولا غيور . فكتب إليه : أما ما ذكرت من الخلافة فما طلبتها وما هي من بالي ، وأما ما ذكرت من العي فمن جمع كتاب الله فليس بعيي ، ومن أدى زكاته فليس ببخيل ، وإن أحق ما غرت فيه ولدي أن يشركني فيه غيري ! لما أُريد ابن عمر على الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه أبـى ، وهرب على مكة فرضي الله عنه . قال حبيب بن أبي ثابت أن ابن عمر قال يوم دومة جندل : جاء معاوية على بختي عظيم طويل فقال : ومن الذي يطمع في هذا الأمر ويمدّ إليه عنقه ، قال ابن عمر : فما حدّثت نفسي بالدنيا إلا يومئذ ، هممت أن أقول : يطمع فيه من ضربك وأباك عليه ، ثم ذكرت الجنة ونعيمها فأعرضت عنه . قال ابن عمر رضي الله عنهما : دخلت على حفصة ونوساتها تنطف فقلت : قد كان من الناس ما ترين ، ولم يُجعل لي من الأمر شيء . قالت : فالحق بهم ، فإنهم ينتظرونك وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فُرقة ، فلم يرعه حتى ذهب قال : فلما تفرق الحكمان خطب معاوية فقال : من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إليّ قرنه ! فنحن أحق بذلك منه ومن أبيه . يُعرّض بابن عمر ! فقال له حبيب بن مسلمة : فهلا أجبته فداك أبي وأمي ؟ فقال ابن عمر : حللت حبوتي فهممت أن أقول : أحق بذلك منك من قاتلك وأباك على الإسلام ، فخشيت أن أقول كلمة تفرّق الجمع ، ويسفك فيها الدم ، فذكرت ما أعد الله في الجنان . رواه البخاري . وقال سلام بن مسكين : سمعت الحسن يقول : لما كان من أمر الناس ما كان زمن الفتنة أتوا ابن عمر فقالوا : أنت سيد الناس وابن سيدهم ، والناس بك راضون ، اخرج نبايعك . فقال : لا والله لا يُهراق فيّ محجمة من دم ، ولا في سببي ما كان فيّ روح . ويدلّ على إمامته هذه القصة : لما ابتنى معاوية بالأبطَح مجلسا جلس عليه ومعه ابنه قُرَظَة ، فإذا هو بجماعة على رحال لهم ، وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنى : من يساجلني يساجل ما جداً *** يملأ الدلـو إلى عقد الكُرب قال : من هذا ؟ قالوا : عبدالله بن جعفر . قال : خلُّوا لـه الطريق . ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يتغنى : بينما يذكرنني أبصرنني *** عند قِيد الميل يسعى بي الأغر قلن تعرفن الفتى ؟ قلن : نعم *** قد عرفناه وهل يخفى القمر ؟ قال : من هذا ؟ قالوا : عمر بن أبي ربيعة . قال : خلُّوا لـه الطريق فليذهب . قال : ثم إذا هو بجماعة وإذا فيهم رجل يُسأل ، فيقال لـه : رميت قبل أن أحلق ؟ وحلقت قبل أن أرمي ؟ في أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج ، فقال : من هذا ؟ قالوا : عبد الله بنُ عمر ، فالتَفَتَ إلى ابنه قُرَظَة وقال : هذا الشرف . هذا والله شرف الدنيا والآخرة . قال الإمام مالك : كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر ، مكث ستين سنة يُفتي الناس . شِدّته في الحق : حدّث إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي عن أبيه عن ابن عمر أنه قام إلى الحجاج وهو يخطب فقال : يا عدو الله استُحلّ حرم الله ، وخرب بيت الله . فقال : يا شيخا قد خرّف ، فلما صدر الناس أمر الحجاج بعض مسوّدته فأخذ حربة مسمومة وضرب بها رجل ابن عمر ، فمرض ومات منها ، ودخل عليه الحجاج عائداً ، فسلم فلم يرد عليه ، وكلّمه ، فلم يُجبه . وروى ابن سيرين أن الحجاج خطب فقال : إن ابن الزبير بدّل كلام الله ، فعلم ابن عمر فقال : كذب ! لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت . قال الحجاج : إنك شيخ قد خرّفت الغد ! قال ابن عمر : أما إنك لو عدتَ عدتُ . وفاته رضي الله عنه : توفي رضي الله عنه سنة ثلاث وسبعين من الهجرة . وهو ابن خمس وثمانين سنة . فرضي الله عنه وأرضاه . اللهم إنا نُشهدك على حب عبد الله بن عمر ، وعلى حب أبيه من قبله ، فاحشرنا في زمرتهم عبد الله بن سلاَم سيرة الإمام العالم حبر اليهود وسيّدهم عندما يُريد الله هداية شخص فإن الله يشرح صدره ، ويُهيئ له أسباب ذلك . وقد اشتهرت يهود بشدّة العداوة لأمة الإسلام ولنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) ولذا فإنه لم يُسلم منهم إلا أُناس يُعدّون على الأصابع ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام : لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود . رواه البخاري ومسلم . فاليهود أهل عناد ومُكابرة ، وهم المغضوب عليهم وأريد أن أتناول سيرة رجل من يهود بني قينقاع بل هو عالم من علمائهم وسيّـد من ساداتهم ذلكم هو عبد الله بن سلاَم اسمه : عبد الله بن سلام بن الحارث كنيته : أبو يوسف من ذرية يوسف عليه السلام صحابي جليل ، وهو من بني إسرائيل ، بل هو من ذُريّـة يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام . كان عبد الله يهودياً من يهود بني قينقاع ، فأراد الله به خيراً فأسلم . قال عنه الذهبي في السير : الإمام الحبر ، المشهود له بالجنة حليف الأنصار ، من خواص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . أسلم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . إســلامــه: لِنَدَعـه يُحدّثنا بقصته قال رضي الله عنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه ، وقيل : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت في الناس لأنظر إليه ، فلما استثبتُّ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، وكان أولُ شيء تكلم به أن قال : أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصَلُّـوا والناسُ نيام تدخلوا الجنة بسلام . رواه احمد والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح . ولا يعرف الفضل لأهله إلا أهل الفضل أسئلته للنبي صلى الله عليه وسلم لما عرف تيقّن أنه ليس بكذّاب أراد أن يسأله عن أشياء لا يعرفها إلا نبي روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : سَمِعَ عبدُ الله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف ، فأتى النبيَ صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : فما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينـزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال : أخبرني بهن جبريل آنفا . قال : جبريل ؟! قال : نعم . قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة ! فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ ) ثم قال : أما أولُ أشراط الساعة فنار تحشرُ الناس من المشرق إلى المغرب وأما أولُ طعامِ أهل الجنة فزيادة كبدِ حوت وإذا سبق ماءُ الرجل ماء المرأة نـزع الولد ، وإذا سبق ماءُ المرأة نزعت . قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ، يا رسول الله إن اليهود قومٌ بُهْت ، وإنـهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني . فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيُّ رجلٍ عبدُ الله فيكم ؟ قالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا . قال : أرأيتم إن أسلم عبدُ الله بن سلام ؟ فقالوا : أعاذه الله من ذلك ! فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . فقالوا : شرُّنا وابن شرِّنا وانتقصوه ! قال : فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله . وفي رواية للبخاري : جاء عبد الله بن سلام فقال : أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ ، فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبلوا فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق فأسلموا . قالوا : ما نعلمه . قال : فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : يا ابن سلام اخرج عليهم ، فخرج ، فقال : يا معشر اليهود اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، وأنه جاء بحق . فقالوا : كذبت فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفيه نزل قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) ولهذه الآية قصة فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يوما وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يومَ عيدٍ لهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا يشهدون أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يُحبط الله عن كلِّ يهوديٍ تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه . قال : فأسكتوا ما جاء به منهم أحد . ثم رد عليهم فلم يجبه أحد . ثم ثلّث فلم يجبه أحد . فقال : أبيتم ! فوالله إني لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا النبي المصطفى آمنتم أو كذبتم . ثم انصرف وأنا معه حتى إذا كدنا أن نخرج فنادى رجل من خلفنا : كما أنت يا محمد . قال : فأقبل ، فقال ذلك الرجل : أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود ؟ قالوا : والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك ولا أفقه منك ولا من أبيك قبلك ولا من جدك قبل أبيك . قال : فإني أشهد له بالله إنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة . قالوا : كذبت . ثم ردوا عليه قوله وقالوا فيه شرا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كَذَبْتم لن يقبل الله قولكم . أمّا آنفا فتُثنون عليه من الخير ما أثنيتم ، ولما آمن كذّبتموه وقلتم فيه ما قلتم ، فلن يقبل الله قولكم . قال : فخرجنا ونحن ثلاثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وعبد الله بن سلام وأنزل الله عز وجل فيه الآية . أخرجه الإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في التلخيص وأخرجه ابن حبان والطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين . وهو حديث صحيح . فيُحتمل أن تكون القصة وقعت لفريقين من اليهود دون علم كلِّ فريق بما حصل للآخر ، وذلك أن رواية البخاري جاء فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم فجاءوا ، والرواية الأخرى أنه دخل عليهم كنيسة لهم في يوم عيد لهم . ومن فضائله : من فضائله رضي الله عنه أنه من المبشرين بالجنة فعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بقصعةٍ فأكل منها ففضلت فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجئ رجل من هذا الفج من أهل الجنة يأكل هذه الفضلة . قال سعْدٌ : وكنت تركت أخي عميراً يتوضأ . قال فقلت : هو عمير . قال : فجاء عبد الله بن سلام . رواه أحمد وغيره . وفي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض : إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام . قال : وفيه نزلت هذه الآية ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) الآية . وأنه ممن يؤتون أجورهم مرتين فعبدالله بن سلام من الذين يؤتون أجرهم مرتين . لقوله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت عنده أمةٌ يطؤها فأدبـها فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران . أخرجه البخاري ومسلم . وفيه _ أي في عبدالله بن سلام _ نـزل قوله تعالى : )وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) فعلى رأي بعض المفسرين أن الذي عنده علم من الكتاب هو عبد الله بن سلام . وأخرج البخاري ومسلم عن قيس بن عُبَاد قال : كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع فقالوا : هذا رجل من أهل الجنة ، فصلى ركعتين تجوّز فيهما ثم خرج وتبعته فقلت : إنك حين دخلت المسجد قالوا : هذا رجل من أهل الجنة . قال : والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم ، وسأحدثك لم ذاك رأيت رؤيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه ورأيت كأني في روضة _ ذَكَرَ من سَعتها وخضرتـها _ وسَطَها عمودٌ من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عُروة ، فقيل لي : ارقـه . قلت : لا أستطيع . فأتاني منصف _ والمنصف الخادم _ فرفع ثيابي من خلفي فرَقَيْتُ حتى كنت في أعلاها ، فأخذت بالعروة فقيل لي استمسك فاستيقظت وإنـها لفي يدي فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : تلك الروضة الإسلام ، وذلك العمود عمود الإسلام ، وتلك العروة العروة الوثقى ، فأنت على الإسلام حتى تموت . قال الراوي : وذاك الرجل عبد الله بن سلام . ومن مناقبه رضي الله عنه أنه نصر عثمان يوم الدار . وفاته : توفي رضي الله عنه بالمدينة سنة ثلاث وأربعين . فرضي الله عنه وأرضاه هذا شيء من خبره رضي الله عنه ، وهو من علماء أهل الكتاب ولكنه عرف الحق واتّـبـعه ثم قارن هذا الموقف منه رضي الله عنه بموقف آخر لعالم من علماء اليهود وقد عرف الحق أيضا ذلكم هو شيطان بني النضير حُيي بن أخطب ، فقد حدّثت عنه ابنته صفية – رضي الله عنها – فقالت : كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولدٍ لهما إلا أخذاني دونه . قالت : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حُيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس ، فأتيا كالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا قالت : فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الغمّ . قالت : وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حُيي بن أخطب : أهو هو ؟ قال : نعم والله قال :أتعرفه وتثبته ؟ قال : نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ! رواه ابن إسحاق في السيرة فيما ذكره ابن هشام . فكلهم صدّقوا وعرفوا أنه النبي الذي يجدونه عندهم في التوراة ولكن من عرف وأقر وتابع نجا ومن عرف ولم يُتابع ولم يُقرّ فما له من نجاة . سلمان الفارسي رضي الله عنه، يكنى أبا عبد الله، من أصبهان من قرية يقال لها جي وقيل من رامهرمز، سافر يطلب الدين مع قوم فغدروا به فباعوه لرجل من اليهود ثم إنه كوتب فأعانه النبي في كتابته، أسلم مقدم النبي المدينة، ومنعه الرق من شهود بدر وأحد، وأول غزاة غزاها مع النبي الخندق، وشهد ما بعدها وولاه عمر المدائن. عن عبد الله بن العباس قال: حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلا فارسيًّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جي، وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال: فشغل في بنيان له يومًا فقال لي يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الذي نحن عليه فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت يا أبه مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قلت كلا والله إنه لخير من ديننا، قال فخافني فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته، قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام تجارًا من النصارى فأخبروني بهم، قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال فأخبروني بقدوم تجار فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، قال فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم ألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا الأسقف في الكنيسة، قال فجئته فقلت إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك قال فادخل، فدخلت معه، قال فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئًا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب، قال وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع، قال ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا قالوا وما علمك بذلك؟ قلت أنا أدلكم على كنزه، قالوا فدلنا عليه، قال فأريتهم موضعه، قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقا، قال فلما رأوها قالوا والله لا ندفنه أبدًا، قال فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارًا منه، قال فأحببته حبًّا لم أحبه من قبله فأقمت معه زمانًا ثم حضرته الوفاة قلت له يا فلان، إني كنت معك فأحببتك حبًّا لم أحبه أحداً من قبلك وقد حضرتك الوفاة فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره، قال فقال لي أقم عندي، قال فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له يا فلان إن فلانًا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئت فأخبرته بما جرى وما أمرني به صاحبي، قال فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان، إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني قال أي بني، والله ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته فإنه على مثل أمرنا، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال أقم عندي فأقمت عند رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال وكنت اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة، قال ثم نزل به أمر الله عز وجل فلما حضر قلت له يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني لرجل من يهود فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي، فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال، فلانُ قاتلَ اللهُ بني قيلة! والله، إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم زعم أنه نبي، قال فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي، قال ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة وقال ما لك ولهذا أقبل على عملك، قال قلت لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال، وقد كان شيء عندي قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، قال فقربته إليه فقال رسول الله لأصحابه كلوا وأمسك يده هو فلم يأكل، قال فقلت في نفسي هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا وتحول رسول الله إلى المدينة ثم جئته به فقلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال فقلت في نفسي هاتان اثنتان، قال ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رآني رسول الله استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، قال فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال رسول الله تحول فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس فأعجب رسول الله أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله بدر وأحد، قال ثم قال لي رسول الله كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية فقال رسول الله لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمسة عشر والرجل بعشرة والرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي، قال ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله بيده فوا الذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة فأديت النخل فبقي علي المال، فأتى رسول الله بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما فعل الفارسي المكاتب قال فدُعِيْتُ له، قال فخذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان، قال قلت وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك، قال فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله الخندق ثم لم يفتني معه مشهد. رواه الإمام أحمد. وعن أنس قال: قال رسول الله: السُبَّاق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة. وعن ثابت البناني أن أبا الدرداء ذهب مع سلمان يخطب عليه امرأة من بني ليث فدخل فذكر فضل سلمان وسابقته وإسلامه وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة فقالوا أما سلمان فلا نزوجه ولكنا نزوجك، فتزوجها ثم خرج فقال له إنه قد كان شيء وأنا أستحيي أن أذكره لك قال وما ذاك فأخبره الخبر فقال سلمان أنا أحق أن أستحيي منك أن أخطبها وقد قضاها الله لك رضي الله عنهما. وعن الحسن قال كان عطاء سلمان الفارسي خمسة آلاف وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها فإذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يديه. وعن أبي قلابة أن رجلا دخل على سلمان وهو يعجن فقال: ما هذا؟ قال: بعثنا الخادم في عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين، ثم قال: فلان يقرئك السلام قال: متى قدمت، قال: منذ كذا وكذا فقال أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدها. رواه أحمد. وعن أبي ليلى الكندي قال: قال غلام سلمان لسلمان: كاتبني، قال: ألك شيء قال: لا، قال: فمن أين؟ قال: أسأل الناس، قال: تريد أن تطعمني غسالة الناس. عن ثابت قال: كان سلمان أميرًا على المدائن فجاء رجل من أهل الشام ومعه حمل تبن وعلى سلمان عباءة رثة فقال لسلمان: تعال احمل وهو لا يعرف سلمان فحمل سلمان فرآه الناس فعرفوه فقالوا هذا الأمير فقال: لم أعرفك!! فقال سلمان إني قد نويت فيه نية فلا أضعه حتى أبلغ بيتك. وعن ميمون بن مهران عن رجل من عبد القيس قال: رأيت سلمان في سرية وهو أميرها على حمار عليه سراويل وخدمتاه تذبذبان والجند يقولون قد جاء الأمير قال سلمان: إنما الخير والشر بعد اليوم. وعن أبي الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان فقال سلمان: لكني خلقت من نطفة قذرة ثم أعود جيفة منتنة ثم يؤدى بي إلى الميزان فإن ثقلت فأنا كريم وإن خفت فأنا لئيم. وعن أبي الأسود الدؤلي قال: كنا عند علي ذات يوم فقالوا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن سلمان، قال: من لكم بمثل لقمان الحكيم! ذلك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والآخر، بحر لا ينزف. وأوصى معاذ بن جبل رجلا أن يطلب العلم من أربعة سلمان أحدهم. وعن أبي سفيان عن أشياخه قال: ودخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله توفي رسول الله وهو عنك راض وترد عليه الحوض؟ قال فقال سلمان: أما إني ما أبكي جزعًا من الموت ولا حرصًا على الدنيا ولكن رسول الله عهد الينا فقال لتكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب وحولي هذه الأساود، وإنما حوله إجانة أو جفة أو مطهرة، قال فقال له سعد: يا أبا عبد الله، اعهد الينا بعهد فنأخذ به بعدك، فقال: يا سعد، اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند بذلك إذا قسمت. وقال أهل العلم بالسير: كان سلمان من المعمرين وتوفي بالمدائن في خلافة عثمان وقيل مات سنة ثنتين وثلاثين. صهيب بن سنان بن مالك ويقال خالد بن عبد عمرو بن عقيل ويقال طفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن زيد مناة بن النمر بن قاسط النمري أبو يحيى وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم وهو الرومي قيل له ذلك لأن الروم سبوه صغيرا قال بن سعد وكان أبوه وعمه على الأبلة من جهة كسرى وكانت منازلهم ... " الإصابة " ( 3 / 449 ) . قال ابن تغري بردي : وفيها توفي صهيب بن سنان بن مالك الرومي سبَته الروم فجلب إلى مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي وقيل بل هرب من الروم فقدم مكة وحالف ابن جدعان وكان صهيب من السابقين الأولين شهد بدرا والمشاهد كلها روى عنه أولاده حبيب وزياد وحمزة وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وكعب الأحبار وكنيته أبو يحيى توفي بالمدينة في شوال ونشأ صهيب بالروم فبقيت فيه عجمة . " النجوم الزاهرة " ( 1 / 117 ) . قال ابن عدي : ومنهم صهيب بن سنان الرومي ، ولم يكن روميا وإنما نسب إليهم لأنهم سبوه وباعوه وقيل لأنه كان أحمر اللون وهو من نمر بن قاسط كناه رسول الله أبا يحيى قبل أن يولد له . " الكامل " ( 1 / 590 ) . توفي في شوال سنة 38 هـ والله الهادي وهذه فائدة جديدة وهي : تصريح صهيب الرومي بنسبه ، والرد على عمر بن الخطاب الذي ظن أنه ليس من العرب ! عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لصهيب رضي الله عنهما لولا ثلاث خصال فيك لم يكن بك بأس ، قال : وما هن فوالله ما نراك تعيب شيئا ؟ قال : اكتناؤك بأبي يحيى وليس لك ولد . وادعاؤك إلى النمر بن قاسط وأنت رجل ألكن وأنك لا تمسك المال قال : أما اكتنائي بأبي يحيى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بها فلا أدعها حتى ألقاه . وأما ادعائي إلى النمر بن قاسط فإني امرؤ منهم ولكن استرضع لي بالأيلة فهذه اللكنة من ذاك وأما المال فهل تراني أنفق إلا في حق رواه أحمد ( 18463 ) وصححه شيخنا الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 44 ) . وفيه نزل قال الله تعالى:" ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد". نزلت هذه الآية الكريمة في صهيب الرومي رضي الله عنه، حينما تخلى للمشركين في مكة عن كل مايملك مقابل أن يخلون سبيله ليلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، احتجزوه ومنعوه من الهجرة وقال قائلهم ياصهيب جئتنا صعلوكاً لاتملك شيئاً، وأنت اليوم ذو مال كثير! - يساومونه- فقال لهم رضي الله عنه: أرأيتم إن دللتكم على مالي هل تخلون سبيلي؟ قالوا : نعم . فدلهم على ماله بمكة ثم انطلق مهاجراً في سبيل الله لايلوي علىشيء تاركاً كل مايملك خلف ظهره وهاجرا إلى الله ورسوله ، فلما وصل المدينة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له عليه الصلاة والسلام مهنيئاً له على حسن صنيعه: "ربح البيع أبا يحيى ربح البيع " فلله در صهيب شرى نفسه طلباً لرضوان الله تعالى. هكذا تكون التضحية وإلا فلا ! هذا صهيب وهذا فعله الذي غدا قرآناً يتلى إلى يوم القيامة -------------------------------------------------------------------------------- بلال بن رباح هو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخازنه على بيت ماله، أبو عبد الله. كان أبوه من سبي الحبشة، وأمه (حمامة) سبية أيضا. اشتراه أمية بن خلف الجمحي، وكان يعذبه بحر الرمضاء بعد إسلامه، فاشتراه منه أبو بكر وأعتقه. كان من السبعة الأوائل الذين أظهروا الإسلام، لما شرع الأذان بالمدينة كان هو الذي يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يتناوب الأذان مع ابن أم مكتوم كان ندي الصوت فصيحا. أذن يوم فتح مكه على ظهر الكعبة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. ولما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الأذان، شهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج إلى الشام مجاهدا، ولما قدم عمر بن الخطاب إلى الشام أذن بين يديه لصلاة الظهر فانتحب الناس بالبكاء ،توفي في دمشق وقيل في حلب . - مولى أبي بكر الصديق . - وهو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم . - من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله . - شهد بدراً ، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم على التعيين بالجنة . - عاش بضعاً وستين سنة . - يقال : إنه حبشي ، وقيل : من مولدي الحجاز. - وفي وفاته أقوال : أحدها بداريّا ، في سنة عشرين . - عن زر عن عبد الله : أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر ، وعمّار ، وأمه سمية ، وبلال ، وصهيب ، والمقداد ، فأما النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فمنعهما الله بقومهما ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون ، فألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فما منهم من أحد إلا واتاهم على ما أرادوا إلا بلال ، فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الولدان ، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول أحدٌ أحد. - عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لبلال عند صلاة الصبح: ( حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ، فإني قد سمعت الليلة خشفة نعليك بين يديّ في الجنة ) ، قال: ما عملت عملاً أرجى من أني لم أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت لربي ما كُتب لي أن أصلي . - عن جابر قال عمر : أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً سيدنا. - عن قيس قال: اشترى أبو بكر بلالاً ، وهو مدفون في الحجارة ، بخمس أواق ذهباً ، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناكه ، قال: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته. - عن سعد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون : اطرد هؤلاء عنك فلا يجترؤون علينا ، وكنت أنا وابن مسعود وبلال ورجل من هذيل وآخران ، فأنزل الله ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم) الآيتين ( الأنعام 53،52) . - قالت عائشة : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال ، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول: كل امريءٍ مُصبح في أهله .............. والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعـري هل أبيتن ليلة .................. بواد وحولي إذخر وجليل وهـل أرِدن يومـاً مياه مجنـة ................. وهل يبدون لي شامة وطفيل اللهم العن عتبة ، وشيبة ، وأمية بن خلف ، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء . - عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اشتاقت الجنة إلى ثلاثة: علي وعمّار وبلال) . - عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : قدمنا الشام مع عمر ، فأذن بلال ، فذكر الناس النبي صلى الله عليه وسلم فلم أر يوماً أكثر باكياً منه. - عن أبي الدرداء قال: لما دخل عمر الشام سأل بلال أن يُقره به ، ففعل ، قال: وأخي أبو رُويحة الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينه ، فنزل بداريا في خولان فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان ، فقالوا : إنا قد أتيناكم خاطبين ، وقد كنا كافرين فهدانا الله ، ومملوكين فأعتقنا الله ، وفقيرين فأغنانا الله ، فإن تُزوجونا فالحمد لله ، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله ، فزوجهما. - عن يحيى بن سعيد قال: ذكر عمر فضل أبى بكر ، فجعل يصف مناقبه ، ثم قال: وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته. - قال سعيد بن عبد العزيز : لما احتضر بلال قال : غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه، قال: تقول امرأته: واويلاه ! فقال: وافرحاه! عمار بن ياسر ( 57 ق هـ - 37 هـ / 567 - 657 م ) عمّار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي العنسي , أبو اليقظان صحابي , من الولاة الشجعان ذوي الرأي . وهو أحد السابقين الى الاسلام والجهر به . خرج ياسر بن عامر، والد (عمار) من بلده في اليمن يطلب أخا له، ويبحث عنه.. وفي مكة طاب له المقام، فاستوطنها محالفا أبا حذيفة بن المغيرة.. وزوجه ابو حذيفة احدى امائه (سمية بنت خياط).. ومن هذا الزواج المبارك رزق الله الابوين (عمارا).. وكان اسلامهم مبكرا.. شأن الابرار الذين هداهم الله.. وشأن الابرار المبكرين ايضا، اخذوا نصيبهم الاوفى من عذاب قريش واهوالها.. ووكل امر تعذيبهم الى بني مخزوم، يخرجون بهم جميعا.. ياسر وسمية وعمار كل يوم الى رمضاء مكة الملتهبة، ويصبون عليهم من حميم العذاب ألوانا وفنونا. بشارة الرسول عليه السلام لآل ياسر بالجنة أخبرنا مسلم عن إبراهيم قال أخبرنا هشام الدستوائي قال حدثنا أبو الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مر بآل عمار وهم يعذبون فقال لهم : أبشروا آل عمار فإن موعدكم الجنة. رواه ابن سعد . هاجر الى المدينة , وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان . كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقبه ( الطيب المطيّب ) . وفي الحديث ماخير عمار بين أمرين الا اختار أرشدهما . عن الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه.رواه النسائي وعن عطاء بن يسار عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما.رواه الترمذي حدثنا خالد عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولعلي بن عبد الله ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يسقيانه فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس فقال كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار وقال ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار.رواه ولاّه عمر بن الخطاب الكوفة فأقام بها زمنا وعزل عنها شهد الجمل وصفين مع علي وقتل في معركة صفين وعمره ثلاثة وتسعون عاما . له اثنان وستون حديثاً . حذيفة بن اليمان ( رضوان الله عليه ) حذيفة بن اليَمان بن جابر العبسي وكنيته أبا عبد الله وكان صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، جاء حذيفة هو وأخـوه ووالدهمـا الى رسـول الله واعتنقوا الإسلام ولقد نما -رضي الله عنه- في ظل هذا الديـن ، وكانت له موهبـة في قراءة الوجوه و السرائر ، فعاش مفتوح البصر والبصيرة على مآتي الفتن ومسالك الشرور ليتقيها ، فقد جاء الى الرسول يسأله ( يا رسول الله ان لي لسانا ذربا على أهلي وأخشى أن يدخلني النار )000فقال له النبي ( فأين أنت من الاستغفار ؟؟000اني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة )000هذا هو حذيفة -رضي الله عنه-000 لم يشهد بدراً ، وشهد اُحداً وما بعدها من المشاهد ، وكان أحد الذين ثبتوا على العقيدة . ويوم غزوة أحد كان في ايمانه -رضي الله عنه- وولائه قويا ، فها هو يرى والده يقتل خطأ يوم أحد بأيدي مسلمة ، فقد رأى السيوف تنوشه فصاح بضاربيه ( أبي ، أبي ، انه أبي !!)000ولكن أمر الله قد نفذ ، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن والوجوم ، لكنه نظر اليهم اشفاقا وقال ( يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين )000ثم انطلق بسيفه يؤدي واجبه في المعركة الدائرة000وبعد انتهاء المعركة علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك ، فأمر بالدية عن والد حذيفة ( حسيل بن جابر ) ولكن تصدق بها حذيفة على المسلمين ، فزداد الرسول له حبا وتقديرا عندما دب الفشل في صفوف المشركين وحلفائهم واختلف أمرهم وفرق الله جماعتهم ، دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان ، وكان الطقس باردا والقوم يعانون من الخوف والجوع ، وقال له ( يا حذيفة ، اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا !)000فذهب ودخل في القوم ، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لاتقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء ، فقام أبوسفيان فقال ( يا معشر قريش ، لينظر امرؤ من جليسه ؟)000قال حذيفة ( فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت : من أنت ؟00قال : فلان بن فلان )000فأمن نفسه في المعسكر ، ثم قال أبو سفيان ( يا معشر قريش ، انكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنوقريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل)000ثم نهض فوق جمله، وبدأ المسير، يقول حذيفة ( لولا عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الي الا تحدث شيئا حتى تأتيني ، لقتلته بسهم )000وعاد حذيفة الى الرسول الكريم حاملا له البشرى000 خوفه من الشر كان حذيفة -رضي الله عنه- يرى أن الخير واضح في الحياة ، ولكن الشر هو المخفي ، لذا فهو يقول (000 كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني000 قلت ( يا رسول الله ، انا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟)000قال ( نعم )000 قلت ( فهل من بعد هذا الشر من خير ؟)000قال ( نعم ، وفيه دخن )000 قلت ( وما دخنه ؟)000قال ( قوم يستنون بغير سنتي ، ويهتدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر )000 قلت ( وهل بعد ذلك الخير من شر ؟)000قال ( نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم اليها قذفوه فيها )000 قلت ( يا رسول الله ، فما تأمرني ان أدركني ذلك ؟)000قال ( تلزم جماعة المسلمين وامامهم )000 قلت ( فان لم يكن لهم جماعة ولا امام ؟)000قال ( تعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )000 المنافقون كان حذيفة -رضي الله عنه- يعلم أسماء المنافقين ، أعلمه بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وسأله عمر ( أفي عمّالي أحدٌ من المنافقين ؟)000قال ( نعم ، واحد )000قال ( مَن هو ؟)000قال ( لا أذكره )000قال حذيفة ( فعزله كأنّما دُلَّ عليه )000 وكان عمر إذا مات ميّت يسأل عن حذيفة ، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر ، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر000 آخر ما سمع من الرسول عن حذيفة قال ( أتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي توفاه الله فيه ، فقلت ( يا رسول الله ، كيف أصبحت بأبي أنت وأمي ؟!)000فردَّ عليّ بما شاء الله ثم قال ( يا حذيفة أدْنُ منّي )000فدنوتُ من تلقاء وجههِ ، قال ( يا حُذيفة إنّه من ختم الله به بصومِ يومٍ ، أرادَ به الله تعالى أدْخَلَهُ الله الجنة ، ومن أطعم جائعاً أراد به الله ، أدخله الله الجنة ، ومن كسا عارياً أراد به الله ، أدخله الله الجنة )000قلتُ ( يا رسول الله ، أسرّ هذا الحديث أم أعلنه )000قال ( بلْ أعلنْهُ )000فهذا آخر شيءٍ سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)000 أهل المدائن خرج أهل المدائن لاستقبال الوالي الذي اختاره عمر -رضي الله عنه- لهم ، فأبصروا أمامهم رجلا يركب حماره على ظهره اكاف قديم ، وأمسك بيديه رغيفا وملحا ، وهويأكل ويمضغ ، وكاد يطير صوابهم عندما علموا أنه الوالي -حذيفة بن اليمان- المنتظر ، ففي بلاد فارس لم يعهدوا الولاة كذلك ، وحين رآهم حذيفة يحدقون به قال لهم ( اياكم ومواقف الفتن )000قالوا ( وما مواقف الفتن يا أبا عبدالله ؟)000 قال ( أبواب الأمراء ، يدخل أحدكم على الأمير أو الوالي ، فيصدقه بالكذب ، ويمتدحه بما ليس فيه )000فكانت هذه البداية أصدق تعبير عن شخصية الحاكم الجديد ، ومنهجه في الولاية معركة نهاوند في معركة نهاوند حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفا ، اختار أمير المؤمنين عمر لقيادة الجيوش المسلمة ( النعمان بن مقرن ) ثم كتب الى حذيفة أن يسير اليه على رأس جيش من الكوفة ، وأرسل عمر للمقاتلين كتابه يقول ( اذا اجتمع المسلمون ، فليكن كل أمير على جيشه ، وليكن أمير الجيوش جميعا ( النعمان بن مقرن ) ، فاذا استشهد النعمان فليأخذ الراية حذيفة ، فاذا استشهد فجرير بن عبدالله )000وهكذا استمر يختار قواد المعركة حتى سمى منهم سبعة000 والتقى الجيشان ونشب قتال قوي ، وسقط القائد النعمان شهيدا ، وقبل أن تسقط الراية كان القائد الجديد حذيفة يرفعها عاليا وأوصى بألا يذاع نبأ استشهاد النعمان حتى تنجلي المعركة ، ودعا ( نعيم بن مقرن ) فجعله مكان أخيه ( النعمان ) تكريما له ، ثم هجم على الفرس صائحا ( الله أكبر : صدق وعده ، الله أكبر : نصر جنده )000ثم نادى المسلمين قائلا ( يا أتباع محمد ، هاهي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم ، فلا تطيلوا عليها الانتظار )000وانتهى القتال بهزيمة ساحقة للفرس000 وكان فتح همدان والريّ والدينور على يده ، وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين ، وتزوّج فيها000 اختياره للكوفة أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغا ، فكتب عمر لسعد بن أبي وقاص كي يغادرها فورا بعد أن يجد مكانا ملائما للمسلمين ، فوكل أمر اختيار المكان لحذيفة بن اليمان ومعه سلمان بن زياد ، فلما بلغا أرض الكوفة وكانت حصباء جرداء مرملة ، قال حذيفة لصاحبه ( هنا المنزل ان شاء الله )0 وهكذا خططت الكوفة وتحولت الى مدينة عامرة ، وشفي سقيم المسلمين وقوي ضعيفهم 000 فضله قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( ما من نبي قبلي إلا قد أعطيَ سبعة نُجباء رفقاء ، وأعطيتُ أنا أربعة عشر : سبعة من قريش : عليّ والحسن والحسين وحمزة وجعفر ، وأبو بكر وعمر ، وسبعة من المهاجرين : عبد الله ابن مسعود ، وسلمان وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال )000 رضوان الله عليهم000 قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( استخلفتَ )000فقال ( إنّي إنْ استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم ، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة فصدِّقوه ، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه )000 قال عمر بن الخطاب لأصحابه ( تمنّوا )000فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا فيه مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل الله ، فقال عمر ( لكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان ، فأستعملهم في طاعة الله عزّ وجلّ )000ثم بعث بمال إلى أبي عبيدة وقال ( انظر ما يصنع )000فقسَمَهُ ، ثم بعث بمالٍ إلى حذيفة وقال ( انظر ما يصنع )000فقَسَمه ، فقال عمر ( قد قُلتُ لكم )000 من أقواله لحذيفة بن اليمان أقوالاً بليغة كثيرة ، فقد كان واسع الذكاء والخبرة ، وكان يقول للمسلمين ( ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة ، ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا ، ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه )000 يقول حذيفة ( أنا أعلم النّاس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة ، وما بي أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسرَّ إليَّ شيئاً لم يحدِّث به غيري ، وكان ذكر الفتنَ في مجلس أنا فيه ، فذكر ثلاثاً لا يذَرْنّ شيئاً ، فما بقي من أهل ذلك المجلس غيري )000 كان -رضي الله عنه- يقول ( ان الله تعالى بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم-فدعا الناس من الضلالة الى الهدى ، ومن الكفر الى الايمان ، فاستجاب له من استجاب ، فحيى بالحق من كان ميتا ، ومات بالباطل من كان حيا ، ثم ذهبت النبوة وجاءت الخلافة على منهاجها ، ثم يكون ملكا عضوضا ، فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه ، أولئك استجابوا للحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه ، كافا يده ، فهذا ترك شعبة من الحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ، كافا يده ولسانه ، فهذا ترك شعبتين من الحق ، ومنهم من لاينكر بقلبه ولا بيده ولا بلسانه ، فذلك ميت الأحياء )000 ويتحدث عن القلوب والهدى والضلالة فيقول ( القلوب أربعة : قلب أغلف ، فذلك قلب كافر000وقلب مصفح ، فذلك قلب المنافق 000وقلب أجرد ، فيه سراج يزهر ، فذلك قلب المؤمن000وقلب فيه نفاق و ايمان ، فمثل الايمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب000ومثل المنافق كمثل القرحة يمدها قيح ودم ، فأيهما غلب غلب )000 مقتل عثمان كان حذيفة -رضي الله عنه- يقول ( اللهم إنّي أبرأ إليك من دم عثمان ، والله ما شهدتُ ولا قتلتُ ولا مالأتُ على قتله )000 وفاته لمّا نزل بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً وبكى بكاءً كثيراً ، فقيل ( ما يبكيك ؟)00فقال ( ما أبكي أسفاً على الدنيا ، بل الموت أحب إليّ ، ولكنّي لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ )000 ودخل عليه بعض أصحابه ، فسألهم ( أجئتم معكم بأكفان ؟)000قالوا ( نعم )000قال ( أرونيها )000فوجدها جديدة فارهة ، فابتسم وقال لهم ( ما هذا لي بكفن ، انما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص ، فاني لن أترك في القبر الا قليلا ، حتى أبدل خيرا منهما ، أو شرا منهما )000ثم تمتم بكلمات ( مرحبا بالموت ، حبيب جاء على شوق ، لا أفلح من ندم )000وأسلم الروح الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائن ، وبعد مَقْتلِ عثمان بأربعين ليلة000 ابو هريرة اكثر من روى الحديث عن رسول الله انه احد اعلام الصحابة الرواة الذين اسهموا في حفظ الشريعة ونشرها بين المسلمين كان اكثر من روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه ثمانمائة مسلم بين صحابي وتابع. اسمه عبدالرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم ينتهي نسبه الى الازو اعظم واشهر قبائل العرب كان اسمه في الجاهلية عبد شمس فلما اعتنق الاسلام سماه الرسول عليه الصلاة والسلام عبدالرحمن اشتهر بكنيته (ابو هريرة) حتى غلبت على اسمه فكاد ينسى. سئل ابوهريرة لماذا؟ كنيت بذلك قال ابو هريرة لاني وجدت هرة فحملتها في كمي فقيل لي ابوهريرة ولد ابو هريرة في اليمن ونشأ فيها يرعى الغنم لاهله ويخدمهم وقد توفي والده وهو صغير فنشأ يتيماً وقاسى شظف العيش حتى مَنّ الله عليه بالاسلام على يد الطفيل بن عمرو . فهاجر الى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه اربع سنوات في حله وترحاله. عريف اهل الصفة: كان يدخل بيت النبي ويحضر مجالسه وقد اتخذ الصفة مقاما وجعله النبي عريف اهل الصفة. اذا اراد ان يجمعهم لطعام يطلب من ابي هريرة ان يجمعهم لانه اعرف بهم وبمنازلهم. وكان ابوهريرة يحب النبي حبا شديدا حدث ان رفع الرسول الدرة ليضرب بها اباهريرة فقال ابو هريرة لان يضربني بها احب اليّ من حمر النعم. وكان ابو هريرة يقتدي بالنبي في كل اعماله ويحذر الناس من الانغماس في ملاذ الدنيا وشهواتها. لا يفرق في ذلك بين غني وفقير أو بين حاكم ومحكوم. يرشد الناس الى الحق والصواب. مر ذات يوم بقوم يتوضأون فقال لهم اسبغوا الوضوء فاني سمعت ابا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل للاعقاب من النار». ومما يقوله ابو هريرة : «ان اهل الصفة هم ضيوف الرحمن لا اهل لهم ولا مال. اذا اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسلها اليهم ولم يصب منها شيئا واذا جاءته هدية اصاب منها واشركهم فيها. يقول امام التابعين سعيد بن المسيب: رأيت ابا هريرة يطوف بالسوق. ثم يأتي اهله فيقول: هل عندكم من شئ؟ فان قالوا: لا قال: اني صائم. كان زاهدا في الدنيا ويكتفي من الطعام بسد رمقه - فقد صبر على الفقر طويلا. حتى رزقه الله مالا وفيرا- وكان دائما يذكر ايام فقره ويدعو الناس الى الصبر والشكر ومر ابو هريرة ذات يوم بقوم يذبحون شاة. فدعوه الى تناول الطعام معهم فأبى وقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير قط. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث ابا هريرة مع العلاء الحضرمي الى البحرين لينشرا الاسلام فيها ويفقها الناس في امور دينهم فأنجزا هذه المهمة خير انجاز. ولما تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة جعل ابا هريرة عاملاً على البحرين وقد عينه معاوية بن ابي سفيان واليا على المدينة فترة من الزمن وكان يقول له: نعم الامير انت يا ابا هريرة. فقد كان وهو امير المدينة يمر في السوق حاملا الحطب عل ظهره حتى ان احد المسلمين عرض عليه ان يحمل عنه الحطب فرفض وقال لست افضل من احد فيكم. الصحيفة الصحيحة: كان ابو هريرة يحفظ ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ظهر قلب. كما كان يدعو الناس الى حفظ القرآن الكريم واحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد حفظ التاريخ وثيقة علمية قيمة تضمنت ما املاه ابو هريرة على تلميذه همام بن منبه احد اعلام التابعين التقاة الذين التفوا حول الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه وهذه الوثيقة اطلق عليها (الصحيفة الصحيحة) وقد نقلها الامام احمد بتمامها في مسنده كما نقل الامام البخاري عددا كبيرا من احاديثها في صحيحه. وقد قال ابو هريرة رضي الله عنه عن نفسه «ما من احد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم احفظ لحديثه مني- اللهم إلا عبدالله بن عمر فإنه كان يكتب اما انا فأسمع واحفظ ولا اكتب». معاذ بن جبل رضي الله عنه ( أعلمهم بالحلال و الحرام ) معاذ بن جبل رضي الله عنه " وأَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل000 " حديث شريف معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري000وكنيته أبو عبدالرحمن000أسلم وعمره ثماني عشرة سنـة عندما أسلم سعد بن معاذ -رضي الله عنه - سيد الخزرج الذي طلب من قومه أن يسلمـوا فأسلم الخزرج ومعهم معاذ -رضي اللـه عنه-000وقدم من المدينةالى مكة لمبايعة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ليلـة العقبـة الثانية فبايعه معهم وحضر المشاهـد كلها وروى عن النبـي -صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير من الأحاديث النبوية000 قربه من الرسول لزم معاذ بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة000فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه000وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( استقرئـوا القرآن من أربعـة ( من ابن مسعـود000وسالم مولى أبي حذيفـة000وأبي000ومعاذ بن جبل )000 وقوله - صلى الله عليه وسلم- ( وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل)000 قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( يا مُعاذ ، والله إني لأُحِبّك فلا تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة : اللهم أعِنّي على ذِكْرك وشكرك وحُسْن عبادتك )000ولقد حَـذِق معاذ الدرس وأجاد التطبيـق000فقد لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله ( كيف أصبحت يا معاذ ؟)000قال ( أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله )000قال النبي ( إن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟)000قال معاذ ( ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي ، ولا أمْسَيت مساء إلا ظننت أني لا أُصْبح ، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتْبِعُها غيرها ، وكأني أنظر الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابها ، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون ، وأهل النار في النار يُعَذّبون )000فقال له الرسول ( عرفتَ فالزم)000 ارساله الى اليمن وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ مع رسل ملوك اليمن يعلم الناس دينهم وأوصاه بأمور عدة000 فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- ( بما تحكم يا معاذ ؟)000قال معاذ ( بكتاب الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- (فان لم تجد ؟)000قال معاذ( بسنة رسول الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( فان لم تجد ؟)000قال معاذ ( أجتهد رأي ولا آلو )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله )000 فضله لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه ( لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر )000 ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال ( إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً للـهِ حَنيفـاً ، ولقد كنّـا نُشَبِّـه معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام )000 دخل ( عائذ الله بن عبد الله ) المسجد يوما مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول خلافة عمر فيحدثنا ويقول ( فجلست مجلسا فيه بضعٌ وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وفي الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء ، وهو أشَبُّ القوم سِنّا ، فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم ، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه ، ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه ( من أنت يا عبد الله ؟)000قال ( أنا معاذ بن جبل )000 ويقول ( أبو مسلم الخولاني ) (دخلت مسجد حمص فإذا جماعة من الكهول يتوسّطهم شاب برّاق الثنايا صامت لا يتكلم ، فإذا امْتَرَى القوم في شيء تَوَجَّهوا إليه يسألونه ، فقلت لجليس لي ( من هذا ؟)000 قال ( مُعاذ بن جبل )000فوقع في نفسي حُبُّه )000 كما قال ( شهر بن حَوْشَب ) ( كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل ، نظروا إليه هيبة له )000 حُبّ العلم كان معاذا -رضي الله عنه- دائب الدعوة الى العلم والى ذكر الله ، فقد كان يقول ( احذروا زيْغ الحكيم ، واعرفوا الحق بالحق ، فإن للحق نوراً )000وكان يرى العبادة قصداُ وعدلا ، قال له يوما أحد المسلمين ( علّمني )000فسأله معاذ ( وهل أنت مطيعي إذا علمتك ؟)000قال الرجل ( إني على طاعتك لحريص )000فقال له معاذ ( صُمْ وأفْطِر ، وصَلِّ ونَمْ ، واكْتَسِب ولا تأثَمْ ، ولا تموتنَّ إلا مُسْلِما ، وإياك ودَعْوَة المظلوم )000وكان يرى العلم معرفة وعملا فيقول ( تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا ، فلن ينفعـكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا )000وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس ، يقول الأسود بن هلال ( كُنّا نمشي مع مُعاذ ، فقال لنا اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة )000 طهارته مات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل في اليمن ، وفي خلافة أبي بكر رجِع معاذ الى اليمن ، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ أن معاذاً أثرى فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله ، ولم ينتظر عمر بل نهض مسرعا الى معاذ وأخبره ، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة ، ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه ، وتركه عمر وانصرف ، وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول ( لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء ، أخشى على نفسي الغرق ، حتى جئت فخلصتني يا عمر )000وذهبا معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر ( لا آخذ منك شيئاً )000فنظر عمر الى معاذ وقال له ( الآن حَلَّ وطاب )000فما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا ، لو علم أنه أخذه بغير حق000 أمانته وورعه كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام000وعاد الى زوجـه بحلسه (ما يوضع على ظهر الدابة) الذي خرج به فقاـلت له امرأته ( أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم ؟)000فقال معاذ ( لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي )000فقالت امرأته ( لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك )000وشاعت ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر000فأرسل الى معاذ وسأله أنا أرسلت معك رقيبا)000فقال ( يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذا000وقصدت بالرقيب الله عزوجل )000فأعطاه عمر شيئا وقال ( أرضها به)000 معلما ثم واليا للشام وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- أرسل اليه واليه على الشام يقول ( يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم)000فأرسل اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه-000فلما مات أمير الشام ( أبو عبيدة ) استخلفه أمير المؤمنين على الشام ، ولم يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا ، وكان عمر بن الخطاب يقول ( لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي لماذا استخلفته ؟000لقلت : سمعت نبيك يقول : إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين أيديهم )000وهذا رأيه على خلافة المسلمين جميعا 000 طاعون عمواس أصيب معاذ -رضي الله عنه- بالطاعون ، فلما حضرته الوفاة قال ( مرحبا بالموت مرحبا ، زائر بعد غياب وحبيب وفد على شوق )000ثم جعل ينظر الى السماء ويقول ( اللهم إني كنتُ أخافك ، لكنني اليوم أرجوك ، اللهم انك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار ، وجري الأنهار ، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر ، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة )000ثم فاضت روحه بعيدا عن الأهل داعيا الى الله مهاجرا في سبيله000وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثلاث وثلاثون سنة000 المقداد بن عمرو وأقبل الشيخ أبو معبد .. وهو يحمل لأصحابه حديث (بدر) ، وبدأ حديثه بصوته الهادئ الرزين، وأسلوبه الجميل الجذاب ، يشد المستمعين إليه، قال : أيها المسلمون: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها وبهذه الفقرة القصيرة ، استنفر رسول الله الناس على أبي سفيبان - زعيم المشركين - وهو عائد بتجارته من الشام فقد كفى ما عاناه المسلمون من قريش، وعنتها وبغيها وظلمها ولماذا يبقى المسلمون في تلكؤ، وقد أصبحت من القوة بما يمكنها من مقابلة المشركين، بعد أن ذاقوا منهم الويلات واضطروا إلى هجر مكة، والإقامة بالمدينة والرسول عليه الصلاة و السلام لم يقم يعمل سلبي تجاه قريش وأحقادها - طيلة هذه المدة - إلا لأنه لم يلمس في أصحابه العدة والعدد لمقابلة القوم فكان موقف الدفاع. أما وقد رأى فيهم بعض الإمكانية، فلماذا لا يحرك النفوس، ويمرنهم للهجوم وكانت خير مناسبة هي اعتراض قافلة أبي سفيان، وهي بتجارة قريش بؤوب من الشام، اشترك فيها أهل مكة جميعهم بحيث لم يبق رجل ولا امرأة استطاعوا أن يسهموا في هذه القافلة إلا فعلوا، حتى قدرت بخسين ألف دينار ولهذا فقد خف الكثير من المسلمين عند أمر النبي لهم بنهب القافلة كما تثاقل جماعة عن الخروج تحسباً للمشاكل التي تستتبعها يا أبا الحارث : اسمعت نداء الرسول، وهو أنت ملبيه ؟ نعم يا أبا معبد جزاك الله خيراً يا أبا الحاريث وكان المقداد بن عمرو البهراني، أو المقداد بن الأسود، أبو عبد الله، يهمه كثيراً أمر صاحبه أبي الحارث بن عتبة غزوان، فقد كانا مسلمين يتكتمان بإسلامهما في مكة، ولم يتمكنا من التظاهر في الهجرة مع المهاجرين، وبقيا ينتظران الفرصة المناسبة وأعلن المشركون أن جيشاً بقيادة( عكرمة بن أبي جهل ) يتوجه لغزو محمد، وفي عشية اليوم يزحف القوم.. وقصد عتبة صاحبه المقداد يا أبا معبد، مناسبة رائعة لو نخرج معهم، وعندما نصل إلى جيش المسلمين ننحاز لهم نعم الرأي ما تقول.. وانظما إلى الجيش الزاحف وبلغ رسول الله نبأ هذا الزحف، فأرسل سرية من السملمين يتراوح عددها بين الستين، والثمانين نفر وكلهم من المهاجرين وليس فيهم من الأنصار أحد، وأمر عليهم عبيد بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وسار المسلمون حتى بلغوا ماء في (اسفل ثنية المرة)، ولم تقع بينهما حرب إذ انتهت باتفاق، وانصرف المشركون عائدين إلى مكة وكانت اللحظة الحاسمة بالنسبة للمقداد وعتبة، فلم يكد ينشغل جيش العدو بامر عودته، حتى فر المقداد وصاحبه إلى المسلمين واستقبلهما المسلمون بكل ترحاب، وعند عودتهم إلى المدينة رحب الرسول بالمقداد فقد كان من أصحابه الأوائل واستمر المقداد بصلته، فلم يكن جديد عهد بالإسلام فهو سابع رجل آمن بالدعوة، وكان يروي الرسول أن الله أمر بحب أربعة: علي وسلمان وأبي ذر والمقداد ، ولهذا عندما وصل إلى المدينة ، كان أحد المقربين إلى رسول الله، والملازمين له وكان المقداد من المتحمسين - بعد أن وصل الى المدينة - لنهب قافلة قريش، وخاصة أن الرسول (عليه الصلاة و السلام) يريد ذلك.. ولم يخف على أبي سفيان، وهو في طريقه إلى مكة، أن رسول الله استنصر أصحابه على قافلته، فأرسل رسولاً عاجلاً إلى قريش يوقفهم على النبأ، وعلمه كيف يثيرهم ودخل رسول الله مكة، وقد قطع أذني بعيره، وجدع أنفه وحول رحله، ووقف هو عليه، وقد شق قميصه من قُبل ودُبر وهو يصيح يا معشر قريش! اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان وقد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى تدركوها. الغوث الغوث وهز هذا الصياح أرجاء مكة، ووقف الناس كلهم على أهبة الاستعداد، لا بغضاً بمحمد، ولا حباً لأبي سفيان، إنما لكل منهم نصيب في هذه العير وهذا لم يمنع أبا جهل، وعقبة بن أبي معيط أن يأتيا إلى المسجد وبيد عقبة مجمرة فيها بخور، وبيد ابي جهل مكحلة ومرودن وهما يتنقلان بين المتقاعسين من الخروج لنصرة عير ابي سفيان، يقولان للجالسين استجمر فإنما أنت من النساء، أو اكتحل فإنما أنت امرأة وتحشدت قريش استعداداً للزحف، ودار في كل بيت حديث لهم. إنها المرة الأولى، فلوتم لمحمد ما أراد لم تبق لقريش مهابة بعدها إن قريش وغير قريش من الذين ضاقوا ذرعاً بهذه الدعوة الفتية، كانوا يخشون هذا اليوم، الذي كانوا يحسبون له كل الحساب فهذا محمد الذي تحدثوا عن دعوته كلما جان على لسانهم من بذيء القول وخشن الكلام، وصبوا على اتباعه وأصحابه كل ما في طاقتهم من التعذيب، والتعسف، وإذا بالأيام تدور، وتصبح له القابلية على مقابلتها، ويعتزم مهاجمة عيرها وتصل أخبار قريش إلى الرسول تباعاً، وهو بالمدينة يتأهب للخروج، ويجمع أصحابه في رحبة المسجد، ليخبرهم بتصميمه على الغزو، ويطلب رأي المهاجرين، وإذا ضعفُت نفوس وتخوفت أخرى بعد ان بلغهم أن قريشاً زحفت بصناديدها وقف المقداد وسط الجمع وبكل جرأة يقول: يا رسول الله، إمض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون }، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجادنا معك، وقاتلنا من بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك فقال له رسول الله(صلى الله عليه وسلم): خيراً ودعا له، وأشرق وجهه وسرة، وأعجبه قال ابن مسعود : تمنيت هذا الموقف من المقداد أن يكون لي هو أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم التفت النبي للأنصار، وقال: أشيروا علي أيها الناس قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال النبي : أجل قال : فقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضٍ يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لُصبر في الحرب، صُدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله ، وما أن أتم سعد كلامه حتى هللت امرأة من الطرف الآخر وهي تقول: مرحباً بك يا سيدنا لا فض الله فاك والتفت القوم كلهم إليها، وبدت عليهم الفرحة، هذه هي النساء والرجال تشد أزر رسولها في عزيمته، والبشر تطفح على وجوههم، والإيمان يقوى نفوسهم، ويدور همس بين القوم من المستبشرة؟ إنها (أم عمارة) يا رسول الله، ومعها لمة من نساء الأنصار يعرضن أنفسهن للنصرة جزاهن الله خيراً فليرجعن إلى أخبيتهن، ففي الرجال الكفاية. لقد اندفع أصحاب النبي إلى الاستعداد، فقد بلغ الأمر أن يتنازع الأب والابن على الخروج، يقول القائلون: تنازع سعد بن خيثمة مع أبيه ايهما يبقى مع النساء، فقال سعد لأبيه : إنه لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لارجو الشهادة في وجهي هذا، فقال خيثمة: آثرني وقر مع نسائك، فأبى سعد، فقال خيثمة: إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم، فأسهما، فخرج سهم سعد، فقتل ببدر ويتحدث المتحدثون - أيضاً - : أن عمير بن أبي وقاص كان صغيراً، فأخذ يتوارى عندما استعرض رسول الله أصحابه فقيل له: لماذا تعمل هكذا يا عمير؟ فقال: أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني، فيردني، وأنا احب الخروج، لعل الله يرزقني الشهادة، فعرض على رسول الله فاستصغره فقال له: ارجع، فبكى عمير، فأجازه. وكان يقصر له حمائل سيفه لصغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشر سنة. وأعلن رسول الله ساعة الرحيل في صباح لم تشرق فيه الشمس بعد من أيام رمضان في السنة الثانية للهجرة، وعددهم لم يتجاوز الثلاثمائة وخمسة أشخاص. قد ملكوا من الإبل سبعين بعيراً، وكانوا يتعاقبونها، حتى رسول الله، فقد أردف خلفه علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وذكر أن المقداد كان فارساً وكانت راية المهاجرين بيد علي بن أبي طالب، وراية الأنصار - من الأوس والخزرج - مع سعد بن معاذ وبعد قليل صاح رسول الله بأعلى صوته: سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم وعلى جانبي الطريق وقفت نساء المهاجرين والأنصار يودعن الركب الراحل بقلوب مفعمة بالإيمان والإجلال، وزغردات تبشر بالنصر والمجد ولم تمضِ أيام حتى تقابل الطرفان يستقبلان الحرب ورفع رسول الله يديه إلى السماء قائلاً (اللهم إنك أنزلت علي الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين وأنت لا تخلف الميعاد، اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تخاذل وتكذب رسولك. الله نصرك الذي وعدتني به). ودارت رحى الحرب سجالاً يجول إمام المسلمين علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب وغيرهما من أبطال المسلمين الأشاوس يكشفون الغبرة عن جه المسلمين، ويجندلون الأبطال من المشركين، وكانوا يكرون على الأعداء وعلي يصيح، وهو يضرب بطلاً من أبطالهم، خذها وأنا ابن أبي طالب، فيجيبه حمزة، وهو يشد على الفارس منهم ويجندله، ويصيح: خذها وأنا ابن عبد المطلب، وهكذا بقية المغاوير وما هي إلا فترة من الزمن حتى وضعت الحرب أوزارها وانتصر المسلمون ولاقى من المشركين حتفه كل من أبي جهل وأمية بن خلف، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وغيرهم من قادة المشركين. وانهزمت قريش هزيمة، حتى نقل عن عبد الله بن عمرو بن أمية قال: أخبرني من انكشف من قريش يومئذ منهزماً وأنه ليقول في نفسه: ما رأيت مثل هذا فر منه إلا النساء. وقال آخر: شهدت مع المشركين بدراً، وإني لأنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني، وكثرة من معنا من الخيل والرجل فانهزمت فيمن انهزمت فلقد رايتني، وإني لأنظر إلى المشركين في كل وجه، وإني لأقول في نفسي ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء... وطوت المعركة أنفاس عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة وأبي جهل، وأمية بن خلف وأمثال هؤلاء الطواغيت ولكن أبا سفيان لم يخمد، وهو رأس الفتنة، وزعيمهم وجن الليل، وقد هدأـ الأنفاس المتعبة من ثقل الحرب وهومت العيون، التي أرهقت من يوم عسير الحركة، دامي الوجه… فخرج رسول الله، ومن خلفه من أصحابه يحرسونه منهم {{علي، والمقداد}}، ووقف على البئر - الذي أمر فطرح به جثث المشركين - وقال {يا أهل القليب، يا عُتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل،ثم أتيى بأسماء بعض من كان منهم في القليب ـ : هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً.. يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني، وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً؟ فقال المسلمون: يا رسول الله، أتنادي قوماً قد أجيفوا قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني وعاد المسلمون إلى المدينة والنصر يرفرف عليهم، ولكن الأيام لم تدع المسلمين في راحة. فقريش لم تنم على ضيم، وبقيت تلاحق النبي كلما ساعدتها ظروفها من غزوة إلى أخرى، والمقداد الذي أخلص لنبيه، وآمن بدعوته، كان لساناً صادقاً له، وسيفاً مخلصاً في وجه أعدائه، لم تمنعه ما منعة عن مصاحبة نبيه في غزواته ولا تقاعس عن نصرته لحظة ما وآخي رسول الله بين المقداد، وبين عبدالله بن رواحة وقيل بينهوبين أبي ذر الغفاري وكان موقفه المشرف يتجلى مع سيدي ومولاي علي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول، فقد وفى له، يخوض غمار الموت دونه، ويدفع عنه الأخطار ما استطاع، وشهد فتح مصر ولم يتخلف عن واجبه الديني، فهو جندي في ساحة الميدان، وموجه في مضمار الدعوة وأمين على الرسالة يوم تزعزع الناس رحم الله المقداد، فقد كان من الضلاء النجباء، الكبار الأخيار من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ممن رعاهم بعنايته، حتى روي عنه أنه قال أكثر من مرة { أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم وهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان} وفي عام 33 لبي نداء ربه في أرضه بالجرف، وحمل إلى لمدينة فدفن بها وكان ابن سبعين
طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة (( من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة )) حديث شريف طلحة بن عبيـد اللـه بن عثمان التيمـي القرشي المكي المدني ، أبو محمـد... لقد كان في تجارة له بأرض بصرى ، حين لقي راهبا من خيار رهبانها ، وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من أرض الحرم ، قد أهل عصره ، ونصحه باتباعه...وعاد الى مكـة ليسمع نبأ الوحي الذي يأتي الصادق الأميـن ، والرسالة التي يحملها ، فسارع الى أبي بكر فوجـده الى جانب محمد مؤمنا ، فتيقن أن الاثنان لن يجتمعا الا علـى الحق ، فصحبه أبـو بكر الى الرسـول -صلى الله عليه وسلم- حيث أسلم وكان من المسلمين الأوائل.. لقد كان طلحة -رضي الله عنه- من أثرياء قومه ومع هذا نال حظه من اضطهاد المشركين ، وهاجر الى المدينة وشهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الا غزوة بدر ، فقد ندبه النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه سعيد بن زيد الى خارج المدينة ، وعند عودتهما عاد المسلمون من بدر ، فحزنا الا يكونا مع المسلمين ، فطمأنهما النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لهما أجر المقاتلين تماما ، وقسم لهما من غنائم بدر كمن شهدها... وقد سماه الرسول الكريم يوم أحُد ( طلحة الخير )...وفي غزوة العشيرة ( طلحة الفياض )...ويوم حنين ( طلحة الجود ) وفي أحد...أبصر طلحة -رضي الله عنه- جانب المعركة الذي يقف فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلقيه هدفا للمشركين ، فسارع وسط زحام السيوف والرماح الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرآه والدم يسيل من وجنتيه ، فجن جنونه وقفز أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- يضرب المشركين بيمينه ويساره ، وسند الرسول -صلى الله عليه وسلم وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ، ويقول أبو بكر -رضي الله عنه- عندما يذكر أحدا ذلك كله كان يوم طلحة ، كنت أول من جاء الى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي الرسول ولأبي عبيدة بن الجراح :"دونكم أخاكم..." ونظرنا ، واذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية ، واذا أصبعه مقطوعة ، فأصلحنا من شأنه )... وقد نزل قوله تعالى :" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلا "... تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية أمام الصحابة الكرام ، ثم أشار الى طلحة قائلا ( من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض ، وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة )... ما أجملها من بشرى لطلحة -رضي الله عنه- ، فقد علم أن الله سيحميه من الفتنة طوال حياته وسيدخله الجنة فما أجمله من ثواب... وهكذا عاش طلحة -رضي الله عنه- وسط المسلمين مرسيا لقواعد الدين ، مؤديا لحقوقه ، واذا أدى حق ربه اتجه لتجارته ينميها ، فقد كان من أثرى المسلمين ، وثروته كانت دوما في خدمة الدين ، فكلما أخرج منها الشيء الكثير ، أعاده الله اليه مضاعفا ، تقول زوجته سعدى بنت عوف ( دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما ، فسألته : ما شأنك ؟...فقال : المال الذي عندي ، قد كثر حتى أهمني وأكربني...وقلت له : ما عليك ، اقسمه...فقام ودعا الناس ، وأخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهما )... وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال ، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع وقال (ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري مايطرق من أمر ، لمغرور بالله )...فدعا بعض أصحابه وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها حتى أسحر وما عنده منها درهما... وكان -رضي الله عنه- من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه ، وكان يعولهم جميعا ، لقد قيل ( كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مئونته ، ومئونة عياله )...( وكان يزوج أياماهم ، ويخدم عائلهم ، ويقضي دين غارمهم )...ويقول السائب بن زيد ( صحبت طلحة بن عبيد الله في السفر و الحضر فما وجدت أحدا ، أعم سخاء على الدرهم ، والثوب ، والطعام من طلحة )... وعندما نشبت الفتنة في زمن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أيد طلحة حجة المعارضين لعثمان ، وزكى معظمهم فيما ينشدون من اصلاح ، ولكن أن يصل الأمر الى قتل عثمان -رضي الله عنه- ، لا...لكان قاوم الفتنة ، وما أيدها بأي صورة ، ولكن ماكان كان ، أتم المبايعة هو والزبير لعلي -رضي الله عنهم جميعا- وخرجوا الى مكة معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان... وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري ...طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة ( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)...ثم قال للزبير ( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟...فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟...فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )... فقال الزبير ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك )... وأقلع طلحـة و الزبيـر -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعـا حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا ، فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته ... وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا ( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمـان من الذين قال الله فيهم ( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين )...ثم نظر الى قبريهما وقال ( سمعت أذناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة )...0 ولمّا قُتِلَ طلحة دُفِنَ الى جانب الفرات ، فرآه حلماً بعض أهله فقال ( ألاّ تُريحوني من هذا الماء فإني قد غرقت )...قالها ثلاثاً ، فأخبر من رآه ابن عباس ، فاستخرجوه بعد بضعة وثلاثين سنة ، فإذا هو أخضر كأنه السِّلْق ، ولم يتغير منه إلا عُقْصته ، فاشتروا له داراً بعشرة آلاف ودفنوه فيها ، وقبره معروف بالبصرة ، وكان عمره يوم قُتِلَ ستين سنة وقيل أكثر من ذلك . الزبيـر بن العوام حواريّ رسول الله (( إن لكل نبي حواريّاً ، وحواريّ الزبير بن العوام )) حديث شريف الزبير بن العوام يلتقي نسبه مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-في ( قصي بن كلاب )... كما أن أمه ( صفية ) عمة رسول الله ، وزوجته أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين ، كان رفيع الخصال عظيم الشمائل ، يدير تجارة ناجحة وثراؤه عريضا لكنه أنفقه في الإسلام حتى مات مدينا... ويرتبط ذكرالزبيـر دوما مع طلحة بن عبيد الله ، فهما الاثنان متشابهان في النشأة والثراء والسخاء والشجاعة وقوة الدين ، وحتى مصيرهما كان متشابها فهما من العشرة المبشرين بالجنة وآخى بينهما الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، ويجتمعان بالنسب والقرابة معه ، وتحدث عنهما الرسول قائلا ( طلحة والزبيـر جاراي في الجنة ) ، و كانا من أصحاب الشورى الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب لإختيار خليفته ... أسلم الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة ، وكان من السبعة الأوائل الذين سارعوا بالإسلام ، وقد كان فارسا مقداما ، وإن سيفه هو أول سيف شهر بالإسلام ، ففي أيام الإسلام الأولى سرت شائعة بأن الرسول الكريم قد قتل ، فما كان من الزبير إلا أن استل سيفه وامتشقه ، وسار في شوارع مكة كالإعصار ،وفي أعلى مكة لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فسأله ماذا به ؟...فأخبره النبأ... فصلى عليه الرسول ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب وكان للزبير -رضي الله عنه- نصيبا من العذاب على يد عمه ، فقد كان يلفه في حصير ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه ، ويناديه ( اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا العذاب )...فيجيب الفتى الغض ( لا والله ، لا أعود للكفر أبدا )...ويهاجر الزبير الى الحبشة الهجرتين ، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-... وفي غزوة أحد وبعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكة ، ندب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الزبير وأبوبكر لتعقب جيش المشركين ومطاردته ، فقاد أبوبكر والزبير -رضي الله عنهما- سبعين من المسلمين قيادة ذكية ، أبرزا فيها قوة جيش المسلمين ، حتى أن قريش ظنت أنهم مقدمة لجيش الرسول القادم لمطاردتهم فأسرعوا خطاهم لمكة هاربين... وفي يوم الخندق قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( مَنْ رجلُ يأتينا بخبر بني قريظة ؟)...فقال الزبير ( أنا )...فذهب ، ثم قالها الثانية فقال الزبير ( أنا )...فذهب ، ثم قالها الثالثة فقال الزبيـر ( أنا )...فذهب ، فقال النبـي -صلى الله عليه وسلم- ( لكل نبيّ حَوَارِيٌّ، والزبيـر حَوَاريَّ وابن عمتي )... وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أرسل الرسول الزبيـر وعلي بن أبي طالب فوقفا أمام الحصن يرددان( والله لنذوقن ماذاق حمزة ، أو لنفتحن عليهم حصنهم )...ثم ألقيا بنفسيهما داخل الحصن وبقوة أعصابهما أحكما وأنزلا الرعب في أفئدة المتحصـنين داخله وفتحا للمسلمين أبوابه... وفي يوم حنين أبصر الزبيـر ( مالك بن عوف ) زعيم هوازن وقائد جيوش الشرك في تلك الغزوة ، أبصره واقفا وسط فيلق من أصحابه وجيشه المنهزم ، فاقتحم حشدهم وحده ، وشتت شملهم وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض المسلمين العائدين من المعركة... كان الزبير بن العوام شديد الولع بالشهادة ، فهاهو يقول ( إن طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء ، وقد علم ألا نبي بعد محمد ، وإني لأسمي بنيّ بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون )... وهكذا سمى ولده عبد الله تيمنا بالشهيد عبد الله بن جحش وسمى ولـده المنـذر تيمنا بالشهيد المنـذر بن عمـرو وسمى ولـده عـروة تيمنا بالشهيد عـروة بن عمـرو وسمى ولـده حمـزة تيمنا بالشهيد حمزة بن عبد المطلب وسمى ولـده جعفـراً تيمنا بالشهيد جعفر بن أبي طالب وسمى ولـده مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عميـر وسمى ولـده خالـدا تيمنا بالشهيد خالـد بن سعيـد وهكذا أسماهم راجيا أن ينالوا الشهادة في يوم ما... كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته ، وحين كان يجود بروحه أوصى ولده عبد الله بقضاء ديونه قائلا ( إذا أعجزك دين ، فاستعن بمولاي )...وسأله عبد الله ( أي مولى تعني ؟)... فأجابه ( الله ، نعم المولى ونعم النصير )...يقول عبدالله فيما بعد ( فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير اقضي دينه ، فيقضيه )... وبعد استشهاد عثمان بن عفان أتم المبايعة الزبير و طلحة لعلي -رضي الله عنهم جميعا- وخرجوا الى مكة معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان ، وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري ... طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة ( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)0ثم قال للزبير ( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟0فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟...فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )... فقال الزبير ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك )... وأقلع طلحة و الزبير -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعا حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته ... ولمّا كان الزبير بوادي السباع نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله و سارع قاتل الزبير الى علي يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي استلبه بين يديه ، لكن عليا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن وأمر بطرده قائلا ( بشر قاتل ابن صفية بالنار )...وحين أدخلوا عليه سيف الزبير قبله الإمام وأمعن في البكاء وهو يقول ( سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله )... وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات انهاها قائلا ( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمان من الذين قال الله فيهم ( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين )...ثم نظر الى قبريهما وقال ( سمعت أذناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة )...0 سعد بن أبي وقـاص أحد العشرة المبشرين بالجنة (( يا سعد : ارم فداك أبي و أمي )) حديث شريف سعد بن مالك بن أهيب الزهري القرشي أبو اسحاق...فهو من بني زهرة أهل آمنة بنت وهب أم الرسول - صلى الله عليه وسلم- ...فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعتز بهذه الخؤولة فقد ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان جالسا مع نفر من أصحابه فرأى سعد بن أبي وقاص مقبلا فقال لمن معه :"هذا خالي فليرني أمرؤ خاله"... كان سعد -رضي الله عنه- من النفر الذين دخلوا في الاسلام أول ما علموا به...فلم يسبقه الا أبوبكر و علي وزيد و خديجة...قال سعد ( بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوا الى الاسلام مستخفيا فعلمت أن الله أراد بي خيرا وشاء أن يخرجني بسببه من الظلمات الى النور ...فمضيت اليه مسرعا حتى لقيته في شعب جياد وقد صلى العصر فأسلمت...فما سبقني أحد الا أبي بكر وعلي وزيد -رضي الله عنهم- ، وكان ابن سبع عشرة سنة...كما يقول سعد -رضي الله عنه- ( لقد أسلمت يوم أسلمت وما فرض الله الصلوات )... يقول سعد -رضي الله عنه- ( وما سمعت أمي بخبر اسلامي حتى ثارت ثائرتها وكنت فتى بارا بها محبا لها فأقبلت علي تقول ( يا سعد...ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك و أبيك؟ والله لتدعن دينك الجديد أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزنا علي ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتعيرك الناس أبد الدهر ) فقلت : لاتفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأي شيء )...الا أن أمه اجتنبت الطعام ومكثت أياما على ذلك فهزل جسمها وخارت قواها...فلما رأها سعد قال لها ( يا أماه اني على شديد حبي لك لأشد حبا لله ولرسوله ووالله لو كان لك ألف نفس فخرجت منك نفسا بعد نفس ما تركت ديني هذا بشيء )...فلما رأت الجد أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كره منها... ونزل قوله تعالى :"ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك الي المصير...وأن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب الي ثم الي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون "... كان الرسول -صلى الله عليه وسلم يجلس بين نفر من أصحابه ، فرنا ببصره الى الأفق في إصغاء من يتلقى همسا وسرا ، ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة )...وأخذ الصحاب يتلفتون ليروا هذا السعيد ، فإذا سعد بن أبي وقاص آت...وقد سأله عبدالله بن عمرو بن العاص أن يدله على ما يتقرب به الى الله من عبادة وعمل فقال له ( لا شيء أكثر مما نعمل جميعا ونعبد ، غير أني لا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوءا )... وكان سعد بن أبي وقاص إذا رمى عدوا أصابه وإذا دعا الله دعاء أجابه ، وكان الصحابة يردون ذلك لدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- له ( اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته )...ويروى أنه رأى رجلا يسب طلحة وعليا والزبير فنهاه فلم ينته فقال له ( إذن أدعو عليك )...فقال الرجل ( أراك تتهددني كأنك نبي !)...فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه قائلا ( اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواما سبقت لهم منك الحسنى ، وأنه قد أسخطك سبه إياهم ، فاجعله آية وعبرة )...فلم يمض غير وقت قصير حتى خرجت من إحدى الدور ناقة نادّة لا يردها شيء ، حتى دخلت في زحام الناس ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها ، ومازالت تتخبطه حتى مات... وفي بداية الدعوة ، كان أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا صلوا ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم ، فبينما سعد بن أبي وقاص في نفر من الصحابة في شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون ، فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم ، فضرب سعد -رضي الله عنه- يومئذ رجلاً من المشركين بلحي بعير فشجه ( العظم الذي فيه الأسنان ) ، فكان أول دم هريق في الإسلام... وبعثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سرية عبيدة بن الحارث -رضي الله عنه- الى ماء بالحجاز أسفل ثنية المرة فلقوا جمعا من قريش ولم يكن بينهم قتال ألا أن سعد قد رمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في الاسلام... وشارك في أحد وتفرق الناس أول الأمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووقف سعد يجاهد ويقاتل فلما رآه الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرمي جعل يحرضه ويقول له ( يا سعد ......0ارم فداك أبي وأمي )...وظل سعد يفتخر بهذه الكلمة طوال حياته ويقول ( ما جمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأحد أبويه الا لي ) وذلك حين فداه بهما... وعندما احتدم القتال مع الفرس ، أراد أمير المؤمنين عمر أن يقود الجيش بنفسه ، ولكن رأى الصحابة أن تولى هذه الإمارة لرجل آخر واقترح عبدالرحمن بن عوف ( الأسد في براثنه ، سعد بن مالك الزهري )... وقد ولاه عمر -رضي الله عنه- امرة جيش المسلمين الذي حارب الفرس في القادسية وكتب الله النصر للمسلمين وقتلوا الكافرين وزعيمهم رستم...وعبر مع المسلمين نهر دجلة حتى وصلوا المدائن وفتحوها ، وكان إعجازا عبور النهر بموسم فيضانه حتى أن سلمان الفارسي قد قال ( إن الإسلام جديد ، ذللت والله لهم البحار ، كما ذللت لهم البر ، والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا ، كما دخلوه أفواجا )... وبالفعل أمن القائد الفذ سعد مكان وصول الجيش بالضفة الأخرى بكتيبة الأهوال وكتيبة الخرساء ، ثم اقتحم النهر بجيشه ولم يخسر جنديا واحدا في مشهد رائع ، ونجاح باهر... ودخل سعد بن أبي وقاص ايوان كسرى وصلى فيه ثماني ركعات صلاة الفتح شكرا لله على نصرهم ... وولاه عمر -رضي الله عنهما- إمارة العراق ، فراح سعد يبني ويعمر في الكوفة ، وذات يوم اشتكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين فقالوا ( إن سعدا لا يحسن يصلي )...ويضحك سعدا قائلا ( والله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله ، أطيل في الركعتين الأوليين وأقصر في الآخرين )...واستدعاه عمر الى المدينة فلبى مسرعا ، وحين أراد أن يعيده الى الكوفة ضحك سعدا قائلا ( أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة ؟!)...ويؤثر البقاء في المدينة... و عندما حضرت عمر -رضي الله عنه- الوفاة بعد أن طعنه المجوسي...جعل الأمر من بعده الى الستة الذين مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض و أحدهم سعد بن أبي وقاص ، وقال عمر ( إن وليها سعد فذاك ، وإن وليها غيره فليستعن بسعد )... وقد اعتزل سعد الفتنة وأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا له أخبارها ، وذات يوم ذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ويقول له ( يا عم ، ها هنا مائة ألف سيف يرونك أحق الناس بهذا الأمر )...فيجيبه سعد ( أريد من مائة ألف سيف ، سيفا واحدا ، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا ، وإذا ضربت به الكافر قطع )...فتركه ابن أخيه بسلام...وحين انتهى الأمر لمعاوية سأل سعدا ( مالك لم تقاتل معنا ؟)...فأجابه ( إني مررت بريح مظلمة فقلت : أخ...أخ...وأنخت راحلتي حتى انجلت عني )...فقال معاوية ( ليس في كتاب الله أخ...أخ...ولكن قال الله تعالى ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )... وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة مع الباغية )...فأجاب سعد قائلا ( ما كنت لأقاتل رجلا -يعني علي بن أبي طالب- قال له الرسول : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )... وعمر سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- كثيرا...وأفاء الله عليه من المال الخير الكثير... لكنه حين أدركته الوفاة دعا بجبة من صوف بالية وقال ( كفنوني بها فاني لقيت بها المشركين يوم بدر...واني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضا ) ... وكان رأسه بحجر ابنه الباكي فقال له ( ما يبكيك يا بني ؟...إن الله لا يعذبني أبدا ، وإني من أهل الجنة )...فقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبيرا...وكانت وفاته سنة خمس وخمسين من الهجرة النبوية...وكان آخر المهاجرين وفاة ، ودفن في البقيع... عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة (( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )) حديث شريف عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين الى الإسلام ، عرض عليه أبو بكر الإسلام فما غُـمَّ عليه الأمر ولا أبطأ ، بل سارع الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبايعه وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد المشركين ، هاجر الى الحبشة الهجـرة الأولى والثانيـة ، كما هاجر الى المدينـة مع المسلميـن وشهـد المشاهد كلها ، فأصيب يوم أُحُد بعشريـن جراحا إحداها تركت عرجا دائما في ساقه ، كما سقطت بعـض ثناياه فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه... وكان -رضي الله عنه- محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عَجَبه فقال ( لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا )...وكانت التجارة عند عبد الرحمن بن عوف عملاً وسعياً لا لجمع المال ولكن للعيش الشريف ، وهذا ما نراه حين آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار ، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع ،فقال سعد لعبد الرحمن ( أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا ، فانظر شطر مالي فخذه ، وتحتي امرأتان ، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها )...فقال عبد الرحمن ( بارك الله لك في أهلك ومالك ، دُلوني على السوق )...وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح... وكانت تجارة عبد الرحمن بن عوف ليست له وحده ، وإنما لله والمسلمون حقا فيها ، فقد سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول يوما ( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )...ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله قرضـا حسنا ، فيضاعفـه الله له أضعافـا ، فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعا على أهله من بني زُهرة وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين ،وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام ، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة... وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله ، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان نصيبا من الوصية فأخذها وقال ( إن مال عبد الرحمن حلال صَفْو ، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة )...وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل ( أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله ، ثُلث يقرضهم ، وثُلث يقضي عنهم ديونهم ، وثلث يصِلَهم ويُعطيهم )...وخلّف بعده ذهبُ كثير ، ضُرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال... وفي أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال ، لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجَّها رجّا ، وسألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ( ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟)...وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له فَعَجِبَت أم المؤمنين ( قافلة تحدث كل هذه الرجّة ؟)...فقالوا لها ( أجل يا أم المؤمنين ، إنها سبعمائة راحلة )... وهزّت أم المؤمنين رأسها وتذكرت ( أما أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا )...ووصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن بن عوف ، فتذكر أنه سمع هذا الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة ، فحثَّ خُطاه الى السيدة عائشة وقال لها ( لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه )...ثم قال ( أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله )...ووزِّعَت حُمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها... و وثراء عبد الرحمن -رضي الله عنه- كان مصدر إزعاج له وخوف ، فقد جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما ، فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم قال ( استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكُـفّـن في بردة إن غطّت رأسه بدت رجلاه ، وإن غطّت رجلاه بدا رأسه ، واستشهد حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد له ما يُكَـفّـن فيه إلا بردة ، ثم بُسِـطَ لنا في الدنيا ما بُسـط ، وأعطينا منها ما أعطينا وإني لأخشى أن نكون قد عُجّلـت لنا حسناتنا )... كما وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى ، وسألوه ( ما يبكيك يا أبا محمد ؟)... قال ( لقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ، ما أرانا أخّرنا لما هو خير لنا )... ووفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا ، فقد قيل ( أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه ، ما استطاع أن يميزه من بينهم )... وكان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة لهم من بعده قائلا ( لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض )...وأشار الجميع الى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال ( والله لأن تُؤخذ مُدْية فتوضع في حَلْقي ، ثم يُنْفَذ بها إلى الجانب الآخر ، أحب إليّ من ذلك )...وفور اجتماع الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي أعطاه إياه عمر ، وجعل الأمر بين الخمسة الباقين ، فاختاروه ليكون الحكم بينهم وقال له علي -كرم الله وجهه- ( لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصفَك بأنك أمين في أهل السماء ، وأمين في أهل الأرض )...فاختار عبد الرحمن بن عوف ( عثمان بن عفان ) للخلافة ، ووافق الجميع على إختياره... وفي العام الثاني والثلاثين للهجرة جاد بأنفاسه -رضي الله عنه- وأرادت أم المؤمنين أن تخُصَّه بشرف لم تخصّ به سواه ، فعرضت عليه أن يُدفن في حجرتها الى جوار الرسول وأبي بكر وعمر ، لكنه استحى أن يرفع نفسه الى هذا الجوار ، وطلب دفنه بجوار عثمان بن مظعون إذ تواثقا يوما أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه...وكانت يتمتم وعيناه تفيضان بالدمع ( إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال )...ولكن سرعان ما غشته السكينة واشرق وجهه وأرْهِفَت أذناه للسمع كما لو كان هناك من يحادثه ، ولعله سمع ما وعده الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( عبد الرحمن بن عوف في الجنة )... سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيْل العدوي القرشي ، أبو الأعور ، من خيار الصحابة ابن عم عمر بن الخطاب وزوج أخته ، ولد بمكة عام ( 22 قبل الهجرة ) وهاجر الى المدينـة ، شهد المشاهد كلها إلا بدرا لقيامه مع طلحة بتجسس خبر العير ، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، كان من السابقين الى الإسلام هو وزوجته أم جميل ( فاطمة بنت الخطـاب )... وأبوه -رضي الله عنه- ( زيـد بن عمرو ) اعتزل الجاهليـة وحالاتها ووحّـد اللـه تعالى بغيـر واسطـة حنيفيـاً ، وقد سأل سعيـد بن زيـد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال ( يا رسـول الله ، إن أبـي زيـد بن عمرو بن نفيل كان كما رأيت وكما بَلَغَك ، ولو أدركك آمن بـك ، فاستغفر له ؟)... قال ( نعم )...واستغفر له...وقال ( إنه يجيءَ يوم القيامة أمّةً وحدَهُ ). روي عن سعيد بن زيد أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل ، و أبو عبيدة بن الجراح )...رضي الله عنهم أجمعين... وكان -رضي الله عنه- مُجاب الدعوة ، وقصته مشهورة مع أروى بنت أوس ، فقد شكته الى مروان بن الحكم ، وادَّعت عليه أنّه غصب شيئاً من دارها ، فقال ( اللهم إن كانت كاذبة فاعْمِ بصرها ، واقتلها في دارها )...فعميت ثم تردّت في بئر دارها ، فكانت منيّتُها... وكان سعيد بن زيد موصوفاً بالزهد محترماً عند الوُلاة ، ولمّا فتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق ولاّه إيّاها ، ثم نهض مع مَنْ معه للجهاد ، فكتب إليه سعيد ( أما بعد ، فإني ما كنت لأُوثرَك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يُدْنيني من مرضاة ربّي ، وإذا جاءك كتابي فابعث إلى عملِكَ مَنْ هو أرغب إليه مني ، فإني قادم عليك وشيكاً إن شاء الله والسلام )... وكتب معاوية إلى مروان بالمدينة يبايع لإبنه يزيد ، فقال رجل من أهل الشام لمروان ( ما يحبسُك ؟)...قال مروان ( حتى يجيء سعيد بن زيد يبايع ، فإنه سيـد أهل البلد ، إذا بايع بايع الناس )...قال ( أفلا أذهب فآتيك به ؟)...وجاء الشامـي وسعيد مع أُبيّ في الدار ، قال ( انطلق فبايع )...قال ( انطلق فسأجيء فأبايع )...فقال ( لتنطلقنَّ أو لأضربنّ عنقك )...قال ( تضرب عنقي ؟ فوالله إنك لتدعوني إلى قوم وأنا قاتلتهم على الإسلام )... فرجع إلى مروان فأخبره ، فقال له مروان ( اسكت )...وماتت أم المؤمنين ( أظنّها زينب ) فأوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد ، فقال الشامي لمروان ( ما يحبسُك أن تصلي على أم المؤمنيـن ؟)...قال مروان ( أنتظر الذي أردت أن تضرب عنقـه ، فإنها أوصت أن يُصلي عليها )...فقال الشامي ( أستغفر الله )... و توفي بالمدينة سنة ( 51 هـ ) ودخل قبره سعد بن أبي الوقاص وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم أجمعين-. أبوعبيدة بن الجراح أحد العشرة المبشرين بالجنة (( لكل أمة أمينا وأميننا أيتها الأمة أبوعبيدة عامر الجراح )) حديث شريف أبوعبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح الفهري...يلتقي مع النبي-صلى الله عليه وسلم- في أحد أجداده (فهر بن مالك)...وأمه من بنات عم أبيه...أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر 0 كان -رضي الله عنه- طويل القامة ، نحيف الجسم ، خفيف اللحية...أسلم على يد أبي بكر الصديق في الأيام الأولى للاسلام ، وهاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية ثم عاد ليشهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- المشاهد كلها... وفي غزوة بدر جعل أبو ( أبو عبيدة ) يتصدّى لأبي عبيدة ، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلمّا أكثر قصدَه فقتله ، فأنزل الله هذه الآية... قال تعالى ( لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليومِ الآخر يُوادُّون مَنْ حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءَ هُم أو أبناءَ هم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتبَ في قلوبهم الأيمان ")... ويقول أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-( لما كان يوم أحد ، ورمي الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر ، أقبلت أسعى الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وانسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا ، فقلت : اللهم اجعله طاعة ، حتى اذا توافينا الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اذا هو أبوعبيدة بن الجراح قد سبقني ، فقال ( أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )...فتركته ، فأخذ أبوعبيدة بثنيته احدى حلقتي المغفر ، فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت ، فكان أبوعبيدة في الناس أثرم )... وأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- أباعبيدة بن الجراح أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشرة مقاتلا ، وليس معهم من الزاد سوى جراب تمر ، والسفر بعيد ، فاستقبل أبوعبيدة واجبه بغبطة وتفاني ، وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل واحد منهم حفنة تمر ، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم ، وعندما فرغ التمر راحوا يتصيدون ( الخبط ) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء ، غير مبالين الا بانجاز المهمة ، لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط... ولما قدم أهل نجران على النبي-صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه ان يرسل اليهم واحدا...فقال عليه الصلاة والسلام ( لأبعثن -يعني عليكم- أمينا حق امين )...فتشوف أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها... ولكن لينطبق عليهم وصف النبي -صلى الله عليه و سلم- "أمينا حق امين" وكان عمر نفسه-رضي الله عليه-من الذين حرصوا على الامارة لهذا آنذاك...بل صار -كما قال يتراءى- أي يري نفسه - للنبي صلى الله عليه وسلم- حرصا منه -رضي الله عنه- أن يكون أمينا حق أمين...ولكن النبي صلى الله عليه وسلم- تجاوز جميع الصحابة وقال ( قم يا أباعبيدة )... كما كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يجود بأنفاسه ( لو كان أبوعبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فان سألني ربي عنه ، قلت : استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله )... وفي أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- ، وتولى الخلافة بعده عمر -رضي الله عنه- ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد...وصل الخطاب الى أبىعبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد ( يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟)...فأجاب أبوعبيدة ( اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة )...وأصبح أبوعبيدة أمير الأمراء بالشام0 و ترامى الى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا ( يا أيها الناس ، اني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني بتقوى الا وددت أني في إهابه !!)... وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له ( من ؟)...قال ( أبوعبيدة بن الجراح )...وأتى أبوعبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه الى داره ، فلم يجد فيها من الأثاث شيئا ، الا سيفه وترسه ورحله ، فسأله عمر وهو يبتسم ( ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟)...فأجاب أبوعبيدة ( يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل )... وقد حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد "طاعون عمواس" وكان أبوعبيدة أمير الجند هناك... فخشي عليه عمر من الطاعون...فكتب اليه يريد أن يخلصه منه قائلا ( اذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح الامتوجها الي...واذا وصلك في الصباح ألا تمسي الا متوجها الي...فان لي حاجة اليك) وفهم أبوعبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وانه يريد أن ينقذه من الطاعون...فكتب الى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور اليه وقال ( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وانما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم...فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين) ولما وصل الخطاب الى عمر بكى...فسأله من حوله ( هل مات أبوعبيدة ؟)...فقال ( كأن قد)...والمعنى أنه اذا لم يكن قد مات بعد والا فهو صائر الى الموت لا محالة...اذ لا خلاص منه مع الطاعون ... كان أبو عبيـدة -رضي الله عنه- في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا...مات أبوعبيـدة -رضي الله عنه- سنة (18) ثماني عشرة للهجرة في طاعون عمواس...وقبره في غور الأردن...رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى.. عبدالله بن عمر سيرة الإمام الزاهد مُعتزِل الفتن هو إمام من أئمة المسلمين . آتاه الله العلم ، فأخذ منه بِـحـظٍّ وافـر . ولذا لما أطلّت الفتنة بقرونها ولاّها ظهره واعتزلها ، رغبة فيما عند الله ، وطمعاً في سلعة الله الغالية . هو مِن صغار الصحابة رضي الله عنهم ، ومع ذلك صار عالماً من علماء الصحابة يُشار إليه بالبنان . إن تكلّم سُمِع كلامه ، وإن أفتى أُخِذ بقوله ، وإن قال صدق . فلله درّه . هو صحابي وابن صحابي رضي الله عنه وعن أبيه . وكفى بصحبة خير البشر وسيد ولد آدم فخراً ورفعة . مالت الدنيا بأقرانه ولم يمل مع مَن مال . اسمـه : عبدالله بن عمر بن الخطاب وكنيته : أبو عبد الرحمن قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله : الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي ثم المدني . أسلم وهو صغير ثم هاجر مع أبيه لم يحتلم واستُصغِر يوم أحد ، فأولّ غزواته الخندق ، وهو ممن بايع تحت الشجرة ، وأمه وأمّ أم المؤمنين حفصة زينب بنت مظعون ، أخت عثمان بن مظعون الجمحي . وقال : روى علما كثيراً نافعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن أبيه وأبي بكر وعثمان وعلي وبلال وصهيب وعامر بن ربيعة وزيد بن ثابت وزيد عمه وسعد وابن مسعود وعثمان بن طلحة وأسلم وحفصة أخته وعائشة وغيرهم . انتهى . وهو أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية ، وأحد العبادلة الأربعة ، وثانيهم ابن عباس ، وثالثهم عبد الله بن عمرو بن العاص ، ورابعهم عبد الله بن الزبير . وكان مُجاهداً منذ نعومة أظفاره . قال ابن عمر رضي الله عنهما : عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال ، وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فلم يُجزني ، وعرضني يوم الخندق وأنا بن خمس عشرة سنة ، فأجازني . رواه البخاري ومسلم . وشهِد فتح مكة وله عشرون سنة . وقدِم الشام والعراق والبصرة وفارِس غازياً . وشهِد فتح مصر . روى حجاج بن أرطاة عن نافع أن ابن عمر بارز رجلاً في قتال أهل العراق ، فقتله ، وأخذ سَلَبه . و كان رضي الله عنه عابداً كثير العبادة قال ابن عمر رضي الله عنهما : كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت غلاماً شاباً ، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطيّ البئر ، وإذا لها قرنان ، وإذا فيها أناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار . قال : فلقينا مَلَك آخر فقال لي : لم ترع ، فقصصتها على حفصة ، فقصّتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل . فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا . رواه البخاري ومسلم . قال حبيب بن الشهيد : قيل لنافع : ما كان يصنع ابن عمر في منزله ؟ قال : لا تطيقونه ؛ الوضوء لكل صلاة ، والمصحف فيما بينهما . وقال نافع : كان ابن عمر لا يصوم في السفر ، ولا يكاد يفطر في الحضر . و كان رضي الله عنه زاهداً مُعرضاً عن الدنيا والافتتان بها . قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما . وقال : لقد رأيتنا ونحن متوافرون ، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من ابن عمر وقال حذيفة رضي الله عنه : ما مِنّـا أحد يُفتش إلا يُفتش عن جائفة أو منقلة إلا عمر وابنه . ( والجائفة هي الطعنة الواصلة للجوف ، والـمُنَقِّلـة وهي ما توضّح العظم وتهشمه ) قال ذلك كناية عن المعائب . وقال جابر رضي الله عنه : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به إلا ابن عمر . وقالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر . وقال ميمون بن مهران : دخلت على ابن عمر فقوّمت كل شيء في بيته من أثاث ما يسوى مئة درهم ! وقال مولاه نافع : إنْ كان ابن عمر ليفرّق في المجلس ثلاثين ألفا ، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة لحم . وكان ابن عمر رضي الله عنهما مِن أكثر الناس اتّباعاً للسنة رضي الله عنه . وكان شديد الاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم ولذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تركنا هذا الباب للنساء . قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات . رواه أبو داود . وما رواه مسلم عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها . قال فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن . قال : فأقبل عليه عبد الله فسبّـه سـبّـاً سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : والله لنمنعهن ؟ رقّـة ابن عمر رضي الله عنهما : قال نافع : كان ابن عمر إذا قرأ : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) بكى حتى يغلبه البكاء . وروى عاصم بن محمد العمري عن أبيه قال : ما سمعت ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى . وقال يوسف بن ماهك : رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير ، وعبيد يقصّ ، فرأيت ابن عمر ودموعه تهراق . و عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه تلا : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه ، فأراد رجل أن يقول لأبي : أقصر فقد آذيت الشيخ . وكتب الحجاج إلى ابن عمر : بلغني أنك طلبت الخلافة ، وإنها لا تصلح لعيي ولا بخيل ولا غيور . فكتب إليه : أما ما ذكرت من الخلافة فما طلبتها وما هي من بالي ، وأما ما ذكرت من العي فمن جمع كتاب الله فليس بعيي ، ومن أدى زكاته فليس ببخيل ، وإن أحق ما غرت فيه ولدي أن يشركني فيه غيري ! لما أُريد ابن عمر على الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه أبـى ، وهرب على مكة فرضي الله عنه . قال حبيب بن أبي ثابت أن ابن عمر قال يوم دومة جندل : جاء معاوية على بختي عظيم طويل فقال : ومن الذي يطمع في هذا الأمر ويمدّ إليه عنقه ، قال ابن عمر : فما حدّثت نفسي بالدنيا إلا يومئذ ، هممت أن أقول : يطمع فيه من ضربك وأباك عليه ، ثم ذكرت الجنة ونعيمها فأعرضت عنه . قال ابن عمر رضي الله عنهما : دخلت على حفصة ونوساتها تنطف فقلت : قد كان من الناس ما ترين ، ولم يُجعل لي من الأمر شيء . قالت : فالحق بهم ، فإنهم ينتظرونك وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فُرقة ، فلم يرعه حتى ذهب قال : فلما تفرق الحكمان خطب معاوية فقال : من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إليّ قرنه ! فنحن أحق بذلك منه ومن أبيه . يُعرّض بابن عمر ! فقال له حبيب بن مسلمة : فهلا أجبته فداك أبي وأمي ؟ فقال ابن عمر : حللت حبوتي فهممت أن أقول : أحق بذلك منك من قاتلك وأباك على الإسلام ، فخشيت أن أقول كلمة تفرّق الجمع ، ويسفك فيها الدم ، فذكرت ما أعد الله في الجنان . رواه البخاري . وقال سلام بن مسكين : سمعت الحسن يقول : لما كان من أمر الناس ما كان زمن الفتنة أتوا ابن عمر فقالوا : أنت سيد الناس وابن سيدهم ، والناس بك راضون ، اخرج نبايعك . فقال : لا والله لا يُهراق فيّ محجمة من دم ، ولا في سببي ما كان فيّ روح . ويدلّ على إمامته هذه القصة : لما ابتنى معاوية بالأبطَح مجلسا جلس عليه ومعه ابنه قُرَظَة ، فإذا هو بجماعة على رحال لهم ، وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنى : من يساجلني يساجل ما جداً *** يملأ الدلـو إلى عقد الكُرب قال : من هذا ؟ قالوا : عبدالله بن جعفر . قال : خلُّوا لـه الطريق . ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يتغنى : بينما يذكرنني أبصرنني *** عند قِيد الميل يسعى بي الأغر قلن تعرفن الفتى ؟ قلن : نعم *** قد عرفناه وهل يخفى القمر ؟ قال : من هذا ؟ قالوا : عمر بن أبي ربيعة . قال : خلُّوا لـه الطريق فليذهب . قال : ثم إذا هو بجماعة وإذا فيهم رجل يُسأل ، فيقال لـه : رميت قبل أن أحلق ؟ وحلقت قبل أن أرمي ؟ في أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج ، فقال : من هذا ؟ قالوا : عبد الله بنُ عمر ، فالتَفَتَ إلى ابنه قُرَظَة وقال : هذا الشرف . هذا والله شرف الدنيا والآخرة . قال الإمام مالك : كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر ، مكث ستين سنة يُفتي الناس . شِدّته في الحق : حدّث إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي عن أبيه عن ابن عمر أنه قام إلى الحجاج وهو يخطب فقال : يا عدو الله استُحلّ حرم الله ، وخرب بيت الله . فقال : يا شيخا قد خرّف ، فلما صدر الناس أمر الحجاج بعض مسوّدته فأخذ حربة مسمومة وضرب بها رجل ابن عمر ، فمرض ومات منها ، ودخل عليه الحجاج عائداً ، فسلم فلم يرد عليه ، وكلّمه ، فلم يُجبه . وروى ابن سيرين أن الحجاج خطب فقال : إن ابن الزبير بدّل كلام الله ، فعلم ابن عمر فقال : كذب ! لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت . قال الحجاج : إنك شيخ قد خرّفت الغد ! قال ابن عمر : أما إنك لو عدتَ عدتُ . وفاته رضي الله عنه : توفي رضي الله عنه سنة ثلاث وسبعين من الهجرة . وهو ابن خمس وثمانين سنة . فرضي الله عنه وأرضاه . اللهم إنا نُشهدك على حب عبد الله بن عمر ، وعلى حب أبيه من قبله ، فاحشرنا في زمرتهم عبد الله بن سلاَم سيرة الإمام العالم حبر اليهود وسيّدهم عندما يُريد الله هداية شخص فإن الله يشرح صدره ، ويُهيئ له أسباب ذلك . وقد اشتهرت يهود بشدّة العداوة لأمة الإسلام ولنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) ولذا فإنه لم يُسلم منهم إلا أُناس يُعدّون على الأصابع ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام : لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود . رواه البخاري ومسلم . فاليهود أهل عناد ومُكابرة ، وهم المغضوب عليهم وأريد أن أتناول سيرة رجل من يهود بني قينقاع بل هو عالم من علمائهم وسيّـد من ساداتهم ذلكم هو عبد الله بن سلاَم اسمه : عبد الله بن سلام بن الحارث كنيته : أبو يوسف من ذرية يوسف عليه السلام صحابي جليل ، وهو من بني إسرائيل ، بل هو من ذُريّـة يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام . كان عبد الله يهودياً من يهود بني قينقاع ، فأراد الله به خيراً فأسلم . قال عنه الذهبي في السير : الإمام الحبر ، المشهود له بالجنة حليف الأنصار ، من خواص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . أسلم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . إســلامــه: لِنَدَعـه يُحدّثنا بقصته قال رضي الله عنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه ، وقيل : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت في الناس لأنظر إليه ، فلما استثبتُّ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، وكان أولُ شيء تكلم به أن قال : أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصَلُّـوا والناسُ نيام تدخلوا الجنة بسلام . رواه احمد والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح . ولا يعرف الفضل لأهله إلا أهل الفضل أسئلته للنبي صلى الله عليه وسلم لما عرف تيقّن أنه ليس بكذّاب أراد أن يسأله عن أشياء لا يعرفها إلا نبي روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : سَمِعَ عبدُ الله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف ، فأتى النبيَ صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : فما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينـزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال : أخبرني بهن جبريل آنفا . قال : جبريل ؟! قال : نعم . قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة ! فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ ) ثم قال : أما أولُ أشراط الساعة فنار تحشرُ الناس من المشرق إلى المغرب وأما أولُ طعامِ أهل الجنة فزيادة كبدِ حوت وإذا سبق ماءُ الرجل ماء المرأة نـزع الولد ، وإذا سبق ماءُ المرأة نزعت . قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ، يا رسول الله إن اليهود قومٌ بُهْت ، وإنـهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني . فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيُّ رجلٍ عبدُ الله فيكم ؟ قالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا . قال : أرأيتم إن أسلم عبدُ الله بن سلام ؟ فقالوا : أعاذه الله من ذلك ! فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . فقالوا : شرُّنا وابن شرِّنا وانتقصوه ! قال : فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله . وفي رواية للبخاري : جاء عبد الله بن سلام فقال : أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ ، فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبلوا فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق فأسلموا . قالوا : ما نعلمه . قال : فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : يا ابن سلام اخرج عليهم ، فخرج ، فقال : يا معشر اليهود اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، وأنه جاء بحق . فقالوا : كذبت فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفيه نزل قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) ولهذه الآية قصة فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يوما وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يومَ عيدٍ لهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا يشهدون أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يُحبط الله عن كلِّ يهوديٍ تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه . قال : فأسكتوا ما جاء به منهم أحد . ثم رد عليهم فلم يجبه أحد . ثم ثلّث فلم يجبه أحد . فقال : أبيتم ! فوالله إني لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا النبي المصطفى آمنتم أو كذبتم . ثم انصرف وأنا معه حتى إذا كدنا أن نخرج فنادى رجل من خلفنا : كما أنت يا محمد . قال : فأقبل ، فقال ذلك الرجل : أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود ؟ قالوا : والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك ولا أفقه منك ولا من أبيك قبلك ولا من جدك قبل أبيك . قال : فإني أشهد له بالله إنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة . قالوا : كذبت . ثم ردوا عليه قوله وقالوا فيه شرا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كَذَبْتم لن يقبل الله قولكم . أمّا آنفا فتُثنون عليه من الخير ما أثنيتم ، ولما آمن كذّبتموه وقلتم فيه ما قلتم ، فلن يقبل الله قولكم . قال : فخرجنا ونحن ثلاثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وعبد الله بن سلام وأنزل الله عز وجل فيه الآية . أخرجه الإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في التلخيص وأخرجه ابن حبان والطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين . وهو حديث صحيح . فيُحتمل أن تكون القصة وقعت لفريقين من اليهود دون علم كلِّ فريق بما حصل للآخر ، وذلك أن رواية البخاري جاء فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم فجاءوا ، والرواية الأخرى أنه دخل عليهم كنيسة لهم في يوم عيد لهم . ومن فضائله : من فضائله رضي الله عنه أنه من المبشرين بالجنة فعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بقصعةٍ فأكل منها ففضلت فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجئ رجل من هذا الفج من أهل الجنة يأكل هذه الفضلة . قال سعْدٌ : وكنت تركت أخي عميراً يتوضأ . قال فقلت : هو عمير . قال : فجاء عبد الله بن سلام . رواه أحمد وغيره . وفي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض : إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام . قال : وفيه نزلت هذه الآية ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) الآية . وأنه ممن يؤتون أجورهم مرتين فعبدالله بن سلام من الذين يؤتون أجرهم مرتين . لقوله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت عنده أمةٌ يطؤها فأدبـها فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران . أخرجه البخاري ومسلم . وفيه _ أي في عبدالله بن سلام _ نـزل قوله تعالى : )وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) فعلى رأي بعض المفسرين أن الذي عنده علم من الكتاب هو عبد الله بن سلام . وأخرج البخاري ومسلم عن قيس بن عُبَاد قال : كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع فقالوا : هذا رجل من أهل الجنة ، فصلى ركعتين تجوّز فيهما ثم خرج وتبعته فقلت : إنك حين دخلت المسجد قالوا : هذا رجل من أهل الجنة . قال : والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم ، وسأحدثك لم ذاك رأيت رؤيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه ورأيت كأني في روضة _ ذَكَرَ من سَعتها وخضرتـها _ وسَطَها عمودٌ من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عُروة ، فقيل لي : ارقـه . قلت : لا أستطيع . فأتاني منصف _ والمنصف الخادم _ فرفع ثيابي من خلفي فرَقَيْتُ حتى كنت في أعلاها ، فأخذت بالعروة فقيل لي استمسك فاستيقظت وإنـها لفي يدي فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : تلك الروضة الإسلام ، وذلك العمود عمود الإسلام ، وتلك العروة العروة الوثقى ، فأنت على الإسلام حتى تموت . قال الراوي : وذاك الرجل عبد الله بن سلام . ومن مناقبه رضي الله عنه أنه نصر عثمان يوم الدار . وفاته : توفي رضي الله عنه بالمدينة سنة ثلاث وأربعين . فرضي الله عنه وأرضاه هذا شيء من خبره رضي الله عنه ، وهو من علماء أهل الكتاب ولكنه عرف الحق واتّـبـعه ثم قارن هذا الموقف منه رضي الله عنه بموقف آخر لعالم من علماء اليهود وقد عرف الحق أيضا ذلكم هو شيطان بني النضير حُيي بن أخطب ، فقد حدّثت عنه ابنته صفية – رضي الله عنها – فقالت : كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولدٍ لهما إلا أخذاني دونه . قالت : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حُيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس ، فأتيا كالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا قالت : فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الغمّ . قالت : وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حُيي بن أخطب : أهو هو ؟ قال : نعم والله قال :أتعرفه وتثبته ؟ قال : نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ! رواه ابن إسحاق في السيرة فيما ذكره ابن هشام . فكلهم صدّقوا وعرفوا أنه النبي الذي يجدونه عندهم في التوراة ولكن من عرف وأقر وتابع نجا ومن عرف ولم يُتابع ولم يُقرّ فما له من نجاة . سلمان الفارسي رضي الله عنه، يكنى أبا عبد الله، من أصبهان من قرية يقال لها جي وقيل من رامهرمز، سافر يطلب الدين مع قوم فغدروا به فباعوه لرجل من اليهود ثم إنه كوتب فأعانه النبي في كتابته، أسلم مقدم النبي المدينة، ومنعه الرق من شهود بدر وأحد، وأول غزاة غزاها مع النبي الخندق، وشهد ما بعدها وولاه عمر المدائن. عن عبد الله بن العباس قال: حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلا فارسيًّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جي، وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال: فشغل في بنيان له يومًا فقال لي يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الذي نحن عليه فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت يا أبه مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قلت كلا والله إنه لخير من ديننا، قال فخافني فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته، قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام تجارًا من النصارى فأخبروني بهم، قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال فأخبروني بقدوم تجار فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، قال فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم ألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا الأسقف في الكنيسة، قال فجئته فقلت إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك قال فادخل، فدخلت معه، قال فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئًا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب، قال وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع، قال ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا قالوا وما علمك بذلك؟ قلت أنا أدلكم على كنزه، قالوا فدلنا عليه، قال فأريتهم موضعه، قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقا، قال فلما رأوها قالوا والله لا ندفنه أبدًا، قال فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارًا منه، قال فأحببته حبًّا لم أحبه من قبله فأقمت معه زمانًا ثم حضرته الوفاة قلت له يا فلان، إني كنت معك فأحببتك حبًّا لم أحبه أحداً من قبلك وقد حضرتك الوفاة فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره، قال فقال لي أقم عندي، قال فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له يا فلان إن فلانًا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئت فأخبرته بما جرى وما أمرني به صاحبي، قال فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان، إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني قال أي بني، والله ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته فإنه على مثل أمرنا، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال أقم عندي فأقمت عند رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال وكنت اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة، قال ثم نزل به أمر الله عز وجل فلما حضر قلت له يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني لرجل من يهود فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي، فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال، فلانُ قاتلَ اللهُ بني قيلة! والله، إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم زعم أنه نبي، قال فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي، قال ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة وقال ما لك ولهذا أقبل على عملك، قال قلت لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال، وقد كان شيء عندي قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، قال فقربته إليه فقال رسول الله لأصحابه كلوا وأمسك يده هو فلم يأكل، قال فقلت في نفسي هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا وتحول رسول الله إلى المدينة ثم جئته به فقلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال فقلت في نفسي هاتان اثنتان، قال ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رآني رسول الله استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، قال فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال رسول الله تحول فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس فأعجب رسول الله أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله بدر وأحد، قال ثم قال لي رسول الله كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية فقال رسول الله لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمسة عشر والرجل بعشرة والرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي، قال ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله بيده فوا الذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة فأديت النخل فبقي علي المال، فأتى رسول الله بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما فعل الفارسي المكاتب قال فدُعِيْتُ له، قال فخذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان، قال قلت وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك، قال فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله الخندق ثم لم يفتني معه مشهد. رواه الإمام أحمد. وعن أنس قال: قال رسول الله: السُبَّاق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة. وعن ثابت البناني أن أبا الدرداء ذهب مع سلمان يخطب عليه امرأة من بني ليث فدخل فذكر فضل سلمان وسابقته وإسلامه وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة فقالوا أما سلمان فلا نزوجه ولكنا نزوجك، فتزوجها ثم خرج فقال له إنه قد كان شيء وأنا أستحيي أن أذكره لك قال وما ذاك فأخبره الخبر فقال سلمان أنا أحق أن أستحيي منك أن أخطبها وقد قضاها الله لك رضي الله عنهما. وعن الحسن قال كان عطاء سلمان الفارسي خمسة آلاف وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها فإذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يديه. وعن أبي قلابة أن رجلا دخل على سلمان وهو يعجن فقال: ما هذا؟ قال: بعثنا الخادم في عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين، ثم قال: فلان يقرئك السلام قال: متى قدمت، قال: منذ كذا وكذا فقال أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدها. رواه أحمد. وعن أبي ليلى الكندي قال: قال غلام سلمان لسلمان: كاتبني، قال: ألك شيء قال: لا، قال: فمن أين؟ قال: أسأل الناس، قال: تريد أن تطعمني غسالة الناس. عن ثابت قال: كان سلمان أميرًا على المدائن فجاء رجل من أهل الشام ومعه حمل تبن وعلى سلمان عباءة رثة فقال لسلمان: تعال احمل وهو لا يعرف سلمان فحمل سلمان فرآه الناس فعرفوه فقالوا هذا الأمير فقال: لم أعرفك!! فقال سلمان إني قد نويت فيه نية فلا أضعه حتى أبلغ بيتك. وعن ميمون بن مهران عن رجل من عبد القيس قال: رأيت سلمان في سرية وهو أميرها على حمار عليه سراويل وخدمتاه تذبذبان والجند يقولون قد جاء الأمير قال سلمان: إنما الخير والشر بعد اليوم. وعن أبي الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان فقال سلمان: لكني خلقت من نطفة قذرة ثم أعود جيفة منتنة ثم يؤدى بي إلى الميزان فإن ثقلت فأنا كريم وإن خفت فأنا لئيم. وعن أبي الأسود الدؤلي قال: كنا عند علي ذات يوم فقالوا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن سلمان، قال: من لكم بمثل لقمان الحكيم! ذلك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والآخر، بحر لا ينزف. وأوصى معاذ بن جبل رجلا أن يطلب العلم من أربعة سلمان أحدهم. وعن أبي سفيان عن أشياخه قال: ودخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله توفي رسول الله وهو عنك راض وترد عليه الحوض؟ قال فقال سلمان: أما إني ما أبكي جزعًا من الموت ولا حرصًا على الدنيا ولكن رسول الله عهد الينا فقال لتكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب وحولي هذه الأساود، وإنما حوله إجانة أو جفة أو مطهرة، قال فقال له سعد: يا أبا عبد الله، اعهد الينا بعهد فنأخذ به بعدك، فقال: يا سعد، اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند بذلك إذا قسمت. وقال أهل العلم بالسير: كان سلمان من المعمرين وتوفي بالمدائن في خلافة عثمان وقيل مات سنة ثنتين وثلاثين. صهيب بن سنان بن مالك ويقال خالد بن عبد عمرو بن عقيل ويقال طفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن زيد مناة بن النمر بن قاسط النمري أبو يحيى وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم وهو الرومي قيل له ذلك لأن الروم سبوه صغيرا قال بن سعد وكان أبوه وعمه على الأبلة من جهة كسرى وكانت منازلهم ... " الإصابة " ( 3 / 449 ) . قال ابن تغري بردي : وفيها توفي صهيب بن سنان بن مالك الرومي سبَته الروم فجلب إلى مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي وقيل بل هرب من الروم فقدم مكة وحالف ابن جدعان وكان صهيب من السابقين الأولين شهد بدرا والمشاهد كلها روى عنه أولاده حبيب وزياد وحمزة وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وكعب الأحبار وكنيته أبو يحيى توفي بالمدينة في شوال ونشأ صهيب بالروم فبقيت فيه عجمة . " النجوم الزاهرة " ( 1 / 117 ) . قال ابن عدي : ومنهم صهيب بن سنان الرومي ، ولم يكن روميا وإنما نسب إليهم لأنهم سبوه وباعوه وقيل لأنه كان أحمر اللون وهو من نمر بن قاسط كناه رسول الله أبا يحيى قبل أن يولد له . " الكامل " ( 1 / 590 ) . توفي في شوال سنة 38 هـ والله الهادي وهذه فائدة جديدة وهي : تصريح صهيب الرومي بنسبه ، والرد على عمر بن الخطاب الذي ظن أنه ليس من العرب ! عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لصهيب رضي الله عنهما لولا ثلاث خصال فيك لم يكن بك بأس ، قال : وما هن فوالله ما نراك تعيب شيئا ؟ قال : اكتناؤك بأبي يحيى وليس لك ولد . وادعاؤك إلى النمر بن قاسط وأنت رجل ألكن وأنك لا تمسك المال قال : أما اكتنائي بأبي يحيى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بها فلا أدعها حتى ألقاه . وأما ادعائي إلى النمر بن قاسط فإني امرؤ منهم ولكن استرضع لي بالأيلة فهذه اللكنة من ذاك وأما المال فهل تراني أنفق إلا في حق رواه أحمد ( 18463 ) وصححه شيخنا الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 44 ) . وفيه نزل قال الله تعالى:" ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد". نزلت هذه الآية الكريمة في صهيب الرومي رضي الله عنه، حينما تخلى للمشركين في مكة عن كل مايملك مقابل أن يخلون سبيله ليلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، احتجزوه ومنعوه من الهجرة وقال قائلهم ياصهيب جئتنا صعلوكاً لاتملك شيئاً، وأنت اليوم ذو مال كثير! - يساومونه- فقال لهم رضي الله عنه: أرأيتم إن دللتكم على مالي هل تخلون سبيلي؟ قالوا : نعم . فدلهم على ماله بمكة ثم انطلق مهاجراً في سبيل الله لايلوي علىشيء تاركاً كل مايملك خلف ظهره وهاجرا إلى الله ورسوله ، فلما وصل المدينة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له عليه الصلاة والسلام مهنيئاً له على حسن صنيعه: "ربح البيع أبا يحيى ربح البيع " فلله در صهيب شرى نفسه طلباً لرضوان الله تعالى. هكذا تكون التضحية وإلا فلا ! هذا صهيب وهذا فعله الذي غدا قرآناً يتلى إلى يوم القيامة -------------------------------------------------------------------------------- بلال بن رباح هو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخازنه على بيت ماله، أبو عبد الله. كان أبوه من سبي الحبشة، وأمه (حمامة) سبية أيضا. اشتراه أمية بن خلف الجمحي، وكان يعذبه بحر الرمضاء بعد إسلامه، فاشتراه منه أبو بكر وأعتقه. كان من السبعة الأوائل الذين أظهروا الإسلام، لما شرع الأذان بالمدينة كان هو الذي يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يتناوب الأذان مع ابن أم مكتوم كان ندي الصوت فصيحا. أذن يوم فتح مكه على ظهر الكعبة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. ولما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الأذان، شهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج إلى الشام مجاهدا، ولما قدم عمر بن الخطاب إلى الشام أذن بين يديه لصلاة الظهر فانتحب الناس بالبكاء ،توفي في دمشق وقيل في حلب . - مولى أبي بكر الصديق . - وهو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم . - من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله . - شهد بدراً ، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم على التعيين بالجنة . - عاش بضعاً وستين سنة . - يقال : إنه حبشي ، وقيل : من مولدي الحجاز. - وفي وفاته أقوال : أحدها بداريّا ، في سنة عشرين . - عن زر عن عبد الله : أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر ، وعمّار ، وأمه سمية ، وبلال ، وصهيب ، والمقداد ، فأما النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فمنعهما الله بقومهما ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون ، فألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فما منهم من أحد إلا واتاهم على ما أرادوا إلا بلال ، فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الولدان ، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول أحدٌ أحد. - عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لبلال عند صلاة الصبح: ( حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ، فإني قد سمعت الليلة خشفة نعليك بين يديّ في الجنة ) ، قال: ما عملت عملاً أرجى من أني لم أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت لربي ما كُتب لي أن أصلي . - عن جابر قال عمر : أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً سيدنا. - عن قيس قال: اشترى أبو بكر بلالاً ، وهو مدفون في الحجارة ، بخمس أواق ذهباً ، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناكه ، قال: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته. - عن سعد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون : اطرد هؤلاء عنك فلا يجترؤون علينا ، وكنت أنا وابن مسعود وبلال ورجل من هذيل وآخران ، فأنزل الله ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم) الآيتين ( الأنعام 53،52) . - قالت عائشة : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال ، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول: كل امريءٍ مُصبح في أهله .............. والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعـري هل أبيتن ليلة .................. بواد وحولي إذخر وجليل وهـل أرِدن يومـاً مياه مجنـة ................. وهل يبدون لي شامة وطفيل اللهم العن عتبة ، وشيبة ، وأمية بن خلف ، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء . - عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اشتاقت الجنة إلى ثلاثة: علي وعمّار وبلال) . - عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : قدمنا الشام مع عمر ، فأذن بلال ، فذكر الناس النبي صلى الله عليه وسلم فلم أر يوماً أكثر باكياً منه. - عن أبي الدرداء قال: لما دخل عمر الشام سأل بلال أن يُقره به ، ففعل ، قال: وأخي أبو رُويحة الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينه ، فنزل بداريا في خولان فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان ، فقالوا : إنا قد أتيناكم خاطبين ، وقد كنا كافرين فهدانا الله ، ومملوكين فأعتقنا الله ، وفقيرين فأغنانا الله ، فإن تُزوجونا فالحمد لله ، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله ، فزوجهما. - عن يحيى بن سعيد قال: ذكر عمر فضل أبى بكر ، فجعل يصف مناقبه ، ثم قال: وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته. - قال سعيد بن عبد العزيز : لما احتضر بلال قال : غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه، قال: تقول امرأته: واويلاه ! فقال: وافرحاه! عمار بن ياسر ( 57 ق هـ - 37 هـ / 567 - 657 م ) عمّار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي العنسي , أبو اليقظان صحابي , من الولاة الشجعان ذوي الرأي . وهو أحد السابقين الى الاسلام والجهر به . خرج ياسر بن عامر، والد (عمار) من بلده في اليمن يطلب أخا له، ويبحث عنه.. وفي مكة طاب له المقام، فاستوطنها محالفا أبا حذيفة بن المغيرة.. وزوجه ابو حذيفة احدى امائه (سمية بنت خياط).. ومن هذا الزواج المبارك رزق الله الابوين (عمارا).. وكان اسلامهم مبكرا.. شأن الابرار الذين هداهم الله.. وشأن الابرار المبكرين ايضا، اخذوا نصيبهم الاوفى من عذاب قريش واهوالها.. ووكل امر تعذيبهم الى بني مخزوم، يخرجون بهم جميعا.. ياسر وسمية وعمار كل يوم الى رمضاء مكة الملتهبة، ويصبون عليهم من حميم العذاب ألوانا وفنونا. بشارة الرسول عليه السلام لآل ياسر بالجنة أخبرنا مسلم عن إبراهيم قال أخبرنا هشام الدستوائي قال حدثنا أبو الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مر بآل عمار وهم يعذبون فقال لهم : أبشروا آل عمار فإن موعدكم الجنة. رواه ابن سعد . هاجر الى المدينة , وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان . كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقبه ( الطيب المطيّب ) . وفي الحديث ماخير عمار بين أمرين الا اختار أرشدهما . عن الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه.رواه النسائي وعن عطاء بن يسار عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما.رواه الترمذي حدثنا خالد عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولعلي بن عبد الله ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يسقيانه فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس فقال كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار وقال ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار.رواه ولاّه عمر بن الخطاب الكوفة فأقام بها زمنا وعزل عنها شهد الجمل وصفين مع علي وقتل في معركة صفين وعمره ثلاثة وتسعون عاما . له اثنان وستون حديثاً . حذيفة بن اليمان ( رضوان الله عليه ) حذيفة بن اليَمان بن جابر العبسي وكنيته أبا عبد الله وكان صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، جاء حذيفة هو وأخـوه ووالدهمـا الى رسـول الله واعتنقوا الإسلام ولقد نما -رضي الله عنه- في ظل هذا الديـن ، وكانت له موهبـة في قراءة الوجوه و السرائر ، فعاش مفتوح البصر والبصيرة على مآتي الفتن ومسالك الشرور ليتقيها ، فقد جاء الى الرسول يسأله ( يا رسول الله ان لي لسانا ذربا على أهلي وأخشى أن يدخلني النار )000فقال له النبي ( فأين أنت من الاستغفار ؟؟000اني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة )000هذا هو حذيفة -رضي الله عنه-000 لم يشهد بدراً ، وشهد اُحداً وما بعدها من المشاهد ، وكان أحد الذين ثبتوا على العقيدة . ويوم غزوة أحد كان في ايمانه -رضي الله عنه- وولائه قويا ، فها هو يرى والده يقتل خطأ يوم أحد بأيدي مسلمة ، فقد رأى السيوف تنوشه فصاح بضاربيه ( أبي ، أبي ، انه أبي !!)000ولكن أمر الله قد نفذ ، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن والوجوم ، لكنه نظر اليهم اشفاقا وقال ( يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين )000ثم انطلق بسيفه يؤدي واجبه في المعركة الدائرة000وبعد انتهاء المعركة علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك ، فأمر بالدية عن والد حذيفة ( حسيل بن جابر ) ولكن تصدق بها حذيفة على المسلمين ، فزداد الرسول له حبا وتقديرا عندما دب الفشل في صفوف المشركين وحلفائهم واختلف أمرهم وفرق الله جماعتهم ، دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان ، وكان الطقس باردا والقوم يعانون من الخوف والجوع ، وقال له ( يا حذيفة ، اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا !)000فذهب ودخل في القوم ، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لاتقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء ، فقام أبوسفيان فقال ( يا معشر قريش ، لينظر امرؤ من جليسه ؟)000قال حذيفة ( فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت : من أنت ؟00قال : فلان بن فلان )000فأمن نفسه في المعسكر ، ثم قال أبو سفيان ( يا معشر قريش ، انكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنوقريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل)000ثم نهض فوق جمله، وبدأ المسير، يقول حذيفة ( لولا عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الي الا تحدث شيئا حتى تأتيني ، لقتلته بسهم )000وعاد حذيفة الى الرسول الكريم حاملا له البشرى000 خوفه من الشر كان حذيفة -رضي الله عنه- يرى أن الخير واضح في الحياة ، ولكن الشر هو المخفي ، لذا فهو يقول (000 كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني000 قلت ( يا رسول الله ، انا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟)000قال ( نعم )000 قلت ( فهل من بعد هذا الشر من خير ؟)000قال ( نعم ، وفيه دخن )000 قلت ( وما دخنه ؟)000قال ( قوم يستنون بغير سنتي ، ويهتدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر )000 قلت ( وهل بعد ذلك الخير من شر ؟)000قال ( نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم اليها قذفوه فيها )000 قلت ( يا رسول الله ، فما تأمرني ان أدركني ذلك ؟)000قال ( تلزم جماعة المسلمين وامامهم )000 قلت ( فان لم يكن لهم جماعة ولا امام ؟)000قال ( تعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )000 المنافقون كان حذيفة -رضي الله عنه- يعلم أسماء المنافقين ، أعلمه بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وسأله عمر ( أفي عمّالي أحدٌ من المنافقين ؟)000قال ( نعم ، واحد )000قال ( مَن هو ؟)000قال ( لا أذكره )000قال حذيفة ( فعزله كأنّما دُلَّ عليه )000 وكان عمر إذا مات ميّت يسأل عن حذيفة ، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر ، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر000 آخر ما سمع من الرسول عن حذيفة قال ( أتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي توفاه الله فيه ، فقلت ( يا رسول الله ، كيف أصبحت بأبي أنت وأمي ؟!)000فردَّ عليّ بما شاء الله ثم قال ( يا حذيفة أدْنُ منّي )000فدنوتُ من تلقاء وجههِ ، قال ( يا حُذيفة إنّه من ختم الله به بصومِ يومٍ ، أرادَ به الله تعالى أدْخَلَهُ الله الجنة ، ومن أطعم جائعاً أراد به الله ، أدخله الله الجنة ، ومن كسا عارياً أراد به الله ، أدخله الله الجنة )000قلتُ ( يا رسول الله ، أسرّ هذا الحديث أم أعلنه )000قال ( بلْ أعلنْهُ )000فهذا آخر شيءٍ سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)000 أهل المدائن خرج أهل المدائن لاستقبال الوالي الذي اختاره عمر -رضي الله عنه- لهم ، فأبصروا أمامهم رجلا يركب حماره على ظهره اكاف قديم ، وأمسك بيديه رغيفا وملحا ، وهويأكل ويمضغ ، وكاد يطير صوابهم عندما علموا أنه الوالي -حذيفة بن اليمان- المنتظر ، ففي بلاد فارس لم يعهدوا الولاة كذلك ، وحين رآهم حذيفة يحدقون به قال لهم ( اياكم ومواقف الفتن )000قالوا ( وما مواقف الفتن يا أبا عبدالله ؟)000 قال ( أبواب الأمراء ، يدخل أحدكم على الأمير أو الوالي ، فيصدقه بالكذب ، ويمتدحه بما ليس فيه )000فكانت هذه البداية أصدق تعبير عن شخصية الحاكم الجديد ، ومنهجه في الولاية معركة نهاوند في معركة نهاوند حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفا ، اختار أمير المؤمنين عمر لقيادة الجيوش المسلمة ( النعمان بن مقرن ) ثم كتب الى حذيفة أن يسير اليه على رأس جيش من الكوفة ، وأرسل عمر للمقاتلين كتابه يقول ( اذا اجتمع المسلمون ، فليكن كل أمير على جيشه ، وليكن أمير الجيوش جميعا ( النعمان بن مقرن ) ، فاذا استشهد النعمان فليأخذ الراية حذيفة ، فاذا استشهد فجرير بن عبدالله )000وهكذا استمر يختار قواد المعركة حتى سمى منهم سبعة000 والتقى الجيشان ونشب قتال قوي ، وسقط القائد النعمان شهيدا ، وقبل أن تسقط الراية كان القائد الجديد حذيفة يرفعها عاليا وأوصى بألا يذاع نبأ استشهاد النعمان حتى تنجلي المعركة ، ودعا ( نعيم بن مقرن ) فجعله مكان أخيه ( النعمان ) تكريما له ، ثم هجم على الفرس صائحا ( الله أكبر : صدق وعده ، الله أكبر : نصر جنده )000ثم نادى المسلمين قائلا ( يا أتباع محمد ، هاهي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم ، فلا تطيلوا عليها الانتظار )000وانتهى القتال بهزيمة ساحقة للفرس000 وكان فتح همدان والريّ والدينور على يده ، وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين ، وتزوّج فيها000 اختياره للكوفة أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغا ، فكتب عمر لسعد بن أبي وقاص كي يغادرها فورا بعد أن يجد مكانا ملائما للمسلمين ، فوكل أمر اختيار المكان لحذيفة بن اليمان ومعه سلمان بن زياد ، فلما بلغا أرض الكوفة وكانت حصباء جرداء مرملة ، قال حذيفة لصاحبه ( هنا المنزل ان شاء الله )0 وهكذا خططت الكوفة وتحولت الى مدينة عامرة ، وشفي سقيم المسلمين وقوي ضعيفهم 000 فضله قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( ما من نبي قبلي إلا قد أعطيَ سبعة نُجباء رفقاء ، وأعطيتُ أنا أربعة عشر : سبعة من قريش : عليّ والحسن والحسين وحمزة وجعفر ، وأبو بكر وعمر ، وسبعة من المهاجرين : عبد الله ابن مسعود ، وسلمان وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال )000 رضوان الله عليهم000 قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( استخلفتَ )000فقال ( إنّي إنْ استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم ، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة فصدِّقوه ، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه )000 قال عمر بن الخطاب لأصحابه ( تمنّوا )000فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا فيه مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل الله ، فقال عمر ( لكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان ، فأستعملهم في طاعة الله عزّ وجلّ )000ثم بعث بمال إلى أبي عبيدة وقال ( انظر ما يصنع )000فقسَمَهُ ، ثم بعث بمالٍ إلى حذيفة وقال ( انظر ما يصنع )000فقَسَمه ، فقال عمر ( قد قُلتُ لكم )000 من أقواله لحذيفة بن اليمان أقوالاً بليغة كثيرة ، فقد كان واسع الذكاء والخبرة ، وكان يقول للمسلمين ( ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة ، ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا ، ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه )000 يقول حذيفة ( أنا أعلم النّاس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة ، وما بي أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسرَّ إليَّ شيئاً لم يحدِّث به غيري ، وكان ذكر الفتنَ في مجلس أنا فيه ، فذكر ثلاثاً لا يذَرْنّ شيئاً ، فما بقي من أهل ذلك المجلس غيري )000 كان -رضي الله عنه- يقول ( ان الله تعالى بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم-فدعا الناس من الضلالة الى الهدى ، ومن الكفر الى الايمان ، فاستجاب له من استجاب ، فحيى بالحق من كان ميتا ، ومات بالباطل من كان حيا ، ثم ذهبت النبوة وجاءت الخلافة على منهاجها ، ثم يكون ملكا عضوضا ، فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه ، أولئك استجابوا للحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه ، كافا يده ، فهذا ترك شعبة من الحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ، كافا يده ولسانه ، فهذا ترك شعبتين من الحق ، ومنهم من لاينكر بقلبه ولا بيده ولا بلسانه ، فذلك ميت الأحياء )000 ويتحدث عن القلوب والهدى والضلالة فيقول ( القلوب أربعة : قلب أغلف ، فذلك قلب كافر000وقلب مصفح ، فذلك قلب المنافق 000وقلب أجرد ، فيه سراج يزهر ، فذلك قلب المؤمن000وقلب فيه نفاق و ايمان ، فمثل الايمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب000ومثل المنافق كمثل القرحة يمدها قيح ودم ، فأيهما غلب غلب )000 مقتل عثمان كان حذيفة -رضي الله عنه- يقول ( اللهم إنّي أبرأ إليك من دم عثمان ، والله ما شهدتُ ولا قتلتُ ولا مالأتُ على قتله )000 وفاته لمّا نزل بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً وبكى بكاءً كثيراً ، فقيل ( ما يبكيك ؟)00فقال ( ما أبكي أسفاً على الدنيا ، بل الموت أحب إليّ ، ولكنّي لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ )000 ودخل عليه بعض أصحابه ، فسألهم ( أجئتم معكم بأكفان ؟)000قالوا ( نعم )000قال ( أرونيها )000فوجدها جديدة فارهة ، فابتسم وقال لهم ( ما هذا لي بكفن ، انما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص ، فاني لن أترك في القبر الا قليلا ، حتى أبدل خيرا منهما ، أو شرا منهما )000ثم تمتم بكلمات ( مرحبا بالموت ، حبيب جاء على شوق ، لا أفلح من ندم )000وأسلم الروح الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائن ، وبعد مَقْتلِ عثمان بأربعين ليلة000 ابو هريرة اكثر من روى الحديث عن رسول الله انه احد اعلام الصحابة الرواة الذين اسهموا في حفظ الشريعة ونشرها بين المسلمين كان اكثر من روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه ثمانمائة مسلم بين صحابي وتابع. اسمه عبدالرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم ينتهي نسبه الى الازو اعظم واشهر قبائل العرب كان اسمه في الجاهلية عبد شمس فلما اعتنق الاسلام سماه الرسول عليه الصلاة والسلام عبدالرحمن اشتهر بكنيته (ابو هريرة) حتى غلبت على اسمه فكاد ينسى. سئل ابوهريرة لماذا؟ كنيت بذلك قال ابو هريرة لاني وجدت هرة فحملتها في كمي فقيل لي ابوهريرة ولد ابو هريرة في اليمن ونشأ فيها يرعى الغنم لاهله ويخدمهم وقد توفي والده وهو صغير فنشأ يتيماً وقاسى شظف العيش حتى مَنّ الله عليه بالاسلام على يد الطفيل بن عمرو . فهاجر الى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه اربع سنوات في حله وترحاله. عريف اهل الصفة: كان يدخل بيت النبي ويحضر مجالسه وقد اتخذ الصفة مقاما وجعله النبي عريف اهل الصفة. اذا اراد ان يجمعهم لطعام يطلب من ابي هريرة ان يجمعهم لانه اعرف بهم وبمنازلهم. وكان ابوهريرة يحب النبي حبا شديدا حدث ان رفع الرسول الدرة ليضرب بها اباهريرة فقال ابو هريرة لان يضربني بها احب اليّ من حمر النعم. وكان ابو هريرة يقتدي بالنبي في كل اعماله ويحذر الناس من الانغماس في ملاذ الدنيا وشهواتها. لا يفرق في ذلك بين غني وفقير أو بين حاكم ومحكوم. يرشد الناس الى الحق والصواب. مر ذات يوم بقوم يتوضأون فقال لهم اسبغوا الوضوء فاني سمعت ابا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل للاعقاب من النار». ومما يقوله ابو هريرة : «ان اهل الصفة هم ضيوف الرحمن لا اهل لهم ولا مال. اذا اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسلها اليهم ولم يصب منها شيئا واذا جاءته هدية اصاب منها واشركهم فيها. يقول امام التابعين سعيد بن المسيب: رأيت ابا هريرة يطوف بالسوق. ثم يأتي اهله فيقول: هل عندكم من شئ؟ فان قالوا: لا قال: اني صائم. كان زاهدا في الدنيا ويكتفي من الطعام بسد رمقه - فقد صبر على الفقر طويلا. حتى رزقه الله مالا وفيرا- وكان دائما يذكر ايام فقره ويدعو الناس الى الصبر والشكر ومر ابو هريرة ذات يوم بقوم يذبحون شاة. فدعوه الى تناول الطعام معهم فأبى وقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير قط. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث ابا هريرة مع العلاء الحضرمي الى البحرين لينشرا الاسلام فيها ويفقها الناس في امور دينهم فأنجزا هذه المهمة خير انجاز. ولما تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة جعل ابا هريرة عاملاً على البحرين وقد عينه معاوية بن ابي سفيان واليا على المدينة فترة من الزمن وكان يقول له: نعم الامير انت يا ابا هريرة. فقد كان وهو امير المدينة يمر في السوق حاملا الحطب عل ظهره حتى ان احد المسلمين عرض عليه ان يحمل عنه الحطب فرفض وقال لست افضل من احد فيكم. الصحيفة الصحيحة: كان ابو هريرة يحفظ ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ظهر قلب. كما كان يدعو الناس الى حفظ القرآن الكريم واحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد حفظ التاريخ وثيقة علمية قيمة تضمنت ما املاه ابو هريرة على تلميذه همام بن منبه احد اعلام التابعين التقاة الذين التفوا حول الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه وهذه الوثيقة اطلق عليها (الصحيفة الصحيحة) وقد نقلها الامام احمد بتمامها في مسنده كما نقل الامام البخاري عددا كبيرا من احاديثها في صحيحه. وقد قال ابو هريرة رضي الله عنه عن نفسه «ما من احد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم احفظ لحديثه مني- اللهم إلا عبدالله بن عمر فإنه كان يكتب اما انا فأسمع واحفظ ولا اكتب». معاذ بن جبل رضي الله عنه ( أعلمهم بالحلال و الحرام ) معاذ بن جبل رضي الله عنه " وأَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل000 " حديث شريف معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري000وكنيته أبو عبدالرحمن000أسلم وعمره ثماني عشرة سنـة عندما أسلم سعد بن معاذ -رضي الله عنه - سيد الخزرج الذي طلب من قومه أن يسلمـوا فأسلم الخزرج ومعهم معاذ -رضي اللـه عنه-000وقدم من المدينةالى مكة لمبايعة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ليلـة العقبـة الثانية فبايعه معهم وحضر المشاهـد كلها وروى عن النبـي -صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير من الأحاديث النبوية000 قربه من الرسول لزم معاذ بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة000فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه000وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( استقرئـوا القرآن من أربعـة ( من ابن مسعـود000وسالم مولى أبي حذيفـة000وأبي000ومعاذ بن جبل )000 وقوله - صلى الله عليه وسلم- ( وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل)000 قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( يا مُعاذ ، والله إني لأُحِبّك فلا تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة : اللهم أعِنّي على ذِكْرك وشكرك وحُسْن عبادتك )000ولقد حَـذِق معاذ الدرس وأجاد التطبيـق000فقد لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله ( كيف أصبحت يا معاذ ؟)000قال ( أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله )000قال النبي ( إن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟)000قال معاذ ( ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي ، ولا أمْسَيت مساء إلا ظننت أني لا أُصْبح ، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتْبِعُها غيرها ، وكأني أنظر الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابها ، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون ، وأهل النار في النار يُعَذّبون )000فقال له الرسول ( عرفتَ فالزم)000 ارساله الى اليمن وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ مع رسل ملوك اليمن يعلم الناس دينهم وأوصاه بأمور عدة000 فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- ( بما تحكم يا معاذ ؟)000قال معاذ ( بكتاب الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- (فان لم تجد ؟)000قال معاذ( بسنة رسول الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( فان لم تجد ؟)000قال معاذ ( أجتهد رأي ولا آلو )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله )000 فضله لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه ( لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر )000 ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال ( إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً للـهِ حَنيفـاً ، ولقد كنّـا نُشَبِّـه معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام )000 دخل ( عائذ الله بن عبد الله ) المسجد يوما مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول خلافة عمر فيحدثنا ويقول ( فجلست مجلسا فيه بضعٌ وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وفي الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء ، وهو أشَبُّ القوم سِنّا ، فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم ، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه ، ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه ( من أنت يا عبد الله ؟)000قال ( أنا معاذ بن جبل )000 ويقول ( أبو مسلم الخولاني ) (دخلت مسجد حمص فإذا جماعة من الكهول يتوسّطهم شاب برّاق الثنايا صامت لا يتكلم ، فإذا امْتَرَى القوم في شيء تَوَجَّهوا إليه يسألونه ، فقلت لجليس لي ( من هذا ؟)000 قال ( مُعاذ بن جبل )000فوقع في نفسي حُبُّه )000 كما قال ( شهر بن حَوْشَب ) ( كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل ، نظروا إليه هيبة له )000 حُبّ العلم كان معاذا -رضي الله عنه- دائب الدعوة الى العلم والى ذكر الله ، فقد كان يقول ( احذروا زيْغ الحكيم ، واعرفوا الحق بالحق ، فإن للحق نوراً )000وكان يرى العبادة قصداُ وعدلا ، قال له يوما أحد المسلمين ( علّمني )000فسأله معاذ ( وهل أنت مطيعي إذا علمتك ؟)000قال الرجل ( إني على طاعتك لحريص )000فقال له معاذ ( صُمْ وأفْطِر ، وصَلِّ ونَمْ ، واكْتَسِب ولا تأثَمْ ، ولا تموتنَّ إلا مُسْلِما ، وإياك ودَعْوَة المظلوم )000وكان يرى العلم معرفة وعملا فيقول ( تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا ، فلن ينفعـكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا )000وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس ، يقول الأسود بن هلال ( كُنّا نمشي مع مُعاذ ، فقال لنا اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة )000 طهارته مات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل في اليمن ، وفي خلافة أبي بكر رجِع معاذ الى اليمن ، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ أن معاذاً أثرى فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله ، ولم ينتظر عمر بل نهض مسرعا الى معاذ وأخبره ، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة ، ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه ، وتركه عمر وانصرف ، وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول ( لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء ، أخشى على نفسي الغرق ، حتى جئت فخلصتني يا عمر )000وذهبا معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر ( لا آخذ منك شيئاً )000فنظر عمر الى معاذ وقال له ( الآن حَلَّ وطاب )000فما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا ، لو علم أنه أخذه بغير حق000 أمانته وورعه كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام000وعاد الى زوجـه بحلسه (ما يوضع على ظهر الدابة) الذي خرج به فقاـلت له امرأته ( أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم ؟)000فقال معاذ ( لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي )000فقالت امرأته ( لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك )000وشاعت ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر000فأرسل الى معاذ وسأله أنا أرسلت معك رقيبا)000فقال ( يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذا000وقصدت بالرقيب الله عزوجل )000فأعطاه عمر شيئا وقال ( أرضها به)000 معلما ثم واليا للشام وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- أرسل اليه واليه على الشام يقول ( يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم)000فأرسل اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه-000فلما مات أمير الشام ( أبو عبيدة ) استخلفه أمير المؤمنين على الشام ، ولم يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا ، وكان عمر بن الخطاب يقول ( لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي لماذا استخلفته ؟000لقلت : سمعت نبيك يقول : إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين أيديهم )000وهذا رأيه على خلافة المسلمين جميعا 000 طاعون عمواس أصيب معاذ -رضي الله عنه- بالطاعون ، فلما حضرته الوفاة قال ( مرحبا بالموت مرحبا ، زائر بعد غياب وحبيب وفد على شوق )000ثم جعل ينظر الى السماء ويقول ( اللهم إني كنتُ أخافك ، لكنني اليوم أرجوك ، اللهم انك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار ، وجري الأنهار ، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر ، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة )000ثم فاضت روحه بعيدا عن الأهل داعيا الى الله مهاجرا في سبيله000وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثلاث وثلاثون سنة000 المقداد بن عمرو وأقبل الشيخ أبو معبد .. وهو يحمل لأصحابه حديث (بدر) ، وبدأ حديثه بصوته الهادئ الرزين، وأسلوبه الجميل الجذاب ، يشد المستمعين إليه، قال : أيها المسلمون: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها وبهذه الفقرة القصيرة ، استنفر رسول الله الناس على أبي سفيبان - زعيم المشركين - وهو عائد بتجارته من الشام فقد كفى ما عاناه المسلمون من قريش، وعنتها وبغيها وظلمها ولماذا يبقى المسلمون في تلكؤ، وقد أصبحت من القوة بما يمكنها من مقابلة المشركين، بعد أن ذاقوا منهم الويلات واضطروا إلى هجر مكة، والإقامة بالمدينة والرسول عليه الصلاة و السلام لم يقم يعمل سلبي تجاه قريش وأحقادها - طيلة هذه المدة - إلا لأنه لم يلمس في أصحابه العدة والعدد لمقابلة القوم فكان موقف الدفاع. أما وقد رأى فيهم بعض الإمكانية، فلماذا لا يحرك النفوس، ويمرنهم للهجوم وكانت خير مناسبة هي اعتراض قافلة أبي سفيان، وهي بتجارة قريش بؤوب من الشام، اشترك فيها أهل مكة جميعهم بحيث لم يبق رجل ولا امرأة استطاعوا أن يسهموا في هذه القافلة إلا فعلوا، حتى قدرت بخسين ألف دينار ولهذا فقد خف الكثير من المسلمين عند أمر النبي لهم بنهب القافلة كما تثاقل جماعة عن الخروج تحسباً للمشاكل التي تستتبعها يا أبا الحارث : اسمعت نداء الرسول، وهو أنت ملبيه ؟ نعم يا أبا معبد جزاك الله خيراً يا أبا الحاريث وكان المقداد بن عمرو البهراني، أو المقداد بن الأسود، أبو عبد الله، يهمه كثيراً أمر صاحبه أبي الحارث بن عتبة غزوان، فقد كانا مسلمين يتكتمان بإسلامهما في مكة، ولم يتمكنا من التظاهر في الهجرة مع المهاجرين، وبقيا ينتظران الفرصة المناسبة وأعلن المشركون أن جيشاً بقيادة( عكرمة بن أبي جهل ) يتوجه لغزو محمد، وفي عشية اليوم يزحف القوم.. وقصد عتبة صاحبه المقداد يا أبا معبد، مناسبة رائعة لو نخرج معهم، وعندما نصل إلى جيش المسلمين ننحاز لهم نعم الرأي ما تقول.. وانظما إلى الجيش الزاحف وبلغ رسول الله نبأ هذا الزحف، فأرسل سرية من السملمين يتراوح عددها بين الستين، والثمانين نفر وكلهم من المهاجرين وليس فيهم من الأنصار أحد، وأمر عليهم عبيد بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وسار المسلمون حتى بلغوا ماء في (اسفل ثنية المرة)، ولم تقع بينهما حرب إذ انتهت باتفاق، وانصرف المشركون عائدين إلى مكة وكانت اللحظة الحاسمة بالنسبة للمقداد وعتبة، فلم يكد ينشغل جيش العدو بامر عودته، حتى فر المقداد وصاحبه إلى المسلمين واستقبلهما المسلمون بكل ترحاب، وعند عودتهم إلى المدينة رحب الرسول بالمقداد فقد كان من أصحابه الأوائل واستمر المقداد بصلته، فلم يكن جديد عهد بالإسلام فهو سابع رجل آمن بالدعوة، وكان يروي الرسول أن الله أمر بحب أربعة: علي وسلمان وأبي ذر والمقداد ، ولهذا عندما وصل إلى المدينة ، كان أحد المقربين إلى رسول الله، والملازمين له وكان المقداد من المتحمسين - بعد أن وصل الى المدينة - لنهب قافلة قريش، وخاصة أن الرسول (عليه الصلاة و السلام) يريد ذلك.. ولم يخف على أبي سفيان، وهو في طريقه إلى مكة، أن رسول الله استنصر أصحابه على قافلته، فأرسل رسولاً عاجلاً إلى قريش يوقفهم على النبأ، وعلمه كيف يثيرهم ودخل رسول الله مكة، وقد قطع أذني بعيره، وجدع أنفه وحول رحله، ووقف هو عليه، وقد شق قميصه من قُبل ودُبر وهو يصيح يا معشر قريش! اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان وقد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى تدركوها. الغوث الغوث وهز هذا الصياح أرجاء مكة، ووقف الناس كلهم على أهبة الاستعداد، لا بغضاً بمحمد، ولا حباً لأبي سفيان، إنما لكل منهم نصيب في هذه العير وهذا لم يمنع أبا جهل، وعقبة بن أبي معيط أن يأتيا إلى المسجد وبيد عقبة مجمرة فيها بخور، وبيد ابي جهل مكحلة ومرودن وهما يتنقلان بين المتقاعسين من الخروج لنصرة عير ابي سفيان، يقولان للجالسين استجمر فإنما أنت من النساء، أو اكتحل فإنما أنت امرأة وتحشدت قريش استعداداً للزحف، ودار في كل بيت حديث لهم. إنها المرة الأولى، فلوتم لمحمد ما أراد لم تبق لقريش مهابة بعدها إن قريش وغير قريش من الذين ضاقوا ذرعاً بهذه الدعوة الفتية، كانوا يخشون هذا اليوم، الذي كانوا يحسبون له كل الحساب فهذا محمد الذي تحدثوا عن دعوته كلما جان على لسانهم من بذيء القول وخشن الكلام، وصبوا على اتباعه وأصحابه كل ما في طاقتهم من التعذيب، والتعسف، وإذا بالأيام تدور، وتصبح له القابلية على مقابلتها، ويعتزم مهاجمة عيرها وتصل أخبار قريش إلى الرسول تباعاً، وهو بالمدينة يتأهب للخروج، ويجمع أصحابه في رحبة المسجد، ليخبرهم بتصميمه على الغزو، ويطلب رأي المهاجرين، وإذا ضعفُت نفوس وتخوفت أخرى بعد ان بلغهم أن قريشاً زحفت بصناديدها وقف المقداد وسط الجمع وبكل جرأة يقول: يا رسول الله، إمض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون }، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجادنا معك، وقاتلنا من بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك فقال له رسول الله(صلى الله عليه وسلم): خيراً ودعا له، وأشرق وجهه وسرة، وأعجبه قال ابن مسعود : تمنيت هذا الموقف من المقداد أن يكون لي هو أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم التفت النبي للأنصار، وقال: أشيروا علي أيها الناس قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال النبي : أجل قال : فقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضٍ يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لُصبر في الحرب، صُدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله ، وما أن أتم سعد كلامه حتى هللت امرأة من الطرف الآخر وهي تقول: مرحباً بك يا سيدنا لا فض الله فاك والتفت القوم كلهم إليها، وبدت عليهم الفرحة، هذه هي النساء والرجال تشد أزر رسولها في عزيمته، والبشر تطفح على وجوههم، والإيمان يقوى نفوسهم، ويدور همس بين القوم من المستبشرة؟ إنها (أم عمارة) يا رسول الله، ومعها لمة من نساء الأنصار يعرضن أنفسهن للنصرة جزاهن الله خيراً فليرجعن إلى أخبيتهن، ففي الرجال الكفاية. لقد اندفع أصحاب النبي إلى الاستعداد، فقد بلغ الأمر أن يتنازع الأب والابن على الخروج، يقول القائلون: تنازع سعد بن خيثمة مع أبيه ايهما يبقى مع النساء، فقال سعد لأبيه : إنه لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لارجو الشهادة في وجهي هذا، فقال خيثمة: آثرني وقر مع نسائك، فأبى سعد، فقال خيثمة: إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم، فأسهما، فخرج سهم سعد، فقتل ببدر ويتحدث المتحدثون - أيضاً - : أن عمير بن أبي وقاص كان صغيراً، فأخذ يتوارى عندما استعرض رسول الله أصحابه فقيل له: لماذا تعمل هكذا يا عمير؟ فقال: أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني، فيردني، وأنا احب الخروج، لعل الله يرزقني الشهادة، فعرض على رسول الله فاستصغره فقال له: ارجع، فبكى عمير، فأجازه. وكان يقصر له حمائل سيفه لصغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشر سنة. وأعلن رسول الله ساعة الرحيل في صباح لم تشرق فيه الشمس بعد من أيام رمضان في السنة الثانية للهجرة، وعددهم لم يتجاوز الثلاثمائة وخمسة أشخاص. قد ملكوا من الإبل سبعين بعيراً، وكانوا يتعاقبونها، حتى رسول الله، فقد أردف خلفه علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وذكر أن المقداد كان فارساً وكانت راية المهاجرين بيد علي بن أبي طالب، وراية الأنصار - من الأوس والخزرج - مع سعد بن معاذ وبعد قليل صاح رسول الله بأعلى صوته: سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم وعلى جانبي الطريق وقفت نساء المهاجرين والأنصار يودعن الركب الراحل بقلوب مفعمة بالإيمان والإجلال، وزغردات تبشر بالنصر والمجد ولم تمضِ أيام حتى تقابل الطرفان يستقبلان الحرب ورفع رسول الله يديه إلى السماء قائلاً (اللهم إنك أنزلت علي الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين وأنت لا تخلف الميعاد، اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تخاذل وتكذب رسولك. الله نصرك الذي وعدتني به). ودارت رحى الحرب سجالاً يجول إمام المسلمين علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب وغيرهما من أبطال المسلمين الأشاوس يكشفون الغبرة عن جه المسلمين، ويجندلون الأبطال من المشركين، وكانوا يكرون على الأعداء وعلي يصيح، وهو يضرب بطلاً من أبطالهم، خذها وأنا ابن أبي طالب، فيجيبه حمزة، وهو يشد على الفارس منهم ويجندله، ويصيح: خذها وأنا ابن عبد المطلب، وهكذا بقية المغاوير وما هي إلا فترة من الزمن حتى وضعت الحرب أوزارها وانتصر المسلمون ولاقى من المشركين حتفه كل من أبي جهل وأمية بن خلف، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وغيرهم من قادة المشركين. وانهزمت قريش هزيمة، حتى نقل عن عبد الله بن عمرو بن أمية قال: أخبرني من انكشف من قريش يومئذ منهزماً وأنه ليقول في نفسه: ما رأيت مثل هذا فر منه إلا النساء. وقال آخر: شهدت مع المشركين بدراً، وإني لأنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني، وكثرة من معنا من الخيل والرجل فانهزمت فيمن انهزمت فلقد رايتني، وإني لأنظر إلى المشركين في كل وجه، وإني لأقول في نفسي ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء... وطوت المعركة أنفاس عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة وأبي جهل، وأمية بن خلف وأمثال هؤلاء الطواغيت ولكن أبا سفيان لم يخمد، وهو رأس الفتنة، وزعيمهم وجن الليل، وقد هدأـ الأنفاس المتعبة من ثقل الحرب وهومت العيون، التي أرهقت من يوم عسير الحركة، دامي الوجه… فخرج رسول الله، ومن خلفه من أصحابه يحرسونه منهم {{علي، والمقداد}}، ووقف على البئر - الذي أمر فطرح به جثث المشركين - وقال {يا أهل القليب، يا عُتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل،ثم أتيى بأسماء بعض من كان منهم في القليب ـ : هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً.. يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني، وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً؟ فقال المسلمون: يا رسول الله، أتنادي قوماً قد أجيفوا قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني وعاد المسلمون إلى المدينة والنصر يرفرف عليهم، ولكن الأيام لم تدع المسلمين في راحة. فقريش لم تنم على ضيم، وبقيت تلاحق النبي كلما ساعدتها ظروفها من غزوة إلى أخرى، والمقداد الذي أخلص لنبيه، وآمن بدعوته، كان لساناً صادقاً له، وسيفاً مخلصاً في وجه أعدائه، لم تمنعه ما منعة عن مصاحبة نبيه في غزواته ولا تقاعس عن نصرته لحظة ما وآخي رسول الله بين المقداد، وبين عبدالله بن رواحة وقيل بينهوبين أبي ذر الغفاري وكان موقفه المشرف يتجلى مع سيدي ومولاي علي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول، فقد وفى له، يخوض غمار الموت دونه، ويدفع عنه الأخطار ما استطاع، وشهد فتح مصر ولم يتخلف عن واجبه الديني، فهو جندي في ساحة الميدان، وموجه في مضمار الدعوة وأمين على الرسالة يوم تزعزع الناس رحم الله المقداد، فقد كان من الضلاء النجباء، الكبار الأخيار من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ممن رعاهم بعنايته، حتى روي عنه أنه قال أكثر من مرة { أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم وهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان} وفي عام 33 لبي نداء ربه في أرضه بالجرف، وحمل إلى لمدينة فدفن بها وكان ابن سبعين
الزبيـر بن العوام حواريّ رسول الله (( إن لكل نبي حواريّاً ، وحواريّ الزبير بن العوام )) حديث شريف الزبير بن العوام يلتقي نسبه مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-في ( قصي بن كلاب )... كما أن أمه ( صفية ) عمة رسول الله ، وزوجته أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين ، كان رفيع الخصال عظيم الشمائل ، يدير تجارة ناجحة وثراؤه عريضا لكنه أنفقه في الإسلام حتى مات مدينا... ويرتبط ذكرالزبيـر دوما مع طلحة بن عبيد الله ، فهما الاثنان متشابهان في النشأة والثراء والسخاء والشجاعة وقوة الدين ، وحتى مصيرهما كان متشابها فهما من العشرة المبشرين بالجنة وآخى بينهما الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، ويجتمعان بالنسب والقرابة معه ، وتحدث عنهما الرسول قائلا ( طلحة والزبيـر جاراي في الجنة ) ، و كانا من أصحاب الشورى الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب لإختيار خليفته ... أسلم الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة ، وكان من السبعة الأوائل الذين سارعوا بالإسلام ، وقد كان فارسا مقداما ، وإن سيفه هو أول سيف شهر بالإسلام ، ففي أيام الإسلام الأولى سرت شائعة بأن الرسول الكريم قد قتل ، فما كان من الزبير إلا أن استل سيفه وامتشقه ، وسار في شوارع مكة كالإعصار ،وفي أعلى مكة لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فسأله ماذا به ؟...فأخبره النبأ... فصلى عليه الرسول ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب وكان للزبير -رضي الله عنه- نصيبا من العذاب على يد عمه ، فقد كان يلفه في حصير ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه ، ويناديه ( اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا العذاب )...فيجيب الفتى الغض ( لا والله ، لا أعود للكفر أبدا )...ويهاجر الزبير الى الحبشة الهجرتين ، ثم يعود ليشهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-... وفي غزوة أحد وبعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكة ، ندب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الزبير وأبوبكر لتعقب جيش المشركين ومطاردته ، فقاد أبوبكر والزبير -رضي الله عنهما- سبعين من المسلمين قيادة ذكية ، أبرزا فيها قوة جيش المسلمين ، حتى أن قريش ظنت أنهم مقدمة لجيش الرسول القادم لمطاردتهم فأسرعوا خطاهم لمكة هاربين... وفي يوم الخندق قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( مَنْ رجلُ يأتينا بخبر بني قريظة ؟)...فقال الزبير ( أنا )...فذهب ، ثم قالها الثانية فقال الزبير ( أنا )...فذهب ، ثم قالها الثالثة فقال الزبيـر ( أنا )...فذهب ، فقال النبـي -صلى الله عليه وسلم- ( لكل نبيّ حَوَارِيٌّ، والزبيـر حَوَاريَّ وابن عمتي )... وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أرسل الرسول الزبيـر وعلي بن أبي طالب فوقفا أمام الحصن يرددان( والله لنذوقن ماذاق حمزة ، أو لنفتحن عليهم حصنهم )...ثم ألقيا بنفسيهما داخل الحصن وبقوة أعصابهما أحكما وأنزلا الرعب في أفئدة المتحصـنين داخله وفتحا للمسلمين أبوابه... وفي يوم حنين أبصر الزبيـر ( مالك بن عوف ) زعيم هوازن وقائد جيوش الشرك في تلك الغزوة ، أبصره واقفا وسط فيلق من أصحابه وجيشه المنهزم ، فاقتحم حشدهم وحده ، وشتت شملهم وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض المسلمين العائدين من المعركة... كان الزبير بن العوام شديد الولع بالشهادة ، فهاهو يقول ( إن طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء ، وقد علم ألا نبي بعد محمد ، وإني لأسمي بنيّ بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون )... وهكذا سمى ولده عبد الله تيمنا بالشهيد عبد الله بن جحش وسمى ولـده المنـذر تيمنا بالشهيد المنـذر بن عمـرو وسمى ولـده عـروة تيمنا بالشهيد عـروة بن عمـرو وسمى ولـده حمـزة تيمنا بالشهيد حمزة بن عبد المطلب وسمى ولـده جعفـراً تيمنا بالشهيد جعفر بن أبي طالب وسمى ولـده مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عميـر وسمى ولـده خالـدا تيمنا بالشهيد خالـد بن سعيـد وهكذا أسماهم راجيا أن ينالوا الشهادة في يوم ما... كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته ، وحين كان يجود بروحه أوصى ولده عبد الله بقضاء ديونه قائلا ( إذا أعجزك دين ، فاستعن بمولاي )...وسأله عبد الله ( أي مولى تعني ؟)... فأجابه ( الله ، نعم المولى ونعم النصير )...يقول عبدالله فيما بعد ( فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير اقضي دينه ، فيقضيه )... وبعد استشهاد عثمان بن عفان أتم المبايعة الزبير و طلحة لعلي -رضي الله عنهم جميعا- وخرجوا الى مكة معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان ، وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري ... طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة ( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)0ثم قال للزبير ( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا ، فقال لك : يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟0فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟...فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم )... فقال الزبير ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك )... وأقلع طلحة و الزبير -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعا حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته ... ولمّا كان الزبير بوادي السباع نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله و سارع قاتل الزبير الى علي يبشره بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي استلبه بين يديه ، لكن عليا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن وأمر بطرده قائلا ( بشر قاتل ابن صفية بالنار )...وحين أدخلوا عليه سيف الزبير قبله الإمام وأمعن في البكاء وهو يقول ( سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله )... وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات انهاها قائلا ( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمان من الذين قال الله فيهم ( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين )...ثم نظر الى قبريهما وقال ( سمعت أذناي هاتان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة )...0 سعد بن أبي وقـاص أحد العشرة المبشرين بالجنة (( يا سعد : ارم فداك أبي و أمي )) حديث شريف سعد بن مالك بن أهيب الزهري القرشي أبو اسحاق...فهو من بني زهرة أهل آمنة بنت وهب أم الرسول - صلى الله عليه وسلم- ...فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعتز بهذه الخؤولة فقد ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان جالسا مع نفر من أصحابه فرأى سعد بن أبي وقاص مقبلا فقال لمن معه :"هذا خالي فليرني أمرؤ خاله"... كان سعد -رضي الله عنه- من النفر الذين دخلوا في الاسلام أول ما علموا به...فلم يسبقه الا أبوبكر و علي وزيد و خديجة...قال سعد ( بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوا الى الاسلام مستخفيا فعلمت أن الله أراد بي خيرا وشاء أن يخرجني بسببه من الظلمات الى النور ...فمضيت اليه مسرعا حتى لقيته في شعب جياد وقد صلى العصر فأسلمت...فما سبقني أحد الا أبي بكر وعلي وزيد -رضي الله عنهم- ، وكان ابن سبع عشرة سنة...كما يقول سعد -رضي الله عنه- ( لقد أسلمت يوم أسلمت وما فرض الله الصلوات )... يقول سعد -رضي الله عنه- ( وما سمعت أمي بخبر اسلامي حتى ثارت ثائرتها وكنت فتى بارا بها محبا لها فأقبلت علي تقول ( يا سعد...ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك و أبيك؟ والله لتدعن دينك الجديد أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزنا علي ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتعيرك الناس أبد الدهر ) فقلت : لاتفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأي شيء )...الا أن أمه اجتنبت الطعام ومكثت أياما على ذلك فهزل جسمها وخارت قواها...فلما رأها سعد قال لها ( يا أماه اني على شديد حبي لك لأشد حبا لله ولرسوله ووالله لو كان لك ألف نفس فخرجت منك نفسا بعد نفس ما تركت ديني هذا بشيء )...فلما رأت الجد أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كره منها... ونزل قوله تعالى :"ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك الي المصير...وأن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب الي ثم الي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون "... كان الرسول -صلى الله عليه وسلم يجلس بين نفر من أصحابه ، فرنا ببصره الى الأفق في إصغاء من يتلقى همسا وسرا ، ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة )...وأخذ الصحاب يتلفتون ليروا هذا السعيد ، فإذا سعد بن أبي وقاص آت...وقد سأله عبدالله بن عمرو بن العاص أن يدله على ما يتقرب به الى الله من عبادة وعمل فقال له ( لا شيء أكثر مما نعمل جميعا ونعبد ، غير أني لا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوءا )... وكان سعد بن أبي وقاص إذا رمى عدوا أصابه وإذا دعا الله دعاء أجابه ، وكان الصحابة يردون ذلك لدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- له ( اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته )...ويروى أنه رأى رجلا يسب طلحة وعليا والزبير فنهاه فلم ينته فقال له ( إذن أدعو عليك )...فقال الرجل ( أراك تتهددني كأنك نبي !)...فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه قائلا ( اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواما سبقت لهم منك الحسنى ، وأنه قد أسخطك سبه إياهم ، فاجعله آية وعبرة )...فلم يمض غير وقت قصير حتى خرجت من إحدى الدور ناقة نادّة لا يردها شيء ، حتى دخلت في زحام الناس ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها ، ومازالت تتخبطه حتى مات... وفي بداية الدعوة ، كان أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا صلوا ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم ، فبينما سعد بن أبي وقاص في نفر من الصحابة في شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون ، فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم ، فضرب سعد -رضي الله عنه- يومئذ رجلاً من المشركين بلحي بعير فشجه ( العظم الذي فيه الأسنان ) ، فكان أول دم هريق في الإسلام... وبعثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سرية عبيدة بن الحارث -رضي الله عنه- الى ماء بالحجاز أسفل ثنية المرة فلقوا جمعا من قريش ولم يكن بينهم قتال ألا أن سعد قد رمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في الاسلام... وشارك في أحد وتفرق الناس أول الأمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووقف سعد يجاهد ويقاتل فلما رآه الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرمي جعل يحرضه ويقول له ( يا سعد ......0ارم فداك أبي وأمي )...وظل سعد يفتخر بهذه الكلمة طوال حياته ويقول ( ما جمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأحد أبويه الا لي ) وذلك حين فداه بهما... وعندما احتدم القتال مع الفرس ، أراد أمير المؤمنين عمر أن يقود الجيش بنفسه ، ولكن رأى الصحابة أن تولى هذه الإمارة لرجل آخر واقترح عبدالرحمن بن عوف ( الأسد في براثنه ، سعد بن مالك الزهري )... وقد ولاه عمر -رضي الله عنه- امرة جيش المسلمين الذي حارب الفرس في القادسية وكتب الله النصر للمسلمين وقتلوا الكافرين وزعيمهم رستم...وعبر مع المسلمين نهر دجلة حتى وصلوا المدائن وفتحوها ، وكان إعجازا عبور النهر بموسم فيضانه حتى أن سلمان الفارسي قد قال ( إن الإسلام جديد ، ذللت والله لهم البحار ، كما ذللت لهم البر ، والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا ، كما دخلوه أفواجا )... وبالفعل أمن القائد الفذ سعد مكان وصول الجيش بالضفة الأخرى بكتيبة الأهوال وكتيبة الخرساء ، ثم اقتحم النهر بجيشه ولم يخسر جنديا واحدا في مشهد رائع ، ونجاح باهر... ودخل سعد بن أبي وقاص ايوان كسرى وصلى فيه ثماني ركعات صلاة الفتح شكرا لله على نصرهم ... وولاه عمر -رضي الله عنهما- إمارة العراق ، فراح سعد يبني ويعمر في الكوفة ، وذات يوم اشتكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين فقالوا ( إن سعدا لا يحسن يصلي )...ويضحك سعدا قائلا ( والله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله ، أطيل في الركعتين الأوليين وأقصر في الآخرين )...واستدعاه عمر الى المدينة فلبى مسرعا ، وحين أراد أن يعيده الى الكوفة ضحك سعدا قائلا ( أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة ؟!)...ويؤثر البقاء في المدينة... و عندما حضرت عمر -رضي الله عنه- الوفاة بعد أن طعنه المجوسي...جعل الأمر من بعده الى الستة الذين مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض و أحدهم سعد بن أبي وقاص ، وقال عمر ( إن وليها سعد فذاك ، وإن وليها غيره فليستعن بسعد )... وقد اعتزل سعد الفتنة وأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا له أخبارها ، وذات يوم ذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ويقول له ( يا عم ، ها هنا مائة ألف سيف يرونك أحق الناس بهذا الأمر )...فيجيبه سعد ( أريد من مائة ألف سيف ، سيفا واحدا ، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا ، وإذا ضربت به الكافر قطع )...فتركه ابن أخيه بسلام...وحين انتهى الأمر لمعاوية سأل سعدا ( مالك لم تقاتل معنا ؟)...فأجابه ( إني مررت بريح مظلمة فقلت : أخ...أخ...وأنخت راحلتي حتى انجلت عني )...فقال معاوية ( ليس في كتاب الله أخ...أخ...ولكن قال الله تعالى ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )... وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة مع الباغية )...فأجاب سعد قائلا ( ما كنت لأقاتل رجلا -يعني علي بن أبي طالب- قال له الرسول : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )... وعمر سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- كثيرا...وأفاء الله عليه من المال الخير الكثير... لكنه حين أدركته الوفاة دعا بجبة من صوف بالية وقال ( كفنوني بها فاني لقيت بها المشركين يوم بدر...واني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضا ) ... وكان رأسه بحجر ابنه الباكي فقال له ( ما يبكيك يا بني ؟...إن الله لا يعذبني أبدا ، وإني من أهل الجنة )...فقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبيرا...وكانت وفاته سنة خمس وخمسين من الهجرة النبوية...وكان آخر المهاجرين وفاة ، ودفن في البقيع... عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة (( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )) حديث شريف عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين الى الإسلام ، عرض عليه أبو بكر الإسلام فما غُـمَّ عليه الأمر ولا أبطأ ، بل سارع الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبايعه وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد المشركين ، هاجر الى الحبشة الهجـرة الأولى والثانيـة ، كما هاجر الى المدينـة مع المسلميـن وشهـد المشاهد كلها ، فأصيب يوم أُحُد بعشريـن جراحا إحداها تركت عرجا دائما في ساقه ، كما سقطت بعـض ثناياه فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه... وكان -رضي الله عنه- محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عَجَبه فقال ( لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا )...وكانت التجارة عند عبد الرحمن بن عوف عملاً وسعياً لا لجمع المال ولكن للعيش الشريف ، وهذا ما نراه حين آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار ، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع ،فقال سعد لعبد الرحمن ( أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا ، فانظر شطر مالي فخذه ، وتحتي امرأتان ، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها )...فقال عبد الرحمن ( بارك الله لك في أهلك ومالك ، دُلوني على السوق )...وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح... وكانت تجارة عبد الرحمن بن عوف ليست له وحده ، وإنما لله والمسلمون حقا فيها ، فقد سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول يوما ( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )...ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله قرضـا حسنا ، فيضاعفـه الله له أضعافـا ، فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعا على أهله من بني زُهرة وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين ،وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام ، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة... وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله ، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان نصيبا من الوصية فأخذها وقال ( إن مال عبد الرحمن حلال صَفْو ، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة )...وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل ( أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله ، ثُلث يقرضهم ، وثُلث يقضي عنهم ديونهم ، وثلث يصِلَهم ويُعطيهم )...وخلّف بعده ذهبُ كثير ، ضُرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال... وفي أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال ، لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجَّها رجّا ، وسألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ( ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟)...وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له فَعَجِبَت أم المؤمنين ( قافلة تحدث كل هذه الرجّة ؟)...فقالوا لها ( أجل يا أم المؤمنين ، إنها سبعمائة راحلة )... وهزّت أم المؤمنين رأسها وتذكرت ( أما أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا )...ووصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن بن عوف ، فتذكر أنه سمع هذا الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة ، فحثَّ خُطاه الى السيدة عائشة وقال لها ( لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه )...ثم قال ( أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله )...ووزِّعَت حُمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها... و وثراء عبد الرحمن -رضي الله عنه- كان مصدر إزعاج له وخوف ، فقد جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما ، فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم قال ( استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكُـفّـن في بردة إن غطّت رأسه بدت رجلاه ، وإن غطّت رجلاه بدا رأسه ، واستشهد حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد له ما يُكَـفّـن فيه إلا بردة ، ثم بُسِـطَ لنا في الدنيا ما بُسـط ، وأعطينا منها ما أعطينا وإني لأخشى أن نكون قد عُجّلـت لنا حسناتنا )... كما وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى ، وسألوه ( ما يبكيك يا أبا محمد ؟)... قال ( لقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ، ما أرانا أخّرنا لما هو خير لنا )... ووفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا ، فقد قيل ( أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه ، ما استطاع أن يميزه من بينهم )... وكان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة لهم من بعده قائلا ( لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض )...وأشار الجميع الى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال ( والله لأن تُؤخذ مُدْية فتوضع في حَلْقي ، ثم يُنْفَذ بها إلى الجانب الآخر ، أحب إليّ من ذلك )...وفور اجتماع الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي أعطاه إياه عمر ، وجعل الأمر بين الخمسة الباقين ، فاختاروه ليكون الحكم بينهم وقال له علي -كرم الله وجهه- ( لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصفَك بأنك أمين في أهل السماء ، وأمين في أهل الأرض )...فاختار عبد الرحمن بن عوف ( عثمان بن عفان ) للخلافة ، ووافق الجميع على إختياره... وفي العام الثاني والثلاثين للهجرة جاد بأنفاسه -رضي الله عنه- وأرادت أم المؤمنين أن تخُصَّه بشرف لم تخصّ به سواه ، فعرضت عليه أن يُدفن في حجرتها الى جوار الرسول وأبي بكر وعمر ، لكنه استحى أن يرفع نفسه الى هذا الجوار ، وطلب دفنه بجوار عثمان بن مظعون إذ تواثقا يوما أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه...وكانت يتمتم وعيناه تفيضان بالدمع ( إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال )...ولكن سرعان ما غشته السكينة واشرق وجهه وأرْهِفَت أذناه للسمع كما لو كان هناك من يحادثه ، ولعله سمع ما وعده الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( عبد الرحمن بن عوف في الجنة )... سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيْل العدوي القرشي ، أبو الأعور ، من خيار الصحابة ابن عم عمر بن الخطاب وزوج أخته ، ولد بمكة عام ( 22 قبل الهجرة ) وهاجر الى المدينـة ، شهد المشاهد كلها إلا بدرا لقيامه مع طلحة بتجسس خبر العير ، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، كان من السابقين الى الإسلام هو وزوجته أم جميل ( فاطمة بنت الخطـاب )... وأبوه -رضي الله عنه- ( زيـد بن عمرو ) اعتزل الجاهليـة وحالاتها ووحّـد اللـه تعالى بغيـر واسطـة حنيفيـاً ، وقد سأل سعيـد بن زيـد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال ( يا رسـول الله ، إن أبـي زيـد بن عمرو بن نفيل كان كما رأيت وكما بَلَغَك ، ولو أدركك آمن بـك ، فاستغفر له ؟)... قال ( نعم )...واستغفر له...وقال ( إنه يجيءَ يوم القيامة أمّةً وحدَهُ ). روي عن سعيد بن زيد أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل ، و أبو عبيدة بن الجراح )...رضي الله عنهم أجمعين... وكان -رضي الله عنه- مُجاب الدعوة ، وقصته مشهورة مع أروى بنت أوس ، فقد شكته الى مروان بن الحكم ، وادَّعت عليه أنّه غصب شيئاً من دارها ، فقال ( اللهم إن كانت كاذبة فاعْمِ بصرها ، واقتلها في دارها )...فعميت ثم تردّت في بئر دارها ، فكانت منيّتُها... وكان سعيد بن زيد موصوفاً بالزهد محترماً عند الوُلاة ، ولمّا فتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق ولاّه إيّاها ، ثم نهض مع مَنْ معه للجهاد ، فكتب إليه سعيد ( أما بعد ، فإني ما كنت لأُوثرَك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يُدْنيني من مرضاة ربّي ، وإذا جاءك كتابي فابعث إلى عملِكَ مَنْ هو أرغب إليه مني ، فإني قادم عليك وشيكاً إن شاء الله والسلام )... وكتب معاوية إلى مروان بالمدينة يبايع لإبنه يزيد ، فقال رجل من أهل الشام لمروان ( ما يحبسُك ؟)...قال مروان ( حتى يجيء سعيد بن زيد يبايع ، فإنه سيـد أهل البلد ، إذا بايع بايع الناس )...قال ( أفلا أذهب فآتيك به ؟)...وجاء الشامـي وسعيد مع أُبيّ في الدار ، قال ( انطلق فبايع )...قال ( انطلق فسأجيء فأبايع )...فقال ( لتنطلقنَّ أو لأضربنّ عنقك )...قال ( تضرب عنقي ؟ فوالله إنك لتدعوني إلى قوم وأنا قاتلتهم على الإسلام )... فرجع إلى مروان فأخبره ، فقال له مروان ( اسكت )...وماتت أم المؤمنين ( أظنّها زينب ) فأوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد ، فقال الشامي لمروان ( ما يحبسُك أن تصلي على أم المؤمنيـن ؟)...قال مروان ( أنتظر الذي أردت أن تضرب عنقـه ، فإنها أوصت أن يُصلي عليها )...فقال الشامي ( أستغفر الله )... و توفي بالمدينة سنة ( 51 هـ ) ودخل قبره سعد بن أبي الوقاص وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم أجمعين-. أبوعبيدة بن الجراح أحد العشرة المبشرين بالجنة (( لكل أمة أمينا وأميننا أيتها الأمة أبوعبيدة عامر الجراح )) حديث شريف أبوعبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح الفهري...يلتقي مع النبي-صلى الله عليه وسلم- في أحد أجداده (فهر بن مالك)...وأمه من بنات عم أبيه...أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر 0 كان -رضي الله عنه- طويل القامة ، نحيف الجسم ، خفيف اللحية...أسلم على يد أبي بكر الصديق في الأيام الأولى للاسلام ، وهاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية ثم عاد ليشهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- المشاهد كلها... وفي غزوة بدر جعل أبو ( أبو عبيدة ) يتصدّى لأبي عبيدة ، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلمّا أكثر قصدَه فقتله ، فأنزل الله هذه الآية... قال تعالى ( لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليومِ الآخر يُوادُّون مَنْ حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءَ هُم أو أبناءَ هم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتبَ في قلوبهم الأيمان ")... ويقول أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-( لما كان يوم أحد ، ورمي الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر ، أقبلت أسعى الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وانسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا ، فقلت : اللهم اجعله طاعة ، حتى اذا توافينا الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اذا هو أبوعبيدة بن الجراح قد سبقني ، فقال ( أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )...فتركته ، فأخذ أبوعبيدة بثنيته احدى حلقتي المغفر ، فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت ، فكان أبوعبيدة في الناس أثرم )... وأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- أباعبيدة بن الجراح أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشرة مقاتلا ، وليس معهم من الزاد سوى جراب تمر ، والسفر بعيد ، فاستقبل أبوعبيدة واجبه بغبطة وتفاني ، وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل واحد منهم حفنة تمر ، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم ، وعندما فرغ التمر راحوا يتصيدون ( الخبط ) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء ، غير مبالين الا بانجاز المهمة ، لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط... ولما قدم أهل نجران على النبي-صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه ان يرسل اليهم واحدا...فقال عليه الصلاة والسلام ( لأبعثن -يعني عليكم- أمينا حق امين )...فتشوف أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها... ولكن لينطبق عليهم وصف النبي -صلى الله عليه و سلم- "أمينا حق امين" وكان عمر نفسه-رضي الله عليه-من الذين حرصوا على الامارة لهذا آنذاك...بل صار -كما قال يتراءى- أي يري نفسه - للنبي صلى الله عليه وسلم- حرصا منه -رضي الله عنه- أن يكون أمينا حق أمين...ولكن النبي صلى الله عليه وسلم- تجاوز جميع الصحابة وقال ( قم يا أباعبيدة )... كما كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يجود بأنفاسه ( لو كان أبوعبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فان سألني ربي عنه ، قلت : استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله )... وفي أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- ، وتولى الخلافة بعده عمر -رضي الله عنه- ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد...وصل الخطاب الى أبىعبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد ( يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟)...فأجاب أبوعبيدة ( اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة )...وأصبح أبوعبيدة أمير الأمراء بالشام0 و ترامى الى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا ( يا أيها الناس ، اني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني بتقوى الا وددت أني في إهابه !!)... وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له ( من ؟)...قال ( أبوعبيدة بن الجراح )...وأتى أبوعبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه الى داره ، فلم يجد فيها من الأثاث شيئا ، الا سيفه وترسه ورحله ، فسأله عمر وهو يبتسم ( ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟)...فأجاب أبوعبيدة ( يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل )... وقد حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد "طاعون عمواس" وكان أبوعبيدة أمير الجند هناك... فخشي عليه عمر من الطاعون...فكتب اليه يريد أن يخلصه منه قائلا ( اذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح الامتوجها الي...واذا وصلك في الصباح ألا تمسي الا متوجها الي...فان لي حاجة اليك) وفهم أبوعبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وانه يريد أن ينقذه من الطاعون...فكتب الى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور اليه وقال ( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وانما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم...فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين) ولما وصل الخطاب الى عمر بكى...فسأله من حوله ( هل مات أبوعبيدة ؟)...فقال ( كأن قد)...والمعنى أنه اذا لم يكن قد مات بعد والا فهو صائر الى الموت لا محالة...اذ لا خلاص منه مع الطاعون ... كان أبو عبيـدة -رضي الله عنه- في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا...مات أبوعبيـدة -رضي الله عنه- سنة (18) ثماني عشرة للهجرة في طاعون عمواس...وقبره في غور الأردن...رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى.. عبدالله بن عمر سيرة الإمام الزاهد مُعتزِل الفتن هو إمام من أئمة المسلمين . آتاه الله العلم ، فأخذ منه بِـحـظٍّ وافـر . ولذا لما أطلّت الفتنة بقرونها ولاّها ظهره واعتزلها ، رغبة فيما عند الله ، وطمعاً في سلعة الله الغالية . هو مِن صغار الصحابة رضي الله عنهم ، ومع ذلك صار عالماً من علماء الصحابة يُشار إليه بالبنان . إن تكلّم سُمِع كلامه ، وإن أفتى أُخِذ بقوله ، وإن قال صدق . فلله درّه . هو صحابي وابن صحابي رضي الله عنه وعن أبيه . وكفى بصحبة خير البشر وسيد ولد آدم فخراً ورفعة . مالت الدنيا بأقرانه ولم يمل مع مَن مال . اسمـه : عبدالله بن عمر بن الخطاب وكنيته : أبو عبد الرحمن قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله : الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي ثم المدني . أسلم وهو صغير ثم هاجر مع أبيه لم يحتلم واستُصغِر يوم أحد ، فأولّ غزواته الخندق ، وهو ممن بايع تحت الشجرة ، وأمه وأمّ أم المؤمنين حفصة زينب بنت مظعون ، أخت عثمان بن مظعون الجمحي . وقال : روى علما كثيراً نافعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن أبيه وأبي بكر وعثمان وعلي وبلال وصهيب وعامر بن ربيعة وزيد بن ثابت وزيد عمه وسعد وابن مسعود وعثمان بن طلحة وأسلم وحفصة أخته وعائشة وغيرهم . انتهى . وهو أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية ، وأحد العبادلة الأربعة ، وثانيهم ابن عباس ، وثالثهم عبد الله بن عمرو بن العاص ، ورابعهم عبد الله بن الزبير . وكان مُجاهداً منذ نعومة أظفاره . قال ابن عمر رضي الله عنهما : عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال ، وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فلم يُجزني ، وعرضني يوم الخندق وأنا بن خمس عشرة سنة ، فأجازني . رواه البخاري ومسلم . وشهِد فتح مكة وله عشرون سنة . وقدِم الشام والعراق والبصرة وفارِس غازياً . وشهِد فتح مصر . روى حجاج بن أرطاة عن نافع أن ابن عمر بارز رجلاً في قتال أهل العراق ، فقتله ، وأخذ سَلَبه . و كان رضي الله عنه عابداً كثير العبادة قال ابن عمر رضي الله عنهما : كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت غلاماً شاباً ، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطيّ البئر ، وإذا لها قرنان ، وإذا فيها أناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار . قال : فلقينا مَلَك آخر فقال لي : لم ترع ، فقصصتها على حفصة ، فقصّتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل . فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا . رواه البخاري ومسلم . قال حبيب بن الشهيد : قيل لنافع : ما كان يصنع ابن عمر في منزله ؟ قال : لا تطيقونه ؛ الوضوء لكل صلاة ، والمصحف فيما بينهما . وقال نافع : كان ابن عمر لا يصوم في السفر ، ولا يكاد يفطر في الحضر . و كان رضي الله عنه زاهداً مُعرضاً عن الدنيا والافتتان بها . قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما . وقال : لقد رأيتنا ونحن متوافرون ، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من ابن عمر وقال حذيفة رضي الله عنه : ما مِنّـا أحد يُفتش إلا يُفتش عن جائفة أو منقلة إلا عمر وابنه . ( والجائفة هي الطعنة الواصلة للجوف ، والـمُنَقِّلـة وهي ما توضّح العظم وتهشمه ) قال ذلك كناية عن المعائب . وقال جابر رضي الله عنه : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به إلا ابن عمر . وقالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر . وقال ميمون بن مهران : دخلت على ابن عمر فقوّمت كل شيء في بيته من أثاث ما يسوى مئة درهم ! وقال مولاه نافع : إنْ كان ابن عمر ليفرّق في المجلس ثلاثين ألفا ، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة لحم . وكان ابن عمر رضي الله عنهما مِن أكثر الناس اتّباعاً للسنة رضي الله عنه . وكان شديد الاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم ولذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تركنا هذا الباب للنساء . قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات . رواه أبو داود . وما رواه مسلم عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها . قال فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن . قال : فأقبل عليه عبد الله فسبّـه سـبّـاً سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : والله لنمنعهن ؟ رقّـة ابن عمر رضي الله عنهما : قال نافع : كان ابن عمر إذا قرأ : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) بكى حتى يغلبه البكاء . وروى عاصم بن محمد العمري عن أبيه قال : ما سمعت ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى . وقال يوسف بن ماهك : رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير ، وعبيد يقصّ ، فرأيت ابن عمر ودموعه تهراق . و عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه تلا : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه ، فأراد رجل أن يقول لأبي : أقصر فقد آذيت الشيخ . وكتب الحجاج إلى ابن عمر : بلغني أنك طلبت الخلافة ، وإنها لا تصلح لعيي ولا بخيل ولا غيور . فكتب إليه : أما ما ذكرت من الخلافة فما طلبتها وما هي من بالي ، وأما ما ذكرت من العي فمن جمع كتاب الله فليس بعيي ، ومن أدى زكاته فليس ببخيل ، وإن أحق ما غرت فيه ولدي أن يشركني فيه غيري ! لما أُريد ابن عمر على الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه أبـى ، وهرب على مكة فرضي الله عنه . قال حبيب بن أبي ثابت أن ابن عمر قال يوم دومة جندل : جاء معاوية على بختي عظيم طويل فقال : ومن الذي يطمع في هذا الأمر ويمدّ إليه عنقه ، قال ابن عمر : فما حدّثت نفسي بالدنيا إلا يومئذ ، هممت أن أقول : يطمع فيه من ضربك وأباك عليه ، ثم ذكرت الجنة ونعيمها فأعرضت عنه . قال ابن عمر رضي الله عنهما : دخلت على حفصة ونوساتها تنطف فقلت : قد كان من الناس ما ترين ، ولم يُجعل لي من الأمر شيء . قالت : فالحق بهم ، فإنهم ينتظرونك وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فُرقة ، فلم يرعه حتى ذهب قال : فلما تفرق الحكمان خطب معاوية فقال : من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إليّ قرنه ! فنحن أحق بذلك منه ومن أبيه . يُعرّض بابن عمر ! فقال له حبيب بن مسلمة : فهلا أجبته فداك أبي وأمي ؟ فقال ابن عمر : حللت حبوتي فهممت أن أقول : أحق بذلك منك من قاتلك وأباك على الإسلام ، فخشيت أن أقول كلمة تفرّق الجمع ، ويسفك فيها الدم ، فذكرت ما أعد الله في الجنان . رواه البخاري . وقال سلام بن مسكين : سمعت الحسن يقول : لما كان من أمر الناس ما كان زمن الفتنة أتوا ابن عمر فقالوا : أنت سيد الناس وابن سيدهم ، والناس بك راضون ، اخرج نبايعك . فقال : لا والله لا يُهراق فيّ محجمة من دم ، ولا في سببي ما كان فيّ روح . ويدلّ على إمامته هذه القصة : لما ابتنى معاوية بالأبطَح مجلسا جلس عليه ومعه ابنه قُرَظَة ، فإذا هو بجماعة على رحال لهم ، وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنى : من يساجلني يساجل ما جداً *** يملأ الدلـو إلى عقد الكُرب قال : من هذا ؟ قالوا : عبدالله بن جعفر . قال : خلُّوا لـه الطريق . ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يتغنى : بينما يذكرنني أبصرنني *** عند قِيد الميل يسعى بي الأغر قلن تعرفن الفتى ؟ قلن : نعم *** قد عرفناه وهل يخفى القمر ؟ قال : من هذا ؟ قالوا : عمر بن أبي ربيعة . قال : خلُّوا لـه الطريق فليذهب . قال : ثم إذا هو بجماعة وإذا فيهم رجل يُسأل ، فيقال لـه : رميت قبل أن أحلق ؟ وحلقت قبل أن أرمي ؟ في أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج ، فقال : من هذا ؟ قالوا : عبد الله بنُ عمر ، فالتَفَتَ إلى ابنه قُرَظَة وقال : هذا الشرف . هذا والله شرف الدنيا والآخرة . قال الإمام مالك : كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر ، مكث ستين سنة يُفتي الناس . شِدّته في الحق : حدّث إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي عن أبيه عن ابن عمر أنه قام إلى الحجاج وهو يخطب فقال : يا عدو الله استُحلّ حرم الله ، وخرب بيت الله . فقال : يا شيخا قد خرّف ، فلما صدر الناس أمر الحجاج بعض مسوّدته فأخذ حربة مسمومة وضرب بها رجل ابن عمر ، فمرض ومات منها ، ودخل عليه الحجاج عائداً ، فسلم فلم يرد عليه ، وكلّمه ، فلم يُجبه . وروى ابن سيرين أن الحجاج خطب فقال : إن ابن الزبير بدّل كلام الله ، فعلم ابن عمر فقال : كذب ! لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت . قال الحجاج : إنك شيخ قد خرّفت الغد ! قال ابن عمر : أما إنك لو عدتَ عدتُ . وفاته رضي الله عنه : توفي رضي الله عنه سنة ثلاث وسبعين من الهجرة . وهو ابن خمس وثمانين سنة . فرضي الله عنه وأرضاه . اللهم إنا نُشهدك على حب عبد الله بن عمر ، وعلى حب أبيه من قبله ، فاحشرنا في زمرتهم عبد الله بن سلاَم سيرة الإمام العالم حبر اليهود وسيّدهم عندما يُريد الله هداية شخص فإن الله يشرح صدره ، ويُهيئ له أسباب ذلك . وقد اشتهرت يهود بشدّة العداوة لأمة الإسلام ولنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) ولذا فإنه لم يُسلم منهم إلا أُناس يُعدّون على الأصابع ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام : لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود . رواه البخاري ومسلم . فاليهود أهل عناد ومُكابرة ، وهم المغضوب عليهم وأريد أن أتناول سيرة رجل من يهود بني قينقاع بل هو عالم من علمائهم وسيّـد من ساداتهم ذلكم هو عبد الله بن سلاَم اسمه : عبد الله بن سلام بن الحارث كنيته : أبو يوسف من ذرية يوسف عليه السلام صحابي جليل ، وهو من بني إسرائيل ، بل هو من ذُريّـة يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام . كان عبد الله يهودياً من يهود بني قينقاع ، فأراد الله به خيراً فأسلم . قال عنه الذهبي في السير : الإمام الحبر ، المشهود له بالجنة حليف الأنصار ، من خواص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . أسلم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . إســلامــه: لِنَدَعـه يُحدّثنا بقصته قال رضي الله عنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه ، وقيل : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت في الناس لأنظر إليه ، فلما استثبتُّ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، وكان أولُ شيء تكلم به أن قال : أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصَلُّـوا والناسُ نيام تدخلوا الجنة بسلام . رواه احمد والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح . ولا يعرف الفضل لأهله إلا أهل الفضل أسئلته للنبي صلى الله عليه وسلم لما عرف تيقّن أنه ليس بكذّاب أراد أن يسأله عن أشياء لا يعرفها إلا نبي روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : سَمِعَ عبدُ الله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف ، فأتى النبيَ صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : فما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينـزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال : أخبرني بهن جبريل آنفا . قال : جبريل ؟! قال : نعم . قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة ! فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ ) ثم قال : أما أولُ أشراط الساعة فنار تحشرُ الناس من المشرق إلى المغرب وأما أولُ طعامِ أهل الجنة فزيادة كبدِ حوت وإذا سبق ماءُ الرجل ماء المرأة نـزع الولد ، وإذا سبق ماءُ المرأة نزعت . قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ، يا رسول الله إن اليهود قومٌ بُهْت ، وإنـهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني . فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيُّ رجلٍ عبدُ الله فيكم ؟ قالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا . قال : أرأيتم إن أسلم عبدُ الله بن سلام ؟ فقالوا : أعاذه الله من ذلك ! فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . فقالوا : شرُّنا وابن شرِّنا وانتقصوه ! قال : فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله . وفي رواية للبخاري : جاء عبد الله بن سلام فقال : أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ ، فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبلوا فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق فأسلموا . قالوا : ما نعلمه . قال : فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : يا ابن سلام اخرج عليهم ، فخرج ، فقال : يا معشر اليهود اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، وأنه جاء بحق . فقالوا : كذبت فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفيه نزل قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) ولهذه الآية قصة فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يوما وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يومَ عيدٍ لهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا يشهدون أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يُحبط الله عن كلِّ يهوديٍ تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه . قال : فأسكتوا ما جاء به منهم أحد . ثم رد عليهم فلم يجبه أحد . ثم ثلّث فلم يجبه أحد . فقال : أبيتم ! فوالله إني لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا النبي المصطفى آمنتم أو كذبتم . ثم انصرف وأنا معه حتى إذا كدنا أن نخرج فنادى رجل من خلفنا : كما أنت يا محمد . قال : فأقبل ، فقال ذلك الرجل : أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود ؟ قالوا : والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك ولا أفقه منك ولا من أبيك قبلك ولا من جدك قبل أبيك . قال : فإني أشهد له بالله إنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة . قالوا : كذبت . ثم ردوا عليه قوله وقالوا فيه شرا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كَذَبْتم لن يقبل الله قولكم . أمّا آنفا فتُثنون عليه من الخير ما أثنيتم ، ولما آمن كذّبتموه وقلتم فيه ما قلتم ، فلن يقبل الله قولكم . قال : فخرجنا ونحن ثلاثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وعبد الله بن سلام وأنزل الله عز وجل فيه الآية . أخرجه الإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في التلخيص وأخرجه ابن حبان والطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين . وهو حديث صحيح . فيُحتمل أن تكون القصة وقعت لفريقين من اليهود دون علم كلِّ فريق بما حصل للآخر ، وذلك أن رواية البخاري جاء فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم فجاءوا ، والرواية الأخرى أنه دخل عليهم كنيسة لهم في يوم عيد لهم . ومن فضائله : من فضائله رضي الله عنه أنه من المبشرين بالجنة فعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بقصعةٍ فأكل منها ففضلت فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجئ رجل من هذا الفج من أهل الجنة يأكل هذه الفضلة . قال سعْدٌ : وكنت تركت أخي عميراً يتوضأ . قال فقلت : هو عمير . قال : فجاء عبد الله بن سلام . رواه أحمد وغيره . وفي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض : إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام . قال : وفيه نزلت هذه الآية ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) الآية . وأنه ممن يؤتون أجورهم مرتين فعبدالله بن سلام من الذين يؤتون أجرهم مرتين . لقوله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت عنده أمةٌ يطؤها فأدبـها فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران . أخرجه البخاري ومسلم . وفيه _ أي في عبدالله بن سلام _ نـزل قوله تعالى : )وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) فعلى رأي بعض المفسرين أن الذي عنده علم من الكتاب هو عبد الله بن سلام . وأخرج البخاري ومسلم عن قيس بن عُبَاد قال : كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع فقالوا : هذا رجل من أهل الجنة ، فصلى ركعتين تجوّز فيهما ثم خرج وتبعته فقلت : إنك حين دخلت المسجد قالوا : هذا رجل من أهل الجنة . قال : والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم ، وسأحدثك لم ذاك رأيت رؤيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه ورأيت كأني في روضة _ ذَكَرَ من سَعتها وخضرتـها _ وسَطَها عمودٌ من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عُروة ، فقيل لي : ارقـه . قلت : لا أستطيع . فأتاني منصف _ والمنصف الخادم _ فرفع ثيابي من خلفي فرَقَيْتُ حتى كنت في أعلاها ، فأخذت بالعروة فقيل لي استمسك فاستيقظت وإنـها لفي يدي فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : تلك الروضة الإسلام ، وذلك العمود عمود الإسلام ، وتلك العروة العروة الوثقى ، فأنت على الإسلام حتى تموت . قال الراوي : وذاك الرجل عبد الله بن سلام . ومن مناقبه رضي الله عنه أنه نصر عثمان يوم الدار . وفاته : توفي رضي الله عنه بالمدينة سنة ثلاث وأربعين . فرضي الله عنه وأرضاه هذا شيء من خبره رضي الله عنه ، وهو من علماء أهل الكتاب ولكنه عرف الحق واتّـبـعه ثم قارن هذا الموقف منه رضي الله عنه بموقف آخر لعالم من علماء اليهود وقد عرف الحق أيضا ذلكم هو شيطان بني النضير حُيي بن أخطب ، فقد حدّثت عنه ابنته صفية – رضي الله عنها – فقالت : كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولدٍ لهما إلا أخذاني دونه . قالت : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حُيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس ، فأتيا كالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا قالت : فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الغمّ . قالت : وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حُيي بن أخطب : أهو هو ؟ قال : نعم والله قال :أتعرفه وتثبته ؟ قال : نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ! رواه ابن إسحاق في السيرة فيما ذكره ابن هشام . فكلهم صدّقوا وعرفوا أنه النبي الذي يجدونه عندهم في التوراة ولكن من عرف وأقر وتابع نجا ومن عرف ولم يُتابع ولم يُقرّ فما له من نجاة . سلمان الفارسي رضي الله عنه، يكنى أبا عبد الله، من أصبهان من قرية يقال لها جي وقيل من رامهرمز، سافر يطلب الدين مع قوم فغدروا به فباعوه لرجل من اليهود ثم إنه كوتب فأعانه النبي في كتابته، أسلم مقدم النبي المدينة، ومنعه الرق من شهود بدر وأحد، وأول غزاة غزاها مع النبي الخندق، وشهد ما بعدها وولاه عمر المدائن. عن عبد الله بن العباس قال: حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلا فارسيًّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جي، وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال: فشغل في بنيان له يومًا فقال لي يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الذي نحن عليه فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت يا أبه مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قلت كلا والله إنه لخير من ديننا، قال فخافني فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته، قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام تجارًا من النصارى فأخبروني بهم، قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال فأخبروني بقدوم تجار فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، قال فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم ألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا الأسقف في الكنيسة، قال فجئته فقلت إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك قال فادخل، فدخلت معه، قال فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئًا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب، قال وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع، قال ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا قالوا وما علمك بذلك؟ قلت أنا أدلكم على كنزه، قالوا فدلنا عليه، قال فأريتهم موضعه، قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقا، قال فلما رأوها قالوا والله لا ندفنه أبدًا، قال فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارًا منه، قال فأحببته حبًّا لم أحبه من قبله فأقمت معه زمانًا ثم حضرته الوفاة قلت له يا فلان، إني كنت معك فأحببتك حبًّا لم أحبه أحداً من قبلك وقد حضرتك الوفاة فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره، قال فقال لي أقم عندي، قال فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له يا فلان إن فلانًا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئت فأخبرته بما جرى وما أمرني به صاحبي، قال فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان، إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني قال أي بني، والله ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته فإنه على مثل أمرنا، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال أقم عندي فأقمت عند رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال وكنت اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة، قال ثم نزل به أمر الله عز وجل فلما حضر قلت له يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني لرجل من يهود فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي، فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال، فلانُ قاتلَ اللهُ بني قيلة! والله، إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم زعم أنه نبي، قال فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي، قال ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة وقال ما لك ولهذا أقبل على عملك، قال قلت لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال، وقد كان شيء عندي قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، قال فقربته إليه فقال رسول الله لأصحابه كلوا وأمسك يده هو فلم يأكل، قال فقلت في نفسي هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا وتحول رسول الله إلى المدينة ثم جئته به فقلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال فقلت في نفسي هاتان اثنتان، قال ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رآني رسول الله استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، قال فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال رسول الله تحول فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس فأعجب رسول الله أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله بدر وأحد، قال ثم قال لي رسول الله كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية فقال رسول الله لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمسة عشر والرجل بعشرة والرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي، قال ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله بيده فوا الذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة فأديت النخل فبقي علي المال، فأتى رسول الله بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما فعل الفارسي المكاتب قال فدُعِيْتُ له، قال فخذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان، قال قلت وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك، قال فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله الخندق ثم لم يفتني معه مشهد. رواه الإمام أحمد. وعن أنس قال: قال رسول الله: السُبَّاق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة. وعن ثابت البناني أن أبا الدرداء ذهب مع سلمان يخطب عليه امرأة من بني ليث فدخل فذكر فضل سلمان وسابقته وإسلامه وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة فقالوا أما سلمان فلا نزوجه ولكنا نزوجك، فتزوجها ثم خرج فقال له إنه قد كان شيء وأنا أستحيي أن أذكره لك قال وما ذاك فأخبره الخبر فقال سلمان أنا أحق أن أستحيي منك أن أخطبها وقد قضاها الله لك رضي الله عنهما. وعن الحسن قال كان عطاء سلمان الفارسي خمسة آلاف وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها فإذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يديه. وعن أبي قلابة أن رجلا دخل على سلمان وهو يعجن فقال: ما هذا؟ قال: بعثنا الخادم في عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين، ثم قال: فلان يقرئك السلام قال: متى قدمت، قال: منذ كذا وكذا فقال أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدها. رواه أحمد. وعن أبي ليلى الكندي قال: قال غلام سلمان لسلمان: كاتبني، قال: ألك شيء قال: لا، قال: فمن أين؟ قال: أسأل الناس، قال: تريد أن تطعمني غسالة الناس. عن ثابت قال: كان سلمان أميرًا على المدائن فجاء رجل من أهل الشام ومعه حمل تبن وعلى سلمان عباءة رثة فقال لسلمان: تعال احمل وهو لا يعرف سلمان فحمل سلمان فرآه الناس فعرفوه فقالوا هذا الأمير فقال: لم أعرفك!! فقال سلمان إني قد نويت فيه نية فلا أضعه حتى أبلغ بيتك. وعن ميمون بن مهران عن رجل من عبد القيس قال: رأيت سلمان في سرية وهو أميرها على حمار عليه سراويل وخدمتاه تذبذبان والجند يقولون قد جاء الأمير قال سلمان: إنما الخير والشر بعد اليوم. وعن أبي الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان فقال سلمان: لكني خلقت من نطفة قذرة ثم أعود جيفة منتنة ثم يؤدى بي إلى الميزان فإن ثقلت فأنا كريم وإن خفت فأنا لئيم. وعن أبي الأسود الدؤلي قال: كنا عند علي ذات يوم فقالوا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن سلمان، قال: من لكم بمثل لقمان الحكيم! ذلك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والآخر، بحر لا ينزف. وأوصى معاذ بن جبل رجلا أن يطلب العلم من أربعة سلمان أحدهم. وعن أبي سفيان عن أشياخه قال: ودخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله توفي رسول الله وهو عنك راض وترد عليه الحوض؟ قال فقال سلمان: أما إني ما أبكي جزعًا من الموت ولا حرصًا على الدنيا ولكن رسول الله عهد الينا فقال لتكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب وحولي هذه الأساود، وإنما حوله إجانة أو جفة أو مطهرة، قال فقال له سعد: يا أبا عبد الله، اعهد الينا بعهد فنأخذ به بعدك، فقال: يا سعد، اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند بذلك إذا قسمت. وقال أهل العلم بالسير: كان سلمان من المعمرين وتوفي بالمدائن في خلافة عثمان وقيل مات سنة ثنتين وثلاثين. صهيب بن سنان بن مالك ويقال خالد بن عبد عمرو بن عقيل ويقال طفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن زيد مناة بن النمر بن قاسط النمري أبو يحيى وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم وهو الرومي قيل له ذلك لأن الروم سبوه صغيرا قال بن سعد وكان أبوه وعمه على الأبلة من جهة كسرى وكانت منازلهم ... " الإصابة " ( 3 / 449 ) . قال ابن تغري بردي : وفيها توفي صهيب بن سنان بن مالك الرومي سبَته الروم فجلب إلى مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي وقيل بل هرب من الروم فقدم مكة وحالف ابن جدعان وكان صهيب من السابقين الأولين شهد بدرا والمشاهد كلها روى عنه أولاده حبيب وزياد وحمزة وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وكعب الأحبار وكنيته أبو يحيى توفي بالمدينة في شوال ونشأ صهيب بالروم فبقيت فيه عجمة . " النجوم الزاهرة " ( 1 / 117 ) . قال ابن عدي : ومنهم صهيب بن سنان الرومي ، ولم يكن روميا وإنما نسب إليهم لأنهم سبوه وباعوه وقيل لأنه كان أحمر اللون وهو من نمر بن قاسط كناه رسول الله أبا يحيى قبل أن يولد له . " الكامل " ( 1 / 590 ) . توفي في شوال سنة 38 هـ والله الهادي وهذه فائدة جديدة وهي : تصريح صهيب الرومي بنسبه ، والرد على عمر بن الخطاب الذي ظن أنه ليس من العرب ! عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لصهيب رضي الله عنهما لولا ثلاث خصال فيك لم يكن بك بأس ، قال : وما هن فوالله ما نراك تعيب شيئا ؟ قال : اكتناؤك بأبي يحيى وليس لك ولد . وادعاؤك إلى النمر بن قاسط وأنت رجل ألكن وأنك لا تمسك المال قال : أما اكتنائي بأبي يحيى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بها فلا أدعها حتى ألقاه . وأما ادعائي إلى النمر بن قاسط فإني امرؤ منهم ولكن استرضع لي بالأيلة فهذه اللكنة من ذاك وأما المال فهل تراني أنفق إلا في حق رواه أحمد ( 18463 ) وصححه شيخنا الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 44 ) . وفيه نزل قال الله تعالى:" ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد". نزلت هذه الآية الكريمة في صهيب الرومي رضي الله عنه، حينما تخلى للمشركين في مكة عن كل مايملك مقابل أن يخلون سبيله ليلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، احتجزوه ومنعوه من الهجرة وقال قائلهم ياصهيب جئتنا صعلوكاً لاتملك شيئاً، وأنت اليوم ذو مال كثير! - يساومونه- فقال لهم رضي الله عنه: أرأيتم إن دللتكم على مالي هل تخلون سبيلي؟ قالوا : نعم . فدلهم على ماله بمكة ثم انطلق مهاجراً في سبيل الله لايلوي علىشيء تاركاً كل مايملك خلف ظهره وهاجرا إلى الله ورسوله ، فلما وصل المدينة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له عليه الصلاة والسلام مهنيئاً له على حسن صنيعه: "ربح البيع أبا يحيى ربح البيع " فلله در صهيب شرى نفسه طلباً لرضوان الله تعالى. هكذا تكون التضحية وإلا فلا ! هذا صهيب وهذا فعله الذي غدا قرآناً يتلى إلى يوم القيامة -------------------------------------------------------------------------------- بلال بن رباح هو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخازنه على بيت ماله، أبو عبد الله. كان أبوه من سبي الحبشة، وأمه (حمامة) سبية أيضا. اشتراه أمية بن خلف الجمحي، وكان يعذبه بحر الرمضاء بعد إسلامه، فاشتراه منه أبو بكر وأعتقه. كان من السبعة الأوائل الذين أظهروا الإسلام، لما شرع الأذان بالمدينة كان هو الذي يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يتناوب الأذان مع ابن أم مكتوم كان ندي الصوت فصيحا. أذن يوم فتح مكه على ظهر الكعبة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. ولما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الأذان، شهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج إلى الشام مجاهدا، ولما قدم عمر بن الخطاب إلى الشام أذن بين يديه لصلاة الظهر فانتحب الناس بالبكاء ،توفي في دمشق وقيل في حلب . - مولى أبي بكر الصديق . - وهو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم . - من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله . - شهد بدراً ، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم على التعيين بالجنة . - عاش بضعاً وستين سنة . - يقال : إنه حبشي ، وقيل : من مولدي الحجاز. - وفي وفاته أقوال : أحدها بداريّا ، في سنة عشرين . - عن زر عن عبد الله : أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر ، وعمّار ، وأمه سمية ، وبلال ، وصهيب ، والمقداد ، فأما النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فمنعهما الله بقومهما ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون ، فألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فما منهم من أحد إلا واتاهم على ما أرادوا إلا بلال ، فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الولدان ، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول أحدٌ أحد. - عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لبلال عند صلاة الصبح: ( حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ، فإني قد سمعت الليلة خشفة نعليك بين يديّ في الجنة ) ، قال: ما عملت عملاً أرجى من أني لم أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت لربي ما كُتب لي أن أصلي . - عن جابر قال عمر : أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً سيدنا. - عن قيس قال: اشترى أبو بكر بلالاً ، وهو مدفون في الحجارة ، بخمس أواق ذهباً ، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناكه ، قال: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته. - عن سعد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون : اطرد هؤلاء عنك فلا يجترؤون علينا ، وكنت أنا وابن مسعود وبلال ورجل من هذيل وآخران ، فأنزل الله ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم) الآيتين ( الأنعام 53،52) . - قالت عائشة : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال ، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول: كل امريءٍ مُصبح في أهله .............. والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعـري هل أبيتن ليلة .................. بواد وحولي إذخر وجليل وهـل أرِدن يومـاً مياه مجنـة ................. وهل يبدون لي شامة وطفيل اللهم العن عتبة ، وشيبة ، وأمية بن خلف ، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء . - عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اشتاقت الجنة إلى ثلاثة: علي وعمّار وبلال) . - عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : قدمنا الشام مع عمر ، فأذن بلال ، فذكر الناس النبي صلى الله عليه وسلم فلم أر يوماً أكثر باكياً منه. - عن أبي الدرداء قال: لما دخل عمر الشام سأل بلال أن يُقره به ، ففعل ، قال: وأخي أبو رُويحة الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينه ، فنزل بداريا في خولان فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان ، فقالوا : إنا قد أتيناكم خاطبين ، وقد كنا كافرين فهدانا الله ، ومملوكين فأعتقنا الله ، وفقيرين فأغنانا الله ، فإن تُزوجونا فالحمد لله ، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله ، فزوجهما. - عن يحيى بن سعيد قال: ذكر عمر فضل أبى بكر ، فجعل يصف مناقبه ، ثم قال: وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته. - قال سعيد بن عبد العزيز : لما احتضر بلال قال : غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه، قال: تقول امرأته: واويلاه ! فقال: وافرحاه! عمار بن ياسر ( 57 ق هـ - 37 هـ / 567 - 657 م ) عمّار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي العنسي , أبو اليقظان صحابي , من الولاة الشجعان ذوي الرأي . وهو أحد السابقين الى الاسلام والجهر به . خرج ياسر بن عامر، والد (عمار) من بلده في اليمن يطلب أخا له، ويبحث عنه.. وفي مكة طاب له المقام، فاستوطنها محالفا أبا حذيفة بن المغيرة.. وزوجه ابو حذيفة احدى امائه (سمية بنت خياط).. ومن هذا الزواج المبارك رزق الله الابوين (عمارا).. وكان اسلامهم مبكرا.. شأن الابرار الذين هداهم الله.. وشأن الابرار المبكرين ايضا، اخذوا نصيبهم الاوفى من عذاب قريش واهوالها.. ووكل امر تعذيبهم الى بني مخزوم، يخرجون بهم جميعا.. ياسر وسمية وعمار كل يوم الى رمضاء مكة الملتهبة، ويصبون عليهم من حميم العذاب ألوانا وفنونا. بشارة الرسول عليه السلام لآل ياسر بالجنة أخبرنا مسلم عن إبراهيم قال أخبرنا هشام الدستوائي قال حدثنا أبو الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مر بآل عمار وهم يعذبون فقال لهم : أبشروا آل عمار فإن موعدكم الجنة. رواه ابن سعد . هاجر الى المدينة , وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان . كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقبه ( الطيب المطيّب ) . وفي الحديث ماخير عمار بين أمرين الا اختار أرشدهما . عن الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه.رواه النسائي وعن عطاء بن يسار عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما.رواه الترمذي حدثنا خالد عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولعلي بن عبد الله ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يسقيانه فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس فقال كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار وقال ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار.رواه ولاّه عمر بن الخطاب الكوفة فأقام بها زمنا وعزل عنها شهد الجمل وصفين مع علي وقتل في معركة صفين وعمره ثلاثة وتسعون عاما . له اثنان وستون حديثاً . حذيفة بن اليمان ( رضوان الله عليه ) حذيفة بن اليَمان بن جابر العبسي وكنيته أبا عبد الله وكان صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، جاء حذيفة هو وأخـوه ووالدهمـا الى رسـول الله واعتنقوا الإسلام ولقد نما -رضي الله عنه- في ظل هذا الديـن ، وكانت له موهبـة في قراءة الوجوه و السرائر ، فعاش مفتوح البصر والبصيرة على مآتي الفتن ومسالك الشرور ليتقيها ، فقد جاء الى الرسول يسأله ( يا رسول الله ان لي لسانا ذربا على أهلي وأخشى أن يدخلني النار )000فقال له النبي ( فأين أنت من الاستغفار ؟؟000اني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة )000هذا هو حذيفة -رضي الله عنه-000 لم يشهد بدراً ، وشهد اُحداً وما بعدها من المشاهد ، وكان أحد الذين ثبتوا على العقيدة . ويوم غزوة أحد كان في ايمانه -رضي الله عنه- وولائه قويا ، فها هو يرى والده يقتل خطأ يوم أحد بأيدي مسلمة ، فقد رأى السيوف تنوشه فصاح بضاربيه ( أبي ، أبي ، انه أبي !!)000ولكن أمر الله قد نفذ ، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن والوجوم ، لكنه نظر اليهم اشفاقا وقال ( يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين )000ثم انطلق بسيفه يؤدي واجبه في المعركة الدائرة000وبعد انتهاء المعركة علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك ، فأمر بالدية عن والد حذيفة ( حسيل بن جابر ) ولكن تصدق بها حذيفة على المسلمين ، فزداد الرسول له حبا وتقديرا عندما دب الفشل في صفوف المشركين وحلفائهم واختلف أمرهم وفرق الله جماعتهم ، دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان ، وكان الطقس باردا والقوم يعانون من الخوف والجوع ، وقال له ( يا حذيفة ، اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا !)000فذهب ودخل في القوم ، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لاتقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء ، فقام أبوسفيان فقال ( يا معشر قريش ، لينظر امرؤ من جليسه ؟)000قال حذيفة ( فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت : من أنت ؟00قال : فلان بن فلان )000فأمن نفسه في المعسكر ، ثم قال أبو سفيان ( يا معشر قريش ، انكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنوقريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل)000ثم نهض فوق جمله، وبدأ المسير، يقول حذيفة ( لولا عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الي الا تحدث شيئا حتى تأتيني ، لقتلته بسهم )000وعاد حذيفة الى الرسول الكريم حاملا له البشرى000 خوفه من الشر كان حذيفة -رضي الله عنه- يرى أن الخير واضح في الحياة ، ولكن الشر هو المخفي ، لذا فهو يقول (000 كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني000 قلت ( يا رسول الله ، انا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟)000قال ( نعم )000 قلت ( فهل من بعد هذا الشر من خير ؟)000قال ( نعم ، وفيه دخن )000 قلت ( وما دخنه ؟)000قال ( قوم يستنون بغير سنتي ، ويهتدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر )000 قلت ( وهل بعد ذلك الخير من شر ؟)000قال ( نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم اليها قذفوه فيها )000 قلت ( يا رسول الله ، فما تأمرني ان أدركني ذلك ؟)000قال ( تلزم جماعة المسلمين وامامهم )000 قلت ( فان لم يكن لهم جماعة ولا امام ؟)000قال ( تعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )000 المنافقون كان حذيفة -رضي الله عنه- يعلم أسماء المنافقين ، أعلمه بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وسأله عمر ( أفي عمّالي أحدٌ من المنافقين ؟)000قال ( نعم ، واحد )000قال ( مَن هو ؟)000قال ( لا أذكره )000قال حذيفة ( فعزله كأنّما دُلَّ عليه )000 وكان عمر إذا مات ميّت يسأل عن حذيفة ، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر ، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر000 آخر ما سمع من الرسول عن حذيفة قال ( أتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي توفاه الله فيه ، فقلت ( يا رسول الله ، كيف أصبحت بأبي أنت وأمي ؟!)000فردَّ عليّ بما شاء الله ثم قال ( يا حذيفة أدْنُ منّي )000فدنوتُ من تلقاء وجههِ ، قال ( يا حُذيفة إنّه من ختم الله به بصومِ يومٍ ، أرادَ به الله تعالى أدْخَلَهُ الله الجنة ، ومن أطعم جائعاً أراد به الله ، أدخله الله الجنة ، ومن كسا عارياً أراد به الله ، أدخله الله الجنة )000قلتُ ( يا رسول الله ، أسرّ هذا الحديث أم أعلنه )000قال ( بلْ أعلنْهُ )000فهذا آخر شيءٍ سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)000 أهل المدائن خرج أهل المدائن لاستقبال الوالي الذي اختاره عمر -رضي الله عنه- لهم ، فأبصروا أمامهم رجلا يركب حماره على ظهره اكاف قديم ، وأمسك بيديه رغيفا وملحا ، وهويأكل ويمضغ ، وكاد يطير صوابهم عندما علموا أنه الوالي -حذيفة بن اليمان- المنتظر ، ففي بلاد فارس لم يعهدوا الولاة كذلك ، وحين رآهم حذيفة يحدقون به قال لهم ( اياكم ومواقف الفتن )000قالوا ( وما مواقف الفتن يا أبا عبدالله ؟)000 قال ( أبواب الأمراء ، يدخل أحدكم على الأمير أو الوالي ، فيصدقه بالكذب ، ويمتدحه بما ليس فيه )000فكانت هذه البداية أصدق تعبير عن شخصية الحاكم الجديد ، ومنهجه في الولاية معركة نهاوند في معركة نهاوند حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفا ، اختار أمير المؤمنين عمر لقيادة الجيوش المسلمة ( النعمان بن مقرن ) ثم كتب الى حذيفة أن يسير اليه على رأس جيش من الكوفة ، وأرسل عمر للمقاتلين كتابه يقول ( اذا اجتمع المسلمون ، فليكن كل أمير على جيشه ، وليكن أمير الجيوش جميعا ( النعمان بن مقرن ) ، فاذا استشهد النعمان فليأخذ الراية حذيفة ، فاذا استشهد فجرير بن عبدالله )000وهكذا استمر يختار قواد المعركة حتى سمى منهم سبعة000 والتقى الجيشان ونشب قتال قوي ، وسقط القائد النعمان شهيدا ، وقبل أن تسقط الراية كان القائد الجديد حذيفة يرفعها عاليا وأوصى بألا يذاع نبأ استشهاد النعمان حتى تنجلي المعركة ، ودعا ( نعيم بن مقرن ) فجعله مكان أخيه ( النعمان ) تكريما له ، ثم هجم على الفرس صائحا ( الله أكبر : صدق وعده ، الله أكبر : نصر جنده )000ثم نادى المسلمين قائلا ( يا أتباع محمد ، هاهي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم ، فلا تطيلوا عليها الانتظار )000وانتهى القتال بهزيمة ساحقة للفرس000 وكان فتح همدان والريّ والدينور على يده ، وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين ، وتزوّج فيها000 اختياره للكوفة أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغا ، فكتب عمر لسعد بن أبي وقاص كي يغادرها فورا بعد أن يجد مكانا ملائما للمسلمين ، فوكل أمر اختيار المكان لحذيفة بن اليمان ومعه سلمان بن زياد ، فلما بلغا أرض الكوفة وكانت حصباء جرداء مرملة ، قال حذيفة لصاحبه ( هنا المنزل ان شاء الله )0 وهكذا خططت الكوفة وتحولت الى مدينة عامرة ، وشفي سقيم المسلمين وقوي ضعيفهم 000 فضله قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( ما من نبي قبلي إلا قد أعطيَ سبعة نُجباء رفقاء ، وأعطيتُ أنا أربعة عشر : سبعة من قريش : عليّ والحسن والحسين وحمزة وجعفر ، وأبو بكر وعمر ، وسبعة من المهاجرين : عبد الله ابن مسعود ، وسلمان وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال )000 رضوان الله عليهم000 قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( استخلفتَ )000فقال ( إنّي إنْ استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم ، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة فصدِّقوه ، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه )000 قال عمر بن الخطاب لأصحابه ( تمنّوا )000فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا فيه مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل الله ، فقال عمر ( لكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان ، فأستعملهم في طاعة الله عزّ وجلّ )000ثم بعث بمال إلى أبي عبيدة وقال ( انظر ما يصنع )000فقسَمَهُ ، ثم بعث بمالٍ إلى حذيفة وقال ( انظر ما يصنع )000فقَسَمه ، فقال عمر ( قد قُلتُ لكم )000 من أقواله لحذيفة بن اليمان أقوالاً بليغة كثيرة ، فقد كان واسع الذكاء والخبرة ، وكان يقول للمسلمين ( ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة ، ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا ، ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه )000 يقول حذيفة ( أنا أعلم النّاس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة ، وما بي أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسرَّ إليَّ شيئاً لم يحدِّث به غيري ، وكان ذكر الفتنَ في مجلس أنا فيه ، فذكر ثلاثاً لا يذَرْنّ شيئاً ، فما بقي من أهل ذلك المجلس غيري )000 كان -رضي الله عنه- يقول ( ان الله تعالى بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم-فدعا الناس من الضلالة الى الهدى ، ومن الكفر الى الايمان ، فاستجاب له من استجاب ، فحيى بالحق من كان ميتا ، ومات بالباطل من كان حيا ، ثم ذهبت النبوة وجاءت الخلافة على منهاجها ، ثم يكون ملكا عضوضا ، فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه ، أولئك استجابوا للحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه ، كافا يده ، فهذا ترك شعبة من الحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ، كافا يده ولسانه ، فهذا ترك شعبتين من الحق ، ومنهم من لاينكر بقلبه ولا بيده ولا بلسانه ، فذلك ميت الأحياء )000 ويتحدث عن القلوب والهدى والضلالة فيقول ( القلوب أربعة : قلب أغلف ، فذلك قلب كافر000وقلب مصفح ، فذلك قلب المنافق 000وقلب أجرد ، فيه سراج يزهر ، فذلك قلب المؤمن000وقلب فيه نفاق و ايمان ، فمثل الايمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب000ومثل المنافق كمثل القرحة يمدها قيح ودم ، فأيهما غلب غلب )000 مقتل عثمان كان حذيفة -رضي الله عنه- يقول ( اللهم إنّي أبرأ إليك من دم عثمان ، والله ما شهدتُ ولا قتلتُ ولا مالأتُ على قتله )000 وفاته لمّا نزل بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً وبكى بكاءً كثيراً ، فقيل ( ما يبكيك ؟)00فقال ( ما أبكي أسفاً على الدنيا ، بل الموت أحب إليّ ، ولكنّي لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ )000 ودخل عليه بعض أصحابه ، فسألهم ( أجئتم معكم بأكفان ؟)000قالوا ( نعم )000قال ( أرونيها )000فوجدها جديدة فارهة ، فابتسم وقال لهم ( ما هذا لي بكفن ، انما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص ، فاني لن أترك في القبر الا قليلا ، حتى أبدل خيرا منهما ، أو شرا منهما )000ثم تمتم بكلمات ( مرحبا بالموت ، حبيب جاء على شوق ، لا أفلح من ندم )000وأسلم الروح الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائن ، وبعد مَقْتلِ عثمان بأربعين ليلة000 ابو هريرة اكثر من روى الحديث عن رسول الله انه احد اعلام الصحابة الرواة الذين اسهموا في حفظ الشريعة ونشرها بين المسلمين كان اكثر من روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه ثمانمائة مسلم بين صحابي وتابع. اسمه عبدالرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم ينتهي نسبه الى الازو اعظم واشهر قبائل العرب كان اسمه في الجاهلية عبد شمس فلما اعتنق الاسلام سماه الرسول عليه الصلاة والسلام عبدالرحمن اشتهر بكنيته (ابو هريرة) حتى غلبت على اسمه فكاد ينسى. سئل ابوهريرة لماذا؟ كنيت بذلك قال ابو هريرة لاني وجدت هرة فحملتها في كمي فقيل لي ابوهريرة ولد ابو هريرة في اليمن ونشأ فيها يرعى الغنم لاهله ويخدمهم وقد توفي والده وهو صغير فنشأ يتيماً وقاسى شظف العيش حتى مَنّ الله عليه بالاسلام على يد الطفيل بن عمرو . فهاجر الى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه اربع سنوات في حله وترحاله. عريف اهل الصفة: كان يدخل بيت النبي ويحضر مجالسه وقد اتخذ الصفة مقاما وجعله النبي عريف اهل الصفة. اذا اراد ان يجمعهم لطعام يطلب من ابي هريرة ان يجمعهم لانه اعرف بهم وبمنازلهم. وكان ابوهريرة يحب النبي حبا شديدا حدث ان رفع الرسول الدرة ليضرب بها اباهريرة فقال ابو هريرة لان يضربني بها احب اليّ من حمر النعم. وكان ابو هريرة يقتدي بالنبي في كل اعماله ويحذر الناس من الانغماس في ملاذ الدنيا وشهواتها. لا يفرق في ذلك بين غني وفقير أو بين حاكم ومحكوم. يرشد الناس الى الحق والصواب. مر ذات يوم بقوم يتوضأون فقال لهم اسبغوا الوضوء فاني سمعت ابا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل للاعقاب من النار». ومما يقوله ابو هريرة : «ان اهل الصفة هم ضيوف الرحمن لا اهل لهم ولا مال. اذا اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسلها اليهم ولم يصب منها شيئا واذا جاءته هدية اصاب منها واشركهم فيها. يقول امام التابعين سعيد بن المسيب: رأيت ابا هريرة يطوف بالسوق. ثم يأتي اهله فيقول: هل عندكم من شئ؟ فان قالوا: لا قال: اني صائم. كان زاهدا في الدنيا ويكتفي من الطعام بسد رمقه - فقد صبر على الفقر طويلا. حتى رزقه الله مالا وفيرا- وكان دائما يذكر ايام فقره ويدعو الناس الى الصبر والشكر ومر ابو هريرة ذات يوم بقوم يذبحون شاة. فدعوه الى تناول الطعام معهم فأبى وقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير قط. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث ابا هريرة مع العلاء الحضرمي الى البحرين لينشرا الاسلام فيها ويفقها الناس في امور دينهم فأنجزا هذه المهمة خير انجاز. ولما تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة جعل ابا هريرة عاملاً على البحرين وقد عينه معاوية بن ابي سفيان واليا على المدينة فترة من الزمن وكان يقول له: نعم الامير انت يا ابا هريرة. فقد كان وهو امير المدينة يمر في السوق حاملا الحطب عل ظهره حتى ان احد المسلمين عرض عليه ان يحمل عنه الحطب فرفض وقال لست افضل من احد فيكم. الصحيفة الصحيحة: كان ابو هريرة يحفظ ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ظهر قلب. كما كان يدعو الناس الى حفظ القرآن الكريم واحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد حفظ التاريخ وثيقة علمية قيمة تضمنت ما املاه ابو هريرة على تلميذه همام بن منبه احد اعلام التابعين التقاة الذين التفوا حول الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه وهذه الوثيقة اطلق عليها (الصحيفة الصحيحة) وقد نقلها الامام احمد بتمامها في مسنده كما نقل الامام البخاري عددا كبيرا من احاديثها في صحيحه. وقد قال ابو هريرة رضي الله عنه عن نفسه «ما من احد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم احفظ لحديثه مني- اللهم إلا عبدالله بن عمر فإنه كان يكتب اما انا فأسمع واحفظ ولا اكتب». معاذ بن جبل رضي الله عنه ( أعلمهم بالحلال و الحرام ) معاذ بن جبل رضي الله عنه " وأَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل000 " حديث شريف معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري000وكنيته أبو عبدالرحمن000أسلم وعمره ثماني عشرة سنـة عندما أسلم سعد بن معاذ -رضي الله عنه - سيد الخزرج الذي طلب من قومه أن يسلمـوا فأسلم الخزرج ومعهم معاذ -رضي اللـه عنه-000وقدم من المدينةالى مكة لمبايعة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ليلـة العقبـة الثانية فبايعه معهم وحضر المشاهـد كلها وروى عن النبـي -صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير من الأحاديث النبوية000 قربه من الرسول لزم معاذ بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة000فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه000وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( استقرئـوا القرآن من أربعـة ( من ابن مسعـود000وسالم مولى أبي حذيفـة000وأبي000ومعاذ بن جبل )000 وقوله - صلى الله عليه وسلم- ( وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل)000 قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( يا مُعاذ ، والله إني لأُحِبّك فلا تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة : اللهم أعِنّي على ذِكْرك وشكرك وحُسْن عبادتك )000ولقد حَـذِق معاذ الدرس وأجاد التطبيـق000فقد لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله ( كيف أصبحت يا معاذ ؟)000قال ( أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله )000قال النبي ( إن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟)000قال معاذ ( ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي ، ولا أمْسَيت مساء إلا ظننت أني لا أُصْبح ، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتْبِعُها غيرها ، وكأني أنظر الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابها ، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون ، وأهل النار في النار يُعَذّبون )000فقال له الرسول ( عرفتَ فالزم)000 ارساله الى اليمن وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ مع رسل ملوك اليمن يعلم الناس دينهم وأوصاه بأمور عدة000 فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- ( بما تحكم يا معاذ ؟)000قال معاذ ( بكتاب الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- (فان لم تجد ؟)000قال معاذ( بسنة رسول الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( فان لم تجد ؟)000قال معاذ ( أجتهد رأي ولا آلو )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله )000 فضله لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه ( لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر )000 ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال ( إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً للـهِ حَنيفـاً ، ولقد كنّـا نُشَبِّـه معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام )000 دخل ( عائذ الله بن عبد الله ) المسجد يوما مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول خلافة عمر فيحدثنا ويقول ( فجلست مجلسا فيه بضعٌ وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وفي الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء ، وهو أشَبُّ القوم سِنّا ، فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم ، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه ، ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه ( من أنت يا عبد الله ؟)000قال ( أنا معاذ بن جبل )000 ويقول ( أبو مسلم الخولاني ) (دخلت مسجد حمص فإذا جماعة من الكهول يتوسّطهم شاب برّاق الثنايا صامت لا يتكلم ، فإذا امْتَرَى القوم في شيء تَوَجَّهوا إليه يسألونه ، فقلت لجليس لي ( من هذا ؟)000 قال ( مُعاذ بن جبل )000فوقع في نفسي حُبُّه )000 كما قال ( شهر بن حَوْشَب ) ( كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل ، نظروا إليه هيبة له )000 حُبّ العلم كان معاذا -رضي الله عنه- دائب الدعوة الى العلم والى ذكر الله ، فقد كان يقول ( احذروا زيْغ الحكيم ، واعرفوا الحق بالحق ، فإن للحق نوراً )000وكان يرى العبادة قصداُ وعدلا ، قال له يوما أحد المسلمين ( علّمني )000فسأله معاذ ( وهل أنت مطيعي إذا علمتك ؟)000قال الرجل ( إني على طاعتك لحريص )000فقال له معاذ ( صُمْ وأفْطِر ، وصَلِّ ونَمْ ، واكْتَسِب ولا تأثَمْ ، ولا تموتنَّ إلا مُسْلِما ، وإياك ودَعْوَة المظلوم )000وكان يرى العلم معرفة وعملا فيقول ( تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا ، فلن ينفعـكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا )000وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس ، يقول الأسود بن هلال ( كُنّا نمشي مع مُعاذ ، فقال لنا اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة )000 طهارته مات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل في اليمن ، وفي خلافة أبي بكر رجِع معاذ الى اليمن ، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ أن معاذاً أثرى فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله ، ولم ينتظر عمر بل نهض مسرعا الى معاذ وأخبره ، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة ، ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه ، وتركه عمر وانصرف ، وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول ( لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء ، أخشى على نفسي الغرق ، حتى جئت فخلصتني يا عمر )000وذهبا معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر ( لا آخذ منك شيئاً )000فنظر عمر الى معاذ وقال له ( الآن حَلَّ وطاب )000فما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا ، لو علم أنه أخذه بغير حق000 أمانته وورعه كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام000وعاد الى زوجـه بحلسه (ما يوضع على ظهر الدابة) الذي خرج به فقاـلت له امرأته ( أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم ؟)000فقال معاذ ( لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي )000فقالت امرأته ( لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك )000وشاعت ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر000فأرسل الى معاذ وسأله أنا أرسلت معك رقيبا)000فقال ( يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذا000وقصدت بالرقيب الله عزوجل )000فأعطاه عمر شيئا وقال ( أرضها به)000 معلما ثم واليا للشام وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- أرسل اليه واليه على الشام يقول ( يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم)000فأرسل اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه-000فلما مات أمير الشام ( أبو عبيدة ) استخلفه أمير المؤمنين على الشام ، ولم يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا ، وكان عمر بن الخطاب يقول ( لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي لماذا استخلفته ؟000لقلت : سمعت نبيك يقول : إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين أيديهم )000وهذا رأيه على خلافة المسلمين جميعا 000 طاعون عمواس أصيب معاذ -رضي الله عنه- بالطاعون ، فلما حضرته الوفاة قال ( مرحبا بالموت مرحبا ، زائر بعد غياب وحبيب وفد على شوق )000ثم جعل ينظر الى السماء ويقول ( اللهم إني كنتُ أخافك ، لكنني اليوم أرجوك ، اللهم انك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار ، وجري الأنهار ، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر ، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة )000ثم فاضت روحه بعيدا عن الأهل داعيا الى الله مهاجرا في سبيله000وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثلاث وثلاثون سنة000 المقداد بن عمرو وأقبل الشيخ أبو معبد .. وهو يحمل لأصحابه حديث (بدر) ، وبدأ حديثه بصوته الهادئ الرزين، وأسلوبه الجميل الجذاب ، يشد المستمعين إليه، قال : أيها المسلمون: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها وبهذه الفقرة القصيرة ، استنفر رسول الله الناس على أبي سفيبان - زعيم المشركين - وهو عائد بتجارته من الشام فقد كفى ما عاناه المسلمون من قريش، وعنتها وبغيها وظلمها ولماذا يبقى المسلمون في تلكؤ، وقد أصبحت من القوة بما يمكنها من مقابلة المشركين، بعد أن ذاقوا منهم الويلات واضطروا إلى هجر مكة، والإقامة بالمدينة والرسول عليه الصلاة و السلام لم يقم يعمل سلبي تجاه قريش وأحقادها - طيلة هذه المدة - إلا لأنه لم يلمس في أصحابه العدة والعدد لمقابلة القوم فكان موقف الدفاع. أما وقد رأى فيهم بعض الإمكانية، فلماذا لا يحرك النفوس، ويمرنهم للهجوم وكانت خير مناسبة هي اعتراض قافلة أبي سفيان، وهي بتجارة قريش بؤوب من الشام، اشترك فيها أهل مكة جميعهم بحيث لم يبق رجل ولا امرأة استطاعوا أن يسهموا في هذه القافلة إلا فعلوا، حتى قدرت بخسين ألف دينار ولهذا فقد خف الكثير من المسلمين عند أمر النبي لهم بنهب القافلة كما تثاقل جماعة عن الخروج تحسباً للمشاكل التي تستتبعها يا أبا الحارث : اسمعت نداء الرسول، وهو أنت ملبيه ؟ نعم يا أبا معبد جزاك الله خيراً يا أبا الحاريث وكان المقداد بن عمرو البهراني، أو المقداد بن الأسود، أبو عبد الله، يهمه كثيراً أمر صاحبه أبي الحارث بن عتبة غزوان، فقد كانا مسلمين يتكتمان بإسلامهما في مكة، ولم يتمكنا من التظاهر في الهجرة مع المهاجرين، وبقيا ينتظران الفرصة المناسبة وأعلن المشركون أن جيشاً بقيادة( عكرمة بن أبي جهل ) يتوجه لغزو محمد، وفي عشية اليوم يزحف القوم.. وقصد عتبة صاحبه المقداد يا أبا معبد، مناسبة رائعة لو نخرج معهم، وعندما نصل إلى جيش المسلمين ننحاز لهم نعم الرأي ما تقول.. وانظما إلى الجيش الزاحف وبلغ رسول الله نبأ هذا الزحف، فأرسل سرية من السملمين يتراوح عددها بين الستين، والثمانين نفر وكلهم من المهاجرين وليس فيهم من الأنصار أحد، وأمر عليهم عبيد بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وسار المسلمون حتى بلغوا ماء في (اسفل ثنية المرة)، ولم تقع بينهما حرب إذ انتهت باتفاق، وانصرف المشركون عائدين إلى مكة وكانت اللحظة الحاسمة بالنسبة للمقداد وعتبة، فلم يكد ينشغل جيش العدو بامر عودته، حتى فر المقداد وصاحبه إلى المسلمين واستقبلهما المسلمون بكل ترحاب، وعند عودتهم إلى المدينة رحب الرسول بالمقداد فقد كان من أصحابه الأوائل واستمر المقداد بصلته، فلم يكن جديد عهد بالإسلام فهو سابع رجل آمن بالدعوة، وكان يروي الرسول أن الله أمر بحب أربعة: علي وسلمان وأبي ذر والمقداد ، ولهذا عندما وصل إلى المدينة ، كان أحد المقربين إلى رسول الله، والملازمين له وكان المقداد من المتحمسين - بعد أن وصل الى المدينة - لنهب قافلة قريش، وخاصة أن الرسول (عليه الصلاة و السلام) يريد ذلك.. ولم يخف على أبي سفيان، وهو في طريقه إلى مكة، أن رسول الله استنصر أصحابه على قافلته، فأرسل رسولاً عاجلاً إلى قريش يوقفهم على النبأ، وعلمه كيف يثيرهم ودخل رسول الله مكة، وقد قطع أذني بعيره، وجدع أنفه وحول رحله، ووقف هو عليه، وقد شق قميصه من قُبل ودُبر وهو يصيح يا معشر قريش! اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان وقد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى تدركوها. الغوث الغوث وهز هذا الصياح أرجاء مكة، ووقف الناس كلهم على أهبة الاستعداد، لا بغضاً بمحمد، ولا حباً لأبي سفيان، إنما لكل منهم نصيب في هذه العير وهذا لم يمنع أبا جهل، وعقبة بن أبي معيط أن يأتيا إلى المسجد وبيد عقبة مجمرة فيها بخور، وبيد ابي جهل مكحلة ومرودن وهما يتنقلان بين المتقاعسين من الخروج لنصرة عير ابي سفيان، يقولان للجالسين استجمر فإنما أنت من النساء، أو اكتحل فإنما أنت امرأة وتحشدت قريش استعداداً للزحف، ودار في كل بيت حديث لهم. إنها المرة الأولى، فلوتم لمحمد ما أراد لم تبق لقريش مهابة بعدها إن قريش وغير قريش من الذين ضاقوا ذرعاً بهذه الدعوة الفتية، كانوا يخشون هذا اليوم، الذي كانوا يحسبون له كل الحساب فهذا محمد الذي تحدثوا عن دعوته كلما جان على لسانهم من بذيء القول وخشن الكلام، وصبوا على اتباعه وأصحابه كل ما في طاقتهم من التعذيب، والتعسف، وإذا بالأيام تدور، وتصبح له القابلية على مقابلتها، ويعتزم مهاجمة عيرها وتصل أخبار قريش إلى الرسول تباعاً، وهو بالمدينة يتأهب للخروج، ويجمع أصحابه في رحبة المسجد، ليخبرهم بتصميمه على الغزو، ويطلب رأي المهاجرين، وإذا ضعفُت نفوس وتخوفت أخرى بعد ان بلغهم أن قريشاً زحفت بصناديدها وقف المقداد وسط الجمع وبكل جرأة يقول: يا رسول الله، إمض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون }، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجادنا معك، وقاتلنا من بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك فقال له رسول الله(صلى الله عليه وسلم): خيراً ودعا له، وأشرق وجهه وسرة، وأعجبه قال ابن مسعود : تمنيت هذا الموقف من المقداد أن يكون لي هو أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم التفت النبي للأنصار، وقال: أشيروا علي أيها الناس قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال النبي : أجل قال : فقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضٍ يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لُصبر في الحرب، صُدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله ، وما أن أتم سعد كلامه حتى هللت امرأة من الطرف الآخر وهي تقول: مرحباً بك يا سيدنا لا فض الله فاك والتفت القوم كلهم إليها، وبدت عليهم الفرحة، هذه هي النساء والرجال تشد أزر رسولها في عزيمته، والبشر تطفح على وجوههم، والإيمان يقوى نفوسهم، ويدور همس بين القوم من المستبشرة؟ إنها (أم عمارة) يا رسول الله، ومعها لمة من نساء الأنصار يعرضن أنفسهن للنصرة جزاهن الله خيراً فليرجعن إلى أخبيتهن، ففي الرجال الكفاية. لقد اندفع أصحاب النبي إلى الاستعداد، فقد بلغ الأمر أن يتنازع الأب والابن على الخروج، يقول القائلون: تنازع سعد بن خيثمة مع أبيه ايهما يبقى مع النساء، فقال سعد لأبيه : إنه لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لارجو الشهادة في وجهي هذا، فقال خيثمة: آثرني وقر مع نسائك، فأبى سعد، فقال خيثمة: إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم، فأسهما، فخرج سهم سعد، فقتل ببدر ويتحدث المتحدثون - أيضاً - : أن عمير بن أبي وقاص كان صغيراً، فأخذ يتوارى عندما استعرض رسول الله أصحابه فقيل له: لماذا تعمل هكذا يا عمير؟ فقال: أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني، فيردني، وأنا احب الخروج، لعل الله يرزقني الشهادة، فعرض على رسول الله فاستصغره فقال له: ارجع، فبكى عمير، فأجازه. وكان يقصر له حمائل سيفه لصغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشر سنة. وأعلن رسول الله ساعة الرحيل في صباح لم تشرق فيه الشمس بعد من أيام رمضان في السنة الثانية للهجرة، وعددهم لم يتجاوز الثلاثمائة وخمسة أشخاص. قد ملكوا من الإبل سبعين بعيراً، وكانوا يتعاقبونها، حتى رسول الله، فقد أردف خلفه علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وذكر أن المقداد كان فارساً وكانت راية المهاجرين بيد علي بن أبي طالب، وراية الأنصار - من الأوس والخزرج - مع سعد بن معاذ وبعد قليل صاح رسول الله بأعلى صوته: سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم وعلى جانبي الطريق وقفت نساء المهاجرين والأنصار يودعن الركب الراحل بقلوب مفعمة بالإيمان والإجلال، وزغردات تبشر بالنصر والمجد ولم تمضِ أيام حتى تقابل الطرفان يستقبلان الحرب ورفع رسول الله يديه إلى السماء قائلاً (اللهم إنك أنزلت علي الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين وأنت لا تخلف الميعاد، اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تخاذل وتكذب رسولك. الله نصرك الذي وعدتني به). ودارت رحى الحرب سجالاً يجول إمام المسلمين علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب وغيرهما من أبطال المسلمين الأشاوس يكشفون الغبرة عن جه المسلمين، ويجندلون الأبطال من المشركين، وكانوا يكرون على الأعداء وعلي يصيح، وهو يضرب بطلاً من أبطالهم، خذها وأنا ابن أبي طالب، فيجيبه حمزة، وهو يشد على الفارس منهم ويجندله، ويصيح: خذها وأنا ابن عبد المطلب، وهكذا بقية المغاوير وما هي إلا فترة من الزمن حتى وضعت الحرب أوزارها وانتصر المسلمون ولاقى من المشركين حتفه كل من أبي جهل وأمية بن خلف، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وغيرهم من قادة المشركين. وانهزمت قريش هزيمة، حتى نقل عن عبد الله بن عمرو بن أمية قال: أخبرني من انكشف من قريش يومئذ منهزماً وأنه ليقول في نفسه: ما رأيت مثل هذا فر منه إلا النساء. وقال آخر: شهدت مع المشركين بدراً، وإني لأنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني، وكثرة من معنا من الخيل والرجل فانهزمت فيمن انهزمت فلقد رايتني، وإني لأنظر إلى المشركين في كل وجه، وإني لأقول في نفسي ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء... وطوت المعركة أنفاس عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة وأبي جهل، وأمية بن خلف وأمثال هؤلاء الطواغيت ولكن أبا سفيان لم يخمد، وهو رأس الفتنة، وزعيمهم وجن الليل، وقد هدأـ الأنفاس المتعبة من ثقل الحرب وهومت العيون، التي أرهقت من يوم عسير الحركة، دامي الوجه… فخرج رسول الله، ومن خلفه من أصحابه يحرسونه منهم {{علي، والمقداد}}، ووقف على البئر - الذي أمر فطرح به جثث المشركين - وقال {يا أهل القليب، يا عُتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل،ثم أتيى بأسماء بعض من كان منهم في القليب ـ : هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً.. يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني، وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً؟ فقال المسلمون: يا رسول الله، أتنادي قوماً قد أجيفوا قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني وعاد المسلمون إلى المدينة والنصر يرفرف عليهم، ولكن الأيام لم تدع المسلمين في راحة. فقريش لم تنم على ضيم، وبقيت تلاحق النبي كلما ساعدتها ظروفها من غزوة إلى أخرى، والمقداد الذي أخلص لنبيه، وآمن بدعوته، كان لساناً صادقاً له، وسيفاً مخلصاً في وجه أعدائه، لم تمنعه ما منعة عن مصاحبة نبيه في غزواته ولا تقاعس عن نصرته لحظة ما وآخي رسول الله بين المقداد، وبين عبدالله بن رواحة وقيل بينهوبين أبي ذر الغفاري وكان موقفه المشرف يتجلى مع سيدي ومولاي علي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول، فقد وفى له، يخوض غمار الموت دونه، ويدفع عنه الأخطار ما استطاع، وشهد فتح مصر ولم يتخلف عن واجبه الديني، فهو جندي في ساحة الميدان، وموجه في مضمار الدعوة وأمين على الرسالة يوم تزعزع الناس رحم الله المقداد، فقد كان من الضلاء النجباء، الكبار الأخيار من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ممن رعاهم بعنايته، حتى روي عنه أنه قال أكثر من مرة { أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم وهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان} وفي عام 33 لبي نداء ربه في أرضه بالجرف، وحمل إلى لمدينة فدفن بها وكان ابن سبعين
سعد بن أبي وقـاص أحد العشرة المبشرين بالجنة (( يا سعد : ارم فداك أبي و أمي )) حديث شريف سعد بن مالك بن أهيب الزهري القرشي أبو اسحاق...فهو من بني زهرة أهل آمنة بنت وهب أم الرسول - صلى الله عليه وسلم- ...فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعتز بهذه الخؤولة فقد ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان جالسا مع نفر من أصحابه فرأى سعد بن أبي وقاص مقبلا فقال لمن معه :"هذا خالي فليرني أمرؤ خاله"... كان سعد -رضي الله عنه- من النفر الذين دخلوا في الاسلام أول ما علموا به...فلم يسبقه الا أبوبكر و علي وزيد و خديجة...قال سعد ( بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوا الى الاسلام مستخفيا فعلمت أن الله أراد بي خيرا وشاء أن يخرجني بسببه من الظلمات الى النور ...فمضيت اليه مسرعا حتى لقيته في شعب جياد وقد صلى العصر فأسلمت...فما سبقني أحد الا أبي بكر وعلي وزيد -رضي الله عنهم- ، وكان ابن سبع عشرة سنة...كما يقول سعد -رضي الله عنه- ( لقد أسلمت يوم أسلمت وما فرض الله الصلوات )... يقول سعد -رضي الله عنه- ( وما سمعت أمي بخبر اسلامي حتى ثارت ثائرتها وكنت فتى بارا بها محبا لها فأقبلت علي تقول ( يا سعد...ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك و أبيك؟ والله لتدعن دينك الجديد أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزنا علي ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتعيرك الناس أبد الدهر ) فقلت : لاتفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأي شيء )...الا أن أمه اجتنبت الطعام ومكثت أياما على ذلك فهزل جسمها وخارت قواها...فلما رأها سعد قال لها ( يا أماه اني على شديد حبي لك لأشد حبا لله ولرسوله ووالله لو كان لك ألف نفس فخرجت منك نفسا بعد نفس ما تركت ديني هذا بشيء )...فلما رأت الجد أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كره منها... ونزل قوله تعالى :"ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك الي المصير...وأن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب الي ثم الي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون "... كان الرسول -صلى الله عليه وسلم يجلس بين نفر من أصحابه ، فرنا ببصره الى الأفق في إصغاء من يتلقى همسا وسرا ، ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة )...وأخذ الصحاب يتلفتون ليروا هذا السعيد ، فإذا سعد بن أبي وقاص آت...وقد سأله عبدالله بن عمرو بن العاص أن يدله على ما يتقرب به الى الله من عبادة وعمل فقال له ( لا شيء أكثر مما نعمل جميعا ونعبد ، غير أني لا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوءا )... وكان سعد بن أبي وقاص إذا رمى عدوا أصابه وإذا دعا الله دعاء أجابه ، وكان الصحابة يردون ذلك لدعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- له ( اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته )...ويروى أنه رأى رجلا يسب طلحة وعليا والزبير فنهاه فلم ينته فقال له ( إذن أدعو عليك )...فقال الرجل ( أراك تتهددني كأنك نبي !)...فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه قائلا ( اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواما سبقت لهم منك الحسنى ، وأنه قد أسخطك سبه إياهم ، فاجعله آية وعبرة )...فلم يمض غير وقت قصير حتى خرجت من إحدى الدور ناقة نادّة لا يردها شيء ، حتى دخلت في زحام الناس ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها ، ومازالت تتخبطه حتى مات... وفي بداية الدعوة ، كان أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا صلوا ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم ، فبينما سعد بن أبي وقاص في نفر من الصحابة في شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون ، فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم ، فضرب سعد -رضي الله عنه- يومئذ رجلاً من المشركين بلحي بعير فشجه ( العظم الذي فيه الأسنان ) ، فكان أول دم هريق في الإسلام... وبعثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سرية عبيدة بن الحارث -رضي الله عنه- الى ماء بالحجاز أسفل ثنية المرة فلقوا جمعا من قريش ولم يكن بينهم قتال ألا أن سعد قد رمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به في الاسلام... وشارك في أحد وتفرق الناس أول الأمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووقف سعد يجاهد ويقاتل فلما رآه الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرمي جعل يحرضه ويقول له ( يا سعد ......0ارم فداك أبي وأمي )...وظل سعد يفتخر بهذه الكلمة طوال حياته ويقول ( ما جمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأحد أبويه الا لي ) وذلك حين فداه بهما... وعندما احتدم القتال مع الفرس ، أراد أمير المؤمنين عمر أن يقود الجيش بنفسه ، ولكن رأى الصحابة أن تولى هذه الإمارة لرجل آخر واقترح عبدالرحمن بن عوف ( الأسد في براثنه ، سعد بن مالك الزهري )... وقد ولاه عمر -رضي الله عنه- امرة جيش المسلمين الذي حارب الفرس في القادسية وكتب الله النصر للمسلمين وقتلوا الكافرين وزعيمهم رستم...وعبر مع المسلمين نهر دجلة حتى وصلوا المدائن وفتحوها ، وكان إعجازا عبور النهر بموسم فيضانه حتى أن سلمان الفارسي قد قال ( إن الإسلام جديد ، ذللت والله لهم البحار ، كما ذللت لهم البر ، والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا ، كما دخلوه أفواجا )... وبالفعل أمن القائد الفذ سعد مكان وصول الجيش بالضفة الأخرى بكتيبة الأهوال وكتيبة الخرساء ، ثم اقتحم النهر بجيشه ولم يخسر جنديا واحدا في مشهد رائع ، ونجاح باهر... ودخل سعد بن أبي وقاص ايوان كسرى وصلى فيه ثماني ركعات صلاة الفتح شكرا لله على نصرهم ... وولاه عمر -رضي الله عنهما- إمارة العراق ، فراح سعد يبني ويعمر في الكوفة ، وذات يوم اشتكاه أهل الكوفة لأمير المؤمنين فقالوا ( إن سعدا لا يحسن يصلي )...ويضحك سعدا قائلا ( والله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله ، أطيل في الركعتين الأوليين وأقصر في الآخرين )...واستدعاه عمر الى المدينة فلبى مسرعا ، وحين أراد أن يعيده الى الكوفة ضحك سعدا قائلا ( أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة ؟!)...ويؤثر البقاء في المدينة... و عندما حضرت عمر -رضي الله عنه- الوفاة بعد أن طعنه المجوسي...جعل الأمر من بعده الى الستة الذين مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض و أحدهم سعد بن أبي وقاص ، وقال عمر ( إن وليها سعد فذاك ، وإن وليها غيره فليستعن بسعد )... وقد اعتزل سعد الفتنة وأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا له أخبارها ، وذات يوم ذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ويقول له ( يا عم ، ها هنا مائة ألف سيف يرونك أحق الناس بهذا الأمر )...فيجيبه سعد ( أريد من مائة ألف سيف ، سيفا واحدا ، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا ، وإذا ضربت به الكافر قطع )...فتركه ابن أخيه بسلام...وحين انتهى الأمر لمعاوية سأل سعدا ( مالك لم تقاتل معنا ؟)...فأجابه ( إني مررت بريح مظلمة فقلت : أخ...أخ...وأنخت راحلتي حتى انجلت عني )...فقال معاوية ( ليس في كتاب الله أخ...أخ...ولكن قال الله تعالى ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )... وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة مع الباغية )...فأجاب سعد قائلا ( ما كنت لأقاتل رجلا -يعني علي بن أبي طالب- قال له الرسول : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي )... وعمر سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- كثيرا...وأفاء الله عليه من المال الخير الكثير... لكنه حين أدركته الوفاة دعا بجبة من صوف بالية وقال ( كفنوني بها فاني لقيت بها المشركين يوم بدر...واني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضا ) ... وكان رأسه بحجر ابنه الباكي فقال له ( ما يبكيك يا بني ؟...إن الله لا يعذبني أبدا ، وإني من أهل الجنة )...فقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبيرا...وكانت وفاته سنة خمس وخمسين من الهجرة النبوية...وكان آخر المهاجرين وفاة ، ودفن في البقيع... عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة (( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )) حديث شريف عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين الى الإسلام ، عرض عليه أبو بكر الإسلام فما غُـمَّ عليه الأمر ولا أبطأ ، بل سارع الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبايعه وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد المشركين ، هاجر الى الحبشة الهجـرة الأولى والثانيـة ، كما هاجر الى المدينـة مع المسلميـن وشهـد المشاهد كلها ، فأصيب يوم أُحُد بعشريـن جراحا إحداها تركت عرجا دائما في ساقه ، كما سقطت بعـض ثناياه فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه... وكان -رضي الله عنه- محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عَجَبه فقال ( لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا )...وكانت التجارة عند عبد الرحمن بن عوف عملاً وسعياً لا لجمع المال ولكن للعيش الشريف ، وهذا ما نراه حين آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار ، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع ،فقال سعد لعبد الرحمن ( أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا ، فانظر شطر مالي فخذه ، وتحتي امرأتان ، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها )...فقال عبد الرحمن ( بارك الله لك في أهلك ومالك ، دُلوني على السوق )...وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح... وكانت تجارة عبد الرحمن بن عوف ليست له وحده ، وإنما لله والمسلمون حقا فيها ، فقد سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول يوما ( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )...ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله قرضـا حسنا ، فيضاعفـه الله له أضعافـا ، فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعا على أهله من بني زُهرة وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين ،وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام ، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة... وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله ، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان نصيبا من الوصية فأخذها وقال ( إن مال عبد الرحمن حلال صَفْو ، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة )...وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل ( أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله ، ثُلث يقرضهم ، وثُلث يقضي عنهم ديونهم ، وثلث يصِلَهم ويُعطيهم )...وخلّف بعده ذهبُ كثير ، ضُرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال... وفي أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال ، لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجَّها رجّا ، وسألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ( ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟)...وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له فَعَجِبَت أم المؤمنين ( قافلة تحدث كل هذه الرجّة ؟)...فقالوا لها ( أجل يا أم المؤمنين ، إنها سبعمائة راحلة )... وهزّت أم المؤمنين رأسها وتذكرت ( أما أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا )...ووصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن بن عوف ، فتذكر أنه سمع هذا الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة ، فحثَّ خُطاه الى السيدة عائشة وقال لها ( لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه )...ثم قال ( أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله )...ووزِّعَت حُمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها... و وثراء عبد الرحمن -رضي الله عنه- كان مصدر إزعاج له وخوف ، فقد جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما ، فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم قال ( استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكُـفّـن في بردة إن غطّت رأسه بدت رجلاه ، وإن غطّت رجلاه بدا رأسه ، واستشهد حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد له ما يُكَـفّـن فيه إلا بردة ، ثم بُسِـطَ لنا في الدنيا ما بُسـط ، وأعطينا منها ما أعطينا وإني لأخشى أن نكون قد عُجّلـت لنا حسناتنا )... كما وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى ، وسألوه ( ما يبكيك يا أبا محمد ؟)... قال ( لقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ، ما أرانا أخّرنا لما هو خير لنا )... ووفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا ، فقد قيل ( أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه ، ما استطاع أن يميزه من بينهم )... وكان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة لهم من بعده قائلا ( لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض )...وأشار الجميع الى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال ( والله لأن تُؤخذ مُدْية فتوضع في حَلْقي ، ثم يُنْفَذ بها إلى الجانب الآخر ، أحب إليّ من ذلك )...وفور اجتماع الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي أعطاه إياه عمر ، وجعل الأمر بين الخمسة الباقين ، فاختاروه ليكون الحكم بينهم وقال له علي -كرم الله وجهه- ( لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصفَك بأنك أمين في أهل السماء ، وأمين في أهل الأرض )...فاختار عبد الرحمن بن عوف ( عثمان بن عفان ) للخلافة ، ووافق الجميع على إختياره... وفي العام الثاني والثلاثين للهجرة جاد بأنفاسه -رضي الله عنه- وأرادت أم المؤمنين أن تخُصَّه بشرف لم تخصّ به سواه ، فعرضت عليه أن يُدفن في حجرتها الى جوار الرسول وأبي بكر وعمر ، لكنه استحى أن يرفع نفسه الى هذا الجوار ، وطلب دفنه بجوار عثمان بن مظعون إذ تواثقا يوما أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه...وكانت يتمتم وعيناه تفيضان بالدمع ( إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال )...ولكن سرعان ما غشته السكينة واشرق وجهه وأرْهِفَت أذناه للسمع كما لو كان هناك من يحادثه ، ولعله سمع ما وعده الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( عبد الرحمن بن عوف في الجنة )... سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيْل العدوي القرشي ، أبو الأعور ، من خيار الصحابة ابن عم عمر بن الخطاب وزوج أخته ، ولد بمكة عام ( 22 قبل الهجرة ) وهاجر الى المدينـة ، شهد المشاهد كلها إلا بدرا لقيامه مع طلحة بتجسس خبر العير ، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، كان من السابقين الى الإسلام هو وزوجته أم جميل ( فاطمة بنت الخطـاب )... وأبوه -رضي الله عنه- ( زيـد بن عمرو ) اعتزل الجاهليـة وحالاتها ووحّـد اللـه تعالى بغيـر واسطـة حنيفيـاً ، وقد سأل سعيـد بن زيـد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال ( يا رسـول الله ، إن أبـي زيـد بن عمرو بن نفيل كان كما رأيت وكما بَلَغَك ، ولو أدركك آمن بـك ، فاستغفر له ؟)... قال ( نعم )...واستغفر له...وقال ( إنه يجيءَ يوم القيامة أمّةً وحدَهُ ). روي عن سعيد بن زيد أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن مالك ( بن أبي وقاص ) ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل ، و أبو عبيدة بن الجراح )...رضي الله عنهم أجمعين... وكان -رضي الله عنه- مُجاب الدعوة ، وقصته مشهورة مع أروى بنت أوس ، فقد شكته الى مروان بن الحكم ، وادَّعت عليه أنّه غصب شيئاً من دارها ، فقال ( اللهم إن كانت كاذبة فاعْمِ بصرها ، واقتلها في دارها )...فعميت ثم تردّت في بئر دارها ، فكانت منيّتُها... وكان سعيد بن زيد موصوفاً بالزهد محترماً عند الوُلاة ، ولمّا فتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق ولاّه إيّاها ، ثم نهض مع مَنْ معه للجهاد ، فكتب إليه سعيد ( أما بعد ، فإني ما كنت لأُوثرَك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى ما يُدْنيني من مرضاة ربّي ، وإذا جاءك كتابي فابعث إلى عملِكَ مَنْ هو أرغب إليه مني ، فإني قادم عليك وشيكاً إن شاء الله والسلام )... وكتب معاوية إلى مروان بالمدينة يبايع لإبنه يزيد ، فقال رجل من أهل الشام لمروان ( ما يحبسُك ؟)...قال مروان ( حتى يجيء سعيد بن زيد يبايع ، فإنه سيـد أهل البلد ، إذا بايع بايع الناس )...قال ( أفلا أذهب فآتيك به ؟)...وجاء الشامـي وسعيد مع أُبيّ في الدار ، قال ( انطلق فبايع )...قال ( انطلق فسأجيء فأبايع )...فقال ( لتنطلقنَّ أو لأضربنّ عنقك )...قال ( تضرب عنقي ؟ فوالله إنك لتدعوني إلى قوم وأنا قاتلتهم على الإسلام )... فرجع إلى مروان فأخبره ، فقال له مروان ( اسكت )...وماتت أم المؤمنين ( أظنّها زينب ) فأوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد ، فقال الشامي لمروان ( ما يحبسُك أن تصلي على أم المؤمنيـن ؟)...قال مروان ( أنتظر الذي أردت أن تضرب عنقـه ، فإنها أوصت أن يُصلي عليها )...فقال الشامي ( أستغفر الله )... و توفي بالمدينة سنة ( 51 هـ ) ودخل قبره سعد بن أبي الوقاص وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم أجمعين-. أبوعبيدة بن الجراح أحد العشرة المبشرين بالجنة (( لكل أمة أمينا وأميننا أيتها الأمة أبوعبيدة عامر الجراح )) حديث شريف أبوعبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح الفهري...يلتقي مع النبي-صلى الله عليه وسلم- في أحد أجداده (فهر بن مالك)...وأمه من بنات عم أبيه...أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر 0 كان -رضي الله عنه- طويل القامة ، نحيف الجسم ، خفيف اللحية...أسلم على يد أبي بكر الصديق في الأيام الأولى للاسلام ، وهاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية ثم عاد ليشهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- المشاهد كلها... وفي غزوة بدر جعل أبو ( أبو عبيدة ) يتصدّى لأبي عبيدة ، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلمّا أكثر قصدَه فقتله ، فأنزل الله هذه الآية... قال تعالى ( لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليومِ الآخر يُوادُّون مَنْ حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءَ هُم أو أبناءَ هم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتبَ في قلوبهم الأيمان ")... ويقول أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-( لما كان يوم أحد ، ورمي الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر ، أقبلت أسعى الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وانسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا ، فقلت : اللهم اجعله طاعة ، حتى اذا توافينا الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اذا هو أبوعبيدة بن الجراح قد سبقني ، فقال ( أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )...فتركته ، فأخذ أبوعبيدة بثنيته احدى حلقتي المغفر ، فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت ، فكان أبوعبيدة في الناس أثرم )... وأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- أباعبيدة بن الجراح أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشرة مقاتلا ، وليس معهم من الزاد سوى جراب تمر ، والسفر بعيد ، فاستقبل أبوعبيدة واجبه بغبطة وتفاني ، وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل واحد منهم حفنة تمر ، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم ، وعندما فرغ التمر راحوا يتصيدون ( الخبط ) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء ، غير مبالين الا بانجاز المهمة ، لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط... ولما قدم أهل نجران على النبي-صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه ان يرسل اليهم واحدا...فقال عليه الصلاة والسلام ( لأبعثن -يعني عليكم- أمينا حق امين )...فتشوف أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها... ولكن لينطبق عليهم وصف النبي -صلى الله عليه و سلم- "أمينا حق امين" وكان عمر نفسه-رضي الله عليه-من الذين حرصوا على الامارة لهذا آنذاك...بل صار -كما قال يتراءى- أي يري نفسه - للنبي صلى الله عليه وسلم- حرصا منه -رضي الله عنه- أن يكون أمينا حق أمين...ولكن النبي صلى الله عليه وسلم- تجاوز جميع الصحابة وقال ( قم يا أباعبيدة )... كما كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يجود بأنفاسه ( لو كان أبوعبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فان سألني ربي عنه ، قلت : استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله )... وفي أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- ، وتولى الخلافة بعده عمر -رضي الله عنه- ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد...وصل الخطاب الى أبىعبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد ( يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟)...فأجاب أبوعبيدة ( اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة )...وأصبح أبوعبيدة أمير الأمراء بالشام0 و ترامى الى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا ( يا أيها الناس ، اني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني بتقوى الا وددت أني في إهابه !!)... وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له ( من ؟)...قال ( أبوعبيدة بن الجراح )...وأتى أبوعبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه الى داره ، فلم يجد فيها من الأثاث شيئا ، الا سيفه وترسه ورحله ، فسأله عمر وهو يبتسم ( ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟)...فأجاب أبوعبيدة ( يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل )... وقد حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد "طاعون عمواس" وكان أبوعبيدة أمير الجند هناك... فخشي عليه عمر من الطاعون...فكتب اليه يريد أن يخلصه منه قائلا ( اذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح الامتوجها الي...واذا وصلك في الصباح ألا تمسي الا متوجها الي...فان لي حاجة اليك) وفهم أبوعبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وانه يريد أن ينقذه من الطاعون...فكتب الى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور اليه وقال ( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وانما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم...فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين) ولما وصل الخطاب الى عمر بكى...فسأله من حوله ( هل مات أبوعبيدة ؟)...فقال ( كأن قد)...والمعنى أنه اذا لم يكن قد مات بعد والا فهو صائر الى الموت لا محالة...اذ لا خلاص منه مع الطاعون ... كان أبو عبيـدة -رضي الله عنه- في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا...مات أبوعبيـدة -رضي الله عنه- سنة (18) ثماني عشرة للهجرة في طاعون عمواس...وقبره في غور الأردن...رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى.. عبدالله بن عمر سيرة الإمام الزاهد مُعتزِل الفتن هو إمام من أئمة المسلمين . آتاه الله العلم ، فأخذ منه بِـحـظٍّ وافـر . ولذا لما أطلّت الفتنة بقرونها ولاّها ظهره واعتزلها ، رغبة فيما عند الله ، وطمعاً في سلعة الله الغالية . هو مِن صغار الصحابة رضي الله عنهم ، ومع ذلك صار عالماً من علماء الصحابة يُشار إليه بالبنان . إن تكلّم سُمِع كلامه ، وإن أفتى أُخِذ بقوله ، وإن قال صدق . فلله درّه . هو صحابي وابن صحابي رضي الله عنه وعن أبيه . وكفى بصحبة خير البشر وسيد ولد آدم فخراً ورفعة . مالت الدنيا بأقرانه ولم يمل مع مَن مال . اسمـه : عبدالله بن عمر بن الخطاب وكنيته : أبو عبد الرحمن قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله : الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي ثم المدني . أسلم وهو صغير ثم هاجر مع أبيه لم يحتلم واستُصغِر يوم أحد ، فأولّ غزواته الخندق ، وهو ممن بايع تحت الشجرة ، وأمه وأمّ أم المؤمنين حفصة زينب بنت مظعون ، أخت عثمان بن مظعون الجمحي . وقال : روى علما كثيراً نافعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن أبيه وأبي بكر وعثمان وعلي وبلال وصهيب وعامر بن ربيعة وزيد بن ثابت وزيد عمه وسعد وابن مسعود وعثمان بن طلحة وأسلم وحفصة أخته وعائشة وغيرهم . انتهى . وهو أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية ، وأحد العبادلة الأربعة ، وثانيهم ابن عباس ، وثالثهم عبد الله بن عمرو بن العاص ، ورابعهم عبد الله بن الزبير . وكان مُجاهداً منذ نعومة أظفاره . قال ابن عمر رضي الله عنهما : عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال ، وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فلم يُجزني ، وعرضني يوم الخندق وأنا بن خمس عشرة سنة ، فأجازني . رواه البخاري ومسلم . وشهِد فتح مكة وله عشرون سنة . وقدِم الشام والعراق والبصرة وفارِس غازياً . وشهِد فتح مصر . روى حجاج بن أرطاة عن نافع أن ابن عمر بارز رجلاً في قتال أهل العراق ، فقتله ، وأخذ سَلَبه . و كان رضي الله عنه عابداً كثير العبادة قال ابن عمر رضي الله عنهما : كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت غلاماً شاباً ، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطيّ البئر ، وإذا لها قرنان ، وإذا فيها أناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار . قال : فلقينا مَلَك آخر فقال لي : لم ترع ، فقصصتها على حفصة ، فقصّتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل . فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا . رواه البخاري ومسلم . قال حبيب بن الشهيد : قيل لنافع : ما كان يصنع ابن عمر في منزله ؟ قال : لا تطيقونه ؛ الوضوء لكل صلاة ، والمصحف فيما بينهما . وقال نافع : كان ابن عمر لا يصوم في السفر ، ولا يكاد يفطر في الحضر . و كان رضي الله عنه زاهداً مُعرضاً عن الدنيا والافتتان بها . قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما . وقال : لقد رأيتنا ونحن متوافرون ، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من ابن عمر وقال حذيفة رضي الله عنه : ما مِنّـا أحد يُفتش إلا يُفتش عن جائفة أو منقلة إلا عمر وابنه . ( والجائفة هي الطعنة الواصلة للجوف ، والـمُنَقِّلـة وهي ما توضّح العظم وتهشمه ) قال ذلك كناية عن المعائب . وقال جابر رضي الله عنه : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به إلا ابن عمر . وقالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر . وقال ميمون بن مهران : دخلت على ابن عمر فقوّمت كل شيء في بيته من أثاث ما يسوى مئة درهم ! وقال مولاه نافع : إنْ كان ابن عمر ليفرّق في المجلس ثلاثين ألفا ، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة لحم . وكان ابن عمر رضي الله عنهما مِن أكثر الناس اتّباعاً للسنة رضي الله عنه . وكان شديد الاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم ولذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تركنا هذا الباب للنساء . قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات . رواه أبو داود . وما رواه مسلم عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها . قال فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن . قال : فأقبل عليه عبد الله فسبّـه سـبّـاً سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : والله لنمنعهن ؟ رقّـة ابن عمر رضي الله عنهما : قال نافع : كان ابن عمر إذا قرأ : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) بكى حتى يغلبه البكاء . وروى عاصم بن محمد العمري عن أبيه قال : ما سمعت ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى . وقال يوسف بن ماهك : رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير ، وعبيد يقصّ ، فرأيت ابن عمر ودموعه تهراق . و عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه تلا : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه ، فأراد رجل أن يقول لأبي : أقصر فقد آذيت الشيخ . وكتب الحجاج إلى ابن عمر : بلغني أنك طلبت الخلافة ، وإنها لا تصلح لعيي ولا بخيل ولا غيور . فكتب إليه : أما ما ذكرت من الخلافة فما طلبتها وما هي من بالي ، وأما ما ذكرت من العي فمن جمع كتاب الله فليس بعيي ، ومن أدى زكاته فليس ببخيل ، وإن أحق ما غرت فيه ولدي أن يشركني فيه غيري ! لما أُريد ابن عمر على الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه أبـى ، وهرب على مكة فرضي الله عنه . قال حبيب بن أبي ثابت أن ابن عمر قال يوم دومة جندل : جاء معاوية على بختي عظيم طويل فقال : ومن الذي يطمع في هذا الأمر ويمدّ إليه عنقه ، قال ابن عمر : فما حدّثت نفسي بالدنيا إلا يومئذ ، هممت أن أقول : يطمع فيه من ضربك وأباك عليه ، ثم ذكرت الجنة ونعيمها فأعرضت عنه . قال ابن عمر رضي الله عنهما : دخلت على حفصة ونوساتها تنطف فقلت : قد كان من الناس ما ترين ، ولم يُجعل لي من الأمر شيء . قالت : فالحق بهم ، فإنهم ينتظرونك وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فُرقة ، فلم يرعه حتى ذهب قال : فلما تفرق الحكمان خطب معاوية فقال : من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إليّ قرنه ! فنحن أحق بذلك منه ومن أبيه . يُعرّض بابن عمر ! فقال له حبيب بن مسلمة : فهلا أجبته فداك أبي وأمي ؟ فقال ابن عمر : حللت حبوتي فهممت أن أقول : أحق بذلك منك من قاتلك وأباك على الإسلام ، فخشيت أن أقول كلمة تفرّق الجمع ، ويسفك فيها الدم ، فذكرت ما أعد الله في الجنان . رواه البخاري . وقال سلام بن مسكين : سمعت الحسن يقول : لما كان من أمر الناس ما كان زمن الفتنة أتوا ابن عمر فقالوا : أنت سيد الناس وابن سيدهم ، والناس بك راضون ، اخرج نبايعك . فقال : لا والله لا يُهراق فيّ محجمة من دم ، ولا في سببي ما كان فيّ روح . ويدلّ على إمامته هذه القصة : لما ابتنى معاوية بالأبطَح مجلسا جلس عليه ومعه ابنه قُرَظَة ، فإذا هو بجماعة على رحال لهم ، وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنى : من يساجلني يساجل ما جداً *** يملأ الدلـو إلى عقد الكُرب قال : من هذا ؟ قالوا : عبدالله بن جعفر . قال : خلُّوا لـه الطريق . ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يتغنى : بينما يذكرنني أبصرنني *** عند قِيد الميل يسعى بي الأغر قلن تعرفن الفتى ؟ قلن : نعم *** قد عرفناه وهل يخفى القمر ؟ قال : من هذا ؟ قالوا : عمر بن أبي ربيعة . قال : خلُّوا لـه الطريق فليذهب . قال : ثم إذا هو بجماعة وإذا فيهم رجل يُسأل ، فيقال لـه : رميت قبل أن أحلق ؟ وحلقت قبل أن أرمي ؟ في أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج ، فقال : من هذا ؟ قالوا : عبد الله بنُ عمر ، فالتَفَتَ إلى ابنه قُرَظَة وقال : هذا الشرف . هذا والله شرف الدنيا والآخرة . قال الإمام مالك : كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر ، مكث ستين سنة يُفتي الناس . شِدّته في الحق : حدّث إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي عن أبيه عن ابن عمر أنه قام إلى الحجاج وهو يخطب فقال : يا عدو الله استُحلّ حرم الله ، وخرب بيت الله . فقال : يا شيخا قد خرّف ، فلما صدر الناس أمر الحجاج بعض مسوّدته فأخذ حربة مسمومة وضرب بها رجل ابن عمر ، فمرض ومات منها ، ودخل عليه الحجاج عائداً ، فسلم فلم يرد عليه ، وكلّمه ، فلم يُجبه . وروى ابن سيرين أن الحجاج خطب فقال : إن ابن الزبير بدّل كلام الله ، فعلم ابن عمر فقال : كذب ! لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت . قال الحجاج : إنك شيخ قد خرّفت الغد ! قال ابن عمر : أما إنك لو عدتَ عدتُ . وفاته رضي الله عنه : توفي رضي الله عنه سنة ثلاث وسبعين من الهجرة . وهو ابن خمس وثمانين سنة . فرضي الله عنه وأرضاه . اللهم إنا نُشهدك على حب عبد الله بن عمر ، وعلى حب أبيه من قبله ، فاحشرنا في زمرتهم عبد الله بن سلاَم سيرة الإمام العالم حبر اليهود وسيّدهم عندما يُريد الله هداية شخص فإن الله يشرح صدره ، ويُهيئ له أسباب ذلك . وقد اشتهرت يهود بشدّة العداوة لأمة الإسلام ولنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) ولذا فإنه لم يُسلم منهم إلا أُناس يُعدّون على الأصابع ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام : لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود . رواه البخاري ومسلم . فاليهود أهل عناد ومُكابرة ، وهم المغضوب عليهم وأريد أن أتناول سيرة رجل من يهود بني قينقاع بل هو عالم من علمائهم وسيّـد من ساداتهم ذلكم هو عبد الله بن سلاَم اسمه : عبد الله بن سلام بن الحارث كنيته : أبو يوسف من ذرية يوسف عليه السلام صحابي جليل ، وهو من بني إسرائيل ، بل هو من ذُريّـة يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام . كان عبد الله يهودياً من يهود بني قينقاع ، فأراد الله به خيراً فأسلم . قال عنه الذهبي في السير : الإمام الحبر ، المشهود له بالجنة حليف الأنصار ، من خواص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . أسلم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . إســلامــه: لِنَدَعـه يُحدّثنا بقصته قال رضي الله عنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه ، وقيل : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت في الناس لأنظر إليه ، فلما استثبتُّ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، وكان أولُ شيء تكلم به أن قال : أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصَلُّـوا والناسُ نيام تدخلوا الجنة بسلام . رواه احمد والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح . ولا يعرف الفضل لأهله إلا أهل الفضل أسئلته للنبي صلى الله عليه وسلم لما عرف تيقّن أنه ليس بكذّاب أراد أن يسأله عن أشياء لا يعرفها إلا نبي روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : سَمِعَ عبدُ الله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف ، فأتى النبيَ صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : فما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينـزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال : أخبرني بهن جبريل آنفا . قال : جبريل ؟! قال : نعم . قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة ! فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ ) ثم قال : أما أولُ أشراط الساعة فنار تحشرُ الناس من المشرق إلى المغرب وأما أولُ طعامِ أهل الجنة فزيادة كبدِ حوت وإذا سبق ماءُ الرجل ماء المرأة نـزع الولد ، وإذا سبق ماءُ المرأة نزعت . قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ، يا رسول الله إن اليهود قومٌ بُهْت ، وإنـهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني . فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيُّ رجلٍ عبدُ الله فيكم ؟ قالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا . قال : أرأيتم إن أسلم عبدُ الله بن سلام ؟ فقالوا : أعاذه الله من ذلك ! فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . فقالوا : شرُّنا وابن شرِّنا وانتقصوه ! قال : فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله . وفي رواية للبخاري : جاء عبد الله بن سلام فقال : أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ ، فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبلوا فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق فأسلموا . قالوا : ما نعلمه . قال : فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : يا ابن سلام اخرج عليهم ، فخرج ، فقال : يا معشر اليهود اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، وأنه جاء بحق . فقالوا : كذبت فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفيه نزل قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) ولهذه الآية قصة فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يوما وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يومَ عيدٍ لهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا يشهدون أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يُحبط الله عن كلِّ يهوديٍ تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه . قال : فأسكتوا ما جاء به منهم أحد . ثم رد عليهم فلم يجبه أحد . ثم ثلّث فلم يجبه أحد . فقال : أبيتم ! فوالله إني لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا النبي المصطفى آمنتم أو كذبتم . ثم انصرف وأنا معه حتى إذا كدنا أن نخرج فنادى رجل من خلفنا : كما أنت يا محمد . قال : فأقبل ، فقال ذلك الرجل : أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود ؟ قالوا : والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك ولا أفقه منك ولا من أبيك قبلك ولا من جدك قبل أبيك . قال : فإني أشهد له بالله إنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة . قالوا : كذبت . ثم ردوا عليه قوله وقالوا فيه شرا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كَذَبْتم لن يقبل الله قولكم . أمّا آنفا فتُثنون عليه من الخير ما أثنيتم ، ولما آمن كذّبتموه وقلتم فيه ما قلتم ، فلن يقبل الله قولكم . قال : فخرجنا ونحن ثلاثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وعبد الله بن سلام وأنزل الله عز وجل فيه الآية . أخرجه الإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في التلخيص وأخرجه ابن حبان والطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين . وهو حديث صحيح . فيُحتمل أن تكون القصة وقعت لفريقين من اليهود دون علم كلِّ فريق بما حصل للآخر ، وذلك أن رواية البخاري جاء فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم فجاءوا ، والرواية الأخرى أنه دخل عليهم كنيسة لهم في يوم عيد لهم . ومن فضائله : من فضائله رضي الله عنه أنه من المبشرين بالجنة فعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بقصعةٍ فأكل منها ففضلت فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجئ رجل من هذا الفج من أهل الجنة يأكل هذه الفضلة . قال سعْدٌ : وكنت تركت أخي عميراً يتوضأ . قال فقلت : هو عمير . قال : فجاء عبد الله بن سلام . رواه أحمد وغيره . وفي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض : إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام . قال : وفيه نزلت هذه الآية ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) الآية . وأنه ممن يؤتون أجورهم مرتين فعبدالله بن سلام من الذين يؤتون أجرهم مرتين . لقوله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت عنده أمةٌ يطؤها فأدبـها فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران . أخرجه البخاري ومسلم . وفيه _ أي في عبدالله بن سلام _ نـزل قوله تعالى : )وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) فعلى رأي بعض المفسرين أن الذي عنده علم من الكتاب هو عبد الله بن سلام . وأخرج البخاري ومسلم عن قيس بن عُبَاد قال : كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع فقالوا : هذا رجل من أهل الجنة ، فصلى ركعتين تجوّز فيهما ثم خرج وتبعته فقلت : إنك حين دخلت المسجد قالوا : هذا رجل من أهل الجنة . قال : والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم ، وسأحدثك لم ذاك رأيت رؤيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه ورأيت كأني في روضة _ ذَكَرَ من سَعتها وخضرتـها _ وسَطَها عمودٌ من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عُروة ، فقيل لي : ارقـه . قلت : لا أستطيع . فأتاني منصف _ والمنصف الخادم _ فرفع ثيابي من خلفي فرَقَيْتُ حتى كنت في أعلاها ، فأخذت بالعروة فقيل لي استمسك فاستيقظت وإنـها لفي يدي فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : تلك الروضة الإسلام ، وذلك العمود عمود الإسلام ، وتلك العروة العروة الوثقى ، فأنت على الإسلام حتى تموت . قال الراوي : وذاك الرجل عبد الله بن سلام . ومن مناقبه رضي الله عنه أنه نصر عثمان يوم الدار . وفاته : توفي رضي الله عنه بالمدينة سنة ثلاث وأربعين . فرضي الله عنه وأرضاه هذا شيء من خبره رضي الله عنه ، وهو من علماء أهل الكتاب ولكنه عرف الحق واتّـبـعه ثم قارن هذا الموقف منه رضي الله عنه بموقف آخر لعالم من علماء اليهود وقد عرف الحق أيضا ذلكم هو شيطان بني النضير حُيي بن أخطب ، فقد حدّثت عنه ابنته صفية – رضي الله عنها – فقالت : كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولدٍ لهما إلا أخذاني دونه . قالت : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حُيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس ، فأتيا كالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا قالت : فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الغمّ . قالت : وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حُيي بن أخطب : أهو هو ؟ قال : نعم والله قال :أتعرفه وتثبته ؟ قال : نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ! رواه ابن إسحاق في السيرة فيما ذكره ابن هشام . فكلهم صدّقوا وعرفوا أنه النبي الذي يجدونه عندهم في التوراة ولكن من عرف وأقر وتابع نجا ومن عرف ولم يُتابع ولم يُقرّ فما له من نجاة . سلمان الفارسي رضي الله عنه، يكنى أبا عبد الله، من أصبهان من قرية يقال لها جي وقيل من رامهرمز، سافر يطلب الدين مع قوم فغدروا به فباعوه لرجل من اليهود ثم إنه كوتب فأعانه النبي في كتابته، أسلم مقدم النبي المدينة، ومنعه الرق من شهود بدر وأحد، وأول غزاة غزاها مع النبي الخندق، وشهد ما بعدها وولاه عمر المدائن. عن عبد الله بن العباس قال: حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلا فارسيًّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جي، وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال: فشغل في بنيان له يومًا فقال لي يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الذي نحن عليه فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت يا أبه مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قلت كلا والله إنه لخير من ديننا، قال فخافني فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته، قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام تجارًا من النصارى فأخبروني بهم، قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال فأخبروني بقدوم تجار فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، قال فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم ألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا الأسقف في الكنيسة، قال فجئته فقلت إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك قال فادخل، فدخلت معه، قال فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئًا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب، قال وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع، قال ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا قالوا وما علمك بذلك؟ قلت أنا أدلكم على كنزه، قالوا فدلنا عليه، قال فأريتهم موضعه، قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقا، قال فلما رأوها قالوا والله لا ندفنه أبدًا، قال فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارًا منه، قال فأحببته حبًّا لم أحبه من قبله فأقمت معه زمانًا ثم حضرته الوفاة قلت له يا فلان، إني كنت معك فأحببتك حبًّا لم أحبه أحداً من قبلك وقد حضرتك الوفاة فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره، قال فقال لي أقم عندي، قال فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له يا فلان إن فلانًا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئت فأخبرته بما جرى وما أمرني به صاحبي، قال فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان، إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني قال أي بني، والله ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته فإنه على مثل أمرنا، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال أقم عندي فأقمت عند رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال وكنت اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة، قال ثم نزل به أمر الله عز وجل فلما حضر قلت له يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني لرجل من يهود فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي، فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال، فلانُ قاتلَ اللهُ بني قيلة! والله، إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم زعم أنه نبي، قال فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي، قال ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة وقال ما لك ولهذا أقبل على عملك، قال قلت لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال، وقد كان شيء عندي قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، قال فقربته إليه فقال رسول الله لأصحابه كلوا وأمسك يده هو فلم يأكل، قال فقلت في نفسي هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا وتحول رسول الله إلى المدينة ثم جئته به فقلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال فقلت في نفسي هاتان اثنتان، قال ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رآني رسول الله استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، قال فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال رسول الله تحول فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس فأعجب رسول الله أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله بدر وأحد، قال ثم قال لي رسول الله كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية فقال رسول الله لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمسة عشر والرجل بعشرة والرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي، قال ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله بيده فوا الذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة فأديت النخل فبقي علي المال، فأتى رسول الله بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما فعل الفارسي المكاتب قال فدُعِيْتُ له، قال فخذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان، قال قلت وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك، قال فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله الخندق ثم لم يفتني معه مشهد. رواه الإمام أحمد. وعن أنس قال: قال رسول الله: السُبَّاق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة. وعن ثابت البناني أن أبا الدرداء ذهب مع سلمان يخطب عليه امرأة من بني ليث فدخل فذكر فضل سلمان وسابقته وإسلامه وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة فقالوا أما سلمان فلا نزوجه ولكنا نزوجك، فتزوجها ثم خرج فقال له إنه قد كان شيء وأنا أستحيي أن أذكره لك قال وما ذاك فأخبره الخبر فقال سلمان أنا أحق أن أستحيي منك أن أخطبها وقد قضاها الله لك رضي الله عنهما. وعن الحسن قال كان عطاء سلمان الفارسي خمسة آلاف وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها فإذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يديه. وعن أبي قلابة أن رجلا دخل على سلمان وهو يعجن فقال: ما هذا؟ قال: بعثنا الخادم في عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين، ثم قال: فلان يقرئك السلام قال: متى قدمت، قال: منذ كذا وكذا فقال أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدها. رواه أحمد. وعن أبي ليلى الكندي قال: قال غلام سلمان لسلمان: كاتبني، قال: ألك شيء قال: لا، قال: فمن أين؟ قال: أسأل الناس، قال: تريد أن تطعمني غسالة الناس. عن ثابت قال: كان سلمان أميرًا على المدائن فجاء رجل من أهل الشام ومعه حمل تبن وعلى سلمان عباءة رثة فقال لسلمان: تعال احمل وهو لا يعرف سلمان فحمل سلمان فرآه الناس فعرفوه فقالوا هذا الأمير فقال: لم أعرفك!! فقال سلمان إني قد نويت فيه نية فلا أضعه حتى أبلغ بيتك. وعن ميمون بن مهران عن رجل من عبد القيس قال: رأيت سلمان في سرية وهو أميرها على حمار عليه سراويل وخدمتاه تذبذبان والجند يقولون قد جاء الأمير قال سلمان: إنما الخير والشر بعد اليوم. وعن أبي الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان فقال سلمان: لكني خلقت من نطفة قذرة ثم أعود جيفة منتنة ثم يؤدى بي إلى الميزان فإن ثقلت فأنا كريم وإن خفت فأنا لئيم. وعن أبي الأسود الدؤلي قال: كنا عند علي ذات يوم فقالوا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن سلمان، قال: من لكم بمثل لقمان الحكيم! ذلك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والآخر، بحر لا ينزف. وأوصى معاذ بن جبل رجلا أن يطلب العلم من أربعة سلمان أحدهم. وعن أبي سفيان عن أشياخه قال: ودخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله توفي رسول الله وهو عنك راض وترد عليه الحوض؟ قال فقال سلمان: أما إني ما أبكي جزعًا من الموت ولا حرصًا على الدنيا ولكن رسول الله عهد الينا فقال لتكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب وحولي هذه الأساود، وإنما حوله إجانة أو جفة أو مطهرة، قال فقال له سعد: يا أبا عبد الله، اعهد الينا بعهد فنأخذ به بعدك، فقال: يا سعد، اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند بذلك إذا قسمت. وقال أهل العلم بالسير: كان سلمان من المعمرين وتوفي بالمدائن في خلافة عثمان وقيل مات سنة ثنتين وثلاثين. صهيب بن سنان بن مالك ويقال خالد بن عبد عمرو بن عقيل ويقال طفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن زيد مناة بن النمر بن قاسط النمري أبو يحيى وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم وهو الرومي قيل له ذلك لأن الروم سبوه صغيرا قال بن سعد وكان أبوه وعمه على الأبلة من جهة كسرى وكانت منازلهم ... " الإصابة " ( 3 / 449 ) . قال ابن تغري بردي : وفيها توفي صهيب بن سنان بن مالك الرومي سبَته الروم فجلب إلى مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي وقيل بل هرب من الروم فقدم مكة وحالف ابن جدعان وكان صهيب من السابقين الأولين شهد بدرا والمشاهد كلها روى عنه أولاده حبيب وزياد وحمزة وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وكعب الأحبار وكنيته أبو يحيى توفي بالمدينة في شوال ونشأ صهيب بالروم فبقيت فيه عجمة . " النجوم الزاهرة " ( 1 / 117 ) . قال ابن عدي : ومنهم صهيب بن سنان الرومي ، ولم يكن روميا وإنما نسب إليهم لأنهم سبوه وباعوه وقيل لأنه كان أحمر اللون وهو من نمر بن قاسط كناه رسول الله أبا يحيى قبل أن يولد له . " الكامل " ( 1 / 590 ) . توفي في شوال سنة 38 هـ والله الهادي وهذه فائدة جديدة وهي : تصريح صهيب الرومي بنسبه ، والرد على عمر بن الخطاب الذي ظن أنه ليس من العرب ! عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لصهيب رضي الله عنهما لولا ثلاث خصال فيك لم يكن بك بأس ، قال : وما هن فوالله ما نراك تعيب شيئا ؟ قال : اكتناؤك بأبي يحيى وليس لك ولد . وادعاؤك إلى النمر بن قاسط وأنت رجل ألكن وأنك لا تمسك المال قال : أما اكتنائي بأبي يحيى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بها فلا أدعها حتى ألقاه . وأما ادعائي إلى النمر بن قاسط فإني امرؤ منهم ولكن استرضع لي بالأيلة فهذه اللكنة من ذاك وأما المال فهل تراني أنفق إلا في حق رواه أحمد ( 18463 ) وصححه شيخنا الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 44 ) . وفيه نزل قال الله تعالى:" ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد". نزلت هذه الآية الكريمة في صهيب الرومي رضي الله عنه، حينما تخلى للمشركين في مكة عن كل مايملك مقابل أن يخلون سبيله ليلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، احتجزوه ومنعوه من الهجرة وقال قائلهم ياصهيب جئتنا صعلوكاً لاتملك شيئاً، وأنت اليوم ذو مال كثير! - يساومونه- فقال لهم رضي الله عنه: أرأيتم إن دللتكم على مالي هل تخلون سبيلي؟ قالوا : نعم . فدلهم على ماله بمكة ثم انطلق مهاجراً في سبيل الله لايلوي علىشيء تاركاً كل مايملك خلف ظهره وهاجرا إلى الله ورسوله ، فلما وصل المدينة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له عليه الصلاة والسلام مهنيئاً له على حسن صنيعه: "ربح البيع أبا يحيى ربح البيع " فلله در صهيب شرى نفسه طلباً لرضوان الله تعالى. هكذا تكون التضحية وإلا فلا ! هذا صهيب وهذا فعله الذي غدا قرآناً يتلى إلى يوم القيامة -------------------------------------------------------------------------------- بلال بن رباح هو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخازنه على بيت ماله، أبو عبد الله. كان أبوه من سبي الحبشة، وأمه (حمامة) سبية أيضا. اشتراه أمية بن خلف الجمحي، وكان يعذبه بحر الرمضاء بعد إسلامه، فاشتراه منه أبو بكر وأعتقه. كان من السبعة الأوائل الذين أظهروا الإسلام، لما شرع الأذان بالمدينة كان هو الذي يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يتناوب الأذان مع ابن أم مكتوم كان ندي الصوت فصيحا. أذن يوم فتح مكه على ظهر الكعبة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. ولما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الأذان، شهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج إلى الشام مجاهدا، ولما قدم عمر بن الخطاب إلى الشام أذن بين يديه لصلاة الظهر فانتحب الناس بالبكاء ،توفي في دمشق وقيل في حلب . - مولى أبي بكر الصديق . - وهو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم . - من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله . - شهد بدراً ، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم على التعيين بالجنة . - عاش بضعاً وستين سنة . - يقال : إنه حبشي ، وقيل : من مولدي الحجاز. - وفي وفاته أقوال : أحدها بداريّا ، في سنة عشرين . - عن زر عن عبد الله : أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر ، وعمّار ، وأمه سمية ، وبلال ، وصهيب ، والمقداد ، فأما النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فمنعهما الله بقومهما ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون ، فألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فما منهم من أحد إلا واتاهم على ما أرادوا إلا بلال ، فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الولدان ، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول أحدٌ أحد. - عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لبلال عند صلاة الصبح: ( حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ، فإني قد سمعت الليلة خشفة نعليك بين يديّ في الجنة ) ، قال: ما عملت عملاً أرجى من أني لم أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت لربي ما كُتب لي أن أصلي . - عن جابر قال عمر : أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً سيدنا. - عن قيس قال: اشترى أبو بكر بلالاً ، وهو مدفون في الحجارة ، بخمس أواق ذهباً ، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناكه ، قال: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته. - عن سعد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون : اطرد هؤلاء عنك فلا يجترؤون علينا ، وكنت أنا وابن مسعود وبلال ورجل من هذيل وآخران ، فأنزل الله ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم) الآيتين ( الأنعام 53،52) . - قالت عائشة : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال ، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول: كل امريءٍ مُصبح في أهله .............. والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعـري هل أبيتن ليلة .................. بواد وحولي إذخر وجليل وهـل أرِدن يومـاً مياه مجنـة ................. وهل يبدون لي شامة وطفيل اللهم العن عتبة ، وشيبة ، وأمية بن خلف ، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء . - عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اشتاقت الجنة إلى ثلاثة: علي وعمّار وبلال) . - عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : قدمنا الشام مع عمر ، فأذن بلال ، فذكر الناس النبي صلى الله عليه وسلم فلم أر يوماً أكثر باكياً منه. - عن أبي الدرداء قال: لما دخل عمر الشام سأل بلال أن يُقره به ، ففعل ، قال: وأخي أبو رُويحة الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينه ، فنزل بداريا في خولان فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان ، فقالوا : إنا قد أتيناكم خاطبين ، وقد كنا كافرين فهدانا الله ، ومملوكين فأعتقنا الله ، وفقيرين فأغنانا الله ، فإن تُزوجونا فالحمد لله ، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله ، فزوجهما. - عن يحيى بن سعيد قال: ذكر عمر فضل أبى بكر ، فجعل يصف مناقبه ، ثم قال: وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته. - قال سعيد بن عبد العزيز : لما احتضر بلال قال : غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه، قال: تقول امرأته: واويلاه ! فقال: وافرحاه! عمار بن ياسر ( 57 ق هـ - 37 هـ / 567 - 657 م ) عمّار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي العنسي , أبو اليقظان صحابي , من الولاة الشجعان ذوي الرأي . وهو أحد السابقين الى الاسلام والجهر به . خرج ياسر بن عامر، والد (عمار) من بلده في اليمن يطلب أخا له، ويبحث عنه.. وفي مكة طاب له المقام، فاستوطنها محالفا أبا حذيفة بن المغيرة.. وزوجه ابو حذيفة احدى امائه (سمية بنت خياط).. ومن هذا الزواج المبارك رزق الله الابوين (عمارا).. وكان اسلامهم مبكرا.. شأن الابرار الذين هداهم الله.. وشأن الابرار المبكرين ايضا، اخذوا نصيبهم الاوفى من عذاب قريش واهوالها.. ووكل امر تعذيبهم الى بني مخزوم، يخرجون بهم جميعا.. ياسر وسمية وعمار كل يوم الى رمضاء مكة الملتهبة، ويصبون عليهم من حميم العذاب ألوانا وفنونا. بشارة الرسول عليه السلام لآل ياسر بالجنة أخبرنا مسلم عن إبراهيم قال أخبرنا هشام الدستوائي قال حدثنا أبو الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مر بآل عمار وهم يعذبون فقال لهم : أبشروا آل عمار فإن موعدكم الجنة. رواه ابن سعد . هاجر الى المدينة , وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان . كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقبه ( الطيب المطيّب ) . وفي الحديث ماخير عمار بين أمرين الا اختار أرشدهما . عن الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه.رواه النسائي وعن عطاء بن يسار عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما.رواه الترمذي حدثنا خالد عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولعلي بن عبد الله ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يسقيانه فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس فقال كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار وقال ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار.رواه ولاّه عمر بن الخطاب الكوفة فأقام بها زمنا وعزل عنها شهد الجمل وصفين مع علي وقتل في معركة صفين وعمره ثلاثة وتسعون عاما . له اثنان وستون حديثاً . حذيفة بن اليمان ( رضوان الله عليه ) حذيفة بن اليَمان بن جابر العبسي وكنيته أبا عبد الله وكان صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، جاء حذيفة هو وأخـوه ووالدهمـا الى رسـول الله واعتنقوا الإسلام ولقد نما -رضي الله عنه- في ظل هذا الديـن ، وكانت له موهبـة في قراءة الوجوه و السرائر ، فعاش مفتوح البصر والبصيرة على مآتي الفتن ومسالك الشرور ليتقيها ، فقد جاء الى الرسول يسأله ( يا رسول الله ان لي لسانا ذربا على أهلي وأخشى أن يدخلني النار )000فقال له النبي ( فأين أنت من الاستغفار ؟؟000اني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة )000هذا هو حذيفة -رضي الله عنه-000 لم يشهد بدراً ، وشهد اُحداً وما بعدها من المشاهد ، وكان أحد الذين ثبتوا على العقيدة . ويوم غزوة أحد كان في ايمانه -رضي الله عنه- وولائه قويا ، فها هو يرى والده يقتل خطأ يوم أحد بأيدي مسلمة ، فقد رأى السيوف تنوشه فصاح بضاربيه ( أبي ، أبي ، انه أبي !!)000ولكن أمر الله قد نفذ ، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن والوجوم ، لكنه نظر اليهم اشفاقا وقال ( يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين )000ثم انطلق بسيفه يؤدي واجبه في المعركة الدائرة000وبعد انتهاء المعركة علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك ، فأمر بالدية عن والد حذيفة ( حسيل بن جابر ) ولكن تصدق بها حذيفة على المسلمين ، فزداد الرسول له حبا وتقديرا عندما دب الفشل في صفوف المشركين وحلفائهم واختلف أمرهم وفرق الله جماعتهم ، دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان ، وكان الطقس باردا والقوم يعانون من الخوف والجوع ، وقال له ( يا حذيفة ، اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا !)000فذهب ودخل في القوم ، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لاتقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء ، فقام أبوسفيان فقال ( يا معشر قريش ، لينظر امرؤ من جليسه ؟)000قال حذيفة ( فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت : من أنت ؟00قال : فلان بن فلان )000فأمن نفسه في المعسكر ، ثم قال أبو سفيان ( يا معشر قريش ، انكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنوقريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل)000ثم نهض فوق جمله، وبدأ المسير، يقول حذيفة ( لولا عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الي الا تحدث شيئا حتى تأتيني ، لقتلته بسهم )000وعاد حذيفة الى الرسول الكريم حاملا له البشرى000 خوفه من الشر كان حذيفة -رضي الله عنه- يرى أن الخير واضح في الحياة ، ولكن الشر هو المخفي ، لذا فهو يقول (000 كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني000 قلت ( يا رسول الله ، انا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟)000قال ( نعم )000 قلت ( فهل من بعد هذا الشر من خير ؟)000قال ( نعم ، وفيه دخن )000 قلت ( وما دخنه ؟)000قال ( قوم يستنون بغير سنتي ، ويهتدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر )000 قلت ( وهل بعد ذلك الخير من شر ؟)000قال ( نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم اليها قذفوه فيها )000 قلت ( يا رسول الله ، فما تأمرني ان أدركني ذلك ؟)000قال ( تلزم جماعة المسلمين وامامهم )000 قلت ( فان لم يكن لهم جماعة ولا امام ؟)000قال ( تعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )000 المنافقون كان حذيفة -رضي الله عنه- يعلم أسماء المنافقين ، أعلمه بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وسأله عمر ( أفي عمّالي أحدٌ من المنافقين ؟)000قال ( نعم ، واحد )000قال ( مَن هو ؟)000قال ( لا أذكره )000قال حذيفة ( فعزله كأنّما دُلَّ عليه )000 وكان عمر إذا مات ميّت يسأل عن حذيفة ، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر ، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر000 آخر ما سمع من الرسول عن حذيفة قال ( أتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي توفاه الله فيه ، فقلت ( يا رسول الله ، كيف أصبحت بأبي أنت وأمي ؟!)000فردَّ عليّ بما شاء الله ثم قال ( يا حذيفة أدْنُ منّي )000فدنوتُ من تلقاء وجههِ ، قال ( يا حُذيفة إنّه من ختم الله به بصومِ يومٍ ، أرادَ به الله تعالى أدْخَلَهُ الله الجنة ، ومن أطعم جائعاً أراد به الله ، أدخله الله الجنة ، ومن كسا عارياً أراد به الله ، أدخله الله الجنة )000قلتُ ( يا رسول الله ، أسرّ هذا الحديث أم أعلنه )000قال ( بلْ أعلنْهُ )000فهذا آخر شيءٍ سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)000 أهل المدائن خرج أهل المدائن لاستقبال الوالي الذي اختاره عمر -رضي الله عنه- لهم ، فأبصروا أمامهم رجلا يركب حماره على ظهره اكاف قديم ، وأمسك بيديه رغيفا وملحا ، وهويأكل ويمضغ ، وكاد يطير صوابهم عندما علموا أنه الوالي -حذيفة بن اليمان- المنتظر ، ففي بلاد فارس لم يعهدوا الولاة كذلك ، وحين رآهم حذيفة يحدقون به قال لهم ( اياكم ومواقف الفتن )000قالوا ( وما مواقف الفتن يا أبا عبدالله ؟)000 قال ( أبواب الأمراء ، يدخل أحدكم على الأمير أو الوالي ، فيصدقه بالكذب ، ويمتدحه بما ليس فيه )000فكانت هذه البداية أصدق تعبير عن شخصية الحاكم الجديد ، ومنهجه في الولاية معركة نهاوند في معركة نهاوند حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفا ، اختار أمير المؤمنين عمر لقيادة الجيوش المسلمة ( النعمان بن مقرن ) ثم كتب الى حذيفة أن يسير اليه على رأس جيش من الكوفة ، وأرسل عمر للمقاتلين كتابه يقول ( اذا اجتمع المسلمون ، فليكن كل أمير على جيشه ، وليكن أمير الجيوش جميعا ( النعمان بن مقرن ) ، فاذا استشهد النعمان فليأخذ الراية حذيفة ، فاذا استشهد فجرير بن عبدالله )000وهكذا استمر يختار قواد المعركة حتى سمى منهم سبعة000 والتقى الجيشان ونشب قتال قوي ، وسقط القائد النعمان شهيدا ، وقبل أن تسقط الراية كان القائد الجديد حذيفة يرفعها عاليا وأوصى بألا يذاع نبأ استشهاد النعمان حتى تنجلي المعركة ، ودعا ( نعيم بن مقرن ) فجعله مكان أخيه ( النعمان ) تكريما له ، ثم هجم على الفرس صائحا ( الله أكبر : صدق وعده ، الله أكبر : نصر جنده )000ثم نادى المسلمين قائلا ( يا أتباع محمد ، هاهي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم ، فلا تطيلوا عليها الانتظار )000وانتهى القتال بهزيمة ساحقة للفرس000 وكان فتح همدان والريّ والدينور على يده ، وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين ، وتزوّج فيها000 اختياره للكوفة أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغا ، فكتب عمر لسعد بن أبي وقاص كي يغادرها فورا بعد أن يجد مكانا ملائما للمسلمين ، فوكل أمر اختيار المكان لحذيفة بن اليمان ومعه سلمان بن زياد ، فلما بلغا أرض الكوفة وكانت حصباء جرداء مرملة ، قال حذيفة لصاحبه ( هنا المنزل ان شاء الله )0 وهكذا خططت الكوفة وتحولت الى مدينة عامرة ، وشفي سقيم المسلمين وقوي ضعيفهم 000 فضله قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( ما من نبي قبلي إلا قد أعطيَ سبعة نُجباء رفقاء ، وأعطيتُ أنا أربعة عشر : سبعة من قريش : عليّ والحسن والحسين وحمزة وجعفر ، وأبو بكر وعمر ، وسبعة من المهاجرين : عبد الله ابن مسعود ، وسلمان وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال )000 رضوان الله عليهم000 قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( استخلفتَ )000فقال ( إنّي إنْ استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم ، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة فصدِّقوه ، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه )000 قال عمر بن الخطاب لأصحابه ( تمنّوا )000فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا فيه مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل الله ، فقال عمر ( لكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان ، فأستعملهم في طاعة الله عزّ وجلّ )000ثم بعث بمال إلى أبي عبيدة وقال ( انظر ما يصنع )000فقسَمَهُ ، ثم بعث بمالٍ إلى حذيفة وقال ( انظر ما يصنع )000فقَسَمه ، فقال عمر ( قد قُلتُ لكم )000 من أقواله لحذيفة بن اليمان أقوالاً بليغة كثيرة ، فقد كان واسع الذكاء والخبرة ، وكان يقول للمسلمين ( ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة ، ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا ، ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه )000 يقول حذيفة ( أنا أعلم النّاس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة ، وما بي أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسرَّ إليَّ شيئاً لم يحدِّث به غيري ، وكان ذكر الفتنَ في مجلس أنا فيه ، فذكر ثلاثاً لا يذَرْنّ شيئاً ، فما بقي من أهل ذلك المجلس غيري )000 كان -رضي الله عنه- يقول ( ان الله تعالى بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم-فدعا الناس من الضلالة الى الهدى ، ومن الكفر الى الايمان ، فاستجاب له من استجاب ، فحيى بالحق من كان ميتا ، ومات بالباطل من كان حيا ، ثم ذهبت النبوة وجاءت الخلافة على منهاجها ، ثم يكون ملكا عضوضا ، فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه ، أولئك استجابوا للحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه ، كافا يده ، فهذا ترك شعبة من الحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ، كافا يده ولسانه ، فهذا ترك شعبتين من الحق ، ومنهم من لاينكر بقلبه ولا بيده ولا بلسانه ، فذلك ميت الأحياء )000 ويتحدث عن القلوب والهدى والضلالة فيقول ( القلوب أربعة : قلب أغلف ، فذلك قلب كافر000وقلب مصفح ، فذلك قلب المنافق 000وقلب أجرد ، فيه سراج يزهر ، فذلك قلب المؤمن000وقلب فيه نفاق و ايمان ، فمثل الايمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب000ومثل المنافق كمثل القرحة يمدها قيح ودم ، فأيهما غلب غلب )000 مقتل عثمان كان حذيفة -رضي الله عنه- يقول ( اللهم إنّي أبرأ إليك من دم عثمان ، والله ما شهدتُ ولا قتلتُ ولا مالأتُ على قتله )000 وفاته لمّا نزل بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً وبكى بكاءً كثيراً ، فقيل ( ما يبكيك ؟)00فقال ( ما أبكي أسفاً على الدنيا ، بل الموت أحب إليّ ، ولكنّي لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ )000 ودخل عليه بعض أصحابه ، فسألهم ( أجئتم معكم بأكفان ؟)000قالوا ( نعم )000قال ( أرونيها )000فوجدها جديدة فارهة ، فابتسم وقال لهم ( ما هذا لي بكفن ، انما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص ، فاني لن أترك في القبر الا قليلا ، حتى أبدل خيرا منهما ، أو شرا منهما )000ثم تمتم بكلمات ( مرحبا بالموت ، حبيب جاء على شوق ، لا أفلح من ندم )000وأسلم الروح الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائن ، وبعد مَقْتلِ عثمان بأربعين ليلة000 ابو هريرة اكثر من روى الحديث عن رسول الله انه احد اعلام الصحابة الرواة الذين اسهموا في حفظ الشريعة ونشرها بين المسلمين كان اكثر من روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه ثمانمائة مسلم بين صحابي وتابع. اسمه عبدالرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم ينتهي نسبه الى الازو اعظم واشهر قبائل العرب كان اسمه في الجاهلية عبد شمس فلما اعتنق الاسلام سماه الرسول عليه الصلاة والسلام عبدالرحمن اشتهر بكنيته (ابو هريرة) حتى غلبت على اسمه فكاد ينسى. سئل ابوهريرة لماذا؟ كنيت بذلك قال ابو هريرة لاني وجدت هرة فحملتها في كمي فقيل لي ابوهريرة ولد ابو هريرة في اليمن ونشأ فيها يرعى الغنم لاهله ويخدمهم وقد توفي والده وهو صغير فنشأ يتيماً وقاسى شظف العيش حتى مَنّ الله عليه بالاسلام على يد الطفيل بن عمرو . فهاجر الى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه اربع سنوات في حله وترحاله. عريف اهل الصفة: كان يدخل بيت النبي ويحضر مجالسه وقد اتخذ الصفة مقاما وجعله النبي عريف اهل الصفة. اذا اراد ان يجمعهم لطعام يطلب من ابي هريرة ان يجمعهم لانه اعرف بهم وبمنازلهم. وكان ابوهريرة يحب النبي حبا شديدا حدث ان رفع الرسول الدرة ليضرب بها اباهريرة فقال ابو هريرة لان يضربني بها احب اليّ من حمر النعم. وكان ابو هريرة يقتدي بالنبي في كل اعماله ويحذر الناس من الانغماس في ملاذ الدنيا وشهواتها. لا يفرق في ذلك بين غني وفقير أو بين حاكم ومحكوم. يرشد الناس الى الحق والصواب. مر ذات يوم بقوم يتوضأون فقال لهم اسبغوا الوضوء فاني سمعت ابا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل للاعقاب من النار». ومما يقوله ابو هريرة : «ان اهل الصفة هم ضيوف الرحمن لا اهل لهم ولا مال. اذا اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسلها اليهم ولم يصب منها شيئا واذا جاءته هدية اصاب منها واشركهم فيها. يقول امام التابعين سعيد بن المسيب: رأيت ابا هريرة يطوف بالسوق. ثم يأتي اهله فيقول: هل عندكم من شئ؟ فان قالوا: لا قال: اني صائم. كان زاهدا في الدنيا ويكتفي من الطعام بسد رمقه - فقد صبر على الفقر طويلا. حتى رزقه الله مالا وفيرا- وكان دائما يذكر ايام فقره ويدعو الناس الى الصبر والشكر ومر ابو هريرة ذات يوم بقوم يذبحون شاة. فدعوه الى تناول الطعام معهم فأبى وقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير قط. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث ابا هريرة مع العلاء الحضرمي الى البحرين لينشرا الاسلام فيها ويفقها الناس في امور دينهم فأنجزا هذه المهمة خير انجاز. ولما تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة جعل ابا هريرة عاملاً على البحرين وقد عينه معاوية بن ابي سفيان واليا على المدينة فترة من الزمن وكان يقول له: نعم الامير انت يا ابا هريرة. فقد كان وهو امير المدينة يمر في السوق حاملا الحطب عل ظهره حتى ان احد المسلمين عرض عليه ان يحمل عنه الحطب فرفض وقال لست افضل من احد فيكم. الصحيفة الصحيحة: كان ابو هريرة يحفظ ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ظهر قلب. كما كان يدعو الناس الى حفظ القرآن الكريم واحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد حفظ التاريخ وثيقة علمية قيمة تضمنت ما املاه ابو هريرة على تلميذه همام بن منبه احد اعلام التابعين التقاة الذين التفوا حول الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه وهذه الوثيقة اطلق عليها (الصحيفة الصحيحة) وقد نقلها الامام احمد بتمامها في مسنده كما نقل الامام البخاري عددا كبيرا من احاديثها في صحيحه. وقد قال ابو هريرة رضي الله عنه عن نفسه «ما من احد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم احفظ لحديثه مني- اللهم إلا عبدالله بن عمر فإنه كان يكتب اما انا فأسمع واحفظ ولا اكتب». معاذ بن جبل رضي الله عنه ( أعلمهم بالحلال و الحرام ) معاذ بن جبل رضي الله عنه " وأَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل000 " حديث شريف معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري000وكنيته أبو عبدالرحمن000أسلم وعمره ثماني عشرة سنـة عندما أسلم سعد بن معاذ -رضي الله عنه - سيد الخزرج الذي طلب من قومه أن يسلمـوا فأسلم الخزرج ومعهم معاذ -رضي اللـه عنه-000وقدم من المدينةالى مكة لمبايعة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ليلـة العقبـة الثانية فبايعه معهم وحضر المشاهـد كلها وروى عن النبـي -صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير من الأحاديث النبوية000 قربه من الرسول لزم معاذ بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة000فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه000وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( استقرئـوا القرآن من أربعـة ( من ابن مسعـود000وسالم مولى أبي حذيفـة000وأبي000ومعاذ بن جبل )000 وقوله - صلى الله عليه وسلم- ( وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل)000 قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( يا مُعاذ ، والله إني لأُحِبّك فلا تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة : اللهم أعِنّي على ذِكْرك وشكرك وحُسْن عبادتك )000ولقد حَـذِق معاذ الدرس وأجاد التطبيـق000فقد لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله ( كيف أصبحت يا معاذ ؟)000قال ( أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله )000قال النبي ( إن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟)000قال معاذ ( ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي ، ولا أمْسَيت مساء إلا ظننت أني لا أُصْبح ، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتْبِعُها غيرها ، وكأني أنظر الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابها ، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون ، وأهل النار في النار يُعَذّبون )000فقال له الرسول ( عرفتَ فالزم)000 ارساله الى اليمن وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ مع رسل ملوك اليمن يعلم الناس دينهم وأوصاه بأمور عدة000 فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- ( بما تحكم يا معاذ ؟)000قال معاذ ( بكتاب الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- (فان لم تجد ؟)000قال معاذ( بسنة رسول الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( فان لم تجد ؟)000قال معاذ ( أجتهد رأي ولا آلو )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله )000 فضله لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه ( لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر )000 ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال ( إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً للـهِ حَنيفـاً ، ولقد كنّـا نُشَبِّـه معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام )000 دخل ( عائذ الله بن عبد الله ) المسجد يوما مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول خلافة عمر فيحدثنا ويقول ( فجلست مجلسا فيه بضعٌ وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وفي الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء ، وهو أشَبُّ القوم سِنّا ، فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم ، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه ، ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه ( من أنت يا عبد الله ؟)000قال ( أنا معاذ بن جبل )000 ويقول ( أبو مسلم الخولاني ) (دخلت مسجد حمص فإذا جماعة من الكهول يتوسّطهم شاب برّاق الثنايا صامت لا يتكلم ، فإذا امْتَرَى القوم في شيء تَوَجَّهوا إليه يسألونه ، فقلت لجليس لي ( من هذا ؟)000 قال ( مُعاذ بن جبل )000فوقع في نفسي حُبُّه )000 كما قال ( شهر بن حَوْشَب ) ( كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل ، نظروا إليه هيبة له )000 حُبّ العلم كان معاذا -رضي الله عنه- دائب الدعوة الى العلم والى ذكر الله ، فقد كان يقول ( احذروا زيْغ الحكيم ، واعرفوا الحق بالحق ، فإن للحق نوراً )000وكان يرى العبادة قصداُ وعدلا ، قال له يوما أحد المسلمين ( علّمني )000فسأله معاذ ( وهل أنت مطيعي إذا علمتك ؟)000قال الرجل ( إني على طاعتك لحريص )000فقال له معاذ ( صُمْ وأفْطِر ، وصَلِّ ونَمْ ، واكْتَسِب ولا تأثَمْ ، ولا تموتنَّ إلا مُسْلِما ، وإياك ودَعْوَة المظلوم )000وكان يرى العلم معرفة وعملا فيقول ( تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا ، فلن ينفعـكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا )000وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس ، يقول الأسود بن هلال ( كُنّا نمشي مع مُعاذ ، فقال لنا اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة )000 طهارته مات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل في اليمن ، وفي خلافة أبي بكر رجِع معاذ الى اليمن ، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ أن معاذاً أثرى فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله ، ولم ينتظر عمر بل نهض مسرعا الى معاذ وأخبره ، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة ، ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه ، وتركه عمر وانصرف ، وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول ( لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء ، أخشى على نفسي الغرق ، حتى جئت فخلصتني يا عمر )000وذهبا معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر ( لا آخذ منك شيئاً )000فنظر عمر الى معاذ وقال له ( الآن حَلَّ وطاب )000فما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا ، لو علم أنه أخذه بغير حق000 أمانته وورعه كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام000وعاد الى زوجـه بحلسه (ما يوضع على ظهر الدابة) الذي خرج به فقاـلت له امرأته ( أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم ؟)000فقال معاذ ( لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي )000فقالت امرأته ( لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك )000وشاعت ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر000فأرسل الى معاذ وسأله أنا أرسلت معك رقيبا)000فقال ( يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذا000وقصدت بالرقيب الله عزوجل )000فأعطاه عمر شيئا وقال ( أرضها به)000 معلما ثم واليا للشام وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- أرسل اليه واليه على الشام يقول ( يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم)000فأرسل اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه-000فلما مات أمير الشام ( أبو عبيدة ) استخلفه أمير المؤمنين على الشام ، ولم يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا ، وكان عمر بن الخطاب يقول ( لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي لماذا استخلفته ؟000لقلت : سمعت نبيك يقول : إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين أيديهم )000وهذا رأيه على خلافة المسلمين جميعا 000 طاعون عمواس أصيب معاذ -رضي الله عنه- بالطاعون ، فلما حضرته الوفاة قال ( مرحبا بالموت مرحبا ، زائر بعد غياب وحبيب وفد على شوق )000ثم جعل ينظر الى السماء ويقول ( اللهم إني كنتُ أخافك ، لكنني اليوم أرجوك ، اللهم انك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار ، وجري الأنهار ، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر ، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة )000ثم فاضت روحه بعيدا عن الأهل داعيا الى الله مهاجرا في سبيله000وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثلاث وثلاثون سنة000 المقداد بن عمرو وأقبل الشيخ أبو معبد .. وهو يحمل لأصحابه حديث (بدر) ، وبدأ حديثه بصوته الهادئ الرزين، وأسلوبه الجميل الجذاب ، يشد المستمعين إليه، قال : أيها المسلمون: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها وبهذه الفقرة القصيرة ، استنفر رسول الله الناس على أبي سفيبان - زعيم المشركين - وهو عائد بتجارته من الشام فقد كفى ما عاناه المسلمون من قريش، وعنتها وبغيها وظلمها ولماذا يبقى المسلمون في تلكؤ، وقد أصبحت من القوة بما يمكنها من مقابلة المشركين، بعد أن ذاقوا منهم الويلات واضطروا إلى هجر مكة، والإقامة بالمدينة والرسول عليه الصلاة و السلام لم يقم يعمل سلبي تجاه قريش وأحقادها - طيلة هذه المدة - إلا لأنه لم يلمس في أصحابه العدة والعدد لمقابلة القوم فكان موقف الدفاع. أما وقد رأى فيهم بعض الإمكانية، فلماذا لا يحرك النفوس، ويمرنهم للهجوم وكانت خير مناسبة هي اعتراض قافلة أبي سفيان، وهي بتجارة قريش بؤوب من الشام، اشترك فيها أهل مكة جميعهم بحيث لم يبق رجل ولا امرأة استطاعوا أن يسهموا في هذه القافلة إلا فعلوا، حتى قدرت بخسين ألف دينار ولهذا فقد خف الكثير من المسلمين عند أمر النبي لهم بنهب القافلة كما تثاقل جماعة عن الخروج تحسباً للمشاكل التي تستتبعها يا أبا الحارث : اسمعت نداء الرسول، وهو أنت ملبيه ؟ نعم يا أبا معبد جزاك الله خيراً يا أبا الحاريث وكان المقداد بن عمرو البهراني، أو المقداد بن الأسود، أبو عبد الله، يهمه كثيراً أمر صاحبه أبي الحارث بن عتبة غزوان، فقد كانا مسلمين يتكتمان بإسلامهما في مكة، ولم يتمكنا من التظاهر في الهجرة مع المهاجرين، وبقيا ينتظران الفرصة المناسبة وأعلن المشركون أن جيشاً بقيادة( عكرمة بن أبي جهل ) يتوجه لغزو محمد، وفي عشية اليوم يزحف القوم.. وقصد عتبة صاحبه المقداد يا أبا معبد، مناسبة رائعة لو نخرج معهم، وعندما نصل إلى جيش المسلمين ننحاز لهم نعم الرأي ما تقول.. وانظما إلى الجيش الزاحف وبلغ رسول الله نبأ هذا الزحف، فأرسل سرية من السملمين يتراوح عددها بين الستين، والثمانين نفر وكلهم من المهاجرين وليس فيهم من الأنصار أحد، وأمر عليهم عبيد بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وسار المسلمون حتى بلغوا ماء في (اسفل ثنية المرة)، ولم تقع بينهما حرب إذ انتهت باتفاق، وانصرف المشركون عائدين إلى مكة وكانت اللحظة الحاسمة بالنسبة للمقداد وعتبة، فلم يكد ينشغل جيش العدو بامر عودته، حتى فر المقداد وصاحبه إلى المسلمين واستقبلهما المسلمون بكل ترحاب، وعند عودتهم إلى المدينة رحب الرسول بالمقداد فقد كان من أصحابه الأوائل واستمر المقداد بصلته، فلم يكن جديد عهد بالإسلام فهو سابع رجل آمن بالدعوة، وكان يروي الرسول أن الله أمر بحب أربعة: علي وسلمان وأبي ذر والمقداد ، ولهذا عندما وصل إلى المدينة ، كان أحد المقربين إلى رسول الله، والملازمين له وكان المقداد من المتحمسين - بعد أن وصل الى المدينة - لنهب قافلة قريش، وخاصة أن الرسول (عليه الصلاة و السلام) يريد ذلك.. ولم يخف على أبي سفيان، وهو في طريقه إلى مكة، أن رسول الله استنصر أصحابه على قافلته، فأرسل رسولاً عاجلاً إلى قريش يوقفهم على النبأ، وعلمه كيف يثيرهم ودخل رسول الله مكة، وقد قطع أذني بعيره، وجدع أنفه وحول رحله، ووقف هو عليه، وقد شق قميصه من قُبل ودُبر وهو يصيح يا معشر قريش! اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان وقد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى تدركوها. الغوث الغوث وهز هذا الصياح أرجاء مكة، ووقف الناس كلهم على أهبة الاستعداد، لا بغضاً بمحمد، ولا حباً لأبي سفيان، إنما لكل منهم نصيب في هذه العير وهذا لم يمنع أبا جهل، وعقبة بن أبي معيط أن يأتيا إلى المسجد وبيد عقبة مجمرة فيها بخور، وبيد ابي جهل مكحلة ومرودن وهما يتنقلان بين المتقاعسين من الخروج لنصرة عير ابي سفيان، يقولان للجالسين استجمر فإنما أنت من النساء، أو اكتحل فإنما أنت امرأة وتحشدت قريش استعداداً للزحف، ودار في كل بيت حديث لهم. إنها المرة الأولى، فلوتم لمحمد ما أراد لم تبق لقريش مهابة بعدها إن قريش وغير قريش من الذين ضاقوا ذرعاً بهذه الدعوة الفتية، كانوا يخشون هذا اليوم، الذي كانوا يحسبون له كل الحساب فهذا محمد الذي تحدثوا عن دعوته كلما جان على لسانهم من بذيء القول وخشن الكلام، وصبوا على اتباعه وأصحابه كل ما في طاقتهم من التعذيب، والتعسف، وإذا بالأيام تدور، وتصبح له القابلية على مقابلتها، ويعتزم مهاجمة عيرها وتصل أخبار قريش إلى الرسول تباعاً، وهو بالمدينة يتأهب للخروج، ويجمع أصحابه في رحبة المسجد، ليخبرهم بتصميمه على الغزو، ويطلب رأي المهاجرين، وإذا ضعفُت نفوس وتخوفت أخرى بعد ان بلغهم أن قريشاً زحفت بصناديدها وقف المقداد وسط الجمع وبكل جرأة يقول: يا رسول الله، إمض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون }، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجادنا معك، وقاتلنا من بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك فقال له رسول الله(صلى الله عليه وسلم): خيراً ودعا له، وأشرق وجهه وسرة، وأعجبه قال ابن مسعود : تمنيت هذا الموقف من المقداد أن يكون لي هو أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم التفت النبي للأنصار، وقال: أشيروا علي أيها الناس قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال النبي : أجل قال : فقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضٍ يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لُصبر في الحرب، صُدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله ، وما أن أتم سعد كلامه حتى هللت امرأة من الطرف الآخر وهي تقول: مرحباً بك يا سيدنا لا فض الله فاك والتفت القوم كلهم إليها، وبدت عليهم الفرحة، هذه هي النساء والرجال تشد أزر رسولها في عزيمته، والبشر تطفح على وجوههم، والإيمان يقوى نفوسهم، ويدور همس بين القوم من المستبشرة؟ إنها (أم عمارة) يا رسول الله، ومعها لمة من نساء الأنصار يعرضن أنفسهن للنصرة جزاهن الله خيراً فليرجعن إلى أخبيتهن، ففي الرجال الكفاية. لقد اندفع أصحاب النبي إلى الاستعداد، فقد بلغ الأمر أن يتنازع الأب والابن على الخروج، يقول القائلون: تنازع سعد بن خيثمة مع أبيه ايهما يبقى مع النساء، فقال سعد لأبيه : إنه لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لارجو الشهادة في وجهي هذا، فقال خيثمة: آثرني وقر مع نسائك، فأبى سعد، فقال خيثمة: إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم، فأسهما، فخرج سهم سعد، فقتل ببدر ويتحدث المتحدثون - أيضاً - : أن عمير بن أبي وقاص كان صغيراً، فأخذ يتوارى عندما استعرض رسول الله أصحابه فقيل له: لماذا تعمل هكذا يا عمير؟ فقال: أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني، فيردني، وأنا احب الخروج، لعل الله يرزقني الشهادة، فعرض على رسول الله فاستصغره فقال له: ارجع، فبكى عمير، فأجازه. وكان يقصر له حمائل سيفه لصغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشر سنة. وأعلن رسول الله ساعة الرحيل في صباح لم تشرق فيه الشمس بعد من أيام رمضان في السنة الثانية للهجرة، وعددهم لم يتجاوز الثلاثمائة وخمسة أشخاص. قد ملكوا من الإبل سبعين بعيراً، وكانوا يتعاقبونها، حتى رسول الله، فقد أردف خلفه علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وذكر أن المقداد كان فارساً وكانت راية المهاجرين بيد علي بن أبي طالب، وراية الأنصار - من الأوس والخزرج - مع سعد بن معاذ وبعد قليل صاح رسول الله بأعلى صوته: سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم وعلى جانبي الطريق وقفت نساء المهاجرين والأنصار يودعن الركب الراحل بقلوب مفعمة بالإيمان والإجلال، وزغردات تبشر بالنصر والمجد ولم تمضِ أيام حتى تقابل الطرفان يستقبلان الحرب ورفع رسول الله يديه إلى السماء قائلاً (اللهم إنك أنزلت علي الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين وأنت لا تخلف الميعاد، اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تخاذل وتكذب رسولك. الله نصرك الذي وعدتني به). ودارت رحى الحرب سجالاً يجول إمام المسلمين علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب وغيرهما من أبطال المسلمين الأشاوس يكشفون الغبرة عن جه المسلمين، ويجندلون الأبطال من المشركين، وكانوا يكرون على الأعداء وعلي يصيح، وهو يضرب بطلاً من أبطالهم، خذها وأنا ابن أبي طالب، فيجيبه حمزة، وهو يشد على الفارس منهم ويجندله، ويصيح: خذها وأنا ابن عبد المطلب، وهكذا بقية المغاوير وما هي إلا فترة من الزمن حتى وضعت الحرب أوزارها وانتصر المسلمون ولاقى من المشركين حتفه كل من أبي جهل وأمية بن خلف، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وغيرهم من قادة المشركين. وانهزمت قريش هزيمة، حتى نقل عن عبد الله بن عمرو بن أمية قال: أخبرني من انكشف من قريش يومئذ منهزماً وأنه ليقول في نفسه: ما رأيت مثل هذا فر منه إلا النساء. وقال آخر: شهدت مع المشركين بدراً، وإني لأنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني، وكثرة من معنا من الخيل والرجل فانهزمت فيمن انهزمت فلقد رايتني، وإني لأنظر إلى المشركين في كل وجه، وإني لأقول في نفسي ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء... وطوت المعركة أنفاس عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة وأبي جهل، وأمية بن خلف وأمثال هؤلاء الطواغيت ولكن أبا سفيان لم يخمد، وهو رأس الفتنة، وزعيمهم وجن الليل، وقد هدأـ الأنفاس المتعبة من ثقل الحرب وهومت العيون، التي أرهقت من يوم عسير الحركة، دامي الوجه… فخرج رسول الله، ومن خلفه من أصحابه يحرسونه منهم {{علي، والمقداد}}، ووقف على البئر - الذي أمر فطرح به جثث المشركين - وقال {يا أهل القليب، يا عُتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل،ثم أتيى بأسماء بعض من كان منهم في القليب ـ : هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً.. يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني، وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً؟ فقال المسلمون: يا رسول الله، أتنادي قوماً قد أجيفوا قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني وعاد المسلمون إلى المدينة والنصر يرفرف عليهم، ولكن الأيام لم تدع المسلمين في راحة. فقريش لم تنم على ضيم، وبقيت تلاحق النبي كلما ساعدتها ظروفها من غزوة إلى أخرى، والمقداد الذي أخلص لنبيه، وآمن بدعوته، كان لساناً صادقاً له، وسيفاً مخلصاً في وجه أعدائه، لم تمنعه ما منعة عن مصاحبة نبيه في غزواته ولا تقاعس عن نصرته لحظة ما وآخي رسول الله بين المقداد، وبين عبدالله بن رواحة وقيل بينهوبين أبي ذر الغفاري وكان موقفه المشرف يتجلى مع سيدي ومولاي علي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول، فقد وفى له، يخوض غمار الموت دونه، ويدفع عنه الأخطار ما استطاع، وشهد فتح مصر ولم يتخلف عن واجبه الديني، فهو جندي في ساحة الميدان، وموجه في مضمار الدعوة وأمين على الرسالة يوم تزعزع الناس رحم الله المقداد، فقد كان من الضلاء النجباء، الكبار الأخيار من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ممن رعاهم بعنايته، حتى روي عنه أنه قال أكثر من مرة { أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم وهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان} وفي عام 33 لبي نداء ربه في أرضه بالجرف، وحمل إلى لمدينة فدفن بها وكان ابن سبعين
عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة (( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )) حديث شريف عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين الى الإسلام ، عرض عليه أبو بكر الإسلام فما غُـمَّ عليه الأمر ولا أبطأ ، بل سارع الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبايعه وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد المشركين ، هاجر الى الحبشة الهجـرة الأولى والثانيـة ، كما هاجر الى المدينـة مع المسلميـن وشهـد المشاهد كلها ، فأصيب يوم أُحُد بعشريـن جراحا إحداها تركت عرجا دائما في ساقه ، كما سقطت بعـض ثناياه فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه... وكان -رضي الله عنه- محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عَجَبه فقال ( لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا )...وكانت التجارة عند عبد الرحمن بن عوف عملاً وسعياً لا لجمع المال ولكن للعيش الشريف ، وهذا ما نراه حين آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار ، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع ،فقال سعد لعبد الرحمن ( أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا ، فانظر شطر مالي فخذه ، وتحتي امرأتان ، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها )...فقال عبد الرحمن ( بارك الله لك في أهلك ومالك ، دُلوني على السوق )...وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح... وكانت تجارة عبد الرحمن بن عوف ليست له وحده ، وإنما لله والمسلمون حقا فيها ، فقد سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول يوما ( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك )...ومنذ ذاك الحين وهو يقرض الله قرضـا حسنا ، فيضاعفـه الله له أضعافـا ، فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعا على أهله من بني زُهرة وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين ،وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام ، ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة... وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله ، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا حتى وصل للخليفة عثمان نصيبا من الوصية فأخذها وقال ( إن مال عبد الرحمن حلال صَفْو ، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة )...وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل ( أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله ، ثُلث يقرضهم ، وثُلث يقضي عنهم ديونهم ، وثلث يصِلَهم ويُعطيهم )...وخلّف بعده ذهبُ كثير ، ضُرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال... وفي أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال ، لكن سرعان ما تبين أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجَّها رجّا ، وسألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ( ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟)...وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له فَعَجِبَت أم المؤمنين ( قافلة تحدث كل هذه الرجّة ؟)...فقالوا لها ( أجل يا أم المؤمنين ، إنها سبعمائة راحلة )... وهزّت أم المؤمنين رأسها وتذكرت ( أما أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ( رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا )...ووصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن بن عوف ، فتذكر أنه سمع هذا الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة ، فحثَّ خُطاه الى السيدة عائشة وقال لها ( لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه )...ثم قال ( أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله )...ووزِّعَت حُمولة سبعمائة راحلة على أهل المدينة وما حولها... و وثراء عبد الرحمن -رضي الله عنه- كان مصدر إزعاج له وخوف ، فقد جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما ، فلما وقعت عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم قال ( استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكُـفّـن في بردة إن غطّت رأسه بدت رجلاه ، وإن غطّت رجلاه بدا رأسه ، واستشهد حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد له ما يُكَـفّـن فيه إلا بردة ، ثم بُسِـطَ لنا في الدنيا ما بُسـط ، وأعطينا منها ما أعطينا وإني لأخشى أن نكون قد عُجّلـت لنا حسناتنا )... كما وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى ، وسألوه ( ما يبكيك يا أبا محمد ؟)... قال ( لقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ، ما أرانا أخّرنا لما هو خير لنا )... ووفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا ، فقد قيل ( أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه ، ما استطاع أن يميزه من بينهم )... وكان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة لهم من بعده قائلا ( لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض )...وأشار الجميع الى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال ( والله لأن تُؤخذ مُدْية فتوضع في حَلْقي ، ثم يُنْفَذ بها إلى الجانب الآخر ، أحب إليّ من ذلك )...وفور اجتماع الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي أعطاه إياه عمر ، وجعل الأمر بين الخمسة الباقين ، فاختاروه ليكون الحكم بينهم وقال له علي -كرم الله وجهه- ( لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصفَك بأنك أمين في أهل السماء ، وأمين في أهل الأرض )...فاختار عبد الرحمن بن عوف ( عثمان بن عفان ) للخلافة ، ووافق الجميع على إختياره... وفي العام الثاني والثلاثين للهجرة جاد بأنفاسه -رضي الله عنه- وأرادت أم المؤمنين أن تخُصَّه بشرف لم تخصّ به سواه ، فعرضت عليه أن يُدفن في حجرتها الى جوار الرسول وأبي بكر وعمر ، لكنه استحى أن يرفع نفسه الى هذا الجوار ، وطلب دفنه بجوار عثمان بن مظعون إذ تواثقا يوما أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار صاحبه...وكانت يتمتم وعيناه تفيضان بالدمع ( إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال )...ولكن سرعان ما غشته السكينة واشرق وجهه وأرْهِفَت أذناه للسمع كما لو كان هناك من يحادثه ، ولعله سمع ما وعده الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( عبد الرحمن بن عوف في الجنة )...
أبوعبيدة بن الجراح أحد العشرة المبشرين بالجنة (( لكل أمة أمينا وأميننا أيتها الأمة أبوعبيدة عامر الجراح )) حديث شريف أبوعبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح الفهري...يلتقي مع النبي-صلى الله عليه وسلم- في أحد أجداده (فهر بن مالك)...وأمه من بنات عم أبيه...أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر 0 كان -رضي الله عنه- طويل القامة ، نحيف الجسم ، خفيف اللحية...أسلم على يد أبي بكر الصديق في الأيام الأولى للاسلام ، وهاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية ثم عاد ليشهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- المشاهد كلها... وفي غزوة بدر جعل أبو ( أبو عبيدة ) يتصدّى لأبي عبيدة ، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلمّا أكثر قصدَه فقتله ، فأنزل الله هذه الآية... قال تعالى ( لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليومِ الآخر يُوادُّون مَنْ حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءَ هُم أو أبناءَ هم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتبَ في قلوبهم الأيمان ")... ويقول أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-( لما كان يوم أحد ، ورمي الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر ، أقبلت أسعى الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وانسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا ، فقلت : اللهم اجعله طاعة ، حتى اذا توافينا الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اذا هو أبوعبيدة بن الجراح قد سبقني ، فقال ( أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )...فتركته ، فأخذ أبوعبيدة بثنيته احدى حلقتي المغفر ، فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته الأخرى فسقطت ، فكان أبوعبيدة في الناس أثرم )... وأرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- أباعبيدة بن الجراح أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشرة مقاتلا ، وليس معهم من الزاد سوى جراب تمر ، والسفر بعيد ، فاستقبل أبوعبيدة واجبه بغبطة وتفاني ، وراح يقطع الأرض مع جنوده وزاد كل واحد منهم حفنة تمر ، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم ، وعندما فرغ التمر راحوا يتصيدون ( الخبط ) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء ، غير مبالين الا بانجاز المهمة ، لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط... ولما قدم أهل نجران على النبي-صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه ان يرسل اليهم واحدا...فقال عليه الصلاة والسلام ( لأبعثن -يعني عليكم- أمينا حق امين )...فتشوف أصحابه رضوان الله عليهم يريدون أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها... ولكن لينطبق عليهم وصف النبي -صلى الله عليه و سلم- "أمينا حق امين" وكان عمر نفسه-رضي الله عليه-من الذين حرصوا على الامارة لهذا آنذاك...بل صار -كما قال يتراءى- أي يري نفسه - للنبي صلى الله عليه وسلم- حرصا منه -رضي الله عنه- أن يكون أمينا حق أمين...ولكن النبي صلى الله عليه وسلم- تجاوز جميع الصحابة وقال ( قم يا أباعبيدة )... كما كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يجود بأنفاسه ( لو كان أبوعبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فان سألني ربي عنه ، قلت : استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله )... وفي أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية الرومانية توفي أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- ، وتولى الخلافة بعده عمر -رضي الله عنه- ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد...وصل الخطاب الى أبىعبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد ( يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟)...فأجاب أبوعبيدة ( اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة )...وأصبح أبوعبيدة أمير الأمراء بالشام0 و ترامى الى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا ( يا أيها الناس ، اني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني بتقوى الا وددت أني في إهابه !!)... وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له ( من ؟)...قال ( أبوعبيدة بن الجراح )...وأتى أبوعبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه الى داره ، فلم يجد فيها من الأثاث شيئا ، الا سيفه وترسه ورحله ، فسأله عمر وهو يبتسم ( ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟)...فأجاب أبوعبيدة ( يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل )... وقد حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد "طاعون عمواس" وكان أبوعبيدة أمير الجند هناك... فخشي عليه عمر من الطاعون...فكتب اليه يريد أن يخلصه منه قائلا ( اذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح الامتوجها الي...واذا وصلك في الصباح ألا تمسي الا متوجها الي...فان لي حاجة اليك) وفهم أبوعبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وانه يريد أن ينقذه من الطاعون...فكتب الى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور اليه وقال ( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك وانما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم...فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين) ولما وصل الخطاب الى عمر بكى...فسأله من حوله ( هل مات أبوعبيدة ؟)...فقال ( كأن قد)...والمعنى أنه اذا لم يكن قد مات بعد والا فهو صائر الى الموت لا محالة...اذ لا خلاص منه مع الطاعون ... كان أبو عبيـدة -رضي الله عنه- في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا...مات أبوعبيـدة -رضي الله عنه- سنة (18) ثماني عشرة للهجرة في طاعون عمواس...وقبره في غور الأردن...رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى..
عبدالله بن عمر سيرة الإمام الزاهد مُعتزِل الفتن هو إمام من أئمة المسلمين . آتاه الله العلم ، فأخذ منه بِـحـظٍّ وافـر . ولذا لما أطلّت الفتنة بقرونها ولاّها ظهره واعتزلها ، رغبة فيما عند الله ، وطمعاً في سلعة الله الغالية . هو مِن صغار الصحابة رضي الله عنهم ، ومع ذلك صار عالماً من علماء الصحابة يُشار إليه بالبنان . إن تكلّم سُمِع كلامه ، وإن أفتى أُخِذ بقوله ، وإن قال صدق . فلله درّه . هو صحابي وابن صحابي رضي الله عنه وعن أبيه . وكفى بصحبة خير البشر وسيد ولد آدم فخراً ورفعة . مالت الدنيا بأقرانه ولم يمل مع مَن مال . اسمـه : عبدالله بن عمر بن الخطاب وكنيته : أبو عبد الرحمن قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله : الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي ثم المدني . أسلم وهو صغير ثم هاجر مع أبيه لم يحتلم واستُصغِر يوم أحد ، فأولّ غزواته الخندق ، وهو ممن بايع تحت الشجرة ، وأمه وأمّ أم المؤمنين حفصة زينب بنت مظعون ، أخت عثمان بن مظعون الجمحي . وقال : روى علما كثيراً نافعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن أبيه وأبي بكر وعثمان وعلي وبلال وصهيب وعامر بن ربيعة وزيد بن ثابت وزيد عمه وسعد وابن مسعود وعثمان بن طلحة وأسلم وحفصة أخته وعائشة وغيرهم . انتهى . وهو أحد الستة الذين هم أكثر الصحابة رواية ، وأحد العبادلة الأربعة ، وثانيهم ابن عباس ، وثالثهم عبد الله بن عمرو بن العاص ، ورابعهم عبد الله بن الزبير . وكان مُجاهداً منذ نعومة أظفاره . قال ابن عمر رضي الله عنهما : عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال ، وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فلم يُجزني ، وعرضني يوم الخندق وأنا بن خمس عشرة سنة ، فأجازني . رواه البخاري ومسلم . وشهِد فتح مكة وله عشرون سنة . وقدِم الشام والعراق والبصرة وفارِس غازياً . وشهِد فتح مصر . روى حجاج بن أرطاة عن نافع أن ابن عمر بارز رجلاً في قتال أهل العراق ، فقتله ، وأخذ سَلَبه . و كان رضي الله عنه عابداً كثير العبادة قال ابن عمر رضي الله عنهما : كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنت غلاماً شاباً ، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطيّ البئر ، وإذا لها قرنان ، وإذا فيها أناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار . قال : فلقينا مَلَك آخر فقال لي : لم ترع ، فقصصتها على حفصة ، فقصّتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : نِعْمَ الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل . فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا . رواه البخاري ومسلم . قال حبيب بن الشهيد : قيل لنافع : ما كان يصنع ابن عمر في منزله ؟ قال : لا تطيقونه ؛ الوضوء لكل صلاة ، والمصحف فيما بينهما . وقال نافع : كان ابن عمر لا يصوم في السفر ، ولا يكاد يفطر في الحضر . و كان رضي الله عنه زاهداً مُعرضاً عن الدنيا والافتتان بها . قال ابن مسعود رضي الله عنه : إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما . وقال : لقد رأيتنا ونحن متوافرون ، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من ابن عمر وقال حذيفة رضي الله عنه : ما مِنّـا أحد يُفتش إلا يُفتش عن جائفة أو منقلة إلا عمر وابنه . ( والجائفة هي الطعنة الواصلة للجوف ، والـمُنَقِّلـة وهي ما توضّح العظم وتهشمه ) قال ذلك كناية عن المعائب . وقال جابر رضي الله عنه : ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به إلا ابن عمر . وقالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر . وقال ميمون بن مهران : دخلت على ابن عمر فقوّمت كل شيء في بيته من أثاث ما يسوى مئة درهم ! وقال مولاه نافع : إنْ كان ابن عمر ليفرّق في المجلس ثلاثين ألفا ، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة لحم . وكان ابن عمر رضي الله عنهما مِن أكثر الناس اتّباعاً للسنة رضي الله عنه . وكان شديد الاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم ولذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تركنا هذا الباب للنساء . قال نافع : فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات . رواه أبو داود . وما رواه مسلم عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها . قال فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن . قال : فأقبل عليه عبد الله فسبّـه سـبّـاً سيئا ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : والله لنمنعهن ؟ رقّـة ابن عمر رضي الله عنهما : قال نافع : كان ابن عمر إذا قرأ : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) بكى حتى يغلبه البكاء . وروى عاصم بن محمد العمري عن أبيه قال : ما سمعت ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى . وقال يوسف بن ماهك : رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير ، وعبيد يقصّ ، فرأيت ابن عمر ودموعه تهراق . و عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه أنه تلا : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) فجعل ابن عمر يبكي حتى لثقت لحيته وجيبه من دموعه ، فأراد رجل أن يقول لأبي : أقصر فقد آذيت الشيخ . وكتب الحجاج إلى ابن عمر : بلغني أنك طلبت الخلافة ، وإنها لا تصلح لعيي ولا بخيل ولا غيور . فكتب إليه : أما ما ذكرت من الخلافة فما طلبتها وما هي من بالي ، وأما ما ذكرت من العي فمن جمع كتاب الله فليس بعيي ، ومن أدى زكاته فليس ببخيل ، وإن أحق ما غرت فيه ولدي أن يشركني فيه غيري ! لما أُريد ابن عمر على الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه أبـى ، وهرب على مكة فرضي الله عنه . قال حبيب بن أبي ثابت أن ابن عمر قال يوم دومة جندل : جاء معاوية على بختي عظيم طويل فقال : ومن الذي يطمع في هذا الأمر ويمدّ إليه عنقه ، قال ابن عمر : فما حدّثت نفسي بالدنيا إلا يومئذ ، هممت أن أقول : يطمع فيه من ضربك وأباك عليه ، ثم ذكرت الجنة ونعيمها فأعرضت عنه . قال ابن عمر رضي الله عنهما : دخلت على حفصة ونوساتها تنطف فقلت : قد كان من الناس ما ترين ، ولم يُجعل لي من الأمر شيء . قالت : فالحق بهم ، فإنهم ينتظرونك وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فُرقة ، فلم يرعه حتى ذهب قال : فلما تفرق الحكمان خطب معاوية فقال : من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إليّ قرنه ! فنحن أحق بذلك منه ومن أبيه . يُعرّض بابن عمر ! فقال له حبيب بن مسلمة : فهلا أجبته فداك أبي وأمي ؟ فقال ابن عمر : حللت حبوتي فهممت أن أقول : أحق بذلك منك من قاتلك وأباك على الإسلام ، فخشيت أن أقول كلمة تفرّق الجمع ، ويسفك فيها الدم ، فذكرت ما أعد الله في الجنان . رواه البخاري . وقال سلام بن مسكين : سمعت الحسن يقول : لما كان من أمر الناس ما كان زمن الفتنة أتوا ابن عمر فقالوا : أنت سيد الناس وابن سيدهم ، والناس بك راضون ، اخرج نبايعك . فقال : لا والله لا يُهراق فيّ محجمة من دم ، ولا في سببي ما كان فيّ روح . ويدلّ على إمامته هذه القصة : لما ابتنى معاوية بالأبطَح مجلسا جلس عليه ومعه ابنه قُرَظَة ، فإذا هو بجماعة على رحال لهم ، وإذا شاب منهم قد رفع عقيرته يتغنى : من يساجلني يساجل ما جداً *** يملأ الدلـو إلى عقد الكُرب قال : من هذا ؟ قالوا : عبدالله بن جعفر . قال : خلُّوا لـه الطريق . ثم إذا هو بجماعة فيهم غلام يتغنى : بينما يذكرنني أبصرنني *** عند قِيد الميل يسعى بي الأغر قلن تعرفن الفتى ؟ قلن : نعم *** قد عرفناه وهل يخفى القمر ؟ قال : من هذا ؟ قالوا : عمر بن أبي ربيعة . قال : خلُّوا لـه الطريق فليذهب . قال : ثم إذا هو بجماعة وإذا فيهم رجل يُسأل ، فيقال لـه : رميت قبل أن أحلق ؟ وحلقت قبل أن أرمي ؟ في أشياء أشكلت عليهم من مناسك الحج ، فقال : من هذا ؟ قالوا : عبد الله بنُ عمر ، فالتَفَتَ إلى ابنه قُرَظَة وقال : هذا الشرف . هذا والله شرف الدنيا والآخرة . قال الإمام مالك : كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر ، مكث ستين سنة يُفتي الناس . شِدّته في الحق : حدّث إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي عن أبيه عن ابن عمر أنه قام إلى الحجاج وهو يخطب فقال : يا عدو الله استُحلّ حرم الله ، وخرب بيت الله . فقال : يا شيخا قد خرّف ، فلما صدر الناس أمر الحجاج بعض مسوّدته فأخذ حربة مسمومة وضرب بها رجل ابن عمر ، فمرض ومات منها ، ودخل عليه الحجاج عائداً ، فسلم فلم يرد عليه ، وكلّمه ، فلم يُجبه . وروى ابن سيرين أن الحجاج خطب فقال : إن ابن الزبير بدّل كلام الله ، فعلم ابن عمر فقال : كذب ! لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت . قال الحجاج : إنك شيخ قد خرّفت الغد ! قال ابن عمر : أما إنك لو عدتَ عدتُ . وفاته رضي الله عنه : توفي رضي الله عنه سنة ثلاث وسبعين من الهجرة . وهو ابن خمس وثمانين سنة . فرضي الله عنه وأرضاه . اللهم إنا نُشهدك على حب عبد الله بن عمر ، وعلى حب أبيه من قبله ، فاحشرنا في زمرتهم عبد الله بن سلاَم سيرة الإمام العالم حبر اليهود وسيّدهم عندما يُريد الله هداية شخص فإن الله يشرح صدره ، ويُهيئ له أسباب ذلك . وقد اشتهرت يهود بشدّة العداوة لأمة الإسلام ولنبي الإسلام عليه الصلاة والسلام ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ ) ولذا فإنه لم يُسلم منهم إلا أُناس يُعدّون على الأصابع ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام : لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود . رواه البخاري ومسلم . فاليهود أهل عناد ومُكابرة ، وهم المغضوب عليهم وأريد أن أتناول سيرة رجل من يهود بني قينقاع بل هو عالم من علمائهم وسيّـد من ساداتهم ذلكم هو عبد الله بن سلاَم اسمه : عبد الله بن سلام بن الحارث كنيته : أبو يوسف من ذرية يوسف عليه السلام صحابي جليل ، وهو من بني إسرائيل ، بل هو من ذُريّـة يوسف الصديق عليه الصلاة والسلام . كان عبد الله يهودياً من يهود بني قينقاع ، فأراد الله به خيراً فأسلم . قال عنه الذهبي في السير : الإمام الحبر ، المشهود له بالجنة حليف الأنصار ، من خواص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . أسلم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . إســلامــه: لِنَدَعـه يُحدّثنا بقصته قال رضي الله عنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه ، وقيل : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت في الناس لأنظر إليه ، فلما استثبتُّ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، وكان أولُ شيء تكلم به أن قال : أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصَلُّـوا والناسُ نيام تدخلوا الجنة بسلام . رواه احمد والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح . ولا يعرف الفضل لأهله إلا أهل الفضل أسئلته للنبي صلى الله عليه وسلم لما عرف تيقّن أنه ليس بكذّاب أراد أن يسأله عن أشياء لا يعرفها إلا نبي روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : سَمِعَ عبدُ الله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف ، فأتى النبيَ صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : فما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينـزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال : أخبرني بهن جبريل آنفا . قال : جبريل ؟! قال : نعم . قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة ! فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ ) ثم قال : أما أولُ أشراط الساعة فنار تحشرُ الناس من المشرق إلى المغرب وأما أولُ طعامِ أهل الجنة فزيادة كبدِ حوت وإذا سبق ماءُ الرجل ماء المرأة نـزع الولد ، وإذا سبق ماءُ المرأة نزعت . قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ، يا رسول الله إن اليهود قومٌ بُهْت ، وإنـهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني . فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيُّ رجلٍ عبدُ الله فيكم ؟ قالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا . قال : أرأيتم إن أسلم عبدُ الله بن سلام ؟ فقالوا : أعاذه الله من ذلك ! فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . فقالوا : شرُّنا وابن شرِّنا وانتقصوه ! قال : فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله . وفي رواية للبخاري : جاء عبد الله بن سلام فقال : أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ ، فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبلوا فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق فأسلموا . قالوا : ما نعلمه . قال : فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : أفرأيتم إن أسلم ؟ قالوا : حاشى لله ما كان ليسلم ! قال : يا ابن سلام اخرج عليهم ، فخرج ، فقال : يا معشر اليهود اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله ، وأنه جاء بحق . فقالوا : كذبت فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفيه نزل قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) ولهذه الآية قصة فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يوما وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يومَ عيدٍ لهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا يشهدون أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يُحبط الله عن كلِّ يهوديٍ تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليه . قال : فأسكتوا ما جاء به منهم أحد . ثم رد عليهم فلم يجبه أحد . ثم ثلّث فلم يجبه أحد . فقال : أبيتم ! فوالله إني لأنا الحاشر وأنا العاقب وأنا النبي المصطفى آمنتم أو كذبتم . ثم انصرف وأنا معه حتى إذا كدنا أن نخرج فنادى رجل من خلفنا : كما أنت يا محمد . قال : فأقبل ، فقال ذلك الرجل : أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود ؟ قالوا : والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك ولا أفقه منك ولا من أبيك قبلك ولا من جدك قبل أبيك . قال : فإني أشهد له بالله إنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة . قالوا : كذبت . ثم ردوا عليه قوله وقالوا فيه شرا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كَذَبْتم لن يقبل الله قولكم . أمّا آنفا فتُثنون عليه من الخير ما أثنيتم ، ولما آمن كذّبتموه وقلتم فيه ما قلتم ، فلن يقبل الله قولكم . قال : فخرجنا ونحن ثلاثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وعبد الله بن سلام وأنزل الله عز وجل فيه الآية . أخرجه الإمام أحمد في المسند والحاكم في المستدرك وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في التلخيص وأخرجه ابن حبان والطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين . وهو حديث صحيح . فيُحتمل أن تكون القصة وقعت لفريقين من اليهود دون علم كلِّ فريق بما حصل للآخر ، وذلك أن رواية البخاري جاء فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم فجاءوا ، والرواية الأخرى أنه دخل عليهم كنيسة لهم في يوم عيد لهم . ومن فضائله : من فضائله رضي الله عنه أنه من المبشرين بالجنة فعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِىَ بقصعةٍ فأكل منها ففضلت فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجئ رجل من هذا الفج من أهل الجنة يأكل هذه الفضلة . قال سعْدٌ : وكنت تركت أخي عميراً يتوضأ . قال فقلت : هو عمير . قال : فجاء عبد الله بن سلام . رواه أحمد وغيره . وفي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض : إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام . قال : وفيه نزلت هذه الآية ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) الآية . وأنه ممن يؤتون أجورهم مرتين فعبدالله بن سلام من الذين يؤتون أجرهم مرتين . لقوله صلى الله عليه وسلم : ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت عنده أمةٌ يطؤها فأدبـها فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران . أخرجه البخاري ومسلم . وفيه _ أي في عبدالله بن سلام _ نـزل قوله تعالى : )وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) فعلى رأي بعض المفسرين أن الذي عنده علم من الكتاب هو عبد الله بن سلام . وأخرج البخاري ومسلم عن قيس بن عُبَاد قال : كنت جالسا في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع فقالوا : هذا رجل من أهل الجنة ، فصلى ركعتين تجوّز فيهما ثم خرج وتبعته فقلت : إنك حين دخلت المسجد قالوا : هذا رجل من أهل الجنة . قال : والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم ، وسأحدثك لم ذاك رأيت رؤيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه ورأيت كأني في روضة _ ذَكَرَ من سَعتها وخضرتـها _ وسَطَها عمودٌ من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عُروة ، فقيل لي : ارقـه . قلت : لا أستطيع . فأتاني منصف _ والمنصف الخادم _ فرفع ثيابي من خلفي فرَقَيْتُ حتى كنت في أعلاها ، فأخذت بالعروة فقيل لي استمسك فاستيقظت وإنـها لفي يدي فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : تلك الروضة الإسلام ، وذلك العمود عمود الإسلام ، وتلك العروة العروة الوثقى ، فأنت على الإسلام حتى تموت . قال الراوي : وذاك الرجل عبد الله بن سلام . ومن مناقبه رضي الله عنه أنه نصر عثمان يوم الدار . وفاته : توفي رضي الله عنه بالمدينة سنة ثلاث وأربعين . فرضي الله عنه وأرضاه هذا شيء من خبره رضي الله عنه ، وهو من علماء أهل الكتاب ولكنه عرف الحق واتّـبـعه ثم قارن هذا الموقف منه رضي الله عنه بموقف آخر لعالم من علماء اليهود وقد عرف الحق أيضا ذلكم هو شيطان بني النضير حُيي بن أخطب ، فقد حدّثت عنه ابنته صفية – رضي الله عنها – فقالت : كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولدٍ لهما إلا أخذاني دونه . قالت : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حُيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس ، فأتيا كالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا قالت : فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت إلي واحد منهما مع ما بهما من الغمّ . قالت : وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حُيي بن أخطب : أهو هو ؟ قال : نعم والله قال :أتعرفه وتثبته ؟ قال : نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ! رواه ابن إسحاق في السيرة فيما ذكره ابن هشام . فكلهم صدّقوا وعرفوا أنه النبي الذي يجدونه عندهم في التوراة ولكن من عرف وأقر وتابع نجا ومن عرف ولم يُتابع ولم يُقرّ فما له من نجاة . سلمان الفارسي رضي الله عنه، يكنى أبا عبد الله، من أصبهان من قرية يقال لها جي وقيل من رامهرمز، سافر يطلب الدين مع قوم فغدروا به فباعوه لرجل من اليهود ثم إنه كوتب فأعانه النبي في كتابته، أسلم مقدم النبي المدينة، ومنعه الرق من شهود بدر وأحد، وأول غزاة غزاها مع النبي الخندق، وشهد ما بعدها وولاه عمر المدائن. عن عبد الله بن العباس قال: حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلا فارسيًّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جي، وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال: فشغل في بنيان له يومًا فقال لي يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الذي نحن عليه فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت يا أبه مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قلت كلا والله إنه لخير من ديننا، قال فخافني فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته، قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام تجارًا من النصارى فأخبروني بهم، قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال فأخبروني بقدوم تجار فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، قال فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم ألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا الأسقف في الكنيسة، قال فجئته فقلت إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك قال فادخل، فدخلت معه، قال فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئًا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب، قال وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع، قال ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا قالوا وما علمك بذلك؟ قلت أنا أدلكم على كنزه، قالوا فدلنا عليه، قال فأريتهم موضعه، قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقا، قال فلما رأوها قالوا والله لا ندفنه أبدًا، قال فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارًا منه، قال فأحببته حبًّا لم أحبه من قبله فأقمت معه زمانًا ثم حضرته الوفاة قلت له يا فلان، إني كنت معك فأحببتك حبًّا لم أحبه أحداً من قبلك وقد حضرتك الوفاة فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره، قال فقال لي أقم عندي، قال فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له يا فلان إن فلانًا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئت فأخبرته بما جرى وما أمرني به صاحبي، قال فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان، إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني قال أي بني، والله ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته فإنه على مثل أمرنا، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال أقم عندي فأقمت عند رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال وكنت اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة، قال ثم نزل به أمر الله عز وجل فلما حضر قلت له يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني لرجل من يهود فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي، فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال، فلانُ قاتلَ اللهُ بني قيلة! والله، إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم زعم أنه نبي، قال فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي، قال ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة وقال ما لك ولهذا أقبل على عملك، قال قلت لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال، وقد كان شيء عندي قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، قال فقربته إليه فقال رسول الله لأصحابه كلوا وأمسك يده هو فلم يأكل، قال فقلت في نفسي هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا وتحول رسول الله إلى المدينة ثم جئته به فقلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال فقلت في نفسي هاتان اثنتان، قال ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رآني رسول الله استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، قال فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال رسول الله تحول فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس فأعجب رسول الله أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله بدر وأحد، قال ثم قال لي رسول الله كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية فقال رسول الله لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمسة عشر والرجل بعشرة والرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي، قال ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله بيده فوا الذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة فأديت النخل فبقي علي المال، فأتى رسول الله بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما فعل الفارسي المكاتب قال فدُعِيْتُ له، قال فخذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان، قال قلت وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك، قال فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله الخندق ثم لم يفتني معه مشهد. رواه الإمام أحمد. وعن أنس قال: قال رسول الله: السُبَّاق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة. وعن ثابت البناني أن أبا الدرداء ذهب مع سلمان يخطب عليه امرأة من بني ليث فدخل فذكر فضل سلمان وسابقته وإسلامه وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة فقالوا أما سلمان فلا نزوجه ولكنا نزوجك، فتزوجها ثم خرج فقال له إنه قد كان شيء وأنا أستحيي أن أذكره لك قال وما ذاك فأخبره الخبر فقال سلمان أنا أحق أن أستحيي منك أن أخطبها وقد قضاها الله لك رضي الله عنهما. وعن الحسن قال كان عطاء سلمان الفارسي خمسة آلاف وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها فإذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يديه. وعن أبي قلابة أن رجلا دخل على سلمان وهو يعجن فقال: ما هذا؟ قال: بعثنا الخادم في عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين، ثم قال: فلان يقرئك السلام قال: متى قدمت، قال: منذ كذا وكذا فقال أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدها. رواه أحمد. وعن أبي ليلى الكندي قال: قال غلام سلمان لسلمان: كاتبني، قال: ألك شيء قال: لا، قال: فمن أين؟ قال: أسأل الناس، قال: تريد أن تطعمني غسالة الناس. عن ثابت قال: كان سلمان أميرًا على المدائن فجاء رجل من أهل الشام ومعه حمل تبن وعلى سلمان عباءة رثة فقال لسلمان: تعال احمل وهو لا يعرف سلمان فحمل سلمان فرآه الناس فعرفوه فقالوا هذا الأمير فقال: لم أعرفك!! فقال سلمان إني قد نويت فيه نية فلا أضعه حتى أبلغ بيتك. وعن ميمون بن مهران عن رجل من عبد القيس قال: رأيت سلمان في سرية وهو أميرها على حمار عليه سراويل وخدمتاه تذبذبان والجند يقولون قد جاء الأمير قال سلمان: إنما الخير والشر بعد اليوم. وعن أبي الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان فقال سلمان: لكني خلقت من نطفة قذرة ثم أعود جيفة منتنة ثم يؤدى بي إلى الميزان فإن ثقلت فأنا كريم وإن خفت فأنا لئيم. وعن أبي الأسود الدؤلي قال: كنا عند علي ذات يوم فقالوا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن سلمان، قال: من لكم بمثل لقمان الحكيم! ذلك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والآخر، بحر لا ينزف. وأوصى معاذ بن جبل رجلا أن يطلب العلم من أربعة سلمان أحدهم. وعن أبي سفيان عن أشياخه قال: ودخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله توفي رسول الله وهو عنك راض وترد عليه الحوض؟ قال فقال سلمان: أما إني ما أبكي جزعًا من الموت ولا حرصًا على الدنيا ولكن رسول الله عهد الينا فقال لتكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب وحولي هذه الأساود، وإنما حوله إجانة أو جفة أو مطهرة، قال فقال له سعد: يا أبا عبد الله، اعهد الينا بعهد فنأخذ به بعدك، فقال: يا سعد، اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند بذلك إذا قسمت. وقال أهل العلم بالسير: كان سلمان من المعمرين وتوفي بالمدائن في خلافة عثمان وقيل مات سنة ثنتين وثلاثين. صهيب بن سنان بن مالك ويقال خالد بن عبد عمرو بن عقيل ويقال طفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن زيد مناة بن النمر بن قاسط النمري أبو يحيى وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم وهو الرومي قيل له ذلك لأن الروم سبوه صغيرا قال بن سعد وكان أبوه وعمه على الأبلة من جهة كسرى وكانت منازلهم ... " الإصابة " ( 3 / 449 ) . قال ابن تغري بردي : وفيها توفي صهيب بن سنان بن مالك الرومي سبَته الروم فجلب إلى مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي وقيل بل هرب من الروم فقدم مكة وحالف ابن جدعان وكان صهيب من السابقين الأولين شهد بدرا والمشاهد كلها روى عنه أولاده حبيب وزياد وحمزة وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وكعب الأحبار وكنيته أبو يحيى توفي بالمدينة في شوال ونشأ صهيب بالروم فبقيت فيه عجمة . " النجوم الزاهرة " ( 1 / 117 ) . قال ابن عدي : ومنهم صهيب بن سنان الرومي ، ولم يكن روميا وإنما نسب إليهم لأنهم سبوه وباعوه وقيل لأنه كان أحمر اللون وهو من نمر بن قاسط كناه رسول الله أبا يحيى قبل أن يولد له . " الكامل " ( 1 / 590 ) . توفي في شوال سنة 38 هـ والله الهادي وهذه فائدة جديدة وهي : تصريح صهيب الرومي بنسبه ، والرد على عمر بن الخطاب الذي ظن أنه ليس من العرب ! عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لصهيب رضي الله عنهما لولا ثلاث خصال فيك لم يكن بك بأس ، قال : وما هن فوالله ما نراك تعيب شيئا ؟ قال : اكتناؤك بأبي يحيى وليس لك ولد . وادعاؤك إلى النمر بن قاسط وأنت رجل ألكن وأنك لا تمسك المال قال : أما اكتنائي بأبي يحيى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بها فلا أدعها حتى ألقاه . وأما ادعائي إلى النمر بن قاسط فإني امرؤ منهم ولكن استرضع لي بالأيلة فهذه اللكنة من ذاك وأما المال فهل تراني أنفق إلا في حق رواه أحمد ( 18463 ) وصححه شيخنا الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 44 ) . وفيه نزل قال الله تعالى:" ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد". نزلت هذه الآية الكريمة في صهيب الرومي رضي الله عنه، حينما تخلى للمشركين في مكة عن كل مايملك مقابل أن يخلون سبيله ليلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، احتجزوه ومنعوه من الهجرة وقال قائلهم ياصهيب جئتنا صعلوكاً لاتملك شيئاً، وأنت اليوم ذو مال كثير! - يساومونه- فقال لهم رضي الله عنه: أرأيتم إن دللتكم على مالي هل تخلون سبيلي؟ قالوا : نعم . فدلهم على ماله بمكة ثم انطلق مهاجراً في سبيل الله لايلوي علىشيء تاركاً كل مايملك خلف ظهره وهاجرا إلى الله ورسوله ، فلما وصل المدينة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له عليه الصلاة والسلام مهنيئاً له على حسن صنيعه: "ربح البيع أبا يحيى ربح البيع " فلله در صهيب شرى نفسه طلباً لرضوان الله تعالى. هكذا تكون التضحية وإلا فلا ! هذا صهيب وهذا فعله الذي غدا قرآناً يتلى إلى يوم القيامة -------------------------------------------------------------------------------- بلال بن رباح هو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخازنه على بيت ماله، أبو عبد الله. كان أبوه من سبي الحبشة، وأمه (حمامة) سبية أيضا. اشتراه أمية بن خلف الجمحي، وكان يعذبه بحر الرمضاء بعد إسلامه، فاشتراه منه أبو بكر وأعتقه. كان من السبعة الأوائل الذين أظهروا الإسلام، لما شرع الأذان بالمدينة كان هو الذي يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يتناوب الأذان مع ابن أم مكتوم كان ندي الصوت فصيحا. أذن يوم فتح مكه على ظهر الكعبة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. ولما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الأذان، شهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم وخرج إلى الشام مجاهدا، ولما قدم عمر بن الخطاب إلى الشام أذن بين يديه لصلاة الظهر فانتحب الناس بالبكاء ،توفي في دمشق وقيل في حلب . - مولى أبي بكر الصديق . - وهو مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم . - من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله . - شهد بدراً ، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم على التعيين بالجنة . - عاش بضعاً وستين سنة . - يقال : إنه حبشي ، وقيل : من مولدي الحجاز. - وفي وفاته أقوال : أحدها بداريّا ، في سنة عشرين . - عن زر عن عبد الله : أول من أظهر إسلامه سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر ، وعمّار ، وأمه سمية ، وبلال ، وصهيب ، والمقداد ، فأما النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فمنعهما الله بقومهما ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون ، فألبسوهم أدراع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فما منهم من أحد إلا واتاهم على ما أرادوا إلا بلال ، فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأعطوه الولدان ، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول أحدٌ أحد. - عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لبلال عند صلاة الصبح: ( حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام ، فإني قد سمعت الليلة خشفة نعليك بين يديّ في الجنة ) ، قال: ما عملت عملاً أرجى من أني لم أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت لربي ما كُتب لي أن أصلي . - عن جابر قال عمر : أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً سيدنا. - عن قيس قال: اشترى أبو بكر بلالاً ، وهو مدفون في الحجارة ، بخمس أواق ذهباً ، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناكه ، قال: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته. - عن سعد قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون : اطرد هؤلاء عنك فلا يجترؤون علينا ، وكنت أنا وابن مسعود وبلال ورجل من هذيل وآخران ، فأنزل الله ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم) الآيتين ( الأنعام 53،52) . - قالت عائشة : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال ، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول: كل امريءٍ مُصبح في أهله .............. والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعـري هل أبيتن ليلة .................. بواد وحولي إذخر وجليل وهـل أرِدن يومـاً مياه مجنـة ................. وهل يبدون لي شامة وطفيل اللهم العن عتبة ، وشيبة ، وأمية بن خلف ، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء . - عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اشتاقت الجنة إلى ثلاثة: علي وعمّار وبلال) . - عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : قدمنا الشام مع عمر ، فأذن بلال ، فذكر الناس النبي صلى الله عليه وسلم فلم أر يوماً أكثر باكياً منه. - عن أبي الدرداء قال: لما دخل عمر الشام سأل بلال أن يُقره به ، ففعل ، قال: وأخي أبو رُويحة الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينه ، فنزل بداريا في خولان فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان ، فقالوا : إنا قد أتيناكم خاطبين ، وقد كنا كافرين فهدانا الله ، ومملوكين فأعتقنا الله ، وفقيرين فأغنانا الله ، فإن تُزوجونا فالحمد لله ، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله ، فزوجهما. - عن يحيى بن سعيد قال: ذكر عمر فضل أبى بكر ، فجعل يصف مناقبه ، ثم قال: وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته. - قال سعيد بن عبد العزيز : لما احتضر بلال قال : غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه، قال: تقول امرأته: واويلاه ! فقال: وافرحاه! عمار بن ياسر ( 57 ق هـ - 37 هـ / 567 - 657 م ) عمّار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي العنسي , أبو اليقظان صحابي , من الولاة الشجعان ذوي الرأي . وهو أحد السابقين الى الاسلام والجهر به . خرج ياسر بن عامر، والد (عمار) من بلده في اليمن يطلب أخا له، ويبحث عنه.. وفي مكة طاب له المقام، فاستوطنها محالفا أبا حذيفة بن المغيرة.. وزوجه ابو حذيفة احدى امائه (سمية بنت خياط).. ومن هذا الزواج المبارك رزق الله الابوين (عمارا).. وكان اسلامهم مبكرا.. شأن الابرار الذين هداهم الله.. وشأن الابرار المبكرين ايضا، اخذوا نصيبهم الاوفى من عذاب قريش واهوالها.. ووكل امر تعذيبهم الى بني مخزوم، يخرجون بهم جميعا.. ياسر وسمية وعمار كل يوم الى رمضاء مكة الملتهبة، ويصبون عليهم من حميم العذاب ألوانا وفنونا. بشارة الرسول عليه السلام لآل ياسر بالجنة أخبرنا مسلم عن إبراهيم قال أخبرنا هشام الدستوائي قال حدثنا أبو الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مر بآل عمار وهم يعذبون فقال لهم : أبشروا آل عمار فإن موعدكم الجنة. رواه ابن سعد . هاجر الى المدينة , وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان . كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقبه ( الطيب المطيّب ) . وفي الحديث ماخير عمار بين أمرين الا اختار أرشدهما . عن الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه.رواه النسائي وعن عطاء بن يسار عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما.رواه الترمذي حدثنا خالد عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولعلي بن عبد الله ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يسقيانه فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس فقال كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار وقال ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار.رواه ولاّه عمر بن الخطاب الكوفة فأقام بها زمنا وعزل عنها شهد الجمل وصفين مع علي وقتل في معركة صفين وعمره ثلاثة وتسعون عاما . له اثنان وستون حديثاً . حذيفة بن اليمان ( رضوان الله عليه ) حذيفة بن اليَمان بن جابر العبسي وكنيته أبا عبد الله وكان صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، جاء حذيفة هو وأخـوه ووالدهمـا الى رسـول الله واعتنقوا الإسلام ولقد نما -رضي الله عنه- في ظل هذا الديـن ، وكانت له موهبـة في قراءة الوجوه و السرائر ، فعاش مفتوح البصر والبصيرة على مآتي الفتن ومسالك الشرور ليتقيها ، فقد جاء الى الرسول يسأله ( يا رسول الله ان لي لسانا ذربا على أهلي وأخشى أن يدخلني النار )000فقال له النبي ( فأين أنت من الاستغفار ؟؟000اني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة )000هذا هو حذيفة -رضي الله عنه-000 لم يشهد بدراً ، وشهد اُحداً وما بعدها من المشاهد ، وكان أحد الذين ثبتوا على العقيدة . ويوم غزوة أحد كان في ايمانه -رضي الله عنه- وولائه قويا ، فها هو يرى والده يقتل خطأ يوم أحد بأيدي مسلمة ، فقد رأى السيوف تنوشه فصاح بضاربيه ( أبي ، أبي ، انه أبي !!)000ولكن أمر الله قد نفذ ، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن والوجوم ، لكنه نظر اليهم اشفاقا وقال ( يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين )000ثم انطلق بسيفه يؤدي واجبه في المعركة الدائرة000وبعد انتهاء المعركة علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك ، فأمر بالدية عن والد حذيفة ( حسيل بن جابر ) ولكن تصدق بها حذيفة على المسلمين ، فزداد الرسول له حبا وتقديرا عندما دب الفشل في صفوف المشركين وحلفائهم واختلف أمرهم وفرق الله جماعتهم ، دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان ، وكان الطقس باردا والقوم يعانون من الخوف والجوع ، وقال له ( يا حذيفة ، اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا !)000فذهب ودخل في القوم ، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لاتقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء ، فقام أبوسفيان فقال ( يا معشر قريش ، لينظر امرؤ من جليسه ؟)000قال حذيفة ( فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت : من أنت ؟00قال : فلان بن فلان )000فأمن نفسه في المعسكر ، ثم قال أبو سفيان ( يا معشر قريش ، انكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنوقريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل)000ثم نهض فوق جمله، وبدأ المسير، يقول حذيفة ( لولا عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الي الا تحدث شيئا حتى تأتيني ، لقتلته بسهم )000وعاد حذيفة الى الرسول الكريم حاملا له البشرى000 خوفه من الشر كان حذيفة -رضي الله عنه- يرى أن الخير واضح في الحياة ، ولكن الشر هو المخفي ، لذا فهو يقول (000 كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني000 قلت ( يا رسول الله ، انا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟)000قال ( نعم )000 قلت ( فهل من بعد هذا الشر من خير ؟)000قال ( نعم ، وفيه دخن )000 قلت ( وما دخنه ؟)000قال ( قوم يستنون بغير سنتي ، ويهتدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر )000 قلت ( وهل بعد ذلك الخير من شر ؟)000قال ( نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم اليها قذفوه فيها )000 قلت ( يا رسول الله ، فما تأمرني ان أدركني ذلك ؟)000قال ( تلزم جماعة المسلمين وامامهم )000 قلت ( فان لم يكن لهم جماعة ولا امام ؟)000قال ( تعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )000 المنافقون كان حذيفة -رضي الله عنه- يعلم أسماء المنافقين ، أعلمه بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وسأله عمر ( أفي عمّالي أحدٌ من المنافقين ؟)000قال ( نعم ، واحد )000قال ( مَن هو ؟)000قال ( لا أذكره )000قال حذيفة ( فعزله كأنّما دُلَّ عليه )000 وكان عمر إذا مات ميّت يسأل عن حذيفة ، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر ، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر000 آخر ما سمع من الرسول عن حذيفة قال ( أتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي توفاه الله فيه ، فقلت ( يا رسول الله ، كيف أصبحت بأبي أنت وأمي ؟!)000فردَّ عليّ بما شاء الله ثم قال ( يا حذيفة أدْنُ منّي )000فدنوتُ من تلقاء وجههِ ، قال ( يا حُذيفة إنّه من ختم الله به بصومِ يومٍ ، أرادَ به الله تعالى أدْخَلَهُ الله الجنة ، ومن أطعم جائعاً أراد به الله ، أدخله الله الجنة ، ومن كسا عارياً أراد به الله ، أدخله الله الجنة )000قلتُ ( يا رسول الله ، أسرّ هذا الحديث أم أعلنه )000قال ( بلْ أعلنْهُ )000فهذا آخر شيءٍ سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)000 أهل المدائن خرج أهل المدائن لاستقبال الوالي الذي اختاره عمر -رضي الله عنه- لهم ، فأبصروا أمامهم رجلا يركب حماره على ظهره اكاف قديم ، وأمسك بيديه رغيفا وملحا ، وهويأكل ويمضغ ، وكاد يطير صوابهم عندما علموا أنه الوالي -حذيفة بن اليمان- المنتظر ، ففي بلاد فارس لم يعهدوا الولاة كذلك ، وحين رآهم حذيفة يحدقون به قال لهم ( اياكم ومواقف الفتن )000قالوا ( وما مواقف الفتن يا أبا عبدالله ؟)000 قال ( أبواب الأمراء ، يدخل أحدكم على الأمير أو الوالي ، فيصدقه بالكذب ، ويمتدحه بما ليس فيه )000فكانت هذه البداية أصدق تعبير عن شخصية الحاكم الجديد ، ومنهجه في الولاية معركة نهاوند في معركة نهاوند حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفا ، اختار أمير المؤمنين عمر لقيادة الجيوش المسلمة ( النعمان بن مقرن ) ثم كتب الى حذيفة أن يسير اليه على رأس جيش من الكوفة ، وأرسل عمر للمقاتلين كتابه يقول ( اذا اجتمع المسلمون ، فليكن كل أمير على جيشه ، وليكن أمير الجيوش جميعا ( النعمان بن مقرن ) ، فاذا استشهد النعمان فليأخذ الراية حذيفة ، فاذا استشهد فجرير بن عبدالله )000وهكذا استمر يختار قواد المعركة حتى سمى منهم سبعة000 والتقى الجيشان ونشب قتال قوي ، وسقط القائد النعمان شهيدا ، وقبل أن تسقط الراية كان القائد الجديد حذيفة يرفعها عاليا وأوصى بألا يذاع نبأ استشهاد النعمان حتى تنجلي المعركة ، ودعا ( نعيم بن مقرن ) فجعله مكان أخيه ( النعمان ) تكريما له ، ثم هجم على الفرس صائحا ( الله أكبر : صدق وعده ، الله أكبر : نصر جنده )000ثم نادى المسلمين قائلا ( يا أتباع محمد ، هاهي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم ، فلا تطيلوا عليها الانتظار )000وانتهى القتال بهزيمة ساحقة للفرس000 وكان فتح همدان والريّ والدينور على يده ، وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين ، وتزوّج فيها000 اختياره للكوفة أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغا ، فكتب عمر لسعد بن أبي وقاص كي يغادرها فورا بعد أن يجد مكانا ملائما للمسلمين ، فوكل أمر اختيار المكان لحذيفة بن اليمان ومعه سلمان بن زياد ، فلما بلغا أرض الكوفة وكانت حصباء جرداء مرملة ، قال حذيفة لصاحبه ( هنا المنزل ان شاء الله )0 وهكذا خططت الكوفة وتحولت الى مدينة عامرة ، وشفي سقيم المسلمين وقوي ضعيفهم 000 فضله قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( ما من نبي قبلي إلا قد أعطيَ سبعة نُجباء رفقاء ، وأعطيتُ أنا أربعة عشر : سبعة من قريش : عليّ والحسن والحسين وحمزة وجعفر ، وأبو بكر وعمر ، وسبعة من المهاجرين : عبد الله ابن مسعود ، وسلمان وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال )000 رضوان الله عليهم000 قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( استخلفتَ )000فقال ( إنّي إنْ استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم ، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة فصدِّقوه ، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه )000 قال عمر بن الخطاب لأصحابه ( تمنّوا )000فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا فيه مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل الله ، فقال عمر ( لكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان ، فأستعملهم في طاعة الله عزّ وجلّ )000ثم بعث بمال إلى أبي عبيدة وقال ( انظر ما يصنع )000فقسَمَهُ ، ثم بعث بمالٍ إلى حذيفة وقال ( انظر ما يصنع )000فقَسَمه ، فقال عمر ( قد قُلتُ لكم )000 من أقواله لحذيفة بن اليمان أقوالاً بليغة كثيرة ، فقد كان واسع الذكاء والخبرة ، وكان يقول للمسلمين ( ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة ، ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا ، ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه )000 يقول حذيفة ( أنا أعلم النّاس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة ، وما بي أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسرَّ إليَّ شيئاً لم يحدِّث به غيري ، وكان ذكر الفتنَ في مجلس أنا فيه ، فذكر ثلاثاً لا يذَرْنّ شيئاً ، فما بقي من أهل ذلك المجلس غيري )000 كان -رضي الله عنه- يقول ( ان الله تعالى بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم-فدعا الناس من الضلالة الى الهدى ، ومن الكفر الى الايمان ، فاستجاب له من استجاب ، فحيى بالحق من كان ميتا ، ومات بالباطل من كان حيا ، ثم ذهبت النبوة وجاءت الخلافة على منهاجها ، ثم يكون ملكا عضوضا ، فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه ، أولئك استجابوا للحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه ، كافا يده ، فهذا ترك شعبة من الحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ، كافا يده ولسانه ، فهذا ترك شعبتين من الحق ، ومنهم من لاينكر بقلبه ولا بيده ولا بلسانه ، فذلك ميت الأحياء )000 ويتحدث عن القلوب والهدى والضلالة فيقول ( القلوب أربعة : قلب أغلف ، فذلك قلب كافر000وقلب مصفح ، فذلك قلب المنافق 000وقلب أجرد ، فيه سراج يزهر ، فذلك قلب المؤمن000وقلب فيه نفاق و ايمان ، فمثل الايمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب000ومثل المنافق كمثل القرحة يمدها قيح ودم ، فأيهما غلب غلب )000 مقتل عثمان كان حذيفة -رضي الله عنه- يقول ( اللهم إنّي أبرأ إليك من دم عثمان ، والله ما شهدتُ ولا قتلتُ ولا مالأتُ على قتله )000 وفاته لمّا نزل بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً وبكى بكاءً كثيراً ، فقيل ( ما يبكيك ؟)00فقال ( ما أبكي أسفاً على الدنيا ، بل الموت أحب إليّ ، ولكنّي لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ )000 ودخل عليه بعض أصحابه ، فسألهم ( أجئتم معكم بأكفان ؟)000قالوا ( نعم )000قال ( أرونيها )000فوجدها جديدة فارهة ، فابتسم وقال لهم ( ما هذا لي بكفن ، انما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص ، فاني لن أترك في القبر الا قليلا ، حتى أبدل خيرا منهما ، أو شرا منهما )000ثم تمتم بكلمات ( مرحبا بالموت ، حبيب جاء على شوق ، لا أفلح من ندم )000وأسلم الروح الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائن ، وبعد مَقْتلِ عثمان بأربعين ليلة000 ابو هريرة اكثر من روى الحديث عن رسول الله انه احد اعلام الصحابة الرواة الذين اسهموا في حفظ الشريعة ونشرها بين المسلمين كان اكثر من روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه ثمانمائة مسلم بين صحابي وتابع. اسمه عبدالرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم ينتهي نسبه الى الازو اعظم واشهر قبائل العرب كان اسمه في الجاهلية عبد شمس فلما اعتنق الاسلام سماه الرسول عليه الصلاة والسلام عبدالرحمن اشتهر بكنيته (ابو هريرة) حتى غلبت على اسمه فكاد ينسى. سئل ابوهريرة لماذا؟ كنيت بذلك قال ابو هريرة لاني وجدت هرة فحملتها في كمي فقيل لي ابوهريرة ولد ابو هريرة في اليمن ونشأ فيها يرعى الغنم لاهله ويخدمهم وقد توفي والده وهو صغير فنشأ يتيماً وقاسى شظف العيش حتى مَنّ الله عليه بالاسلام على يد الطفيل بن عمرو . فهاجر الى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه اربع سنوات في حله وترحاله. عريف اهل الصفة: كان يدخل بيت النبي ويحضر مجالسه وقد اتخذ الصفة مقاما وجعله النبي عريف اهل الصفة. اذا اراد ان يجمعهم لطعام يطلب من ابي هريرة ان يجمعهم لانه اعرف بهم وبمنازلهم. وكان ابوهريرة يحب النبي حبا شديدا حدث ان رفع الرسول الدرة ليضرب بها اباهريرة فقال ابو هريرة لان يضربني بها احب اليّ من حمر النعم. وكان ابو هريرة يقتدي بالنبي في كل اعماله ويحذر الناس من الانغماس في ملاذ الدنيا وشهواتها. لا يفرق في ذلك بين غني وفقير أو بين حاكم ومحكوم. يرشد الناس الى الحق والصواب. مر ذات يوم بقوم يتوضأون فقال لهم اسبغوا الوضوء فاني سمعت ابا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل للاعقاب من النار». ومما يقوله ابو هريرة : «ان اهل الصفة هم ضيوف الرحمن لا اهل لهم ولا مال. اذا اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسلها اليهم ولم يصب منها شيئا واذا جاءته هدية اصاب منها واشركهم فيها. يقول امام التابعين سعيد بن المسيب: رأيت ابا هريرة يطوف بالسوق. ثم يأتي اهله فيقول: هل عندكم من شئ؟ فان قالوا: لا قال: اني صائم. كان زاهدا في الدنيا ويكتفي من الطعام بسد رمقه - فقد صبر على الفقر طويلا. حتى رزقه الله مالا وفيرا- وكان دائما يذكر ايام فقره ويدعو الناس الى الصبر والشكر ومر ابو هريرة ذات يوم بقوم يذبحون شاة. فدعوه الى تناول الطعام معهم فأبى وقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير قط. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث ابا هريرة مع العلاء الحضرمي الى البحرين لينشرا الاسلام فيها ويفقها الناس في امور دينهم فأنجزا هذه المهمة خير انجاز. ولما تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة جعل ابا هريرة عاملاً على البحرين وقد عينه معاوية بن ابي سفيان واليا على المدينة فترة من الزمن وكان يقول له: نعم الامير انت يا ابا هريرة. فقد كان وهو امير المدينة يمر في السوق حاملا الحطب عل ظهره حتى ان احد المسلمين عرض عليه ان يحمل عنه الحطب فرفض وقال لست افضل من احد فيكم. الصحيفة الصحيحة: كان ابو هريرة يحفظ ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ظهر قلب. كما كان يدعو الناس الى حفظ القرآن الكريم واحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد حفظ التاريخ وثيقة علمية قيمة تضمنت ما املاه ابو هريرة على تلميذه همام بن منبه احد اعلام التابعين التقاة الذين التفوا حول الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه وهذه الوثيقة اطلق عليها (الصحيفة الصحيحة) وقد نقلها الامام احمد بتمامها في مسنده كما نقل الامام البخاري عددا كبيرا من احاديثها في صحيحه. وقد قال ابو هريرة رضي الله عنه عن نفسه «ما من احد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم احفظ لحديثه مني- اللهم إلا عبدالله بن عمر فإنه كان يكتب اما انا فأسمع واحفظ ولا اكتب». معاذ بن جبل رضي الله عنه ( أعلمهم بالحلال و الحرام ) معاذ بن جبل رضي الله عنه " وأَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل000 " حديث شريف معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري000وكنيته أبو عبدالرحمن000أسلم وعمره ثماني عشرة سنـة عندما أسلم سعد بن معاذ -رضي الله عنه - سيد الخزرج الذي طلب من قومه أن يسلمـوا فأسلم الخزرج ومعهم معاذ -رضي اللـه عنه-000وقدم من المدينةالى مكة لمبايعة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ليلـة العقبـة الثانية فبايعه معهم وحضر المشاهـد كلها وروى عن النبـي -صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير من الأحاديث النبوية000 قربه من الرسول لزم معاذ بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة000فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه000وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( استقرئـوا القرآن من أربعـة ( من ابن مسعـود000وسالم مولى أبي حذيفـة000وأبي000ومعاذ بن جبل )000 وقوله - صلى الله عليه وسلم- ( وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل)000 قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( يا مُعاذ ، والله إني لأُحِبّك فلا تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة : اللهم أعِنّي على ذِكْرك وشكرك وحُسْن عبادتك )000ولقد حَـذِق معاذ الدرس وأجاد التطبيـق000فقد لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله ( كيف أصبحت يا معاذ ؟)000قال ( أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله )000قال النبي ( إن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟)000قال معاذ ( ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي ، ولا أمْسَيت مساء إلا ظننت أني لا أُصْبح ، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتْبِعُها غيرها ، وكأني أنظر الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابها ، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون ، وأهل النار في النار يُعَذّبون )000فقال له الرسول ( عرفتَ فالزم)000 ارساله الى اليمن وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ مع رسل ملوك اليمن يعلم الناس دينهم وأوصاه بأمور عدة000 فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- ( بما تحكم يا معاذ ؟)000قال معاذ ( بكتاب الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- (فان لم تجد ؟)000قال معاذ( بسنة رسول الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( فان لم تجد ؟)000قال معاذ ( أجتهد رأي ولا آلو )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله )000 فضله لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه ( لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر )000 ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال ( إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً للـهِ حَنيفـاً ، ولقد كنّـا نُشَبِّـه معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام )000 دخل ( عائذ الله بن عبد الله ) المسجد يوما مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول خلافة عمر فيحدثنا ويقول ( فجلست مجلسا فيه بضعٌ وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وفي الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء ، وهو أشَبُّ القوم سِنّا ، فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم ، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه ، ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه ( من أنت يا عبد الله ؟)000قال ( أنا معاذ بن جبل )000 ويقول ( أبو مسلم الخولاني ) (دخلت مسجد حمص فإذا جماعة من الكهول يتوسّطهم شاب برّاق الثنايا صامت لا يتكلم ، فإذا امْتَرَى القوم في شيء تَوَجَّهوا إليه يسألونه ، فقلت لجليس لي ( من هذا ؟)000 قال ( مُعاذ بن جبل )000فوقع في نفسي حُبُّه )000 كما قال ( شهر بن حَوْشَب ) ( كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل ، نظروا إليه هيبة له )000 حُبّ العلم كان معاذا -رضي الله عنه- دائب الدعوة الى العلم والى ذكر الله ، فقد كان يقول ( احذروا زيْغ الحكيم ، واعرفوا الحق بالحق ، فإن للحق نوراً )000وكان يرى العبادة قصداُ وعدلا ، قال له يوما أحد المسلمين ( علّمني )000فسأله معاذ ( وهل أنت مطيعي إذا علمتك ؟)000قال الرجل ( إني على طاعتك لحريص )000فقال له معاذ ( صُمْ وأفْطِر ، وصَلِّ ونَمْ ، واكْتَسِب ولا تأثَمْ ، ولا تموتنَّ إلا مُسْلِما ، وإياك ودَعْوَة المظلوم )000وكان يرى العلم معرفة وعملا فيقول ( تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا ، فلن ينفعـكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا )000وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس ، يقول الأسود بن هلال ( كُنّا نمشي مع مُعاذ ، فقال لنا اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة )000 طهارته مات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل في اليمن ، وفي خلافة أبي بكر رجِع معاذ الى اليمن ، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ أن معاذاً أثرى فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله ، ولم ينتظر عمر بل نهض مسرعا الى معاذ وأخبره ، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة ، ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه ، وتركه عمر وانصرف ، وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول ( لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء ، أخشى على نفسي الغرق ، حتى جئت فخلصتني يا عمر )000وذهبا معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر ( لا آخذ منك شيئاً )000فنظر عمر الى معاذ وقال له ( الآن حَلَّ وطاب )000فما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا ، لو علم أنه أخذه بغير حق000 أمانته وورعه كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام000وعاد الى زوجـه بحلسه (ما يوضع على ظهر الدابة) الذي خرج به فقاـلت له امرأته ( أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم ؟)000فقال معاذ ( لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي )000فقالت امرأته ( لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك )000وشاعت ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر000فأرسل الى معاذ وسأله أنا أرسلت معك رقيبا)000فقال ( يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذا000وقصدت بالرقيب الله عزوجل )000فأعطاه عمر شيئا وقال ( أرضها به)000 معلما ثم واليا للشام وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- أرسل اليه واليه على الشام يقول ( يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم)000فأرسل اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه-000فلما مات أمير الشام ( أبو عبيدة ) استخلفه أمير المؤمنين على الشام ، ولم يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا ، وكان عمر بن الخطاب يقول ( لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي لماذا استخلفته ؟000لقلت : سمعت نبيك يقول : إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين أيديهم )000وهذا رأيه على خلافة المسلمين جميعا 000 طاعون عمواس أصيب معاذ -رضي الله عنه- بالطاعون ، فلما حضرته الوفاة قال ( مرحبا بالموت مرحبا ، زائر بعد غياب وحبيب وفد على شوق )000ثم جعل ينظر الى السماء ويقول ( اللهم إني كنتُ أخافك ، لكنني اليوم أرجوك ، اللهم انك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار ، وجري الأنهار ، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر ، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة )000ثم فاضت روحه بعيدا عن الأهل داعيا الى الله مهاجرا في سبيله000وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثلاث وثلاثون سنة000 المقداد بن عمرو وأقبل الشيخ أبو معبد .. وهو يحمل لأصحابه حديث (بدر) ، وبدأ حديثه بصوته الهادئ الرزين، وأسلوبه الجميل الجذاب ، يشد المستمعين إليه، قال : أيها المسلمون: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها وبهذه الفقرة القصيرة ، استنفر رسول الله الناس على أبي سفيبان - زعيم المشركين - وهو عائد بتجارته من الشام فقد كفى ما عاناه المسلمون من قريش، وعنتها وبغيها وظلمها ولماذا يبقى المسلمون في تلكؤ، وقد أصبحت من القوة بما يمكنها من مقابلة المشركين، بعد أن ذاقوا منهم الويلات واضطروا إلى هجر مكة، والإقامة بالمدينة والرسول عليه الصلاة و السلام لم يقم يعمل سلبي تجاه قريش وأحقادها - طيلة هذه المدة - إلا لأنه لم يلمس في أصحابه العدة والعدد لمقابلة القوم فكان موقف الدفاع. أما وقد رأى فيهم بعض الإمكانية، فلماذا لا يحرك النفوس، ويمرنهم للهجوم وكانت خير مناسبة هي اعتراض قافلة أبي سفيان، وهي بتجارة قريش بؤوب من الشام، اشترك فيها أهل مكة جميعهم بحيث لم يبق رجل ولا امرأة استطاعوا أن يسهموا في هذه القافلة إلا فعلوا، حتى قدرت بخسين ألف دينار ولهذا فقد خف الكثير من المسلمين عند أمر النبي لهم بنهب القافلة كما تثاقل جماعة عن الخروج تحسباً للمشاكل التي تستتبعها يا أبا الحارث : اسمعت نداء الرسول، وهو أنت ملبيه ؟ نعم يا أبا معبد جزاك الله خيراً يا أبا الحاريث وكان المقداد بن عمرو البهراني، أو المقداد بن الأسود، أبو عبد الله، يهمه كثيراً أمر صاحبه أبي الحارث بن عتبة غزوان، فقد كانا مسلمين يتكتمان بإسلامهما في مكة، ولم يتمكنا من التظاهر في الهجرة مع المهاجرين، وبقيا ينتظران الفرصة المناسبة وأعلن المشركون أن جيشاً بقيادة( عكرمة بن أبي جهل ) يتوجه لغزو محمد، وفي عشية اليوم يزحف القوم.. وقصد عتبة صاحبه المقداد يا أبا معبد، مناسبة رائعة لو نخرج معهم، وعندما نصل إلى جيش المسلمين ننحاز لهم نعم الرأي ما تقول.. وانظما إلى الجيش الزاحف وبلغ رسول الله نبأ هذا الزحف، فأرسل سرية من السملمين يتراوح عددها بين الستين، والثمانين نفر وكلهم من المهاجرين وليس فيهم من الأنصار أحد، وأمر عليهم عبيد بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وسار المسلمون حتى بلغوا ماء في (اسفل ثنية المرة)، ولم تقع بينهما حرب إذ انتهت باتفاق، وانصرف المشركون عائدين إلى مكة وكانت اللحظة الحاسمة بالنسبة للمقداد وعتبة، فلم يكد ينشغل جيش العدو بامر عودته، حتى فر المقداد وصاحبه إلى المسلمين واستقبلهما المسلمون بكل ترحاب، وعند عودتهم إلى المدينة رحب الرسول بالمقداد فقد كان من أصحابه الأوائل واستمر المقداد بصلته، فلم يكن جديد عهد بالإسلام فهو سابع رجل آمن بالدعوة، وكان يروي الرسول أن الله أمر بحب أربعة: علي وسلمان وأبي ذر والمقداد ، ولهذا عندما وصل إلى المدينة ، كان أحد المقربين إلى رسول الله، والملازمين له وكان المقداد من المتحمسين - بعد أن وصل الى المدينة - لنهب قافلة قريش، وخاصة أن الرسول (عليه الصلاة و السلام) يريد ذلك.. ولم يخف على أبي سفيان، وهو في طريقه إلى مكة، أن رسول الله استنصر أصحابه على قافلته، فأرسل رسولاً عاجلاً إلى قريش يوقفهم على النبأ، وعلمه كيف يثيرهم ودخل رسول الله مكة، وقد قطع أذني بعيره، وجدع أنفه وحول رحله، ووقف هو عليه، وقد شق قميصه من قُبل ودُبر وهو يصيح يا معشر قريش! اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان وقد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى تدركوها. الغوث الغوث وهز هذا الصياح أرجاء مكة، ووقف الناس كلهم على أهبة الاستعداد، لا بغضاً بمحمد، ولا حباً لأبي سفيان، إنما لكل منهم نصيب في هذه العير وهذا لم يمنع أبا جهل، وعقبة بن أبي معيط أن يأتيا إلى المسجد وبيد عقبة مجمرة فيها بخور، وبيد ابي جهل مكحلة ومرودن وهما يتنقلان بين المتقاعسين من الخروج لنصرة عير ابي سفيان، يقولان للجالسين استجمر فإنما أنت من النساء، أو اكتحل فإنما أنت امرأة وتحشدت قريش استعداداً للزحف، ودار في كل بيت حديث لهم. إنها المرة الأولى، فلوتم لمحمد ما أراد لم تبق لقريش مهابة بعدها إن قريش وغير قريش من الذين ضاقوا ذرعاً بهذه الدعوة الفتية، كانوا يخشون هذا اليوم، الذي كانوا يحسبون له كل الحساب فهذا محمد الذي تحدثوا عن دعوته كلما جان على لسانهم من بذيء القول وخشن الكلام، وصبوا على اتباعه وأصحابه كل ما في طاقتهم من التعذيب، والتعسف، وإذا بالأيام تدور، وتصبح له القابلية على مقابلتها، ويعتزم مهاجمة عيرها وتصل أخبار قريش إلى الرسول تباعاً، وهو بالمدينة يتأهب للخروج، ويجمع أصحابه في رحبة المسجد، ليخبرهم بتصميمه على الغزو، ويطلب رأي المهاجرين، وإذا ضعفُت نفوس وتخوفت أخرى بعد ان بلغهم أن قريشاً زحفت بصناديدها وقف المقداد وسط الجمع وبكل جرأة يقول: يا رسول الله، إمض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون }، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجادنا معك، وقاتلنا من بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك فقال له رسول الله(صلى الله عليه وسلم): خيراً ودعا له، وأشرق وجهه وسرة، وأعجبه قال ابن مسعود : تمنيت هذا الموقف من المقداد أن يكون لي هو أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم التفت النبي للأنصار، وقال: أشيروا علي أيها الناس قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال النبي : أجل قال : فقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضٍ يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لُصبر في الحرب، صُدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله ، وما أن أتم سعد كلامه حتى هللت امرأة من الطرف الآخر وهي تقول: مرحباً بك يا سيدنا لا فض الله فاك والتفت القوم كلهم إليها، وبدت عليهم الفرحة، هذه هي النساء والرجال تشد أزر رسولها في عزيمته، والبشر تطفح على وجوههم، والإيمان يقوى نفوسهم، ويدور همس بين القوم من المستبشرة؟ إنها (أم عمارة) يا رسول الله، ومعها لمة من نساء الأنصار يعرضن أنفسهن للنصرة جزاهن الله خيراً فليرجعن إلى أخبيتهن، ففي الرجال الكفاية. لقد اندفع أصحاب النبي إلى الاستعداد، فقد بلغ الأمر أن يتنازع الأب والابن على الخروج، يقول القائلون: تنازع سعد بن خيثمة مع أبيه ايهما يبقى مع النساء، فقال سعد لأبيه : إنه لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لارجو الشهادة في وجهي هذا، فقال خيثمة: آثرني وقر مع نسائك، فأبى سعد، فقال خيثمة: إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم، فأسهما، فخرج سهم سعد، فقتل ببدر ويتحدث المتحدثون - أيضاً - : أن عمير بن أبي وقاص كان صغيراً، فأخذ يتوارى عندما استعرض رسول الله أصحابه فقيل له: لماذا تعمل هكذا يا عمير؟ فقال: أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني، فيردني، وأنا احب الخروج، لعل الله يرزقني الشهادة، فعرض على رسول الله فاستصغره فقال له: ارجع، فبكى عمير، فأجازه. وكان يقصر له حمائل سيفه لصغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشر سنة. وأعلن رسول الله ساعة الرحيل في صباح لم تشرق فيه الشمس بعد من أيام رمضان في السنة الثانية للهجرة، وعددهم لم يتجاوز الثلاثمائة وخمسة أشخاص. قد ملكوا من الإبل سبعين بعيراً، وكانوا يتعاقبونها، حتى رسول الله، فقد أردف خلفه علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وذكر أن المقداد كان فارساً وكانت راية المهاجرين بيد علي بن أبي طالب، وراية الأنصار - من الأوس والخزرج - مع سعد بن معاذ وبعد قليل صاح رسول الله بأعلى صوته: سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم وعلى جانبي الطريق وقفت نساء المهاجرين والأنصار يودعن الركب الراحل بقلوب مفعمة بالإيمان والإجلال، وزغردات تبشر بالنصر والمجد ولم تمضِ أيام حتى تقابل الطرفان يستقبلان الحرب ورفع رسول الله يديه إلى السماء قائلاً (اللهم إنك أنزلت علي الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين وأنت لا تخلف الميعاد، اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تخاذل وتكذب رسولك. الله نصرك الذي وعدتني به). ودارت رحى الحرب سجالاً يجول إمام المسلمين علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب وغيرهما من أبطال المسلمين الأشاوس يكشفون الغبرة عن جه المسلمين، ويجندلون الأبطال من المشركين، وكانوا يكرون على الأعداء وعلي يصيح، وهو يضرب بطلاً من أبطالهم، خذها وأنا ابن أبي طالب، فيجيبه حمزة، وهو يشد على الفارس منهم ويجندله، ويصيح: خذها وأنا ابن عبد المطلب، وهكذا بقية المغاوير وما هي إلا فترة من الزمن حتى وضعت الحرب أوزارها وانتصر المسلمون ولاقى من المشركين حتفه كل من أبي جهل وأمية بن خلف، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وغيرهم من قادة المشركين. وانهزمت قريش هزيمة، حتى نقل عن عبد الله بن عمرو بن أمية قال: أخبرني من انكشف من قريش يومئذ منهزماً وأنه ليقول في نفسه: ما رأيت مثل هذا فر منه إلا النساء. وقال آخر: شهدت مع المشركين بدراً، وإني لأنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني، وكثرة من معنا من الخيل والرجل فانهزمت فيمن انهزمت فلقد رايتني، وإني لأنظر إلى المشركين في كل وجه، وإني لأقول في نفسي ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء... وطوت المعركة أنفاس عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة وأبي جهل، وأمية بن خلف وأمثال هؤلاء الطواغيت ولكن أبا سفيان لم يخمد، وهو رأس الفتنة، وزعيمهم وجن الليل، وقد هدأـ الأنفاس المتعبة من ثقل الحرب وهومت العيون، التي أرهقت من يوم عسير الحركة، دامي الوجه… فخرج رسول الله، ومن خلفه من أصحابه يحرسونه منهم {{علي، والمقداد}}، ووقف على البئر - الذي أمر فطرح به جثث المشركين - وقال {يا أهل القليب، يا عُتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل،ثم أتيى بأسماء بعض من كان منهم في القليب ـ : هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً.. يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني، وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً؟ فقال المسلمون: يا رسول الله، أتنادي قوماً قد أجيفوا قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني وعاد المسلمون إلى المدينة والنصر يرفرف عليهم، ولكن الأيام لم تدع المسلمين في راحة. فقريش لم تنم على ضيم، وبقيت تلاحق النبي كلما ساعدتها ظروفها من غزوة إلى أخرى، والمقداد الذي أخلص لنبيه، وآمن بدعوته، كان لساناً صادقاً له، وسيفاً مخلصاً في وجه أعدائه، لم تمنعه ما منعة عن مصاحبة نبيه في غزواته ولا تقاعس عن نصرته لحظة ما وآخي رسول الله بين المقداد، وبين عبدالله بن رواحة وقيل بينهوبين أبي ذر الغفاري وكان موقفه المشرف يتجلى مع سيدي ومولاي علي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول، فقد وفى له، يخوض غمار الموت دونه، ويدفع عنه الأخطار ما استطاع، وشهد فتح مصر ولم يتخلف عن واجبه الديني، فهو جندي في ساحة الميدان، وموجه في مضمار الدعوة وأمين على الرسالة يوم تزعزع الناس رحم الله المقداد، فقد كان من الضلاء النجباء، الكبار الأخيار من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ممن رعاهم بعنايته، حتى روي عنه أنه قال أكثر من مرة { أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم وهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان} وفي عام 33 لبي نداء ربه في أرضه بالجرف، وحمل إلى لمدينة فدفن بها وكان ابن سبعين
سلمان الفارسي رضي الله عنه، يكنى أبا عبد الله، من أصبهان من قرية يقال لها جي وقيل من رامهرمز، سافر يطلب الدين مع قوم فغدروا به فباعوه لرجل من اليهود ثم إنه كوتب فأعانه النبي في كتابته، أسلم مقدم النبي المدينة، ومنعه الرق من شهود بدر وأحد، وأول غزاة غزاها مع النبي الخندق، وشهد ما بعدها وولاه عمر المدائن. عن عبد الله بن العباس قال: حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلا فارسيًّا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها جي، وكان أبي دهقان قريته وكنت أحب خلق الله إليه فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة قال: فشغل في بنيان له يومًا فقال لي يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الذي نحن عليه فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم أين أصل هذا الدين قالوا بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله فلما جئته قال أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت يا أبه مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قلت كلا والله إنه لخير من ديننا، قال فخافني فجعل في رجلي قيدًا ثم حبسني في بيته، قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام تجارًا من النصارى فأخبروني بهم، قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال فأخبروني بقدوم تجار فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، قال فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم ألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا الأسقف في الكنيسة، قال فجئته فقلت إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك قال فادخل، فدخلت معه، قال فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئًا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب، قال وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع، قال ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا قالوا وما علمك بذلك؟ قلت أنا أدلكم على كنزه، قالوا فدلنا عليه، قال فأريتهم موضعه، قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقا، قال فلما رأوها قالوا والله لا ندفنه أبدًا، قال فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارًا منه، قال فأحببته حبًّا لم أحبه من قبله فأقمت معه زمانًا ثم حضرته الوفاة قلت له يا فلان، إني كنت معك فأحببتك حبًّا لم أحبه أحداً من قبلك وقد حضرتك الوفاة فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره، قال فقال لي أقم عندي، قال فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له يا فلان إن فلانًا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئت فأخبرته بما جرى وما أمرني به صاحبي، قال فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه فأقمت مع خير رجل فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له يا فلان، إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني قال أي بني، والله ما أعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فأته فإنه على مثل أمرنا، قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري فقال أقم عندي فأقمت عند رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال وكنت اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة، قال ثم نزل به أمر الله عز وجل فلما حضر قلت له يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إلى فلان وأوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال أي بني، والله ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت لهم تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني لرجل من يهود فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي، فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال، فلانُ قاتلَ اللهُ بني قيلة! والله، إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم زعم أنه نبي، قال فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي، قال ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة وقال ما لك ولهذا أقبل على عملك، قال قلت لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال، وقد كان شيء عندي قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له إنه قد بلغني أنك رجل صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، قال فقربته إليه فقال رسول الله لأصحابه كلوا وأمسك يده هو فلم يأكل، قال فقلت في نفسي هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا وتحول رسول الله إلى المدينة ثم جئته به فقلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول الله منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال فقلت في نفسي هاتان اثنتان، قال ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي فلما رآني رسول الله استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، قال فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال رسول الله تحول فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس فأعجب رسول الله أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله بدر وأحد، قال ثم قال لي رسول الله كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية فقال رسول الله لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمسة عشر والرجل بعشرة والرجل بقدر ما عنده حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية فقال لي رسول الله اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي، قال ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله بيده فوا الذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة فأديت النخل فبقي علي المال، فأتى رسول الله بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما فعل الفارسي المكاتب قال فدُعِيْتُ له، قال فخذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان، قال قلت وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك، قال فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله الخندق ثم لم يفتني معه مشهد. رواه الإمام أحمد. وعن أنس قال: قال رسول الله: السُبَّاق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق فارس، وبلال سابق الحبشة. وعن ثابت البناني أن أبا الدرداء ذهب مع سلمان يخطب عليه امرأة من بني ليث فدخل فذكر فضل سلمان وسابقته وإسلامه وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة فقالوا أما سلمان فلا نزوجه ولكنا نزوجك، فتزوجها ثم خرج فقال له إنه قد كان شيء وأنا أستحيي أن أذكره لك قال وما ذاك فأخبره الخبر فقال سلمان أنا أحق أن أستحيي منك أن أخطبها وقد قضاها الله لك رضي الله عنهما. وعن الحسن قال كان عطاء سلمان الفارسي خمسة آلاف وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها فإذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يديه. وعن أبي قلابة أن رجلا دخل على سلمان وهو يعجن فقال: ما هذا؟ قال: بعثنا الخادم في عمل فكرهنا أن نجمع عليه عملين، ثم قال: فلان يقرئك السلام قال: متى قدمت، قال: منذ كذا وكذا فقال أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدها. رواه أحمد. وعن أبي ليلى الكندي قال: قال غلام سلمان لسلمان: كاتبني، قال: ألك شيء قال: لا، قال: فمن أين؟ قال: أسأل الناس، قال: تريد أن تطعمني غسالة الناس. عن ثابت قال: كان سلمان أميرًا على المدائن فجاء رجل من أهل الشام ومعه حمل تبن وعلى سلمان عباءة رثة فقال لسلمان: تعال احمل وهو لا يعرف سلمان فحمل سلمان فرآه الناس فعرفوه فقالوا هذا الأمير فقال: لم أعرفك!! فقال سلمان إني قد نويت فيه نية فلا أضعه حتى أبلغ بيتك. وعن ميمون بن مهران عن رجل من عبد القيس قال: رأيت سلمان في سرية وهو أميرها على حمار عليه سراويل وخدمتاه تذبذبان والجند يقولون قد جاء الأمير قال سلمان: إنما الخير والشر بعد اليوم. وعن أبي الأحوص قال: افتخرت قريش عند سلمان فقال سلمان: لكني خلقت من نطفة قذرة ثم أعود جيفة منتنة ثم يؤدى بي إلى الميزان فإن ثقلت فأنا كريم وإن خفت فأنا لئيم. وعن أبي الأسود الدؤلي قال: كنا عند علي ذات يوم فقالوا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن سلمان، قال: من لكم بمثل لقمان الحكيم! ذلك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والآخر، بحر لا ينزف. وأوصى معاذ بن جبل رجلا أن يطلب العلم من أربعة سلمان أحدهم. وعن أبي سفيان عن أشياخه قال: ودخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده فبكى سلمان فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله توفي رسول الله وهو عنك راض وترد عليه الحوض؟ قال فقال سلمان: أما إني ما أبكي جزعًا من الموت ولا حرصًا على الدنيا ولكن رسول الله عهد الينا فقال لتكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب وحولي هذه الأساود، وإنما حوله إجانة أو جفة أو مطهرة، قال فقال له سعد: يا أبا عبد الله، اعهد الينا بعهد فنأخذ به بعدك، فقال: يا سعد، اذكر الله عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند بذلك إذا قسمت. وقال أهل العلم بالسير: كان سلمان من المعمرين وتوفي بالمدائن في خلافة عثمان وقيل مات سنة ثنتين وثلاثين.
صهيب بن سنان بن مالك ويقال خالد بن عبد عمرو بن عقيل ويقال طفيل بن عامر بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس بن زيد مناة بن النمر بن قاسط النمري أبو يحيى وأمه من بني مالك بن عمرو بن تميم وهو الرومي قيل له ذلك لأن الروم سبوه صغيرا قال بن سعد وكان أبوه وعمه على الأبلة من جهة كسرى وكانت منازلهم ... " الإصابة " ( 3 / 449 ) . قال ابن تغري بردي : وفيها توفي صهيب بن سنان بن مالك الرومي سبَته الروم فجلب إلى مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي وقيل بل هرب من الروم فقدم مكة وحالف ابن جدعان وكان صهيب من السابقين الأولين شهد بدرا والمشاهد كلها روى عنه أولاده حبيب وزياد وحمزة وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وكعب الأحبار وكنيته أبو يحيى توفي بالمدينة في شوال ونشأ صهيب بالروم فبقيت فيه عجمة . " النجوم الزاهرة " ( 1 / 117 ) . قال ابن عدي : ومنهم صهيب بن سنان الرومي ، ولم يكن روميا وإنما نسب إليهم لأنهم سبوه وباعوه وقيل لأنه كان أحمر اللون وهو من نمر بن قاسط كناه رسول الله أبا يحيى قبل أن يولد له . " الكامل " ( 1 / 590 ) . توفي في شوال سنة 38 هـ والله الهادي وهذه فائدة جديدة وهي : تصريح صهيب الرومي بنسبه ، والرد على عمر بن الخطاب الذي ظن أنه ليس من العرب ! عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لصهيب رضي الله عنهما لولا ثلاث خصال فيك لم يكن بك بأس ، قال : وما هن فوالله ما نراك تعيب شيئا ؟ قال : اكتناؤك بأبي يحيى وليس لك ولد . وادعاؤك إلى النمر بن قاسط وأنت رجل ألكن وأنك لا تمسك المال قال : أما اكتنائي بأبي يحيى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بها فلا أدعها حتى ألقاه . وأما ادعائي إلى النمر بن قاسط فإني امرؤ منهم ولكن استرضع لي بالأيلة فهذه اللكنة من ذاك وأما المال فهل تراني أنفق إلا في حق رواه أحمد ( 18463 ) وصححه شيخنا الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 44 ) . وفيه نزل قال الله تعالى:" ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد". نزلت هذه الآية الكريمة في صهيب الرومي رضي الله عنه، حينما تخلى للمشركين في مكة عن كل مايملك مقابل أن يخلون سبيله ليلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، احتجزوه ومنعوه من الهجرة وقال قائلهم ياصهيب جئتنا صعلوكاً لاتملك شيئاً، وأنت اليوم ذو مال كثير! - يساومونه- فقال لهم رضي الله عنه: أرأيتم إن دللتكم على مالي هل تخلون سبيلي؟ قالوا : نعم . فدلهم على ماله بمكة ثم انطلق مهاجراً في سبيل الله لايلوي علىشيء تاركاً كل مايملك خلف ظهره وهاجرا إلى الله ورسوله ، فلما وصل المدينة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له عليه الصلاة والسلام مهنيئاً له على حسن صنيعه: "ربح البيع أبا يحيى ربح البيع " فلله در صهيب شرى نفسه طلباً لرضوان الله تعالى. هكذا تكون التضحية وإلا فلا ! هذا صهيب وهذا فعله الذي غدا قرآناً يتلى إلى يوم القيامة --------------------------------------------------------------------------------
عمار بن ياسر ( 57 ق هـ - 37 هـ / 567 - 657 م ) عمّار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي العنسي , أبو اليقظان صحابي , من الولاة الشجعان ذوي الرأي . وهو أحد السابقين الى الاسلام والجهر به . خرج ياسر بن عامر، والد (عمار) من بلده في اليمن يطلب أخا له، ويبحث عنه.. وفي مكة طاب له المقام، فاستوطنها محالفا أبا حذيفة بن المغيرة.. وزوجه ابو حذيفة احدى امائه (سمية بنت خياط).. ومن هذا الزواج المبارك رزق الله الابوين (عمارا).. وكان اسلامهم مبكرا.. شأن الابرار الذين هداهم الله.. وشأن الابرار المبكرين ايضا، اخذوا نصيبهم الاوفى من عذاب قريش واهوالها.. ووكل امر تعذيبهم الى بني مخزوم، يخرجون بهم جميعا.. ياسر وسمية وعمار كل يوم الى رمضاء مكة الملتهبة، ويصبون عليهم من حميم العذاب ألوانا وفنونا. بشارة الرسول عليه السلام لآل ياسر بالجنة أخبرنا مسلم عن إبراهيم قال أخبرنا هشام الدستوائي قال حدثنا أبو الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مر بآل عمار وهم يعذبون فقال لهم : أبشروا آل عمار فإن موعدكم الجنة. رواه ابن سعد . هاجر الى المدينة , وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان . كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقبه ( الطيب المطيّب ) . وفي الحديث ماخير عمار بين أمرين الا اختار أرشدهما . عن الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه.رواه النسائي وعن عطاء بن يسار عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما.رواه الترمذي حدثنا خالد عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولعلي بن عبد الله ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يسقيانه فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس فقال كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار وقال ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار.رواه ولاّه عمر بن الخطاب الكوفة فأقام بها زمنا وعزل عنها شهد الجمل وصفين مع علي وقتل في معركة صفين وعمره ثلاثة وتسعون عاما . له اثنان وستون حديثاً .
حذيفة بن اليمان ( رضوان الله عليه ) حذيفة بن اليَمان بن جابر العبسي وكنيته أبا عبد الله وكان صاحب سر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، جاء حذيفة هو وأخـوه ووالدهمـا الى رسـول الله واعتنقوا الإسلام ولقد نما -رضي الله عنه- في ظل هذا الديـن ، وكانت له موهبـة في قراءة الوجوه و السرائر ، فعاش مفتوح البصر والبصيرة على مآتي الفتن ومسالك الشرور ليتقيها ، فقد جاء الى الرسول يسأله ( يا رسول الله ان لي لسانا ذربا على أهلي وأخشى أن يدخلني النار )000فقال له النبي ( فأين أنت من الاستغفار ؟؟000اني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة )000هذا هو حذيفة -رضي الله عنه-000 لم يشهد بدراً ، وشهد اُحداً وما بعدها من المشاهد ، وكان أحد الذين ثبتوا على العقيدة . ويوم غزوة أحد كان في ايمانه -رضي الله عنه- وولائه قويا ، فها هو يرى والده يقتل خطأ يوم أحد بأيدي مسلمة ، فقد رأى السيوف تنوشه فصاح بضاربيه ( أبي ، أبي ، انه أبي !!)000ولكن أمر الله قد نفذ ، وحين علم المسلمون تولاهم الحزن والوجوم ، لكنه نظر اليهم اشفاقا وقال ( يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين )000ثم انطلق بسيفه يؤدي واجبه في المعركة الدائرة000وبعد انتهاء المعركة علم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك ، فأمر بالدية عن والد حذيفة ( حسيل بن جابر ) ولكن تصدق بها حذيفة على المسلمين ، فزداد الرسول له حبا وتقديرا عندما دب الفشل في صفوف المشركين وحلفائهم واختلف أمرهم وفرق الله جماعتهم ، دعا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان ، وكان الطقس باردا والقوم يعانون من الخوف والجوع ، وقال له ( يا حذيفة ، اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يصنعون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا !)000فذهب ودخل في القوم ، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لاتقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء ، فقام أبوسفيان فقال ( يا معشر قريش ، لينظر امرؤ من جليسه ؟)000قال حذيفة ( فأخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي فقلت : من أنت ؟00قال : فلان بن فلان )000فأمن نفسه في المعسكر ، ثم قال أبو سفيان ( يا معشر قريش ، انكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنوقريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل)000ثم نهض فوق جمله، وبدأ المسير، يقول حذيفة ( لولا عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الي الا تحدث شيئا حتى تأتيني ، لقتلته بسهم )000وعاد حذيفة الى الرسول الكريم حاملا له البشرى000 خوفه من الشر كان حذيفة -رضي الله عنه- يرى أن الخير واضح في الحياة ، ولكن الشر هو المخفي ، لذا فهو يقول (000 كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني000 قلت ( يا رسول الله ، انا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟)000قال ( نعم )000 قلت ( فهل من بعد هذا الشر من خير ؟)000قال ( نعم ، وفيه دخن )000 قلت ( وما دخنه ؟)000قال ( قوم يستنون بغير سنتي ، ويهتدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر )000 قلت ( وهل بعد ذلك الخير من شر ؟)000قال ( نعم ، دعاة على أبواب جهنم ، من أجابهم اليها قذفوه فيها )000 قلت ( يا رسول الله ، فما تأمرني ان أدركني ذلك ؟)000قال ( تلزم جماعة المسلمين وامامهم )000 قلت ( فان لم يكن لهم جماعة ولا امام ؟)000قال ( تعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )000 المنافقون كان حذيفة -رضي الله عنه- يعلم أسماء المنافقين ، أعلمه بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وسأله عمر ( أفي عمّالي أحدٌ من المنافقين ؟)000قال ( نعم ، واحد )000قال ( مَن هو ؟)000قال ( لا أذكره )000قال حذيفة ( فعزله كأنّما دُلَّ عليه )000 وكان عمر إذا مات ميّت يسأل عن حذيفة ، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر ، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر000 آخر ما سمع من الرسول عن حذيفة قال ( أتيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي توفاه الله فيه ، فقلت ( يا رسول الله ، كيف أصبحت بأبي أنت وأمي ؟!)000فردَّ عليّ بما شاء الله ثم قال ( يا حذيفة أدْنُ منّي )000فدنوتُ من تلقاء وجههِ ، قال ( يا حُذيفة إنّه من ختم الله به بصومِ يومٍ ، أرادَ به الله تعالى أدْخَلَهُ الله الجنة ، ومن أطعم جائعاً أراد به الله ، أدخله الله الجنة ، ومن كسا عارياً أراد به الله ، أدخله الله الجنة )000قلتُ ( يا رسول الله ، أسرّ هذا الحديث أم أعلنه )000قال ( بلْ أعلنْهُ )000فهذا آخر شيءٍ سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)000 أهل المدائن خرج أهل المدائن لاستقبال الوالي الذي اختاره عمر -رضي الله عنه- لهم ، فأبصروا أمامهم رجلا يركب حماره على ظهره اكاف قديم ، وأمسك بيديه رغيفا وملحا ، وهويأكل ويمضغ ، وكاد يطير صوابهم عندما علموا أنه الوالي -حذيفة بن اليمان- المنتظر ، ففي بلاد فارس لم يعهدوا الولاة كذلك ، وحين رآهم حذيفة يحدقون به قال لهم ( اياكم ومواقف الفتن )000قالوا ( وما مواقف الفتن يا أبا عبدالله ؟)000 قال ( أبواب الأمراء ، يدخل أحدكم على الأمير أو الوالي ، فيصدقه بالكذب ، ويمتدحه بما ليس فيه )000فكانت هذه البداية أصدق تعبير عن شخصية الحاكم الجديد ، ومنهجه في الولاية معركة نهاوند في معركة نهاوند حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفا ، اختار أمير المؤمنين عمر لقيادة الجيوش المسلمة ( النعمان بن مقرن ) ثم كتب الى حذيفة أن يسير اليه على رأس جيش من الكوفة ، وأرسل عمر للمقاتلين كتابه يقول ( اذا اجتمع المسلمون ، فليكن كل أمير على جيشه ، وليكن أمير الجيوش جميعا ( النعمان بن مقرن ) ، فاذا استشهد النعمان فليأخذ الراية حذيفة ، فاذا استشهد فجرير بن عبدالله )000وهكذا استمر يختار قواد المعركة حتى سمى منهم سبعة000 والتقى الجيشان ونشب قتال قوي ، وسقط القائد النعمان شهيدا ، وقبل أن تسقط الراية كان القائد الجديد حذيفة يرفعها عاليا وأوصى بألا يذاع نبأ استشهاد النعمان حتى تنجلي المعركة ، ودعا ( نعيم بن مقرن ) فجعله مكان أخيه ( النعمان ) تكريما له ، ثم هجم على الفرس صائحا ( الله أكبر : صدق وعده ، الله أكبر : نصر جنده )000ثم نادى المسلمين قائلا ( يا أتباع محمد ، هاهي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم ، فلا تطيلوا عليها الانتظار )000وانتهى القتال بهزيمة ساحقة للفرس000 وكان فتح همدان والريّ والدينور على يده ، وشهد فتح الجزيرة ونزل نصيبين ، وتزوّج فيها000 اختياره للكوفة أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغا ، فكتب عمر لسعد بن أبي وقاص كي يغادرها فورا بعد أن يجد مكانا ملائما للمسلمين ، فوكل أمر اختيار المكان لحذيفة بن اليمان ومعه سلمان بن زياد ، فلما بلغا أرض الكوفة وكانت حصباء جرداء مرملة ، قال حذيفة لصاحبه ( هنا المنزل ان شاء الله )0 وهكذا خططت الكوفة وتحولت الى مدينة عامرة ، وشفي سقيم المسلمين وقوي ضعيفهم 000 فضله قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( ما من نبي قبلي إلا قد أعطيَ سبعة نُجباء رفقاء ، وأعطيتُ أنا أربعة عشر : سبعة من قريش : عليّ والحسن والحسين وحمزة وجعفر ، وأبو بكر وعمر ، وسبعة من المهاجرين : عبد الله ابن مسعود ، وسلمان وأبو ذر وحذيفة وعمار والمقداد وبلال )000 رضوان الله عليهم000 قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( استخلفتَ )000فقال ( إنّي إنْ استخْلِفُ عليكم فعصيتم خليفتي عُذّبتُم ، ولكم ما حدّثكم به حُذيفة فصدِّقوه ، وما أقرأكم عبد الله بن مسعود فاقْرَؤُوه )000 قال عمر بن الخطاب لأصحابه ( تمنّوا )000فتمنّوا ملءَ البيتِ الذي كانوا فيه مالاً وجواهر يُنفقونها في سبيل الله ، فقال عمر ( لكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان ، فأستعملهم في طاعة الله عزّ وجلّ )000ثم بعث بمال إلى أبي عبيدة وقال ( انظر ما يصنع )000فقسَمَهُ ، ثم بعث بمالٍ إلى حذيفة وقال ( انظر ما يصنع )000فقَسَمه ، فقال عمر ( قد قُلتُ لكم )000 من أقواله لحذيفة بن اليمان أقوالاً بليغة كثيرة ، فقد كان واسع الذكاء والخبرة ، وكان يقول للمسلمين ( ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة ، ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا ، ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه )000 يقول حذيفة ( أنا أعلم النّاس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة ، وما بي أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسرَّ إليَّ شيئاً لم يحدِّث به غيري ، وكان ذكر الفتنَ في مجلس أنا فيه ، فذكر ثلاثاً لا يذَرْنّ شيئاً ، فما بقي من أهل ذلك المجلس غيري )000 كان -رضي الله عنه- يقول ( ان الله تعالى بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم-فدعا الناس من الضلالة الى الهدى ، ومن الكفر الى الايمان ، فاستجاب له من استجاب ، فحيى بالحق من كان ميتا ، ومات بالباطل من كان حيا ، ثم ذهبت النبوة وجاءت الخلافة على منهاجها ، ثم يكون ملكا عضوضا ، فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه ، أولئك استجابوا للحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه ، كافا يده ، فهذا ترك شعبة من الحق ، ومنهم من ينكر بقلبه ، كافا يده ولسانه ، فهذا ترك شعبتين من الحق ، ومنهم من لاينكر بقلبه ولا بيده ولا بلسانه ، فذلك ميت الأحياء )000 ويتحدث عن القلوب والهدى والضلالة فيقول ( القلوب أربعة : قلب أغلف ، فذلك قلب كافر000وقلب مصفح ، فذلك قلب المنافق 000وقلب أجرد ، فيه سراج يزهر ، فذلك قلب المؤمن000وقلب فيه نفاق و ايمان ، فمثل الايمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب000ومثل المنافق كمثل القرحة يمدها قيح ودم ، فأيهما غلب غلب )000 مقتل عثمان كان حذيفة -رضي الله عنه- يقول ( اللهم إنّي أبرأ إليك من دم عثمان ، والله ما شهدتُ ولا قتلتُ ولا مالأتُ على قتله )000 وفاته لمّا نزل بحذيفة الموت جزع جزعاً شديداً وبكى بكاءً كثيراً ، فقيل ( ما يبكيك ؟)00فقال ( ما أبكي أسفاً على الدنيا ، بل الموت أحب إليّ ، ولكنّي لا أدري على ما أقدم على رضىً أم على سخطٍ )000 ودخل عليه بعض أصحابه ، فسألهم ( أجئتم معكم بأكفان ؟)000قالوا ( نعم )000قال ( أرونيها )000فوجدها جديدة فارهة ، فابتسم وقال لهم ( ما هذا لي بكفن ، انما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص ، فاني لن أترك في القبر الا قليلا ، حتى أبدل خيرا منهما ، أو شرا منهما )000ثم تمتم بكلمات ( مرحبا بالموت ، حبيب جاء على شوق ، لا أفلح من ندم )000وأسلم الروح الطاهرة لبارئها في أحد أيام العام الهجري السادس والثلاثين بالمدائن ، وبعد مَقْتلِ عثمان بأربعين ليلة000 ابو هريرة اكثر من روى الحديث عن رسول الله انه احد اعلام الصحابة الرواة الذين اسهموا في حفظ الشريعة ونشرها بين المسلمين كان اكثر من روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه ثمانمائة مسلم بين صحابي وتابع. اسمه عبدالرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم ينتهي نسبه الى الازو اعظم واشهر قبائل العرب كان اسمه في الجاهلية عبد شمس فلما اعتنق الاسلام سماه الرسول عليه الصلاة والسلام عبدالرحمن اشتهر بكنيته (ابو هريرة) حتى غلبت على اسمه فكاد ينسى. سئل ابوهريرة لماذا؟ كنيت بذلك قال ابو هريرة لاني وجدت هرة فحملتها في كمي فقيل لي ابوهريرة ولد ابو هريرة في اليمن ونشأ فيها يرعى الغنم لاهله ويخدمهم وقد توفي والده وهو صغير فنشأ يتيماً وقاسى شظف العيش حتى مَنّ الله عليه بالاسلام على يد الطفيل بن عمرو . فهاجر الى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه اربع سنوات في حله وترحاله. عريف اهل الصفة: كان يدخل بيت النبي ويحضر مجالسه وقد اتخذ الصفة مقاما وجعله النبي عريف اهل الصفة. اذا اراد ان يجمعهم لطعام يطلب من ابي هريرة ان يجمعهم لانه اعرف بهم وبمنازلهم. وكان ابوهريرة يحب النبي حبا شديدا حدث ان رفع الرسول الدرة ليضرب بها اباهريرة فقال ابو هريرة لان يضربني بها احب اليّ من حمر النعم. وكان ابو هريرة يقتدي بالنبي في كل اعماله ويحذر الناس من الانغماس في ملاذ الدنيا وشهواتها. لا يفرق في ذلك بين غني وفقير أو بين حاكم ومحكوم. يرشد الناس الى الحق والصواب. مر ذات يوم بقوم يتوضأون فقال لهم اسبغوا الوضوء فاني سمعت ابا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل للاعقاب من النار». ومما يقوله ابو هريرة : «ان اهل الصفة هم ضيوف الرحمن لا اهل لهم ولا مال. اذا اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسلها اليهم ولم يصب منها شيئا واذا جاءته هدية اصاب منها واشركهم فيها. يقول امام التابعين سعيد بن المسيب: رأيت ابا هريرة يطوف بالسوق. ثم يأتي اهله فيقول: هل عندكم من شئ؟ فان قالوا: لا قال: اني صائم. كان زاهدا في الدنيا ويكتفي من الطعام بسد رمقه - فقد صبر على الفقر طويلا. حتى رزقه الله مالا وفيرا- وكان دائما يذكر ايام فقره ويدعو الناس الى الصبر والشكر ومر ابو هريرة ذات يوم بقوم يذبحون شاة. فدعوه الى تناول الطعام معهم فأبى وقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير قط. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث ابا هريرة مع العلاء الحضرمي الى البحرين لينشرا الاسلام فيها ويفقها الناس في امور دينهم فأنجزا هذه المهمة خير انجاز. ولما تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة جعل ابا هريرة عاملاً على البحرين وقد عينه معاوية بن ابي سفيان واليا على المدينة فترة من الزمن وكان يقول له: نعم الامير انت يا ابا هريرة. فقد كان وهو امير المدينة يمر في السوق حاملا الحطب عل ظهره حتى ان احد المسلمين عرض عليه ان يحمل عنه الحطب فرفض وقال لست افضل من احد فيكم. الصحيفة الصحيحة: كان ابو هريرة يحفظ ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ظهر قلب. كما كان يدعو الناس الى حفظ القرآن الكريم واحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد حفظ التاريخ وثيقة علمية قيمة تضمنت ما املاه ابو هريرة على تلميذه همام بن منبه احد اعلام التابعين التقاة الذين التفوا حول الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه وهذه الوثيقة اطلق عليها (الصحيفة الصحيحة) وقد نقلها الامام احمد بتمامها في مسنده كما نقل الامام البخاري عددا كبيرا من احاديثها في صحيحه. وقد قال ابو هريرة رضي الله عنه عن نفسه «ما من احد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم احفظ لحديثه مني- اللهم إلا عبدالله بن عمر فإنه كان يكتب اما انا فأسمع واحفظ ولا اكتب». معاذ بن جبل رضي الله عنه ( أعلمهم بالحلال و الحرام ) معاذ بن جبل رضي الله عنه " وأَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل000 " حديث شريف معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري000وكنيته أبو عبدالرحمن000أسلم وعمره ثماني عشرة سنـة عندما أسلم سعد بن معاذ -رضي الله عنه - سيد الخزرج الذي طلب من قومه أن يسلمـوا فأسلم الخزرج ومعهم معاذ -رضي اللـه عنه-000وقدم من المدينةالى مكة لمبايعة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ليلـة العقبـة الثانية فبايعه معهم وحضر المشاهـد كلها وروى عن النبـي -صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير من الأحاديث النبوية000 قربه من الرسول لزم معاذ بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة000فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه000وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( استقرئـوا القرآن من أربعـة ( من ابن مسعـود000وسالم مولى أبي حذيفـة000وأبي000ومعاذ بن جبل )000 وقوله - صلى الله عليه وسلم- ( وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل)000 قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( يا مُعاذ ، والله إني لأُحِبّك فلا تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة : اللهم أعِنّي على ذِكْرك وشكرك وحُسْن عبادتك )000ولقد حَـذِق معاذ الدرس وأجاد التطبيـق000فقد لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله ( كيف أصبحت يا معاذ ؟)000قال ( أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله )000قال النبي ( إن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟)000قال معاذ ( ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي ، ولا أمْسَيت مساء إلا ظننت أني لا أُصْبح ، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتْبِعُها غيرها ، وكأني أنظر الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابها ، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون ، وأهل النار في النار يُعَذّبون )000فقال له الرسول ( عرفتَ فالزم)000 ارساله الى اليمن وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ مع رسل ملوك اليمن يعلم الناس دينهم وأوصاه بأمور عدة000 فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- ( بما تحكم يا معاذ ؟)000قال معاذ ( بكتاب الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- (فان لم تجد ؟)000قال معاذ( بسنة رسول الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( فان لم تجد ؟)000قال معاذ ( أجتهد رأي ولا آلو )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله )000 فضله لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه ( لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر )000 ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال ( إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً للـهِ حَنيفـاً ، ولقد كنّـا نُشَبِّـه معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام )000 دخل ( عائذ الله بن عبد الله ) المسجد يوما مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول خلافة عمر فيحدثنا ويقول ( فجلست مجلسا فيه بضعٌ وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وفي الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء ، وهو أشَبُّ القوم سِنّا ، فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم ، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه ، ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه ( من أنت يا عبد الله ؟)000قال ( أنا معاذ بن جبل )000 ويقول ( أبو مسلم الخولاني ) (دخلت مسجد حمص فإذا جماعة من الكهول يتوسّطهم شاب برّاق الثنايا صامت لا يتكلم ، فإذا امْتَرَى القوم في شيء تَوَجَّهوا إليه يسألونه ، فقلت لجليس لي ( من هذا ؟)000 قال ( مُعاذ بن جبل )000فوقع في نفسي حُبُّه )000 كما قال ( شهر بن حَوْشَب ) ( كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل ، نظروا إليه هيبة له )000 حُبّ العلم كان معاذا -رضي الله عنه- دائب الدعوة الى العلم والى ذكر الله ، فقد كان يقول ( احذروا زيْغ الحكيم ، واعرفوا الحق بالحق ، فإن للحق نوراً )000وكان يرى العبادة قصداُ وعدلا ، قال له يوما أحد المسلمين ( علّمني )000فسأله معاذ ( وهل أنت مطيعي إذا علمتك ؟)000قال الرجل ( إني على طاعتك لحريص )000فقال له معاذ ( صُمْ وأفْطِر ، وصَلِّ ونَمْ ، واكْتَسِب ولا تأثَمْ ، ولا تموتنَّ إلا مُسْلِما ، وإياك ودَعْوَة المظلوم )000وكان يرى العلم معرفة وعملا فيقول ( تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا ، فلن ينفعـكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا )000وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس ، يقول الأسود بن هلال ( كُنّا نمشي مع مُعاذ ، فقال لنا اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة )000 طهارته مات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل في اليمن ، وفي خلافة أبي بكر رجِع معاذ الى اليمن ، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ أن معاذاً أثرى فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله ، ولم ينتظر عمر بل نهض مسرعا الى معاذ وأخبره ، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة ، ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه ، وتركه عمر وانصرف ، وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول ( لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء ، أخشى على نفسي الغرق ، حتى جئت فخلصتني يا عمر )000وذهبا معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر ( لا آخذ منك شيئاً )000فنظر عمر الى معاذ وقال له ( الآن حَلَّ وطاب )000فما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا ، لو علم أنه أخذه بغير حق000 أمانته وورعه كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام000وعاد الى زوجـه بحلسه (ما يوضع على ظهر الدابة) الذي خرج به فقاـلت له امرأته ( أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم ؟)000فقال معاذ ( لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي )000فقالت امرأته ( لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك )000وشاعت ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر000فأرسل الى معاذ وسأله أنا أرسلت معك رقيبا)000فقال ( يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذا000وقصدت بالرقيب الله عزوجل )000فأعطاه عمر شيئا وقال ( أرضها به)000 معلما ثم واليا للشام وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- أرسل اليه واليه على الشام يقول ( يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم)000فأرسل اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه-000فلما مات أمير الشام ( أبو عبيدة ) استخلفه أمير المؤمنين على الشام ، ولم يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا ، وكان عمر بن الخطاب يقول ( لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي لماذا استخلفته ؟000لقلت : سمعت نبيك يقول : إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين أيديهم )000وهذا رأيه على خلافة المسلمين جميعا 000 طاعون عمواس أصيب معاذ -رضي الله عنه- بالطاعون ، فلما حضرته الوفاة قال ( مرحبا بالموت مرحبا ، زائر بعد غياب وحبيب وفد على شوق )000ثم جعل ينظر الى السماء ويقول ( اللهم إني كنتُ أخافك ، لكنني اليوم أرجوك ، اللهم انك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار ، وجري الأنهار ، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر ، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة )000ثم فاضت روحه بعيدا عن الأهل داعيا الى الله مهاجرا في سبيله000وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثلاث وثلاثون سنة000 المقداد بن عمرو وأقبل الشيخ أبو معبد .. وهو يحمل لأصحابه حديث (بدر) ، وبدأ حديثه بصوته الهادئ الرزين، وأسلوبه الجميل الجذاب ، يشد المستمعين إليه، قال : أيها المسلمون: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها وبهذه الفقرة القصيرة ، استنفر رسول الله الناس على أبي سفيبان - زعيم المشركين - وهو عائد بتجارته من الشام فقد كفى ما عاناه المسلمون من قريش، وعنتها وبغيها وظلمها ولماذا يبقى المسلمون في تلكؤ، وقد أصبحت من القوة بما يمكنها من مقابلة المشركين، بعد أن ذاقوا منهم الويلات واضطروا إلى هجر مكة، والإقامة بالمدينة والرسول عليه الصلاة و السلام لم يقم يعمل سلبي تجاه قريش وأحقادها - طيلة هذه المدة - إلا لأنه لم يلمس في أصحابه العدة والعدد لمقابلة القوم فكان موقف الدفاع. أما وقد رأى فيهم بعض الإمكانية، فلماذا لا يحرك النفوس، ويمرنهم للهجوم وكانت خير مناسبة هي اعتراض قافلة أبي سفيان، وهي بتجارة قريش بؤوب من الشام، اشترك فيها أهل مكة جميعهم بحيث لم يبق رجل ولا امرأة استطاعوا أن يسهموا في هذه القافلة إلا فعلوا، حتى قدرت بخسين ألف دينار ولهذا فقد خف الكثير من المسلمين عند أمر النبي لهم بنهب القافلة كما تثاقل جماعة عن الخروج تحسباً للمشاكل التي تستتبعها يا أبا الحارث : اسمعت نداء الرسول، وهو أنت ملبيه ؟ نعم يا أبا معبد جزاك الله خيراً يا أبا الحاريث وكان المقداد بن عمرو البهراني، أو المقداد بن الأسود، أبو عبد الله، يهمه كثيراً أمر صاحبه أبي الحارث بن عتبة غزوان، فقد كانا مسلمين يتكتمان بإسلامهما في مكة، ولم يتمكنا من التظاهر في الهجرة مع المهاجرين، وبقيا ينتظران الفرصة المناسبة وأعلن المشركون أن جيشاً بقيادة( عكرمة بن أبي جهل ) يتوجه لغزو محمد، وفي عشية اليوم يزحف القوم.. وقصد عتبة صاحبه المقداد يا أبا معبد، مناسبة رائعة لو نخرج معهم، وعندما نصل إلى جيش المسلمين ننحاز لهم نعم الرأي ما تقول.. وانظما إلى الجيش الزاحف وبلغ رسول الله نبأ هذا الزحف، فأرسل سرية من السملمين يتراوح عددها بين الستين، والثمانين نفر وكلهم من المهاجرين وليس فيهم من الأنصار أحد، وأمر عليهم عبيد بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وسار المسلمون حتى بلغوا ماء في (اسفل ثنية المرة)، ولم تقع بينهما حرب إذ انتهت باتفاق، وانصرف المشركون عائدين إلى مكة وكانت اللحظة الحاسمة بالنسبة للمقداد وعتبة، فلم يكد ينشغل جيش العدو بامر عودته، حتى فر المقداد وصاحبه إلى المسلمين واستقبلهما المسلمون بكل ترحاب، وعند عودتهم إلى المدينة رحب الرسول بالمقداد فقد كان من أصحابه الأوائل واستمر المقداد بصلته، فلم يكن جديد عهد بالإسلام فهو سابع رجل آمن بالدعوة، وكان يروي الرسول أن الله أمر بحب أربعة: علي وسلمان وأبي ذر والمقداد ، ولهذا عندما وصل إلى المدينة ، كان أحد المقربين إلى رسول الله، والملازمين له وكان المقداد من المتحمسين - بعد أن وصل الى المدينة - لنهب قافلة قريش، وخاصة أن الرسول (عليه الصلاة و السلام) يريد ذلك.. ولم يخف على أبي سفيان، وهو في طريقه إلى مكة، أن رسول الله استنصر أصحابه على قافلته، فأرسل رسولاً عاجلاً إلى قريش يوقفهم على النبأ، وعلمه كيف يثيرهم ودخل رسول الله مكة، وقد قطع أذني بعيره، وجدع أنفه وحول رحله، ووقف هو عليه، وقد شق قميصه من قُبل ودُبر وهو يصيح يا معشر قريش! اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان وقد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى تدركوها. الغوث الغوث وهز هذا الصياح أرجاء مكة، ووقف الناس كلهم على أهبة الاستعداد، لا بغضاً بمحمد، ولا حباً لأبي سفيان، إنما لكل منهم نصيب في هذه العير وهذا لم يمنع أبا جهل، وعقبة بن أبي معيط أن يأتيا إلى المسجد وبيد عقبة مجمرة فيها بخور، وبيد ابي جهل مكحلة ومرودن وهما يتنقلان بين المتقاعسين من الخروج لنصرة عير ابي سفيان، يقولان للجالسين استجمر فإنما أنت من النساء، أو اكتحل فإنما أنت امرأة وتحشدت قريش استعداداً للزحف، ودار في كل بيت حديث لهم. إنها المرة الأولى، فلوتم لمحمد ما أراد لم تبق لقريش مهابة بعدها إن قريش وغير قريش من الذين ضاقوا ذرعاً بهذه الدعوة الفتية، كانوا يخشون هذا اليوم، الذي كانوا يحسبون له كل الحساب فهذا محمد الذي تحدثوا عن دعوته كلما جان على لسانهم من بذيء القول وخشن الكلام، وصبوا على اتباعه وأصحابه كل ما في طاقتهم من التعذيب، والتعسف، وإذا بالأيام تدور، وتصبح له القابلية على مقابلتها، ويعتزم مهاجمة عيرها وتصل أخبار قريش إلى الرسول تباعاً، وهو بالمدينة يتأهب للخروج، ويجمع أصحابه في رحبة المسجد، ليخبرهم بتصميمه على الغزو، ويطلب رأي المهاجرين، وإذا ضعفُت نفوس وتخوفت أخرى بعد ان بلغهم أن قريشاً زحفت بصناديدها وقف المقداد وسط الجمع وبكل جرأة يقول: يا رسول الله، إمض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون }، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجادنا معك، وقاتلنا من بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك فقال له رسول الله(صلى الله عليه وسلم): خيراً ودعا له، وأشرق وجهه وسرة، وأعجبه قال ابن مسعود : تمنيت هذا الموقف من المقداد أن يكون لي هو أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم التفت النبي للأنصار، وقال: أشيروا علي أيها الناس قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال النبي : أجل قال : فقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضٍ يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لُصبر في الحرب، صُدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله ، وما أن أتم سعد كلامه حتى هللت امرأة من الطرف الآخر وهي تقول: مرحباً بك يا سيدنا لا فض الله فاك والتفت القوم كلهم إليها، وبدت عليهم الفرحة، هذه هي النساء والرجال تشد أزر رسولها في عزيمته، والبشر تطفح على وجوههم، والإيمان يقوى نفوسهم، ويدور همس بين القوم من المستبشرة؟ إنها (أم عمارة) يا رسول الله، ومعها لمة من نساء الأنصار يعرضن أنفسهن للنصرة جزاهن الله خيراً فليرجعن إلى أخبيتهن، ففي الرجال الكفاية. لقد اندفع أصحاب النبي إلى الاستعداد، فقد بلغ الأمر أن يتنازع الأب والابن على الخروج، يقول القائلون: تنازع سعد بن خيثمة مع أبيه ايهما يبقى مع النساء، فقال سعد لأبيه : إنه لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لارجو الشهادة في وجهي هذا، فقال خيثمة: آثرني وقر مع نسائك، فأبى سعد، فقال خيثمة: إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم، فأسهما، فخرج سهم سعد، فقتل ببدر ويتحدث المتحدثون - أيضاً - : أن عمير بن أبي وقاص كان صغيراً، فأخذ يتوارى عندما استعرض رسول الله أصحابه فقيل له: لماذا تعمل هكذا يا عمير؟ فقال: أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني، فيردني، وأنا احب الخروج، لعل الله يرزقني الشهادة، فعرض على رسول الله فاستصغره فقال له: ارجع، فبكى عمير، فأجازه. وكان يقصر له حمائل سيفه لصغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشر سنة. وأعلن رسول الله ساعة الرحيل في صباح لم تشرق فيه الشمس بعد من أيام رمضان في السنة الثانية للهجرة، وعددهم لم يتجاوز الثلاثمائة وخمسة أشخاص. قد ملكوا من الإبل سبعين بعيراً، وكانوا يتعاقبونها، حتى رسول الله، فقد أردف خلفه علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وذكر أن المقداد كان فارساً وكانت راية المهاجرين بيد علي بن أبي طالب، وراية الأنصار - من الأوس والخزرج - مع سعد بن معاذ وبعد قليل صاح رسول الله بأعلى صوته: سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم وعلى جانبي الطريق وقفت نساء المهاجرين والأنصار يودعن الركب الراحل بقلوب مفعمة بالإيمان والإجلال، وزغردات تبشر بالنصر والمجد ولم تمضِ أيام حتى تقابل الطرفان يستقبلان الحرب ورفع رسول الله يديه إلى السماء قائلاً (اللهم إنك أنزلت علي الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين وأنت لا تخلف الميعاد، اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تخاذل وتكذب رسولك. الله نصرك الذي وعدتني به). ودارت رحى الحرب سجالاً يجول إمام المسلمين علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب وغيرهما من أبطال المسلمين الأشاوس يكشفون الغبرة عن جه المسلمين، ويجندلون الأبطال من المشركين، وكانوا يكرون على الأعداء وعلي يصيح، وهو يضرب بطلاً من أبطالهم، خذها وأنا ابن أبي طالب، فيجيبه حمزة، وهو يشد على الفارس منهم ويجندله، ويصيح: خذها وأنا ابن عبد المطلب، وهكذا بقية المغاوير وما هي إلا فترة من الزمن حتى وضعت الحرب أوزارها وانتصر المسلمون ولاقى من المشركين حتفه كل من أبي جهل وأمية بن خلف، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وغيرهم من قادة المشركين. وانهزمت قريش هزيمة، حتى نقل عن عبد الله بن عمرو بن أمية قال: أخبرني من انكشف من قريش يومئذ منهزماً وأنه ليقول في نفسه: ما رأيت مثل هذا فر منه إلا النساء. وقال آخر: شهدت مع المشركين بدراً، وإني لأنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني، وكثرة من معنا من الخيل والرجل فانهزمت فيمن انهزمت فلقد رايتني، وإني لأنظر إلى المشركين في كل وجه، وإني لأقول في نفسي ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء... وطوت المعركة أنفاس عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة وأبي جهل، وأمية بن خلف وأمثال هؤلاء الطواغيت ولكن أبا سفيان لم يخمد، وهو رأس الفتنة، وزعيمهم وجن الليل، وقد هدأـ الأنفاس المتعبة من ثقل الحرب وهومت العيون، التي أرهقت من يوم عسير الحركة، دامي الوجه… فخرج رسول الله، ومن خلفه من أصحابه يحرسونه منهم {{علي، والمقداد}}، ووقف على البئر - الذي أمر فطرح به جثث المشركين - وقال {يا أهل القليب، يا عُتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل،ثم أتيى بأسماء بعض من كان منهم في القليب ـ : هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً.. يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني، وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً؟ فقال المسلمون: يا رسول الله، أتنادي قوماً قد أجيفوا قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني وعاد المسلمون إلى المدينة والنصر يرفرف عليهم، ولكن الأيام لم تدع المسلمين في راحة. فقريش لم تنم على ضيم، وبقيت تلاحق النبي كلما ساعدتها ظروفها من غزوة إلى أخرى، والمقداد الذي أخلص لنبيه، وآمن بدعوته، كان لساناً صادقاً له، وسيفاً مخلصاً في وجه أعدائه، لم تمنعه ما منعة عن مصاحبة نبيه في غزواته ولا تقاعس عن نصرته لحظة ما وآخي رسول الله بين المقداد، وبين عبدالله بن رواحة وقيل بينهوبين أبي ذر الغفاري وكان موقفه المشرف يتجلى مع سيدي ومولاي علي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول، فقد وفى له، يخوض غمار الموت دونه، ويدفع عنه الأخطار ما استطاع، وشهد فتح مصر ولم يتخلف عن واجبه الديني، فهو جندي في ساحة الميدان، وموجه في مضمار الدعوة وأمين على الرسالة يوم تزعزع الناس رحم الله المقداد، فقد كان من الضلاء النجباء، الكبار الأخيار من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ممن رعاهم بعنايته، حتى روي عنه أنه قال أكثر من مرة { أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم وهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان} وفي عام 33 لبي نداء ربه في أرضه بالجرف، وحمل إلى لمدينة فدفن بها وكان ابن سبعين
ابو هريرة اكثر من روى الحديث عن رسول الله انه احد اعلام الصحابة الرواة الذين اسهموا في حفظ الشريعة ونشرها بين المسلمين كان اكثر من روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه ثمانمائة مسلم بين صحابي وتابع. اسمه عبدالرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم ينتهي نسبه الى الازو اعظم واشهر قبائل العرب كان اسمه في الجاهلية عبد شمس فلما اعتنق الاسلام سماه الرسول عليه الصلاة والسلام عبدالرحمن اشتهر بكنيته (ابو هريرة) حتى غلبت على اسمه فكاد ينسى. سئل ابوهريرة لماذا؟ كنيت بذلك قال ابو هريرة لاني وجدت هرة فحملتها في كمي فقيل لي ابوهريرة ولد ابو هريرة في اليمن ونشأ فيها يرعى الغنم لاهله ويخدمهم وقد توفي والده وهو صغير فنشأ يتيماً وقاسى شظف العيش حتى مَنّ الله عليه بالاسلام على يد الطفيل بن عمرو . فهاجر الى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه اربع سنوات في حله وترحاله. عريف اهل الصفة: كان يدخل بيت النبي ويحضر مجالسه وقد اتخذ الصفة مقاما وجعله النبي عريف اهل الصفة. اذا اراد ان يجمعهم لطعام يطلب من ابي هريرة ان يجمعهم لانه اعرف بهم وبمنازلهم. وكان ابوهريرة يحب النبي حبا شديدا حدث ان رفع الرسول الدرة ليضرب بها اباهريرة فقال ابو هريرة لان يضربني بها احب اليّ من حمر النعم. وكان ابو هريرة يقتدي بالنبي في كل اعماله ويحذر الناس من الانغماس في ملاذ الدنيا وشهواتها. لا يفرق في ذلك بين غني وفقير أو بين حاكم ومحكوم. يرشد الناس الى الحق والصواب. مر ذات يوم بقوم يتوضأون فقال لهم اسبغوا الوضوء فاني سمعت ابا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «ويل للاعقاب من النار». ومما يقوله ابو هريرة : «ان اهل الصفة هم ضيوف الرحمن لا اهل لهم ولا مال. اذا اتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسلها اليهم ولم يصب منها شيئا واذا جاءته هدية اصاب منها واشركهم فيها. يقول امام التابعين سعيد بن المسيب: رأيت ابا هريرة يطوف بالسوق. ثم يأتي اهله فيقول: هل عندكم من شئ؟ فان قالوا: لا قال: اني صائم. كان زاهدا في الدنيا ويكتفي من الطعام بسد رمقه - فقد صبر على الفقر طويلا. حتى رزقه الله مالا وفيرا- وكان دائما يذكر ايام فقره ويدعو الناس الى الصبر والشكر ومر ابو هريرة ذات يوم بقوم يذبحون شاة. فدعوه الى تناول الطعام معهم فأبى وقال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير قط. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث ابا هريرة مع العلاء الحضرمي الى البحرين لينشرا الاسلام فيها ويفقها الناس في امور دينهم فأنجزا هذه المهمة خير انجاز. ولما تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة جعل ابا هريرة عاملاً على البحرين وقد عينه معاوية بن ابي سفيان واليا على المدينة فترة من الزمن وكان يقول له: نعم الامير انت يا ابا هريرة. فقد كان وهو امير المدينة يمر في السوق حاملا الحطب عل ظهره حتى ان احد المسلمين عرض عليه ان يحمل عنه الحطب فرفض وقال لست افضل من احد فيكم. الصحيفة الصحيحة: كان ابو هريرة يحفظ ما يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ظهر قلب. كما كان يدعو الناس الى حفظ القرآن الكريم واحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد حفظ التاريخ وثيقة علمية قيمة تضمنت ما املاه ابو هريرة على تلميذه همام بن منبه احد اعلام التابعين التقاة الذين التفوا حول الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه وهذه الوثيقة اطلق عليها (الصحيفة الصحيحة) وقد نقلها الامام احمد بتمامها في مسنده كما نقل الامام البخاري عددا كبيرا من احاديثها في صحيحه. وقد قال ابو هريرة رضي الله عنه عن نفسه «ما من احد من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم احفظ لحديثه مني- اللهم إلا عبدالله بن عمر فإنه كان يكتب اما انا فأسمع واحفظ ولا اكتب». معاذ بن جبل رضي الله عنه ( أعلمهم بالحلال و الحرام ) معاذ بن جبل رضي الله عنه " وأَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل000 " حديث شريف معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري000وكنيته أبو عبدالرحمن000أسلم وعمره ثماني عشرة سنـة عندما أسلم سعد بن معاذ -رضي الله عنه - سيد الخزرج الذي طلب من قومه أن يسلمـوا فأسلم الخزرج ومعهم معاذ -رضي اللـه عنه-000وقدم من المدينةالى مكة لمبايعة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ليلـة العقبـة الثانية فبايعه معهم وحضر المشاهـد كلها وروى عن النبـي -صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير من الأحاديث النبوية000 قربه من الرسول لزم معاذ بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة000فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه000وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( استقرئـوا القرآن من أربعـة ( من ابن مسعـود000وسالم مولى أبي حذيفـة000وأبي000ومعاذ بن جبل )000 وقوله - صلى الله عليه وسلم- ( وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل)000 قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( يا مُعاذ ، والله إني لأُحِبّك فلا تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة : اللهم أعِنّي على ذِكْرك وشكرك وحُسْن عبادتك )000ولقد حَـذِق معاذ الدرس وأجاد التطبيـق000فقد لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله ( كيف أصبحت يا معاذ ؟)000قال ( أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله )000قال النبي ( إن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟)000قال معاذ ( ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي ، ولا أمْسَيت مساء إلا ظننت أني لا أُصْبح ، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتْبِعُها غيرها ، وكأني أنظر الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابها ، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون ، وأهل النار في النار يُعَذّبون )000فقال له الرسول ( عرفتَ فالزم)000 ارساله الى اليمن وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ مع رسل ملوك اليمن يعلم الناس دينهم وأوصاه بأمور عدة000 فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- ( بما تحكم يا معاذ ؟)000قال معاذ ( بكتاب الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- (فان لم تجد ؟)000قال معاذ( بسنة رسول الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( فان لم تجد ؟)000قال معاذ ( أجتهد رأي ولا آلو )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله )000 فضله لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه ( لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر )000 ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال ( إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً للـهِ حَنيفـاً ، ولقد كنّـا نُشَبِّـه معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام )000 دخل ( عائذ الله بن عبد الله ) المسجد يوما مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول خلافة عمر فيحدثنا ويقول ( فجلست مجلسا فيه بضعٌ وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وفي الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء ، وهو أشَبُّ القوم سِنّا ، فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم ، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه ، ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه ( من أنت يا عبد الله ؟)000قال ( أنا معاذ بن جبل )000 ويقول ( أبو مسلم الخولاني ) (دخلت مسجد حمص فإذا جماعة من الكهول يتوسّطهم شاب برّاق الثنايا صامت لا يتكلم ، فإذا امْتَرَى القوم في شيء تَوَجَّهوا إليه يسألونه ، فقلت لجليس لي ( من هذا ؟)000 قال ( مُعاذ بن جبل )000فوقع في نفسي حُبُّه )000 كما قال ( شهر بن حَوْشَب ) ( كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل ، نظروا إليه هيبة له )000 حُبّ العلم كان معاذا -رضي الله عنه- دائب الدعوة الى العلم والى ذكر الله ، فقد كان يقول ( احذروا زيْغ الحكيم ، واعرفوا الحق بالحق ، فإن للحق نوراً )000وكان يرى العبادة قصداُ وعدلا ، قال له يوما أحد المسلمين ( علّمني )000فسأله معاذ ( وهل أنت مطيعي إذا علمتك ؟)000قال الرجل ( إني على طاعتك لحريص )000فقال له معاذ ( صُمْ وأفْطِر ، وصَلِّ ونَمْ ، واكْتَسِب ولا تأثَمْ ، ولا تموتنَّ إلا مُسْلِما ، وإياك ودَعْوَة المظلوم )000وكان يرى العلم معرفة وعملا فيقول ( تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا ، فلن ينفعـكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا )000وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس ، يقول الأسود بن هلال ( كُنّا نمشي مع مُعاذ ، فقال لنا اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة )000 طهارته مات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل في اليمن ، وفي خلافة أبي بكر رجِع معاذ الى اليمن ، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ أن معاذاً أثرى فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله ، ولم ينتظر عمر بل نهض مسرعا الى معاذ وأخبره ، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة ، ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه ، وتركه عمر وانصرف ، وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول ( لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء ، أخشى على نفسي الغرق ، حتى جئت فخلصتني يا عمر )000وذهبا معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر ( لا آخذ منك شيئاً )000فنظر عمر الى معاذ وقال له ( الآن حَلَّ وطاب )000فما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا ، لو علم أنه أخذه بغير حق000 أمانته وورعه كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام000وعاد الى زوجـه بحلسه (ما يوضع على ظهر الدابة) الذي خرج به فقاـلت له امرأته ( أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم ؟)000فقال معاذ ( لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي )000فقالت امرأته ( لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك )000وشاعت ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر000فأرسل الى معاذ وسأله أنا أرسلت معك رقيبا)000فقال ( يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذا000وقصدت بالرقيب الله عزوجل )000فأعطاه عمر شيئا وقال ( أرضها به)000 معلما ثم واليا للشام وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- أرسل اليه واليه على الشام يقول ( يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم)000فأرسل اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه-000فلما مات أمير الشام ( أبو عبيدة ) استخلفه أمير المؤمنين على الشام ، ولم يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا ، وكان عمر بن الخطاب يقول ( لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي لماذا استخلفته ؟000لقلت : سمعت نبيك يقول : إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين أيديهم )000وهذا رأيه على خلافة المسلمين جميعا 000 طاعون عمواس أصيب معاذ -رضي الله عنه- بالطاعون ، فلما حضرته الوفاة قال ( مرحبا بالموت مرحبا ، زائر بعد غياب وحبيب وفد على شوق )000ثم جعل ينظر الى السماء ويقول ( اللهم إني كنتُ أخافك ، لكنني اليوم أرجوك ، اللهم انك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار ، وجري الأنهار ، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر ، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة )000ثم فاضت روحه بعيدا عن الأهل داعيا الى الله مهاجرا في سبيله000وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثلاث وثلاثون سنة000 المقداد بن عمرو وأقبل الشيخ أبو معبد .. وهو يحمل لأصحابه حديث (بدر) ، وبدأ حديثه بصوته الهادئ الرزين، وأسلوبه الجميل الجذاب ، يشد المستمعين إليه، قال : أيها المسلمون: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها وبهذه الفقرة القصيرة ، استنفر رسول الله الناس على أبي سفيبان - زعيم المشركين - وهو عائد بتجارته من الشام فقد كفى ما عاناه المسلمون من قريش، وعنتها وبغيها وظلمها ولماذا يبقى المسلمون في تلكؤ، وقد أصبحت من القوة بما يمكنها من مقابلة المشركين، بعد أن ذاقوا منهم الويلات واضطروا إلى هجر مكة، والإقامة بالمدينة والرسول عليه الصلاة و السلام لم يقم يعمل سلبي تجاه قريش وأحقادها - طيلة هذه المدة - إلا لأنه لم يلمس في أصحابه العدة والعدد لمقابلة القوم فكان موقف الدفاع. أما وقد رأى فيهم بعض الإمكانية، فلماذا لا يحرك النفوس، ويمرنهم للهجوم وكانت خير مناسبة هي اعتراض قافلة أبي سفيان، وهي بتجارة قريش بؤوب من الشام، اشترك فيها أهل مكة جميعهم بحيث لم يبق رجل ولا امرأة استطاعوا أن يسهموا في هذه القافلة إلا فعلوا، حتى قدرت بخسين ألف دينار ولهذا فقد خف الكثير من المسلمين عند أمر النبي لهم بنهب القافلة كما تثاقل جماعة عن الخروج تحسباً للمشاكل التي تستتبعها يا أبا الحارث : اسمعت نداء الرسول، وهو أنت ملبيه ؟ نعم يا أبا معبد جزاك الله خيراً يا أبا الحاريث وكان المقداد بن عمرو البهراني، أو المقداد بن الأسود، أبو عبد الله، يهمه كثيراً أمر صاحبه أبي الحارث بن عتبة غزوان، فقد كانا مسلمين يتكتمان بإسلامهما في مكة، ولم يتمكنا من التظاهر في الهجرة مع المهاجرين، وبقيا ينتظران الفرصة المناسبة وأعلن المشركون أن جيشاً بقيادة( عكرمة بن أبي جهل ) يتوجه لغزو محمد، وفي عشية اليوم يزحف القوم.. وقصد عتبة صاحبه المقداد يا أبا معبد، مناسبة رائعة لو نخرج معهم، وعندما نصل إلى جيش المسلمين ننحاز لهم نعم الرأي ما تقول.. وانظما إلى الجيش الزاحف وبلغ رسول الله نبأ هذا الزحف، فأرسل سرية من السملمين يتراوح عددها بين الستين، والثمانين نفر وكلهم من المهاجرين وليس فيهم من الأنصار أحد، وأمر عليهم عبيد بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وسار المسلمون حتى بلغوا ماء في (اسفل ثنية المرة)، ولم تقع بينهما حرب إذ انتهت باتفاق، وانصرف المشركون عائدين إلى مكة وكانت اللحظة الحاسمة بالنسبة للمقداد وعتبة، فلم يكد ينشغل جيش العدو بامر عودته، حتى فر المقداد وصاحبه إلى المسلمين واستقبلهما المسلمون بكل ترحاب، وعند عودتهم إلى المدينة رحب الرسول بالمقداد فقد كان من أصحابه الأوائل واستمر المقداد بصلته، فلم يكن جديد عهد بالإسلام فهو سابع رجل آمن بالدعوة، وكان يروي الرسول أن الله أمر بحب أربعة: علي وسلمان وأبي ذر والمقداد ، ولهذا عندما وصل إلى المدينة ، كان أحد المقربين إلى رسول الله، والملازمين له وكان المقداد من المتحمسين - بعد أن وصل الى المدينة - لنهب قافلة قريش، وخاصة أن الرسول (عليه الصلاة و السلام) يريد ذلك.. ولم يخف على أبي سفيان، وهو في طريقه إلى مكة، أن رسول الله استنصر أصحابه على قافلته، فأرسل رسولاً عاجلاً إلى قريش يوقفهم على النبأ، وعلمه كيف يثيرهم ودخل رسول الله مكة، وقد قطع أذني بعيره، وجدع أنفه وحول رحله، ووقف هو عليه، وقد شق قميصه من قُبل ودُبر وهو يصيح يا معشر قريش! اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان وقد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى تدركوها. الغوث الغوث وهز هذا الصياح أرجاء مكة، ووقف الناس كلهم على أهبة الاستعداد، لا بغضاً بمحمد، ولا حباً لأبي سفيان، إنما لكل منهم نصيب في هذه العير وهذا لم يمنع أبا جهل، وعقبة بن أبي معيط أن يأتيا إلى المسجد وبيد عقبة مجمرة فيها بخور، وبيد ابي جهل مكحلة ومرودن وهما يتنقلان بين المتقاعسين من الخروج لنصرة عير ابي سفيان، يقولان للجالسين استجمر فإنما أنت من النساء، أو اكتحل فإنما أنت امرأة وتحشدت قريش استعداداً للزحف، ودار في كل بيت حديث لهم. إنها المرة الأولى، فلوتم لمحمد ما أراد لم تبق لقريش مهابة بعدها إن قريش وغير قريش من الذين ضاقوا ذرعاً بهذه الدعوة الفتية، كانوا يخشون هذا اليوم، الذي كانوا يحسبون له كل الحساب فهذا محمد الذي تحدثوا عن دعوته كلما جان على لسانهم من بذيء القول وخشن الكلام، وصبوا على اتباعه وأصحابه كل ما في طاقتهم من التعذيب، والتعسف، وإذا بالأيام تدور، وتصبح له القابلية على مقابلتها، ويعتزم مهاجمة عيرها وتصل أخبار قريش إلى الرسول تباعاً، وهو بالمدينة يتأهب للخروج، ويجمع أصحابه في رحبة المسجد، ليخبرهم بتصميمه على الغزو، ويطلب رأي المهاجرين، وإذا ضعفُت نفوس وتخوفت أخرى بعد ان بلغهم أن قريشاً زحفت بصناديدها وقف المقداد وسط الجمع وبكل جرأة يقول: يا رسول الله، إمض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون }، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجادنا معك، وقاتلنا من بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك فقال له رسول الله(صلى الله عليه وسلم): خيراً ودعا له، وأشرق وجهه وسرة، وأعجبه قال ابن مسعود : تمنيت هذا الموقف من المقداد أن يكون لي هو أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم التفت النبي للأنصار، وقال: أشيروا علي أيها الناس قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال النبي : أجل قال : فقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضٍ يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لُصبر في الحرب، صُدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله ، وما أن أتم سعد كلامه حتى هللت امرأة من الطرف الآخر وهي تقول: مرحباً بك يا سيدنا لا فض الله فاك والتفت القوم كلهم إليها، وبدت عليهم الفرحة، هذه هي النساء والرجال تشد أزر رسولها في عزيمته، والبشر تطفح على وجوههم، والإيمان يقوى نفوسهم، ويدور همس بين القوم من المستبشرة؟ إنها (أم عمارة) يا رسول الله، ومعها لمة من نساء الأنصار يعرضن أنفسهن للنصرة جزاهن الله خيراً فليرجعن إلى أخبيتهن، ففي الرجال الكفاية. لقد اندفع أصحاب النبي إلى الاستعداد، فقد بلغ الأمر أن يتنازع الأب والابن على الخروج، يقول القائلون: تنازع سعد بن خيثمة مع أبيه ايهما يبقى مع النساء، فقال سعد لأبيه : إنه لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لارجو الشهادة في وجهي هذا، فقال خيثمة: آثرني وقر مع نسائك، فأبى سعد، فقال خيثمة: إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم، فأسهما، فخرج سهم سعد، فقتل ببدر ويتحدث المتحدثون - أيضاً - : أن عمير بن أبي وقاص كان صغيراً، فأخذ يتوارى عندما استعرض رسول الله أصحابه فقيل له: لماذا تعمل هكذا يا عمير؟ فقال: أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني، فيردني، وأنا احب الخروج، لعل الله يرزقني الشهادة، فعرض على رسول الله فاستصغره فقال له: ارجع، فبكى عمير، فأجازه. وكان يقصر له حمائل سيفه لصغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشر سنة. وأعلن رسول الله ساعة الرحيل في صباح لم تشرق فيه الشمس بعد من أيام رمضان في السنة الثانية للهجرة، وعددهم لم يتجاوز الثلاثمائة وخمسة أشخاص. قد ملكوا من الإبل سبعين بعيراً، وكانوا يتعاقبونها، حتى رسول الله، فقد أردف خلفه علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وذكر أن المقداد كان فارساً وكانت راية المهاجرين بيد علي بن أبي طالب، وراية الأنصار - من الأوس والخزرج - مع سعد بن معاذ وبعد قليل صاح رسول الله بأعلى صوته: سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم وعلى جانبي الطريق وقفت نساء المهاجرين والأنصار يودعن الركب الراحل بقلوب مفعمة بالإيمان والإجلال، وزغردات تبشر بالنصر والمجد ولم تمضِ أيام حتى تقابل الطرفان يستقبلان الحرب ورفع رسول الله يديه إلى السماء قائلاً (اللهم إنك أنزلت علي الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين وأنت لا تخلف الميعاد، اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تخاذل وتكذب رسولك. الله نصرك الذي وعدتني به). ودارت رحى الحرب سجالاً يجول إمام المسلمين علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب وغيرهما من أبطال المسلمين الأشاوس يكشفون الغبرة عن جه المسلمين، ويجندلون الأبطال من المشركين، وكانوا يكرون على الأعداء وعلي يصيح، وهو يضرب بطلاً من أبطالهم، خذها وأنا ابن أبي طالب، فيجيبه حمزة، وهو يشد على الفارس منهم ويجندله، ويصيح: خذها وأنا ابن عبد المطلب، وهكذا بقية المغاوير وما هي إلا فترة من الزمن حتى وضعت الحرب أوزارها وانتصر المسلمون ولاقى من المشركين حتفه كل من أبي جهل وأمية بن خلف، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وغيرهم من قادة المشركين. وانهزمت قريش هزيمة، حتى نقل عن عبد الله بن عمرو بن أمية قال: أخبرني من انكشف من قريش يومئذ منهزماً وأنه ليقول في نفسه: ما رأيت مثل هذا فر منه إلا النساء. وقال آخر: شهدت مع المشركين بدراً، وإني لأنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني، وكثرة من معنا من الخيل والرجل فانهزمت فيمن انهزمت فلقد رايتني، وإني لأنظر إلى المشركين في كل وجه، وإني لأقول في نفسي ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء... وطوت المعركة أنفاس عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة وأبي جهل، وأمية بن خلف وأمثال هؤلاء الطواغيت ولكن أبا سفيان لم يخمد، وهو رأس الفتنة، وزعيمهم وجن الليل، وقد هدأـ الأنفاس المتعبة من ثقل الحرب وهومت العيون، التي أرهقت من يوم عسير الحركة، دامي الوجه… فخرج رسول الله، ومن خلفه من أصحابه يحرسونه منهم {{علي، والمقداد}}، ووقف على البئر - الذي أمر فطرح به جثث المشركين - وقال {يا أهل القليب، يا عُتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل،ثم أتيى بأسماء بعض من كان منهم في القليب ـ : هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً.. يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني، وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً؟ فقال المسلمون: يا رسول الله، أتنادي قوماً قد أجيفوا قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني وعاد المسلمون إلى المدينة والنصر يرفرف عليهم، ولكن الأيام لم تدع المسلمين في راحة. فقريش لم تنم على ضيم، وبقيت تلاحق النبي كلما ساعدتها ظروفها من غزوة إلى أخرى، والمقداد الذي أخلص لنبيه، وآمن بدعوته، كان لساناً صادقاً له، وسيفاً مخلصاً في وجه أعدائه، لم تمنعه ما منعة عن مصاحبة نبيه في غزواته ولا تقاعس عن نصرته لحظة ما وآخي رسول الله بين المقداد، وبين عبدالله بن رواحة وقيل بينهوبين أبي ذر الغفاري وكان موقفه المشرف يتجلى مع سيدي ومولاي علي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول، فقد وفى له، يخوض غمار الموت دونه، ويدفع عنه الأخطار ما استطاع، وشهد فتح مصر ولم يتخلف عن واجبه الديني، فهو جندي في ساحة الميدان، وموجه في مضمار الدعوة وأمين على الرسالة يوم تزعزع الناس رحم الله المقداد، فقد كان من الضلاء النجباء، الكبار الأخيار من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ممن رعاهم بعنايته، حتى روي عنه أنه قال أكثر من مرة { أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم وهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان} وفي عام 33 لبي نداء ربه في أرضه بالجرف، وحمل إلى لمدينة فدفن بها وكان ابن سبعين
معاذ بن جبل رضي الله عنه ( أعلمهم بالحلال و الحرام ) معاذ بن جبل رضي الله عنه " وأَعْلَمُ أُمَّتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل000 " حديث شريف معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري000وكنيته أبو عبدالرحمن000أسلم وعمره ثماني عشرة سنـة عندما أسلم سعد بن معاذ -رضي الله عنه - سيد الخزرج الذي طلب من قومه أن يسلمـوا فأسلم الخزرج ومعهم معاذ -رضي اللـه عنه-000وقدم من المدينةالى مكة لمبايعة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ليلـة العقبـة الثانية فبايعه معهم وحضر المشاهـد كلها وروى عن النبـي -صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير من الأحاديث النبوية000 قربه من الرسول لزم معاذ بن جبل النبي -صلى الله عليه وسلم- منذ هجرته الى المدينة000فأخذ عنه القرآن وتلقى شرائع الاسلام حتى صار أقرأ الصحابة لكتاب الله وأعلمهم بشرعه000وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-000وحسبه شهادة له قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( استقرئـوا القرآن من أربعـة ( من ابن مسعـود000وسالم مولى أبي حذيفـة000وأبي000ومعاذ بن جبل )000 وقوله - صلى الله عليه وسلم- ( وأعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل)000 قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( يا مُعاذ ، والله إني لأُحِبّك فلا تنْسَ أن تقول في عَقِب كل صلاة : اللهم أعِنّي على ذِكْرك وشكرك وحُسْن عبادتك )000ولقد حَـذِق معاذ الدرس وأجاد التطبيـق000فقد لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذات صباح فسأله ( كيف أصبحت يا معاذ ؟)000قال ( أصبحت مؤمنا حقّا يا رسول الله )000قال النبي ( إن لكل حق حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟)000قال معاذ ( ما أصبحت صباحا قط إلا ظننت أني لا أمْسي ، ولا أمْسَيت مساء إلا ظننت أني لا أُصْبح ، ولا خطوت خطوة إلا ظننت أني لا أتْبِعُها غيرها ، وكأني أنظر الى كل أمّة جاثية تُدْعى الى كتابها ، وكأني أرى أهل الجنة في الجنة يُنَعَّمون ، وأهل النار في النار يُعَذّبون )000فقال له الرسول ( عرفتَ فالزم)000 ارساله الى اليمن وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ مع رسل ملوك اليمن يعلم الناس دينهم وأوصاه بأمور عدة000 فقد سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- ( بما تحكم يا معاذ ؟)000قال معاذ ( بكتاب الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- (فان لم تجد ؟)000قال معاذ( بسنة رسول الله )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( فان لم تجد ؟)000قال معاذ ( أجتهد رأي ولا آلو )000 قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله )000 فضله لقد كان عمـر بن الخطـاب -رضي اللـه عنه- يستشيـره كثيرا وكان يقول في بعـض المواطـن التي يستعيـن فيها برأي مُعاذ وفقهـه ( لولا معاذ بن جبـل لهلك عمـر )000 ولقد أجاد ابـن مسعـود وصفه حيـن قال ( إن معـاذاً كان أمِّـةً قانتـاً للـهِ حَنيفـاً ، ولقد كنّـا نُشَبِّـه معاذا بإبراهيـم عليـه السـلام )000 دخل ( عائذ الله بن عبد الله ) المسجد يوما مع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول خلافة عمر فيحدثنا ويقول ( فجلست مجلسا فيه بضعٌ وثلاثون كلهم يَذْكرون حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وفي الحلقة شاب شديد الأُدْمَة حلو المنطق وضيء ، وهو أشَبُّ القوم سِنّا ، فإذا اشتبـه عليهم من الحديـث شيء رَدّوه إليه فَأفْتاهم ، ولا يحدثهم إلا حين يسألونه ، ولما قُضيَ مجلسهم دَنَـوْتُ منه وسَألْتُه ( من أنت يا عبد الله ؟)000قال ( أنا معاذ بن جبل )000 ويقول ( أبو مسلم الخولاني ) (دخلت مسجد حمص فإذا جماعة من الكهول يتوسّطهم شاب برّاق الثنايا صامت لا يتكلم ، فإذا امْتَرَى القوم في شيء تَوَجَّهوا إليه يسألونه ، فقلت لجليس لي ( من هذا ؟)000 قال ( مُعاذ بن جبل )000فوقع في نفسي حُبُّه )000 كما قال ( شهر بن حَوْشَب ) ( كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل ، نظروا إليه هيبة له )000 حُبّ العلم كان معاذا -رضي الله عنه- دائب الدعوة الى العلم والى ذكر الله ، فقد كان يقول ( احذروا زيْغ الحكيم ، واعرفوا الحق بالحق ، فإن للحق نوراً )000وكان يرى العبادة قصداُ وعدلا ، قال له يوما أحد المسلمين ( علّمني )000فسأله معاذ ( وهل أنت مطيعي إذا علمتك ؟)000قال الرجل ( إني على طاعتك لحريص )000فقال له معاذ ( صُمْ وأفْطِر ، وصَلِّ ونَمْ ، واكْتَسِب ولا تأثَمْ ، ولا تموتنَّ إلا مُسْلِما ، وإياك ودَعْوَة المظلوم )000وكان يرى العلم معرفة وعملا فيقول ( تعلموا ماشئتـم أن تتعلموا ، فلن ينفعـكم الله بالعلم حتى تعْمَلوا )000وكان يرى الإيمان بالله وذكره استحضارا دائما لعظمته ومراجعة دائمة لسلوك النفس ، يقول الأسود بن هلال ( كُنّا نمشي مع مُعاذ ، فقال لنا اجلسوا بنا نُؤْمِنْ ساعة )000 طهارته مات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومعاذ بن جبل في اليمن ، وفي خلافة أبي بكر رجِع معاذ الى اليمن ، وكان عمر بن الخطاب قد علِمَ أن معاذاً أثرى فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله ، ولم ينتظر عمر بل نهض مسرعا الى معاذ وأخبره ، وقد كان معاذ -رضي الله عنه- طاهر الكف والذمّة ، ولئن كان قد أثرى فإنه لم يكتسب إثما ومن ثم فقد رفض عرض عمر وناقشه رأيه ، وتركه عمر وانصرف ، وفي الغداة سارع معاذ الى عمر يلقاه ولا يكاد يراه حتى يعانقه ودموعه تسبق كلماته ويقول ( لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حَوْمَة ماء ، أخشى على نفسي الغرق ، حتى جئت فخلصتني يا عمر )000وذهبا معا الى أبي بكر وطلب معاذ إليه أن يشاطره ماله فقال أبو بكر ( لا آخذ منك شيئاً )000فنظر عمر الى معاذ وقال له ( الآن حَلَّ وطاب )000فما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا ، لو علم أنه أخذه بغير حق000 أمانته وورعه كما أرسله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الى بني كلاب ليقسم فيهم أعطياتهم ويوزع على فقرائهم صدقات أغنيائهم فقام بواجبه خير قيام000وعاد الى زوجـه بحلسه (ما يوضع على ظهر الدابة) الذي خرج به فقاـلت له امرأته ( أين ما جئت به مما يأتي به الولاة من هدية لأهليهـم ؟)000فقال معاذ ( لقد كان معي رقيب يقظ يحصي علي )000فقالت امرأته ( لقد كنت أمينا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر ثم جاء عمر فبعث معك رقيبا يحصي عليك )000وشاعت ذلك عند نساء عمر وشكته لهن فبلغ عمر000فأرسل الى معاذ وسأله أنا أرسلت معك رقيبا)000فقال ( يا أمير المؤمنين لم أجد ما اعتذر به الا هذا000وقصدت بالرقيب الله عزوجل )000فأعطاه عمر شيئا وقال ( أرضها به)000 معلما ثم واليا للشام وفي خلافة عمر -رضي الله عنه- أرسل اليه واليه على الشام يقول ( يا أمير المؤمنين ان أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن واحتاجوا الى من يعلمهم القرآن،ويفقههم في الدين، فأعني يا أمير المؤمنين برجال يعلمونهم)000فأرسل اليه عمر من يعلمهم وكان أحدهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه-000فلما مات أمير الشام ( أبو عبيدة ) استخلفه أمير المؤمنين على الشام ، ولم يمضِ عليه في الإمارة سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه منيبا ، وكان عمر بن الخطاب يقول ( لو اسْتَخْلفْت معاذ بن جبل فسألني ربي لماذا استخلفته ؟000لقلت : سمعت نبيك يقول : إن العلماء إذا حضروا ربهم عزَّ وجل كان معاذ بين أيديهم )000وهذا رأيه على خلافة المسلمين جميعا 000 طاعون عمواس أصيب معاذ -رضي الله عنه- بالطاعون ، فلما حضرته الوفاة قال ( مرحبا بالموت مرحبا ، زائر بعد غياب وحبيب وفد على شوق )000ثم جعل ينظر الى السماء ويقول ( اللهم إني كنتُ أخافك ، لكنني اليوم أرجوك ، اللهم انك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لغرس الأشجار ، وجري الأنهار ، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات ، ومزاحمة العلماء عند حلق الذكر ، اللهم فتقبل نفسي بخير ما تتقبل به نفسا مؤمنة )000ثم فاضت روحه بعيدا عن الأهل داعيا الى الله مهاجرا في سبيله000وكانت وفاته في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية في طاعون عمواس وعمره ثلاث وثلاثون سنة000 المقداد بن عمرو وأقبل الشيخ أبو معبد .. وهو يحمل لأصحابه حديث (بدر) ، وبدأ حديثه بصوته الهادئ الرزين، وأسلوبه الجميل الجذاب ، يشد المستمعين إليه، قال : أيها المسلمون: هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها وبهذه الفقرة القصيرة ، استنفر رسول الله الناس على أبي سفيبان - زعيم المشركين - وهو عائد بتجارته من الشام فقد كفى ما عاناه المسلمون من قريش، وعنتها وبغيها وظلمها ولماذا يبقى المسلمون في تلكؤ، وقد أصبحت من القوة بما يمكنها من مقابلة المشركين، بعد أن ذاقوا منهم الويلات واضطروا إلى هجر مكة، والإقامة بالمدينة والرسول عليه الصلاة و السلام لم يقم يعمل سلبي تجاه قريش وأحقادها - طيلة هذه المدة - إلا لأنه لم يلمس في أصحابه العدة والعدد لمقابلة القوم فكان موقف الدفاع. أما وقد رأى فيهم بعض الإمكانية، فلماذا لا يحرك النفوس، ويمرنهم للهجوم وكانت خير مناسبة هي اعتراض قافلة أبي سفيان، وهي بتجارة قريش بؤوب من الشام، اشترك فيها أهل مكة جميعهم بحيث لم يبق رجل ولا امرأة استطاعوا أن يسهموا في هذه القافلة إلا فعلوا، حتى قدرت بخسين ألف دينار ولهذا فقد خف الكثير من المسلمين عند أمر النبي لهم بنهب القافلة كما تثاقل جماعة عن الخروج تحسباً للمشاكل التي تستتبعها يا أبا الحارث : اسمعت نداء الرسول، وهو أنت ملبيه ؟ نعم يا أبا معبد جزاك الله خيراً يا أبا الحاريث وكان المقداد بن عمرو البهراني، أو المقداد بن الأسود، أبو عبد الله، يهمه كثيراً أمر صاحبه أبي الحارث بن عتبة غزوان، فقد كانا مسلمين يتكتمان بإسلامهما في مكة، ولم يتمكنا من التظاهر في الهجرة مع المهاجرين، وبقيا ينتظران الفرصة المناسبة وأعلن المشركون أن جيشاً بقيادة( عكرمة بن أبي جهل ) يتوجه لغزو محمد، وفي عشية اليوم يزحف القوم.. وقصد عتبة صاحبه المقداد يا أبا معبد، مناسبة رائعة لو نخرج معهم، وعندما نصل إلى جيش المسلمين ننحاز لهم نعم الرأي ما تقول.. وانظما إلى الجيش الزاحف وبلغ رسول الله نبأ هذا الزحف، فأرسل سرية من السملمين يتراوح عددها بين الستين، والثمانين نفر وكلهم من المهاجرين وليس فيهم من الأنصار أحد، وأمر عليهم عبيد بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف وسار المسلمون حتى بلغوا ماء في (اسفل ثنية المرة)، ولم تقع بينهما حرب إذ انتهت باتفاق، وانصرف المشركون عائدين إلى مكة وكانت اللحظة الحاسمة بالنسبة للمقداد وعتبة، فلم يكد ينشغل جيش العدو بامر عودته، حتى فر المقداد وصاحبه إلى المسلمين واستقبلهما المسلمون بكل ترحاب، وعند عودتهم إلى المدينة رحب الرسول بالمقداد فقد كان من أصحابه الأوائل واستمر المقداد بصلته، فلم يكن جديد عهد بالإسلام فهو سابع رجل آمن بالدعوة، وكان يروي الرسول أن الله أمر بحب أربعة: علي وسلمان وأبي ذر والمقداد ، ولهذا عندما وصل إلى المدينة ، كان أحد المقربين إلى رسول الله، والملازمين له وكان المقداد من المتحمسين - بعد أن وصل الى المدينة - لنهب قافلة قريش، وخاصة أن الرسول (عليه الصلاة و السلام) يريد ذلك.. ولم يخف على أبي سفيان، وهو في طريقه إلى مكة، أن رسول الله استنصر أصحابه على قافلته، فأرسل رسولاً عاجلاً إلى قريش يوقفهم على النبأ، وعلمه كيف يثيرهم ودخل رسول الله مكة، وقد قطع أذني بعيره، وجدع أنفه وحول رحله، ووقف هو عليه، وقد شق قميصه من قُبل ودُبر وهو يصيح يا معشر قريش! اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان وقد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى تدركوها. الغوث الغوث وهز هذا الصياح أرجاء مكة، ووقف الناس كلهم على أهبة الاستعداد، لا بغضاً بمحمد، ولا حباً لأبي سفيان، إنما لكل منهم نصيب في هذه العير وهذا لم يمنع أبا جهل، وعقبة بن أبي معيط أن يأتيا إلى المسجد وبيد عقبة مجمرة فيها بخور، وبيد ابي جهل مكحلة ومرودن وهما يتنقلان بين المتقاعسين من الخروج لنصرة عير ابي سفيان، يقولان للجالسين استجمر فإنما أنت من النساء، أو اكتحل فإنما أنت امرأة وتحشدت قريش استعداداً للزحف، ودار في كل بيت حديث لهم. إنها المرة الأولى، فلوتم لمحمد ما أراد لم تبق لقريش مهابة بعدها إن قريش وغير قريش من الذين ضاقوا ذرعاً بهذه الدعوة الفتية، كانوا يخشون هذا اليوم، الذي كانوا يحسبون له كل الحساب فهذا محمد الذي تحدثوا عن دعوته كلما جان على لسانهم من بذيء القول وخشن الكلام، وصبوا على اتباعه وأصحابه كل ما في طاقتهم من التعذيب، والتعسف، وإذا بالأيام تدور، وتصبح له القابلية على مقابلتها، ويعتزم مهاجمة عيرها وتصل أخبار قريش إلى الرسول تباعاً، وهو بالمدينة يتأهب للخروج، ويجمع أصحابه في رحبة المسجد، ليخبرهم بتصميمه على الغزو، ويطلب رأي المهاجرين، وإذا ضعفُت نفوس وتخوفت أخرى بعد ان بلغهم أن قريشاً زحفت بصناديدها وقف المقداد وسط الجمع وبكل جرأة يقول: يا رسول الله، إمض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون }، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجادنا معك، وقاتلنا من بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك وعن شمالك فقال له رسول الله(صلى الله عليه وسلم): خيراً ودعا له، وأشرق وجهه وسرة، وأعجبه قال ابن مسعود : تمنيت هذا الموقف من المقداد أن يكون لي هو أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم التفت النبي للأنصار، وقال: أشيروا علي أيها الناس قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال النبي : أجل قال : فقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامضٍ يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لُصبر في الحرب، صُدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله ، وما أن أتم سعد كلامه حتى هللت امرأة من الطرف الآخر وهي تقول: مرحباً بك يا سيدنا لا فض الله فاك والتفت القوم كلهم إليها، وبدت عليهم الفرحة، هذه هي النساء والرجال تشد أزر رسولها في عزيمته، والبشر تطفح على وجوههم، والإيمان يقوى نفوسهم، ويدور همس بين القوم من المستبشرة؟ إنها (أم عمارة) يا رسول الله، ومعها لمة من نساء الأنصار يعرضن أنفسهن للنصرة جزاهن الله خيراً فليرجعن إلى أخبيتهن، ففي الرجال الكفاية. لقد اندفع أصحاب النبي إلى الاستعداد، فقد بلغ الأمر أن يتنازع الأب والابن على الخروج، يقول القائلون: تنازع سعد بن خيثمة مع أبيه ايهما يبقى مع النساء، فقال سعد لأبيه : إنه لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لارجو الشهادة في وجهي هذا، فقال خيثمة: آثرني وقر مع نسائك، فأبى سعد، فقال خيثمة: إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم، فأسهما، فخرج سهم سعد، فقتل ببدر ويتحدث المتحدثون - أيضاً - : أن عمير بن أبي وقاص كان صغيراً، فأخذ يتوارى عندما استعرض رسول الله أصحابه فقيل له: لماذا تعمل هكذا يا عمير؟ فقال: أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني، فيردني، وأنا احب الخروج، لعل الله يرزقني الشهادة، فعرض على رسول الله فاستصغره فقال له: ارجع، فبكى عمير، فأجازه. وكان يقصر له حمائل سيفه لصغره، فقتل ببدر وهو ابن ست عشر سنة. وأعلن رسول الله ساعة الرحيل في صباح لم تشرق فيه الشمس بعد من أيام رمضان في السنة الثانية للهجرة، وعددهم لم يتجاوز الثلاثمائة وخمسة أشخاص. قد ملكوا من الإبل سبعين بعيراً، وكانوا يتعاقبونها، حتى رسول الله، فقد أردف خلفه علي بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وذكر أن المقداد كان فارساً وكانت راية المهاجرين بيد علي بن أبي طالب، وراية الأنصار - من الأوس والخزرج - مع سعد بن معاذ وبعد قليل صاح رسول الله بأعلى صوته: سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم وعلى جانبي الطريق وقفت نساء المهاجرين والأنصار يودعن الركب الراحل بقلوب مفعمة بالإيمان والإجلال، وزغردات تبشر بالنصر والمجد ولم تمضِ أيام حتى تقابل الطرفان يستقبلان الحرب ورفع رسول الله يديه إلى السماء قائلاً (اللهم إنك أنزلت علي الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني إحدى الطائفتين وأنت لا تخلف الميعاد، اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تخاذل وتكذب رسولك. الله نصرك الذي وعدتني به). ودارت رحى الحرب سجالاً يجول إمام المسلمين علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب وغيرهما من أبطال المسلمين الأشاوس يكشفون الغبرة عن جه المسلمين، ويجندلون الأبطال من المشركين، وكانوا يكرون على الأعداء وعلي يصيح، وهو يضرب بطلاً من أبطالهم، خذها وأنا ابن أبي طالب، فيجيبه حمزة، وهو يشد على الفارس منهم ويجندله، ويصيح: خذها وأنا ابن عبد المطلب، وهكذا بقية المغاوير وما هي إلا فترة من الزمن حتى وضعت الحرب أوزارها وانتصر المسلمون ولاقى من المشركين حتفه كل من أبي جهل وأمية بن خلف، وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة، وغيرهم من قادة المشركين. وانهزمت قريش هزيمة، حتى نقل عن عبد الله بن عمرو بن أمية قال: أخبرني من انكشف من قريش يومئذ منهزماً وأنه ليقول في نفسه: ما رأيت مثل هذا فر منه إلا النساء. وقال آخر: شهدت مع المشركين بدراً، وإني لأنظر إلى قلة أصحاب محمد في عيني، وكثرة من معنا من الخيل والرجل فانهزمت فيمن انهزمت فلقد رايتني، وإني لأنظر إلى المشركين في كل وجه، وإني لأقول في نفسي ما رأيت مثل هذا الأمر فر منه إلا النساء... وطوت المعركة أنفاس عتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة وأبي جهل، وأمية بن خلف وأمثال هؤلاء الطواغيت ولكن أبا سفيان لم يخمد، وهو رأس الفتنة، وزعيمهم وجن الليل، وقد هدأـ الأنفاس المتعبة من ثقل الحرب وهومت العيون، التي أرهقت من يوم عسير الحركة، دامي الوجه… فخرج رسول الله، ومن خلفه من أصحابه يحرسونه منهم {{علي، والمقداد}}، ووقف على البئر - الذي أمر فطرح به جثث المشركين - وقال {يا أهل القليب، يا عُتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل،ثم أتيى بأسماء بعض من كان منهم في القليب ـ : هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً.. يا أهل القليب، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني، وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً؟ فقال المسلمون: يا رسول الله، أتنادي قوماً قد أجيفوا قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني وعاد المسلمون إلى المدينة والنصر يرفرف عليهم، ولكن الأيام لم تدع المسلمين في راحة. فقريش لم تنم على ضيم، وبقيت تلاحق النبي كلما ساعدتها ظروفها من غزوة إلى أخرى، والمقداد الذي أخلص لنبيه، وآمن بدعوته، كان لساناً صادقاً له، وسيفاً مخلصاً في وجه أعدائه، لم تمنعه ما منعة عن مصاحبة نبيه في غزواته ولا تقاعس عن نصرته لحظة ما وآخي رسول الله بين المقداد، وبين عبدالله بن رواحة وقيل بينهوبين أبي ذر الغفاري وكان موقفه المشرف يتجلى مع سيدي ومولاي علي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول، فقد وفى له، يخوض غمار الموت دونه، ويدفع عنه الأخطار ما استطاع، وشهد فتح مصر ولم يتخلف عن واجبه الديني، فهو جندي في ساحة الميدان، وموجه في مضمار الدعوة وأمين على الرسالة يوم تزعزع الناس رحم الله المقداد، فقد كان من الضلاء النجباء، الكبار الأخيار من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم ممن رعاهم بعنايته، حتى روي عنه أنه قال أكثر من مرة { أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم وهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان} وفي عام 33 لبي نداء ربه في أرضه بالجرف، وحمل إلى لمدينة فدفن بها وكان ابن سبعين