02-08-2013, 06:35 AM
|
#13
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1949
|
تاريخ التسجيل : Oct 2012
|
أخر زيارة : 01-31-2014 (08:05 PM)
|
المشاركات :
6,701 [
+
] |
التقييم : 71584925
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
رد: حيــــــــــــ ذى(عثمـــــان بن عفـــــان) النــورين ــــــــــــاة
أقاليم الدولة في عهد عثمان وسياسته مع الولاة
أولاً: مكة المكرمة:
توفى عمر بن الخطاب وواليه على مكة خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزوم وقد أبقاه عثمان فترة من الوقت يصعب تحديدها ثم قام بعزله، ولم ترد أخبار عن سبب ذلك، إضافة إلى صعوبة تحديد أهم أعماله. وقد قام عثمان بعد عزله بتولية علي بن ربيعة بن عبد العزى، ثم قام عثمان بعد ذلك بتولية مجموعة من الأمراء على مكة يصعب تحديد فترات ولايتهم منهم عبد الله بن عمرو الحضرمي، الذي كان أحد عمال عثمان على مكة، كما أن النصوص تثبت أن عثمان قد أعاد خالد بن العاص بن هشام على مكة مرة أخرى، وتؤكد بعض المصادر أن عثمان توفي وخالد على مكة فقام عليٌّ t بعزله وتولية غيره. وهذه الرواية على ما يبدو أثبت من الروايات التي تذكر أن عبد الله بن الحضرمي هو الوالي على مكة حين قتل عثمان. وقد تميزت مكة في عهد عثمان بالهدوء المستمر رغم ما وقع في بعض الأمصار من فتنة في أواخر عهد عثمان.
ثانيًا: المدينة النبوية:
تعد المدينة المنورة من أهم المدن الإسلامية في عهد عثمان, بها مركز الخلافة وإليها تفد الوفود من مختلف الأمصار، والأجناد الإسلامية، ويقيم بها كثير من شيوخ الصحابة من المهاجرين والأنصار، وبذلك تكتسب أهمية خاصة. وقد كان عثمان بحكم خلافته مقيما بها ويتفقد أحوالها، حتى إنه كان يسأل عن أسعار المواد الغذائية وعن أخبار الناس. وكان عثمان إذا سافر إلى الحج يستخلف أحد الصحابة على المدينة حتى يرجع، وكثيرا ما كان يستخلف زيد بن ثابت وكان في المدينة بيت مال وديوان للأعطيات كغيرها من الأمصار، وتعتبر المدينة من أكثر الأمصار الإسلامية هدوءًا خلال عصر عثمان سوى ما حدث في أيامه الأخيرة من اضطراب الأحوال فيها بعد وصول جيوش الفتنة وحصار عثمان وخروج بعض كبار الصحابة منها
ثالثـًا: البحرين واليمامة :
توفي عمر بن الخطاب وعلى البحرين عثمان بن أبي العاص الثقفي فأقره عثمان عليها فترة من الوقت، وتدل الروايات على أن عثمان بن أبي العاص كان على ولاية البحرين بعد مبايعة عثمان بثلاث سنين؛ أي سنة 27هـ، بدليل مشاركته بجيشه مع جيش البصرة في بعض الفتوح ويبدو أن التعاون الذي بدأ بين ولاية البحرين وولاية البصرة في عهد عمر أخذ يشتد ويقوى في عهد عثمان خصوصا بعد تولية (عبد الله بن عامر بن كريز) على البصرة؛ حيث أصبح عامل البحرين أحد القواد التابعين لعبد الله بن عامر والي البصرة، كما أن النصوص التاريخية تفيد تبعية ولاية البحرين للبصرة -إلى حد ما- واندماجها معها، بحيث أصبح ابن عامر يعين العمال عليها من قبله ويؤكد أحد الباحثين هذا التعاون في قوله: وفي زمن الخليفة عثمان بن عفان ألحقت البحرين بالبصرة عندما أصبحت الأخيرة قاعدة لفتوح فارس وجنوب إيران، فصار ولاتها تابعين لأمير البصرة, وقد عزز هذا صلة البصرة بالبحرين ووثقها وقد ذكر من ولاة عثمان على البحرين مروان بن الحكم، وعبد الله بن سوار العبدي، وقد توفي عثمان وعبد الله على البحرين وقد كان للبحرين في أيام عثمان دور كبير في تلك الفتوح.
وقد كانت الأوضاع داخل البحرين مستقرة حتى وفاة عثمان، وأما اليمامة فقد كانت في عهد عمر تابعة لولاية البحرين وعمان إلى حد كبير، بل إن والي البحرين هو الذي كان يبعث عليها الأمراء أحيانا، أما في عهد عثمان فالذي يبدو أن اليمامة كان عليها وال من قبل عثمان مباشرة, وقد ورد ذكره في أحداث الفتنة بعد مقتل عثمان مباشرة؛ إذ وصلته بعض الكتب في تلك الفترة ممن غضبوا لمقتل عثمان
رابعًا: اليمن وحضرموت:
توفي عمر وعامله على اليمن (يعلى بن مُنيَّة)، وكان في طريقه إلى المدينة بناء على طلب عمر إذ جاءه كتاب من عثمان يخبره بوفاة عمر وبيعة الناس لعثمان، واستعماله من قبل عثمان له على صنعاء، فاستمر على صنعاء إلى وفاة عثمان وكان على مدينة الجند عبد الله بن ربيعة الذي استمر واليا عليها طيلة عهد عثمان ويبدو أن هناك ولاة آخرين كانوا على بقية من اليمن، ولكن المصادر الرئيسية ركزت على هذين الواليين في الغالب، كما أن المصادر لم تفصل القول في أحداث اليمن خلال عصر عثمان، كما يقل إيرادها للمراسلات بين عثمان وولاته في اليمن سوى ما ذكره من أوامر عامة مرسلة لجميع الولاة. وقد اشتهر عن أهل اليمن خلال عصر عثمان طاعتهم وانقيادهم لولاتهم، يدل على ذلك ما روي من أن عثمان بعث رجلا ثقفيا إلى اليمن، فلما عاد سأله عثمان عن أهلها فقال: رأيت قوما ما سئلوا أعطوا حقا كان أو باطلا
ومن المعروف أن العديد من القبائل اليمنية هاجرت خلال الفتوح في أيام عمر بن الخطاب إلى الأمصار الإسلامية الجديدة سواء في العراق أو مصر أو الشام، وبالتالي فإن صلات اليمن وأهلها بهذه الأمصار لم تتوقف طيلة عهد عثمان؛ حيث نجد لأناس من يهود اليمن دورا خطيرا في أحداث الفتنة التي قامت أواخر عهد عثمان، واستشهد فيها
عثمان , وعلى رأس هؤلاء الوالغين في الفتنة (عبد الله بن سبأ)، وبعد مقتل عثمان ترك اليمن عدد من ولاتها وقدموا إلى الحجاز للمشاركة فيما يجري من أحداث، ومنهم يعلى بن منية وعبد الله بن ربيعة
خامسًا: ولاية الشام:
حينما جاء عثمان إلى الخلافة كان معاوية واليا على معظم الشام فأقره عثمان عليها، كما أقر بعض الولاة الآخرين على ولاياتهم كاليمن والبحرين ومصر وغيرها من الولايات. وقد تطورت الأحداث وضمت إلى معاوية بعض المناطق الأخرى حتى أصبح معاوية هو الوالي المطلق لبلاد الشام، بل أصبح أقوى ولاة عثمان وأشدهم نفوذا، وقد كان في بداية خلافة عثمان ولاة آخرون منهم: عمير بن سعد الأنصاري وكان على حمص، وينافس معاوية بن أبي سفيان في المكانة لدى عثمان إلا أن عميرا مرض مرضا أعياه عن القيام بأعباء الولاية، فطلب من الخليفة عثمان أن يعفيه، فأعفاه وضم ولايته إلى معاوية بن أبي سفيان، وبذلك زاد نفوذ معاوية فامتد إلى حمص التي ولى عليها من قبله عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.كما توفى علقمة بن محرز -وكان على فلسطين- فضم عثمان ولايته إلى ولاية معاوية بن أبي سفيان فاجتمعت الشام لمعاوية بعد سنتين من خلافة عثمان ، وأصبح الوالي المطلق فيها طيلة السنوات الباقية من خلافة عثمان حتى توفي عثمان وهو عليها كما هو معروف وقد كانت فترة ولاية معاوية على الشام مليئة بالأحداث، كانت الشام من أهم مناطق الجهاد، ومع أن الشام في داخلها قد استقرت أوضاعها وسادها الإسلام وقلَّتْ محاولات الروم إثارة القلاقل فيها، إلا أن الشام كانت متاخمة لأرض الروم، وبالتالي كان المجال مفتوحا أمام معاوية للجهاد في تلك النواحي، وقد تحدثنا عنها فيما مضى، وقد كان لمعاوية ثقله السياسي في الدولة الإسلامية أواخر خلافة عثمان ؛ إذ كان ضمن الولاة الذين جمعهم عثمان ليستشيرهم حين بدأت ملامح الفتنة تلوح في الأفق، كما ظهرت له آراء خاصة في هذا الاجتماع وجهها إلى عثمان، وسيأتي الحديث عنها بإذن الله تعالى.
سادسًا: أرمينية:
بدأت الجيوش الإسلامية بالتوجه إلى أرمينية لأول مرة في عهد عثمان t؛ حيث توجه أول جيش إسلامي إلى تلك المنطقة من بلاد الشام، وهي من أقرب الولايات إليها، يقوده حبيب بن مسلمة الفهري وقوامه حوالي ثمانية آلاف مقاتل، واستطاع هذا الجيش أن يفتح العديد من المواقع في أرمينية، إلا أنه أحس بالخطر نتيجة تجمع حشود من الروم لمساعدة الأرمن في حروبهم ضد المسلمين، فطلب المساعدة من الخليفة الذي أمر بتسيير جيش من الكوفة قوامه ستة آلاف رجل تقريبا ويقوده سلمان بن ربيعة الباهلي. وقد حدث نزاع بعد ذلك بين حبيب بن مسلمة وسلمان بن ربيعة، وقف الخليفة عثمان عليه، فقام بالكتابة إلى القوم وحل المشكلة التي بينهما. ويبدو أن سلمان بن ربيعة تولى قيادة الجيوش الإسلامية؛ حيث كتب إليه عثمان بإمرته على أرمينية، ثم توغل سلمان بن ربيعة في أرمينية ثم بلاد (الخزر) فاتحا ومنتصرا، حتى وقعت معركة حامية بين جيشه وقوامه عشرة آلاف رجل وجيش ملك الخزر وقوامه ثلاثمائة ألف -كما تقول الروايات- فقتل سلمان وجميع جنوده، وقد كتب عثمان إلى حبيب بن مسلمة أن يسير مرة أخرى إلى بلاد أرمينية, فاتجه بجيشه وقام بفتح المواقع مرة بعد أخرى، وثبت أقدام المسلمين فيها، وعقد بعض المعاهدات مع أهل البلاد، ثم رأى عثمان أن يوجهه إلى ثغور الجزيرة لخبرته بها وقدرته عليها، وعين مكانه على أرمينية حذيفة بن اليمان بالإضافة لولايته على أذربيجان؛ حيث قام بعدة غزوات نحو بلاد الخزر من أرمينية، وبعد ما يقرب من سنة عزله عثمان وولى على أرمينية المغيرة بن شعبة حتى توفى عثمان وهو عليها وعلى أذربيجان في الوقت نفسه. وتعد هذه الولاية إضافة جديدة أضافها عثمان إلى الدولة الإسلامية ولم تكن فتحت قبله، وقد لقي المسلمون عناء شديدا في فتحها وتنظيمها وضبط أمورها.
سابعًا: ولاية مصر:
كان والي مصر في خلافة عمر بن الخطاب هو عمرو بن العاص الذي حكمها ما يقرب من أربع سنوات. وتوفي عمر وهو وال عليها، وقد أقره عثمان بن عفان في بداية خلافته فترة من الوقت, وكان يساعده في عمله في بعض نواحي مصر عبد الله بن أبي السرح الذي كان مصاحبا لعمرو بن العاص منذ أيام فتوحه في فلسطين؛ حيث كان من ضمن قواده واشترك معه في فتوح مصر. وقد عينه عمر على بعض صعيد مصر بعد فتحها, ويبدو أن عمرو بن العاص وعبد الله بن سعد بن أبي السرح حدث بينهما خلاف في وجهات النظر، فوفد عمرو بن العاص على عثمان بعد مبايعته بالخلافة، وطلب منه عزل عبد الله بن سعد عن ولاية الصعيد، فرفض عثمان ذلك, وذكر له أن عمر هو الذي ولى ابن أبي السرح، وأنه لم يأت بما يوجب العزل، فأصر عمرو على عزله، وأصر عثمان على عدم موافقته، ونتيجة لإصرار كل من الطرفين على رأيه، رأى عثمان أن من الأصلح عزل عمرو عن مصر وتولية عبد الله بن أبي السرح مكانه، وهذا ما حدث بالفعل وفي هذه الظروف قام الروم بالإغارة على الإسكندرية والاستيلاء عليها وقتلوا جميع من فيها من المسلمين، فرأى أمير المؤمنين تعيين عمرو على جيوش مصر لفتح الإسكندرية من جديد والقضاء على جيش الروم، وتم ذلك فعلا ، وقد فصَّلت أحداثه في حديثي عن الفتوحات، ثم إن عثمان أراد أن يعيد عمرو على ولاية أجناد مصر وحربها, وأن يجعل عبد الله بن سعد على الخراج، إلا أن عمرو رفض ذلك، وتكاد الأخبار تندر عن ولاية عمرو في مصر خلال عهد عثمان سوى ما ورد من دوره في الجهاد؛ سواء في رد الروم وطردهم عن الإسكندرية وتثبيت الأمن في أنحاء مصر، أم في قضايا الخراج التي دارت فيها بين عثمان وبين عمرو خلافات في الرأي وبعد عزل عمرو بن العاص عن مصر مرة أخرى أو عن ولاية الإسكندرية على أرجح الآراء، وبعد رفضه ما اقترحه عثمان من ولايته على الأجناد وولاية ابن أبي السرح على الخراج، أقر عثمان عبد الله بن أبي السرح مرة أخرى على مصر، وأصبح هو الوالي الرسمي لمصر، والمدير الفعلي لولاية مصر بأجنادها وخراجها ومختلف شئونها وقد كانت ولاية مصر في أول أمرها هادئة مستقرة إلى أن تمكن مثيرو الفتنة من أمثال عبد الله بن سبأ من الوصول إليها وإثارة الناس فيها، فكان لهم وللمتأثرين بهم دور كبير في مقتل عثمان ، وسيأتي بإذن الله تعالى تفصيل ذلك
ثامنًا: ولاية البصرة:
استشهد عمر بن الخطاب وواليه على البصرة أبو موسى الأشعري، وكان المجتمع البصري في تلك الفترة قد بدأ يشهد تغيرات أساسية في بنيته السكانية والاجتماعية حيث أصبحت البصرة من أكبر المعسكرات الإسلامية؛ إذ هاجر إليها العديد من القبائل وقام جندها بفتح الكثير من المواقع، وبالتالي اكتسبت أهمية خاصة في بداية عهد عثمان. وقد انشغل الناس بأمورهم الخاصة إضافة إلى الأمور العامة من جهاد وغيره، وبالتالي فإن الولاية على مثل هذه المنطقة وكذلك ما يتبعها من أقاليم أخرى تعتبر مهمة ليست باليسيرة وتتطلب دراية خاصة بإدارة أحوال تلك الولاية، ولعل عمر بن الخطاب كان يحس بمقدرة أبي موسى الخاصة على إدارة تلك الولاية؛ حيث أوصى الخليفة من بعده أن يترك أبا موسى في الولاية من بعده أربع سنوات بعد وفاته. وقد كانت فترة ولاية أبي موسى للبصرة فترة جهاد وكفاح برز فيها دور أهل البصرة، كما برز فيها أبو موسى بفتح العديد من المواقع في بلاد فارس، إضافة إلى تثبيته لأقدام المسلمين في المواقع المفتوحة سابقا، والتي حاول أهلها الانتقاض بعد وفاة عمر بن الخطاب ، فقام أبو موسى بغزوهم وتثبيت الإسلام في تلك الربوع. وبالإضافة إلى دور أبي موسى في الفتوح فإنه قام بدور مهم في تنظيم الري وحفر القنوات والأنهار في البصرة أثناء ولايته زمن الخليفة عثمان، وقد قام بحفر قناة لجلب مياه الشرب إلى البصرة اعتمد عليها الناس بعد ذلك في شربهم، كما بدأ في مشاريع لحفر قنوات أخرى، إلا أن عزله عن الولاية حال دون إتمامها، فقام خليفته عبد الله بن عامر بإتمامها. ولم تستمر ولاية أبي موسى على البصرة طويلا؛ إذ قام عثمان بعزله سنة 29 هـ -كما ترجح معظم الروايات- وعين مكانه عبد الله بن عامر بن كريز. ويورد المؤرخون عدة روايات حول عزل أبي موسى، نستخلص منها أن هناك مشكلة قامت بين أبي موسى وبين جند البصرة اختلف في سببها، وقد قدمت مجموعة من أهل البصرة إلى عثمان تحرضه على عزل أبي موسى قائلين له: ما كل ما نعلم نحب أن تسألنا عنه فأبدلنا سواه، قال عثمان: من تحبون؟ فقالوا: في كل أحد عوض عنه، وطلب قوم من عثمان أن يولي عليهم قرشيا، فعزل عثمان أبا موسى وولى مكانه عبد الله بن عامر. وهنا تتجلى لنا حكمة أبي موسى وسعة صدره وطاعته لأمر الخليفة، وأنه لم يكن يحرص على الولاية كما يظن البعض، فحينما بلغه عزله وتولية عبد الله بن عامر مكانه، صعد المنبر وأثنى على عبد الله بن عامر - وكان شابا صغيرا عمره 25 سنة - وكان ما مدحه به أبو موسى قوله: قد جاءكم غلام كريم العمَّات والخالات والجدات في قريش، يفيض عليكم المال فيضا.
لقد استطاع عثمان في تلك الظروف الصعبة التي تمر بها ولاية البصرة أن يعين قائدا جديدا يستجيب له الأجناد، وبالتالي توحدت صفوفهم أمام الأعداء، فضلا عن أن هذا العزل تكريم لأبي موسى من أن يهان من قبل بعض العوام، ممن تأثروا بالغوغاء وأفكار المتمردين المنحرفة ممن حملوا في نفوسهم كراهيته والتشهير به والتفوا عليه. وقد كانت ولاية البصرة تمر بظروف صعبة حينما تولى ابن عامر، مما دفع عثمان إلى إجراء تغيير أساسي في إدارة الولاية؛ إذ أنه ضم أجناد البحرين وعمان إلى ابن عامر في البصرة؛ حتى يعطيه سلطة أقوى للوقوف أمام التحديات التي تواجهه في تلك الفترة، وقد كان لهذا الدمج أثره الكبير على قوة ابن عامر ونفوذه، كما أنه أثر من ناحية أخرى على البصرة نفسها؛ حيث أصبحت إحدى العواصم الإسلامية المستقرة، وزادت هجرة القبائل إليها أكثر من ذي قبل، وبالتالي زادت أعباء الولاية سواء في الديوان أم في تنظيم مختلف شئون الولاية الإدارية والمالية والأمنية وغيرها.
وقد كانت لولاية البصرة وأجنادها ولابن عامر نفسه فتوح عظيمة بدأت بعد ولايته مباشرة، وانتهت قبل مقتل أمير المؤمنين عثمان، وقد تم بيانها عند حديثنا عن فتوحات عثمان . وقد اكتسبت البصرة أيام ابن عامر مكانة خاصة بين الولايات الإسلامية لفتت نظر الخليفة عثمان نتيجة فتوحها وتوسعها في مختلف المجالات، فأصبحت مركزا إداريا مرموقا، وتدار منها العديد من المناطق الإسلامية. وكان ابن عامر مسئولا عن توزيع الأمراء في مختلف المناطق التابعة لولايته باتفاق مسبق مع الخليفة عثمان ، وبالتالي كانت مسئولياته عظيمة. وقد قام ابن عامر بتوزيع الأمراء على المناطق التابعة له بمجرد أن تولى الإمارة؛ حيث اختار بعض القواد والأمراء وعينهم على تلك المناطق, ومن أهمها عمان والبحرين وسجستان وخراسان وفارس والأهواز, بما في هذه المناطق من مدن مختلفة ومناطق شاسعة، وكان يجري تنقلات بين هؤلاء الأمراء والعمال من وقت لآخر تبعا للمصلحة في ذلك. كما اشتهرت البصرة في أيامه ببيت مالها الذي زاد دخله في أيامه وكثرت مصروفاته، وكان المسئول عن بيت المال في أيام عمر زياد بن أبي سفيان، وقد كان يلي بعض المشاريع من حفر للأنهار وغيرها نيابة عن ابن عامر، وفي ولاية ابن عامر ضربت الدراهم في أنحاء فارس التابعة لولايته، وعليها ألفاظ عربية في الفترة من سنة 30هـ حتى 35هـ. وقد كان ابن عامر محبوبا لأهل البصرة عموما منذ قدومه إليها، ورغم ما أثير حوله من أن عثمان ولاه لأنه قريب له، إلا أن أهل البصرة تمسكوا به. ومن خلال هذا العرض تبين أن ولاية البصرة في عهد عثمان انحصرت في رجلين هما أبو موسى الأشعري وعبد الله بن عامر، ولقد كان لكل الواليين دوره الرئيسي في ضبط أمور البصرة وما يتبعها.
تاسعًا: ولاية الكوفة:
كان على ولاية الكوفة حين بويع عثمان بالخلافة المغيرة بن شعبة ، وكان قد تولى في أواخر عهد عمر ، وقد قام عثمان بعزل المغيرة عن الكوفة وتعيين سعد بن أبي وقاص مكانه، وقد ذكر في سبب العزل أنه كان بوصية من عمر ؛ حيث أوصى الخليفة من بعده أن يستعمل سعدا نظرا لأن عمر عزله عن الكوفة في أواخر خلافته، وقال: إني لم أعزله عن سوء ولا خيانة، وأوصي الخليفة بعدي أن يستعمله. تولى سعد بن أبي وقاص على الكوفة وكان قرار التعيين مشتركا بين سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود؛ سعد على الصلاة والجند، وابن مسعود على بيت المال. وقد كان سعد بن أبي وقاص صاحب خبرة في ولاية الكوفة وله معرفة تامة بأمورها وسكانها وثغورها وأجنادها؛ نظرا لأنه كان مؤسسها في عهد عمر، كما أنه وليها عدة سنوات، فكان أخبر الناس بها وأعلمهم بأحوالها.
ومن الأعمال التي قام بها سعد أثناء ولايته في عهد عثمان على الكوفة قيامه بزيارة بعض الثغور التابعة للكوفة ومنها (الري) وترتيب أمورها وضبطها سنة 25هـ، وكذلك قيامه بتعيين بعض الأمراء والعمال الجدد في (همذان) وما حولها، ولم تطل فترة ولاية سعد ابن أبي وقاص على الكوفة إذ حدث بينه وبين عبد الله بن مسعود خلاف، وكان ابن مسعود على بيت المال، فاقترض منه سعدا شيئا من الأموال إلى أجل، فجاء الأجل ولم يكن عند سعد ما يسد به ذلك القرض، فجاءه ابن مسعود يطالبه بتسديد ذلك القرض فاشتدا في الكلام واجتمع حولهما الناس، فقرر عثمان عزل سعد وإبقاء ابن مسعود، فكانت عقوبة سعد العزل وعقوبة ابن مسعود الإقرار في العمل كما يقول الطبري. وهذه القصة تدلنا على تورع كلا الصحابيين، وتدل على حاجة سعد إلى المال، وعدم وجود ما يكفيه وأنه لذلك اضطر إلى الاقتراض من بيت المال، كما تدل على اجتهاد عبد الله بن مسعود في حفظ أموال المسلمين وإصراره على استرداد القرض من سعد والي الكوفة وحاكمها، وكانت ولاية سعد على الكوفة سنة وأشهرا.
وبعد عزل سعد ولي عثمان على الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي كان قبل تعيينه على الكوفة قد عمل قائدا لجيش من جيوش أبي بكر في الأردن، ثم عمل لعمر على عرب الجزيرة، وفي أواخر خلافة عمر وأوائل خلافة عثمان كان الوليد أحد قواد أجناد الكوفة، وقام بالجهاد في العديد من المواقع قائدا لتلك الأجناد، فكان قبل تعيينه على ولاية الكوفة صاحب خبرة بالكوفة وأجنادها وثغورها ومختلف شئونها. وكعادة الخلفاء الراشدين في تفضيل أصحاب الخبرة في المنطقة على غيره عند الحاجة إلى تعيين ولاة جدد، فقد وقع اختيار عثمان على الوليد بن عقبة لولاية الكوفة، وكثير ممن كتبوا عن تعيين عثمان للوليد سواء من المتقدمين أو من المتأخرين حاولوا اتهام عثمان في هذا التعيين، فهم يقولون: إن عثمان استعمل على الكوفة أخاه لأمه الوليد بن عقبة، وهذا فيه غمز مباشر لعثمان وفي بداية ولاية الوليد كان يشترك معه عبد الله بن مسعود حيث كان واليا على بيت المال، إلا أن خلافا حدث بين الوليد وعبد الله بن مسعود على أمر يتعلق بأموال الدولة ورفع النزاع إلى عثمان ليفصل فيما يراه، فرأى عثمان أن من المصلحة توحيد الولاية وبيت المال في يد الوليد وعزل عبد الله بن مسعود، وقد اعتقد أن المصلحة العامة تقتضي ذلك الضم. وقد بقي الوليد بن عقبة في الكوفة محبوبا من أهلها، ليس على داره باب، يستقبل الناس في مختلف الأوقات ليحل مشكلاتهم، ويقوم بالواجبات الملقاة عليه، إلى أن وقعت بعض الحوادث في الكوفة أوجدت بعض الحاقدين عليه بسبب موقفه الحازم في قضية ابن الحيسمان الخزاعي الذي قتله مجموعة من شباب الكوفة، فأقام الوليد بن عقبة بأمر من عثمان حد القصاص على هؤلاء الشباب المعتدين، ومنذ تلك الحادثة أخذ أولياء هؤلاء المجرمين وأقاربهم يروجون الشائعات على الوليد بن عقبة، ويحاولون جاهدين أن يتصيدوا أخطاء الوليد ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، واستطاع أولئك الموتورون تلفيق قضية ضد الوليد، وهي دعوى شربه الخمر، التي سببت إقامة الحد عليه وعزله عن ولاية الكوفة، وهذا ما أراده المتآمرون، وسيأتي تفصيل قضية شرب الوليد بن عقبة للخمر عند حديثنا عن ولاة عثمان بإذن الله تعالى.
وبعد عزل الوليد أرسل عثمان إلى أهل الكوفة كتابا جاء فيه: من عبد الله عثمان أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة، سلام أما بعد، فإني استعملت عليكم الوليد بن عقبة حتى تولت منعته واستقامت طريقته، وكان من صالحي أهله وأوصيته بكم ولم أوصكم به، فلما بذل لكم خيره وكف عنكم شره، وغلبتكم علانيته طعنتم به في سريرته والله أعلم بكم وبه، وقد بعثت عليكم سعيد بن العاص أميرا. وكانت شكاية أهل الكوفة للوليد وعزله حلقة في سلسلة طويلة من الشكايات والعزل من قبل بعض أهل الكوفة لأمرائهم، وقد غضب الكثير من أهل الكوفة لعزل الوليد، وبعد عزل عثمان للوليد عن ولاية الكوفة عين بعده سعيد بن العاص سنة 30هـ الذي كان مقيما في المدينة، فاتجه إلى الكوفة ورافقه وفد من أهل الكوفة الذين قدموا على عثمان في شكاية الوليد، وكان فيهم الأشتر النخعي وغيره، فلما وصل سعيد الكوفة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: والله لقد بعثت إليكم، وإني لكاره ولكني لم أجد بدًّا إذ أمرت أن أئتمر، إلا إن الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها، والله لأضربن وجهها حتى أقمعها أو تُعييني، وإني الرائد نفسي اليوم، ثم نزل عن المنبر
ومن خلال هذه الخطبة يتبين لنا معرفة سعيد ببدايات الفتنة وإرهاصاتها التي بدأت تظهر في الكوفة قبل ولايته، وتهديده لأصحاب الفتنة وعزمه على القضاء على الفتنة التي استشعر بدايتها في الكوفة. واستطاع سعيد بن العاص أن ينظم أمور ولايته ويعين الأمراء والولاة في مختلف الثغور التابعة للكوفة ويضبط أمورها، وقام بغزوات ناجحة تم ذكرها عند حديثنا عن الفتوحات في عهد عثمان, ثم بدأت الفتنة تطل برأسها في الكوفة سنة 33هـ، وسيأتي الحديث عنها -بإذن الله تعالى- بالتفصيل، ودبر الأشتر النخعي مؤامرة ضد سعيد بن العاص وانخدع بها بعض عوام الكوفة فقاموا مع الأشتر في رفض ولاية سعيد والطلب من عثمان إبداله بغيره، ولم يكن سعيد سوى وال من الولاة الذين سبق لأهل الكوفة أن اعترضوا عليهم وطلبوا عزلهم قبل ذلك، كسعد بن أبي وقاص والوليد بن عقبة وغيرهما، وكان طلب خلعه مقرونا بثورة حمل الغوغاء فيها السلاح وهي سابقة خطيرة في تاريخ الكوفة، بل وفي تاريخ الدولة الإسلامية كلها، وليس فيها سبب حقيقي, وإنما السبب الحقيقي هو تطور الأوضاع والتغير الذي طرأ على نفوس الناس بتأثير دعاة الفتنة والخروج على عثمان، وقد أصدر الخليفة عثمان أمرا بتولية أبي موسى الأشعري على الكوفة وعزل سعيد بن العاص بناء على طلب بعض أهل الكوفة. وقد استهل أبو موسى ولايته بخطبة أمام أهل الكوفة قال فيها: أيها الناس، لا تنفروا في مثل هذا ولا تعودوا لمثله، الزموا جماعتكم والطاعة، وإياكم والعجلة، اصبروا فكأنكم بأمير، قالوا: فَصَلِّ بنا، قال: لا إلا على السمع والطاعة لعثمان بن عفان، قالوا: على السمع والطاعة لعثمان. وقد كتب عثمان إلى أهل الكوفة: بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، فقد أمرت عليكم من اخترتم وأعفيتكم من سعيد، ووالله لأفرشنكم عرضي ولأبذلن لكم صبري، ولأستصلحنكم بجهدي، فلا تدعوا شيئا أجبتموه لا يعصى الله فيه إلا سألتموه، ولا شيئا كرهتموه لا يعصى الله فيه إلا استعفيتم منه أنزل فيه عندما أجبتم حتى لا يكون لكم عليَّ حجة.
وقد استمر أبو موسى واليا على الكوفة حتى قتل عثمان ، وهكذا نجد أن ولاية الكوفة في خلافة عثمان قد تولى عليها خمسة ولاة، ابتداء بالمغيرة بن شعبة وانتهاء بأبي موسى الأشعري، وقد حفلت فترة الولاية لكل من هؤلاء الخمسة بالعديد من الحوادث التي برزت على ساحة الأحداث، وكان لها تأثير مباشر على مسيرة الدولة الإسلامية، وقد نمت الفتنة في الكوفة واشتهر عن أهلها تسلطهم على ولاتهم، ورفضهم لهم في كثير من الأحيان مهما استرضوهم؛ فقد شكوا سعد بن أبي وقاص، وشكوا الوليد بن عقبة، وطردوا سعيد بن العاص، ولعلنا نتذكر هنا أنهم أتعبوا عمر قبل عثمان حتى قال فيهم: من عذيري من أهل الكوفة، وقد كان لبعض أهل الكوفة دور مباشر ورئيسي في مقتل الخليفة عثمان.
وجدير بالذكر أنه كانت هناك بعض الولايات المتفرعة من ولاية الكوفة كطبرستان، وأذربيجان، وبعض المناطق الأخرى شمالي بلاد فارس. ومما يؤيد ارتباطها بالكوفة أن ولاة الكوفة -ومنهم سعيد بن العاص- هم الذين كانوا يتولون الفتوح في نواحيها، كما كانوا يؤدبون أهلها في حال عصيانهم، وقد لعبت هذه الولايات الفرعية دورا مرتبطا بدور الكوفة أيضا إلى حد كبير
* * *
يتبعــ
|
|
|