عرض مشاركة واحدة
قديم 01-13-2013, 09:16 PM   #866


الصورة الرمزية قيس
قيس غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1949
 تاريخ التسجيل :  Oct 2012
 أخر زيارة : 01-31-2014 (08:05 PM)
 المشاركات : 6,701 [ + ]
 التقييم :  71584925
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي رد: مدونتى من اختيارى




كنت أسمع الحكمة التي تقول احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة، ولم أكن أرى فيها تعبيراً صادقاً عن الصداقة الحقيقية، ولكن القلوب تتقلب وما سمي القلب إلا لتقلبه، والنفوس تطرأ عليها أحوال وأعراض، فاستقيت من كتب التراث ما يعبر عن هذا الحال.

أشق ما في الصديق أن يكون متلوناً والعاقل لا يجب منه ذلك، قال أبو حاتم: العاقل لا يقصر في تعاهد الوداد ولا يكون ذا لونين وذا لقبين بل يوافق سره علانيته وقوله فعله.
وقد قال المقنع:
ابلِ الرجال إذا أردت إخاءهم
وتوسمنَّ أمورهم وتفقدِ
فإذا ظفرت بذي اللبابة والتقى
فيه اليدين قرير عين فاشددِ
ومتى يزل ولا محالة زلة
فعلى أخيك بفضل رأيك فارددِ
ويروى عن محمد بن حسين: أنه قال: كان أعرابي بالكوفة وله صديق يظهر له مودته ونصحه فاتخذه الأعرابي من عدده في الشدائد فأتاه في حاجة فوجده بعيداً مما كان يظهر للأعرابي فأنشد الأعرابي:
إذا كان ود المرء ليس بزائدٍ
على مرحبا أو كيف أنت وحالكا
ولم يك إلا كاشراً أو محدثاً
فأفٍّ لودٍّ ليس إلا كذلكا
لسانك معسول ونفسك بشة
وعند الثرايا من صديقك مالكا
وأنت إذا همت يمينك مرة
لتفعل خيراً قاتلتها شمالكا
وقال محمد بن خلف التيمي أنشدني رجل من خزاعة قال:
وليس أخي من ودني بلسانه
ولكن أخي من ودني في النوائب
ومن ماله مالي إذا كنت معدماً
ومالي له إن عض دهر بغارب
وما هو إلا كيف أنت ومرحبا
وبالبيض رواغ كروغ الثعالب
ويحسن بالإنسان أن يتحمل ما يحدث من أصدقائه لأن من أخذ صديقه بأول هفوة تركه الزمان بلا صديق، والإنسان قليل بنفسه كثير بإخوانه، ولكن ما كل صديق بصديق فقد قيل: إن أخاك من واساك وإن أخاك من يسعى معك ومن يضر نفسه لينفعك، وقال الشاعر:
وما أكثر الإخوان حين تعدهم
ولكنهم في النائبات قليل
وقال أحد الحكماء: من لم يعاشر الناس ويلزم الإغضاء عما يأتون من المكروه وترك التوقع لما يأتون من المحبوب كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه.
وقال أبو الدرداء لأم الدرداء: إذا غضبتُ فرضيني وإذا غضبتِ ترضيتك وإن لم نكن كذلك فما أسرع ما نفترق. وقال أبو حاتم: العاقل إذا اضطر إلى صحبة من لا يثق به أو صداقة من يثق به ورأى منه زلة فرفضه لزلته بقي وحيداً لا يجد من يعاشره، ويجب تحمل زلات الصديق الصادق ولا يناقش الصديق السيئ عن عثراته.
وأنشد منصور بن محمد القريظي:
أغمض عيني عن صديقي كأنني
لديه بما يأتي من القبح جاهل
وما بي جهل غير أن خليقتي
تطيق احتمال الكره فيما أحاول
متى ما يريني مفصلاً فقطعته
بقيت ومالي في نهوضي مفاصل
ولكن أداريه وإن صح شدني
فإن هو أعيا كان فيّ تحامل
يقول لو أني كلما رابني من صديق أمر يسبب فصل ما بيننا من مودة لم أجد من ينهض بي عند عثرتي. وفي هذا المعنى قال بشار:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً
صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه
فعش واحداً أو صل أخاك فإنه
مقارف ذنب مرة ومجانبه
وفي هذا المعنى يقول اليازجي في مقاماته:
إني لقد جربت أخلاق الملا
حتى عرفت ما بدا وما اختفى
كل يذم الدهر فالذي نجا
بذمه يدخل في ذم الملا
والمرء مطبوع على البخل إذا
جاد فجوده عن العرض فدى
يريد أن يغترف البحر ولا
يترك منه قطرة تروي الملا
ينسى من المحسن طوداً قد رسا
وليس ينسى ذرة ممن أسى
ولا يحب غير نفسه فما
أحبه فهو إلى النفس انتهى
كل يعد نفسه نعم الفتى
فمن هو اللئيم فينا يا ترى
وقال الشافعي -رحمه الله- يصف أهل زمانه ويوصي بالاعتزال عنهم فكيف بأهل زماننا:
كن ساكناً في ذا الزمان بسيره
وعن الورى كن راهباً في ديره
واغسل يديك من الزمان وأهله
واحذر مودتهم تنل من خيره
إني اطلعت فلم أجد لي صاحباً
أصحبه في هذا الزمان وغيره
فتركت أعلاهم لقلة خيره
وتركت أسفلهم لكثرة شره
والسبب الذي يوجب الاعتزال عن الناس أن أكثرهم يدفن الخير وينشر الشر، فيدفن الحسنة و يظهر السيئة، فإن كان المرء عالماً بدعوه، وإن كان جاهلاً عيروه، وإن كان فوقهم حسدوه، وإن كان دونهم حقروه، وإن نطق قالوا مهذار، وإن سكت قالوا عيي، وإن أمسك قالوا مقتر، وإن أنفق قالوا مبذر، فالنادم في العواقب من اغتر بقوم هذا نعتهم وغره أناس هذا وصفهم.
قال إبراهيم ابن شماس: قال لي حفص بن حميد صاحب ابن المبارك: يا إبراهيم صحبت الناس خمسين سنة فلم أجد أحداً ستر لي عورة ولا وصلني إذا قطعته، فالاشتغال بهؤلاء حمق كثير.
وأنشد محمد بن مهاجر لعلي بن حجر السعدي هذه الأبيات:
زمانك ذا زمان دخول بيت
وحفظ للسان وخفض صوت
فقد مرجت عهود الناس إلا
أقلهم فبادر قبل فوت
فما يبقى على الأيام شيء
وما خلق امرؤ إلا لموت
وروى أنس ابن مالك عن أبي ذر -رضي الله عنهما- أنه قال: كان الناس ورقاً بلا شوك فهم اليوم شوك لا ورق فيه.
قال عمار بن ياسر رضي الله عنه: ثلاث من جمعهن جمع الإيمان: الإنفاق من الإقتار والإنصاف من النفس وبذل السلام لكل أحد.
وقال آخر: الواجب على المسلم إذا لقي أخاه أن يسلم عليه مبتسماً لأن الخطايا تتحات كما يتحات ورق الشجرة اليابسة واستحق المحبة من لقي الناس ببشاشة وجه.
وأنشد الأبرش:
أخو البشر محبوب على حسن بشره
ولم يعدم البغضاء من كان عابسا
ويسرع بخل المرء في هتك عرضه
ولم أرَ مثل الجود للمرء حارسا
والبشاشة إدام العلماء وسجية الحكماء لأن البشر يطفئ نار المعاندة ويحرق هيجان المباغضة وفيه تحصين من الباغي ومنجاة من الساعي، ومن بش للناس وجهاً كان عندهم مثل الباذل لهم من ماله ما يملك.
قال سعيد بن عبيد الطائي:
ألق بالبشر من لقيت من النا
س جميعاً ولاقهم بالطلاقة
تجني منهم جني ثمار فخذها
طيباً طعمه لذيذ المذاقة
وقال سعيد بن عبدالرحمن الزبيدي: يعجبني من القراء كل سهل طلق مضحاك، وأما من تلقاه بسرور ويلقاك بعبوس يمنَّ على الناس بعلمه فلا أكثر الله من القراء مثله.
وأنشد حماد بن إسحاق:
فتى مثل صفو الماء أما لقاؤه
فبشر وأما وعده فجميل
يسرك مفتراً ويشرق وجهه
إذا اعتل مذموم الفعال بخيل
عيي عن الفحشاء أما لسانه
فعف وأما طرفه فكليل
قال حبيب بن ثابت: من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو يبتسم.
ويجب على العاقل ألا يمنع أخاه شيئاً يحتاج إليه ليجبر مصيبته أو يفرج به كربته، والعاقل لا يؤاخي اللئيم لأن اللئيم كالحية لا يوجد عندها إلا اللدغ والسم واللئيم لا يؤاخي إلا عن رغبة أو رهبة، والكريم يود الكريم لأول مرة يلقاه، وأنشد محمد بن إبراهيم البصري شعراً:
لا يغرنك صديق أبدا
لك في المنظر حتى تخبره
كم صديق كنت منه في عمى
غرني منه زماناً منظره
كان يلقاني بوجه طلق
وكلام كاللآلي ينثره
فإذا فتشت عن غيبه
لم تجد ذاك لود يضمره
فدع الإخوان إلا كل من
يضمر الود كما قد يظهره
فإذا فزت بمن يجمع ذا
فاجعلنه لك ذخراً تدخره
وعن سعيد بن المسيب -رضي الله عنه- قال وضع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للناس ثمانية عشر كلمة كلها حكم حيث قال: ما كافأت من عصى الله فيك بمثل من تطيع الله فيه، واحمل أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظن بكلمة خرجت من مسلم شراً وأنت تجد لها من الخير محملاً، ومن تعرض للتهم فلا يلومن من أساء الظن فيه، ومن كتم سره كانت الخيرة بيده، وعليك بإخوان الصدق عش في أكنافهم فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء، وعليك بالصدق وإن قتلك، ولا تتعرض لما لا يعنيك، ولا تسأل عما لم يكن فإن فيما كان شغل فيما لم يكن، ولا تطلبن حاجتك ممن لا يحب لك نجاحاً، ولا تصحبن الفاجر فتتعلم فجوره، واعتزل عدوك واحذر صديقك إلا الأمين ولا أمين إلا من خشي الله، وتخشع عند القول وذل عند الطاعة، واعتصم عند المعصية، واستشر في أمرك الذين يخشون الله فإن الله يقول (إنما يخشى الله من عباده العلماء).
قال أبو حاتم: العاقل لا يؤاخي إلا ذا فضل في الرأي والدين والعلم والأخلاق والحسبة والعقل الذي نشأ مع الصالحين، لأن صحبة البليد الذي نشأ مع العقلاء خير من صحبة اللبيب الذي نشأ مع الجهال، ورأس المودة المواصلة وآفتها المقاطعة والملالة ومن أضاع تعهد الود من إخوانه حرم ثمرة إخائهم وآيس إخوانه من نفسه، ومن ترك الإخوان مخافة تعهده بالود معهم بقي بغير إخوان، كما أن من ترك جذب الماء من البئر مخافة على رشائه مات عطشاً.
وذكر بعض الحكماء أن الإخوان ثلاثة فالأول كالعصا في يدك تتوكأ عليها وتذب بها عن نفسك، والثاني كالسيف في غمده وإذا احتجت له بتر، والثالث كالسهم (الرصاصة) إذا أطلقته إما أصاب أو أخطأ ولا يعود عليك.
وذكر آخر أنهم ثلاثة فالأول كالطعام لا غنى لك عنه، والثاني كالدواء تحتاجه عند المرض، والثالث كالداء يأتيك ويؤلمك وأنت لا تريده.
وأوصى لقمان ابنه فقال: يا بني إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه قبل ذلك فإن أنصفك عند غضبه وإلا فدعه.
وقال بعضهم لا تصادق الأحمق فإنه إن أعرضت عنه اغتم، وإن أقبلت عليه اغتر، وإن حملت عليه جهل عليك، وإن أحسنت إليه أساء إليك، ويظلمك إذا أنصفته. وأنشد بعضهم شعراً:
لي صديق يرى حقوقي عليه
نافلات وحقه الدهر فرضا
لو قطعت الجبال طولاً إليه
ثم من بعد طولها سرت عرضا
لرأى ما صنعت غير كبير
واشتهى أن أزيد في الأرض أرضا
ويجب على الإنسان ألا يصاحب ويصادق إلا العاقل والعاقل هو الذي يبذل لصديقه نفسه وماله، ولمعرفته رفده ومحضره ولعدوه عدله وبره، وللعامة بشره وتحيته، ولا يستعين إلا بمن يحب أن يظفر بحاجته، ولا يحدث إلا من يرى حديثه مغنماً، إلا أن يغلبه الاضطرار عليه، ولا يدعي ما يحسن من العلم، لأن فضائل الرجال ليست ما ادعوها ولكن ما نسبها الناس إليهم، ولا يبالي بما فاته من حطام الدنيا، مع ما رزق من الحظ في العقل.
قال أبو حاتم: كفى بالعاقل فضلاً وإن عدم المال، بأن تصرف مساوئ أعماله إلى المحاسن، فتجعل البلادة منه حلماً، والمكر عقلاً، والهذر بلاغة، والحدة ذكاء، والعي صمتاً، والعقوبة تأديباً، والجرأة عزماً، والجبن تأنياً، والإسراف جوداً، والإمساك تقتيراً، فلا تكاد ترى عاقلاً إلا موقراً للرؤساء، ناصحاً للأقران، مواتياً للإخوان، متحرزاً من الأعداء، غير حاسد للأصحاب، ولا مخادع للأحباب، ولا يتحرش بالأشرار، ولا يبخل في الغنى، ولا يشره في الفاقة، ولا ينقاد للهوى، ولا يجمح في الغضب، ولا يمرح في الولاية، ولا يتمنى ما لا يجد، ولا يكتنز إذا وجد، ولا يدخل في دعوى، ولا يشارك في مراء، ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضياً، ولا يشكو الوجع إلا عند من يرجو عنده البرء، ولا يمدح أحداً إلا بما فيه، لأن من مدح رجلاً بما ليس فيه فقد بالغ في هجائه، ومن قبل المدح بما لم يفعل فقد استهدف للسخرية.
والعاقل يكرم على غير مال كالأسد يهاب وإذا كان رابضاً.
وكلام العاقل يعتدل كاعتدال جسد الصحيح، وكلام الجاهل يتناقض كاختلاط جسد المريض.
وكلام العاقل وإن كان نزراً حظوة عظيمة، كما أن مقارفة المأثم وإن كان نزراً مصيبة جليلة.
ومن العقل التثبت في كل عمل قبل الدخول فيه.
وآفة العقل العجب، بل على العاقل أن يوطن نفسه على الصبر على جار السوء، وعشير السوء، وجليس السوء، فإن ذلك مما يرفعه على مر الأيام.
وأنشد علي بن محمد البسامي:
إن المكارم أبواب مصنفة
فالعقل أولها والصمت ثانيها
والعلم ثالثها، والحلم رابعها
والجود خامسها، والصدق ساديها
والصبر سابعها، والشكر ثامنها
واللين تاسعها، والصدق عاشيها
قال الفضيل بن عياض: إذا خالطت فخالط حسن الخلق، فإنه لا يدعو إلا إلى خير، وصاحبه منه في راحة، ولا تخالط سيئ الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى شر، وصاحبه منه في عناء، ولأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلى من أن يصحبني قارئ سيئ الخلق. إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله وخف على الناس وأحبوه، وإن العبد إذا كان سيئ الخلق ثقل على الناس ومقتوه.
وعن ميمون بن مهران قال: التودد إلى الناس نصف العقل، وحسن المسألة نصف العلم، واقتصادك في معيشتك يلقي عنك نصف المؤونة.
وقال آخر: حاجة المرء إلى الناس مع محبتهم إياه خير من غناه عنهم مع بغضهم إياه، والسبب الداعي إلى ضد محبتهم له هو التضايق في الأخلاق، وسوء الخلق، لأن من ضاق خلقه سئمه أهله وجيرانه، واستثقله إخوانه، فحينئذ تمنوا الخلاص منه، ودعوا بالهلاك عليه، والاستثقال من الناس يكون سببه شيئين:
أحدهما: مقارفة المرء ما نهى الله عنه من المآثم، لأن من تعدى حرمات الله أبغضه الله، ومن أبغضه الله أبغضته الملائكة، ثم يوضع له البغض في الأرض، فلا يكاد يراه أحد إلا استثقله وأبغضه.
والسبب الآخر: هو استعمال المرء من الخصال ما يكره الناس منه، فإذا كان كذلك استحق الاستثقال منهم.
وقال هشام بن يحيى: كان نقش خاتم أبا مسهر أبرمت فقم، قال فكان إذا جلس إليه الرجل فتثاقله حرك خاتمه، وقال: اقرأ نقش خاتمي، وإذا قرأه قام.
وعلى العاقل مجانبة الخصال التي تورثه استثقال الناس إياه، وملازمة الخصال التي تؤدي إلى محبتهم إياه.
ومن أعظم ما يتوسل به إلى الناس، ويستجلب به محبتهم: البذل لهم مما يملك المرء من حطام هذه الدنيا، واحتماله عنهم ما يكون منهم من الأذى.
فلو أن المرء صحب طائفتين: إحداهما تحبه، والأخرى تبغضه، فأحسن إلى التي تبغضه، وأساء إلى التي تحبه، ثم أصابته نكبة فاحتاج إليهما؛ لكان أسرعهما إلى خذلانه وأبعدهما عن نصرته الطائفة التي كانت تحبه.
فمن عدم المال فليبسط وجهه للناس، فإن ذلك يقوم مقام بذل المعروف إذ هو أحد طرفيه.
وقال ابن المبارك: حسن الخلق هو بسط الوجه وبذل المعروف.
حدث لجار أحد كرماء العرب أن لحقه دين فعزم على بيع داره وحدد قيمتها بأربعة آلاف فقيل له إنها لا تساوي ذلك فأجابهم أن قيمتها ألفان وجوار جاري فلان بألفين.. ولما علم جاره بذلك دفع له ألفين وأبقاه في داره، وقد قال الشاعر:
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى
وفيها لمن رام القلى متحول
لعمرك ما بالأرض ضيق على امرئ
سرى راغباً أو راهباً وهو يعقل
أديم مطال الجوع حتى أميته
وأضرب عنه الذكر صفحاً فأذهل
واستف ترب الأرض كيلا يرى له
علي من الطول امرؤ متطول
ولكن نفسي مرة لا تقيم بي
على الضيم إلا ريثما أتحول
وقال آخر:
وفي سعة الأرض وفي أهلها
مستبدل بالخل والجار
فمن دنا منك فأهلاً به
ومن تولى فإلى النار
قال آخر:
إن كنت تزعم أن الأرض واسعة
فيها لغيرك مرتاد ومرتحل
فارحل فإن بلاد الله ما خلقت
إلا ليسكن فيها السهل والجبل
وابغ المكاسب دوماً من مطالبها
من حيث يجمل حتى ينفذ الأجل
وقال آخر:
إذا افترقنا خلصنا من الأذى
ولا يحتاج راعي الميسم إلى الوسم
وقال بعضهم:
سقى الله أرضاً يعلم الضب أنها
بعيد عن الأدواء طيبة البقل
بنى بيته في رأس نشر وكدية
وكل امرئ في حرفة العيش ذو عقل
وقال آخر:
لا تنكرن من جار بيتك إن طوى
أطناب جانب بيته أو قوضا
فالأرض واسعة لنقلة راغب
عمن تنقل وده وتنقضا
لا تبتهل إغضاي إما كنت قد
أغضيت مشتملاً على جمر الغضا
لست الذي إن عارضته ملمة
أصغى إلى حكم الزمان وفوضا
لا يستقر بي الطفيف ولا أرى
تبعاً لبارق خلب إن أومضا
وقال بشار بن برد في بعض أصحابه:
حددت عن حظي ولم أجد
ما ضر أهل النُّوكِ ضعف الكد
وافق حظاً من سعى بجد
قل للزبير السائلي عن ولدي
الحر يلحى والعصا للعبد
وليس للملحف مثل الرد
فارض بنصف وأزح في القصد
النصف يكفيك من التعدي
وصاحب كالدمل الممد
أرقب منه مثل يوم الورد
حتى انطوى غير فقيد الفقد
وما درى ما رغبتي من زهدي
يصف صاحبه أنه كالدمل ولا ارتاح حتى قطع الدمل والجلد الذي حوله..
وقال آخر:
إذا الهم أمسى وهو داء فأمضه
ولست بممضيه وأنت تعادله
ولا تنزلن أمر الشديد بامرئ
إذا هم أمراً عوقته عواذله
فما كل ما حاولته الموت دونه
ولا دونه أرصاده وحبائله
ولا تسأل المال البخيل ترى له
غنى بعد ضر أورثته أوائله
وقال آخر:
إذا المرء لم يحببك إلا تكرهاً
فدعه ولا يعجزك عنه التحول
وفي الأرض أكفاء وفيها مراغم
عريض لمن خاف الهوان ومرحل


 
 توقيع : قيس





رد مع اقتباس