الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
قال تعالى : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ
ذكر المبرّد عن أبي كامل عن إسحاق عن إبراهيم عن رجاء بن عمرو النّخعي,قال: كان بالكوفة فتىً جميل الوجه شديد التعبد والاجتهاد فنزل في جوار قوم من النّخع , فنظر إلى جارية منهن جميلة فهويها وهام بها عقله , ونزل بالجارية ما نزل به فأرسل يخطبها من أبيها , فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها , فلما اشتد عليهما ما يقاسيانه من ألم الهوى أرسلت إليه الجارية : قد بلغني شدة محبتك لي وقد اشتد بلائي بك , فإن شئت زرتك , وإن شئت سهلت لك أن تأتيني إلى منزلي , فقال للرسول : ولا واحدة من هاتين الخَلَّتين , إني أخاف أن عصيت ربي عذاب يومٍ عظيم. أخاف نارا لا يخبو سعيرها , ولا يخمد لهيبها , فلما أبلغها الرسول قوله قالت : وأراه مع هذا يخاف الله؟؟ والله ما أحدٌ أحق بهذا من أحدٍ , وإن العباد فيه لمشتركون , ثم انخلعت من الدنيا و ألقت علائقها خلف ظهرها وجعلت تتعبد , وهي مع ذلك تذوب وتنحل حبا للفتى وشوقا إليه حتى ماتت من ذلك, فكان الفتى يأتي قبرها فيبكي عنده ويدعو لها , فغلبته عينه ذات يوم على قبرها فرآها في المنام في أحسن منظر فقال : كيف أنتِ ؟ وما لقيت بعدي؟
قالت:نعمَ المحبة يا سُؤْلي محبتكم حبٌّ يقود إلى خير وإحسانِ
فقال : على ذلك إلى ما صرت؟
فقالت: إلى نعيمٍ وعيشٍ لا زوال له في جنة الخلد ملك ليس بالفاني
فقال لها: اذكريني هناك فإني لست أنساك.
فقالت : ولا أنا والله أنساك , ولقد سألت مولاي ومولاك أن يجمع بيننا فأعني على ذلك بالاجتهاد ..
فقال لها: متى أراك؟
فقالت: ستأتينا عن قريب فترانا, فلم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليالٍ حتى مات رحمه الله تعالى.
وقال مخرمة بن عثمان: نبئت أن فتى من العُباد هَوِيَ جارية من أهل البصرة فبعث إليها يخطبها فامتنعت وقالت : إن أردت غير ذلك فعلت, فأرسل إليها: سبحااان الله! أدعوك إلى ما لا إثم فيه وتدعينني إلى ما لا يصْلُح؟ فقالت : قد أخبرتك بالذي عندي فإن شئت فتقدّم , و إن شئت فتأخر, فأنشأ يقول :
و أسألها الحلال وتدع قلبي *** إلى ما لا أريد من الحرام
كداعي آل فرعــــــون إليه *** وهم يدعونه نحو الأثام
فظلّ منعما في الخلد يسعى *** وظلوا في الجحيم وفي السَّقام
فلما علمت أنه قد امتنع من الفاحشة أرسلت إليه: أنا بيديك على الذي تحب, فأرسل إليها : لا حاجة لنا فيمن دعوناه إلى الطاعة ودعانا إلى المعصية, ثم أنشد يقول:
لا خيرَ في من لا يراقب ربه ..... عند الهوى و يخافه إيمانا
حَجَبَ التُّقى سُبُلَ الهوى فأخو التقى ..... يخشى إذا وافى المعاد هوانا
قيل لبثينة : هذا جميل لما به فهل عندك من حيلة تنفسين بها وجده؟ فقالت : ماعندي أكثر من البكاء إلى أن ألقاه في الدار الآخرة, أو زيارته وهو ميت تحت الثرى. وقيل لعتبة بعد موت عاشقها: ما كان يضرك لو أمتعتيه بوجهك؟؟ قالت : منعني من ذلك خوف العار, وشماتة الجار, ومخافة الجبار, وإن بقلبي أضعاف ما بقلبه غير أني أجد ستره أبقى للمودة , وأحمد للعاقبة, وأطوع للرب, وأخف للذنب