السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
وكان سرُّ الصلاة ولُبها إقبال القلب فيها على الله ، وحضوره بكلِّيته بين يديه ، فإذا لم يقبل عليه وإشتغل بغيره ولهى بحديث نفسه ، كان بمنزلة وافد وفد إلى باب الملك معتذراً من خطاياه ومستمطراً سحائب جوده و كرمه و رحمته ، مستطعماً له ما يقيت قلبه ، ليقوى به على القيام في خدمته ، فلما وصل إلى باب الملك ، ولم يبق إلا مناجته له ، إلتفت عن الملك وزاغ عنه يميناً وشمالاً , أو ولاه ظهره ، و إشتغل عنه بأمقت شيء إلى الملك ، وأقلّه عنده قدراً فآثره عليه ، وبعث غلمانه وخدمة ليقفوا في خدم طاعة الملك عوضاً عنه و يعتذروا عنه ، و ينوبوا عنه في الخدمة ، والملك يشاهد ذلك و يرى حاله مع هذا ، فكرم الملك وجوده وسعة برّه و إحسانه تأبي أن يصرف عنه تلك الخدم و الأتباع ، فيصيبه من رحمته و إحسانه ؛ لكن فرق بين قسمة الغنائم على أهل السُّهمان من الغانمين ، و بين الرضَّخ لمن لا سهم له : ( ولكل درجات ممَّا عملوا و ليُوَفيهم أعمالهم و هم لا يظلَمون ) ، والله سبحانه و تعالى خلق هذا النوع الإنساني لنفسه و اختصه له ، وخلق كل شيء له ، و من أجله كما في الأثر الإلهي : " ابن آدم خلقتك لنفسي فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب ، ابن آدم اطلبني تجدني ، فإن وجدتني وجدت كلّ شيء ، وإن فُتَّك فاتك كلّ شيء ، وأنا أحب إليك من كلّ شيء ".
•° °•
ما بين الصلوات الخمسة تحدث الغفلة
وما بين الصلاتين تحدث للعبد الغفلة و الجفوة و القسوة ، والإعراض والزَّلات ، والخطايا ، فيبعده ذلك عن ربه ، وينحّيه عن قربه ، فيصير بذلك كأنه أجنبياً من عبوديته ، ليس من جملة العبيد ، وربما ألقى بيده إلى أسر العدو له فأسره ، وغلَّه ، وقيَّده ، وحبسه في سجن نفسه وهواه .
فحظه ضيق الصدر ، ومعالجة الهموم ، والغموم ، والأحزان ، والحسرات ، ولا يدري السبب في ذلك ,فإقتضت رحمه ربه الرحيم الودود أن جعل له من عبوديته , عبودية جامعة ، مختلفة الأجزاء ، والحالات بحسب إختلاف الأحداث التي كانت من العبد ، وبحسب شدَّة حاجته إلى نصيبه من كل خير من أجزاء تلك العبودية .
•° °•
الكلام عن الوضوء
فبالوضوء يتطَّهر من الأوساخ ، ويُقدم على ربِّه متطهرا ، والوضوء له ظاهر وباطن :
فـظاهره : طهارة البدن ، وأعضاء العبادة , وباطنه و سرّه : طهارة القلب من أوساخ الذنوب والمعاصي وأدرانه بالتوبة ؛ ولهذا يقرن جل و علا بين التوبة والطهارة في قوله تعالى : ( إن الله يحب التَّوابين و يحب المتظهرين) , وشرع النبي صلى الله عليه وسلم للمتطهِّر أن يقول بعد فراغه من الوضوء أن يتشهد ثم يقول : " اللهم اجعلني من التوّابين ، واجعلني من المتطهرين " .
فكمَّل له مراتب العبدية و الطهارة ، باطنا و ظاهرا ، فإنه بالشهادة يتطهر من الشرك ، وبالتوبة يتطهر من الذنوب ، وبالماء يتطهر من الأوساخ الظاهرة .
•° °•
من تمام العبودية الذهاب للمسجد
فلما طهر ظاهراً وباطناً ، أذن له بالدخول عليه بالقيام بين يديه وبذلك يخلص من الإباق وبمجيئه إلى داره ، ومحل عبوديته يصير من جملة خدمه ، ولهذا كان المجيء إلى المسجد من تمام عبودية الصلاة الواجبة عند قوم والمستحبة عند آخرين ، فإذا وقف بين يديه موقف والتذلل والانكسار ، فقد إستدعى عطف سيِّده عليه ، وإقباله عليه بعد الإعراض عنه .
•° °•
عبودية التكبير " الله أكبر "
وأُمر بأن يستقبل القبلة بوجهه ، ويستقبل الله عز وجل بقلبه ، لينسلخ مما كان فيه من التولي والإعراض ، ثم قام بين يديه مقام المتذلل الخاضع المسكين المستعطف لسيِّده عليه ، وألقى بيديه مسلّماً مستسلماً ناكس الرأس ، خاشع القلب مُطرق الطرف لا يلتفت قلبه عنه ، وطرفة عين ، لا يمنة ولا يسرة ، خاشع قد توجه بقلبه كلِّه إليه , وأقبل بكليته عليه ، ثم كبَّره بالتعظيم والإجلال وواطأ قلبه لسانه في التكبير فكان الله أكبر في قلبه من كلِّ شيء ، و صدَّق هذا التكبير بأنه لم يكن في قلبه شيء أكبر من الله تعالى يشغله عنه ، فإنه إذا كان في قلبه شيء يشتغل به عن الله دلّ على أن ذلك الشيء أكبر عنده من الله فإنه إذا اشتغل عن الله بغيره ، كان ما اشتغل به هو أهم عنده من الله ، وكان قوله " الله أكبر " بلسانه دون قلبه ؛ لأن قلبه مقبل على غير الله ، معظماً له ، مجلاً ، فإذا ما أطاع اللسان القلب في التكبير ، أخرجه من لبس رداء التكبّر المنافي للعبودية ، ومنعه من التفات قلبه إلى غير الله .
•° °•
عبودية الإستفتاح
فإذا قال : " سبحانك اللهم وبحمدك " و أثنى على الله تعالى بما هو أهله ، فقد خرج بذلك عن الغفلة وأهلها ، فإن الغفلة حجاب بينه وبين الله , وأتى بالتحية و الثناء الذي يُخاطب به الملك عند الدخول عليه تعظيماً له ، وكان ذلك تمجيداً و مقدمة بين يدي حاجته.
فكان في الثناء من آداب العبودية ، وتعظيم المعبود ما يستجلب به إقباله عليه ، ورضاه عنه ، وإسعافه بفضله , وقضاء حوائجه.
•° °•
حال العبد في القراءة والاستعاذة
فإذا شرع في القراءة قدَّم أمامها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فإنه أحرص ما يكون على خُذلان العبد في مثل هذا المقام الذي هو أشرف مقامات العبد وأنفعها له في دنياه وآخرته ، فهو أحرص شيء على صرفه عنه ، وإنتفاعه دونه بالبدن والقلب ، فإن عجز عن إقتطاعه وتعطيله عنه بالبدن إقتطع قلبه وعطَّله ، وألقى فيه الوساوس ليشغله بذلك عن القيام بحق العبودية بين يدي الرب تبارك وتعالى ، فأمر العبد بالإستعاذة بالله منه ليسلم له مقامه بين يدي ربه ، ويستنير بما يتدبره ويتفهمه من كلام الله سيِّده الذي هو سبب حياة قلبه ، ونعيمه وفلاحه ، فالشيطان أحرص شيء على إقتطاع قلبه عن مقصود التلاوة.
ولما علم الله سبحانه وتعالى حَسَد العدو للعبد ، وتفرّغه له ، وعلم عجز العبد عنه ، أمره بأن يستعيذ به سبحانه ، ويلتجئ إليه في صرفه عنه ، فيكتفي بالاستعاذة من مؤونة محاربته و مقاومته ، وكأنه قيل له : لا طاقة لك بهذا العدو ، فاستعذ بي أعيذك منه ، وإستجر بي أجيرك منه ، وأكفيكه و أمنعك منه .
•° °•
حال العبد في الفاتحة
فينبغي بالمصلي أن يقف عند كل آية من الفاتحة وقفة يسيرة ، ينتظر جواب ربِّه له ، وكأنه يسمعه و هو يقول : " حمدني عبدي " إذا قال : (الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ) .
فإذا قال : ( الرَّحمن الرَّحيم ) وقفَ لحظة ينتظر قوله : " أثنى عليَّ عبدي ".
فإذا قال : ( مالكِ يومِ الدِّينِ ) انتظر قوله : " مجَّدني عبدي ".
فإذا قال : ( إيَّاك نَعبدُ وإيَّاك نَستعين) إنتظر قوله تعالى : " هذا بيني و بين عبدي ".
فإذا قال : (اهدِنا الصِّراط المُستقيم) إلى آخرها إنتظر قوله : " هذا لعبدي و لعبدي ما قال ".
فلكلٍّ عبوديته من عبودية الصلاة سرٌّ و تأثيرٌ و عبودية لا تحصل في غيرها ، ثمَّ لكل آية من آيات الفاتحة عبودية وذوق يخُصُّها لا يوجد في غيرها.
فعند قوله : ( الحمد لله رب العالمين ) , تجد تحت هذه الكلمة إثبات كمال للرب وصفاً وفعلاً و اسماً ، و تنزيهه سُبحَانه وبحمده عن كلِّ سوء ، فعلاً ووصفاً واسماً ، فهو جل و علا محمود في أفعاله و أوصافه وأسمائه ، مُنزَّه عن العيوب و النقائص في أفعاله وأوصافه و أسمائه , فأفعاله كلّها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل ولا تخرج عن ذلك ، وأوصافه كلها أوصاف كمال ، ونعوت جلال ، وأسماؤه كلّها حُسنى.
•° °•
عبودية ** ربِّ العالمين
ثم لقول العبد ( ربِّ العالمين) من العبودية شهود تفرّده سبحانه بالربوبية وحده ، وأنَّه كما أنه رب العالمين ، وخالقهم ، ورازقهم ، ومدبِّر أمورهم ، وموجدهم ، ومغنيهم ، فهو أيضا وحده إلههم ، ومعبودهم ، وملجأهم ومفزعهم عند النوائب ، فلا ربَّ غيره ، ولا إله سواه.
•° °•
عبودية ** الرَّحمَن الرَّحيم
و لقوله : ( الرَّحمن الرَّحيم ) عبودية تخصه سبحانه ، وهي شهود العبد عموم رحمته.
وشمولها لكلّ شيء ، وسعتها لكلِّ مخلوق وأخذ كلّ موجود بنصيبه منها ، ولا سيما الرحمة الخاصَّة بالعبد وهي التي أقامته بين يدي ربه , فبرحمته للعبد أقامه في خدمته يناجيه بكلامه ، ويتملقه ويسترحمه ويدعوه ويستعطفه ويسأله هدايته ورحمته ، وتمام نعمته عليه دنياه وأخراه فهذا من رحمته بعبده .
•° °•
عبودية ** مالكِ يومِ الدِّينِ }
ويعطى قوله ** مالك يوم الدِّين } عبوديته من الذلِّ والإنقياد ، وقصد العدل والقيام بالقسط ، وكفَّ العبد نفسه عن الظلم والمعاصي ، وليتأمل ما تضمنته من إثبات المعاد وتفرَّد الربِّ في ذلك بالحكم بين خلقه ، وأنه يومٌ يدين الله فيه الخلق بأعمالهم من الخير والشر ، وذلك من تفاصيل حمده ، وموجبه كما قال تعالى : (وقُضيَ بينَهم بالحقِّ وقيل الحمدُ لله ربِّ العالمين).
•° °•
عبودية ** إيَّاك نعبدُ
فإذا قال : ( إيَّاك نعبدُ وإيَّاك نستعين ), إنتظر جواب ربه له : " هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ".
وتأمل عبودية هاتين الكلمتين وحقوقهما ، وميِّز الكلمة التي لله سبحانه وتعالى ، والكلمة التي للعبد ، وفِقهِ سرَّ كون إحداهما لله ، والأخرى للعبد ، وميِّز بين التوحيد الذي تقتضيه كلمة ( إيَّاك نعبدُ) , والتوحيد الذي تقتضيه كلمة ( و إيَّاك نستعين ) ، وفِقهَ سرَّ كون هاتين الكلمتين في وسط السورة بين نوعي الثناء قبلهما ، والدعاء بعدهما ، وفِقه تقديم ( إياك نعبد ) على ( وإياك نستعين ) ، وسرَّ إعادة الضمير مرَّة بعد مرة .
•° °•
تقديم العبادة على الإستعانة
قـلت : أراد تقديم العبادة ـ و هي العمل ـ على الإستعانة ، فالعبادة لله والإستعانة للعبد ، فالله هو المعبود ، وهو المستعان على عبادته ، فإياك نعبد ؛ أي إياك أريد بعبادتي ، وهو يتضمن العمل الصالح الخالص ، والعلم النافع الدال على الله ، معرفة ومحبة ، وصدقاً وإخلاصاً ، فالعبادة حق الرب تعالى على خلقه ، والإستعانة تتضمن إستعانة العبد بربه على جميع أموره ، وهي القول المتضمن قسم العبد.
فكل عبادة لا تكون لله وبالله فهي باطلة مضمحلة ، وكل إستعانة تكون بالله وحده فهي خذلانٌ و ذل.
•° °•
ضرورة العبد لقوله ** اهدنا الصِّراط المُستقيم
ثم ليتأمل العبد ضرورته و فاقته إلى قوله ( اهدنا الصِّراط المُستقيم ) ,الذي مضمونه معرفة الحق ، وقصده وإرادته والعمل به ، والثبات عليه ، والدعوة إليه ، والصبر على أذى المدعو إليه فباستكمال هذه المراتب الخمس يستكمل العبد الهداية وما نقص منها نقص من هدايته.
•° °•
عبودية التأمين ورفع اليدين
وشرع له التأمين في آخر هذا الدعاء تفاؤلاً بإجابته ، وحصوله ، وطابعاً عليه ، وتحقيقاً له ، ولهذا إشتد حسدُ اليهود للمسلمين عليه حين سمعُوهم يجهرون به في صلاتهم.
ثم شرع له رفع اليدين عند الركوع تعظيما لأمر الله ، وزينةً للصلاة ، وعبودية خاصةً لليدين كعبودية باقي الجوارح ، وإتباعاً لسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حليةُ الصلاة ، وزينتها وتعظيمٌ لشعائرها.
ثم شرع له التكبير الذي هو في إنتقالات الصلاة من رُكن إلى ركن ، كالتلبية في انتقالات الحاجِّ ، من مشعر إلى مشعر ، فهو شعار الصلاة ، كما أن التلبية شعار الحج .
•° °•
عبودية الركوع
ثم شرع له بأن يخضع للمعبود سبحانه بالركوع خضوعاً لعظمة ربه ، وإستكانة لهيبته و تذللا لعزته.
فثناء العبد على ربه في هذا الركن ؛ هو أن يحني له صلبه ، ويضع له قامته ، وينكس له رأسه ، ويحني له ظهره ، ويكبره مُعظماً له ، ناطقاً بتسبيحه ، المقترن بتعظيمه.
فاجتمع له خضوع القلب ، وخضوع الجوارح ، وخضوع القول على أتم الأحوال ، ويجتمع له في هذا الركن من الخضوع والتواضع والتعظيم والذكر ما يفرق به بين الخضوع لربه ، والخضوع للعبيد بعضهم لبعض ، فإنَّ الخضوع وصف العبد ، والعظمة وصف الرب .
وتمام عبودية الركوع أن يتصاغر الراكع ، ويتضاءل لربه ، بحيث يمحو تصاغره لربه من قلبه كلَّ تعظيم فيه لنفسه ، ولخلقه ويثبت مكانه تعظيمه ربه وحده لا شريك له .
•° °•
عبودية القيام
ثم نقله منه إلى مقام الاعتدال والاستواء ، واقفاً ًفي خدمته ، بين يديه كما كان في حالة القراءة في ذلك ، ولهذا شرع له من الحمد والمجد نظير ما شرع له من حال القراءة في ذلك.
ولهذا الاعتدال ذوقٌ خاص وحال يحصل للقلب ، ويخصه سوى ذوق الركوع وحاله ، وهو ركنٌ مقصود لذاته كركن الركوع والسجود سواء.
ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُطيلُه كما يطيل الركوع والسجود ، ويُكثر فيه من الثناء والحمد والتمجيد ، كما ذكرناه في هديه صلى الله عليه وسلم في صلاته وكان في قيام الليل يُكثر فيه من قول : " لربي الحَمد ، لربي الحمد " ويكرِّرها.
•° °•
عبودية السجود
ثم شرع له أن يكبر ويدنو ويخرَّ ساجدا ، ويُعطي في سجوده كل عضو من أعضائه حظَّه من العبودية ، فيضع ناصيته بالأرض بين يدي ربه ، راغماً له أنفه ، خاضعاً له قلبه ، ويضع أشرف ما فيه ـ وهو وجهه ـ بالأرض ، متذلِّلاً لعظمة ربه ، خاضعاً لعزَّته ، منيباً إليه ، مستكيناً ذلاً و خضوعاً وانكساراً .
وأشرف أفعال الصلاة السجود ، وأشرف أذكارها القراءة ، وأول سورة أنزلت على النبي صلى الله عليه و سلم سورة ( اقرأ باسم ربِّك ) افتتحت بالقراءة ، وخُتمت بالسجود ، فوضعت الركعة على ذلك ، أولها قراءة وآخرها سجود.
•° °•
حال العبد بين السجدتين
ثم شرع له أن يرفع رأسه ، ويعتدل جالساً ، ولما كان هذا الاعتدال محفوفاً بسجودين ؛ سجود قبله ، وسجود بعده ، فينتقل من السجود إليه ، ثم منه إلى السجود الآخر ، كان له شأن ، فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يطيل الجلوس بين السجدتين بقدر السجود يتضرع إلى ربه فيه ، ويدعوه و يستغفره ، ويسأله رحمته ، وهدايته ورزقه وعافيته ، وله ذوق خاص ؛ فالعبد في هذا القعود يتمثَّل جاثياً بين يدي ربه ، مُلقيا نفسه بين يديه ، مُعتَذراً إليه مما جَناَه ، راغباً إليه أن يغفر له ويرحمه ، مستَعدياً له على نفسه الأمَّارة بالسوء.
•° °•
عبودية الجلوس للتشهد ومعنى التحيات
و لما كان من عادة الملوك أن يحيوا بأنواع التحيات من الأفعال والأقوال المتضمنة للخضوع لهم ، والذل ، والثناء عليهم وطلب البقاء ، والدوام لهم ، وأن يدوم ملكهم.
كان الملك الحق المبين ، الذي كل شيء هالك إلا وجهه سبحانه أولى بالتحيات كلِّها من جميع خلقه ؛ ولهذا فُسرت التحيات بالملك ، وفسرت بالبقاء والدوام , فالله سبحانه هو المتصف بجميع ذلك ، فهو أولى به فهو سبحانه المَلك ، وله المُلك ، فكل تحية تحي بها ملك من ثناء ، أو بقاء ، أو دوام فهي لله على الحقيقة ؛ ولهذا أتى بها مجموعة معرَّفة بالألف واللام إرادة للعموم .
•° °•
عطف الصلوات والطيبات
ثم عطف عليها الصلوات بلفظ الجمع والتعريف ؛ ليشمل ذلك كلّ ما أُطلق عليه لفظ الصلاة خصوصاً و عموماً ، فكلّها لله ولا تنبغي إلا له ، ثم عطف عليها بالطيِّبات ، والطيبات تتضمن تسبيحه ، وتحميده ، وتكبيره ، وتمجيده ، والثناء عليه بالآئه وأوصافه ؛ فهذه الكلمات الطيبات التي يثنى عليه بها ، ومعانيها له وحده لا شريك له
•° °•
عبودية التَّسليم على الأنبياء والصالحين
ثم شرع له أن يسلِّم على سائر عباد الله الصالحين ، وهم عباده الذين إصطفى بعد الثناء ، وتقديم الحمد لله فطابق ذلك قوله : ( قُل الحمدُ للهِ و سلامٌ على عباده الذين اصطفى ) ، وكأنه إمتثال له ، وأيضا فإن هذا تحية المخلوق فشرعت بعد تحية الخالق وقدم في هذه التحية أولى الخلق بها وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي نالت أمته على يده كل خير ، وعلى نفسه ، وبعده وعلى سائر عباد الله الصالحين ، وأخصهم بهذه التحية الأنبياء و الملائكة ، ثم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وأتباع الأنبياء مع عمومها كل عبد صالح في السماء و الأرض.
•° °•
معنى الشهادتين في التحيات
ثم شرع له أن يشهد شهادة الحق التي بنيت عليها الصلاة ، والصلاة حق من حقوقها ، ولا تنفعه إلا بقرينتها وهي الشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة , فجعلت شهادة الحق خاتمة الصلاة , كما شرع أن تكون هي خاتمة الحياة•° °•
الصلاة على النبيِّ - عليه الصلاة و السلام -
و شرع له قبل التسليم الصلاة و السلام على النبي صلى الله عليه و سلم قال الشيخ بن عثيمين : أنَّ السَّلامَ عليه يشمَلُ السَّلامَ على شرعِه وسُنَّتِه ِ، وسلامتها من أن تنالها أيدي العابثين , الصَّلاةَ عليه تعني : الثناء عليه في الملأ الأعلى " -، فإنها من أعظم الوسائل بين يدي الدعاء ، كما في السنن عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " إذا دعا أحدكم فليبدأ بحمد الله ، والثناء عليه ، وليصل على رسوله ثم ليسل حاجته ".
فجاءت التحيات على ذلك ، أولها حمدٌ لله ، والثناء عليه ثم الصلاة على رسوله ثم الدعاء آخر الصلاة ، وأَذِنَ النبي صلى الله عليه وسلم للمصلي بعد الصلاة عليه أن يتخير من المسألة ما يشاء.
•° °•
الكلام على التسليم
ولما كان العبد بين أمرين من ربه عز و جل , أحدهما حكم الرب عليه في أحواله كلها ظاهراً و باطناً - الحكم الكوني القدري - , والثاني فعل يفعله العبد عبودية لربه-حكمه الديني الأمري- , وكلا الأمرين يوجبان بتسليم النفس إلى الله سبحانه ، ولهذا إشتق له اسم الإسلام من التسليم ، فإنه لما سلّم لحكم ربه الديني الأمري ، ولحكمه الكوني القدري ، بقيامه بعبودية ربه فيه لا بإسترساله في الهوى ، والشهوات ، والمعاصي ، ويقول : قُدَّر عليّ, إستحق اسم الإسلام فقيل له : مسلم.
•° °•
الفَرق والموازنَة بين ذَوق الصَّلاة والسَّماع
•° أسرار الصَّلاة °•
للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة
.اذكار مابعد الصلاة واهميتها
1 إذا سلم يقول : استغفر الله استغفر الله استغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام كما في حديث ثوبان رواه مسلم .
2 يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد كما في حديث المغيرة في الصحيحين .
3 يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون كما في حديث ابن الزبير في صحيح مسلم .
4 يقول : اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك كما في حديث البراء في صحيح مسلم .
5 يقول : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت كما في حديث علي رضي الله عنه في صحيح مسلم .
6 ثم يسبح ويحمد ويكبر وهذا ثبت فيه أربع صفات وهي :
الأولى : أن تقول : سبحان الله عشر مرات ، الحمدلله عشر مرات ، الله أكبر عشر مرات كما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة وغيره تسبحون في دبر كل صلاة عشرًا وتحمدون عشرًا وتكبرون عشرًا .
الصفة الثانية : أن تقول : سبحان الله خمساً وعشرين ، الحمدلله خمساً وعشرين ، الله أكبر خمساً وعشرين ، لا إله إلا الله خمساً وعشرين فيكون المجموع مائة وهذا جاء في حديث ابن عمر وحديث زيد بن ثابت رواهما النسائي وهذه الصفة ثابتة .
الصفة الثالثة : أن تقول : سبحان الله ثلاثاً وثلاثين ، الحمدلله ثلاثاً وثلاثين ، الله أكبر أربعاً وثلاثين فهذه مائة وهذه الصفة جاءت في الصحيح .
الصفة الرابعة : أن تقول : سبحان الله ثلاثاً وثلاثين ، الحمدلله ثلاثاً وثلاثين ، الله أكبر ثلاثاً وثلاثين ، وتمام المائة تقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وهذه في الصحيح أيضاً ـ وهي التي ورد فيها غفران الخطايا وإن كانت مثل زبد البحر ـ .
فهذه أربعة أنواع جاءت عن الرسول عليه الصلاة والسلام ، والحكمة في تنوع هذه الأذكار مثل الحكمة في تنوع العبادات كالاستفتاحات وأنواع التشهدات وما شابه ذلك ، فالحكمة من ذلك أن الإنسان عندما يعتاد على شيء معين قد يغفل عن تدبر هذا الشيء وتفهم معانيه واستحضار النية فيه لأنه اعتاد عليه ، ولكن عندما يتغير هذا الشيء فإنه يدعوه إلى أن ينتبه وبالتالي يخشع ويتدبر في فعله لهذه العبادة ، وكذلك فيما يتعلق بالتسبيح فأحياناً الإنسان قد يكون مستعجلاً فإنه يقتصر على عشر تسبيحات وعشر تحميدات وتكبيرات بدلاً من أن يأتي بمائة ويكون بذلك قد أتى بالسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا لم يكن مستعجلاً فإنه يأتي بالنوع الآخر وهكذا .
7 يقرأ : آية الكرسي كما في حديث أبي أمامة واسناده لا بأس به .
8 يقرأ : المعوذات وهي سورة الفلق وسورة الناس كما في حديث عقبة بن عامر ، وأما سورة الاخلاص فالحديث ضعيف بذلك ، ولذلك يقتصر على المعوذات .
وأما الترتيب بهذه الأشياء فالواضح هو تقديم الاستغفار والتهليل ، وإن قدم المعوذات وآية الكرسي على التسبيح والتحميد والتكبير فالأمر واسع ولله الحمد .
هذا باختصار فيما يتعلق بأذكار دبر الصلاة أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا .
.هنا الناس فى الصلاه على مراتب خمسه
أركان الإسلام
الصلوات الخمس
والصلاة نور
أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة
من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله
من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات
قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله
تجارة لن تبور
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
وأقم الصلاة لذكري
وأقم الصلاة طرفي النهار